علامات الزمن الأخير المذكورة في القرآن الكريم
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
لقد ورد في القرآن الكريم قولُ الكفار: “وَقَالُوا۟ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ” (الملك:10)، فمن هنا يتبين أن الإيمان لا يصح دون التدبر. جميع العلامات المذكورة في سورة التكوير هي للزمن الأخير، ومنها: ” وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ” (التكوير:4)، وفي تفسير ذلك بالضبط قال النبي صلى الله عليه وسلم : “ولَتُتْرَكَنَّ القِلاصُ فلا يُسْعَى عليها” ومن هنا يتبين أن المسيح الموعود أيضًا يُبعث في هذا الزمن نفسه، بل هذه هي علامات أوائل زمنه.
ثم قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
ومنها “وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ” أي سوف تتهيأ وسائل السفر التي بواسطتها سوف تتزاوج الشعوب وتتقارب رغم وجود مسافات شاسعة بينها، حتى إن العالم الجديد سينشئ العلاقة بالقديم ويحدث التواصل بينهما. وإنّ خروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدجال، وغلبة الصليب، أيضًا من علامات هذا العصر. فقد خلق الناس تناقضًا فيها لسوء فهمهم، حيث يظنون أنها منفصلة ومستقلة، مع أنهم يعتقدون بحق كل واحد منها أنه سيحيط بالعالم. هنا ينشأ السؤال أنه إذا أحاط يأجوج ومأجوج بالأرض فكيف سيحيط بها الدجال، وأين تكون غلبة الصليب؟ فلا نجد الحل سوى أن نقول، إن كل هؤلاء أفراد مختلفة لأمة واحدة. وإذا اعتبرناهم كلهم واحدًا فلن تبقى أي مشكلة، فقد قال الله سبحانه وتعالى بحقهم: “وَتَرَكۡنَا بَعۡضَهُمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ یَمُوجُ فِی بَعۡضࣲۖ وَنُفِخَ فِی ٱلصُّورِ فَجَمَعۡنَـٰهُمۡ جَمۡعࣰا” (الكهف:99)، مما يتبين أن اختلافًا عظيمًا سيحدث، وأن جميع الأديان ستخرج إلى حلبة المصارعة. وكلمة ” تَرَكْنَا” تشير إلى أنه سيكون عصر الحرية، وهذه الحرية ستكون قد بلغت أوجها، وعندها سوف يقرر الله جْمعهم بواسطة مبعوثه. فانظروا أنه سبحانه وتعالى قد قال أولا: ” جََمعْنَاهُمْ” ، وقال عن بدء العالم: “خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالࣰا كَثِیرࣰا وَنِسَاۤءࣰ” (النساء:1) فكلمتا “بَثَّ” و“جَمعَ” متناقضتان تمامًا، فكأن الدائرة تكتمل ويعود الزمن نفسه. ففي الماضي كانت وحدة ذاتية، والآن تكون وحدة نوعية في الأخير. ثم قال: “وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡكَـٰفِرِینَ عَرۡضًا” (الكهف:100) فقد بيَّن علامة من علامات زمن المسيح الموعود أن جهنم سوف تُعرَض في ذلك اليوم على الكفار، فهذا ليس ذكر القيامة لأنه في يوم القيامة لن تُعرض جهنم بل سوف يدخلها الكفار. فالمراد من جهنم هنا هو الطاعون، فقد وُصف الطاعون في إلهاماتنا بجهنم عدة مرات.
فمن إلهاماتي: “يأتي على جهنم زمان ليس فيها أحد.” لقد ذكر الله سبحانه وتعالى فئتين، إحداهما هم السعداء الذين آمَنوا بالمسيح الموعود والأخرى الأشقياء الذين ينكرون المسيح. فبحقهم قال سبحانه وتعالى: سوف نرسل الطاعون جهنمَ. والمراد من ” نُفِخَ فِي الصُّورِ” أن الذين يأتون من الله يُنفخ فيهم بالوحي، ثم يبلغ هذا النداء بواسطتهم العالمَ كلَّه، ثم تنشأ فيهم جاذبية بحيث يجتمع الناس على نداء ذلك المبعوث رغم اختلاف الأفكار والطباع والأوضاع، ويأتي أخيًرا الزمن حيث تكون رعيةٌ واحدة وراعٍ واحد.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى لنا بنفسه وسائل تجتمع بها جميع الأرواح السعيدة على دين واحد، ولقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: “قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُمۡ جَمِیعًا” (الَأعراف:158)، فمن ناحية ورد هنا ” جَِميعًا” ، ومن ناحية أخرى قال “جَمَعۡنَـٰهُمۡ جَمۡعࣰا” فبينهما علاقة خاصة. ويبدو أن عملية الجمع كانت قد بدأت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبلغت وسائلُ الجمع ذروتها في هذا الزمن.
