عدم تعرض المؤمن للابتلاء معارض لسنة الله سبحانه وتعالى
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام
إن الذي يؤمن بمبعوث من الله فلا بد له من مواجهة الابتلاء، فقد قال الله سبحانه وتعالى: “أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ” (العنكبوت:2)، فكأن الابتلاء شرط الإيمان. فكم من ابتلاءات واجهها الصحابة رضي الله عنهم فقد أصابهم قومُهم بأنواع الأذى، وابتُلوا في الأموال والأنفس والأقارب أيضًا. فإذا عاش المرء بعد الإيمان حياة الرغد والبحبوحة فليخشَ عدم صحة إيمانه، لأنه مما ينافي سنةَ الله أن لا يواجه المؤمن ابتلاء. لا يمكن أن يفوق أحدٌ النبَّي صلى الله عليه وسلم، فحين آمن صلى الله عليه وسلم برسالته بدأت سلسلة المصائب فورًا، فقد فُصل عن الأعزة وحظر عليه اللقاء والزيارة، وأُخرج من وطنه، حتى حاول الناس تسميمه، تلقَّى الجروح بالسيوف، وهذا كان حاله حتى أواخر الحياة. فلما كان سيدنا ومقتدانا صلى الله عليه وسلم قد واجه ذلك فمَن هؤلاء الذين آمنوا به حتى ينجوا؟ فحين يواجه المؤمن مثل هذه الابتلاءات فعليه أن يتحملها كالرجال.
إنما يأتي الابتلاء لكي يتميز الكاذب من الصادق. إن الله سبحانه وتعالى رحيم لكنه في الوقت نفسه غنٌّي وصمد أيضًا، فحين لا يقوِّي المرء إيمانه بالاستقامة فإن نصْر الله أيضًا ينقطع، بعض الناس يلحدون لمجرد موت أبنائهم أو زوجاتهم، أو حصول النقص في الرزق، مع أن ذلك كان ابتلاء لو صبروا فيه لرُزقوا أكثر من ذي قبل. فالتضجر بسبب النقص في الرزق لا يليق بالمؤمن المتقي.
إن المثل “الفقير مشوشة أفكارُه.” فإنما معناه أن الذي أفكاره مشوشة يبقى فقيرا.
ويتبين من قراءة سوانح الصادقين أنهم كانوا قد اتخذوا الفقر بأنفسهم، فسيدنا أبو بكر رضي الله عنه كان تاجرًا كبيًرا من أشراف القوم، وحين آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الجميعَ يعادونه، وتضررتْ تجارته أيضًا، حتى اضطُر للخروج من وطنه. تذكَّروا أنه بالتحلي بالتقوى الحقيقية تنحلّ كل الصعوبات، ويتخلص المرء من كل أنواع الفقر، فالذين يتهمون الله سبحانه وتعالى كاذبون. فقد شهد جميع الأنبياء والصادقين على أنه ليس هناك أرحم وأكرم من الله. فحين يواجه المرء مشاكل كثيرة فإنما بأخطائه، وقلة توكله وانعدام صدقه، فمن الصعب الإدراك من هو المؤمن الحقيقي. يمكن أن يقول الإنسان إني صالح وزاهد لكنه يكون سيئًا عند الله، وكذلك هناك أشخاصٌ يعدُّهم الناس سيئين لكن الله سبحانه وتعالى يراهم فقط صالحين. فانظروا كيف رأى أبو جهل النبي صلى الله عليه وسلم سيئًا جدًّا، لكنه صلى الله عليه وسلم كان سيد الكون في نظر الله، أبو جهل كان يوقن بأنه صلى الله عليه وسلم سيئ، ولذلك باهلَه قائلًا: اللهم من كان أفسد للقوم، وأقطع للرحم، فأهلِكْه اليوم. ومن قوله هذا يتبين أنه كان واثقا بصدقه ولذلك نطق بهذه الكلمات، لكن ما الذي حصل؟ فقد بيَّن الله بفعله، من الصادق والطيب ومن هو كاذب وخبيث.
قال الله :سبحانه وتعالى “وَقَالُوا۟ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ” (الملك:10)، فالعلم الصحيح والعقل السليم أيضًا من أمارات السعادة، فالشقي يفقد الصواب، بحيث يعدُّ الصالح طالحا ويرى الطالح صالًحا.
(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1908/2/20م)
