Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

خطبة بتاريخ 2 مايو 1898م

الدنيا فانية

في يوم العيد بعد صلاة العيد ألقى الإمام المهدي و المسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني     تحت شجرة تين الهند بالجانب الشرقي بقاديان، بمناسبة “الجلسة بشأن الطاعون” الخطبة التالي:
تعلمون جميعا أن الله تعالى قد بين في القرآن الكريم وكذلك أخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف أنه كان هناك زمان لم يوجد فيه أثر لشيء من إنسان ولا حيوان ولا دابة ولا طير ولا أرض ولا سماء ولا ما فيهما، وإنما كان الله تعالى فقط، ولم يكن معه شيء. هذه عقيدة الإسلام.
لقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم والحديث أنه سيأتي عصر آخر حين لا يكون مع الله شيء آخر، وسيكون ذلك العصر خطيرا جدا. وإن الإيمان بمجيء ذلك العصر واجب كل مؤمن ومسلم، ومن لم يؤمن به فهو ليس بمسلم، بل هو كافر لا إيمان له. فكما أننا مأمورون بالإيمان بالجنة والنار والأنبياء والكتب وغيرها، كذلك نحن مأمورون بالإيمان بتلك الساعة التي سوف ينفخ فيها في الصور ويقضى على كل شيء ويصبح الجميع من الهالكين. هذه سنة الله وعادته.

ثلاثة أدلة على الآخرة

لقد استخدم الله تعالى ثلاثة طرق لتقريب فهْم ذلك العصر لنا؛ أولها أنه قد منح الإنسان العقل. فلو استعمل عقله قليلا وتدبر لانكشف عليه بكل جلاء أن حياته القصيرة تقع بين عدمين، وأنها لا يمكن أن تكون أبديةً. يستطيع الإنسان معرفة المجهول بالقياس، فمثلا لو تدبرنا في مصير آبائنا وفكرنا أين ذهبوا، فلا بد لنا من الاعتراف أن سبيلنا جميعا هو السبيل نفسه الذي سلكه آباؤنا. وغبيٌّ الذي لا يتعظ ولا يعقل رغم وجود آلاف المواعظ والنماذج أمامه.
من المعروف المسلم به عموما أن القبور في كل قرية وفي كل بلدة تزداد كل يوم، أما قبور القدامى فبعضها خفية وبعضها ظاهرة، وقد رأينا في أحيان كثيرة عند حفر بئر في المدن أن العظام تخرج مع التراب، مما يعني أنه توجد في كل مكان في باطن الأرض عموما قبور، وإن لم تكن بعضها ظاهرة، وتدل على الأناس الذين صاروا ترابا.
والدليل الثاني الذي قدمه الله تعالى على وجود الآخرة هو أن الخضرة تخرج من الزرع، وتكون جميلة، ثم يأتي عليها زمن تصفر وتجف فيه تدريجيا، ثم تميل إلى السقوط وتكاد تضيع، فيحصدها الفلاح بنفسه لكي لا تتحطم فتذروها الرياح فتضيع. كذلك فإن هذه الدنيا مزرعة زرعها الله تعالى، وكما أن الفلاح يحصُد زرعه ناضجًا في بعض الأحيان وغير ناضج في أحيان أخرى، نظرًا إلى النفع والمآل، كذلك تماما نتربى نحن البشر، ثم نُحصَد، كل في موعد أجله، وفقًا لمشيئة الله وإرادته. على المرء أن يتعظ بفعل الفلاح ويأخذ منه العبرة، لأن هذا هو حال حياة الإنسان. فكما أن بعض البذور لا تنمو أصلا، بل تضيع في باطن الأرض، كذلك تضيع بعض الأجنة داخل الأرحام. ثم من البذور ما يضيع بعد بضعة أيام من النماء، فبحسب هذه القاعدة والقانون تماما يصبح الإنسان وليدا وشابا وشيخا، ويحصُده منجل إرادة الله في موعده المناسب بحسب المصلحة الإلهية، فأحيانا يموت الأولاد في الصغر، فيقال إنهم ماتوا بمرض يسمى ، (هو مرض يصيب النساء حيث لا تحمل المرأة أصلًا، أو تجهض الجنين، أو يموت الجنين بعد الولادة بفترة) . كما يموت الشباب ذوو الأبدان الصحيحة القوية،كما يموت الآخرون أيضا بعد أن يبلغوا سن الشيخوخة والهرم.
باختصار، إن ظاهرة القطع والموت هذه جارية في الدنيا مذكرةً كل إنسان في كل آن أن هذه الدنيا ليست بدار الخلود. باختصار، إن هذا أيضا أحد الأدلة على الآخرة.
وهناك دليل ثالث قدمه الله تعالى ليفهّمنا حَقيقةَ ذلك الزمن، وهو معجزات الأنبياء القهرية التي قلبت العالم رأسا على عقب في آن واحد، ومحت أي أثر للناس.
إن الإنسان تحت قبضة قهر الله الذي يمكن أن يبيده متى شاء، وهذا هو الأمر الذي قدمه الله تعالى كدليل، حيث يتفشى بعض الأمراض تفشيا مخيفا وشديدا، بحيث إن الذين قد رأوا تفشيها يمكن أن يقولوا إنها تكون نموذجًا للقيامة. ومن هذه الأمراض المهولة الطاعون الذي قد تفشى الآن في بلادنا، وقد اجتاح مناطق كراتشي ومومبي إلى حد كبير. كما تصلنا أخبار مخيفة عن تفشيه في المناطق الجبلية في بالمبور، وكذلك في كولكوتا. فهذا خطر كبير جدا يجابهنا الآن، ولذلك فإن هدف خطابي إنما هو البيان أن الإنسان عرضة لابتلاءات كبيرة، كما قال الله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ” (البقرة: 155).