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن جميع الطرق للسفر قد فُتحت، فقد ورد في التفسير الكبير1 أن هناك أماكن لم تبلغها دعوة النبي .صلى الله عليه وسلم أما الآن فيمكن وصول الخبر من أقصى الأرض إلى أقصاها بواسطة البريد والبرقية والقطار. إن السكة الحديدية التي تمهَّد في الحجاز تتبع هذه النبوءة. فقد بدأ كثير من العرب يقولون إنه قد جاء زمن “وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ” ، فكلمة العشار بحد ذاتها تفصح أن ذلك يحدث قبل القيامة، لأنه قد ورد عن يوم القيامة أنه كل ذات حمل ستضع حملها، كما أن كل شيء سيكون معطلا في يوم القيامة أيضًا، فما ميزة النوق بالذات؟ إنما كان المراد أن مدار التجارة الآن على الِجمال، لكنه سيكون في زمن المسيح الموعود على القطار. فلما تقرر من الحديث أن هذا هو زمن المسيح الموعود، ووردت هذه العلامات لزمن المسيح الموعود، لذا يجب على العرب أن يبحثوا عن المسيح الموعود. فانظروا كيف تُمهَّد السكة الحديدية في بلدهم، وأعداؤنا هم أنفسهم يبذلون قصارى الجهود في إنجاح المشروع، فمن الآية أن الله سبحانه وتعالى قد سخَّر معارضينا لنا، فهم يتبرعون ويموِّلون المشروع الذي به يتحقق صدقُنا.
تكذيب الآيات
من المؤسف أن هؤلاء لا يتورعون لبُغضنا عن تكذيب نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كم من آيات سيكذبونها؟ فقد بعث لنا الله سبحانه وتعالى الطاعون وحدث الزلزال أيضًا وخرج يأجوج ومأجوج والدجال، وحدث الخسوف والكسوف في رمضان بصفة غير عادية، ويقولون إن الحديث ضعيف! ولا يفقه السفهاء أنه إذا تحققت النبوءة فالجرح في الرواة عبثٌ ، فمعلوم أنه حين يتحقق أمر فالسفيه جدًّا من قال إن الراوي الفلاني كذا والعلاني كذا.
لقد قال أحد الصلحاء: ليس من المستبعد أن تكون بعض الأحاديث الصحيحة موضوعة، كما أن هناك أحاديث عُدَّت موضوعة قد أثبتتْها الأحداث الحقة صحيحةً، فلو كانت في هؤلاء ذرة من الإيمان لآمنوا. فانظروا كيف يتطابق الحديث والقرآن الكريم والأوضاع الراهنة. هم يتهموننا بالافتراء، فإنْ كنتُ قادرا على اختراع الإلهام فهل كنت متحكما في السماء أيضًا حتى أظهر الخسوف والكسوف في رمضان على عكس المعتاد؟ فهل كنت قادرًا على إظهار الطاعون أيضًا؟ وهل يُصنع القطار بمساعينا؟ فالحق ما قال الله سبحانه وتعالى أي: “وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡكَـٰفِرِینَ عَرۡضًا” (الكهف:100) ثم قال “ٱلَّذِینَ كَانَتۡ أَعۡیُنُهُمۡ فِی غِطَاۤءٍ عَن ذِكۡرِی وَكَانُوا۟ لَا یَسۡتَطِیعُونَ سَمۡعًا” (الكهف:101) فالمراد من “ذِكۡرِی” أني تذكرتُهم بواسطة مبعوثي، فذكر الله يعني أنه بَعث من عنده مصلحًا. لكنهم يتغافلون عن ذلك المبعوث، حيث وقعت على أعينهم حُجُبُ أنواع الشبهات، ولم يروا نور الحق. وثورة التعصب حرمتْهم من الاستماع إلى كلام المبعوث. “وَكَانُوا۟ لَا یَسۡتَطِیعُونَ سَمۡعًا” ، هذا ما آل إليه مآلهم في العصر الراهن، ويواجهون العقاب أيضًا بما ذكُر في القرآن الكريم، أي “وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡكَـٰفِرِینَ عَرۡضًا”
(المصدر: جريدة بدر؛ بتاريخ 1908/1/23م)
1أي تفسير الإمام فخر الدين الرازي والمسمى أيضا بمفاتيح الغيب.