قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي على رسوله الكريم
لقد حضر شيخ الكل المحترم جلسة المناظرة بتاريخ 20 أكتوبر1891 م ولكن ليس بطيب خاطره بل بسبب إعلان مثير للغيرة نشرته في 17 أكتوبر1891 م وقلت فيه بأن لعنة الله على من يتخلف سواء أنا أو شيخ الكل المحترم عن الحضور في الجلسة لما فيه كتمان للحق وصدٌ عن سبيل الله وإخفاء للشهادة. فبناء على ذلك قبل الحضور مضطرا لينقذ نفسه من الوصمة التي كانت ستُلصق بجبين مشيخته إن تغيَّب. ولكن حكام الجلسة والحضور الكرام قد فهموا جيدا أنه لم يسلم من تلك الوصمة لأن حضوره وحده ما كان كافيا لتجنيبه الوصمة بل كان ضروريا أيضا إلى جانب ذلك أن يضع في الاعتبار الهدف الحقيقي بحسن النية ويناظرني بلا أدنى توقف في مسألة وفاة المسيح وحياته إظهارا للحق، وليُري الحضور، الذين جاءوا بكل شوق، ما لديه من أدلة قاطعة ويقينية على حياة المسيح ابن مريم وما يملكه من ردود مقنعة على براهين تُقدَّم على وفاته – عليه السلام -. ولكنه لم يفعل ذلك. ولكن لماذا؟ كان السبب وراء ذلك أنه كان صفر اليدين تماما. فلما لا يوجد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ثبوتا يقينيا وقاطعا قط (على ذلك)، ومن ناحية ثانية توجد فيهما أدلة على وفاة المسيح بكثرة وتُقنع القلب وتطمئنه كالنور الساطع، فأيّ دليل كان سيأتي به شيخ الكل على حياة المسيح ابن مريم؟ ومن أين؟ لهذا السبب لزم الشيخ الصمت وكأنه ليس في قالبه رمق الحياة قط، أو ليس في جسده نَفَس.
ففي هذا الوقت الحرج حين طُلب منه مرة بعد أخرى بأنك إذا أثبتَّ اعتقاد حياة المسيح الجسدية في الحقيقة من الآيات الصحيحة واليقينية وقطعية الدلالة والأحاديث الصحيحة المرفوعة والمتصلة سوف أتخلى عن كل إعلاناتي نتيجة ثبوت واحد منك، فتعالَ وقدّم ذلك الثبوت، طرأت عليه حالة كأنها الاحتضار. كانت الجلسة تضم أكثر من خمسة آلاف شخص بمن فيهم زعماء المدينة المحترمون، ووفّرت الحكومة الأمن بأحسن وجه إذ لا يُتصور أحسن منه، وكان رئيس قسم الشرطة في المدينة مع المراقب الأوروبي موجودا مع لفيف من رجال الشرطة في مقام المناظرة وهو المسجد الجامع في دلهي، وأخذ نظام الأمن والحماية من كل الجوانب بيده وكان الجميع ينتظرون أن يبدأ الفريقان المناظرة بكل أدب ولباقة. عندها أرسلتُ إلى شيخ الكل الذي كان جالسا في زاوية رسالة من أجل التأكيد وإتماما للحجة قلتُ فيها بأني موجود هنا فعليك أن تناظرني في حياة المسيح ووفاته كما سبق أن نشرتُ في إعلان 17/ 10/1891 م. وإن كنتَ عاجزا عن المناظرة فلتحلف بحسبما ورد في الإعلان المذكور أن رفعَ المسيح ابن مريم حيا إلى السماء بجسده المادي ثابت عندك بنصوص القرآن والحديث الصريحة والقاطعة والبينة. ثم إذا سلمتَ من مغبة اليمين الغموس