معنى نقص الثمرات

وورد في التفاسير أن من معاني نقص الثمرات ضياع الأولاد. كما أنه يعني ضياع الجهود أيضا. فمثلا تضيع جهود المرء التي يبذلها في العلم أو التجارة أو الزراعة، وضياعها مصيبة كبيرة. يظن الإنسان دائما أنه سيكون من الناجحين، ولكن علم الله ومصلحته تقتضي أن يفشل الإنسان، أو أن لا ينبت زرعه، أو تبور تجارته.
يتضح من هذه الآية أن الله تعالى قد جعل أربعة أنواع من الابتلاء: :1-الخوف، 2- نقصان الأموال، 3- نقصان الأنفس، 4- نقصان الثمرات. ولكن ما يبعث على الخوف والذعر حقًا أنه قد اجتمعت هذه الابتلاءات الأربعة معًا في مرض الطاعون، ويدرك المطلعون على الأحداث الحالية ماذا يجري في هذه الأيام وما هي المعاناة التي يمر بها البشر. إنهم يعلمون أنه في حالات الطاعون يتعرض البشر لهذه الابتلاءات الأربعة كلها واحدا بعد الآخر. ليس من معاناة هذا المرض أن الإنسان يموت به، بل أيضا قد أصدرت الدولة الإنجليزية قانونا خاصا بهذا الصدد لحاجة اضطرارية وبناءً على بعض المصالح، شأن الأم الرؤوم التي تواجه مثل هذه المواقف الصعبة عند الاعتناء بأولادها ورعايتهم. ويوجب هذا القانون إخلاء البيت الذي تقع فيه حالة الطاعون من أهله كلهم، بل يأمر عند الضرورة الجيران وأهل الحي كلهم بترك بيوتهم، بل يوجب عند الضرورة القصوى إخلاء القرية كلها، لعزل المرضى عن الأصحاء. ويوجب أن يكون المكان الذي يُسكَن فيه هؤلاء المرضى حيث الهواء الطلق والتهوية الجيدة، ويكون بعيدا عن أرض منخفضة بها الماء، وقريبا من المقابر حتى يدفن من يموت منهم بسرعة وبدون تأخير مخافة أن تنتشر العفونة فتسمم الهواء أكثر. وهذا الأمر في حد ذاته ابتلاء شديد قد سبب العثار لسكان مومبي وبونا ومناطق أخرى.
باختصار، إن التدابير التي اتخذتها الدولة بحسن النية فعلًا قد اعتبرها الناس سيئةً. ومن المؤسف جدا أن يَعدّ المحسَن إليه إحسانَ المحسِن سيئة. ومما يزيد الحيرة أكثر أن الدولة لم تتخذ هذه التدابير لاحتواء هذا الوباء من عندها، بل قد أجمع أطباء طب الأعشاب على أن الطاعون إذا دخل بيتًا فلا يقضي على أهله فحسب، بل قد يمحو المدن والبلاد كلها أيضا. وقد قدم الأطباء نظائر كثيرة على ذلك، حيث إن وباء الطاعون الفتاك لم يبرح حتى حوَّل العمران خرابا. وهذا أمر لا يعرفه كثير من الناس.
ومما يؤسفني أنه رغم تفشي هذا المرض الفتاك بسرعة وتهديده بالقضاء على مناطق واسعة من البلاد، إلا أنني لا أرى الناس قد أصابهم ذلك الهم الذي يقيم المرء ولا يقعده، والذي يدفعه إلى التوبة والاستغفار. لا أراهم يبكون أمام الله ويبتهلون ويداومون على أداء الصلوات. وبحسب ما رأيت، فيُرتكب أنواع الظلم وسوء الأخلاق في كل مكان.
من عادة مرض الطاعون أنه ينتشر ويصل كالطير إلى الأماكن الأخرى. ولا يكون في سرعته نظام بحيث يصل من مكان إلى مكان تدريجيا، بل يقفز فجأة من مكان إلى مكان يقع على بعد 500 أو z00 ميل أو أكثر. ويمكنك إدراك ذلك بالنظر إلى ما حصل في مومباي وجالندهر مثلا، حيث توجد بينهما مسافة بعيدة. فهل يستطيع الإنسان تحديد نظام سرعة هذا المرض للوصول إلى جالندهر؟ باختصار، لا يمكن تحديد سرعة هذا المرض. وإذا مر اليوم بعافية فلا تدري ماذا يخفيه لك الغد.
إنه مرض فتاك جدا، وتكون نوباته طويلة جدا، وقد تطول أحيانا 60 سنة. وهذا أمر معروف ومسلم به. إن الطاعون ليس كمرض الهيضة الذي يتفشى في شهري يوليو وأغسطس، وتنتهي نوبته بعد عشرين يوما أو خمسة وعشرين. لقد ألقى الأطباء على هذا المرض القاتل اسم الطاعون لأن فعله كطَعن الرمح. والطاعون صيغة مبالغة، ومعناه المرض الذي لا تطيش سهامه ويكثر به الموت جدا.
وقد ورد ذكر الطاعون في التوراة أيضا، وقد تفشى في اليهود في زمن موسى عليه السلام وهو المراد حيث ذكر الله تعالى عذاب الدمامل والثآليل في التوراة. وقد ذكر القرآن الكريم أيضا إهلاك اليهود بالطاعون لعصيانهم.

سبب تفشي الطاعون

والتدبر في تلك الأماكن من التوراة والقرآن الكريم يكشف أن مرض الطاعون ذو علاقة بعصيان الناس وفواحشهم، إذ يتضح من سنة الله أن الأمم الغابرة قد هلكت عند عصيانها بهذا المرض نفسه. إن الطاعون آية قهر الله تعالى. وكما بينت من قبل إنه ثالث آية على وجود القيامة. إن الطاعون يُحدث قيامة صغرى.
لعل الذين يجهلون الأمور يعتبرون ما سأذكره خرافة، ولكن الحق أن هذا المرض لما تفشى في أوروبا وبلاد الشام والعراق والعجم، فكان اتخذ تلك البقاع وطنًا له. أما بلادنا فهذا المرض جديد فيها، لذلك يجهل أهلها صفات هذا المرض وطبيعته.
من ناحية إن هؤلاء غافلون عن الله وغير خائفين منه، لا يتوبون ولا يستغفرون، ومن ناحية أخرى لا يعملون التدابير الوقائية التي تقترحها الدولة، بل يسيئون بها الظن ويثيرون الضجة معارضين. أقول والحق أقول: ليس دأبنا مدْحَ أحد مداهنةً. إن مبدأ العزل بين مرضى الطاعون والأصحاء، وإغلاق مداخل ومخارج القرية المجتاحة بالطاعون، وإسكان المرضى في مكان مفتوح، وإخلاء سكان القرية كلها أحيانًا وكأنهم مطرودون منها، لمبدأ نافع وضروري جدا.
يتضح من صحفنا والتوراة أيضا أن مادة هذا الطاعون تبدأ من الأرض. يظن الناس أن هذا المرض يتفشى بواسطة الفئران. لا جرم أنها أحد أسباب تفشي الطاعون، ولكن الحق أن الأرض التي تصبح ملعونةً بارتكاب الفواحش والظلم يتولد فيها هذا السم، ويحيط بها العذاب بطرق مريعة جدا. ولكن هلا أخبرني أحد هل أخطأت الدولة حين أمرت بترك البيت الذي يهاجمه الطاعون. العاقل لا يليق به أن يسيء الظن بعمل فيه خيره وصلاحه. وكما قلت آنفا إن الدولة لو أمرت المطعون بألا يخرج من بيته لاستاء الناس من ذلك أكثر من استيائهم إذا ما أمروا بترك البيت المضروب بالطاعون، ذلك أن الطاعون حين يتفشى في قرية ويموت أهلها فلن يطيق أحد البقاء في بيته. ألا ترون أنه إذا خرج الثعبان في بيت خاف أهله الدخول فيه، بل لو قُتِل الثعبان فأيضا لا يدخلون في ذلك البيت عند الظلام. هذا هو طبع الإنسان، فمن المحير أن يكون الإنسان مطّلعا على خطر في مكان، ثم يسكن فيه مطمئنا مرتاحا. هل يجلس أهل البيت مطمئنين فيه مع موتهم واحدا تلو الآخر؟ كلا، بل سيخرجون منه فورا بأنفسهم ويبتعدون عنه باعتباره بيتًا منحوسا. ولو أن هؤلاء تُركوا وشأنهم ولم تتدخل الدولة في أمرهم لفعلوا بأنفسهم ما تأمرهم به الدولة الآن. الحقيقة أن الناس ليسوا مطلعين على ويلات مرض الطاعون، بل يعدونه مرضًا بسيطا كالرشح والزكام.

الطاعون عذاب

لقد سماه الله رجزا، ومن معاني الرجز العذاب. وورد في القواميس أن هذا المرض يبدأ في أعلى فخذ البعير، حيث تتولد هناك دودة تسمى النغف. ونستنتج من هذا أمرًا لطيفا، وهو أن في فطرة البعير نوعًا من التمرد، والإنسان الذي يصاب بالطاعون يكون مصابا بالتمرد، فعندما يصاب الناس بالتمرد يصيبهم هذا العذاب الأليم. ومن معاني الرجز الدوام كما ورد في القواميس، ومرض الطاعون أيضا يدوم، ولا يخرج من البيت إلا بعد أن يرحل أهله كلهم من الدنيا. وهذا يبين أن هذا البلاء يكنس البيوت ويجعل الأولاد أيتامًا ويحوِّل كثيرا من النساء الضعيفات أرامل.

سبب انتشار الطاعون أيضا البيئة غير الصحية

ثم إن التدبر في معنى الرجز يبين أن هذا المرض يتولد من الرجس والدنس وعدم الطهارة. والأماكن التي لا تنظف جيدا وتكون جدرانها سيئة المنظر كالقبور ولا يدخلها الضوء ولا الهواء تتولد فيها العفونة السامة، فيتولد مرض الطاعون.
ورد في القرآن الكريم “وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ” (المدثر:5)، والرجز هو الرجس بكل أنواعه، والهجر يعني الابتعاد. مما يبين أن الذين يريدون الطهارة الروحانية لا بد لهم من النظافة والطهارة الظاهرة أيضا، لأن إحدى القوى تؤثر على القوة الأخرى وأحد الجوانب يؤثر على الجانب الآخر.
تأثير الطهارة الظاهرة على الباطن
للإنسان حالتان، والذين يريدون نيل الطهارة الروحانية يراعون الطهارة الظاهرة أيضا. وقال الله تعالى في آية أخرى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة:222)، أي أن الله تعالى يحب الذين يريدون الطهارة الروحانية والنظافة الظاهرة أيضا. إن النظافة الظاهرة تساعد على الطهارة الروحانية، ولو تركها الإنسان ولم يتطهر بعد التغوط فلن ينال من الطهارة الروحانية شيئا. تذ كروا أن النظافة الظاهرة شرط للطهارة الروحانية، لذلك من واجب المسلم أن يغتسل يوم الجمعة على الأقل، ويتوضأ عند كل صلاة، ويستخدم الطيب عند صلاة الجماعة. وقد جاء الأمر بالتطيب في العيدين ويوم الجمعة للحكمة نفسها. الواقع أن اجتماع الناس فيه خطر العفونة، والاغتسال ولبْس اللباس النظيف والتعطر كل هذه تحول دون تولد العفونة السامة. وكما أن الله تعالى جعل هذا القانون هنا، فقد جعل لما بعد الموت أيضا قانونا مماثلا.

خواص الكافور

إن من السنة استخدام الكافور عند غسل الميت، ذلك أن الكافور يقتل الديدان الوبائية ويزيل السموم ويسبب البرودة للإنسان، ويحول دون انتشار كثير من الأمراض الناشئة من العفونة، ومن أجل ذلك قال الله تعالى: “إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا” (الإنسان:5). وتؤكد البحوث المعاصرة أن الكافور كما هو مفيد في الهيضة فإنه نافع جدا في الطاعون أيضا. وها إني أخبر جماعتي أن الكافور نافع جدا، وهذا هو إيماني، لأن القرآن الكريم يخبرنا أن الكافور يزيل الحرقة ويسكِّن القلب وينعشه، وقد رغبنا الله تعالى في استعمال الكافور. وقد ثبت في هذه الأيام أمر آخر وهو أن استعمال الكافور مع الكركم الأبيض يكون نافعا جدا. يخلط الكركم الأبيض في الخل وتصنع منه أقراص بمقدار اثنين من الرَتّي (الرَتّي : هي وحده ميزانية تساوي 122 ميليجرام تقريبا)، ويؤخذ قرص واحد باللبن الرائب الممزوج بالماء. وإذا استعملت النساء والأولاد هذه الأقراص يوميا نفعتهم نفعًا كبيرا. نحن أيضا نعمل على تركيب دواء للطاعون وسوف يكون ناجحا جدا بإذن الله تعالى. الحق أن هذا المرض فتاك جدا بحيث إن الاعتماد على علاج واحد خطأ كبير، إلا أن يشملنا فضل ربنا.
ولكن الوقاية أمر جيد ومفيد جدا بحسب الأسباب العامة والمبادئ الصحية، فالأحرى الاحتراز مما فيه العفونة والسميَّة، ومن الأغذية التي تزيد من الدورة الدموية ككثرة اللحم والحلويات، والتعرض الكثير للشمس، وبذل الجهد الشاق. فتجنب هذه الأمور في هذه الأيام أفضل.

لا مانع من الأخذ بالأسباب

لم يمنع شرعنا الإسلامي من اتخاذ الأسباب. سأل شخص النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هل نتداوى؟ فقال: نعم، عليكم بالتداوي، فإن الله لم يخلق داء إلا وخلق له دواء.
غير أن الحقيقة أن لا أحد من الأطباء يستطيع الادعاء أن دواء كذا وكذا سوف ينفع حتما. لو كان الأمر كذلك لما مات أحد. فعلى الأطباء أن يكونوا متقين، وعليهم أن يداووا المرضى ويَدْعوا لهم أيضا، ويكثروا الدعاء في حالة الانفراد. إن الذين استكبروا أذَلهم الله تعالى. ورد أن جالينوس كان يدَّعي كثيًرا بعلاج الإسهال، ومن غرائب قدر الله تعالى أنه مات بالمرض نفسه. كذلك قد مات بعض الأطباء، وبعضهم غادروا هذه الدنيا بمرض الدقّ أو بمرض السُّل.

يجب التوكل الكامل على الله وحده

قصدي من هذا البيان أن الله تعالى قد كشف حقيقة دعوى هؤلاء الأطباء وفضحَهم فيما تباهوا فيه. لقد لقوا الذل والفشل فيما ادعوه. فثبت أنه لا يليق بالإنسان أن يدَّعي بأي شيء. كان والدي المرحوم طبيبًا شهيرا ذا خبرة خمسين سنة، وكان يقول: ليس هناك أية وصفة يقينية. والحق أنه لا يحدث شيء إلا بإذن الله تعالى. فالسعيد من يتوجه إلى الله تعالى. على المرء ألا يغترّ بعقله وذكائه عند حلول المصيبة ولا يعتمد على غير الله تعالى. إن العوارض الخفيفة أيضا تشتد في لمح البصر. أحيانا يعالج الطبيب القلبَ وتقع الآفة على الدماغ، وحينًا يعالج البرد ويصاب المريض بالحر. فمن ذا الذي يستطيع أن يتحكم في هذه الأمراض؟ لذا يجب التوكل على الله توكلا كاملا. متى يقدر الإنسان على إحصاء هذه الجراثيم والسموم المتنوعة؟ لا يستطيع الإنسان حتى إحصاء الأمراض أيضا. قد ورد أن عدد أمراض العين وحدها نحو 3000 مرض. ومن الأمراض ما يقضي على الإنسان والطبيب لا يزال يكتب الوصفة له.
لقد رأينا في هذه الأيام أن الناس عائشون في منتهى الغفلة والاستغناء عن الله تعالى. القبور تحفر، والملائكة تهيئ أسباب الهلاك، والناس يُحصدون حصدا، ومع
ذلك لا يرعوي الجاهلون. إن وباء الطاعون متفشٍّ على بعد حوالي مئة ميل من قاديان. ولا شك أنه قد خفت وطأته نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، ولكن من يضمن أنه لن يعود في السنة التالية بعد أن خف في أيام الحر لقد علمت بالوحي بضع مرات وأيضا بالرؤيا أن هذا الوباء سوف يتفشى في هذه البلاد بشدة. وقد سبق أن نشرت أن هناك أشجارا سوداء تزرع، فسألت الزارعين عنها، فقالوا إنها أشجار الطاعون. وهذا الأمر خطير جدا.

أنباء الوعيد يلغيها الله بالتوبة والاستغفار

كذلك قد أخبرتكم أن أنباء الوعيد يمكن أن تلغى بالتوبة والاستغفار، حتى أن وعيد جهنم أيضا يمكن أن يلغى. لو رجع الناس إلى الله تعالى وأنابوا إليه فسوف يحفظ هذه البلاد والمنطقة إن شاء. إنه يفعل ما يريد، ولكنه يقول أيضا: “قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ” (الفرقان:77). أي قل للناس إذا لم تعبدوني فلماذا أكترث بكم؟ يقول الناس: الأطباء موجودون في كل شارع ومكان، والمشافي مفتوحة، وسوف يشفون بالتداوي والعلاج، ولكنهم لا يدرون أن كبار الأطباء أنفسهم في مومبي وكراتشي قد أصيبوا بهذا المرض وماتوا، وأن المسؤولين المشرفين على مداواة مرضى الطاعون صاروا فريسة لهذا المرض. هكذا يري الله تعالى قدرته وسلطانه. إن الاعتماد على الأطباء وعلاجهم ليس عقلا وفطنة. إن الله تعالى يريد بذلك أن يؤمن الناس بعالم الآخرة أيضا. فليغير الناس مشيئة الله إن استطاعوا! يخطط الإنسان للحصول على شبر من الأرض ويتآمر ويتكبد عناء رفع القضايا وإنفاق الأموال، فليفكر هل يجد في نفسه مثل هذا القلق والكرب في سبيل العمل بأحكام الله تعالى؟ كلا، ليس الأمر هكذا.
عندما يصاب الإنسان بأمراض خطيرة يدعو ربه، فيمهله الله اختبارًا له، فيعود الإنسان إلى حيله ومكايده مرة أخرى وكأنه لن يموت. إن موت البعض بأمراض عادية يولد الآن في قلوب الناس خوفا قليلا جدا يزول بعد يومين أو أربعة، حيث يعودون بعدها لما كانوا فيه من قبل من سخرية واستهزاء وزخرف القول. يذهبون إلى المقابر، ويدفنون موتاهم بأيديهم، ولكنهم لا يفكرون أبدًا أنهم هم أيضا سيموتون ويحضرون لدى الله في يوم من الأيام. ولذلك قد رأى الله تعالى أن حالات الموت القليلة لا تؤثر في الناس شيئا. ربما يموت في أمرتسر ولاهور ستون أو سبعون شخصا كل يوم، وربما يموتون في كولكتا أكثر من ذلك، وهذا المشهد في حد ذاته يبعث على الخوف، ولكن من ذا الذي يفكر في ذلك؟ يقول الإنسان قصير التفكير إن موت هذا العدد هو نظرًا إلى عدد السكان الكثيرين، لذا فهو لا يبالي بموتهم مطلقا. فلما رأى الله تعالى أن الناس لا يعتبرون بموت الآخرين شيئا، فقد استخدم الآن وصفة أخرى، وأراد تنبيههم وتحذيرهم بموت الطاعون. لذلك أوصيكم ألا تقولوا لا بد أن يحصل الآن ما هو مقدر، مخافة أن تُسخطوا الله تعالى بهذا القول، وتخطئوا الدولة أيضا.
ما الفائدة من تشويه سمعة الدولة؟ إنما جاء الطاعون نتيجة سوء أعمالكم أنتم، وقد حلت الآفة بالدولة أيضا بسببكم.

