Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )

ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الخطبة الأولى في الجلسة السنوية بتاريخ 27 ديسمبر 1907م

معجزة عظيمة الشان

قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد قادياني    :

اسمعوا! أني أشكر الله جل شأنه على أنه هدى قلوبكم، ومع أن آلاف المشايخ في الهند والبنجاب مشغولون في التكذيب ويسموننا دجالا ويكفِّروننا فقد وفَّقكم الله للانضمام إلى جماعتي. فمن معجزة الله العظيمة جل شأنه أن هذه الجماعة رغم هذا التكذيب والتكفير كله وجهود معارضينا المضنية، تتقدم ويتزايد عددُ أعضائها، وأقدر عدد أعضاء الجماعة أكثر من أربعمائة ألف إنسان. فيا لها من من معجزة عظيمة أن معارضينا يستنزفون الجهود ليلَ نهار، ولا يدِّخرون جهدًا في أنواع المكايد للقضاء عليها، لكن الله سبحانه وتعالى يزيد جماعتنا بانتظام. هل تعرفون ما الحكمة في ذلك؟ ألا إن الحكمة في ذلك أن الذي يبعثه الله والذي يأتي من الله في الحقيقة، يتقدم وينمو يوميًّا، وتزدهر جماعته يومًا بعد يوم، والذي يسعى لمنعها يواجه كل يوم الذلةَ والهوان والهلاك، ومعارضوه ومكذبوه يموتون في نهاية المطاف بحسرة كبيرة. كما تعرفون أن العشرات من معارضينا ومعرقلي تقدمها قد هلكوا.

ألا لا مانع لما أراد الله سبحانه وتعالى، وإن الجماعة التي أقامها الله وأراد ازدهارها، لا أحد يقدر على منعها من ذلك مهما يبذل جهودا جبارة، ويفكر في آلاف المكايد. لأنه إذا توقفت الجماعة بهذه المساعي فلا بد من التسليم بأن المانع غلب الله، مع أنه لا غالب إلا الله.

تحقق نبوءة صدرت قبل 25 عام

ثم من المعجزة أن الله سبحانه وتعالى كان قد أنبأني سلفًا في البراهين الأحمديةبمجيء هؤلاء الألوف ومئات الألوف الذين يأتون دومًا، وهذا الكتاب قد نُشر قبل 25 عامًا في العرب وفارس وإنجلترا وبلاد أخرى، وفيه إلهامات كثيرة من ذلك الزمن. وليس في وسع أي يهودي أو مسيحي أو مسلم أو أحد البراهمة أو آري أن ينكر هذا الأمر البديهي. ولقد كتبَ التقريظ عليه ألدُّ أعداء الجماعة أقصد المولوي محمد حسين في الزمن نفسه، وفي الكتاب نفسه قد وردت النبوءة صراحة بمجيء الخلق مستقبلا، فهذه النبوءة ليست عادية بسيطة، بل هي نبوءة عظيمة وهي:

إلهامات إلهية

يأتيك مِن كلِّ فَجٍّ عميق، يأتون مِن كلِّ فَجٍّ عميق. ينصرك الله مِن عنده. يرفعُ الله ذِكرك، ويُتِمّ نِعمته عليك في الدنيا والآخِرة. (ص 241) إذا جاء نصرُ اِلله والفتحُ وانتهى أمرُ الزمانِ إلينا. أليس هذا بالحقِّ؟ (ص 240) وما كان الله ليتركك حتّى يميز الخبيثَ من الطيّب. (ص 491) فحان أن تُعان وتُعرَف بين الناس. (ص 489) إني ناصرك، إني حافظك. إني جاعلك للنّاس إمامًا.(ص 507) “

فهذه عبارتها ومعناها أنه صحيح أنك الآن وحيد لكنه سيأتي عليك زمن لن تبقى فيه وحيدًا فريدا، إذ سوف يأتيك الناس أفواجًا من البلاد النائية. وأنتم تعرفون أنه حين يأتي هذا العدد الهائل من الزوار، فلا بد من تدبير الطعام أيضًا لهذا الخلق الكثير، لذا قال ويأتيك من كل فج عميقأي سيُحضرون معهم أنواع الهدايا وآلاف الدراهم لك. ثم يقول الله ولا تصعِّر لخلق الله ولا تسأم من الناس” (ص 242) أي سيأتيك الخلقُ بكثرة، فلا تضطرب لرؤية هؤلاء الكثيرين، ولا تقابلْهم بسوء الخلق.

أوضاع قاديان عند نشر هذه النبوءة

عندما نشرت هذه الإلهامات في البراهين الأحمدية كانت قاديان بلدة غير مشهورة، وكانت بمنزلة غابة، ولم يكن يعرفها أحد. فمن ذا الذي يستطيع القول من الجالسين هنا إن قاديان حينها أيضًا كانت تتمتع بالصيت نفسه، كلا بل كنتم كلكم تقريبا لا تعرفون هذه القرية، فأخبروني من يمكن أن يدَّعي دون مشيئة الله سبحانه وتعالى قبل 25 أو 26 عامًا في الخلوة والوحدة أنه سيأتي عليه زمن يأتيه فيه آلاف الناس ويُحضرون معهم أنواع الهدايا له، وأنه سينال الشهرة في العالم كله باحترام.

معجزة عظيمة

انظروا إن جميع الأنبياء الذين خلوا إلى اليوم لم تكن لهم معجزات كثيرة بل كانت لبعضهم معجزة واحدة فقط، أما المعجزة التي بينتها لكم فعظيمة جدا وثابتة من كل النواحي. وإن لم يكن أحد عنيدًا ومتعصبًا، فلا يجد بدًّا من الإقرار بصدق دعواي في كل حال، إن الهندوس هنا أيضًا شاهدون على زمن كنت فيه وحيدا وخامل الذكر ويمكن أن يخبروكم، أني كنت وحيدًا ولم يكن يعرفني أحد من سكان القرى المجاورة، وإذا أنكر ذلك أي هندوسي فعليه أن يأتيني ويكذب قائلا إن الناس يومذاك أيضًا كانوا يأتونني كما اليوم، وإن قالوا إنه مصادفة فليأتوني بنظير من العالم أن شخصًا كان مجهولا قبل 25 عامًا وتنبأ أنه سيأتيه الناس أفواجًا، ويأتون بآلاف الدراهم والهدايا وأنه سيُنصر من الله من كل النواحي، ثم تحققت تلك النبوءة. وإن أرَونيها فسوف أقبل، أما الأعذار الواهية فلا يسعُنا قبولها، لأنه في هذا الحال لا تبقى معجزة أي نبي جديرة بالقبول. عليهم أن يقدموا نظير كذاب تنبأ بمثل هذه الأمور الاقتدارية ثم تحققت نبوءته بعد 25 عامًا، وإن أتوا بهذا النظير فسوف أقبل منهم. وإن قال أحدهم إن الناس يرون الرؤى عادة وبعضها تصدق وتتحقق، فجواب ذلك أنه لا شك في أن الرجال من الطبقات الوضيعة أيضًا يرون الرؤى وتتحقق أيضًا، بل المومسات أيضًا يقلن عادة إن إحدى رؤاهن قد تحققت. كان في بيتنا امرأة من هذه الطبقة الدنيا، تقص عادة رؤاها وكانت تتحقق، لكن ما يجب التنقيح متى تمتعت تلك الرؤى بالقدرة والهيبة والنصرة؟! إنما رؤى الأنبياء فقط تتضمن التنبؤ بالفتح والانتصار لهم، فهي تتنبأ بإقبالهم وإدبار أعدائهم وعزة أنفسهم وذلة أعدائهم. إنما هو نصيب مقدر للأنبياء فقط وليس لغيرهم نصيب من ذلك، فهو فعل الله وليس مما يعد من الأحلام.

إن البراهين الأحمدية كتاب يشهد له أتباع جميع الأديان والذي نشر في كل بلد والذي يشهد له حتى الهندوس هنا، فمثلا لاله ملاوامل وشرمبت من سكان قاديان بالذات يستطيعون أن يعرفوا أن هذه هي الأمور التي كُتبتْ آنذاك. فانظروا هل المعجزات تفوق ذلك، إنما المعجزة أنه بعد نشر النبوءة صار الهندوس والآريون والمسيحيون والمسلمون وأتباع مذهب الطبيعة والوهابيون والأصدقاء والأغيار أعداءً لنا كلُّهم، وقد بُذلت جهود قصوى للقضاء علينا، وفُرضت القيود الغريبة من قبيل أنه قد صدر الإعلان أنه من سلَّم علينا فهو كافر ومن عاملَنا بلطف ورفق فقد كفر، ولقد أبيحت ضدنا أمور لا يتحمل النبلاء حتى سماعها. فبالجلوس في الطرق قد منعوا الناس من المجيء إلينا، وأغووا الناس بإسماعهم أقاويل شتى. لكنه تحقق أخيًرا ما كان الله سبحانه وتعالى قد أخبَرنا به سلفًا، وهو أن مئات الألوف سيأتون إليك، وسيأتون بآلاف الدراهم والهدايا.

ثم من الغريب1 أن الله سبحانه وتعالى قد أخبرني سلفًا عن معارضتهم وعدائهم أيضًا بل قد ورد في هذا الكتاب نفسِه إلهام يعصمك الله من عنده وإن لم يعصمك الناس” (ص 510) أي سوف يحميك الله ويحفظك بنفسه من شرور الأشرار ومكايد الأعداء، وإن لم يحفظك الناس ولم ينصروك، لكن الله سيبِّرئ ساحتك من جميع التهم والبهتانات التي يلصقها بك الأشرار ويُثبت أنك معصوم. فانظروا ما أعظم هذه النبوءةَ، التي تحققت! فلن يجد الباحث عن الصدق بدًّا من الإيمان، أما الملحد فماذا نفعل معه؟ لأن الذي ليس صادقًا أصلا فلا دين له. فما أعظمها من معجزة!

فليبذل جميع هؤلاء المعارضين قصارى جهودهم، وليفعلوا كل ما كان في وسعهم؛ لكننا سننجز وعودنا.

آية قتل ليكهرام

ومثل ذلك كان هناك البانديت ليكهرام. فقد جاء إلى قاديان وأقام هنا مدة شهرين تقريبا، فأغواه سكان هذه القرية، وحرضوه على عدائي، فكتب أخيًرا دعاءً بصورة المباهلة وكتب اسمي واسمه، ثم دعا برميشورَه بمنتهى الضراعة والابتهال أن يُهلك من هو كاذب منا نحن الاثنين. وكتب فيه أيضًا أن الفيدا حق، وأن الريشيين الذين نزل عليهم الفيدا هم أيضًا صادقون، ونبيُّنا الكريم (والعياذ بالله) كاذب، وأن قرآننا الكريم أيضًا كاذب. باختصار، كتب مثل هذه الأمور وطلب الحكم من برميشوره ودعا كثيًرا، وبكى وتضرع كثيرا. ومن عندنا صدرت نبوءة هلاكه خلال ست سنين لكنه هلك خلال خمس سنين بسبب استكباره وتباهيه، ومات بحسب ما ورد في النبوءة بالضبط، أي قُتل بالْمُدية في اليوم التالي ليوم العيد.

نصرة الله وتأييدته

باختصار، عندي آيات لا أجد لبيانها الوقت الكافي، ويكفيني آيةً، أن عددًا كبيًرا من الزوار الذين يأتونني كلُّ واحد منهم آيةٌ من الله، لأن الله قد أنبأني سلفًا بمجيئهم، وإن جميع التأييدات والنصرة التي تحالفنا قد وعدَنا الله بها سلفًا، أما الكاذب والمفتري على الله، فلا ينصره الله أبدًا، بل على عكس ذلك يُهلكه. لكنكم تعرفون كم من أنواع التهم الباطلة قد ألصقت بي، ورُفعت القضايا ضدي، وبُذلت الجهود للإساءة إلينا وتشويه سمعتنا في المحاكم، كما رُفعت القضايا بتهمة القتل، لكن نائب المفوض لمحافظة غورداسبور الكابتن دوغلاس الذي كانت قضية القتل مرفوعة ضدي في محكمته قال لي بعد تقصي الحقائق جيدًا: “إني أهنئك بأنك بريء، وإذا أردت فيحقّ لك أن تعرِّضهم للعقاب برفع القضية“.

أخبروني الآن: هل كان يمكن أن نحرز مثل هذا الفتح والنصر إن لم يكن الله معنا؟ لقد أدلى الشيخ محمد حسين أيضًا بالشهادة ضدي في قضية الدم هذه،2 لكنني كنت أعلنت سلفًا أني سوف أُبرَّأ. أخبروني الآن ما الذي اكتسب هؤلاء من هذه القضايا سوى أن ظهرت آيةٌ أخرى؟

تذكروا أن المفتري والكذاب لا يحالفه النجاح ولا يوفَّق في أعماله، ولا يحظى بالعون والنصر من الله أبدًا، لأنه إذا ظل المفتري يتقدم أيضًا يوما بعد يوم، فسوف تحدث الوساوس والشبهات في وجود الله أيضًا، وتحدث الفوضى في ألوهية الله.

فمنذ خلق العالم تستمر سنة الله أن عالما يعقد العزم على معارضتهم، وكما أن الكلاب تجتمع حول غريب وتنبح عليه وتثير شغبًا، كذلك الذي يأتي من الله مبعوثًا، تنقضّ عليه الناس كالكلاب لكونه ليس منهم، ويثيرون ضجة ضده، ويسعون لإيذائه، لكن الله سبحانه وتعالى يهلكهم جميعا في نهاية المطاف بنظرة واحدة فقط.

إعلان الإسلام وحده باللسان لا يكفي

فاعلموا أيضا، أن الذي يدخل في دين الله المقدس كالإسلام، لسعيد جدًّا. إلا أن ترديد كلمة الإسلام، الإسلامباللسان فقط لا يجدي شيئًا، ما لم يتمسك الإنسان بتعليمه بصدق القلب. معظم الناس هم من الصنف الذي ينطبق عليهم قولُ الله: “وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنََّما نَحنُ مُسْتَهْزِئُونَ” (البقرة:14)، وقد وُصف هؤلاء في القرآن الكريم بالمنافقين. فما دام الإنسان لا يعمل بالقرآن الكريم كاملا، لا يدخل في الإسلام كاملا أيضًا.

فضائل القرآن الكريم

إن القرآن الكريم كتاب طاهر جاء إلى العالم في زمن كانت تسوده المفاسدُ العظيمة، وكانت الأخطاء الكثيرة رائجة في المعتقدات والأعمال، وكان الناس كلهم تقريبا متورطين في الأعمال السيئة والمعتقدات الفاسدة، وإلى ذلك أشار الله سبحانه وتعالى في قوله في القرآن الكريم: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَّرِ وَالْبَحْرِ” (الروم:41)، أي كان الناس كلهمسواء أكانوا من أهل الكتاب أو غيرهممتورطين في المعتقدات الفاسدة، وكان الفساد العظيم يسود العالم. باختصار، قد أنزل الله سبحانه وتعالى في مثل هذا الزمن كتابا كاملا هو القرآنُ الكريم، وذلك لدحض المعتقدات الباطلة وهدايتنا، وهو يضم الرد على جميع الأديان الباطلة.

فضيلة سورة الفاتحة

لقد ذكُرت كل المعتقدات إشارةً في سورة الفاتحة التي تُقرأ في كل ركعة من الصلوات الخمس، كما قال سبحانه وتعالى: “ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَأي جميع المحامد تليق بالله الذي خلق العالمين كلها. “ٱلرَّحۡمَـٰنِهو الخالق بغير الأعمال، ويهب دون أي مقابل من الأعمال. “ٱلرَّحِیمِأي معطي ثمار الأعمال مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِأي مالك يوم الجزاء والعقاب، ففي هذه الصفات الأربعة بيان لأديان العالم كلِّه.

الرد على الآريين

بعض الناس ينكرون كون الله خالقَ العالمين كلها، ويقولون أن جيوأي الأرواح وبرمانوأي الذرات موجودة من تلقاء نفسها، وكما أن البرميشور موجودٌ منذ القدم تلقائيا، كذلك هي أيضًا من تلقاء نفسها، وأن الأرواح وجميع قواها والخواص والمزايا التي سُجلت في سجلات كثيرة، هي من تلقاء نفسها. ورغم أنها تتمتع بقوة الاتصال والانفصال تلقائيًا، فهي بحاجة إلى برميشور لربطها. باختصار، قد أشار الله إلى هذه الفئة في قوله رب العالمين“.

الرد على معتقدات سناتن دهرم

والفرقة الثانية هي ما أشير إليها في كلمة الرحمن، وهي فرقة سناتن دهرم، فمع أنهم يؤمنون بأن كل شيء قد صدر من برميشور نفسه، لكنهم يقولون أنْ لا فضل لله في شيء، وإنما هو يهب ثمار الأعمال، حتى أن الذي خُلِق رجلا فبأعماله، وكذلك إذا كانت هناك امرأة فبنتيجة أعمالها. وإذا وُجدت الأشياء المهمة من الحيوانات والنباتات وغيرها فهي أيضًا نتيجة أعمالها. باختصار، إن هؤلاء ينكرون صفة الله الرحمن، فالله الذي خلق الأرض والشمس والقمر والنجوم وغيرها، وخلق الهواء لنتنفس، ونسمع صوت بعضنا بعضا، وخلق الشمس والقمر وغيرهما من الأشياء للضوء، وخلقها في زمن لم يكن للمتنفسين أي أثر فيه؛ فهل يمكن أن يقول أحد إن كل هذه الأشياء خُلقت بسبب أعمالنا فقط؟ فهل يمكن لأحد أن يتباهى بأعماله، وهل يمكن أن يدَّعي أحد أن الشمس والقمر والنجوم والهواء قد خُلقت ببركة أعمالنا؟3 باختصار، إن صفة الله الرحمن تردُّ على الذين لا يؤمنون بأن الله يرزق دون مقابل، أي دون جهودنا وأعمالنا.

ضرورة الأعمال والمجاهدات

بعده بيان صفة الله الرحيم، أي الذي يُظهر النتائج للجهود والمساعي، والأعمال الحسنة.

هذه الصفة تردُّ على الفرقة التي تعدُّ الأعمال لاغية وعبثًا أصلا، فيقولون ما الصلاة وما الصيام؟ إذا أنزل الله الغفور الرحيم فضله فسوف ندخل الجنة وإلا فجهنم. وأحيانًا ينطق هؤلاء بعبارات من قبيل: هل سنصبح أولياء بالعبادة! إذا أنجزنا شيئا فجيد وإن لم نفعل فلا بأس. فالله سبحانه وتعالى يفند مزاعمَ هؤلاء بقوله: “الرحيمويقول: إن الذي يجتهد ويتفانى في عشق الله وحبه، يتميز عن الآخرين ويُعدّ من أحباء الله. فالله سبحانه وتعالى يرشد مثل هؤلاء بنفسه، كما قال: “وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَا” (العنكبوت:69)، أي أن الذين يجاهدون من أجلنا نريهم سبلنا أخيًرا، فكل الأولياء والأنبياء والصلحاء الذين خلَوا إلى الآن حين قاموا بمجاهدات كبيرة في سبيل الله، فتح الله عليهم أبوابه في نهاية المطاف. أما الذين لا يؤمنون بصفة الله هذه، فهم يقولون عادة: ما الذي تفيد مساعينا وجهودُنا؟ فالذي كُتب في القدر والقضاء سلفا من اليوم الأول لا محالة نافذٌ، فلا داعي لبذل الجهود، فسيحدث ما هو حادثٌ تلقائيًا. ولعل اللصوص وقطّاع الطرق والأوباش الآخرون أيضًا يدينون بهذا الدين في دخيلة نفوسهم.

باختصار، يجب أن لا يغيبِ عن البال أن للفعل الإلهي نوعين: أحدهما ليس فيه دخْل للأعمال، كما قد خلق الله الشمس والقمر والهواء وغيرها بقدرته الكاملة دون أي عمل منا وحتى قبل ولادتنا، والثاني ما فيه دخْل للأعمال، فالعبّاد والزهّاد والورِعون يعبدون وينالون أجرهم.

رد المعتقدات الباطلة في سورة الفاتحة

1- لقد سمعتم عن هذه الفِرق الثلاثة سلفًا؛ فمنها فرقة لا تؤمن بالله ربًّا، وتشرك به كلَّ ذرة، وتؤمن بأن الله سبحانه وتعالى لا يقدر على خلق الأرواح وذراتِ العالم، وتؤمن بأنها من تلقاء نفسها كما أن الله سبحانه وتعالى من تلقاء نفسه. ففي رب العالمينردٌّ على هذه الفرقة.

2- الفرقة الثانية تؤمن بأن الله لا يقدر على إعطاء شيء بفضله وكلَّ ما وجدناه أو سنجده إنما هو نتيجة أعمالنا وهو سيحدث في المستقبل أيضًا، فردَّ عليهم بكلمة الرحمن.”

3- ثم في قول الرحيم رُدَّ على الفرقة التي ترى أن لا حاجة للأعمال.

4- وبعد ذكر هذه الفِرق الثلاث قال: “مَـٰلِكِ یَوۡمِ ٱلدِّینِ، أي مالك يوم الجزاء والعقاب، وفيه ردٌّ على الفئة التي لا تؤمن بالدينونة. ففي العالم فرقة تنكر الدينونة، فالذين لا يؤمنون بأن الله رحيم يمكن أن نصفهم بغير المبالين، أما الذين لا يؤمنون بأن الله مالك يوم الدين فهم ينكرون وجود الله أصلا. فحين لا يؤمنون بوجود الله فأنى لهم الإيمان بالدينونة.

باختصار، يقول الله سبحانه وتعالى بعد بيان هذه الصفات الأربع: أيها المسلمون، قولوا: “إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُأي ربَّنا يا صاحب الصفات الأربع، نحن نعبدك وحدك ونطلب العون منك حصرًا لإنجاز هذا العمل. وإن ما ورد في الأحاديث أن أربعة من الملائكة يحملون عرش الله، فإنما معناه أيضًا، أن ظهور صفاته الأربع هذه موجود، وإن لم تكن هذه الأربع أو كانت تنقصها واحدةٌ فيلزم النقص في ألوهية الله.

حقيقة العرش

بعض الناس يظنون لقلة فهمهم أن العرش مخلوق، فهم على خطأ. فليعلموا أن العرش ليس شيئا مخلوقًا، إنما هو مقام التقدس والتنزه ووراء الوراء. بعض الناس يظنون أنه كما يجلس الملك على عرش يتجلى الله على العرش أيضًا مثله، فهذا يستلزم أن يكون سبحانه وتعالى محدودًا. لكن يجب أن يتذكروا أن القرآن الكريم لم يذكر مطلقا أن العرش سرير يجلس الله عليه، لأنه والعياذ بالله إذا اعتُبر أن المراد من العرش هو السرير الذي يجلس الله عليه، فكيف تُترجم الآيات التي ورد فيها إن الله محيط بكل شيء، وحيثما يوجد ثلاثة يكون الله رابعَهم،4 وحيثما يوجد أربعة فخامسهم هو الله،5 ثم ورد وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ” (ق:16) ووَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ” (الحديد:4) باختصار، يجب أن يُفهم جيدا أن في الكلام الإلهي استعارات كثيرة. ففي موضع سُمي الفؤاد أيضًا بالعرش، ذلك لأن الله يتجلى على القلب، وكذلك يقال العرشُ للمقام وراء الوراء حيث ينتهي حد المخلوق. أهل العلم يعرفون جيدا أن هناك تشبيها وتنزيها أيضًا، فالقول مثلا: هو معكم حيثما كنتم، والقول بأنه حيثما يكون خمسة يكون الله سادسهم، فهذا نوع من التشبيه، وينخدع المرء منه هل الله محدود إذن، فقيل ردًّا على هذه الشبهة: إنما هو على العرش، حيث تنتهي حدود المخلوق، فليس العرش كالسرير المصنوع من ذهب أو فضة الذي رُصِّع بالمجوهرات واللآلئ. كلا بل هو مقام أرفع ووراء الوراء، ومثل هذه الاستعارات من هذا النوع كثيرة في القرآن الكريم، كما قال الله سبحانه وتعالى وَمَن كَانَ فِی هَـٰذِهِۦۤ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِیلࣰا” (الإسراء:72) فالآية في الظاهر تعني أن الذين هم عميان في هذه الدنيا سيبقون عميانًا في الآخرة أيضًا. لكن مَن يمكن أن يقبل هذا المعنى، إذ قد ورد في موضع آخر بصراحة: سواء أكان أحد بصيرا أو أعمى، إذا رحل من هذا العالم مؤمنا وأخذ معه أعمالا صالحة فسوف يكون بصيًرا. أما الذي يبقى في هذا العالم محروما من نور الإيمان ولن ينال معرفة الله فسيبقى في الآخرة أيضا أعمى. لأن هذه الدنيا مزرعة الآخرة، فسوف يجني المرء هناك ما كان قد زرعه هنا، فمن أخذ البصارة من هنا فهو حصرًا يكون بصيرا.

