حقيقة تحويل القبلة
ردًّا على اعتراض أحد الآريين على أن النبي صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله لم يكن موقنًا ومتأكدا من وحيه وإلهاماته بنفسه ولذا حُولت القبلة، قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام:
لا يعرف هؤلاء السفهاء أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بتحويل القبلة، وكان هذا الانقلاب ليتبين أن المسلمين ليسوا عبَدة الكعبة، فكلا المكانين اللذَين كان من المحتمل أن يعبدهما الناس في زمن ما لقدسيتهما وبركتهما قد كشف بجعلهما وراء الظهور أن المسلمين في الحقيقة يعبدون الله سبحانه وتعالى وحده ولا يعبدون الكعبة. مع ذلك هؤلاء لا يزالون يتهمون المسلمين بعبادة الحجر الأسود، فالواضح أن الإنسان لا بد أن يوجِّه وجهه إلى مكان ما للعبادة، فأحد الأشخاص يختار جهةً ما بحسب رغبته الشخصية والثاني يوجِّه وجهه إلى طرف معين بأمر من الله فأخبروني أيٌّ منهما أفضل؛ هل الذي يتبع الأمر أم الذي يتبع النفس؟ ولا أعرف لماذا لا يستحيي هؤلاء عن وصْف المسلمين بأنهم يعبدون الكعبة.
فتحويل النبي صلى الله عليه وسلم للقبلة كان مبنيًّا على هذه الحقيقة، لكي يصبح المسلمون موحدين مخلصين ويتمسكوا بالتوحيد، ويَخرج من قلوبهم حتى خيالُ عبادة الكعبة، ولم يكن ذلك لأي تهور أو نقص في اليقين كما يتوهم الآريون، لأنه صلى الله عليه وسلم قد أُمر بالقول صراحة: “قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (يوسف:108)
الرد على اعتراض: لماذا أسر المسلمون إماء في الحرب؟
ردًّا على اعتراض بأن أخذ المسلمين إماء في الحرب ظلم ووحشية، قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام : كل ما فعله المسلمون كان بعد ممارسة كفار مكة المظالم والاعتداءات والاضطهاد، كان ينبغي أن يطلعوا أولا على تلك المظالم للكفار ثم يوجهوا الاعتراض على المسلمين. تدبروا قليلا كيف قضى حضرته صلى الله عليه وسلم حياته في مكة؟ كيف ظل يتعرض المسلمون لمظالم أهل مكة بمنتهى الصبر والمسكنة حتى اضطر متضايقا من فتنهم للهجرة من وطنه العزيز، في تلك المرحلة تعرضت سيدة مسلمة لحادث ترتعد له الأوصال، وهي عينة من مظالم كفار مكة واضطهادهم. إن فطرتنا لا تتحمل بيان ذلك الحادث بالتفصيل والإسهاب، فالذين قرأوا ذلك الحادث في كتب التاريخ يعرفون كم هو مؤلم ومعذِّب. باختصار، كل ما فعله المسلمون كان دفاعًا، إذ كان الأعداء قد فعلوا كل ذلك سلفا وبعدهم فعل المسلمون أيضًا، فكما دان الكفار دِينو. وقد قال تعالى: “وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا” (الشورى:40)
الأصل أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لتسيير نظام العالم حكومتين إحداهما ظاهرية، والأخرى باطنية. ولقد وهب لنبينا صلى الله عليه وسلم كلتيهما. فكانت معاقبة الأشرار والأنذال واللصوص وقطاع الطرق على شرورهم وفتنهم مهمة وضرورية لإقامة الأمن في البلد. فكان أهل المدينة قد قبلوا النبي صلى الله عليه وسلم ملِكا ماديا لهم، حيث كانوا يتحاكمون إليه في أغلب القضايا المادية. ففي إحدى القضايا بين مسلم ويهودي حكَم حضرته صلى الله عليه وسلم لصالح اليهودي، كما قد عفا عن الكفار أحيانًا وغفر لهم جرائمهم، كما ترك بعض التقاليد السيئة مقابل الكفار، فكان كفار مكة يسيئون إلى موتى المسلمين في الحرب، ويمثِّلون بهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المسلمين عن تلك العادة البشعة.
باختصار، يجب أن ينظر هؤلاء المعترضون بكلتا العينين، فلماذا يصبحون عُورًا رغم تمتعهم بالعينين؟ فليقرأوا أولا مظالم كفار مكة، ثم إذا وجدوا أي اعتداء للمسلمين فيحق لهم أن يعترضوا. كانت جميع حروب المسلمين مع الكفار دفاعية إذ لم يبدأها المسلمون قط، فانظروا إلى قطاع الطرق على المناطق المتاخمة الذين يشنون الهجوم كل يوم على أموال الشعب وحياتهم ويثيرون الفساد، فهل على الحكومة ألا تحرك ساكنا ولا تتصرف لمعاقبتهم والقضاء عليهم؟ تدبروا قليلا وتفكروا.
(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/3/14م)