الإجراءات الحكومية في أيام الطاعون صحيحة

إذا كانت الدولة لا تواسيكم مواساة صادقة فلماذا تنفق هذه الأموال الطائلة احتواءً لهذا الوباء؟ ولماذا تفتح المشافي وترسل الأطباء، وتأمر آلاف رجال الشرطة بالإشراف على هذا النظام؟ هل تتحمل كل هذه النفقات الباهظة عبثًا؟ كلا، بل أصبحت الدولة قلقة كالأم الرؤوم برؤية مأساة أهل البلاد.
الحق أن الدولة أيضا من الرعايا. لعل الناس لا يعلمون أنه قد ورد في الحديث الشريف أن الناس سيموتون بالطاعون يوم القيامة. ومع أن أقوال المنجمين ليست ذاتَ بال، لكن المنجمين من الهند وأوروبا يقولون أنه في نوفمبر 1899 ستجتمع النجوم وسيأتي وقت مخيف. نحن لا نبالي بما يقول المنجمون مطلقا، ولكن ما
يُحزنني أن إلهاماتي أيضا تنذر بأيام مخيفة في فصلي الشتاء القادمين، اللهم إلا أن يعود الناس إلى سواء السبيل، ويرجعوا إلى الله تعالى، ويتنكبوا عن سبل المعاصي والفحشاء والسرقة والرشوة وكل نوع من الخداع والسيئات، ويتبعوا سبيل الخير ويجتنبوا المعاصي كليا. وإلا فهناك خطر كبير، وينتظرنا مشهد مخيف ومهول جدا.
أخبروني الآن ما ذنب الدولة في ذلك؟ لذا أنصحكم وأقول: لا يليق بجماعتنا أن تتبع خطوات الجاهلين وتسلك مسلك الحمقى وقصيري النظر. ها إني أؤكد لكم أن التعليمات التي أصدرتها الدولة نافعة جدا لصحة الناس. لقد ورد في تاريخ الطبري الذي كتب قبل ألف سنة وغيره من كتب تاريخنا أن وباء الطاعون تفشى في الجيش الإسلامي لما كان في الشام في عهد عمر رضي الله عنه، واضطر الجيش المسلم للالتجاء إلى الجبال. فثبت من هنا أن هذه الوصفة لم تخترعها حكومتنا فقط، بل هذا ما عمل به أهل الإسلام في السابق. فكما أن الجيش المسلم ترك الأرض السهلة المنخفضة وصعد إلى الجبال، كذلك يجب نقل مرضى الطاعون من البيوت في المناطق المنخفضة ذات الرطوبة العالية إلى السهول المفتوحة. لقد ركز ابن سينا على هذا الأمر فقال: يجب تنظيف البيوت الموبوءة بالطاعون، إذ لن تزول النتيجة ما لم يتم إزالة السبب. ماذا عسى أن يفعله الطبيب؟ غاية ما يفعله أنه يعطي حبة أو حبتين من الدواء، ولكن العفونة التي تدخل في جسم الإنسان عبر التنفس ماذا سيعمل معها الدواء؟ وكيف يمكن مداواة المصاب بالطاعون ما دام يسكن في مثل هذه البيوت. الحق أن الناس لم يروا قوما يموتون بالطاعون، إذ الواقع أن المكان الذي يموت فيه المطعون يمتلئ عفونة، بحيث لا يستطيع الإنسان أن يتنفس فيه نَـفَسًا واحدا جراء العفونة الشديدة. فإساءة الظن بالتدابير الوقائية التي اتخذتها الدولة فكرة نجسة. إن فكرة الدولة هذه لتفادي مرض الطاعون صحيحة تماما، لذا فمن واجب جماعتنا أن يساعدوا الدولة في هذا الأمر، وينصحوا أصدقاءهم وجيرانهم وغيرهم، سواء من الهندوس أو المسلمين، ويزيلوا ما عندهم من سوء فهم.
فقد أشاع البعض أن الدولة إنما أعطت هذه التعليمات لقتل الرعية. ألا يسأل أحدٌ هؤلاء الأغبياءَ : هل الدولة تنفق هذه الملايين لقتل الناس فقط؟ وهل هي تحب مكابدة كل هذه النفقات الباهظة؟

ما هو الطاعون؟

الحق أن الطاعون مرض فتاك جدا. علينا أن نفهم أولًا ما هو الطاعون؟ إنه نوع من الحمى الشديدة التي يصحبها الإغماء والغثيان والصداع والنسيان والرعدة الشديدة والقلق والخوف. ثم بعد أيام يظهر دمّلٌ في أصل الفخذ أو في الرقبة أو وراء الأذن، ويكون هذا الدمل صغيرا حينًا وكبيرا حينًا، ثم يصاب المريض بالسرسام، وفي أغلب الأحيان تظهر هذه العوارض خلال 24 ساعة فقط. وعموما يصعب على الدولة معرفة مثل هؤلاء المرضى، لأن أهل المريض لا يبالون به لمدة 20 أو 22 ساعة ظنا منهم أنها حمى عادية، ثم بعد ظهور أعراض الطاعون يحاولون إخفاءها، فلا يطّلع مسؤولو الحكومة إلا بعد أن يكون المرض قد بلغ منتهاه. وفي هاتين الساعتين الأخيرتين ماذا سينفع العلاج؟ فلا بد أن يموت بعد أن يصل المشفى. فالحق أن الناس من حمقهم وجهلهم يتهمون الدولة جراء خطئهم هم. إذا كان هناك خطأ وتقصير من الدولة فمن حقكم أن تظهروه، أما اتهامها بخطئهم هم فهذا لا يجوز. مما يدل على عظيم حسن نية الدولة ونصحها للرعايا أنها بنفسها استشارت عليةَ القوم أولًا، ثم اتخذت هذه الإجراءات الوقائية، ولكن أهل بلادنا شبه وحشيين وجهال، فليس منهم إلا الغضب أو سوء الظن ورمي الدولة بأخطائهم من دون تفكير. ليت مئات هذه الجمعيات والمؤسسات القائمة في بلادنا في هذه الأيام تهتم بهذا الأمر وتسعى لإزالة سوء الظن بالدولة من قلوب هؤلاء الجهال، ولو فعلوا ذلك لأسدوا للإنسانية معروفا كبيرا.
تنامون غافلين، وليس عندكم خبر بأهل بلادكم المنكوبين الذين يعانون معاناة كبيرة. إن الأموال التي تنفقها الدولة لإنقاذ رعيتها الحبيبة من هذه المصائب لو أمرت الدولة أهل كل قرية بجمع هذه الأموال من عند أنفسهم وإنفاقها على هؤلاء المرضى لما رضي أحد بإنفاق قرش واحد من عنده.
لقد بدأت بتركيب دواء للطاعون، وجزى الله شيخ رحمة الله خيرا، الذي قد أنفق لإنجاز هذا العمل الخيري 200 روبية عن طيب خاطر. لقد وضعت في الحسبان أسباب هذا المرض جيدا لإعداد هذه الوصفة. الحق أن لهذا المرض شُعَبًا كثيرة، وعلى الطبيب أن يراعيها كلها. إن الأغذية الرديئة والرياح السامة تساعد على تفشي هذا المرض وتحوله خطيرا. تهبُّ من الأراضي المنخفضة رياح مسمومة تدخل في الإنسان عبر التنفس أو الغذاء وتولد في دمه السم والعفونة.

البحوث المعاصرة تؤيد الإسلام

لقد أثبتت البحوث المعاصرة أن الطاعون يبدأ من ديدان أو جراثيم. وإنني أحب هذه البحوث، لأنها تدل على عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وصدق الإسلام. حيثما ذكر الطاعون في الحديث الشريف سمي النغفَ . والنغف دودة تخرج من أنف الماعز والبعير، و سميت طاعونا. يتباهى الناس بالبحوث المعاصرة كثيرا، ولكن كم يستمتع مَن قد قرأ الكلام المقدس لمؤسس الإسلام المقدس محمد صلى الله عليه وسلم حين يرى أن ما خرج من شفاه هذا الرجل المباركة قبل 13 قرنا قد تحقَّقَ. والقرآن أيضا قد سمى الطاعون دودةً.
فيا أيها المتباهون بالبحوث الجديدة، أنصفوا لله و بيِّنوا، كيف يكون من افتراء البشر الدين الذي بيَّن في الماضي مثل هذه الحقائق التي توصَّل إليها الناس بعد 13 قرنا بعد تكبد العناء وبذل جهود مضنية وبحوث حثيثة دؤوبة؟ هذه هي المعجزات العقلية للقرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم انظروا إلى شيء آخر، أعني القلب. القلب هو ذلك العضو المعروف، كما يعني القلب الشيء الذي يُقلِّب غيره أي يدوِّره. ودوران الدم متوقف على القلب.
لقد اكتشفت البحوث المعاصرة نظام دوران الدم بعد مدة طويلة ببذل جهود مضنية ومعاناة كبيرة، ولكن الإسلام قد ركز على هذه الحقيقة وحفظها قبل 13 قرنا من اليوم بتسمية هذا العضو قلبًا.

أسباب الطاعون

أعود ثانيةً إلى الموضوع الأساس، وأقول: إن السبب الثاني هو عدم النظافة، والسبب الثالث السُّمية، والرابع الحمى، والخامس الدمامل. وهناك اختلاف فيما إذا كانت الدمامل هي السبب الأصلي للطاعون أم الحمى؟ يرى عامة الأطباء أن الحمى هي السبب الأصلي، ولكن علماء طب الأعشاب يرون أن الدمامل هي السبب الحقيقي. وأرى أن الرأي الأخير هو الأصح، لأن التوراة أيضا تذكر الدمامل والثآليل. غير أن الحمى أيضا متلازمة. أحيانا يصاب المريض بالحمى، وأحيانا لا يصاب بها، بل يموت قبلها. باختصار، إن أصل هذا المرض ليس الحمى، بل الدمامل، ولو شقت وأخرج منها القيح، لخفت الحمى وتماثل المريض للشفاء.
المهم إن الطاعون مرض مهلك ومخيف جدا، لذلك لا مناص من أن تكون التدابير الوقائية منه أيضا قوية وصارمة جدا، ولكن لما اتخذتها الدولة نتيجة مواساتها وعطفها الصادقَين على الرعية تعرضت للتشويه. ومن منطلق حسن نيتي وصدق مواساتي التي ألقى الله في قلبي للإنسانية، قد تدبرت في جميع التعليمات والاقتراحات التي نشرتها الدولة لمرضى الطاعون، فوجدتها كلها جيدة ونافعة جدا، وأقول هذا غير خائف من لومة لائم. وهذه التعليمات هي أن يتم إخلاء البيت، بل الحيّ كله عند الضرورة، وفصل المريض عن الآخرين. وهذا عين الصواب ومناسب جدا. أما الذين يقولون أنه لو فصل الولد المصاب بالطاعون عن والديه طبقا لهذه التعليمات فسيموت حتمًا، فليعلموا أن الآباء يمكن أن يعيشوا مع هذا الولد المريض، إلا أنهم سوف يخضعون لكل القيود التي تفرض على المرضى باعتبارهم من المرضى. وإنما الأعمال بالنيات، ونية الدولة في هذه الحالة حسنة تماما، وهي لا تريد فصل الناس بعضهم عن بعض من دون مبرر.

طاعة أولي الأمر

لا أفهم ما هي الفائدة التي يمكن أن تجنيها الدولة بفصل المرضى عن أهليهم! ليس هذا إلا سوء الظن بالدولة. قال الله تعالى في القرآن الكريم: “أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ” (النساء:59)، حيث أمرنا صراحة بطاعة أولي الأمر. وإن قال قائل بأن الدولة لا تدخل في “مِنكُمْ” فهذا خطأ صريح منه. الأمر الذي تأمر به الدولة بحسب الشرع يُدخله الله في “مِنكُمْ”. مثلا إن الذي لا يعارضنا هو مندرج في “مِنكُمْ”. والثابت من القرآن الكريم إشارةَ نَصٍّ أن على المرء طاعة الدولة والعمل بأوامرها. كان لزاما على المسلمين عامةً أن يبعثوا بمذكرات شكر للدولة على الإجراءات التي اتخذتها للوقاية من الطاعون، ولكنهم للأسف ينكرون الجميل بدل الشكر عليه. لا نرى هناك أي سبب معقول لسخطهم على ما فعلته الدولة، إلا قولهم أن الأطباء يجسِّون نبض النساء. وأقول في الجواب: أولا: قد تداركت الدولة هذا الأمر وقد عينت الممرضات اللواتي يفحصن النساء. وثانيا: حتى لو لم تتخذ الدولة هذه الخطوة الاحتياطية فلا مجال للاعتراض على ذلك، إذ لا يجوز الإفراط في الحجاب لهذه الدرجة في هذا الوضع الذي ينـزل فيه القهْر الإلهي ويموت آلاف الناس. يقال أن زوجة أحد الملوك ماتت ذات مرةً، ولم تكن هناك نسوة لرفع جثمانها من البيت، وتقول القاعدة الشهيرة “الضرورات تبيح المحظورات”، فرفعَ الرجال جثمانها، إذ لا حجاب في هذه الحالة. وورد في الحديث الشريف أن الرجل يمكن أن يساعد المرأة في الولادة عند الضرورة. الحق أنه لا حرج ولا مضايقة في دين الإسلام. إن الذي يريد أن يأتي بالحرج من دون داع فإنما يخترع شرعا جديدا من عنده.
ثم إن الدولة أيضا لم تجعل حرجا فيما يتعلق بالحجاب، بل قد وضعت قواعد سهلة جدا. فهي تستمع لكل ما يقدمه الناس من اقتراحات وتعديلات وتدرسها بحسب المقتضى والمصلحة. هلا أخبرني أحد: أين جاء النهي عن جسّ نبض المرأة وهي في الحجاب!

اسلكوا سبل السعادة والخير

على المرء أن يتوجه إلى الصلاح والتقوى ويسلك سبل السعادة والخير، وعندها يمكن أن يصلح الأمر. “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” (الرعد:11). إن سوء الظن بغير حق والإفراطَ في الأمر سخيف جدا. إنما الأحرى بالقوم أن يرجعوا إلى الله تعالى ويصلُّوا ويؤدوا الزكاة ويتجنبوا هضم الحقوق وارتكاب الفواحش. من المؤكد تماما أن ارتكاب الشخص الواحد السيئة يؤدي أحيانا إلى هلاك كل البيت وكل المدينة. فاجتنبوا السيئات، لأنها هي سبب الهلاك. هناك في محافظتي جالندهر وهوشياربور قرى عديدة قد ضربها الطاعون الآن، فلماذا تتهاونون في الحذر من هذا المرض؟ لا تسيئوا الظن بالدولة جهلًا منكم، وإذا كان بعض جيرانكم يسيء بها الظن فاسعوا لرفع سوء ظنه وانصحوه.
حَتّامَ يبقى الإنسان في الغفلة ويتمادى فيها؟ خافوا ذلك اليوم الذي يحل فيه هذا الوباء دفعةً واحدة ويهلك الجميع. ورد في الحديث الشريف أن الدعاء قبل نزول المصيبة مجاب، أما بعد وقوعها فكل إنسان يدعو ويرجع إلى الله تعالى. إنما سعادة المرء أن يدعو الله تعالى في حالة الأمن. عليه أن يتَّعظ بالذين قد أحدق بهم هذا الخطر. هذا المرض متفشٍّ في قرية قريبة جدا من هنا، ويمكن أن يتخذ كل إنسان العبرة بمعرفة أحوالها. لقد تفاقم هذا الوباء في جالندهر إلى حد كبير، ولكنه أخف نسبيا في محافظة هوشياربور، إلا أنني لا أرى أنه سوف يزول نهائيا.

واظبوا على الصلوات بدون انقطاع

إن فصل الشتاء على الأبواب، فيجب أن تلوذوا بملاذ الله منذ الآن، وواظبوا على الصلوات بلا انقطاع. إن بعض الناس يصلون صلاة واحدة، عليهم أن يتذكروا أن لا أحد يعفى من الصلوات حتى إن الأنبياء لا يعفون منها. ورد في الحديث الشريف أن نفرًا حديثي عهد بالإسلام جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أَعْفنا من الصلاة. فقال :صلى الله عليه وسلم لا خير في دين لا عملَ فيه. فتذكروا هذا الأمر جيدا، واعملوا بأحكام الله تعالى. لقد قال الله تعالى إن من آياته أن السماوات والأرض قائمة بأمره. أحيانا يقول الذين يميلون إلى الطبيعيات أن المذهب الطبيعي هو الأحق بالاتباع إذ ما الجدوى من التقوى والطهارة إذا لم يعمل الناس بمبادئ الصحة؟ فليكن واضحا أن من آيات الله تعالى أن الأدوية لا تجدي شيئا في بعض الأحيان، كما لا تنفع مبادئ الصحة أحيانا، فلا الدواء ينفع، ولا الطبيب الحاذق يغيث عندها، ولكن إذا كان هناك أمر من الله تعالى يَصلُح ما فسد أيضا.