واجب المؤمن

بعد ذلك علَّم الله الدعاء: ” اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْأي يا إلهي الذي هو رب العالمين، والرحمن، والرحيم، ومالك يوم الدين، أرِنا طريق أولئك الذين نزل عليهم فضلُك العظيم وأكرمتَهم بإنعامات عظيمة. على المؤمن ألا يُقر بالإله المتصف بهذه الصفات الأربع باللسان فقط، بل يجب أن يجعل حالته بحيث يتبين أنه اتخذ الله وحده ربًّا له، وهو لا يعرف زيدًا وعَمْرًا ويوقن بأن الله هو وحده يجزي على الأعمال، ومطَّلع على الذنوب الخفية جدًّا.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ مجلد 12، عدد 1، صفحة 6-4 بتاريخ 1908/1/2م)

أهمية الأعمال

تذكَّروا أن مجرد الكلام باللسان لا يفيد ما لم تنصلح الأعمال، فالذي يؤمن في الحقيقة أن الله وحده ربّه وهو مالك يوم الدين، يستحيل أن يرتكب الأفعال الشنيعة مثل السرقة، والسيئة، والقمار، أو أعمالا شنيعة أخرى. لأنه يعلم أن كل هذه الأمور مُهلكة، وأن ارتكابها معصية صريحة لله. باختصار، ما لم يُثبت المرء عمليًّا أنه يؤمن بالله في الحقيقة إيمانا صادقا وقويا، فلا يسعه الفوز بالفيوض والبركات التي ينالها المقربون وأهل الله. فالفيوض التي ينالها المقربون إلى الله وأهلُ الله فإنما لأن حالاتهم الإيمانية والعملية تكون رائعة جدًّا، ويكونون قد آثروا الله على كل شيء.

وليكن مفهومًا أن الإسلام لا ينحصر في أن يظل الإنسان يردد بعض الأوراد والأذكار باللسان فقط، بل يجب أن يوصل المرء نفسه عمليًّا إلى الدرجة التي تحالفه فيها النصرةُ والتأييد من الله، وتنزل عليه الإنعاماتُ والإكرامات. فكانت الحالة العملية لجميع الأنبياء والأولياء الذين خلَوا طاهرةً جدًّا، وكان صدقهم وأمانتهم من الدرجة العليا، ولم يكونوا يستجيبون للأوامر الإلهية ويصومون ويصلون، ويؤتون الزكاة ويركعون ويسجدون في الصلاة ويقرأون الفاتحة مثل عامة الناس، بل كانوا يرون كل شيء ميتا وكانوا قد طرأ عليهم نوعٌ من الموت، إذ كان قد بقي أمام أعينهم وجودُ إله واحد فقط، وكانوا يؤمنون بأنه وكيلهم وربُّهم الحقيقي. وبه وحده كانت علاقتهم الحقيقية، وفي عشقه كانوا يذوبون كل حين وآن.

إن الذين يحبون الله يفوزون بنصرته

فمن سنة الله القديمة أنه ينصر المرء ويؤيده حين تتحقق له هذه الحالة، وينصره من الغيب، ويهب له الفوز في كل ميدان. انظروا فقد مضى في المسلمين آلاف الأولياء، وفي كل بلد يوجد حتمًا بضعةٌ6 من أمثال هؤلاء الذين يحترمهم الناس إلى اليوم، ويذكرون كراماتهم ومجاهداتهم الغريبة. أما دلهي ففيها ميدان كبير مكتظ بأمثال هؤلاء الصالحين الأجلة.

باختصار، يجب التأمل في أنه إذا صادقَ المرءُ سارقًا أو قاطِعَ طريق بحبٍ، فمن المحتم أن ذلك السارق إن لم يحسن إليه فعلى الأقل لن يسرقه. فمن هنا يُفهم أنه إذا كان الإنسان يمكن أن ينتفع حتى من السارقين وقطاع الطرق إذا أحبهم، أفلن تصلَه أي فائدة من الله؟ كلا بل تحصل الفائدة حتمًا، لأن الله رحيم وكريم وذو الأفضال والمنن، فالذين يتمسكون بالأعمال والتناسخ وتقمص الأرواح، أوقن بأن هذا الطريق لم يخطر ببالهم.

فما دامت ثمار الحب توجد في هذا العالم نفسه، وأنّ الإنسان حين يحب غيره بصدق وإخلاص لا يقصر في حقه، فهل الله وحده لا تنفع الإنسانَ صداقته سبحانه وتعالى؟

نظرية الهندوس في النجاة

إن الذين يلصقون بالله التهم المخجلة مَدينون. فمثلا يعتقد الهندوس والآريون أن النجاة ليست أبدية، إذ يقولون إن الله يُبقي ذنبًا واحدًا عند إدخال الناس في دار النجاة، ثم بعد مدة معينة جزاءً لذلك الذنب يخلُق الريشيين والأولياء والحائزين على النجاة في صورة الحمير والقردة والخنازير وغيرها. ولكن يرِد على ذلك الاعتراض أنه إذا كان البرميشور غاضبًا على أولئك القديسين وكان يريد أن يخرجهم من دار النجاة عن عمد فلماذا أدخلهم أولا. فمن المؤكد أنه كان راضيًا عنهم حين أدخلهم، إذ من غير المعقول الزعم بأنه كان قد ساقهم إلى دار النجاة عماية. لكن الرضا والذنب لا يجتمعان، مما يتبين أن البرميشور لم يكن راضيًا عنهم من قبل أيضًا7. وإذا كان راضيًا عنهم فلا بد من الإيمان أنه لم يكن مطلعًا على ذنوبهم، لأنه حين اطلع عليها أخرجهم من دار النجاة. بعض الآريين يردّون على ذلك قائلين إنهم كانوا قد أُخرجوا من دار النجاة لأن أعمالهم كانت محدودة. ولما كانت أعمالهم محدودة وجب أن تكون الثمرة أيضًا محدودة. لكنهم لا يعرفون أن المصاعب التي تحملها أولئك المساكين في سبيل البرميشور، وكانوا قد ضحَّوا بكل ذرة من كيانهم في سبيله، فلم يكن ذلك لكي يجعلهم يتجولون بضعة أيام في دار النجاة، ثم يبعثهم بعد ذلك بصورة أرادها مهما كانت قذرة. يجب أن يُنظر إلى نياتهم، فإذا كانوا ينوُون فقط أن يحبوا البرميشورَ لبضعة أيام ثم يتركوه فهذا أمرٌ، وإلا إنما الأعمال بالنيات.” فما ذنب أولئك الناجين؟ فإنما هو ذنب البرميشور الذي أماتهم، فلو بقُوا أحياء لما تخلَّوا عن حبه قط، وإنما كانوا قد تحمَّلوا المصاعب والمشاقَّ في سبيل البرميشور، ليبقوا مخلصين أوفياء للبرميشور ما داموا أحياء، ولم يكن قد خطر ببالهم أن البرميشور سيغدر بهم. فالرجل الذي يحب أحدًا كثيًرا ويتغنى في كل مكان بأناشيد حبه، إذا مات فهل نستطيع أن نقول إنه أخذ العداء له أيضًا معه.

ثم يجب أن يُفهم أن الذنوب التي يكون البرميشور قد أبقاها لهم ليخرجهم جراءها من دار النجاة، لا بد أن تكون من نوع واحد، فلا يجوز أن يُخرج أحدٌ بسبب ذنب، ويخرج غيره لذنب آخر. فهل من الإنصاف أن يجعل بعضهم رجالا وبعضهم نساء وبعضهم حميرا وبعضهم قردة عند الإخراج من دار النجاة مع كون الذنب من نوع واحد.

صفات الله المذكورة في الفاتحة

باختصار، قد فند الله سبحانه وتعالى ببيان صفاته الكاملة في الفاتحة هذه الأديانَ الباطلة كلها التي كانت سائدة في العالم عموما.

هذه السورة التي تسمى أمَّ الكتاب إنما تُقرأ في كل ركعة من كل صلاة من الصلوات الخمس لأنها تضم تعليم الإسلام، وهي ملخص القرآن الكريم. فأراد الله سبحانه وتعالى بذكر صفاته الأربع إظهار مشهد، وأخبر أن الإسلام دين مبارك جدًّا، وهو يقود ويهدي إلى الإله الذي لم يولد من بطن المرأة على شاكلة إله النصارى، ولا هو كبرميشور الآريين الذي لا يقدر على منح النجاة بأي طريقة. ويقول كذبًا: إن الأعمال محدودة، مع أن الحقيقة أنه لا يقدر على التخليص إذ لم يخلق الأرواح، فهي من تلقاء نفسها مثله، ولا يسعُه خلقُ أرواح أخرى. لذا إدراكا منه بأنه لو نَّجى روحا للأبد فسيأتي زمن تخرج فيه الأرواح كلها من سيطرته، ومن ثم يتلاشى كل هذا النظام الذي صنعه، لذا يُبقي لها ذنبا واحدا ويستمر في هذه السلسلة8.

لكن إله الإسلام قدوس وقادر لدرجة أنْ لو أراد العالم كلُه معًا إظهار نقص فيه، فلن يسعهم ذلك، إن إلهنا خالق العالمين كلها، وهو منزه عن كل عيب ونقص. فالناقص لا يمكن أن يكون إلها، وأنى لنا أن ندعوه، ونعقد به آمالا، فهو نفسه ناقص غير كامل. لكن الإسلام قدم إلها قادرًا ومنزها من كل عيب، فهو الذي يمكن أن ندعوه، ونعقد به آمالا كبيرة فهو يحققها، ولذلك علَّمَنا في هذه السورة دعاء اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْأي اهدِنا صراط الذين نزلتْ عليهم أفضالُك العظيمة وإنعاماتُك. وعلَّم هذا الدعاء لكي لا نكتفي بالإيمان فحسب، بل يجب أن نحرز أعمالا، لكي ننال الإنعامات التي ينالها عبادُ الله المقربون.

العبادات التقليدية

بعض الناس يتوجهون إلى المساجد ويصلُّون أيضًا، ويمارسون سائر طقوس الإسلام، ولا يحالفهم نصْر الله وعونُه ولا يُرى التغيير الملحوظ في عاداتهم وأخلاقهم، مما يتبين أن عباداتهم أيضًا تقليدية، وليست لها أي حقيقة؛ لأن الاستجابة لأوامر الله كمثل بذرة، تؤثِّر في الروح والجسم كليهما، فالإنسان الذي يسقي الحقل ويبذر فيه بمنتهى الجهد، إن لم تنبت خلال شهر أو شهرين فلا بد من الإيمان بأن البذرة فاسدة. وهذا هو حال العبادات، إذا كان الإنسان يؤمن بأن الله واحد لا شريك له، ويصلي ويصوم، وفي الظاهر يستجيب لأوامر الله قدر الإمكان، ومع ذلك لا يحالفه النصر المتميز من الله، فلا بد من الإيمان أن البذرة التي بذرها فاسدة.

إذ قد أصبح الكثيرون بأداء هذه الصلوات نفسها أقطابا وأبدالا، أما أنتم فما الذي أصابكم إذ لا يظهر تأثيُرها فيكم رغم دوامكم عليها9.

القاعدة أنكم إذا استخدمتم أي دواء، ولم تشعروا بأي فائدة منه، فلن تجدوا بدًّا من الإقرار بأن الدواء ليس مناسبا. وهذا هو حال هذه الصلوات.

لا شيء صعب على الكرام

المؤمن الحقيقي لا يضيع أبدا

فالذي يأتي إلى الله بحماس صادق وصدْق تام وإخلاص كامل فلا يضيع أبدًا، فمن المؤكد والمحتَّم أن الذين يكونون لله يكون الله لهم، وينصرهم في كل ميدان ويؤيدهم بل يُنزل عليهم إنعاماته ويكرمهم لدرجة أنْ يتبرك الناس بثيابهم10. فحين علَّم الله سبحانه وتعالى هذا الدعاء فإنما لكي تنفتح عيونكم لتروا ما هي نتيجة أعمالكم التي تنجزونها. إذا كان الإنسان ينجز عملا ولا تترتب عليه أي نتيجة، فعليه أن يفحص أعماله التي لا تؤدي إلى أي نتيجة.

نبوءة في الفاتحة

ثم يقول الله سبحانه وتعالى: ” غَيِْر الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّيَن، أي يا أيها المسلمون، داوِموا على الدعاء أن لا يجعلكم الله من الذين حلَّ بهم غضبُه في هذه الحياة الدنيا، ولا يهديكم سبيل من ضلُّوا الطريق الصحيح. ولم يقل الله هذا قصةً أو أسطورة. بل كان يعلم أنه كما ارتكبت الأمم السابقة السيئات، وتجاوزت حدود تكذيب الأنبياء والتفسيق، مثل ذلك سيأتي على المسلمين زمنٌ يتجاوزون فيه حدود الفسق والفجور، ويرتكب المسلمون أيضًا الأعمال التي بسببها كان قد ثار غضبُ الله على تلك الأمم، ومن ثم سينزل غضب الله عليهم أيضًا.

قد ورد في التفاسير وكتب الحديث أن المراد من المغضوب عليهم هم اليهود، لأنهم استهزأوا بأنبياء الله كثيرا وسخِروا منهم، وآذَوا عيسى عليه السلام بشكل خاص، وارتكبوا أنواع التجاسر والاستكبار مما أدى في نهاية المطاف إلى أن نزل عليهم غضب الله في هذه الدنيا بالذات.

حقيقة غضب الله تعالى

لكن لا يفهمنَّ أحدٌ هنا من غضب الله أنه يتعنّت والعياذ بالله، وإنما المراد منه أن الإنسان بسبب ذنوبه يبتعد عن الله القدُّوس، أو يمكن أن نقول مثلا إذا كان الإنسان جالسا في حجرة ذات أربعة أبواب، وفتحها فسوف يدخل ضوء الشمس والنور إلى الغرفة بانتظام، لكنه إذا أغلق جميع الأبواب فهذا يؤدِّي إلى انقطاع النور. باختصار، من الحق أن الإنسان حين يقوم بأي عمل فمن السنة الإلهية أن يترتب عليه فعْل من الله. فمثلا حين أغلق ذلك الإنسان الجالس في الغرفة الأبوابَ كلَّها لسوء حظه، ترتب على فعله فعلٌ من الله تمثّل في إحلال الظلام في الغرفة، فإحلال هذا الظلام هو غضب من الله.

ولا تظنوا أن غضب الله كمثل غضب الإنسان، لأن الله إله والإنسان إنسان، فمن المستحيل أن يقوم الله أيضًا بفعل على شاكلة الإنسان. فمثلا إذا كان الله يسمع فهل هو بحاجة إلى الهواء كإنسان، وهل سماعه كسماع الإنسان؟ إن الإنسان يسمع بسهولة وبوضوح حين يأتي الصوتُ من حيث يأتَ الهواء. وكذلك الرؤية مثلا فلا يستطيع الإنسان أن يرى شيئًا ما لم يكن هناك ضوء الشمس والقمر أو السراج. فهل الله أيضًا يحتاج إلى الضوء؟ باختصار، إن رؤية الله تختلف عن رؤية الإنسان، ويجب أن تفوَّض حقيقتها إلى الله11.

إن اعتراض الآريين وغيرهم على وصْف القرآن الكريم لله بالغاضب هو خطؤهم الصريح. كان يجب عليهم أن ينظروا إلى آيات أخرى من القرآن الكريم أيضا فقد ورد فيها صراحة: “عَذَابِیۤ أُصِیبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَاۤءُۖ وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءࣲ” (الأعراف:156)، فرحمة الله تشمل كل شيء، لكن مشكلة هؤلاء أنهم لا يؤمنون برحمة الله أصلا، فبحسب مبادئهم الدينية حين يحظى الإنسان بالنجاة بعد مواجهة مئات المشاكل فلا يجد بدًّا من الخروج منها.

باختصار، تذكَّروا جيدًا أنه لا يرِد أي اعتراض على كلام الله، فكما أنه سبحانه وتعالى منزَّه من كل عيب، كذلك كلامه أيضًا منزه من كل نوع من الأخطاء.

تجاسرات اليهود

أما ما ورد: “یۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَفالمراد من ذلك أن اليهود أمة تؤمن بالتوراة، وقد كذبوا عيسى عليه السلام كثيًرا، وتجاسروا عليه كثيرا حتى أرادوا مرات كثيرة قتْله. فمن القاعدة أن الإنسان حين يوصل أي خصلة كمالَها فهو يشتهر بها، وعندما تُذكر تلك الخصلة يُذكر هو حصرًا. فقد خلا في العالم آلاف الأبطال وفي العصر الراهن أيضًا هناك آلاف، إلا أن رُستممشهور جدًّا في هذا المجال، حتى إذا كان أحد يُمنح لقبًا في البطولة أو المصارعة فهو يلقَّب باسم رستم الهند.” فكذلك هو حال اليهود، فلم يُبعث أي نبي لم يتجاسروا عليه، أما عيسى عليه السلام فقد عارضوه لدرجة أنهم لم يتورَّعوا حتى عن تعليقه على الصليب، واستخدَموا ضده كل شر.

ضرورة دعاء اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم

أما إذا نشأ السؤال إن اليهود كانوا قد أثاروا الفتن ضد الأنبياء وعادَوهم، لكن سلسلة النبوة قد انقطعت الآن، لذا لم تكن هناك حاجةٌ لدعاء: “غير المغضوب عليهم.” فجواب ذلك أنه لما كان الله سبحانه وتعالى يعلم أن المسيح الموعود سينزل في الزمن الأخير، وسوف يصبح المسلمون يهوديّي الخصال بعد تكذيبه، وسوف يتقدمون في أنواع السيئات والتكبر والفتن، فلذا علَّم دعاءَ: “غير المغضوب عليهم، بمعنى: أيها المسلمون، ردِّدوا هذا الدعاء في كل ركعة من الصلوات الخمس: ربَّنا اعصمْنا من صراط هؤلاء، الذين حلَّ عليهم غضبك في هذه الحياة الدنيا، والذين واجَهوا أنواع الآفات الأرضية والسماوية بسبب معارضتهم لمسيحك الموعود. فليكن معلومًا أن هذا هو الزمن الذي تشير إليه الآية غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡوالذي يحدِّثكم هو المسيح الصادق، وهو من الله.

معارضة المسيح الموعود وتكفيره

تذكَّروا أن الله ظل يصبر على مدى 25 عامًا، ولم يدَّخر هؤلاء جهدا في معارضتي، فقد صدرت أنواع الخيلاء وأُلصقتْ بنا أنواع التهم، وبُذل النشاط التام في هذه التجاسرات والفتن، وقد بُذلت الجهود لإفنائي وإعدامي على كافة الأصعدة، وأُعدت ضدي فتاوى التكفير، واعتُبرتُ أسوأ من النصارى واليهود، مع أني أؤمن بصدق القلب والروح بالكلمة الطيبة لا إله إلا الله محمد رسول الله.” وأؤمن بأن القرآن الكريم كتاب الله الحق والكامل، وأؤمن بصدق القلب أنه خاتم الكتب، وأؤمن بصدق القلب أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين. أصلي الصلوات نفسها، وأستقبل القبلة نفسها، أصوم رمضان مثلهم، ولم يكن أي فرق في إيماني بالحج والزكاة أيضًا. إذن لا أعرف لأي سبب عُدِدتُ أسوأ من اليهود والنصارى، وحُسِب إطلاق الشتائم علي ليل نهار جالب الثواب؟12 فهل كل ذلك من النبل والدماثة في شيء؟ ألا لا يَتخِذ هذا الطريق إلا الذين سُلب منهم الإيمان واسودّت قلوبهم.

باختصار، لما كان الله يعلم أن وقتًا سيأتي حين يصبح المسلمون يهوديّي السيرة فقد علَّم دعاء غير المغضوب عليهمثم الضالين، أي يا رب، لا تسيِّرنا على صراط الذين أعرَضوا عن سبيلك الحق المستقيم. وفيه إشارة إلى أن النصارى قد تلقَّوا تعليمًا بواسطة الإنجيل أن يعبدوا إلها واحدًا لا شريك له، لكنهم تركوا هذا التعليم، واتخذوا ابن امرأة إلها.

مقارنة اليهود والنصارى

لا يخطرنَّ ببال أحد أن كلمة المغضوب عليهمقاسية جدًّا، بينما الضالينلينة، كلا، فهي ليست لينة. الواقع أن ذنب اليهود كان قليلا، وكانوا متمسكين بالتوراة، ويعملون بأوامرها. وإن كانوا قد تمادَوا كثيًرا في إثارة الفتن والشرور، إلا أنهم كانوا يعارضون جدًّا فكرة اتخاذ الإنسان إلها أو ابنَ إله،13 فلم يرد ذكرهم في الفاتحة أولا نظرا لأن ذنوبهم كانت أكثر، بل نظرا لكونهم قد عوقبوا في هذه الدنيا. ومثال ذلك أن رئيس المديرية يُغرِّم فقط أولئك الذين لا يكون ذنبهم خارج نطاق صلاحياته، فمثلا إذا كان يستطيع بحسب صلاحياتهأن يغرم أحدًا خمسين أو ستين روبية على أكثر تقدير، وكان المجرم يستحق أكثر، فرئيس المديرية يحوِّله إلى مسؤول أكبر منه قائلا: إن معاقبته خارج صلاحيتي. فمثل ذلك كانت فتن اليهود وشرورهم محدودة بحيث يمكن معاقبتهم في هذا العالم، أما عقوبة الضالين فلا يسعُها هذا العالم، لأن اعتقادهم مكروه جدا ومقرف لدرجة أنْ قال الله في القرآن الكريم بحقه تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ یَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوۡا۟ لِلرَّحۡمَـٰنِ وَلَدࣰا” (مريم:90-91)، باختصار، لما كانت عقوبة اليهود قليلة لذا قد عوقبوا في هذا العالم، أما عقوبة النصارى فهي قاسية لدرجة لا يتحملها هذا العالم، لذا قد حُدد العالمُ الآخر لعقوبتهم. ثم مما يجب الانتباه إليه أن النصارى ليسوا ضالّين فحسب بل هم مُضلُّون أيضًا، فشغْلهم الشاغل ليلَ نهار أن يُضلوا الناس، فهم ينشرون يوميًّا خمسين أو ستين ألفا بل مئات الألوف من نُسخِ الجرائد، ولنشْر هذه العقيدة الباطلة يوظِّفون كل أنواع الأعمال والمكايد.

حب الإنجليز للعدل

تذكَّروا أنه ليس لهؤلاء القساوسة أي علاقة بالحكومة، فقد جاء إلى هنا مرة أحدُ الإنجليز، وعند العودة سأل هل في طريقي يقع منزل لأي قسيّ ، وذلك لأنه كان يكره القساوسة أشد كراهية14. هؤلاء يتحلَّون بعدل كبير، فلو لم يكونوا منصفين لما بقيتْ لهم حكومة، فيجب أن نذكر أن حكومتهم أيضًا فضلٌ خاص من الله سبحانه وتعالى.

فانظروا إلى زمن السيخ حيث كانوا يقتلون مَن رفع الأذان، أما في ظل هذه الحكومة فتتوفر الحرية التامة وإنها سببُ بركات كثيرة لنا. فالمكان الذي فيه مسجدنا حاليا في قريتنا قاديان هذه كان للموظفين الهندوس في طفولتي، وسمعت من الموثوق بهم أنه حين جاء حكم الإنجليز بقي القانون السابق لعدد من الأيام.

في تلك الأيام كان قد جاء إلى هنا ضابط حكومي وكان عنده شرطي مسلم، فجاء الشرطي إلى المسجد وقال للمؤذن: ارفَع الأذان، فرفع الأذان بالأسلوب السابق الخافت خائفًا، فسأله الشرطي هل ترفعون الأذان هكذا؟ فقال المؤذِّن: نعم، فقال له الشرطي: كلا بل يجب أن تصعد على السطح وارْفع الأذان بصوت عال بقدر ما تستطيع، فخاف لكنه رفَع الأذان بأمر الشرطي بكل قوة15 فاجتمع الهندوس وأمسكوا بالشيخ فخاف المسكين كثيًرا وفزع أن الضابط سوف يُعدمه. لكن الشرطي قال له: أنا معك، أخيًرا ذهبوا به إلى ضابط هندوسي وقالوا إن هذا قد نَّجسَنا. فكان الضابط الهندوسي يعلم أن الحكومة قد تغيرت، فلم تبق الحكومة السيخية. لذا سأله بصوت خافت: لَم رفعتَ الأذان بصوت عال، فتقدَّم إليه الشرطي وقال: لم يرفعْه هو بل أنا قد رفعتُ الأذان. عندها قال الضابط الهندوسي للهندوس: أيها الأشقياء، لَِم تثيرون ضجة؟ ففي لاهور تُذبح البقرات علنًا؟ وأنتم تشتكون الأذان، فاذْهبوا واجْلسوا هادئين.

ومثل ذلك حدث في بطالة حيث جاء أحد السادات المقيمين هناك من الخارج إلى بيته فوجد البقرات تزدحم أمامه، فأزاح المواشي بطرف السيف، فخدش جلد إحدى البقرات خدشًا خفيفًا، فأُمسك بذلك المسكين، وأصرُّوا على قتله، لكنه أخيًرا نجا من القتل بشفاعة كبيرة، إلا أن يده قُطعت حتمًا. وكذلك في قضية متعلقة بالبقرة قُتل مرة خمسة آلاف مسلم مسكين.

أفليس وجود هذه الحكومة إذن مباركًا؟ فقد ورد في حديث إذا كان حاكمُكم سيئًا فليس هو سيئا بنفسه، وإنما أنتم السيئون في الحقيقة. تذكروا أن هؤلاء الإنجليز يحبون العدل كثيًرا.

(المصدر: جريدة الحكم، مجلد 12 عدد 2 ص 4-2 بتاريخ 1908/1/6م)

فيمكن أن تنظروا إلى قضيتنا حيث كان آتما رامقد غرَّمني 700 روبية، ولكن حين قُدمت الأوراق إلى قاضي محكمة المحافظة، ومع أنه كان مسيحيًّا، لكنه من أجل الإنصاف بذل الجهود طول اليوم، ثم استدعى كرم دين بعد التدبر والتفكر التام وقال له: أنت تقول إن اللئيم يعني ولد الزناوالكذّاب يعني كاذبا كبيرا، لكن الحقيقة أنه إذا قيل لأحد بأنه بوم فلا فرق إذا كان صغيًرا أو كبيًرا، وإن ما حكَم به آتما رام غير صحيح وأنا أُلغي الغرامة. فلو وصفَك بأكثر من اللئيم والكذّاب فلهذا الشخص حقٌّ في ذلك. لذا يجب على المسلمين أن لا يصادقوا الهندوس مطلقًا، فلو خرج الإنجليز من هنا لمزق الهندوس المسلمين كل ممزَّق.

ليس المراد من الضالين الإنجليز بل هم القسوس

فالنتيجة أني حين قلت الضالين فالمراد منه المسيحيون والقسوس وليس الإنجليز. لأن معظم الإنجليز لا يقرأون الإنجيل ولو مرة واحدة طول الحياة، فالإسلام صدمة كبيرة لهؤلاء القساوسة، لأنهم يعرفون أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي لا يقدرون على أن يغلبوه.

الديانة الآرية

أما الآريون الذين في دينهم تقليد خبيث كالنيوك، فليس لهم مكانة تُذكر، إذ أمروا أن يدفعوا زوجاتهم الجميلات الشابات لمضاجعة غيرهم لنيل الأولاد، حيث يدفع الزوج مع كونه شابًّا ومتمتعًا بالصحة الجيدةزوجته العفيفة لمضاجعة غيره لينال عشرة ذكور. فالذين برميشورهم لا يقدر على خلق أي ذرة ناهيك عن خلق ذبابةأنى لهم أن يغلبوا أي دين.

فتنة المسيحية العظيمة

أما النصارى فلا يستطيعون أن يصمدوا أمام الإسلام بأي حال، لأنهم قد اتخذوا إلها ذلك الإنسان الذي كان أبوه موجودًا، وله أربعة إخوة، وأختان، وظل يتعرَّض لضربات اليهود. ومن أجل نجاتهم حسبوه قد مات ملعونًا، مع أنه ليست في العالم كله قاعدةٌ أن يشجَّ بكرٌ رأسه بحجر إذا شعر زيد بألم في رأسه، ثم يزول بذلك ألُم رأس زيد16. من الجدير بالتأمل أنه إذا ارتكب زيد ذنبًا، وصُلب مكانه بَكر فأين الإنصاف فالحقيقة أنهم يتبعون كارهين معتقدات آبائهم التي ورثوها، وإلا فقلوبهم تنفر من هذه العقيدة. أما الآن فيهبُّ نسيم التوحيد من الله، ويترك كثيرون عبودية الإنسان ويعبدون الله17.

الدجال والضالين بمعنى واحد

حين ذكرتُ الضالين فإنما المراد منهم القساوسة فقط الذين لم يضلوا بأنفسهم فحسب، بل يستنزفون الجهود في إضلال الآخرين أيضًا. وأما ما ورد في الأحاديث ذكرُ الدجال فإنما المراد منه الضالين حصرًا، لأنه إن لم تفسَّر كلمة الدجال بالضالين فلا بد من التسليم بأن الله ذكَر الضالين في القرآن الكريم بل قد علَّمَنا الدعاء لنُعصم من فتنتهم العظيمة ولكنه لم يَذكر الدجال مطلقًا، مع أنه فتنة عظيمة كان سيضل بها الملايين من البشر.

باختصار، إنما القول الحق إن الدجال والضالين اسمان لفئة واحدة وهم يُضلون الناس، ونشاطهم في هذا الزمن الأخير على أوجه، وهم يسعون لإضلال الناس باستخدام كافَّة أنواع المكر والخداع، فلما كان الدجال يعني المضل أيضًا، فلذا استخدمت هذه الكلمة في الأحاديث بدلا من الضالين.

ولورود كلمة الدجال في الأحاديث بدلا من الضالين سببٌ آخر وهو أن الله سبحانه وتعالى كان يعلم أن الناس سوف يخترعون من عندهم الدجال، وينسبون إليه أعجب الأفكار؛ منها أنه ستكون الجنة في إحدى يديه وفي الأخرى النار، وسوف يدَّعي الألوهية والنبوة أيضًا، وسيكون مكتوبًا على جبينه كافر، وسيكون له حمارٌ تكون المسافة كذا بين أذنيه، وستكون له صفاتٌ معينة. لذا يقول الله سبحانه وتعالى: إن فئة الدجال هي الضالين حصرا، الذين يتجولون لإضلال الناس بطرق مختلفة، وإعطاء الوعود الكبيرة، ويحرِّفون ويبدِّلون كتب الله ويجعلون الناس مُعْرضين عن أوامر الله تمامًا، حتى إنهم يحللون شيئا خبيثًا كالخنزير، مع أنه قد حُرِّم في التوراة بصفة خاصة. كما قد قال المسيح عليه السلام أيضًا لا تُلقوا الدرر أمام الخنازير.

ومثل ذلك قد أعدُّوا ميدانا واسعا لارتكاب الذنوب باختراع مسألة خبيثة كالكفارة، فمهما كان الإنسان قد ارتكب الكبائر من الذنوب، فهي تُغسل كلها بإيمانه بأن يسوع إله أو ابن إله، وينجو الإنسان. أخبروني الآن ألا تفهمون صراحة أن هذه الفئة المضلة نفسها التي دُعيت في الأحاديث باسم الدجال وسميت في القرآن الكريم بالضالين.

كسر الصليب وقتل الخنزير

ثم لا يغيبن عن البال أن ما ورد في البخاري بحق المسيح القادم (وهو قد جاء) بأنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير، لا يعني أنه سيصيد في البراري على شاكلة أفراد الطبقات الدنيا، ويصعد على الكنائس لكسر الصلبان، بل الحق أن الخنزير يطلق على آكل النجاسة، وليس من الضروري أن تكون تلك النجاسة للحيوانات فقط، بل نجاسة الكذب والزور أخبث النجاسة وذات رائحة كريهة جدًّا، لذا قد سمى الله الناسَ الذين يُضلون العالم بالكذب والزور بالخنازير. أما قوله صلى الله عليه وسلم يكسر الصليبفلا يعني أن المسيح عندما سيبعث سينشغل في كسر صلبان الحجر والنحاس والخشب التي تباع بقروش، بل معناه أنه سيحطِّم أساس الدين الصليبي، فانظروا الآن إن أساس دينهم لقائم على حياة المسيح حصرًا، وهم لا يعتقدونه حيًّا كمثل حياة الأنبياء الآخرين بل يؤمنون بأنه سيُبعث مرة أخرى إلى هذا العالم للحُكم في الخلق. أما المسلمون فلا نعرف من أين تسربت إليهم مسألة حياة عيسى عليه السلام؟ فمن شقاوتهم بدأوا يجارون النصارى.

باختصار، فليكن معلومًا أن أساس دين النصارى على حياة عيسى فقط، فحين ثبتت وفاة عيسى فقد مات معه دينهم أيضًا.

ذات يوم جاءني قسيس في لدهيانة، فقلت له أثناء الحديث إن وفاة عيسى أمر بسيط، فإذا آمنتم بأن عيسى قد مات فما الحرج في ذلك؟ فقال: أترى ذلك أمرًا بسيطًا؟ إنما أساس ديننا على هذا الأمر فقط18.

مثل ذلك حين ذهبتُ إلى دلهي جاءني عدد كبير من الناس مجتمعين، وقالوا إن عيسى حيٌّ وهو حصرًا سيُبعث من جديد. فقلت لهم قولوا لي ما نتيجة هذا المعتقد سوى ارتداد آلاف الناس. فلزموا الصمت. عندها قلت لهم: حسنًا قد جرَّبتم هذه الوصفة فتأكدتَ من أنها خاطئة، الآن جربوا وصفتنا أيضًا لعدة أيام، لتَروا ما هي النتائج؟19 فنهض شخص وقال: كم تواسي أنت الإسلام بصدق لا يواسيه مثلك أحد! فانشغل في هذا العمل بانتظام بكل سرور.

معتقدات المسلمين المعاصرين الخاطئة

باختصار، إن حالة المسلمين غريبة فهم متخلفون في كل ميدان، ويواجهون الفشل في كل مكان. ففي رأيهم قد مات نبيُنا صلى الله عليه وسلم أما عيسى فما زال حيًّا، وأن نبينا لم يكن معصومًا من مسّ الشيطان (والعياذ بالله) أما عيسى فكان معصومًا، وإذا كان أحد في العالم وُلد بلا أب فهو عيسى، وإذا كان أحد يخلق الطيور فعيسى، وإذا كان أحد يحيي الموتى فعيسى، وإذا كان أحد قد صعد إلى السماء ثم ينزل منها فعيسى. فقولوا لي الآن ألا تؤدي كل هذه الأمور إلى الارتداد؟ باختصار، إن حياة عيسى عليه السلام أداة للارتداد، فالذين يتنصرون فإنما بعد سماع هذه الأمور التي ذكرتُها.

شهد شاهد من أهلها

ذات يوم كان الأسقف يلقي محاضرة في لاهور ويقول إن محمدا (صلى الله عليه وسلم) المحترم قد مات، وقبره في المدينة، أما يسوع المسيح فالمسلمون أيضًا يؤمنون بأنه ما زال حيًّا في السماء وغير ذلك من المعتقدات. ثم قال: أيها المسلمون، قولوا أنتم بإنصاف هل هذه الأمور صحيحة أم لا؟ عندها تقدم أخونا مفتي محمد صادق المحترم وقال للأسقف: أخبْرني أين ورد في القرآن الكريم أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد مات وأن عيسى حيٌّ في السماوات؟ كلا، بل القرآن الكريم يصرح بموته بجلاء وتشهد الآيةُ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِيعلى أن عيسى قد توفي. فلم يستطع الأسقف أن يفعل شيئًا أو يردّ عليه سوى أن قال له فزعا: يبدو أنك مرزائي. وبعد ذلك قال الذين كانوا يسمعون الوعظ بعد الانصراف من هناك: صحيح أن المرزائيين كفار إلا أنهم اليوم صانوا عرضنا.

الأسلحة الروحانية عندنا في العصر الراهن

باختصار، من الجدير بالتذكر أن الله سبحانه وتعالى حين يهب الازدهار لأحد يزوِّده بالأسلحة أيضًا، فانظروا تقدم أوروبا في العصر الراهن، وهم الذين قد اخترعوا أنواعا جديدة من الأسلحة الغريبة أيضًا، حتى أن سلطان تركيا أيضًا حين يحتاج إلى سلاح يطلبه منهم، ومثل ذلك الأسلحة الروحانية اليوم عندنا،20 أما الذي ليس عنده سلاح فأنى له أن يغلب؟

الآن حيثما ستذهبون تقولون إن عيسى قد مات، وأن وفاته مذكورة في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، وشهد نبينا صلى الله عليه وسلم على أنه رآه ليلة المعراج بين الموتى، ثم أثبت صلى الله عليه وسلم بموته شخصيًّا أن جميع الأنبياء الذين أتوا قبله قد ماتوا. هذا وهناك العديد من الأدلة الساطعة الأخرى من هذا القبيل قد وهبها الله سبحانه وتعالى لكم، والتي بسماعها يتضايق المعارضون.

عدم فهم المسلمين لضعف الإسلام

إن المسلمين لم يشعروا في الحقيقة بضعف الإسلام. هناك شخص (يدعى عبد الحكيم) ظل ضمن مريديَّ لمدة عشرين عامًا، وظل يؤيدني من كل النواحي، ويقص رؤاه على صدقي، الآن بعد ارتداده ألَّف كتابًا سَّماه نسبةً إلي الدجال الأعور.” لكن الحق أنه لا علم له بما قد آل إليه مآل الإسلام. فالذين بخدائعهم واحتيالاتهم يرتدّ الناس عن الإسلام يوميًّا، ليسوا دجالين في نظره، ولا يذكرهم مطلقا في كتبه، أما الذي يُظهر وجه الإسلام الحي ويؤيده بآيات متجددة، وينصر الإسلام بكل طريقة ممكنة ويُفحم أعداء الإسلام بردود دامغة، فهو في نظره دجال.

التقوى ضرورية لنقاء الذهن

فليكن مفهومًا أن نقاء الذهن أيضًا يتحقق بالتقوى فقط، ولذلك قال الله تعالى: ” الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِيَن” (البقرة:1-2)، إنما يهدي هذا الكتاب أولئك الذين يتقون فقط، أما الذين لا يتحلون بالتقوى فهم عميان21.

فالذي ينظر إليه بنظرة طيبة وبخشية الله فهو يرى فيه كل شيء، أما الذي عصَب عينيه برباط العناد والتعصب فلن يرى فيه شيئا مطلقا.

لقد قُدِّر للمسيح الموعود أن يغلب الشيطان

من الجدير بالتذكر أن اسم الدجال في الحقيقة يطلق على مظهر الشيطان، أي المضل عن طريق الهدى، لكنه قد ورد في الصحف الأولى عن الزمن الأخير أنه ستندلع معارك كثيرة مع الشيطان، وأخيرا سيُغلب الشيطان. وصحيح أن كل نبي غلب الشيطانَ في عصره، إلا أن ذلك كان مجازيا جزئيا فقط، وأمّا أن يكون مغلوبا في الحقيقة فذلك كان مقدرا على يد المسيح. ولقد وعدني الله سبحانه وتعالى بالغلبة لدرجة أنْ قال تعالى بحقي: “جَاعِلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِأي سأجعل أتباعك الصادقين غالبين على غيرهم إلى يوم القيامة. باختصار، إن الشيطان في هذا العصر الأخير يستنزف جهوده في المعركة، لكن الانتصار الأخير مقدر لنا. إنكم تعرفون، وهذا في رأيكم أمر بسيط، أن عيسى عليه السلام قد مات، وقد أحرزتَ الفتح أيضا في هذا المجال من كل النواحي22.

مهمة القضاء على الشيطان مازالت قائمة

لكن القضاء على الشيطان ما زال باقيا، لأنني أرى أنه ما زالت سيطرتُه عليكم إلى حد كبير، كثيرون يبايعون هنا وعندما يصلون إلى البيوت يرسلون رسالة الارتداد، والسبب الحقيقي لذلك أن أحد المشايخ يقابلهم ويقص عليهم شتى الأقاويل ويلصق بنا أنواع التهم وبذلك يُغويهم. ولما كان جزء كبير من الشيطان ما زال فيهم، لذا يقعون سريعًا في أشراك شيطانيِّي السيرة. وبما أني قد كتبت الكثير عن صدق دعواي في كتاب حقيقة الوحي وقد قرأتموه أيضًا، لذا إن بدأتُ الحديث عنه فسوف يطول الخطاب. إذن يجب أن تحفظوا الآن مسألة موت الشيطان، لقد نجحتم في القضاء على حياة عيسى الافتراضية، لكن مهمة إماتة الشيطان ما زالت قائمة. والجدير بالتذكر أن موته لا ينحصر في التفوُّه باللسان: قد مات الشيطان، فيموت. بل يجب أن تُظهروا عمليًّا أن الشيطان قد مات، يجب أن تُظهروا موت الشيطان بالحال لا بالقال، فقد وعد الله سبحانه وتعالى أن الشيطان سيموت نهائيًا في زمن المسيح الأخير، ومع أن الشيطان يرافق كل إنسان، إلا أن شيطان نبيِّنا كان قد أسلم.

حقيقة هروب الشيطان بالحوقلة

كذلك قد وعد الله سبحانه وتعالى أنه سيقضى على الشيطان قضاء باتًّا في هذا الزمن، أنتم تعرفون أن الشيطان يهرب من الحوقلة، لكنه ليس بسيطا حتى يهرب من ترديد لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيمباللسان فقط، فلن يهرب بالحوقلة على هذا النحو حتى لو رددها أحدهم مئة مرة. فالحق أن الذين تسري الحوقلة في كل ذرة من كيانهم، والذين يستعينون بالله، ويستنصرونه سبحانه وتعالى وحده كل حين وآن، ومنه حصرا يكسبون الفيوض، هم من يُعصمون من الشيطان، وهم الذين يُفلحون.

ضرورة الدعاء وحقيقته

لكن تذكروا أن الله قد بدأ القرآن الكريم بالدعاء وختمه بالدعاء أيضًا، فمعناه أن الإنسان ضعيف جدًّا لدرجة أنْ لا يسعه التطهُّر دون فضل الله،23 وما لم ينزل النصر والعون من الله، لا يمكنه التقدم على درب الصلاح، فقد ورد في الحديث: كلهم موتى إلا من أحياه الله، وكلهم ضالون إلا من هداه الله، وكلهم عميان إلا من أبصره الله. باختصار، من الصدق تمامًا أنه ما دام الإنسان لا ينال الفيض من الله فلا يُنزع منه غلُّ حب الدنيا، وإنما يتخلص منه من يُنزل الله عليه فضله، لكن يجب التذكر أن فيض الله أيضًا يبدأ بالدعاء.

لكن لا تظنوا أن الدعاء هو الهراء باللسان فقط، كلا! بل الدعاء نوع من الموت وينال الإنسان الحياة بعده. “إن الذي يذهب للتسول يتحمل الموت، فاذهب للتسول لتموت24“.

وفي الدعاء تأثير مغناطيسي فهو يجذب إليه الفيض والفضل.

فما دعاء الإنسان عندما يردِّد باللسان: “ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰ⁠طَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَوقلبُه مشغول في إبرام صفقة ما وأنه قد بقي شيء فلاني، وكان ينبغي أن ينجز ذلك العمل على نحو كذا، وأنه إذا حصل له كذا فسوف يحدث كذا، إنما هذا تضييع العمر. ما دام الإنسان لا يقدِّم كتاب الله ولا يعمل بحسبه فقط، فإن صلواته مضْيعة للأوقات.

لوازم الدعاء ونتائجه

فقد ورد في القرآن الكريم صراحة: ” قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ” (المؤمنون:1-2) أي حين يذوب قلب الإنسان في الدعاء ويخر على عتبات الله بإخلاص وصدق حتى ينمحي ويتفانى فيه، ويسأله وحده العون والفيض بإزالة جميع الأفكار، ويتحقق له التركيز حتى تنشأ الرقة والحرقة، عندها يُفتح له باب الفلاح، ويطرأ عليه الفتور في حب الدنيا. إذ لا يجتمع الُحبَّان في مكان واحد، كما ورد:

أن يحب المرء اَلله سبحانه وتعالى وفي الوقت نفسه يحب هذه الدنيا الدنيئةَ أيضا، فهذه الفكرة خيال واستحالة وجنون“.

ولذا، فبعد قوله سبحانه وتعالى السابق قال مباشرة: ” وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(المؤمنون:3) فالمراد من اللغو هنا الدنيا، أي حين يحصل للإنسان الخشوع والخضوع في الصلاة، فهذا يؤدي إلى فتور حب الدنيا في قلبه. لكن ذلك لا يعني أنه يترك الزراعة والتجارة والوظيفة وغيرها من الأعمال، بل يبدأ الإعراض عن أعمال الدنيا التي تخدعه وتُغفله عن الله25 وإن بكاء هؤلاء وضراعتهم، وابتهالهم، وتواضُعهم لله سبحانه وتعالى يمكِّنهم من إيثار حب الدين على حب الدنيا والجشع والحرص والبحبوحة والرفاهية. لأن من القاعدة أن عملا صالحا يجذب عملا صالحا آخر، كما أن الفعل السيئ يرغِّب في عمل سيئ آخر. فعندما يتضرع هؤلاء ويخشعون في صلواتهم فهذا يؤدي بالضرورة إلى إعراضهم الطبعي عن اللغو، ويتخلصون من هذه الدنيا القذرة، ويفتر فيهم حبُّ الدنيا وينشأ فيهم حب الله. الأمر الذي يؤدي إلى: “هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَأي هم ينفقون في سبيل الله وهو نتيجة طبيعية للإعراض عن اللغو، لأنه حين يفتر حب الدنيا26 فهذا يؤدي حتمًا إلى أن ينفقوا في سبيل الله، فهم لا يترددون في الإنفاق في سبيل الله حتى لو كانت عندهم كنوز قارون. آلاف الناس لا يدفعون الزكاة، ومع أن كثيرا من بني قومهم يهلكون بالفقر والإفلاس لكنهم لا يبالون بهم، مع أن الله قد أمر بدفع الزكاة على كل شيء، حتى على الحليِّ، غير أنها ليست واجبة على المقتنيات كالجواهر وغيرها. فالأغنياء والأثرياء وأصحاب الأموال الطائلة مأمورون بأن يدفعوا الزكاة على أموالهم بحسب النصاب، لكنهم لا يؤتونها. ولذا يقول الله: إن حالة عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَستنشأ فيهم عندما سيدفعون الزكاة أيضًا. فكأن دفع الزكاة هو نتيجة للإعراض عن اللغو27.

ثم قال تعالى: ” وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَأي عندما يخشع المؤمنون في صلاتهم، ويُعرضون عن اللغو، ويؤتون الزكاة، فهذا سيؤدي بالضرورة إلى حفظهم لفروجهم. فالإنسان حين يؤثر الدين على الدنيا وينفق ماله في سبيل الله، فأنى له أن يغصب مال غيره بغير حق، ومتى يريد أن يغصب حق غيره؟28 فحين لا يتردد في إنفاق شيء عزيز كالمال في سبيل الله، فمتى سوف يستخدم العين والأنف والأذن واللسان وغيرها في غير محلها. فمن القاعدة أن الإنسان يكون حريصًا جدًّا على إحراز الحسنات من الدرجة العليا، فتصدر منه الحسنات من الدرجة الدنيا تلقائيًا. فحين يدعو الله بخشوع وضراعة سوف يُعرض بذلك عن اللغو أيضًا، وحين يُعرض عن اللغو يتشجع على دفع الزكاة، ثم حين يكون حذرًا لهذه الدرجة في المال فسوف يجتنب غصب حقوق غيره بدرجة أولى. ولذا قال سبحانه وتعالى بعدها: “وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰ⁠عُونَ

لأن الذي لا يمد يده إلى حق غيره، ويؤدي الحقوق الواجبة عليه يجب عليه أن يراعي عهوده، ويجتنب الخيانة في أمانات غيره، ولذا قال سبحانه وتعالى كنتيجة أنه حين يتصف هؤلاء بهذه الصفات فمن المحتم أنهم سيراعون عهودهم أيضًا.

أهمية الصلاة وحقيقتها

ثم بعد كل هذه الأمور قال: “وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَ ٰ⁠تِهِمۡ یُحَافِظُونَأي مثل هؤلاء الناس يحافظون على صلواتهم ولا يفوِّتون أي صلاة، وإن الغاية المنشودة من خلْق الإنسان أيضًا تنحصر في أن يتعلم حقيقة الصلاة،كما قال :سبحانه وتعالى وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ” (الذاريات:56)

باختصار، يجب التذكُّر أن المصاعب تهون بالصلاة فقط، وبها تنفرج الكُرَب كلها، إلا أن الصلاة لا تعني تلك التي يؤديها عامة الناس تقليدًا، بل المراد منها تلك الصلاة التي يذوب بها قلب الإنسان، وبالخرور على أعتاب الله ينمحي حتى يبدأ يذوب. وليكن معلوما أيضا أن المحافظة على الصلاة ليست لأن الله يحتاج إليها، كلا بل ليس لله سبحانه وتعالى حاجة إلى صلواتنا، فهو غني عن العالمين فليس له حاجة إلى أحد، بل يعني أن الإنسان محتاج إليها، ومن السر أن الإنسان يريد خيره، ولذلك يستعين بالله. لأن من الصدق أن الإنسان إذا أنشأ العلاقة بالله سبحانه وتعالى فقد فاز بالخير الحقيقي، فلو صار العالم كله عدوًّا لمثل هذا الإنسان وعزم على هلاكه فلا يستطيع أن يضره أيما ضرر، ومن أجل هذا الإنسان إذا لم يجد الله سبحانه وتعالى بدًّا من إهلاك الملايين من الناس فهو يُهلكهم، ومن أجل هذا الواحد يُفني الملايين.

الصلاة الحقيقة

تذكَّروا أن الصلاة أمر تتحسن به الدنيا والدين أيضًا، لكن الصلاة التي يؤديها معظم الناس تلعنهم،29كما قال الله سبحانه وتعالى: ” فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ” (الماعون:4-5)، أي اللعنة على المصلين الذين هم غافلون عن حقيقة الصلاة.

فالصلاة شيء إذا أقامها الإنسان فسوف يُحفظ من كل أنواع السيئة والفاحشة، لكن الإنسان كما قلت سابقا لا يستطيع أن يقيم هذه الصلاة بقوة ساعده، وهي لا تتأتى دون نصرة الله والاستعانة به، ولا ينشأ هذا الخشوع والضراعة ما لم يداوم المرء على الدعاء، لذا يجب أن لا يخلو نهارُكم وليلُكم بل أي ساعة من الدعاء.

الأيام القاسية جدا قادمة

تذكَّروا أن الأيام الشديدة قادمة حيث سوف يواجه العالم فيها الشدائد والمصائب الخطرة جدًّا، لقد أنبأني الله سبحانه وتعالى أن الأوبئة الشديدة وأنواع الآفات الأرضية والسماوية تكاد تظهر، وقد أخبرني عن زلزال عنيف أيضًا يكون نموذج القيامة، والتي قال الله بحقها بَغۡتَةࣰ، أي سوف يحدث ذلك الزلزال فجأة، ومثل ذلك قد أنبأني الله عن أمور مخيفة كثيرة، فلو اطَّلعتم على ما أرى لقضيتم الليالي والأيام كلَّها باكين لله.

فانظروا؛ قد حدثت ثلاثة زلازل في هذا الشهر الواحد فقط، وكلها كمقدمة30.

في زمن موسى عليه السلام ظلت تظهر عذابات الجراد والقمل والضفادع واعتبرها المعارضون نوعًا من الشعوذة،31 وكان سبب ذلك أن أولئك الأشقياء لم يكونوا يعرفون أنه ستظهر يومًا معجزة يُضطرون بعد رؤيتها للقول: ” آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ” (يونس:90) أيضًا.

انظروا إلى المنذرات البدائية بعبرة

إذن تذكَّروا أنه إذا رأيتم المنذرات الابتدائية بنظرة العبرة، وانشغلتم في الاستغفار والحوقلة والأعمال الحسنة الأخرى خشيةً لله، فهو خير لكم. أما الذي لا يبالي فعندما سيأتي الأجل في نهاية المطاف لن يفيده البكاء وسيضطر أخيرا لرؤية وجه الهلاك بمنتهى الذلة وخيبة الأمل، ثم يُضطر لترك الدنياالتي كان قد أعرض عن الدين من أجلهاأيضًا بحسرة كبيرة.

فانظروا أن الطاعون قادم. تقول الدنيا: قد اختفى وانتهت دورتُه لكن الله يقول إنه سيتفشَّى عن قريب بشدة أكثر من ذي قبل. ثم قال سبحانه وتعالى: سيتفشَّى وباء شديد لا نستطيع أن نسمِّيه.

التوبة قد أجمع عليها مائة وأربعة وعشرون ألف نبي

لكنني بعد كل هذا وذلك أقول لكم إن رحمة الله أوسع من المحيطات، فإذا كان سبحانه وتعالى شديد العقاب فهو غفور رحيم أيضًا، فالذي ينشغل في التوبة والاستغفار والحوقلة ويؤْثر الدين على الدنيا فسوف يُعصم حتمًا. لقد أجمع مائة وأربعة وعشرون ألف نبي على أن الذين يخافون قبل العذاب ويذكرون الله فهم يُعصَمون حتمًا عند نزول العذاب فجأة، أما الذين يبكون ويتضرعون وقت العذاب ويتضرعون ويبتهلون ويتوبون حين يكون كل قلب شديد أيضًا يخشى ويرتجف فهم ملحدون ولن يُعصَموا.

الأيام القادمة الشديدة

لا أعرف كم منكم يؤمنون بصدق القلب بالأمور التي أتكلم عنها، لكنني مع ذلك أقول مكررًا إن الأيام المقبلة شديدة جدًا، لقد أثارت المعتقدات والأعمال السيئة للناس غضبَ الله. لقد أنبأ جميع الأنبياء عن هذا الزمن سلفًا أن الطاعون سوف يحدث في ذلك الزمن وستَكثر الأموات.

ثم ورد في الأحاديث أنه حيثما يصل نظر مسيح الله سيَهلك الكفار ويَبيدون،32 فهذا حق تمامًا، إلا أنه لا يعني أن كل من سيقع عليه نظر المسيح سيهلك، وإنما المراد من ذلك أن الذين يكونون هدفًا لنظراته سوف يهلكون ويبيدون. أما الآن فالعالم كله هدف. لقد قال الله سبحانه وتعالى: ” وَمَا خَلَقْتُ الِْجنَّ وَالِْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات:56)، فقد خلق جميع الجن والإنس ليتقدموا في معرفة الله، ويستجيبوا لأوامر الله ورسوله.

الإنهماك في المشاغل المادية

لكن الآن انظروا كم من الناس يعيشون متدينين ويؤثرون الدين على الدنيا، يمكن أن تجرِّبوا بأنفسكم واقفين في مفرق إحدى المدن الكبيرة مثل كلكوتا ودلهي وبيشاور ولاهور وأمرتسر فترون الألوف ومئات الألوف من الناس يتجولون من هنا إلى هناك، لكن نشاطهم هذا كله يكون من أجل الدنيا فقط، فستجدون قليلين جدًّا ينشغلون في أمور الدين بنشاط. كثيرون يواجهون المصائب الكبيرة من أجل الدنيا لكنهم للدين ضعفاء جدًّا، إذ لا يتورعون عند تعرضهم لأدنى ابتلاء عن أكل النجاسة مثل الكذب، وكم من حيَل يوظفونها لتحقيق أمانيهم النفسانية، وكأنه ليس هناك إلهٌ.

بقدر ما يتخبط الإنسان لإرضاء زوجته وسدِّ حاجاتها وتحقيق رغباتها، إذا بذل مثل هذه الجهود في سبيل الله أفلن يرضى عنه سبحانه وتعالى؟ كلا بل من المؤكد أنه سيرضى، فليجرب ذلك أحدٌ. من المعلوم أن الإنسان الذي لا ينجب يتحمل أشد المعاناة، وكم من التدابير والمساعي يبذلها للحصول على الذرية، وكم يتخبط في مواضع كثيرة، وكأن الله غير موجود في نظره.

باختصار، يجب أن يُتذكَّر أن الإنسان حين يتغافل عن الغاية المنشودة من حياته، فهو يهيم في هذه الأعمال والمشاغل والتصرفات. على الإنسان أن ينشئ العلاقة بربه بأسرع ما يمكن. فهو لا قيمة له ما لم ينشئ العلاقة به سبحانه وتعالى، فقد ورد في حديث أن الإنسان إذا ذهب إلى الله ببطء توجَّه الله إليه بسرعة، وإذا ذهب الإنسان إليه بسرعة وتقدم في سبيله توجَّه الله إليه هرولةً. ولكن إذا استغنى المرء عن الله ومال إلى الغفلة والكسل فتظهر له النتيجة بحسب ذلك.

المراد من ذي القونين هو المسيح الموعود

كنت أقرأ يومًا سورة الكهف التي يقال لها ذو القرنين أيضا33 فحين قرأت هذه القصة بإمعان أدركت أنه قد ورد فيها بيان أحوال هذا العصر بعينها؛ كما ورد أنه حين سافر ذو القرنين بلغ مكانا وجد فيه الشمس تغرب في عين حمئة، وكان سفره هذا إلى الغرب، وبعد ذلك وصل إلى أناس يتعرضون للشمس ولا ظِلَّ يقيهم، ثم وجد قومًا آخرين طلبوا منه النجدة ضد يأجوج ومأجوج بعد بيان أحوالهم. فهذا ما بيَّنه الله مثالا. إلا أن اسم ذو القرنينيُطلَق على من عاصر قرنين أيضًا، وقد عاصرتُ أنا قرنين بحيث لا يبقى أي اعتراض، فقد حظيت بقرنين من كل تقويم، ويمكن أن تتأكدوا من ذلك بالحساب. فالقصص الواردة في القرآن الكريم ليست مجرد قصص وأساطير، بل هي نبوءات عظيمة، والذي يعدُّها قصصا فقط فليس بمسلم. فمن هذا المنطلق لن تجدوا بدًّا من التسليم بكوني أنا أيضًا ذا القرنين، وقال أحد أئمة الدين أيضًا بأن المراد من ذي القرنين هو المسيح. ففي هذه القصة ذكر الله قومين أحدهما غربي والثاني شرقي، فالمراد من القوم الغربي أناس قد أُعطُوا ماءً مصفًّى للإنجيل والصحف الأخرى لكنهم أضاعوا ذلك التعليم المنير، وأبقَوا عندهم وحلا ووسخًا فقط، أما المراد من القوم الشرقي فهم المسلمون الذين لم يستظلوا بظل الإمام34 وتلفحهم أشعة الشمس، أما جماعتي فسعيدةٌ جدًّا؛35 عليهم أن يشكروا الله سبحانه وتعالى كثيرا على أنه هداهم بفضله. لكن هذه الحالة ما زالت بدائية.