إلى عام سأتوب على يدك بل سأحرق جلّ كتبي أيضا التي تشمل هذا الموضوع. ولكن الشيخ المحترم لم يرض بأيّ من الطريقتين. مع أنني طلبت منه مرارا وتكرارا أن يناظرني أو يحلف بحسب شروط الإعلان ليُظهر الله تعالى آية للباحثين عن الحق ولكن شيخ الكل تحاشى ذلك. وفي الأخير احتال الشيخ كغريق يتعلق بقشة في محاولة يائسة لإنقاذ حياته بتقديمه حيلة وعذرا بواسطة ممثليه -إلى رئيس قسم الشرطة في المدينة الذي كان واقفا وسط الفريقين لهذا الغرض فقط- وقال إن هذا الشخص منحرف عن معتقدات الإسلام، لا يؤمن بالمعجزات ولا بليلة القدر، وينكر المعراج ووجود الملائكة، كذلك يدّعي النبوة وينكر ختم النبوة لذا لن أناظره في موضوع وفاة المسيح أو حياته ما لم يسوِّ معنا قضية هذه المعتقدات. إنه كافر، فهل نناظر الكافرين؟ عندها رددتُ عليه بحضور رئيس قسم الشرطة في المدينة بأن كل هذه الأمور افتراء محض ولا أنكر أيّا من هذه المعتقدات، غير أنني كتبت بعض النكات والمعارف في كتاب “توضيح المرام” و”إزالة الأوهام” على غرار أهل الكشوف بالنظر إلى المعتقدات الحقيقية والمسلَّم بها. وتلك النكات والمعارف لا تعارض المعتقدات الحقيقية. أما إذا كان الخصم يعتبر أسرار التصوف والنكات والمعارف الإلهامية هذه معارضة لمعتقدات أهل السنة لقصور فهمه أو سوء ظنه فذلك ليس إلا قصور فهمه، ولا خلاف فيها بحسب رأيي. وأعد أيضا بأن أنشر قريبا كتيبا منفصلا لتفهيمها وتلقينها لكي يحكم الناس بأنفسهم هل ابتعدتُ في هذه المعتقدات عن معتقدات أهل السنة والجماعة أو هي معتقدات أهل السنة والجماعة بعينها مع إضافة كثير من الأسرار اللطيفة، إلا أن عيون المعترضين مغبرَّة إذ يرون القريب غريبا ويحسبون الموافق مغايرا تماما. وقد قلتُ له مرارا وتكرارا بأني ما دمتُ قد نَشرت في الإعلان أيضا أن إنكار هذه المعتقدات ليس مذهبي بل أرى منكرها خارجا عن الإسلام فماذا سأناقش في هذه المعتقدات المسلَّم بها؟ إذ يكون النقاش في حالة الخلاف وليس في حالة الاتفاق، فلا تدخُل في نقاش عن مسلّمات المسلمين دون مبرر. بل عليك أن تناظرني فيما هو مختلف فيه بين معتقداتك ومعتقداتي أي في صعود المسيح ابن مريم بجسده المادي ونزوله. ولكن شيخ الكل لم يتراجع عن عناده وظل يرفض المناظرة في حياة المسيح ووفاته رفضا باتا. ففهم الفاهمون الأذكياء أنه ليس في جعبته دليل على حياة المسيح ابن مريم الجسدي ولا يقدر على تفنيد الأدلة على وفاته – عليه السلام -. كذلك لا يجرؤ، بسبب رعب الحق، على الحلف أيضا بحسب الشروط المذكورة في الإعلان. عندها رأى مدير الشرطة في المدينة وقد ضاق ذرعًا بهذا العراك ونظرا إلى كثرة الناس وحالتهم الموحشة أن الانتظار الطويل ليس مناسبا فأعلن على الناس حكمه بُغية تفريق العوام فقال: انصرفوا، لن تُعقد المناظرة.
إذًا، هذه هي الأحداث التي سمعها وسط الجمهور مديرُ الشرطة في المدينة مع المراقب في الشرطة الذي كان يعمل تحته. وقد حضر الجلسة خواجه محمد يوسف الزعيم والمحامي ومفوض الشرف في مدينه “عليغره” أيضا. وكان من حسن الصدف أن اشترك فيها شخص موثوق به مثله. فسمع الخواجة المحترم أعذارا واهية من الخصم وتوجه إلي وقال: هل صحيح أنك تنكر ليلة القدر والمعجزات والملائكة والمعراج وغيرها على عكس معتقد أهل السنة والجماعة، وتدّعي النبوة؟ قلتُ: هذا كله افتراء عليّ بل أنا أعتنق كل هذه المعتقدات، غير أن هؤلاء القوم لم يفقهوا منطوق كتبي واعتبروني منكر معتقدات أهل السنة. فقال: حسنا، إذا كان ذلك صحيحا فاكتُب لي هذه الأمور كلها على ورقة وسأقرؤها حالا على مدير الشرطة وعامة الناس أيضا وسآخذ نسختها معي إلى “عليغره”. فكتبتُ في ذلك بيانا مفصلا كما يلي
بسم الله الرحمن الرحيم نحمده ونصلي
فليكن واضحا أن المسألة الخلافية التي أُريد المناظرة فيها هي أن الادّعاء القائل بأن المسيح ابن مريم رُفع إلى السماء حيا بجسده المادي ليس ثابتا عندي، ولا يوجد في آية واحدة صريحة الدلالة وقطعية الدلالة من الآيات القرآنية ولا يوجد حديث واحد صحيح ومرفوع متصل تثبت به حياة المسيح – عليه السلام -. بل هناك آيات صريحة كثيرة في القرآن الكريم وكذلك أحاديث صحيحة مرفوعة متصلة تُثبت وفاته فقط. وهنا أقرّ إقرارا شرعيا صحيحا أنه إذا أثبت الشيخ سيد محمد نذير حسين حياة المسيح – عليه السلام – بآيات صريحة الدلالة وقطعية الدلالة والأحاديث الصحيحة المرفوعة المتصلة سأنسحبُ من إعلاني بكوني مسيحا موعودا. وسأتوب أمام الشيخ المحترم بل سأحرق جّل كتبي التي تشمل هذا الموضوع. أما التهم الأخرى التي تُلصق بي ويقال بأني أنكر ليلة القدر وأرفض المعجزات والمعراج وأدّعي النبوة وأنكر ختم النبوة فكلها تهم باطلة تماما وكذب وزور فقط. إن مذهبي في هذه الأمور كلها هو المذهب نفسه الذي يعتنقه أهل السنة والجماعة. والاعتراضات التي استُخرجت من كتابي “توضيح المرام” و”إزالة الأوهام” هي خطأ بحت من الطاعنين. فأقرّ بكل وضوح الأمور المفصلة التالية أمام المسلمين وجالسا في بيت الله، المسجد، بأني أؤمن بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين، والذي ينكر ختم النبوة أعتبر ذلك الملحد خارجا عن حظيرة الإسلام. كذلك أؤمن بالملائكة والمعجزات وليلة القدر وغيرها. وأقرّ أيضا أني سأؤلف قريبا كتيبا منفصلا وأنشره لإزالة شبهات ما فهمه بعض من قاصري الفهم نتيجة سوء فهمهم. فباختصار، كل الاعتراضات التي نُحتت ضدي سوى إعلاني بوفاة المسيح وكوني مثيل المسيح كلها باطلة لا قيمة لها قط وناتجة عن سوء الفهم فقط.
وقرأه الخواجه المحترم كله على مدير الشرطة بصوت عال وسمعه الحضور الكرام أيضا الذين على مقربة منه.
ثم ركّز الخواجة المحترم بعد ذلك على أنه ما دام ليس هناك أيّ نزاع في هذه الأمور بل يتفق عليها الفريقان فما معنى النقاش فيها؟ إن المسألة الجديرة بالنقاش هي التي يختلف فيها الفريقان، أي مسألة وفاة المسيح أو حياته وبالحسم فيها تُحسم الأمور الأخرى كلها تلقائيا. بل إن ادّعاء كونه المسيح الموعود يبطل تلقائيا في حال ثبوت حياة المسيح. ثم قال مرارا، بذكر اسمي، بأنه وعد بنفسه أنه إن ثبتت حياة المسيح بالنصوص البينة والقاطعة من القرآن والحديث سيتراجع عن ادّعاء كونه مسيحا موعودا. ومع أن الخواجة المحترم شدد على ذلك كثيرا إلا أنّ الخصم لم يتخلّ عن العناد ولم يبدأ المناظرة في مسألة حياة المسيح ووفاته بل ذهب كل هذا التنبيه سدى وكأن روح شيخ الكل تكاد تزهق عند الاقتراب من هذا البحث. فرفض ذلك رفضا سافرا مما أدّى إلى انكسار قلوب الحضور. لقد سمعت أن شخصا كان يقول بألم شديد بأن شيخ الكل قد أهال اليوم ترابا على شرف أهل دلهي وأغرَقَنا في بحر الخجل. وكان البعض يقولون: لو كان شيخنا على الحق لناظر هذا الشخص حتما. أما الجهال والغوغاء الواقفون بعيدا فما كانوا يفهمون ما الذي يجري وكانوا يحترقون في نار العناد. إن مريدي شيخ الكل الذين كانوا بعيدين وخاصة البنجابيين استغربوا بشدة مما حدث ولماذا رفض شيخ الكل الخوض في المناظرة في هذا الوقت الحرج وجَبُن؟ جواب ذلك أنه لم يكن على الحق، والقرآن الكريم كان يدفعه بعيدا كلما اقترب منه، وكانت الأحاديث تقول له من بعيد: لا تنظر إلى هذا الاتجاه إذ ليس لك شيء على مائدتنا. فلأنه لم يكن في يده دليل ولم يكن لديه جواب مقنع على أدلتي عجز وصار كالميت وغلبه الرعب بأنه إن خاض المناظرة سيواجه خزيا كبيرا، وسيزول رونق كونه شيخ الكل دفعة واحدة وستصبح حياته أسوأ من الموت.
وإذا طُرح سؤال أنه إذا كان الحال على هذا المنوال في الحقيقة فلماذا لم يقل شيخ الكل في الجلسة بكل صراحة بأني مخطئ والآن أتراجع عن موقفي السابق؟ فجوابه أنه لو رافقته التقوى الحقيقية وكان لديه شيء من خشية الله لاعترف بخطئه دون أدنى شك ابتغاء لمرضاة الله، ليس مرة بل ألف مرة. ولكن الحق أنه عندما يقسو قلب الإنسان ويعلو كل ذرة من كيانه صدأ الشرف والعُجب والاستكبار وتصدر منه أفعال شائنة كثيرة أيضا دع عنك كتمان الحق. إذًا، فإن التراجع عن رأيهم الذي روّجوه من قبل أشد من الموت على المشايخ. ولهذا السبب لم يوفَّق شيخُ الكل لأداء شهادة الحق. والله أعلم أنني حزين جدا على أن شيخ الكل كتم شهادة الحق في سنِّه المتقدم ولم يبالِ بسوء خاتمته. كان واجبا عليه أن يتقي الله ويُدلي بشهادة إن كانت حياة المسيح ابن مريم تثبت من نصوص القرآن الكريم البينة والقاطعة واليقينية والأحاديث أم يثبت عكسها. لماذا كتم شهادة طُلبت منه لوجه الله؟ ألم يعلم أن الله جلّ شأنه يقول في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (البقرة:160)
فيا أيها القراء الكرام، أقول حلفا بالله جلّ شأنه أنه لا يوجد في القرآن والحديث أدنى أثر لحياة المسيح ابن مريم الجسدية بينما توجد على وفاته آيات بينة والنصوص القرآنية والحديثية. ولو لم تُذكر وفاته في القرآن الكريم والأحاديث لما ثبت من عدم إثبات حياته إلا مماته فقط. لقد جاء في القرآن الكريم ذِكر كثير من الأنبياء ولم تُذكر فيه وفاتهم ولم يُذكر هل ماتوا أم ماذا جرى لهم. ولكن مجرد الفكرة أن وفاتهم لم تُذكر في القرآن الكريم لا تُثبت أنهم أحياء. إن الموت أمر طبيعي وحقٌ على كل إنسان وحيوان ولا حاجة لإثباته أصلا. والذي يكون مفقود الخبر منذ مئات السنين يُعَدّ من الأموات بحسب قوانين المحاكم أيضا وإن لم يره أحد ميتا. أما الحياة على وجه خارق للعادة أمر استدلالي وبحاجة إلى الدليل لإثباته. بمعنى أنه ما لم تُثبَت بالأدلة اليقينية الحياةُ غيرُ الطبيعية التي تزيد على الحياة الطبيعية بمئات السنين لمفقود الخبر والغائبِ عن الأنظار لما قبلت أية محكمة أنه ما زال حيا. أهدف من هذا البيان هنا أن الذي يدّعي حياة المسيح ابن مريم الجسدية والخارقة للعادة فعليه تقع مسؤولية إثباتها، ومن واجبه هو أن يثبت ادّعاءه هذا بواسطة منطوق الآيات القطعية والأحاديث الصحيحة. وإن لم يثبت هذا الادعاء فإن عدم ثبوته يكفي دليلا على الوفاة لأن الوفاة أمر طبيعي لا مندوحة منها لكل ذي نفس بعد عمره الطبيعي. ومع ذلك بين الله تعالى وفاة المسيح ابن مريم في القرآن الكريم ببيان مقنع استئصالا لتلك الشبهات لأنه كان يعلم أنه ستكون هناك فتنة من فتن الزمن الأخير بأن عبدا ضعيفا أي المسيح ابن مريم سيُعتبر حيا إلى آخر الزمان. لذا فقد بيّن وفاة المسيح ببيان واضح استأصل كل شبهة من جذورها. اقرأوا كتابي “إزالة الأوهام” وتأملوا في جميع الأدلة التي سقتُها على وفاة المسيح ابن مريم.
يمكن للعادلين أن يطمئنوا تماما بناء على الأحداث التي ذكرتها في هذا الإعلان أن شيخ الكل لم يختر مقابلي طريقا يجب أن يختاره المتقي بمثل هذه المناسبة. بل الحق أنه أشاح بوجهه عن إظهار الحق -مع كونه مقتدى كل الأكابر والأئمة وتسمية نفسه شيخ العرب والعجم- بما لا يمكن أن يفعله مؤمن بسيط أيضا، ولم يرد أن يخوض المناظرة سالكا مسلكا سليما. لقد خاطبتُ شيخ الكل في كل إعلان من إعلاناتي ووصلت إلى دلهي لاختبار مشيخته، وسافرت من وطني وتجشمت معاناة الغربة ومصائبها وأقمت في هذه المدينة. وليخبرني أحد من العادلين ما الذي فعله شيخ الكل مقابل ذلك، سوى أنه احتال حيلة بعقد الجلسة من جانب واحد إذ دعاني صدفة ومن ناحية أخرى أغوى سفهاء دلهي وحرّض أوباشهم ورعاعهم ببهتانات لا أصل لها وجمعهم حول بيتي. وهيّج المئات من خبثاء الطوية فاستعدوا للقتل بكل شجاعة مثل “الغزاة” من مناطق جبلية، ولم يتركوا مجالا لأضع قدما خارج البيت بل بدأوا بكسر أبواب البيت الخاص بالنساء. وقد اقتحم بعض المتوحشين ذوي الصفات السبعية الجزء الخاص بالنساء. وعندما عجزت عن الحضور في جلسة مقترحة من جانب واحد أشاعوا انتصارهم بوجه عام. يمكن للقراء الكرام أن يفكروا بأنفسهم كيفية هذه التصرفات، ومن هم الذين يقومون بأعمال مثلها؟
والحيلة الأخرى التي احتالوها كانت أنه عندما علموا جيدا أنهم لا يستطيعون أن يثبتوا حياة المسيح ابن مريم بحال من الأحوال وإن خاضوا المناظرة فسيواجهون خزيا كبيرا، أقاموا بعضا من تلاميذهم ذوي لسان سليط ومتعودين على السخرية مثل المقلدين لنشر إعلانات سخيفة وإمضاء الوقت فقط. وكأن الشيخ المحترم أراد أن يجعل بذلك تلاميذه كبش فداء لتخليص نفسه. ولكن يمكن أن يعرف العادلون؛ هل ورد في تلك الإعلانات الخادعة شيء نافع؟ هل رُدّ فيها لماذا يتحاشى شيخ الكل هذه المناظرة الهامة مع تسميته شيخ الكل؟ أية آفة حلّت به تمنعه من الخوض في المناظرة؟ كل عاقل يستطيع أن يقدّر مدى أمانته وإخلاصه واعتصامه بالحق ومواساته للإسلام. فلو دُعي مثلا إلى المحكمة لبيان هذا الأمر وأُمر بأن يبين صدقا وحقا ما عنده من الأدلة القاطعة من القرآن الكريم والأحاديث على حياة المسيح ابن مريم الجسدية وصعوده ونزوله الجسدي، تكفي لتكوين اعتقاد؛ فهل كان ممكنا ألا يمثل الشيخ أمام المحكمة أو يمتنع من الإدلاء بإفادته؟ فلماذا لم يخش إذًا محكمة الله؟ هل سيموت يوما أم لا؟ من المؤسف أن يسمَّى شيخ الكل ثم يقوم بتصرفات مثلها!!
قل أنت بالله عليك عدلا وإنصافا يا شيخ الكل؛ هل ارتكبت جريمة أم لا إذ كتمت أمر كتاب الله الذي أُوصيتَ بكشفه؟ فمثلا لو صدر باسمك استدعاء من المحكمة البريطانية لإيضاح الأمر نفسه ورافقه التهديد بالعقوبة القانونية في حال كتمان شهادة الحق فهل كنتَ ستُدلي بإفادتك أم سترفض قائلا بأني لن أمثل أمام المحكمة بل خذوا الشيخ البطالوي أو اكتبوا شهادة الشيخ عبد المجيد؟ كيف تستغني عن عدل الله إلى هذا الحد؟ لقد تعبنا من طول انتظارك. لقد حضرتَ جلسة 20 أكتوبر/تشرين الأول وكأنك لم تحضرها أصلا إذ قد رفضتَ الخوض في المناظرة فور مجيئك وتحاشيت الحلف أيضا كما كان منطوق الإعلان وأخذتَ على عاتقك دون مبرر ذنبا كبيرا بإخفاء الشهادة. فقد أحسنتَ إذ كتبتَ الإعلان الذي صدر منك بتاريخ 13 ربيع الأول وصفا جميلا للحواس بأن كافة حواسك بخير على تقدم السن، وأن قوة اليدين والقدمين ورؤية العينين جديرة بالإشادة وأنك في مأمن من كل مرض. فما دمتَ تتمتع بصحة جيدة كما قلتَ وكافة القوى جديرة بالإشادة فلا أفهم لماذا تحاشيت المناظرة؟ هل لكم أن تفهموا أيها القراء الكرام؟
فيا شيخ الكل، اتق الله الذي يرى ما في قلبك. لقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ما حاك في صدرك فهو ذنبك. أي ما انقبض له قلبك وتردد من ارتكابه ولكنك ارتكبته مع ذلك فهو ذنبك. والآن يمكنك أن تدرك أنه لو لم يكن قلبك منقبضا بسبب إنكار وفاة المسيح لاستعددتَ للمناظرة العلنية حتما. ولكن اكتفيتَ بالتباهي والتبجح جالسا في بيتك إذ قلتَ مرارا بأن المسيح ابن مريم حي بجسده المادي وهذا ما يثبت من القرآن الكريم والحديث. لقد زارك بعض من أحبائي المخلصين وذكروا أيضا تباهيك وتبجحك الفارغ. ولكن لما كان ذلك كلاما فارغا فحسب وكان كذبا عقيما بحتا وكان قلبك منقبضا ومغلوبا باليأس لذلك لم تتقدم للمناظرة. لو كان في يدك أيّ دليل على ذلك لما تركتني وشأني. قد استخدمتُ كلمات مثيرة لغيرتك بحسن النية تماما ولا أزال أستخدمها ولكنك لا تكاد تستحي. لقد استأذنتك خطيا أيضا ورجوتك أن تأمرني برسالةٍ خاصة أن أحضر منزلك لأناظرك خطيا في موضوع حياة المسيح ووفاته، وقد وعدتُ أيضا أنه إن ثبت خطأي في إلهامي وأثبتَّ أنت حياة المسيح ابن مريم المادية بنصوص صريحة وبينة وقاطعة فليشهد العالم كله بأني سأسحب إعلاني هذا وسأتراجع عن قولي، وسأعتبر إلهامي أضغاث أحلام وسأحرق كتبي التي فيها هذا الموضوع. وقد أقسمتُ أيضا بالله جلّ شأنه بأني سأفعل ذلك حتما في حال ثبوت ذلك. ولكنك يا شيخ الكل، لم ترفع إليّ عينيك. كنتُ مسافرا فلم تهتم بما تجشمتُ من المعاناة. لقد أقمتُ في دلهي كل هذه المدة من أجلك أنت فلم تلتفتْ إلي أدنى التفات. بل أثرتَ العوام بفتوى تكفيري كالمشايخ المفسدين ولكن لم تُرِ أية علامة لإيمانك وتقواك. واعلم جيدا أن هناك يوم عدلٍ أيضا ستحاسَب فيه على جلّ أعمالك. إن لم آتِ إلى دلهي ولو لم أطالبك بالمناظرة بهذا القدر من الأحلاف ولم أعطك العهد بعد العهد فلربما ما كان ذنبك كبيرا إلى هذا الحد بسبب الإنكار، أما الآن فلم يبق عندك عذر بل إن ذنب أهل دلهي كلهم في عنقك. لولا الشيخ البطالوي والشيخ عبد المجيد لكان بالإمكان أن تعود إلى صوابك ولكنهما لسوء حظك ظلا يراقبانك كل حين وآن. أنا مسافر وسأسافر الآن إلى وطني بإذن الله. وقد سمعتُ لعنا وطعنا وشتائم بذيئة من أهل دلهي بتحريض منك، كما لم يقصّر تلاميذكم في توجيه اللعن والطعن إليّ. ولكن يجب أن تتذكر أنك لم تعمل بما أعطاك الله من العلم وأخفيت الحق وتركت طريق التقوى كليا. وما حقيقة مَن يترك طريق التقوى؟ إن عظمة المؤمن وصلاحه كله يكمن في التقوى. أما الشرير فيقول ما يشاء حذلقةً منه دون ثبوت قاطع. ولكن العادل الحقيقي يقول: يا مَن يختار الاعوجاج متعمدا سترجع إلي في نهاية المطاف بعد الممات. ولا أرى لك نصيرا ولا معينا. سوف تُسأل عن كلامك. فيا شيخ الكل اتّق، يوما تشهد فيه الأيدي والأقدام ولن يخفى ما في الصدور. فيا أيها الغافل والمتكبر لماذا لا تخاف ربك الكريم. ما دليلك على رفع المسيح ابن مريم بجسده المادي؟ ولماذا لا تقدّمه إذًا؟ يا للأسف لماذا تخفي ما في قلبك؟ أقول بحسن نية وقلب يفيض بالإخلاص وإن ربي يرى الآن ويسمع وينظر إلى قلبي. والله قد ثبت لي أنك لم تشهد شهادة الحق بسبب العجب ورعونة المشيخة وأحببت الباطل وعاديت الحق. وجعلتَ أهل دلهي يتجاسرون نتيجة كتمانك الحق لدرجة أن بعضهم ادّعوا مقابلي كونهم مسيحا موعودا استهزاء وسخرية منهم، ونشروا بعض الإعلانات وتجاوزوا في بعضها الحدود كلها في مدحك وإن الإمعان فيها يجعل المرء يشك بشدة أنها كُتبت بإيعاز منك. قد سعوا فيها أن يطفئوا نور الله بأفواههم على غرار الأوباش. ولكن هذا السعي ليس بجديد بل ظلت هذه العادة جارية منذ القِدم أن الذين يعادون الحق يمكرون كل مكر لإطفاء نور الصدق ولكن الحق يتجلى في نهاية المطاف وهم كارهون. إن الخطط من صنع الإنسان لا تنجح بل تتشتت جماعة كهذه سريعا. ولكن هل من أحد يقدر على القضاء على جماعة ينشئها الله؟
فيا شيخ الكل! لماذا تضرب بيدك على سيف بتار؟ ألا تخشى على يدك؟ إن الله يراك وإن كنتَ لا تراه. لماذا تتجاسر أكثر من علمك؟ اتّق الله، لمقت الله أكبر من مقتكم.
يا أيها المستهزئون، ويا أيها الساخرون، والقائلون متجاسرين بأنكم أنتم المسيح الموعود وقد نزلتم الآن من السماء على سقف “فتح غرهـ”، أنّى لكم أن تخافوا وأنتم في حالة الأمن والصحة والشباب والغفلة ولكني أقول مع ذلك: اتّقوا الله الذي يستطيع أن يُحزِن الفرحين في لمح البصر وقادر على أن يحوّل الأفراح أتراحا. أليس الإنسان في قبضة يده؟ يا أرض دلهي، أسفا عليكِ لأنك ما أحسنت صنعا! يا ذرية المسلمين تذكّروا ما هو الإسلام؟ واتقوا فإن الله جلّ شأنه غنيٌّ. اعلموا يقينا أن ما تقرّر عنده لا يمكن أن يبطل بمكائد الإنسان. يا أهل دلهي إنكم تسكنون أرضا يرقد فيها كثير من الصلحاء. استحيوا، فإن الله فوقكم، وتحتكم الصلحاء الذين صاروا ترابا. وأفوض أمري إلى الله والله بصير بالعباد. والسلام على عباده الذين اصطفى.
الناصح: عبد الله الصمد.
غلام أحمد القادياني، في 23 أكتوبر1891 م من دلهي زقاق بِلِّيماران، منزل نواب لوهارو.
(طُبع في مطبعة “افتخار” دلهي)