قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني في كتاب إزالة الأوهام:
السؤال 6: ما وُجدت كلمة “مثيل” مع ذكر المسيح الموعود في الأحاديث، أي لم يَرد في أيّ مكان أنه سيأتي مثيل المسيح ابن مريم، بل ورد أنه سيأتي المسيح ابن مريم.
أما الجواب: يجب التأمل في أنه ما دام الله تعالى قد أطلق على المثيل المقبل اسم “ابن مريم” نفسه فما حاجته ليذكره كمثيل ابن مريم؟ فكّروا أيضا أن الذين يسمُّون أولادهم “موسى”، و”داود” و”عيسى” وغيرهم، يتمنَّون طبعا أن يصبح أولادهم أمثال هؤلاء الأنبياء في البِرِّ والخير والبركة، ولكنهم مع ذلك لا ينادون أولادهم قائلين: يا مثيل موسى، يا مثيل داود، يا مثيل عيسى، بل ينادونهم بأسماء حقيقية على سبيل التفاؤل. ألا يمكن أن يفعل الله القادر على كل شيء ما يفعله الإنسان تفاؤلا؟ أليس الله قادرا على أن يجعل حالة روحانية لأحدٍ شبيهة بحالة شخص آخر ويُطلق عليه نفس الاسم؟ ألم يُسمِّ الله يحيى من قبل باسم إيليا بناء على المماثلة بينهما في الحالة الروحانية؟ ألم يُطلَق في التوراة في سِفر التكوين الإصحاح 49 اسم “شيلون” على المسيح ابن مريم عليه السلام بناء على المماثلة الروحانية بينهما، بينما كان “شيلون” اسم حفيد يهوذا بن يعقوب عليه السلام؟ ولقد بُشِّر يهوذا في الإصحاح نفسه بمجيء المسيح ابن مريم بكلمات: “لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا…. حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ” وما قيل: حتى يأتي ابن مريم.
ولما كان المسيح ابن مريم بمنـزلة حفيد يهوذا لولادته في العائلة نفسها، لذا أُطلق عليه اسم “شيلون”.
كذلك ورد في التوراة نفسها في (التَّكْوِينِ 48: 15-16) دعاء يعقوب عليه السلام إذ طلب البركة ليوسف ودعا لأبنائه قائلا: “اللهُ الَّذِي سَارَ أَمَامَهُ أَبَوَايَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ، اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هذَا الْيَوْمِ، * الْمَلاَكُ الَّذِي خَلَّصَنِي مِنْ كُلِّ شَرّ، يُبَارِكُ الْغُلاَمَيْنِ. وَلْيُدْعَ عَلَيْهِمَا اسْمِي وَاسْمُ أَبَوَيَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ”.
فلا يمكن إنكار سنة الله القديمة أنه يُطلق اسم شخص على آخر بناء على المماثلة الروحانية بينهما. فالذي يحمل صفات إبراهيم هو إبراهيم عند الله، والذي يحمل صفات موسى فهو موسى عند الله، والذي يتحلى بصفات عيسى فهو عيسى في نظر الله، أما الذي نال نصيبا من كل هذه الصفات فهو مصداق لكل تلك الأسماء. أما إن كان هناك أمر جديرٌ بالنقاش فهو:
لماذا يُصرَف اسم “ابن مريم” عن معناه الظاهري والمتبادر إلى الذهن بوجه عام؟
وجوابه أن ذلك يعود إلى مقتضى القرينة القوية، لأن القرآن الكريم والأحاديث النبوية تدل بصراحة تامة أن المسيح ابن مريم مات ورُفع إلى الله وانضم إلى إخوته. وقد رأى نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم ليلة معراجه أ عيسى عليه السلام موجود مع النبي الشهيد يحيى في السماء الثانية، أي وجده مع جماعة الذين خلَوا وماتوا. إن القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة تُعطي أملا وبشارة بالتواتر أنه سيأتي مثيل ابن مريم وأمثال آخرون أيضا. ولكن لم يُذكَر في أي مكان أن نبيا سابقا قد مات من قبل سيعود إلى الدنيا ثانية. فمن الثابت المتحقق بالبداهة أنه ليس المراد من ابن مريم ذلك النبي ابن مريم رسول الله نفسه الذي مات من قبل وانضم إلى جماعة الأموات.
انظروا إلى حكمة الله العجيبة أنه قد سماني أنا العبد الضعيف “عيسى” قبل عشر سنوات تقريبا، وبفضله وتوفيقه الخاص قدّر أن يُنشر ذلك الاسم في “البراهين الأحمدية” ويُذاع في العالم.
أما الآن، فقد أعلن الله سبحانه وتعالى بعد مدة مديدة بإلهامه الخاص؛ أنّ هذا هو عيسى نفسه الذي وُعد بمجيئه. لقد ظل الناس يقرؤون هذا الاسم في “البراهين الأحمدية” إلى عشر سنوات متتالية. ولقد أبقى الله تعالى الإلهام الثاني الذي كان شرحا للإلهام الأول في طي الكتمان إلى عشر سنوات حتى تثبت أعماله سبحانه وتعالى الحكيمة منـزّهة من التصنّع في نظر المتدبرين، لأن سلسلة التصنّع التي يُخطَّط لها مسبقا لا تطول هكذا. فتدبروا يا أولي الأبصار.
( المصدر: كتاب إزالة الأوهام، تأليف الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني )