Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

إن الآية: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} تدل على حياة المسيح ابن مريم لأنها تعني أن جميع أهل الكتاب سيؤمنون بالمسيح قبل موته. فيبدو من هذه الآية أن المسيح سيعيش حتما إلى أن يؤمن به أهل الكتاب جميعا.

قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني   في كتاب إزالة الأوهام:

السؤال 4: إن الآية: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النساء:159) تدل على حياة المسيح ابن مريم لأنها تعني أن جميع أهل الكتاب سيؤمنون بالمسيح قبل موته. فيبدو من هذه الآية أن المسيح سيعيش حتما إلى أن يؤمن به أهل الكتاب جميعا.

أما الجواب: فليكن واضحا أن السائل مخطئ في ذلك إذ يزعم أن الآية تعني أنه لا بد أن تؤمن جميع فِرق أهل الكتاب بالمسيح قبل موته، لأنه لو قبلنا جدلا أن هذا ما تعنيه الآية كما فهم السائل، لاستلزم ذلك أن يؤمن به جميع أهل الكتاب الذين خلَوا منذ زمن صعوده والموجودون حاليا والذين سيأتون في المستقبل إلى زمن نزوله، وهذا باطل بداهةً. يعرف الجميع جيدا أن عددا هائلا لا يُعدُّ ولا يُحصى من أهل الكتاب قد وصلوا جهنمَ إلى الآن لإنكارهم نبوةَ المسيح، ويعلم اللهُ وحده كم منهم سيدخلون أتون هذه النار لكفرهم به – عليه السلام – في المستقبل أيضا. لو كان في مشيئة الله أن يؤمن بالمسيح كافةُ أهل الكتاب الذين ماتوا أيضا عند نزوله، لأبقاهم – سبحانه وتعالى – جميعا على قيد الحياة ما لم ينزل المسيح من السماء. أما الآن فكيف يمكن أن يؤمنوا به بعد موتهم؟
يردّ على ذلك بعض الناس بتجشّمِ كثير من التكلُّف أنه من الممكن أن يُحيِي اللهُ كافة أهل الكتاب الذين ماتوا في كفرهم منذ زمن بعثة المسيح إلى نزوله الثاني. وجوابه: لا شك أنه لا شيء مستحيل على الله، ولكن الموضوع قيد البحث هو: هل يوجد لمثل هذه الأفكار أيّ أثر في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة؟ وإذا كان موجودا فلِم لا يُقدِّمونه؟
يقدّم البعض بصوت خافتٍ وبشيء من الاستحياء تفسيرا أن المراد من أهل الكتاب هم أولئك الذين سيكونون موجودين في الدنيا عند عودة المسيح، فسيؤمنون به فور رؤيتهم إياه، وسينضمون إلى فوج المؤمنين قبل موت المسيح. لكن هذه الفكرة أيضا باطلة بحيث لا حاجة للإسهاب فيها أكثر من ذلك، لأنه أولا وقبل كل شيء: إن الآية قيد البحث تفيد العمومَ بوضوح تام، وهذا يعنى أن المراد من أهل الكتاب هم أهل الكتاب جميعا الذين كانوا في زمن المسيح – عليه السلام – أو سيأتون بعده. ولا توجد في الآية كلمة تجعل زمنها مقتصرا على زمن محدد.
إضافة إلى ذلك، فإن هذا المعنى باطل بداهةً لأن الأحاديث تعلن بأعلى صوتها أن منكري المسيح – سواء أكانوا من أهل الكتاب أو غيرهم – سيموتون بنَفَسه في حالة كفرهم. وليس ضروريا أن نكرر نقل تلك الأحاديث، إذ يمكن قراءتها في مكانها في هذا الكتاب. ( لقد بيّنتُ من قبل المعنى الحقيقي لموت الناس بنَفَس المسيح، أي أن المراد من ذلك موتهم بالحجة والبيِّنة، وإلا فبعيدٌ من الأدب القول بأن مادةً سُمِّيَّة أو وبائية ستخرج من فم المسيح وتختلط بالهواء وتقتل الكفار الضعفاء فقط، ولن تقدر على قتل الدجال ).
إضافة إلى ذلك، فمن معتقدات المسلمين المسلَّم بها أن الدجال أيضا سيكون من أهل الكتاب، ويعتقدون أيضا أنه لن يؤمن بالمسيح! الآن لا يسعني أن أتصور مدى الخجلِ الذي سيصيب أصحاب تلك الفكرة باطلاعهم على هذه الأحاديث. ومن المسلَّم به أيضا والوارد في صحيح مسلم أن القيامة ستقوم على شِرَار الناس الذين سيبقون بعد المسيح. فلو لم يبق أحد كافرا فكيف ستقوم القيامة؟
والآن سيطرح سؤالٌ طبيعي نفسه بأنه إذا كان معنى الآية المذكورة آنفًا غير صحيح، فما هو معناها الصحيح إذن؟
فليتضح في الجواب أن المعنى الصحيح هو ذلك الذي يتحتم التسليم به بالنظر إلى جميع الآيات الواردة في هذا الموضوع، ولا يستلزم التسليم به أيّ عيب أو نقيصة. فأولا وقبل كل شيء أنقل فيما يلي تلك الآيات، ثم سأتطرق إلى إثبات معانيها الصحيحة. ففيما يلي تلك الآيات: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (النساء: 157 – 159). أي أن سبب حرمان اليهود من رحمة الله والإيمانِ كان نتيجة أعمالهم السيئة التي ارتكبوها. ومن جملتها قولهم: انظروا، قد قتلنا المسيح ابن مريم الذي كان يدّعي أنه رسول الله. إن قولهم هذا لا يعني أنهم كانوا يؤمنون بالمسيح رسولاً، وإلا لما علّقوه على الصليب. بل إن قولهم إننا قتلنا الرسولَ كان استهزاءً وسخريةً، لأنه قد ورد في التوراة أن المعلَّق ملعون من الله، أي بعيدٌ من رحمة الله وقربه. كان اليهود يقصدون من وراء قولهم هذا أنه إذا كان عيسى بن مريم رسولا صادقا لما قدرنا على صلبه؛ لأن التوراة تعلن بأعلى صوتها أن المصلوب ملعون. ثم يقول القرآن بعد ذلك إن اليهود ما قتلوا المسيح ابن مريم وما صلبوه، بل هذا الأمر مشبوه فيه في قلوبهم وليس يقينيا، وقد جعل اللهَ الأمرَ مشتبَهًا عليهم ليُظهِر عليهم غباءهم وقدرتَه. ثم يقول تعالى بأن الذين يشكّون في كون المسيح قد صُلب فعلا، ليس لديهم دليل قطعي ويقيني على أنه مات على الصليب، بل الأمر اليقيني هو أنه مات ميتة طبيعية، ثم رفعه الله تعالى إليه كما يرفع عباده الصالحين. إن الله عزيز ويرزق العزة للذين يصبحون له، وهو حكيم فيفيد بحِكَمه أولئك الذين يتوكّلون عليه. ثم قال تعالى: ما من أهل الكتاب إلا ويؤمن ببياننا الذي ذكرناه آنفا عن أفكار أهل الكتاب أنفسهم، قبل أن يؤمن بحقيقة أن المسيح قد مات موتا طبيعيا.
أيْ بيّنّا من قبل أنه لا أحد من أهل الكتاب يؤمن من أعماقه بأن المسيح قد مات على الصليب في الحقيقة، بل إن اعتقاد اليهود والنصارى كلهم بموته على الصليب مبني على الظن والشك فقط، وإن بياننا هذا صحيح تماما ولا يسع أحدا إنكاره. غير أنهم لا يعرفون عن موعد موته، فها نحن نخبرهم بذلك بأنه قد مات، وأن روحه قد رُفعتْ إلينا بإكرام.
ليكن معلوما هنا أن قول الله تعالى بأنه ما من أهل الكتاب إلا ويؤمن ببيان الله عن أفكارهم إنما هو بيان إعجازي ومطابق تماما لما قاله الله تعالى لليهود: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:94). فالمراد من هذا القول هو أن اليهود يقولون بأنهم قَتلوا المسيح على الصليب، ويستنتجون من ذلك أنه ملعون وليس نبيا صادقا – والعياذ بالله – وكذلك يقول النصارى إن المسيح قد مات على الصليب، ويستنتجون من ذلك أنه صار كفّارة عن ذنوبهم، ولكن الحق أن كِلا الفريقين مخطئ في أفكاره، ولا أحد من كِلا الفريقين يؤمن في قرارة قلبه بهذه الأفكار. بل اعتقادهم القلبي هو أن المسيح ما مات على الصليب يقينا. لقد أراد الله تعالى من هذا الكلام أن يدرك المنصفون على وجه القطعية من سكوت اليهود والنصارى أنه ليس في أيديهم بهذا الصدد شيء إلا الشك. ولمّا لزم اليهود والنصارى الصمتَ بعد الاطلاع على هذه الآية ولم يبرزوا في الميدان للإنكار، اتّضح أن السبب في ذلك أنهم كانوا يعرفون جيدا أنهم لو برزوا للمواجهة وادَّعَوا بما ليس في قلوبهم، لواجهوا ذلة وخزيا، ولسوف تظهر من الله آيةٌ تُثبت كذبهم، لذا لم ينبسوا ببنت شفة، بل لزموا الصمت. مع أنهم كانوا يعرفون جيدا أن سكوتهم سيُثبت إقرارهم بالأمر، وهذا سيؤدي من ناحية إلى استئصال عقيدة هؤلاء الكافرين، ومن ناحية أخرى يُبطِل اعتقاد اليهود أن المسيح ليس رسولا صادقا من الله وليس من الذين يُرفعون إلى الله – سبحانه وتعالى – بالإكرام. ولكن السيف اللامع لصدق محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يبهر أبصارهم. فكما قيل لهم في القرآن الكريم: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ولكن لم يفعل ذلك أحد لخوفهم، كذلك لا يسع أحدا الإنكار هنا أيضا لشدة خوفه، أي لم يستطيعوا القول بأننا نوقن بموت المسيح على الصليب، فلماذا نُعد من غير الموقنين؟ فإن سكوتهم في زمن النبي صار حجة إلى الأبد، وأثّرت أعمالهم وتصرفاتهم على ذرياتهم المقبلة أيضا، لأن السَّلَف يكونون بمنزلة الشهود للخلَف، ولا بد للأجيال القادمة من أن تقبل شهاداتهم.
والآن يمكن للقراء أن يدركوا أن البحث الذي بدأه الله تعالى – وهو أن المسيح لم يمت على الصليب بل مات موتا طبيعيا – كان الهدف من ورائه أن الفئتين المختلفتين (أي اليهود والنصارى) كانوا يستنتجون من موته على الصليب نتيجتين مختلفتين لدعم موقفهما: قال اليهود إنه مات على الصليب، والمصلوب ملعون حسب التوراة، أي يُحرَم من قرب الله ومن شرفِ الرفع إلى الله، وإن شأن النبوة أرفع وأعلى من أن يصيبها هذا النوع من الذلة، أما المسيحيون فقد ابتدعوا – خشيةَ طعن اليهود- أن موت المسيح على الصليب لا يضره بشيء، بل قبِل لنفسه هذه اللعنة برغبته ليخلِّص منها المذنبين. فقد أراد الله أن يثبت بطلان موقف كِلتا الفئتين، وبيّن أنه لا أحد منهم يوقن بموت المسيح على الصليب، وإذا كان منهم من يوقن بذلك فليخرج للعيان. فلاذوا بالفرار ولم ينبسوا ببنت شفة. وإنها لمعجزة عظيمة للنبي – صلى الله عليه وسلم – وللقرآن الكريم، ولكنها خافية عن أعين المشايخ المعاصرين قليلي الفهم.
وأقسم بالذي نفسي بيده أن هذه الحقيقة قد كُشفت عليّ في هذه اللحظة بالذات، بالكشف، وكلّ ما كتبتُه آنفا فقد كتبتُه بتعليم ذلك المعلِّم الحقيقي، فالحمد لله على ذلك.
ولو اختُبر الموضوع على محك العقل لشهد كل عقل سليم على صدق هذا البيان، لأن كلام الله نزيهٌ من اللغو. ولكل عاقل أن يفهم أنه لو لم يشمل هذا البحث تلك المقاصد العظيمة، لكان البيان كله لغوا لا حقيقة فيه، لأنه لو كان الأمر كذلك لصار النقاش – هل مات نبي من الأنبياء على الصليب أو موتا طبيعيا – عقيما لا يسفر عن نتيجة مُرضية.
لذا يجب التأمل جيدا؛ ما هو الهدف السامي الذي يريد الله تحقيقه ببيانه بهذه القوة والشدة بأنه ما من يهودي أو مسيحي يعتقد يقينا بموت المسيح على الصليب؟ أو ما هو الهدف العظيم الذي لإثباته، أسكت اللهُ كِلا الفريقين من اليهود والنصارى وأفحمهما؟ إنه الهدف نفسه الذي أظهره الله بواسطة كشفه الخاص على هذا العبد الضعيف الذي هو كافر وملحد في نظر المشايخ.
“يا رب، نفسي فداء أسرارك، فقد رزقتَ الأميين فهمًا وذكاء، أين أُمِّيٌّ مثلي في كونك كله؟ فقد نشأتُ وترعرعت في بيئة يسودها الجهل. كنت دودةً صغيرة، فجعلتَني بشرا، إن شأني أغرب من مسيح كان بلا أب” (ترجمة أبيات فارسية)
إذا طُرح سؤال: هل يمكن الاستدلال من الإنجيل على عدم موت المسيح على الصليب أم لا؟ أي هل يثبت أن عملية الصلب لم تكتمل وإن كان قد عُلّق على الصليب في الظاهر، بمعنى: هل لم يمت المسيح على الصليب؟
فجوابه أن الأناجيل الأربعة تشهد بكل جلاء على بيان القرآن الكريم: {مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} لأن القرآن لا يقصد قط من: {مَا صَلَبُوهُ} أنه ما عُلِّق على الصليب، بل المراد منه أن الله – سبحانه وتعالى – نجّاه من الهدف من الصلب، أي أنقذه من الموت عليه. وقد أقدم اليهود على هذه الفعلة – أيْ تعمّدوا قتله – ولكن قدرة الله وحكمته حالت دون تكميلها. وكما ورد في الأناجيل أنه قد حدث أن اليهود طلبوا من “بيلاطس” أن يسلِّمهم المسيحَ -الذي كان في السجن- ليصلبوه، فبذل بيلاطس قصارى جهده ليُطلق سراحه لأنه لم يجد فيه علة، ولكن اليهود أصروا وألحّوا عليه كثيرا أن يصلبه. وقال الكهنة والفرِّيسيّون كلهم أجمعون إنه كافر، ويصرف الناسَ عن أوامر التوراة. بينما كان بيلاطس يعرف جيدا من الأعماق أن قتل إنسانٍ صادق بناء على الاختلافات الفرعية ذنب كبير بلا أدنى شك، لذلك كان يبحث عن أعذار لإطلاق سراحه. ولكن الكهنة ما كانوا ليرتدعوا عن موقفهم، فاختلقوا أمرا آخر وقالوا بأن هذا الشخص يدّعي أنه ملك اليهود، وهو متمرد على حكومة “قيصر” سِرًّا، وإذا أَطلقتَ سراحه فاعلمْ أنك قد حَمَيتَ متمردا. فخاف بيلاطس لأنه كان خاضعا لأمر قيصر. ولكن يبدو أنه مع ذلك ظل خائفا من سفك الدم بغير حق. ولقد رأت امرأته في الحُلم أن المسيح صادق، ولو قتله بيلاطس لكان ذلك مجلبة دمارٍ له، فخاف بيلاطس أكثر بسماع الحُلم. فلكل قارئ لبيب أن يفهم من التأمل في هذه الرؤيا المسجّلة في الإنجيل أن إنقاذ المسيح من القتل كان من مشيئة الله. فأول إشارة إلى مشيئة الله هذه تُستدلّ من الرؤيا نفسها، فتدبروها جيدا.
ثم حدث أن عقد بيلاطس اجتماعا لاتخاذ القرار النهائي، وحاول قدر المستطاع أن يُقنع الكهنة والكتبة الأشقياء أن يرتدعوا عن طلب قتل المسيح، ولكنهم لم يتراجعوا عن موقفهم بل ازدادوا صراخا قائلين “ليُصلَب، ليُصلَب” لأنه منحرف عن الدين. عندها طلب بيلاطس ماءً وغسل يديه أمام الجميع قائلا: إني بريء من دمه. فقال اليهود والشيوخ والكتبة: “دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا”. عندها سُلِّم المسيح إليهم فجُلِد، وتعرَّض لكل ما كان في نصيبه من السباب والضرب واللطم والاستهزاء والسخرية بإيعاز من الشيوخ والكهنة حتى استعدوا لصلبه. كان الوقت عصرا يومَ الجمعة وكان عيد الفصح أيضا عند اليهود، فالوقت كان ضيقا، إذ كان يوم السبت- الذي يبدأ بغروب الشمس- على وشك الحلول، لأن اليهود – مثل المسلمين – يعُدُّون الليل الذي قبل النهار، جزءا من اليوم التالي. وكان هناك أمرٌ شرعيٌّ مؤكد ألا تبقى جثة معلَّقة على الصليب يوم السبت. فأسرع اليهود في تعليق المسيح – مع لصَّين- على الصليب، وذلك كي يتم إنزال الجثث قبل حلول المساء. ثم اتفق أن هبت عاصفة شديدة في الحال وعمّ ظلام حالكٌ. فقلق اليهود على أنه لو حلّ المساء في تلك العاصفة لارتكبوا الجريمة المذكورة. فأنزلوا المصلوبِين الثلاثة عن الصُّلبان بناء على ذلك الخوف.
وليكن معلوما أنه من المتفق عليه أن الصليب في تلك الأيام ما كان مثل المشنقة المعروفة في العصر الراهن حيث يُقضَى على المزمَع قتلُه خلال ساعة واحدة بشدِّ الحبل على عنقه. ففي تلك الأيام ما كان يُوضع في العنق حبل، بل كانوا يدقُّون المسامير في بعض الأعضاء. وكان المصلوبون يُترَكون على الصليب إلى ثلاثة أيام جياعا وعطاشى، ثم تُكسَر عظامهم للتأكد من موتهم. ولكن شاءت مشيئة الله ألا يحدث كل هذا مع المسيح. فقد اجتمعت الأسباب كلها في آن معا؛ مثل عيد الفصح، وضيق الوقت، أي وقت العصر، وخوفهم من حلول السبت، وهبوب العاصفة. وقد أدّت هذه الأمور كلها إلى إنزال المسيح واللصين عن الصُّلبان في وقت قصير.
ثم حين جاء الأمر بكسر العظام أظهر الله تعالى نموذج قدرته الكاملة؛ إذ أن بعضا من جنود بيلاطس الذين كانوا قد أُفهِموا سرًّا هَوْلَ عاقبة الرؤيا، كانوا موجودين آنذاك، وكانوا يرغبون في أن يزول هذا البلاء عن المسيح حتى لا تتحقق بقتله الرؤيا التي رأتها زوجة بيلاطس، فيحلّ ببيلاطس بلاء، فكسروا عظام اللصَّينِ أولا. ولما كانت العاصفة شديدة وعمّ الظلام، قلق الناس للعودة فعادوا إلى بيوتهم مسرعين. فوجد الجنود فرصة مواتية، وحين فرغوا من كسر عظام اللصينِ وجاء دور المسيح، قال أحدهم بعدما لمسه باليد: إنه قد مات، فلا حاجة لكسر عظامه. وقال آخر: أنا سأتولّى دفن جثته. وكانت العاصفة من الشدة والقوة بحيث دفعت اليهود لمغادرة ذلك المكان. وهكذا أُنقذت حياة المسيح، ثم قابلَ الحواريين وأكل معهم السمك. وحين وصل اليهود إلى بيوتهم وتوقّفت العاصفة، ارتابوا في عدم اكتمال خطتهم، وانتابهم الشك في تصرفات الجنود أيضا.
إذن، فلا يزال اليهود والنصارى على الحال نفسها، إذ لا يستطيع أحد منهم أن يقول حالفا بالله أو مؤكدا البلاءَ أو العذابَ لنفسه بأنه واثق ومتيقّن أن المسيح قد قُتل في الحقيقة. والحق أن هذه الشكوك قد أطلّت برأسها في ذلك الوقت نفسه. ولقد حاول “بولُس” بحذلقته أن يزيل تلك الشكوك، ولكنها ظلت تزداد وتتفاقم. فمن الواضح تماما من بعض رسائل بولُس أنه لما أُنزل المسيح عن الصليب، ظهرت حجة قوية أخرى للعيان على كونه حيا، وهي أنه عندما طُعن بحربة في جنبه، تدفق منه على الفور دم. فلا يزال اليهود في شك بسبب عجلتهم، وأما النصارى فيشاركون في هذا الشك بناء على بيان الإنجيل. الحق أنه لا يسع مسيحيا يتدبر الإنجيل أن يعتقد على وجه اليقين أن المسيح مات على الصليب في الحقيقة، بل لا تزال قلوبهم في شك من أمره إلى يومنا هذا. والكفارة التي يشيعونها مبنية على تلة رملية قد ذَرَتها بيانات الإنجيل نفسه. فإن الآية القرآنية: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (1) لا تتضمن نبوءة كما يزعم إخواننا المشايخ الذين يدّعون أنهم علماء كبار، بل تبيِّن واقع الحال الذي كان موجودا في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم -. بمعنى أن الله تعالى يسرد ماهيّة أفكار اليهود والنصارى السائدة آنذاك إتماما للحجة، ويُظهر عليهم حقيقة قلوبهم، ويُدينهم ويفهِّمهم أنه إذا كان بيانه – سبحانه وتعالى – هذا غير صحيح، فليبرُزوا في الميدان وليعلنوا بوضوحٍ أن هذا الخبر ليس صحيحا، ولم تتطرق الشكوك والشبهات إلى قلوبهم، بل يوقنون بأن المسيح قد مات مصلوبا في الحقيقة.
هنا يجب أن يكون معلوما أيضا أن الله جلّ شأنه يهدف من قوله: {قَبْلَ مَوْتِهِ} الوارد في نهاية الآية أنه يجب ألا يستنتج أحد من عدم موت المسيح على الصليب إنه ما دام المسيح لم يمت على الصليب، لذا فإنه لم يمت إلى الآن. فقال تعالى: إن هذا بيانٌ لما جرى قبل موته ميتة طبيعية، فلا تستنبطوا من ذلك عدم موته، إذ قد مات المسيح بعد ذلك ميتة طبيعية. فقد قال – سبحانه وتعالى – في هذه الآية بأن اليهود والنصارى يؤمنون ببياننا هذا بالاتفاق على أن المسيح لم يمت حتما على الصليب، وليس لديهم إلا الشكوك والشبهات فقط بهذا الصدد. فإنهم يؤمنون بالأحداث التي سبقت موتَه – قبل أن يؤمنوا بموت المسيح الطبيعي الذي حدث في الحقيقة -؛ لأنه ما دام المسيح لم يمت على الصليب – الأمر الذي كان اليهود والنصارى يريدون أن يستنتجوا منه نتائج معينة لتحقيق أهدافهم – صار إيمانهم بموته الطبيعي محتوما عليهم، لأن الذي يولَد سيموت حتما. فإن تفسير العبارة: {قَبْلَ مَوْتِهِ} هو: قبل إيمانه بموته.
ومن ناحية ثانية يُستنبَط من الآية معنًى آخر أيضا وهو أن هذه الأفكار والشكوك والشبهات لا تزال تراود قلوب اليهود والنصارى منذ وقتٍ لم يكن المسيح قد مات فيه بعد. فمن منطلق هذا المعنى يشهد القرآن الكريم ضمنيًّا على موت المسيح.
فباختصار، قد ذُكر موت المسيح في ثلاث آيات من القرآن الكريم، ولكن من المؤسف حقا أن المشايخ لا يقرؤون هذه الآيات. يقول بعضهم بمنتهى الحذلقة: حسنا، قبِلنا أن القرآن الكريم يقول بموت المسيح، ولكن أليس الله جلّ شأنه قادرا على أن يُحييه مرة أخرى ويعيده إلى الدنيا؟ الحق أن عقول هؤلاء المشايخ وأفهامهم تدعو للرثاء والبكاء فعلا.
أيها السادة، نحن نؤمن بأن الله قادر على كل شيء، وقادر على أن يحيي الأنبياء جميعا إذا شاء ذلك. ولكن السؤال المطروح أمامكم هو أن القرآن الكريم قد حكى قصة المسيح – عليه السلام – إلى موته ثم سكت، فإذا كنتم تعرفون آية قال الله تعالى فيها بأنه قد أحيا المسيحَ بعد موته فأخرِجوها لنا، وإلا فإنكم تتصدَّون للقرآن الكريم كالأعداء حيث أعلن موته، وأنتم تدّعون – على عكس ذلك – أنه لم يمت، بل لا يزال حيا.
إن بعض المشايخ يقول بمنتهى البساطة إن قوله تعالى {بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ}، وقوله {رَافِعُكَ} بعد قوله {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} يدل على عودته إلى الحياة. ثم يقولون بأنه إذا لم يكن هذا المعنى صحيحا، فلمَ لم ترد كلمة: {رَافِعُكَ} بحق أحد غير المسيح؟
لقد سبق أن كتبتُ ردًّا مفصلا في كتاب “إزالة الأوهام” هذا نفسه على كل هذه الوساوس، وقلت إن المراد من الرفع هو رفع الروح بعزة وإكرام؛ إذ تُرفع روح كل مؤمن بعد وفاته إلى الله تعالى بعزة وإكرام بحسب نصوص القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة. أما السبب وراء ذكر رفع المسيح هنا، فلأن مهمته لتبليغ الدعوة كانت شبه فاشلة، وزعم اليهود أنه كاذب، لأنه كان ضروريا حسب زعمهم أن ينزل “إيليا” من السماء قبل المسيح الصادق. فأنكروا رفعَ المسيح إلى الله تعالى بالعزة والإكرام مثل بقية الأنبياء، بل اعتبروه ملعونا، والعياذ بالله. وملعونٌ مَن لا يُرفع بالعزة والإكرام. فأراد الله أن يزيل هذه التهمة عن المسيح. فأولا وقبل كل شيء؛ أبطل الله تعالى الأساس الذي بناء عليه اعتبر اليهودُ والنصارى الأشرارُ المسيحَ ملعونا في قرارة قلوبهم. ثم ذكر – سبحانه وتعالى – بصراحة تامة أن المسيح ليس ملعونا حتى يُحرم من الرفع، بل رُفع بالعزة والإكرام. فقد ارتحل المسيح من الدنيا بعد قضاء حياته المؤقتة كمسكين، وبالغ اليهودُ كثيرا في الإساءة إليه، ووجّهوا إلى أمه تُهمَا باطلة، واعتبروه ملعونا، ورفضوا رفعه كالصادقين. ولم يقتصر ذلك على اليهود فقط، بل تورط النصارى أيضا في الفكرة نفسها، وابتدعوا بوقاحة شديدة حيلة لنجاتهم المزعومة؛ أن يعتبروا الصادق ملعونا. ولم يفكروا أنه إذا كانت النجاة مقتصرة على كون المسيح ملعونا، وإذ كانت لا تُنال إلا بجعْل صادقٍ طيِّب السيرة، ومحبوب عند الله معلونا، فتبًّا لهذه النجاة! بل إن جهنم أفضل منها بألف مرة.
قصارى القول: إن كلتا الفئتين، اليهود والنصارى، جوّزوا بحق المسيح ألقابا مسيئة، فلم تُرِد غيرة الله أن تترك كرامة هذا المقدس دون شهادة تُثبتها. فبعث الله تعالى – كما وعد في الإنجيل من قبل – سيدنا ومولانا خاتَم المرسَلين وشهد في القرآن الكريم على قداسة المسيح ورفعه.
لقد وردت كلمة: “الرفع” في عدة أماكن في القرآن الكريم؛ منها قوله – سبحانه وتعالى – في قصة بلعام: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ}، ومنها قوله عن نبي لم يحقق أي نجاح {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (مريم:57). الحقيقة أن الناس رفضوا رفْع هذا النبي (إدريس – عليه السلام -) أيضا. كذلك أُرِيدتْ إهانتي أنا أيضا مثل المسيح، فمن خصومي مَن يكفِّرني، ومنهم من يسمِّيني ملحدا ومنهم من يعدُّني عديم الإيمان، حتى إن الفقهاء والمشايخ مستعدون ليعلِّقوني على الصليب كما كتب ميانْ عبد الحق في إعلانه المنشور بأن من واجب المسلمين أن يُعملوا أيديهم أيضا في قضية هذا الشخص. ولكن هذه الحكومة تراعي البريء أكثر من بيلاطس، ولا تخشى الرعيةَ مثله. غير أن قومنا هؤلاء لم يدخِّروا جهدا لإهانتي لتتحقق المماثلة من كِلتا الجهتين. فقد تلقَّوا أيضا “إلهامات” عني تقول إنه من أهل جهنم ويدخل جهنم في نهاية المطاف، ولن يكون من الذين يُرفعون إلى الله بالعزة والإكرام. فاليوم فهمتُ معنى الإلهام الذي ورد في “البراهين الأحمدية” منذ عدة أعوام ونصه: “يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة”. أيْ أن هذين الشيخين؛ عبد الرحمن وعبد الحق، يؤكدان حاليا على أني من أهل جهنم. ولكن الله قد وعدني قبل إدلائهما بهذا البيان بعشر سنوات بأنني من أهل الجنة. وكما زعم اليهود أن المسيح عيسى ملعون – والعياذ بالله – ولن يُرفع بالعزة والإكرام فنزلت الآية: {إنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} للرد عليهم، كذلك، ولعلمه الأزلي؛ ألقى الله هذا الإلهام على قلبي أيضا نبوءةً سلفا. ولما كان الله – عز وجل – يعلم أن ميان عبد الحق وعبد الرحمن سيعتبرانني بعد بضع سنوات ملعونا كما اعتبر اليهودُ المسيحَ، فقدَّر أن تسجَّل هذه النبوءة في “البراهين الأحمدية” قبل الأوان ويجعلها معروفة في العالم كله حتى تظهر قدرته وحكمته، ولكي يُعلَم أنه كما اعتبر الشيوخُ اليهود المسيحَ معلونا في عهده وأنكروا أنه من أهل الجنة ولم يقبلوا رفعه إلى الله بالعزة والإكرام وانضمامه إلى جماعة الصادقين، كذلك أراد المشايخ من أهل ديني أيضا أن يحرموا هذا العبد الضعيف من رحمة الله. والمعلوم أن المؤمنين المذنبين أيضا يحظون بشيء من الاحترام، ولكن هؤلاء القوم لم يبالوا بذلك أيضا بحقي أنا العبد الضعيف، بل ألقوا بهذا الصدد خطابات عامة وبعثوا رسائل ونشروا إعلانات، فقد استخدمهم الله تعالى لتحقيق المماثلة، وإلا فإن حقيقة كون المرء من أهل الجنة أو النار يعلمها كل امرئ بعد موته حين يقول البعض بحسرات وهم في جهنم: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} (ص:62).
“يا أيها الزاهد الورع؛ لا تذكر عيوبنا نحن المخطئين، فلا تدري ما هو الجيد وما هو السيئ وراء الحجاب” (ترجمة بيت فارسي)
فحاصل الكلام أن كلمة “الرفع” التي وردت في القرآن الكريم هي الكلمة نفسها التي استخدمها – عز وجل – بحقي أنا العبد الضعيف أيضا في الإلهام.

ولو أثار أحد إشكالية أن المسيح يقول في الإنجيل إنه سيموت حتما وسيقوم في اليوم الثالث، فكيف إذًا ينسجم الكلام المذكور آنفا مع كلامه هذا؟
فجوابه أنه ليس المراد من هذا الموت موتٌ حقيقي، بل المراد هو موت مجازي. ومثل هذا هناك تعبير شائع؛ حيث يقال عمن ينجو من الموت المحتوم: إنه أُحيِيَ من جديد. والبلية التي حلّت بالمسيح – إذ علِّق على الصليب ودُقَّت في أطرافه المسامير التي أدت إلى إغمائه لم تكن أقل من الموت قط. ويقال بوجه عام عن الذي ينجو من الموت المحتوم بأنه نال الحياة من جديد، ولو قال هو بنفسه إنه أُحيى أو نال الحياة من جديد، لما اعتُبر كلامه كذبا أو مبالغة.
وإذا طُرح سؤال: أيّ قرينة في كلام المسيح – عليه السلام – تدل على أن المراد من الموت ليس الموت الحقيقي؟ فجوابه أن المسيح بنفسه أقام هذه القرينة حين جاءه الشيوخ والكتبة والفريسيون وقالوا بأنك تدَّعي أنك المسيح، ولكن أنّى لنا أن نؤمن بذلك دون أن نرى منك آية؟ فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ.
أيْ أنهم يُعطَون آيةً كآية يونان النبي؛ فكما أنه بقي في بطن الحوت حيا لثلاثة أيام ولم يمت، كذلك سيبقى المسيح أيضا حيا في القبر لثلاثة أيام – قدّرها الله تعالى- ولن يموت.
فيجب التأمل هنا أنه لو حُملت كلمات المسيح محمل الموت الحقيقي، لبطلت آية مماثلته مع يونان النبي؛ لأنه بقي في بطن الحوت حيا غير ميِّتٍ. ولكن لو كان المسيح قد مات، وأُدخل القبر ميِّتا، فما هو وجه الشبه بين حادثه وحادث يونان النبي؟ وأية مماثلة بين الأحياء والأموات؟ فيكفي قرينةً قول المسيح – إنه سيموت لثلاثة أيام – على أن كلامه ليس محمولا على الحقيقة، بل المراد منه هو الموت المجازي، أي حالة الإغماء الشديد.
وإذا قُدِّم عذرٌ أن المسيح قال أيضا حين علِّق على الصليب، بأني سأدخل الجنة اليوم، فمن قوله هذا يتبين موته بجلاء.
فليكن واضحا في الجواب أن المسيح كان قد وُعد بدخول الجنة والرفع إلى الله، ولكن هذا الوعد كان مؤجَّلا لوقت آخر لم يُكشَف للمسيح كما ورد في القرآن الكريم: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}. فقد ظن المسيحُ في ذلك الوقت العصيب لعل هذا الوعد سيتحقق في اليوم نفسه. كان المسيح بشرًا ورأى أن جميع أسباب موته متوفرة، فظن نظرا إلى الأسباب البادية للعيان أنه قد يموت في اليوم نفسه. أيْ قد تغلّب عليه ضعف البشرية نتيجة هيبة التجلِّي الجلالي نظرا إلى الظروف المحيطة به، فدعا مكتئبا: إيلي إيلي لما شبقتني؟ أيْ لماذا تركتني يا ربي؟ ولماذا ما وفيتَ بوعدك الذي وعدتني به بأني لن أموت، بل يكون حالي مثل حال النبي يونس؟
وإذا قيل: لماذا شك المسيح في وعد العصمة؟ قلتُ: إن ذلك كان ناتجا عن مقتضى البشرية، إذ لا تقوم للبشرية قائمة أمام التجلي الجلالي. إن الله تعالى يُري جميع الأنبياء أياما كهذه، فأولا يبشر نبيّه بوعد البشارة، وعندما يفرح النبي بذلك يضع – عز وجل – في سبيل تحققها – على سبيل الابتلاء – عراقيل من كل الجوانب والنواحي تبعث على اليأس والخيبة على وجه اليقين والقطعية؛ فقد بشَّر الله تعالى سيدنا ومولانا النبي – صلى الله عليه وسلم – بالفتح والانتصار في معركة بدر، ومن جانب ثانٍ؛ حين اندلعت الحرب عُلم أن الخصوم يملكون جمعًا لا يترك مجالا للأمل في الانتصار نظرا إلى الظروف السائدة. عندها دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – في حضرة الله متضرعا في كرب شديد وقلق متزايد أن يرزق الله هذه الفئة فتحا وانتصارا، وقال: اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلَامِ لا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ. ولكن هذه الكلمات لا تدل على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خالجه نوع من الشك في صدق النبوءة، بل كانت نظرته – صلى الله عليه وسلم – إلى أن الله غني، والظروف مخالفة للمرام، وكان هيَّابًا لهيبة جلال الله تعالى. والحق أنه كلما قيل للنبي – صلى الله عليه وسلم – في القرآن الكريم بألا يكون من الممترين تجاه وعود الله، كان ذلك في ظروفٍ تهدد بالخيبة بكل شدة، وكانت الأسباب المعادية ظهرت بصورة مرعبة تترك كل شخص في حيرة من أمره بمقتضى ضعفه البشري. فقيل للنبي – صلى الله عليه وسلم – في مثل هذه المواقف بُغية طمأنته: إنّ عليك ألا ترتاب، بمقتضى البشرية، في أمر تحققها وإن بدت الظروف جد حرجة في الظاهر، ولا تظننّ أنه قد يكون للنبوءة معنى آخر.
إن مؤلف هذا الكتاب صاحب تجربة في هذا المجال. لقد كشف الله تعالى عليّ قبل ثلاثة أعوام تقريبا – بناء على بعض الأمور التي ذكرتها مفصلا في إعلان نُشر بتاريخ 10 تموز/يوليو 1888 م – نبوءةً أن البنت الكبرى للميرزا أحمد بيك بن الميرزا غامان بيك سترتبط بك بالزواج في نهاية المطاف، وأن الناس سيعادون ذلك كثيرا وسيُمانعون بشدة وسيبذلون قصارى جهودهم ألا يتم ذلك ولكنه سيتم في نهاية المطاف. وقال – عز وجل – أيضا إنه سيأتي بها إليك في كل الأحوال، بِكرا أو ثيِّبًا، وسيرفع كل عائق في هذا السبيل وسيتم هذا الأمر حتما ولا رادّ له.
لقد بيّنتُ هذه النبوءة بالتفصيل مع ذكر ميعادها وموعدها المحدد ومستلزماتها التي جعلتها فوق قدرة الإنسان، وذلك في الإعلان المنشور في 10 – 7 – 1888 م، والذي شهد عليه بعضٌ من المنصفين الهندوس أيضا، وقالوا بأنه لو تحققت هذه النبوءة، لكان ذلك فعل الله دون أدنى شك. لقد كانت هذه النبوءة بحق قوم بلغوا من المعاداة الغايةَ وكأنهم سلّوا سيوف الحقد والعناد. وكل من يعرف عن أحوالهم شيئا سيُدرك عظمة النبوءة جيدا. لم أكتب هنا تفاصيل النبوءة حتى لا تُجرَح مشاعر أحدٍ من المعنيين. ولكن الذي سيقرأ الإعلان المشار إليه لا بد له من الاعتراف مهما كان متعصبا ومتعنتا أن مضمونها يفوق قدرة البشر. وسيجد أيضا في الإعلان نفسه جوابا كاملا ومفحما على تساؤلات مثل: لماذا أنبأ الله تعالى بهذه النبوءة أصلا؟ وماذا تضم في طياتها من الحِكَم؟ وكيف وبأي دليل تفوق قدرات البشر؟
ما أنوي قوله هنا هو أنه بعدما أُطلِعتُ على هذه النبوءة، ولم تكن قد تحققت بعد -كما لم تتحقق إلى اليوم الموافق 16 – 4 – 1891 م – أُصبتُ بمرض شديد حتى أشرفتُ على الموت، بل كتبتُ الوصية أيضا نظرا إلى الموت الوشيك. عندها مثلت هذه النبوءة أمام عيني وبدا لي أنه النَفَس الأخير وأن جنازتي ستُشيَّع غدا. عندها فكّرتُ في نفسي في تلك النبوءة أنه قد يكون لها معنى آخر لم أفهمه. ففي هذه الحالة الموشكة على الموت تلقيتُ إلهاما نصه: “الحق من ربك فلا تكونن من الممترين.” عندها كُشف عليّ سرُّ قول الله تعالى في القرآن الكريم لرسوله – صلى الله عليه وسلم -: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} ففهمتُ أن هذه الآية تُعنى بمواقف حرجة كهذا الذي أواجهه الآن من الضيق واليأس. وتيقَّنتُ أنه كلما واجه نبي من الأنبياء موقفا كهذا الذي أواجهه حاليا، وهبه الله – سبحانه وتعالى – يقينا متجددا قائلا: لمَ ترتاب في الأمر، ولماذا جعلتْك البليةُ يائسا؟ فلا تكونن من الممترين.

(المصدر: كتاب إزالة الأوهام، تأليف الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني  )

هذا الموقع هو موقع علمي لا يتبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمىى الطائفة القاديانية ولا يتبع أي فرقه من الفرق المنتسبه للإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025. All Rights Reserved.

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025.

All Rights Reserved.

E-mail
Password
Confirm Password