اختبار إبراهيم عليه السلام

انظروا إلى اختبار إبراهيم عليه السلام، إذ أ مر بأن يأخذ ابنه وزوجته بعيدا من كنعان ويتركهما هناك. كان مكانا خرابا يبابا غير ذي زرع ولا ماء، وعندما وصل إليه إبراهيم عليه السلام دعا الله تعالى قائلا: “رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ” (إبراهيم:37). كانت سارة تريد أن يموت إسماعيل، فقالت لإبراهيم أن يتركه في مكان غير ذي زرع. فاستاء إبراهيم من قولها، ولكن الله تعالى قال لإبراهيم عليك أن تنفذ ما تقول سارة، ولم يقل الله ذلك احتراما لقولها. وكانت سارة قد أخرجت هاجر من البيت من قبل أيضا، وكان ملاك الله قد تكلم مع هاجر في تلك المرة أيضا، لأن الله تعالى يكلم غيَر الأنبياء أيضا بواسطة الملَك.
فالحق أن الله تعالى قد تكلم مع هاجر مرتين. باختصار، نفذ إبراهيم أمر الله تعالى وأخذ معه هاجر وابنها وشيئا من الماء والتمر، وتركهما في ذلك المكان الذي فيه مكة الآن. وبعد أيام نفد التمر والماء، وأخذ إسماعيل يضطرب من شدة العطش. لم ترد هاجر أن ترى ابنها يموت أمام عينيها هذه الميتة الأليمة، فجرت هنا وهناك في ذلك الجبل عدة مرات لعلَّها ترى قافلة تمر من هناك، فصعدت الجبل وأخذت تبكي وتستصرخ. كان لها ابن واحد فقط في ذلك الوقت، ولم يكن معها زوجها حتى تأمل في ابن آخر، وكأنها كانت كالأرملة. فناداها الملاك عند بكائها وصراخها وقال: هاجَر هاجَر. فنظرتْ يمنة ويسرة فلم تر شيئا. فرجعت إلى الوليد، فرأت عين ماء تجري بجانبه، وكأن الله تعالى أحياه من الموت ثانية. وقال النبي :صلى الله عليه وسلم لولا أن الله تعالى منع ماء تلك العين من الانتشار لملأ البلاد كلها. قصدي من ذكر هذه الواقعة هو أن الله تعالى يري آيات قدرته على هذا النحو في أماكن لا أكل فيها ولا ماء، فآية خروج الماء هذه أحيتْ إسماعيل، أما الماء الروحاني الذي نشره الله تعالى على يد النبي صلى الله عليه وسلم فقد وصفه الله بقوله: “اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا” (الحديد:16)، مما يعني أن ذلك الماء أحيا العالم. إنما قصدي من سرد هذه القصة أن أبين أن الله تعالى قد هيَّأ سبيلًا للنجاة في مكان لم توجد فيه أسباب الحياة في الظاهر، والله تعالى يعلن بأن السماوات والأرض قائمة بأمره. ففكروا كيف جعل الله في تلك البرية -التي كان يشتد فيها القيظ جدا، ولم يوجد فيها أثر للبشر- بركةً عظيمة حتى إن ملايين الناس يفدون إليها، ويوجد فيها أناس من كل قطر وشعب، وميدان الحج الذي يحتشد فيه الناس هو ذلك المكان الذي كان غير ذي زرع ولا ماء.

أحدثوا تغييرا في حياتكم

الحق أن الله يفعل ما يريد، ويحوِّل الخراب عمرانا والعمران خرابا. ماذا فعل الله ببابل؟ المكان الذي أراد الإنسان أن يكون عامرا حوله الله خرابًا يزعق فيه البوم، أما المكان الذي أراد الإنسان أن يكون خرابا فجعله الله مرجعا للناس. فتذكروا جيدا أن الاتكال على الدواء والتدبير بدون الاستعانة بالله حماقة. غيروا حياتكم حتى تبدو حياةً جديدة، واستغفروا كثيرا. إن الذين تشغلهم أعمال الدنيا كثيرا عليهم أن يخافوا أكثر. يقصر أصحاب الوظائف في أداء أكثر فرائض الله، لذلك يجوز لهم في حالة الاضطرار أداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعًا، ولكني أعلم أن المرء لو استأذن المسؤول فإنه سيأذن له بأداء الصلاة. وقد صدرت بهذا الصدد تعليمات من قبل كبار المسؤولين إلى مَن هم دونهم رتبة. فتقديم مثل هذه الأعذار الواهية من أجل ترك الصلاة ليس إلا ضعفًا في النفس. لا تظلموا ولا تقصروا في حقوق الله وحقوق العباد. أدُّوا الواجبات في وظائفكم بكل أمانة. لا تسيئوا للدولة لحظةً واحدة. ألا تعلمون ما جرى في عهد حكم السيخ، حين ألغي الأذان من المساجد، وكان المسلمون يتعرضون للعقوبات القاسية والظلم الشديد إذا أصاب البقرَ أدنى أذى بأيديهم؟ لقد جاء الله تعالى بهذه الدولة من مكان بعيد لينقذكم من هذه المصائب. لقد انتفعنا بهذه الدولة، وبدأنا نؤدي فرائضنا الدينية بأمن وسلام.
فكم بالحريّ بنا أن نكون شاكرين لهذه الدولة! اعلموا أن من لا يشكر الناس لا يشكر اَلله تعالى. القاعدة أن الإنسان إذا لم يستعمل عضوًا من أعضائه لفترة تعطل. يقال أن العين لو ظلت مغلقةً أربعين يوما صارت عمياء. فلذلك أوصيكم بكل تأكيد وشدة وأقول: إن للدولة مننًا عظيمة علينا. انظروا كيف توفرت لنا كتب كثيرة مليئة بالحقائق والمعارف، حيث تصلنا من بلاد نائية جدا. لقد انتفعنا كثيرا من الحرية الدينية التي منحتها لنا هذه الدولة. كان ديننا قد تعرضَ للهجمات وغيرها من المصاعب، فترون كيف دافعنا عنه بحرية. وقد كشف الله تعالى أنواع المعارف تحقيقًا لوعده “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا” (العنكبوت:69)، فنشرناها بين القاصي والداني. والحق أن الحرية الدينية التي تمنحها الدولة هي أيضا أحد أسباب انكشاف هذه المعارف والحقائق علينا.
وأخيرا أ ريد أن أقول: أنشئوا مع الله صلة صادقة، ولا تسيئوا الظن بالدولة، بل اعملوا بتعليماتها وأعينوها.

هذا الموقع هو موقع علمي لا يتبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمىى الطائفة القاديانية ولا يتبع أي فرقه من الفرق المنتسبه للإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025. All Rights Reserved.

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025.

All Rights Reserved.

E-mail
Password
Confirm Password