الرد على بعض أسئلة البروفيسور ريغ
البروفيسور ريغ هو نفسه الذي قد سبق ذكرُ لقائه وأسئلته والرد عليها في أحد أعداد جريدة الحكم سابقا، جاء مرة أخرى في 1908/5/18 -بحثٍّ من حضرة مفتي محمد صادق ووساطته- لزيارة حضرته عليه السلام وبعد السؤال عن الصحة والعافية طرح بعض الأسئلة وردّ عليها حضرته عليه السلام.
السؤال: ما عقيدتك في الله؟ أهو محدود، أم موجود في كل مكان يسمع ويرى، وهل له شخصية ويتمتع بالعواطف والمشاعر؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام :أنا لا أؤمن بأن الله محدود، ولا يمكن أن يكون لله حدود، وإنما نعرف أن الله موجود في الأرض أيضًا كما هو في السماء. وله نوعان من العلاقات، العلاقة العامة بالمخلوق العام. والعلاقة الخاصة بالعباد الخواص الذين يتقدمون في حبه بعد تزكية نفوسهم، عندها يتقرب الله إليهم وكأنه يتكلم من داخلهم. فمن عجائبه أنه قريب على بُعده، وبعيد على قربه، فهو قريب جدًّا ومع ذلك لا يمكن القول إن قربه مثل تقارب الجسدين، فهو فوق كل شيء، ولا يمكن أن نقول إن تحته شيئا، فهو أجلى من كل شيء ومع ذلك هو لطيف وخفي جدا، فبقدر ما يحرز الإنسان الطهارة الحقة، يطَّلع على وجوده سبحانه وتعالى. وقال عليه السلام : لعلك تقصد من العواطف أو المشاعر أنه سبحانه وتعالى لماذا كلف الإنسان بالشريعة، ولماذا قيَّده في قيود الحلال والحرام؟ فليكن معلوما أن الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى قدوس جدا، فهو لقداسته لا يحب الخبث، وكما أنه رحيم وكريم فلا يريد أن يسير الإنسان على طرق تؤدي إلى هلاكه، فهذه هي عواطفه، التي عليها بناءُ الدين، ولك أن تسميها بما تريد.
السؤال: هل لله أي صورة أو شكل؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام :ما دام غير محدود فأنى له الشكل؟
السؤال: ما دام الله سبحانه وتعالى حبا وعدلا وإنصافا، فلماذا نشاهد في نظام الدنيا أنه جعل بعض الأشياء غذاء للبعض، إذا كان الحب والعدل والإنصاف والرحم من خصائصه الذاتية، فلأي سبب أودع بعض المخلوقات الكيفيات والقوى لتأكل غيرها، مع أن كليهما سيَّان في كونهما مخلوقا.
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام :حين تستخدم كلمة الحب بحق الله سبحانه وتعالى فقياسها على حب الإنسان خطأ فادح، فكلمة الحب كما تطلق على الإنسان، والمفهوم الذي يُفهم منها في العلاقات البشرية، لا يمكن أن يطلق على الله أبدا، ولا ينطبق على الله المعنى نفسه. في الإنسان قوّتا الحب والغضب، لكن مفهومهما الذي يخطر ببالنا عند استخدامه بحق البشر لا ينطبق على الله أبدًا، فهو خطأ. فمن طبع الإنسان أنه يتلقى صدمة بفراق حبيبه؛ فالأم مثلا تحب طفلها، وحين يفارقها تتألم وتحزن وتصيبها صدمة كبيرة. كذلك حين يغضب الإنسان على أحد، فهو يشعر بوقعه أولا في نفسه، فكأنه يعاقب نفسه عند معاقبة غيره. فالغضب ألم يؤثِّر أولا في الإنسان نفسه، حيث تنشأ في طبعه المرارة وتزول الراحة ويُحرم من السكينة. لكن الله منزه من هذه الأمور. فمن هنا نستنتج أن مفهوم هذه الكلمات حين نطلقها على الإنسان يكون مختلفا من مفهومها عند إطلاقها على الله، فهي لا تنطبق على الله بالمعنى نفسه. ولذا لا نحب هذه الكلمات، فهذه الكلمة قد اخترعها أولئك الذين يقيسون الله على الإنسان فقط. إنه قدوس، فالذي يسير بحسب رضاه تكون علاقته به سبحانه وتعالى أقوى باستمرار، إلا أن إطلاق هاتين الكلمتين أي الحب والغضب على الله ممكن استعارةً ومجازًا.
إذن تذكروا أن هذه الدنيا مصنع قد وضع الله سبحانه وتعالى له نظاما حاليا بحكمته الكاملة، وهو يسير بحسب هذا النظام. إلا أن هذه الكلمات لا تناسبه. فكلمة الحب تقتضي الألم والحرقة، وحتى لو افترضنا أن الله حب، ومن صفاته الغضب أيضًا، (انطلاقا من حالة الإنسان) فلا بد من التسليم أيضًا بأنه يشعر بنوع من الألم والحزن أيضًا. لكن تذكروا أن مثل هذه الكلمات الناقصة لا تنسب إلى الله.
السؤال: هذا ما فهمته، وأريد أن أستكشف أنه لماذا جعل الله هذا النظام حيث يكون الأدنى خادما للأعلى. أو يكون غذاءه ويهون ويخزى أمامه.
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : لقد بينت آنفا أنّا لا نستطيع أن نشرح صفات الله الحب والرحم والغضب بالمعنى الذي نفهمه منها عند استخدامها بحق الإنسان، فقياس الحالة الإنسانية على الله خطأ فادح، فنظام الله هذا واسع قد خلقه على هذا النحو حصرا. وفي هذا النظام لا يستطيع الإنسان أن يتجاوز حده، وليس من المناسب أن يتدخل في الِحكم الإلهية الدقيقة جدًّا ويثير اعتراضا في كل مجال. هذا العالم مختصر، وبعده قد جعل الله عالما واسعا، قد أراد الله ووعد أنه سيهيئ فيه السعادة الحقة الأبدية. فكل حزن في هذا العالم سيتم تداركُه في الآخرة، فالنقص الذي يوجد في شيء في هذا العالم سيُسدّ في العالم الآخر. أما الحزن والألم والوجع والمعاناة والمحن فيتحملها الجميع على حديّ سواء، وكان ضروريا لقيام نظام هذا العالم. إذا نظرنا بنظرة واسعة فلا نجد أحدا يخلو من الألم، فكل مخلوق ينال نصيبا منه على قدر مرتبته، إلا أنها درجات متفاوتة ومختلفة. إذا كان العُقاب يصيد العصافير والطيور، فالأسود والنمور والذئاب تأكل أولاد الإنسان أيضًا، وتزعجه الثعابيُن والعقارب أيضًا. باختصار إن هذه السلسلة تسير على هذا النحو، ولا أحد يخلو منه، إلا أن الله قد خلق لتداركه عالما آخر، ولذلك سمى الله نفسه في القرآن الكريم “مالك يوم الدين” أيضًا. فمن المحتمل أن يكون الإنسان سعيدا، وتكون الطيور والأنعام أكثر منه سعادة. هذه الدنيا عالم الامتحان، ولحلّه هناك عالم آخر، فحين جعل سبحانه وتعالى في هذا العالم مشاكل ومحنا فقد وعد أنه سيجعل السرور والفرحة في العالم الآخر، فإذا قال أحد بعد هذا أيضًا: لماذا فعل كذا ولم يفعل كذا، فجوابه أنه حاكم ومالك أيضًا، ففعَل ما أراد، ولا يحق لأحد أن يعترض على فعله. الأمر الآخر الجدير بالتدبر أنه لما كانت التكاليف الإنسانية تفوق التكاليف الحيوانية (فلذلك سيفوق أجرُ الإنسان أجرَ الحيوان) فالتكاليف الإنسانية نوعان، إحداهما التكاليف الشرعية والأخرى تكاليف القضاء والقدر. في تكاليف القضاء والقدر يشترك الإنسان مع الحيوان، وكلهم سواسية. إذا كانت الحيوانات تموت بيد الإنسان، فالناس أيضا يموتون بهجوم الحيوانات. ومثل ذلك هناك تكاليف أخرى متنوعة، وفيها أيضًا يوجد نوع من الاشتراك.
أما التكاليف الشرعية، فلا تُشارك فيها الحيوانات الإنسانَ، فالأحكام الشرعية أيضًا نوع من السكّين تطلق على رقبة الإنسان، لكن الحيوانات غير مكلفة بها. فالأمور الشرعية أيضًا نوع من الموت الذي يورده الإنسان على نفسه، فبإلقاء نظرة إجمالية على هذه الأمور يتبين بجلاء أن التكاليف الإنسانية أكثر بكثير من التكاليف الحيوانية.
الأمر الثالث الجدير بالتذكر، هو أن حواس الإنسان سريعة جدا، فقوة الإحساس في الإنسان أكبر، فالحيوانات والنباتات مقابله تتمتع بشعور ضئيل جدا، ولذلك لم يوهب للحيوانات العقلُ الكثير. فمن العقل ينشأ الشعور، ولما كان العقل والشعور ضئيلا جدًّا في الحيوانات، فلذا تبقى في نوع من النشوة. فالشعور المتوقد في الإنسان وحده، وهذه القوى في الحيوانات ضئيلة جدًّا فكأنها معدومة. لهذا فإن الحيوانات تشعر بهذه التكاليف قليلا جدا، ومن المحتمل ألا تشعر بهذه التكاليف مطلقا.
من الجدير بالانتباه الآن معرفة مَن الذي يخضع لهذه التكاليف في الدنيا أكثر، أهو الإنسان أم الحيوان؟ فالجلي البين أن الإنسان حصرا يواجه نصيبا كبيرا من هذه المشاكل المادية بالمقارنة مع الحيوانات.
السؤال: لقد فهمتُ ما قلتَه، والآن أود أن أستكشف هل تسلِّم بأن الحيوانات أيضًا ستعطى أجرًا في العام الآخر؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : نعم، أنا أقبل أن الجميع سيواجهون الأجر على التكاليف الدنيوية على قدر مراتبهم، ويتم تدارك آلامهم ومعاناتهم.
السؤال: من هنا يُستنتَج بالضرورة أن الحيوانات التي نقتلها ينبغي ألا نعدّها ميتة، بل ينبغي أن نعدها حية.
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : نعم فمن المؤكد أنها لا تفنى، بل أرواحها باقية، فهي لم تمت في الحقيقة بل هي أيضًا حية.
السؤال: قد ورد في الكتاب المقدس أن آدم، أو يمكن أن تقولوا أول إنسان، خُلق في جيحون وسيحون وهو كان بلده، فهل هؤلاء المقيمون في شتى بقاع الأرض مثل أميركا وأستراليا وغيرهما هم أولاد ذلك الآدم؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : أنا لا أقبل بذلك ولا أتبع التوراة بخصوص هذه المسألة، أن العالم بدأ قبل ستة أو سبعة آلاف سنة حين خُلق هذا الآدم، ولم يكن قبل ذلك شيء، وكأن الله سبحانه وتعالى كان عاطلا. ولا أدعي أن كل هذا النسل الإنساني الموجود حاليا في شتى بقاع العالم هو نسل ذلك الآدم حصرا. بل أؤمن بوجود النسل الإنساني حتى قبل هذا الآدم كما يتبين من كلمات القرآن الكريم حيث قال الله سبحانه وتعالى : ” إِنِّي جَاعِلٌ فِي الَْأرْضِ خَلِيفَةً” (البقرة:30) فالخليفة من يخلف أحدا، ومن هنا يتبين بجلاء أن المخلوق كان موجودا حتى قبل آدم، فلا نستطيع أن نقول عن سكان أميركا أو أستراليا وغيرهم، إنهم ذرية هذا الآدم أو من سلالة آدم آخر.هناك كشف لحضرة محي الدين ابن عربي يناسب سؤالك، فقد كتب أنه رأى في الكشف : ذهبت للحج فلقيت هناك شخصًا ظننته آدم، فسألته أأنت آدم؟ فقال عن أي آدم تسألني؟ فقد خلا آلاف الأوادم.
السؤال: هل تؤمن حضرتك بمسألة الارتقاء، أي أن الإنسان ارتقى من الحالة الدنيا إلى العليا، فقد تطور من الثعابين والعقارب فصار قردا، ومن ثم تطور من القرد إلى الإنسان؟ ومتى خلقت الروح؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : أنا لا أؤمن بأن الإنسان كان في زمن ما قردا، وتدريجا انقطع ذيله، وزال الشعر وترقّى ليصير إنسانا، فهذه دعوى على صاحبها إثباتُها. يجب أن يقدَّم قرد تطور تدريجا رويدا رويدا إلى إنسان، فأنى لنا الإيمان بهذه القصص والأساطير التي ليس لها أي دليل. نؤمن بأن الأوادم الكثر خلَوا، لكنه بحسب الحالة الحالية التي نشاهدها يوميا يتولد الإنسان من إنسان، فلم يشاهد أحد ولادة إنسان من قرد قط أو العكس. إنما هو قصة وردت في الحكايات، بل الحقيقة أن الجنس نفسه يتولد من بني جنسه، إن قانون الله سبحانه وتعالى أمام أعيننا، بحيث يولد الحمار من حمار، والحصان من حصان، والقرد من قرد، أما الذي يدَّعي خلاف ذلك بتولّد الإنسان أيضًا من القرد فعليه أن يدعم ادعاءه بالدليل، فالقول بأنه ربما حدث ذلك، فما معنى ربما؟
لقد زوَّدَنا الله بالمشاهدة كدليل، فالذين يقولون خلاف ذلك يجب عليهم أن يقدموا دليلا بيِّنا، وإلا فالأمور الظنية ومجرد الادعاءات لا تشكِّل حجة. الروح مخلوقة، ويخلقها الله من المادة العنصرية نفسها. (وقد بينا هذا الأمر بالتفصيل في كتاب “ينبوع المعرفة” الصادر حديثا). توجد الروح الإنسانية في نطفة الإنسان بوجه دقيق وخفي، وهي الأخرى تنمو مع النطفة تدريجا وبالتطور وفي نهاية الشهر الرابع وبداية الشهر الخامس يحدث التغير البيِّن فتظهر، كما قال الله سبحانه وتعالى في كلامه الطيب: ” ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ” (المؤمنون:14).
فلا يصح قول الآريين بأن الروح مثل الله أزلية وأبدية، إذ ترِد على هذا المعتقد شبهاتٌ كثيرة بحيث لا يبقى الله إلها. فالروح جوهر لطيف، تتولد وتنمو مع خلق الإنسان في الخفاء، فخذوا ثمرة التين مثلا، عندما تكون فجة توجد فيها حشرات حية في حالة ناقصة، لكنها حين تنضج تُرى فيها الحشرات تتحرك حتى تظهر لها
الأجنحة فتطير، وبالإضافة إلى ذلك هناك ثمار أشجار أخرى كثيرة، شوهد فيها مثل هذه المشاهد.
باختصار عندنا إثباتُ دعوانا، والحقيقة الثابتة لا تُرفَض ولا تنكَر. في الحقيقة تكون في داخل هذه الثمار مادة خفية تنمو مع نمو الثمرة وتتطور.
السؤال: إن أصحاب الفلسفة الروحية يقولون إن الحياة نزلت من القمر، والعقل من المشتري، وتشكَّل القمر من الأرض، وكانت الأرض في البداية لينة جدا، فطار جزء منها إلى السماء وصار قمرا، فالحياة في الحقيقة خرجت من الأرض بالذات، فمن الأرض وصلت إلى القمر، ومن القمر نزلت إلى الإنسان، فما رأيك في ذلك؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : أنا أؤمن بتأثيرات القمر والشمس والكواكب الأخرى.
فالإنسان ينتفع بها، فالولد عندما يكون في بطن الأم تؤثر فيه هذه التأثيراتُ ، هذا الأمر لا ينافي الشريعة، ولذلك لا ننكره. إن تأثير نور القمر بيِّن في النباتات، فبنور القمر تكبر الفواكه وتحدث فيها حلاوة، وأحيانا قد سمع بعض الناس صوتا من تشقق الرمان الذي يحدث بنور القمر. فالذي هو معقد وغير ثابت -عدا
هذا الجزء- فلست جاهزا للتسليم به، فقد ورد في القرآن الكريم بوضوح أن القمر والشمس وجميع الكواكب مسخرة للإنسان وهي نافعة له، وفيها الفوائد الإنسانية. فلا نجد أي حرج في التسليم بأنه كما نستفيد من النباتات، تفيدنا جميع هذه الكواكب أيضًا، فالآن إذا ثبت أن للعقل علاقةً بالمشتري فنحن مستعدون للتسليم بذلك أيضًا.
عند سماع ذلك قال البروفيسور المحترم: إني كنت أظن أن هناك تعارضا كبيرا بين العلم والدين، كما هو مسلَّم به عموما في العلماء، أما أنتم فقد رفعتم الخلاف والتعارض نهائيا.
فقال عليه السلام : هذه هي مهمتي، وهذا ما أثبتُّه أنه لا تعارض بين العلم والدين مطلقا، بل الدين يطابق العلم تماما، ومهما تقدم العلم لن يسعه تكذيبُ تعليم القرآن الكريم وأصول الإسلام أبدا.
السؤال: إن ما يوجد في الذباب أو الحيوانات الدنيا، فبم نسميه؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : الروح ثلاثة أقسام، الروح النباتية، الروح الحيوانية، الروح الإنسانية. فلا نسلِّم بأن كل هذه الثلاثة بمستوى واحد. فالوارثة للحياة الحقيقية منها وجامعة الكمالات هي الروح الإنسانية فقط. أما الروح الحيوانية والنباتية ففيها أيضًا نوع من الحياة، لكنها لا تساوي الروحَ الإنسانية، ولا تقدر على الفوز بالمدارج مثلها. ولا تنافس الروح الإنسانية في الكمال، وإذا كان فيها شيء من التشابه فلا نرى الخوض في هذا النقاش المعقد مناسبا. فمن المحتمل أن تكون هذه الأرواح مشابهة للأرواح الإنسانية في صفات معينة خاصة، لكنه كما يوجد اختلاف وفرق بينها وبين الإنسان في الظاهر، كذلك يوجد اختلاف روحاني أيضًا، بل قد سُلِّم لدرجة أن بعض النباتات أيضا تتمتع بنوع من الشعور، فإذا زُرعت شجرة بامبو تحت سطح البيت، فسوف تنمو لكنها حين تصل إلى السقف حيث تبقى مسافة شبر فقط بينها وبين السقف تغير اتجاهها، وتبدأ النمو في اتجاه آخر. كما يوجد هناك نبات يقال له في البنجاب “شوئي موئي” حين يلمسه الإنسان بيده ينكمش فورا. هذه الأمور واردة في كتب علوم الطبيعة المشهورة القديمة، وثابتة بالتجربة أيضًا.
لكن ينبغي ألا نتتبعها كثيرا، فما أروع ما ورد في بيت من الشعر: هل تمكنت من إصلاح شئون الأرض فتوجهت إلى شئون السماء؟ (ترجمة بيت شعر) فليس المناسب الخوض في النقاشات الدقيقة لها، وإضاعة الوقت في تتبعها.
السؤل: ذات يوم ذهبت إلى الكنيسة وسمعت هناك قسا يقول: “إن الإنسان كيان ذليل هين ودودة حقيرة، وهو يتردى إلى الأسفل كل يوم، ولم يعد قادرا على التقدم والرقي، ولذلك ولخلاصه وحمايته من الذنب قد جعل الله وحيده كفارة عنهم!” لكنني أرى أن الإنسان يستطيع أن يتقدم في الحسنات. إذا قام ابني هذا
بتصرف غير شرعي فعندما يعقل ويزيد علمه، فسوف يفهم تلقائيا أن هذا العمل سيئ، وسوف يجتنبه، ويعمل صالحا، فما رأي حضرتك في هذا؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : الإنسان صالح ويقدر على إحراز الحسنات، وقد أعطي القوى للتقدم، وبالتقدم في الحسنة يستطيع الإنسان أن ينجو.
السؤال: هؤلاء يقولون: مهما أحرز الإنسان من حسنات هو هالك حتما، إلا أن يؤمن بكفارة المسيح. فما رأيك في هذا؟
الجواب: قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام : إن الإنسان بحاجة إلى العمل والسعي، وليست له أي حاجة إلى الكفارة، فكما هناك نظام مادي ثمة نظام روحاني أيضًا، خذوا الفلاح مثلا في النظام المادي، كم يجتهد في حرث الأرض وبذرها وريِّها، فهل هو بحاجة إلى أي كفارة؟ كلا، بل هو بحاجة إلى العمل والجهد، فلا نؤمن أبدا أنه لا سبيل للنجاة غير الكفارة، بل الكفارة على عكس ذلك تمثل حجر عثرة وعقبة في طريق تقدم الإنسان ورقيِّه.
المراد من الطهارة ألا يخضع الإنسانُ للثوائر النفسانية التي تريد أن تجعله مُعرضا عن الله ومنغمسا في اتباعها، وأن يقاومها. ويسعى أن يكون سلوكه موافقا لمرضاة الله، حتى لا يصدر منه أي قول أو فعل دون رضا الله. إن الله قدوس وطيب، وهو يريد أن يسيِّر الإنسان أيضًا بحسب صفاته حصرا، فهو رحيم ويريد أن يرحم الإنسان أيضًا،كما هو كريم ويريد من الإنسان أيضًا أن يكون كريما. إن صفات الله سبحانه وتعالى متجلية في قانونه في الطبيعة، ففي النظام المادي نرى أن هذه الدنيا تمتدّ لأزمنة سحيقة، وقد هيأ الله للإنسان فيها دومًا الغلة والماء واللباس والنور، وغيرها من الاحتياجات الضرورية، واللوازم الإنسانية، وإن صفات الله الكرم والرحم ومقتضيات الأسماء الحسنى ظلت من الأزل ترشد الإنسان بانتظام، فالهدف أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يصبغ الإنسان بصبغة صفاته.
بعد ذلك شكر البروفيسور وزوجته لحضرته عليه السلام وقالا: نحن ممتنّان لكم أنكم أكرمتمونا وشرَّفتمونا بالكلام معنا، وأضفتم إلى معلوماتنا قدرا مفيدا، وانقضى وقتنا هنا في أجواء رائعة
( المصدر: جريدة الحكم؛ بتاريخ 1908/5/30م).
