قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب إزالة الأوهام:
السؤال 12: في سورة الزخرف آية تقول: “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا” (الزخرف:61) والمراد من العلم هنا هو عيسى عليه السلام الذي سينـزل قرب القيامة، فمن هذه الآية يثبت نزوله.
أما الجواب: فمن الواضح أن الله تعالى يريد من تقديم هذه الآية أن يُدين منكري القيامة ويقول لهم: لماذا ترتابون في إحياء الموتى بعد رؤيتكم هذه الآية؟ كل عاقل يستطيع أن يفهم بالتدبر في هذه الآية أنه ليست لها أدنى علاقة بنـزول عيسى، بل تقول بأن آية إحياء الموتى تلك، ما زالت موجودة الآن أيضا، وتُدين المنكرين وتقول: كيف تشكّون فيها الآن؟ فلكل عاقل أن يفهم الآن أنه إذا كان الله يريد من هذه الآية الإثباتَ أن عيسى عندما ينـزل من السماء يكون نزوله دليلا أو علامة على إحياء الموتى، فكيف يمكن أن يُدينهم الله قبل ظهور هذا الدليل؟ هل يمكن أن تتم الحجة على المنكرين قبل أن يظهر الدليل للعيان وقبل أن يكون له أيّ أثر، ومع ذلك يقال لهم كيف لا تؤمنون به؟ ألا يصح عذرهم في هذه الحالة أن يقولوا: يا ربنا لم يظهر الدليل أو العِلم للساعة الذي بناء عليه يوجَّه إلينا التهديد المتمثل في: “فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا”. وهل الطريق لإتمام الحجة في أن يكون الدليل لا يزال في طي الغيب ويُظَنَّ أن الحجة قد تمت؟! إن عزو هذا المعنى إلى القرآن الكريم إنما هو إلصاق وصمة سوداء ببلاغته وبيانه الحكيم؟ صحيح أن البعض قد استنتجوا هذا المعنى، ولكنهم أخطأوا في ذلك خطأ كبيرا. والحق أن الضمير في “إنه” يعود على القرآن الكريم نفسه، ومعنى الآية هو أن القرآن آية على إحياء الموتى، لأن القلوب الميتة تحيا بواسطته، ويخرج الأموات العفنة من القبور وتدب الحياة في العظام الرميمة. وذلك مثل قول الله جلّ شأنه عن القرآن الكريم بأنه نموذجٌ للقيامة: “وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا” (الفرقان:48-49) وكذلك قوله تعالى: “وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ” (ق:11).
أي أننا أحيينا الأرض الميتة بالقرآن، كذلك سيحدث عند حشر الأجساد، ثم يقول الله تعالى “إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ” (يس:12)، أي أننا نحيي الأموات بالقرآن، ثم يقول “اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا” (الحديد:17)، أي اعلموا أيها الناس أن الأرض كانت قد ماتت والله تعالى يحييها الآن من جديد.
باختصار، قد ذُكر في عدة أماكن في القرآن الكريم أنه نموذج للقيامة. بل هناك حديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: “وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي”.. أي أنا القيامة ويقوم الناس عند قدمي.. بمعنى أنّ الناس يُحيَون ببعثتي، وأنا أُخرجهم من القبور، ويجتمع عند قدميَّ الذين يُحيَوْن. والحق أنه لو ألقينا نظرة عادلة على بلاد العرب، ووجدناها في حكم المقابر من حيث حالتها الروحانية ورأينا أن روح الصدق وخشية الله كانت قد تلاشت من قلوب أهلها إلى درجة كبيرة وصاروا في حكم المتآكلين العفنين بسبب أنواع المفاسد التي أثرت في أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم، لصعدت من قلوبنا شهادة عفوية أن إحياءهم كان أكثر غرابةً من عودة الموتى إلى الحياة، وقد حيَّرت عظمتُها كثيرا من العاقلين الفطنين.
فملخص الكلام أن المعنى الحقيقي للآية المذكورة هو ما قد بيّنتُه، أي أنّ الله تعالى يقدم إحياء الموتى الروحانيين آيةً بديهية على إحياء الموتى الماديين. وكانت هذه الآية مؤثرة جدا في القلوب، فاقتنع بها كثير من الكفار وما زالوا يقتنعون. وهناك جماعة من المحققين الذين يستنبطون المعنى نفسه من الآية التي نحن بصددها. فقد ورد في تفسير معالم التنـزيل في شرح هذه الآية: (وقال الحسن وجماعة: وإنه يعني وإنّ القرآن لعِلمٌ للساعة يُعلِّمكم قيامها، ويخبركم بأحوالها وأهوالها، “فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا” يعني فلا تشكّنّ فيها بعد القرآن.)
( المصدر: كتاب إزالة الأوهام، تأليف الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني )