قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم
التماس مقرون بالحلف بالله جلّ شأنه إلى مشايخ البنجاب والهند والصلحاء وأولياء الله
يا صلحاء الدين وعباد الله الصالحين، أقدم الآن إليكم -مستحلفكم بالله جلّ شأنه- التماسا يجب عليكم الانتباه إليه لرفع الفتنة والفساد، لأنكم تملكون الفراسة والبصيرة وترون بنور الله لا بالتخمين فحسب. مع أنه لا حاجة للحلف أصلا في أمر هام مآله مواساة المسلمين جميعا ومحو فُرقة كبيرة من بين المسلمين، ولكن لما كان هناك بعض الناس الذين يفضلون الصمت لبعض مصالحهم ظنا منهم أن الشهادة الحقة تسخط عامة الناس، والكذب مؤداه المعصية، ولا يفقهون أن إخفاء الشهادة أيضا معصية لذا عنت الحاجة إلى الحلف بُغية لفت انتباههم. فيا صلحاء الدين إن الأمر الذي أُخبركم به حالفا بالله جلّ شأنه هو أن الله تعالى أرسلني مجددا لإصلاح الخلق على رأس القرن الرابع عشر في وقت الضلال والفتنة بعينه. ولأن فتنة هذا القرن الصمّاءَ التي كان مقدرا أن تضر الإسلام كانت فتنة القسس المسيحيين لذلك سماني الله تعالى المسيحَ الموعودَ، وهذا هو الاسم الذي أُخبر به نبينا الأكرم – صلى الله عليه وسلم – وقد وعده الله تعالى بأنه سيرسل عند غلبة التثليث بهذا الاسم مجدِّدًا قُدِّر كسر الصليب على يده. لذلك ورد في صحيح البخاري تعريف المجدد أنه سيكون “إمامكم منكم” ويكسر الصليب. وهذه إشارة إلى أنه سيأتي في وقت غلبة الدين الصليبي. ففعل الله ذلك بحسب وعده وأرسلني على رأس القرن الرابع عشر وأعطاني حربة سماوية لأكسر بها الصليب. وللأسف الشديد لم يؤمن بي المشايخ قصيرو النظر من هذا الزمن وقدموا أعذارا واهية وسخيفة جدا أبطلتها من كل ناحية. لقد قدّموا فكرة تافهة أن عيسى – عليه السلام – صعد إلى السماء حيا بجسده المادي وسينزل في آخر الزمان عند منارة دمشق، وسيكون هو المسيح الموعود. فرددت عليهم أن صعود عيسى – عليه السلام – إلى السماء حيا بجسده المادي ليس صحيحا قط، ولن تجدوا حديثا واحدا صحيحا متصلا يثبت منه صعوده إلى السماء حيا وإن القرآن الكريم يبين وفاته بصراحة تامة وكذلك أكابر العلماء بمن فيهم ابن حزم والإمام مالك رضي الله عنهما كانوا يقولون بموته. فلما ثبتت وفاته بالنصوص القاطعة كان الأمل في نزوله عند منارة شرقي دمشق في وقت من الأوقات فكرة خاطئة تماما. بل لا بد من الاستنتاج من دمشق في هذه الحالة معنى لا يعارض القرآن الكريم ولا الأحاديث الأخرى، وهو أن نزول المسيح الموعود بالإجلال والإكرام، وهو نزول روحاني سيُري أنواره إلى منارة شرقي دمشق. ولما كانت دمشق هي المنبت الأصلي لشجرة التثليث الخبيثة ومن تلك البقعة نشأت هذه العقيدة الخبيثة لذا أشير إلى أن نور المسيح الموعود سينتشر بعد نزوله إلى مكان هو مسقط رأس التثليث. ولكن من المؤسف أن المشايخ المعارضين لم يقبلوا هذه المسألة الصريحة. ولم يفكروا أيضا أن القرآن الكريم جاء ليحكم بين الخلافات السابقة. إن اختلاف اليهود والنصارى في رفع عيسى – عليه السلام – إلى السماء الذي كان القرآن سيحكم فيه لم يكن رفعا جسديا بل كان الخصام والنزاع كله حول الرفع الروحاني. فقد قال اليهود إن عيسى – عليه السلام – ملعون والعياذ بالله، أي مطرود من حضرة الله ومُبعَد ومحروم من رحمة الله ولم يُرفع إلى الله قط لأنه صُلب، والمصلوب محروم من الرفع إلى الله بحسب حكم التوراة وهذا ما يُدعى ملعونا بتعبير آخر. كان المراد مما ورد في التوراة أن النبي الصادق لا يُصلَب، ولما كان المصلوب كاذبا فصار دون أدنى شك ملعونا يستحيل رفعه إلى الله تعالى. كان اليهود أيضا يعتقدون على غرار اعتقاد الإسلام أن المؤمن يُرفع إلى السماء بعد الممات وتُفتح له أبواب السماء. ولتكفير عيسى – عليه السلام – كان في أيدي اليهود دليل أنه صُلب ومن يُصلَب لا يُرفع إلى السماء بعد الممات بحسب التوراة بل يكون ملعونا. لذا استلزم كونه كافرا. ولم يكن للنصارى بدٌّ من قبول هذا الدليل لأنه هكذا تماما ورد في التوراة. فنحتوا عذرين ليتحاشوا هذا الدليل، أولا: قبلوا أن يسوع الذي اسمه الثاني هو عيسى صار ملعونا بعد أن صُلب، ولكن هذه اللعنة لاحقته لثلاثة أيام فقط. ثم اخترعوا عذرا آخر بدلا من أن يحصل له الرفع؛ إذ شهد بعض الناس الذين ما كانوا حواريين أنهم رأوا يسوع صاعدا إلى السماء وكأنه رُفع إلى الله مما أكد كونه مؤمنا. ولكن هذه الشهادة التي نُحتت في وقت عصيب كانت كاذبة.
الحق أنه عندما بدأ اليهود يضايقون النصارى كل يوم قائلين بأن كون المسيح ملعونا ثابت من صلبه، أي لم يُرفع إلى الله، فتضايق النصارى من هذا الاعتراض ولم يجدوا مهربا أمام اليهود فأدلى المفترون المتحايلون بأنهم رأوا يسوع صاعدا إلى السماء فأنّى يمكن القول بأنه لم يُرفع؟ ولكنهم كانوا كاذبين في إدلائهم بهذه الشهادة، ومع ذلك لم تكن لها علاقة مع اعتراض اليهود قط؛ لأن اعتراض اليهود كان عن الرفع الروحاني المبني على التوراة ولم يكن هناك أي نقاش في الرفع المادي. وإضافة إلى ذلك لو طار أحد جسديا مثل الطيور على سبيل الافتراض المحال وغاب عن الأنظار فهل يثبت من ذلك أنه وصل إلى السماء في الحقيقة؟ وإن قبلنا جدلا هذا الأمر غير ذي الصلة بالموضوع سينشأ السؤال: ما هي الآيات في القرآن الكريم التي تحكم في النزاع الدائر بين اليهود والنصارى المتعلق بالرفع الروحاني؟ فلا بد من العودة إلى هذا الأمر والاقرار بأن هذه هي الآيات التي تحكم فيه.
هذه هي حجتنا النقلية على المعارضين، كذلك هم تحت طائلة الحجة من حيث العقل أيضا لأنه منذ بدء خلق العالم ليس من سنة الله أن يسكن أحد في السماء حيا إلى مئات السنين ثم ينزل إلى الأرض في وقت آخر. لو كانت هذه سنة الله لوُجد في العالم أكثر من نظير لها. كان اليهود يزعمون أن إيليا صعد إلى السماء وسينزل في وقت من الأوقات ولكن المسيح بنفسه أبطل هذه الفكرة وقال بأن المراد من نزول إيليا هو يوحنا -الذي يسمى في الإسلام باسم يحيى- مع أن النص الظاهري كان يقول بأن إيليا سوف يعود بنفسه. من واجب الباحثين أن يبحثوا عن نظير كل حقيقة تفوق العادة لئلا يضلوا لأن ما كان من عند الله توجد له نظائر أخرى أيضا. وصحيح تماما أن للأحداث الصحيحة في هذا العصر نظائر ولا نظير للباطل. فبناء على هذا الأصل المحكم ندحض معتقد المسيحيين. ما فعله الله تعالى في الدنيا لا بد أن يكون ملحوظا في عادته وسنته القديمة فلو أرسل الله تعال ابنه ليكون ملعونا ومصلوبا في الدنيا فلا بد أن تكون من سنته أن يرسل ابنه أحيانا. فيجيب الإثبات كم من أبنائه جاؤوا لهذا الغرض قبل ذلك لأنه إذا كانت هناك حاجة لإرسال الابن فلا بد أن يكون الخالق الأزلي قد احتاج له في زمن من الأزمان السابقة أيضا. فباختصار، إن كافة أفعال الله تعالى تدور في دائرة السُنَّة والعادة. أما ما لا ينسجم مع العقل فيدحضه العقل كليا.
أما الشهادة الكشفية والإلهامية فالكشف والإلهام الذي وهبنيه الله تعالى يصرح أن عيسى – عليه السلام – قد مات في الحقيقة، وكان المراد من مجيئه إلى الدنيا ثانية أن ظهر عبد من عباد الله بقوته وطبعه. وقد أظهر الله جلّ شأنه آيات عديدة إثباتا لصدق مقالي وجَمع الشمسَ والقمر في رمضان في حالة الكسوف والخسوف وجعلني أصارع المعارضين ورزقني الفتح في كل موطن على سبيل الإعجاز وأرى آيات أخرى كثيرة تفصيلها مذكور في كتاب “سراج منير” وكتب أخرى. ولكن المعارضين الظالمين لم يرتدعوا عن ظلمهم على الرغم من وجود النصوص القرآنية والحديثية والشواهد العقلية والآيات السماوية وما زالوا يكذّبون ظلما مستعينين بأصناف الافتراءات. لذا فقد خطر ببالي اقتراح آخر لإتمام الحجة وإنني على يقين أن الله تعالى سيبارك فيه وستزول الفُرقة التي أدت إلى خلق العداوة الشديدة بين آلاف المسلمين.
والاقتراح هو:
أن أستحلف جميع المشايخ والنساك والصلحاء وأهل الصفاء في البنجاب والهند كلها بالله جلّ شأنه أن يتوجّهوا إلى الله تعالى بشأني وبشأن ادّعائي بالدعاء والتضرع والاستخارة، ثم لو أشارت الكثرة من إلهاماتهم وكشوفهم ورؤاهم الصادقة التي ينشروها حلفا بالله إلى أن هذا العبد المتواضع كذّاب ومفترٍ فليعُدّوني مطرودا ومخذولا وملعونا ومفتريا وكذابا وليلعنوني كما شاؤوا فلن يكونوا مذنبين في ذلك. وفي هذه الحالة يكون لزاما على كل مؤمن أن يجتنبني. وبذلك سوف يصيبني وجماعتي وبال سريع جدا. أما إذا أشارت كثرة الكشوف والإلهامات والرؤى الصادقة إلى أن هذا العبد المتواضع من عند الله وصادق في ادّعائه فسيكون لزاما على كل متّق أن يتبعني ويكف عن التكفير والتكذيب.
من الواضح أن كل إنسان سيموت في نهاية المطاف، فلو واجه ذلة في الدنيا في سبيل قبول الحق فهي أهون من ذلة الآخرة؛ لذا أستحلف كافة المشايخ والنساك والصلحاء في البنجاب والهند بالله جلّ شأنه الذي من شيمة المؤمنين الصادقين تسليم عنقهم على عتباته أن يركّزوا على الدعاء في حضرة الله بشأني إلى 21 يوما على الأقل -إن لم يعرفوا شيئا قبل 21 يوما- وليستكشفوا منه – سبحانه وتعالى – حقيقة أمري؛ هل أنا كذاب أو من الله تعالى. إنني أستحلف صلحاء الدين مرة بعد أخرى بالله جلّ شأنه وأسألهم أن يركّزوا على الدعاء إلى 21 يوم حتما -إن لم يُطْلَعُوا على حقيقة الأمر قبلها- بُغية درء الفُرقة. إنني أعلم يقينا أنه ليس من شيمة المتقين ألا يلتفتوا بعد سماع الاستحلاف بالله 1. وأعلم أن كل ذي قلب طيب وخاشع لعظمة الله سينتبه حتما بسماع هذا القسم ثم يتضح أن الله في الجانب الذي تكثر فيه الشهادات الإلهامية.
إن كنتُ كذابا ودجالا في الحقيقة فمن الطامة الكبرى على الأمة أن يأتي فيها دجال على رأس القرن الرابع عشر بدلا من مصلح ومجدد في زمن الفتن والبدعات وطوفان المفاسد هذه.
اعلموا أنني أخاطب في هذا الإعلان كلّ مَن تظنه جماعة من المسلمين وأهل البصيرة صالحا وتقيا وذا قلب طاهر. وليكن معلوما أيضا أن الصلحاء الذين هم أقل درجة من حيث ذيوع الصيت لا أراهم أقل درجة إذ يمكن أن يكونوا أفضل عند الله من ذائعي الصيت، كذلك لا استخف بالنساء الصالحات العفيفات أيضا مقارنة مع الرجال، إذ من الممكن أن يكنّ أفضل من بعض الرجال الصالحين المشهورين، ولكن كلّ من رأى رؤيا أو كشفا أو إلهاما يكون واجبا عليه أن يخبرني خطيا بتوقيعه لكي تُجمع كل هذه العبارت في مكان واحد ثم تُنشر لطلاب الحق.
وهذا الاقتراح ينفع عباد الله كثيرا بإذن الله، وتنجو قلوب المسلمين مطمئنة بكثرة الشواهد. ويتبين من آثار النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا أن المهدي في آخر الزمان سيُكفَّر في البداية وسيعاديه الناس ويقابلونه ببذاءة اللسان وبشدة ثم يُخبَر عباد الله الصالحون بصدقه في نهاية المطاف بواسطة الرؤى والإلهامات وغيرها، وستظهر الآيات السماوية الأخرى أيضا، عندها سيقبله العلماء طوعا أو كرها. فيا أيها الأعزة، ويا صلحاء توجّهوا إلى الله بالله عليكم! أستحلفكم بالله جلّ شأنه أن اقبلوا مسألتي هذه، أستحلفكم بالله القدير ذي الجلال مرة أخرى ألا تردوا طلبي هذا.
“أيها الأحبة أستحلفكم بالله مئة مرة، وأستحلفكم بالله العادل …. أن تطلبوا الجواب في أمري من الله تعالى، لأن الأبرار يحبون الحلف.” ( ترجمة بيتين فارسيين )
هذا ما أردنا لإزالة الدجى، والسلام على من اتبع الهدى.
الملتمس: العبد المتواضع، ميرزا غلام أحمد من قاديان، محافظة غورداسبور، البنجاب، 15-6-1897م
1بالإضافة إلى الاستحلاف أتوسل مشايخ الوقت بمرشديهم أن يتوجّهوا إلى الله تعالى حتما من أجل تكذيبي أو تصديقي، (المؤلف)