قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب إزالة الأوهام:
السؤال 15: لقد أثبت المسيح ابن مريم أنه من الله تعالى بمعجزات كثيرة، فما هي الإثباتات التي قدَّمتَها أنت؟ هل أحييتَ ميِّتا أو شفيتَ أعمًى؟ وإذا افترضنا جدلا أنك مثيل المسيح فماذا استفدنا بوجودك؟
أما الجواب: اقرأوا الإنجيل تجدوا أن الاعتراض نفسه ظلّ يوجَّه إلى المسيح دائما بأنك لم تُظهِر أية معجزة، فأيُّ مسيحٍ أنت؟! وذلك لأنه ما أُحيِي ميِّتٌ حتى يتكلّم ويسرد أحوال ذلك العالَم، وينصح مَن خلفه قائلاً: إني جئت مرورا من جهنم، فآمِنوا به أنتم فورا. فلو أحيا المسيحُ آباءَ اليهود وأجدادهم ماديا وجعلهم يُدلون بشهاداتهم، لما وسِع أحدا الإنكارُ قط. فالأنبياء قد أظهروا آياتٍ دائما، ولكنها ظلت خافية عن أعين الذين ما كانوا ليؤمنوا. كذلك ما أتيتُ أنا أيضا صفر اليدين، بل قد أعطاني الله تعالى كمًّا هائلا من ماء الحياة لإحياء الأموات، فمن شربه أُحييَ حتما. إنني أعترف بلا أدنى شك أنه لو لم يعُد الأموات إلى الحياة بكلامي، ولم يفتح العميان عيونهم، ولم يُشْفَ المجذومون؛ لما كنتُ من الله، لأن الله تعالى قد قال في كلامه المقدس مشيرا إليّ بأنه لو مُحِّص أمري – مقارنة بالمسيح الناصري – لتبين أني أَشفِي عباد الله أكثر بكثير مما شُفيت الأمراض الجسدية في وقته.
اعلموا يقينا أن بذرة الحياة الروحانية قد بُذرت كحبة خردل، وقد قرُبَ، نعم قد قرب جدا زمنٌ تتراءى فيه كدوحة عظيمة. إن صاحب الأفكار المادية يحب الأمور المادية، ويعتبرها شيئا يُعتَدُّ به. أما الذي أُعطِي نصيبا من الروحانية، فيبحث عن الحياة الروحانية. إن عباد الله الصالحين لا يأتون إلى الدنيا ليُرُوا الناس شعوذات، بل هدفُهم الحقيقي هو الجذب إلى الله، وفي الأخير يُعرفون بتلك القوة القدسية. إن النور الذي يخلُق فيهم قوةَ الجذب لا يمكن أن يراه أحد على سبيل الاختبار والامتحان، بل يتعثَّر، غير أنه يُظهِر ثأثيره الخارق بجذبه إلى نفسه جماعةً تستحق أن تُجذب. ومن علامات أحباء الله المخلصين:
(1) يُعطَون حُبًّا خالصا ليس بوسع الناس من هذا العالَم أن يستوعبوه.
(2) يستولي على قلوبهم خوف أيضا، وبسببه يُراعون دقائق الطاعة، لكي لا يسخط الحبيب الأزلي.
(3) يُعطَون صمودا خارقا يترك الناظرين إليه في حينه حيارى.
(4) إذا أكثر أحدٌ من إيذائهم ولم يرتدع، ثار من أجلهم – دُفعة واحدة – غضب الله القوي الذي يتولاهم.
(5) إذا صادقهم أحد بحميمية، وفنيَ في سبيلهم بوفاء وإخلاص صادقَين، جذبه الله إليه، ونـزَّل عليه رحمة خاصة منه.
(6) تُجاب أدعيتهم بكثرة ملحوظة لا تعَدُّ ولا تُحصى مقارنة بغيرهم.
(7) تُكشَف عليهم أسرار الغيب بكثرة، وكذلك الأمور الأخرى قبل ظهورها. لا شك أن المؤمنين الآخرين أيضا يرون رؤى وكشوفا صادقة، ولكن هؤلاء يحتلون مقام الصدارة في العالَم كله في هذا المجال.
(8) يتولّاهم الله تعالى بوجه خاص، وينظر إليهم نظرة رحمة، أكثر مما يربّي الناسُ أولادهم.
(9) إذا حلّت بهم مصيبة فيعاملهم الله تعالى إحدى المعاملتين: إما يُخلَّصون من المصيبة بأسلوب خارق للعادة، أو يُرزَقون صبرا جميلا فيه متعة وسرور ولذة.
(10) تُرفع حالتهم الأخلاقية إلى درجة عليا، فيُخلَّصون من الكِبر والفَخر والبذاءة والعُجب والرياء والحسد والبُخل وشح النفس، ويُرزَقون انشراح الصدر والبشاشة.
(11) يكون توكُّلهم بالغًا للغاية، وتظهر ثمراته باستمرار.
(12) يُعطَون قوةً على كسب الأعمال الصالحة، بينما يكون الآخرون ضعفاء من هذه الناحية.
(13) تُضاعَف فيهم عاطفة مواساة الخلق، فيجدون في نفوسهم لمواساة خلق الله حماسا بالغا دون أمل في أجر أو تفكير في ثواب، حتى لا يدرون بأنفسهم السببَ وراء هذا القدر من الحماس، لأنه يكون نابعا عن طبعهم.
(14) يكونون على علاقة وفاء كامل وتامّ مع الله، وتلاحَظ في نفوسهم النشوة وروح التضحية الفريدة من نوعها. وبين روحهم وروح الله سرُّ الوفاء الذي لا يقدر أحد على بيانه. ولهم عند الله مرتبة لا يعلمها الخلق. والشيء الذي يحظَون به أكثر من غيرهم بوجه خاص، وهو مصدر البركات كافة، وبسببه يُنقذون من الغرق الوشيك، ويحيَون بعد وصولهم إلى شفا الموت، ويتحملون أنواع الذلة، ومع ذلك يفوزون بتاج العزة والشرف، ويتراءون دفعة واحدة مع جماعة بعدما كانوا مهجورين معزولين. هذا هو سر الوفاء الذي لا يمكن أن تقطعَ علاقته القوية سيوفٌ، ولا يُضعفها خوف أو ضجة أو فساد دنيوي. السلام عليهم من الله وملائكته ومن الصلحاء أجمعين.
(15) وعلامتهم الخامسة عشرة هي علم القرآن الكريم. إن معارف القرآن الكريم وحقائقه ولطائفه التي يُعطَونها لا يُعطَاها الآخرون مطلقا. هؤلاء هم المطَهَّرون الذين يقول الله جلَّ شأنه عنهم: “لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ”.
(16) إن الله تعالى يضع في كتاباتهم وخطاباتهم تأثيرا فريدا ومختلفا عن كتابات العلماء الحرفيين وخطاباتهم، وفي هذا التأثير من الهيبة والعظمة ما يأخذ بلبِّ القلوب، بشرط ألا تكون القلوب محجوبة في حُجُب.
(17) إنهم يملكون هيبةً متصبِّغة بصبغة هيبة الله، لأن الله تعالى يكون معهم بوجه خاص، وفي وجوههم نورُ عشق الله، ومَن رآه حُرمت عليه نار جهنم. يمكن أن يصدر منهم ذنب أو خطأ، ولكن في قلوبهم نار تحرق الذنبَ والخطأ. وإن خطأهم لا يكون شيئا ثابتا، بل يكون مثل شيء ينجرف مع ماء سريع الجريان. لذا، فالطاعن فيهم يكون عرضة للعثار دائما.
(18) لا يضيعهم الله أبدا ولا يضرب عليهم الذلة والهوان، لأنهم أحباؤه وغراس يده. لا يُسقطهم من الأعلى ليهلكهم، وإنما ليُري نجاتهم بطريقة خارقة للعادة. لا يدفعهم إلى النار ليحرقهم ويجعلهم رمادا، بل ليرى الناس أنها كانت نارا من قبل، ولكنها الآن صارت كأزهار جميلة المنظر.
(19) لا يهلكهم الله سبحانه وتعالى ما لم تتم مهمتهم التي أُرسلوا من أجلها، ولا يواجهون سفر الآخرة ما لم يرسخ قبولهم في القلوب الطيبة.
(20) تُحفَظ آثارهم الخيّرةُ، والله تعالى ينظر إلى أولادهم إلى عدة أجيال- وإلى أولاد أصدقائهم الحميمين أيضا- بنظرة الرحمة والتحنن، ولا يمحو اسمهم من الدنيا.
هذه هي علامات أولياء الرحمن، ولكن كل نوع منها حينما يظهر في وقته، يتجلى كرامةً عظيمة، ولكن إظهارها في يد الله.
والآن، ومن منطلق آيةِ “وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ” لا أرى غضاضة من البيان أن الله تعالى قد أعطاني بمحض فضله ورحمته حظا وافرا من كل الأمور المذكورة آنفا. ولم يرسلني صفر اليدين، ولم يبعثني بغير الآيات، بل أعطاني كل تلك الآيات التي تظهر وستظهر في المستقبل أيضا. وسيظل الله سبحانه وتعالى يُظهِرها ما لم يُتم الحجةَ بكل وضوح.
أما قولهم: ما الذي استفدنا من وجودك؟ فليعلموا في الجواب أن الذي يأتي مأمورا من السماء يستفيد الجميع من وجوده على قدر مراتبهم، بل يستفيد العالم كله. والحق أنه يكون بمنـزلة شمس روحانية يصل ضوؤها، قليلا أو كثيرا، إلى أماكن بعيدة. وكما تقع تأثيرات الشمس المختلفة على الحيوانات والنباتات والجمادات وعلى كل جسم- ولكن قليل هم الذين يحيطون بها علمًا كما هو حقها – كذلك تقع تأثيرات المبعوث أيضا على جميع الطبائع وفي أكناف العالم كله. ومنذ أن يتقرر في السماء ظهوره كرحمة، تبدأ الملائكة بالنـزول من السماء كأشعة الشمس، ويهبون في أنحاء العالم كله أناسا مستعدين لقبول الصدق، قوةً للتقدم على جادة الحق والصدق، فتميل طبائع الصالحين إلى الصدق تلقائيا. فكل ذلك يمثّل آيات صدق ذلك الشخص الرباني الذي تُنشَّط القوى السماويةُ في عصر ظهوره.
هذه هي علامة الوحي الصادق التي بيّنها الله تعالى أن الملائكة يُنـزَّلون حتما مع نزوله، فتنقلب الدنيا إلى الصدق والحق يوما بعد يوم. فهذه علامة عامة للمبعوث الذي يأتي من الله تعالى. أما العلامات الخاصة فقد ذكرناها قبل قليل.
( المصدر: كتاب إزالة الأوهام، تأليف الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني )