قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب إزالة الأوهام:
السؤال2: أين وفي أي كتاب ورد أن المسيح ابن مريم الذي وُعد بمجيئه ليس المرادُ منه المسيحُ ابن مريم نفسه بل أُريد منه مثيله؟
أما الجواب: أولا وقبل كل شيء، تناول القرآن الكريم هذا الذكر بصراحة تامة حين قال بكلمات واضحة إنه لم يأت نبي إلا مات، فقد جاء فيه: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ” (آل عمران:144)، وقال: “وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ“(الأنبياء:34)، وقال أيضا: “وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ” (الأنبياء:8). فالواضح أن الاعتقاد بحياة المسيح على عكس ما تعلنه هذه الآيات بأعلى صوتها، وكذلك الاعتقاد بحياته بجسده المادي في السماء الثانية دون الحاجة إلى الطعام مثل الملائكة– على عكس مفهوم الآية: “وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ“- هو انحراف تام عن كلام الله المقدس.
أكرر وأقول: لو كان المسيح حيا في السماء بالجسد المادي، لصار تقديم الله تعالى دليلا من خلال الآية المذكورة آنفًا – بالقول بأنه لو مات هذا النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، فلا مجال للاعتراض على نبوته، لأن الأنبياء لا زالوا يموتون منذ البداية – واهيا ولغوا، بل خلافا لواقع الأمر. والله تعالى أعلى شأنا من أن يكذب أو يقول ما ينافي واقع الأمر.
وبما أنه من الواضح أن المسيح قد مات، وعودته بعد الممات مستحيلة، إذ لم يرد في القرآن الكريم أيّ نبأ بعودته إلى الحياة بعد الممات؛ فلا شك أن المسيح المقبل سيكون مثيله حتما.
وبالإضافة إلى ذلك قد أشار النبي صلى الله عليه وسلم أيضا في أحاديثه المقدسة إلى أن المسيح الآتي ليس المسيح ابن مريم الحقيقي بل مثيله، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر ملامح المسيح الراحل مختلفةً عن ملامح المسيح الآتي، وقال عن المسيح الراحل بصورة قاطعة أنه كان نبيا، أما المسيح الآتي فذكره على أنه شخص من الأمة كما يتبين من حديث: “إمامكم منكم“. وفي حديث: “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل” أنبأ صلى الله عليه وسلم على سبيل الإشارة بمجيء مثيل المسيح. وعلى ذلك فإن المسيح المقبل نبي أيضا مجازا، لكونه محدَّثا. فأي بيان أوضح وأجلى من ذلك؟ وأضفْ إلى ذلك أن المسيح ابن مريم الذي رُفعت روحه ودخلت الجنة بحسب مفهوم الآية: “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي“(الفجر:27-30)، فكيف سيعود مرة أخرى إلى عالَم الأحزان هذا؟ صحيح أننا نعتقد أن الدخول الكامل في الجنة من الناحية المادية والروحانية يتحقق لكل من يستحقه بعد حشر الأجساد، ومع ذلك فإن ما أُعطي المقرَّبون من متَع الجنة قبل ذلك فلا يُنـزع منهم، وإن مثولهم أمام رب العالمين يوم القيامة لا يستلزم خروجهم من الجنة، لأنه ليس المراد من ذلك أن عرشا من الخشب أو الحديد أو الفضة سيُفرش خارج الجنة ويجلس الله عليه مثل الحكام أو السلاطين الدنيويين، وسيضطر الناس للمثول أمامه بقطع مسافة ما حتى يُعترَض بأن الناس سيضطرون للخروج من الجنة بعد أن دخلوها للمثول أمام الله في فلاة مترامية الأطراف حيث وُضع عرش رب العالمين. إن هذه الفكرة مادية بحتة ويهودية الطابع. والحق أننا نؤمن بيوم القيامة ونؤمن بعرش رب العالمين، ولكن لا نعتبره عرشا ماديا، ونؤمن أيضا بأن كل ما قاله الله والرسول سيتحقق حتما، ولكنه سيتحقق بأسلوب نـزيه لا يتنافى مع قُدُّوسية الله، ولا يغاير تنـزُّهَه أو أيَّ صفةٍ من صفاته الكاملة. إن الجنة مقام تجلّي الله تعالى، فكيف يمكن القول إنه سبحانه وتعالى سيظهر ذلك اليوم خارج الجنة كشخص ذي جسم، أو سيأمر بنصب عرشه خارجها. بل الحق أن أهل الجنة سيكونون في الجنة في ذلك اليوم، وأهل النار في النار، ولكن التجلّي الأعظم لرحمة الله سيُمطر على الصادقين والمؤمنين متعةً كاملة بأسلوب جديد، ويريهم متعة حياة الجنة بصورة حسِّية ومادية، ويدخلهم دار السلام الجديدة. كذلك تماما إن تجلّي غضب الله سيُري جهنم في أعين أهلها بصورة جديدة، وكأنه سيُدخِلهم في النار بعد الحساب والإدانة من جديد. إن دخول أهلِ الجنةِ الجنةَ وأهلِ النار النارَ روحانيا دون أدنى توقف بعد موتهم، إنما هو ثابت بتواتر القرآن والأحاديث الصحيحة. إلامَ أطيلُ هذا البيان! فارحم يا ربي القادر على كل شيء هذا القومَ الذين يقرؤون كلام الله المقدس ولا يُجاوز تراقيهم.
(المصدر: كتاب إزالة الأوهام، تأليف الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني )