عرض شخص بعض الأسئلة على الإمام المهدي (لمسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام . ننقل فيما يلي هذه الأسئلة مع الأجوبة عليها:
السؤال 1: هل كان زرادشت نبيا أم لا؟ قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
لا أقول إلا آمنتُ بالله ورسله1. إننا نؤمن بأنبياء الله جميعا2. ولكن الله لم يُطلعنا على أسماء جميع الأنبياء ووقائعهم3، كما قال تعالى: “وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَیۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَیۡكَ” (غافر:78) لقد ظل ملايين المخلوقات يولَدون وسكن ملايين الناس في بلاد مختلفة فلا يمكن أن يتركهم الله هكذا دون أن يتم عليهم الحجة بإرسال نبي. لقد ظل الأنبياء يأتون فيهم على أي حال4، فيمكن أن يكون هو أيضا أحد من هؤلاء الرسل، ولكن تعليمه الصحيح ليس معلوما الآن لأن بعض الأشياء تغيرت تماما نتيجة التحريف اللفظي والمعنوي بمرور الزمان. غير أن الحفظ الحقيقي وُعد به للقرآن الكريم وحده. يجب على المؤمن أن يحسن الظن أكثر من سوء الظن5. لقد جاء في القرآن الكريم: ” وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِیهَا نَذِیرࣱ” (فاطر:24)، لذا يمكن أن يكون هو أيضا رسولا.
السؤال 2: كتبتم في البراهين الأحمدية أن من علامة الكلام الإلهي أنه يكون أفضل من غيره من جميع النواحي. التوراة والإنجيل أيضا كلام الله، فهل توجد فيهما هذه الصفة؟ فقال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
لقد ورد في القرآن الكريم عن هذين الكتابين: “یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ” (المائدة:13)، كان هؤلاء الناس يضيفون إليهما شيئا كتفسير من عندهم. فكيف يمكن وجود هذه الصفة في الكتب المحرَّفة؟
هنا قال حكيم الأمة: لقد قيل في التوراة: “فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّب… وَلم يَعْرِفْ إنْسَانٌ قَبرهُ إلَى هذَا الْيَوْمِّ… وَلَم يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ في إسْرَائيلَ مثْلُ مُوسَى” )التثنية:34 6-5 و10 ) كيف يمكن أن يكون هذا الكلام لموسى عليه السلام؟! يقول المسيحيون أنفسهم بأنه لم يُعثَر على الإنجيل الأصلي، أما الموجود حاليا فهو مبني على تراجم بعد تراجم. والمعلوم أن الترجمة تكون بحسب رأي المترجم. وجزء كبير منهما يحتوي على بيان الآخرين مثل حادث الصليب وغيره. فقال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
هذا صحيح تماما. وإذا بحثتم في العالم كله عن كلام نقي ومحفوظ مثل القرآن الكريم لن تجدوه. الكلام المحفوظ من تحريف الآخرين وتبديلهم هو القرآن الكريم وحده.
هناك أمران جديران بالتذكر جيدا، أولهما حفظ القرآن الكريم، إذ ليس على وجه الأرض كتاب وعد الله بحفظه، وفيه ادعاء قوي ومبني على التحدي مثل: “إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ” (الحجر:9)، والأمر الثاني يتعلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم وجد فرصة لإظهار الأخلاق من كل نوع. انظروا إلى موسى عليه السلام أنه مات في الطريق. أما عيسى عليه السلام فقد ظل مغلوبا دائما، ولا نعلم ماذا كان سيفعله إن غلب. أما نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم فقد حاز على القدرة والقوة الكاملة ثم دعا أعداءه الألداء أمامه وقال لهم كما قال يوسف عليه السلام لأخوته: “لَا تَثۡرِیبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡیَوۡمَ” (يوسف:92) ثم انظروا أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث حين كان الفسق والفجور والشرك والوثنية قد بلغت منتهاها. وكان مشهد “ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ “(الروم:41) ملحوظا. ثم رحل صلى الله عليه وسلم من الدنيا حين شاهد مشهد: “وَرَأَیۡتَ ٱلنَّاسَ یَدۡخُلُونَ فِی دِینِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجࣰا” (النصر:2)، أمام عينه. هذا ما لا يوجد نظيره في العالم كله. والكمال هو أنه صلى الله عليه وسلم قد أنجز ما جاء من أجله. أما عيسى عليه السلام فقد واجه الصليب ولم يتخلص من اليهود. ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم أبدى، بعد كونه غالبا، أخلاقا لا نظير لها.
السؤال 3: لقد ورد في القرآن الكريم عن عيسى عليه السلام أنه: “كَلِّمَة” و“رُوْحٌ مِّنْهُ“. فقال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
نحن أيضا نعتقد أن ولادة عيسى عليه السلام كانت بريئة من مس الشيطان، ونعُد روحه أيضا “رُوْحٌ مِّنْهُ” مثل أرواح بقية الأنبياء، ونؤمن ب. ” یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِ” (الأعراف:158)، ولكن هذا لا يُثبت أفضليته على الأنبياء الآخرين. قل لي أنت، أليس كل شخص هو “رُوْحٌ مِّنْهُ” أم هو من غيره؟ الأرواح كلها من خلْق الله وتكون منه دون غيره. صحيح أن في ذلك إشارة دقيقة أيضا إلى أنه لا يمكننا تسمية أرواح الفاسقين والفاجرين “روح منه” بسبب فسقهم وفجورهم ونجاسة شركهم، بل هم “روح الشيطان“كما قال الله تعالى: “شَارِكۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَوۡلَـٰدِ” (الإسراء:64)، فنعتقد أن البعض يكونون روح الشيطان والبعض “رُوْحٌ مِّنْهُ.” يكون بعض الناس فاسدين إلى درجة أنهم سيئو الطبع وذوو تصرفات شيطانية ولا يتوقع منهم أن يرجعوا إلى الله بأي حال، فلا تُطلق عليهم كلمة “رُوْحٌ مِّنْهُ” بل هم روح الشيطان. أما إطلاق تعبير
“رُوْحٌ مِّنْهُ” على عيسى عليه السلام فهو لِذَبّ التهمة ودفعها عنه، وقد رُفعت عنه التهمة التي أُلصقت به، وإلا فالصالحون والصادقون كلهم يكونون “رُوْحٌ مِّنْهُ.”
السؤال 4: لقد خلق الله عيسى بغير أب. فقال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
إذا كانت الولادة بغير أب دليل على الألوهية أو بنوة الله، فإن آدم عليه السلام أحق بهما لأنه ليس له أبٌ ولا أمٌّ، ويقول الله تعالى عنه: “إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ” (آل عمران:59)، والجدير بالذكر أنه لما كان هناك خطر أن ينخدع الخلق نتيجة ولادة عيسى بغير أب فقد جعل الله لذلك نظيرا بخلقه آدم بغير أب وأم. ولكن إذا اعتُرف بصعوده إلى السماء لكان ضروريا أن يجعل الله لذلك أيضا نظيرا. فلما لم يجعل الله نظيرا للصعود إلى السماء فثبت أن القول بصعوده إلى السماء كذب بحت. عندما طلب الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم “أوۡ تَرۡقَىٰ فِی ٱلسَّمَاۤءِ” (الإسراء:93)، رد الله تعالى عليهم بأن البشر لا يمكن أن يصعد إلى السماء، فقال: “قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّی هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرࣰا رَّسُولࣰا“(الإسراء:93)، إذا كان صعود البشر إلى السماء ممكنا لكان من الواجب أن يقدم الكفار نظيرا.
من المؤسف أن هؤلاء القوم عاقدون العزم على نصرة القساوسة دون مبرر. حين يقول المسيحيون بأن البشر لا يمكن أن يصعد إلى السماء بحسب القرآن الكريم ولكن عيسى صعد إليها فهذا يعني أنه إله، ينظر المسلمون إليهم محتارين مشدوهين. لا يفهم هؤلاء القوم أن عيسى عليه السلام كان إنسانا ضعيفا ورسول الله ولم يكن أكثر من ذلك قيد شعرة. وإذا كان إلها فالمسؤولية تقع على المسيحيين أن يُطلعونا على شمس أو قمر أو أرض خلقها عيسى، بينما لم يكن المسكين قادرا على أن يخلق حتى بعوضة. لقد ورد في القرآن الكريم بكل صراحة أنه كان عبدا ومحتاجا إلى الأكل والشرب والحوائج الأخرى ومات مثل بقية الأنبياء.
السؤال 5: المسلمون يقدمون المعراج بهذه المناسبة.فقال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
الجسم الذي عُرج به لم يكن جسما ماديا، بل كان جسما لطيفًا ونورانيا جدا.كم من أخطائهم نصلحها! لقد ورد في صحيح البخاري بكل وضوح: ثم استيقظ. قولوا لي الآن كيف كان ذلك بالجسم المادي؟ لقد جربنا أن الأطهار يُعطَون وجودا نورانيا.
اعلموا أن هناك إلهاما وهناك رؤيا وكشفا، والكشف يفوق الرؤيا. صاحب الكشف يدرك أنه في مكان آخر ويسمع صوت الآخرين أيضا. يعتقد الصوفية أن أولياء الله يُعطَون جسما نورانيا، بل يراه أحيانا الآخرون أيضا. كما يعتقد الصوفية كلهم أن سلسلة الوحي لا تنقطع بل يمكن للإنسان أن يصبح نبيا على سبيل الظلية، ولكن بسبب ضعفه يعبرون عنه بوحي القلب.
اعلموا جيدا أنه لم يكن هذا الوجود المادي في المعراج بل كان وجودا آخر تماما، وبه يلقى الإنسان الأموات أيضا. ويلاحظ نموذج ذلك في الرؤيا أيضا إلى حد ما بحيث يكون وجود الإنسان المادي على السرير ولكنه يرى بعينين أخريين ويمشي بقدمين أخريين. وعُدّت الرؤيا أخت الموت لأن بواسطتها يستطيع الإنسان أن يدرك ذلك العالم إلى حد ما.
فما دام قد ورد ثم استيقظ في كتاب مثل صحيح البخاري، وهذا هو مذهب عائشة الصديقة رضي الله عنها أيضا6. فما لنا أن نقدم شيئا آخر دون مبرر.
يبدو أن الصحابة أيضا كانوا يعتنقون مذهبا أن معراج النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بالجسد المادي بل كان وجودا نورانيا، وإلا لأثاروا ضجة في معارضة عائشة الصديقة رضي الله عنها.
(المصدر: جريدة الحَكَم؛ مجلد 11، رقم 39، ص 6-5، بتاريخ: 1907/10/31م.)
1جاء في جريدة بدر : آمنتُ بالله وملائكته وكتبه ورسله. (مجلد 6، رقم 44، ص 8، بتاريخ:1907/10/31م)
2جاء في جريدة بدر : نؤمن بجميع كتب الله ورسله. (مجلد 6، رقم 44، ص 8، بتاريخ:1907/10/31م)
3جاء في جريدة بدر: لا نعلم من كانوا وأين كانوا وفي أي بلد سكنوا. (بدر؛ مجلد 6، رقم 44، ص 8، بتاريخ: 1907/10/31م)
4جاء في جريدة بدر: لا يمكننا القول بأن تلك البلاد وذلك الخلق كلهم بقوا بدون أنبياء. بل نعتقد أنه قد خلا أنبياء الله في الهند وفي بلاد أخرى أيضا. (بدر؛ مجلد 6، رقم 44، ص 8، بتاريخ: 1907/10/31م)
5 جاء في جريدة بدر: لقد حسب عمر رضي الله عنه المجوس من أهل الكتاب، وعاملهم معاملة أهل الكتاب تماما. وهكذا كان أسلوب علي رضي الله عنه أيضا. يجب أن يقدَّر بهذا الخصوص رأي صحابي جليل مثله، فهكذا يصبح الأمر مفروغا منه. (بدر؛ مجلد 6، رقم 44، ص 8، بتاريخ: 1907/10/31م)
6راجع: السيرة النبوية لابن هشام، ذكر الإسراء والمعراج، رواية عائشة عن مسراه صلى الله عليه وسلم. (المترجم)