النصائح المهمة لجماعة الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام

أعرف جيدًا أنه ما زال فيكم ضعف كثير، لذا يجب أن تفهموا أن الله سبحانه وتعالى قد قال في القرآن الكريم: “قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” (الشمس:9-10) أي قد نجا من زكّى نفسه، وخسر وخاب من لم يتمكن من ذلك، لذا يجب أن تفهموا وتستوعبوا ما هي تزكية النفس.

حقيقة تزكية النفس

إذن تذكَّروا أنه يجب أن يبقى المسلم مستعدًّا كل حين وآن لتأدية حقوق الله وحقوق العباد بكل نشاط، فكما يعلن بلسانه أن الله لا شريك له في الذات ولا في الصفات، يجب أن يُظهر ذلك عمليًا، ويواسي خلقه ويتعاطف معهم، وألا يكنّ في نفسه أي نوع من الحسد والبغض والحقد لإخوته. ويجب أن يمتنع نهائيًا عن اغتياب الآخرين. لكنني أرى أن المرحلة التي تتفانون فيها في الله لدرجة أنْ تكونوا له وحده وتظهرون له ذلك عمليًّا أيضًا كما تُقرون بألسنتكملبعيدة جدًّا. فحتى الآن لا تؤدون حقوق الخلق أيضًا كما يجب، كثيرون يكنّون الفساد والعداء فيما بينهم وينظرون باحتقار إلى من هم أضعف منهم، ويسيئون المعاملة معهم، ويغتابون بعضُهم بعضًا، ويكنّون في قلوبهم البغض والحقد، لكن الله سبحانه وتعالى يقول: كونوا فيما بينكم كوجود واحد.

( المصدر: جريدة الحَكَم؛ مجلد 12، عدد 3، ص .5-2 بتاريخ 1908/1/10م)

وعندما ستكونون كيانًا واحدًا عندها يمكن أن نقول إنكم زكَّيتم أنفسكم، لأنه ما لم تكن معاملتكم فيما بينكم نظيفةً لا يمكن أن تكون معاملتكم مع الله أيضًا نظيفة36. وصحيح أن أكبر حق من هذين الحقين حقُّ الله، إلا أن المعاملة الحسنة مع مخلوقه كمرآة. فالذي لا ينقّي معاملته مع إخوته لا يمكن أن يؤدي حقوق الله أيضًا.

تذكَّروا أن كون المرء طيب المعشر مع إخوته ليس أمرا سهلا هينا، بل هو صعب للغاية. فالتلاقي بالنفاق أمر، ومقابلة الإخوة بحب صادق ومواساتهم أمرٌ آخر تمامًا. تذكَّروا أنه إذا لم تتحلَّ هذه الجماعة بمواساة صادقة، فسوف تهلك، وسوف يخلق الله جماعة أخرى مكانها37.

يريد الله سبحانه وتعالى أن يصبغ هذه الجماعة بصبغة الصحابة

كان كل فرد من الجماعة التي أعدَّها نبيُنا الكريم صلى الله عليه وسلم زكيَّ النفس، مضحيًا بنفسه من أجل الدين، ولم يكن أحد منهم يعيش حياة النفاق. كانوا كلُّهم يؤدُّون حقوق الله وحقوق العباد، تذكروا أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يسيِّر هذه الجماعةَ أيضًا على أسوتهم، ويصبِّغهم بصبغة الصحابة، فالذي يعيش بالنفاق فسوف يُقطع أخيًرا عن هذه الجماعة. تذكروا أن عدم اجتماع الخبيث والطيب لوعدٌ من الله، فما زالت الفرصة سانحة لكل واحد أن يصلح نفسه، تذكروا أن مَثل قلب الإنسان كمثل بيت الله، فلا يمكن أن يكون بيت الإنسان وبيت الله في مكان واحد. فما لم يطهِّر الإنسان قلبه تمامًا38 ولم يستعدّ لتحمُّل الألم من أجل أخيه، فلا تكون معاملته مع الله أيضًا نقية، وإنما أقول هذه الأمور كلها لكم لأنكم أتيتم إلى قاديان، وحذارِ أن تعودوا من هنا خاوي الوفاض.

حقيقة التوبة

لا ضمان للحياة، ولا نعرف من منكم سيعيش إلى السنة القادمة ومن سيموت، لذا يجب أن تتوبوا بصدق القلب، فقد قال الله :سبحانه وتعالى یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ تُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةࣰ نَّصُوحًا” (التحريم:8) إذا أراد الإنسان التوبة فعليه أن يتوب توبة خالصة، فالتوبة في الحقيقة الرجوع. ومجرد ترديد الكلمات يصبح عادةً، فلذا لم يقل الله سبحانه وتعالى ردِّدوا كلمة التوبة بألسنتكم فقط، بل قال يجب أن تعودوا إلى الله حق العودة، لأن الإنسان حين يأتي إلى جهة معينة من الجهات المتناقضة تاركًا الأخرى، فهو يبتعد عنها ويقترب إلى المكان الذي يتوجه إليه. فهذا هو معنى التوبة، أن الإنسان حين يعود إلى الله ويسير إليه يوميًا فتكون النتيجة الأخيرة أنه يبتعد عن الشيطان، ويقترب من الله. فمن القاعدة أن الإنسان يسمع من قرُبَ منه، لذا فالإنسان الذي يبتعد عن الشيطان عمليًا ويقترب إلى الله، تنزل عليه فيوض الله وبركاته وتُغسل أوساخه المادية السفلية. فقد قال الله سبحانه وتعالى بعد قوله السابق: “عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْفميزة التوبة أنها تغسل الذنوب السابقة، كما قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: ” إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰ⁠بِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ” (البقرة:222).

التوَّاب والمتطهر

من هنا يتبين أن هناك توابين وهناك متطهِّرين أيضًا، فالتواب من يعود كليا إلى الله. أما المتطهر فيستمر في المجاهدات والرياضات، وتكون في قلبه لهفة وأمنية عارمة في أن يتطهر من الشوائب، ويقهر ثوائرَ النفس الأمَّارة بأي طريقة، ويصبح زكيَّ النفس.

أقسام النفس

فليكن معلومًا أن ثلاثة أنواع للنفس ذكُرت في القرآن الكريم، النفس الأمارة، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة.

فالنفس الأمارة لا تريد سوى السيئة كما قال سبحانه وتعالى: “إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوۤءِ” (يوسف:53)، أي تتميز النفس الأمارة بإمالة المرء إلى السيئة، وتريد أن تسيِّره على السبل الخبيثة المكروهة. فجميع اللصوص وقطاع الطرق في العالم يتبعون هذه النفس الأمارة، فالإنسان الذي يتبع النفس الأمارة يعمل كل نوع من الأعمال، فقد رأيت شخصًا كان قد قتل ولدًا من أجل اثني عشر قرشا فقط، فلله در القائل:

 الإنسان جامع الصفات، إذ يمكن أن يصبح مسيحا ويمكن أن يكون حمارا.

باختصار، إن الذي يتبع النفس الأمارة يرى كل سيئة كحليب الأم، فلا تغادره السيئاتُ ما دام في هذه الحالة.

والقسم الثاني للنفس هي النفس اللوامة، كما قال الله في القرآن الكريم: “وَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ” (القيامة: 2) أي أقسم بالنفس التي تلوم صاحبها على ارتكاب السيئات وعلى صدور كل أنواع الظلم، فهذا الإنسان يتنبه فورًا عند صدور أي سيئة ويلوم نفسه عليها، ولذلك سُميت باللوامة. فالذي يتبع هذه النفس لا يكون قادرًا على إحراز الحسنات كاملة إذ تغلبه أحيانًا الثوائر الطبيعية، لكنه يريد أن ينسلخ من هذه الحالة ويندم على ضعفه.

والنوع الثالث للنفس هي النفس المطمئنة، كما قال الله :سبحانه وتعالى يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي” (الفجر:27-30). باختصار، في هذه الحالة ينال الإنسان الطمأنينة الكاملة من الله، ولا يبقى عنده أي اضطراب وينشئ بالله سبحانه وتعالى علاقة قوية إذ لا يستطيع العيش بدونه. فصاحب النفس اللوامة ما زال في خطر كبير إذ يُخشى أن يتقهقر وتصبح نفسه أمارة من جديد، أما النفس المطمئنة فمرتبة يتخلص المرء فيها من جميع أنواع الضعف، ويمتلئ قوًى روحانية.

باختصار، يجب أن تتذكروا أن الإنسان يكون في خطر ما لم يحرز هذه الدرجة، لذا يجب على المرء أن يداوم على الرياضات والمجاهدات ما لم يرتقِ إلى هذه الدرجة.

جذام الروح

من الجدير بالتفكر أنه إذا ظهرت بقعةٌ من الجذام على جسم الإنسان فكم من الشكوك الكثيرة تساوره، وكم تخطر بباله العواقبُ المخيفة، وكم يصيبه الهم والغم عندما يفكر في مستقبله. فأحيانًا يفكر أن الناس سيكرهونه ويسيئون إليه، وأحيانًا يفكر أنه سيعيش حالا تعيسا يرثى لها ويتعرض لأنواع الأحزان. لكن من المؤسف أن الناس لا يفكرون في الموت والحساب على الأعمال، فكيف يكون حالهم عندئذ. ولا يتخلص الإنسان من هذا الجذام المادي إلا بعد الموت، أما الجذام الذي يصيب الروحَ فيبقى للأبد. فهل أحد فكَّر في ذلك أيضًا؟!

جنتان

اعلموا أن الذين يتقدمون إلى الله بصدق وإخلاص لا يضيَّعون أبدًا، بل توهب لهم نِعم كلا العالمين، كما قال الله سبحانه وتعالى: ” وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ” (الرحمن:46)، وذلك لئلا يخطر ببال أحد أن الذين يأتونني يخسرون الدنيا. كلا بل لهم جنتان؛ فجنة في هذه الحياة الدنيا، وجنة في الآخرة. انظروا كم من الأنبياء خلوا، هل واجه أحدهم الذلة والخزي في هذه الدنيا؟ كلا بل رحل كل واحد منهم مفلحًا ومظفَّرا ومنصورًا، فقد دمَّر الله أعداءهم وأجلسهم على أسرة العزة والجلال، لكنهم لو طلبوا الدنيا وانهمكوا فيها لوجدوا عملا مقابل اثنتي عشرة روبية شهريًا على أكثر تقدير. لأنهم كانوا يقولون قولا سديدا وكانوا بسطاء. فحين تركوا هذه الدنيا لله، جُعل عالَمٌ تابعا لهم.

تدبروا لتعرفوا حين ترك هؤلاء هذه الدنيا لله سبحانه وتعالى فهل واجهوا خسارة؟ انظروا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كان عائدا من الشام وقابله شخص في الطريق فسأله حضرته عن أي جديد في البلد فقال له ليس هناك أي جديد غير أن صديقك محمدًا (صلى الله عليه وسلم) قد ادَّعى النبوة، فقال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا كان قد ادَّعى النبوة فهو صادق، إذ من المستحيل أن يكذب. ثم توجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وخاطبه قائلا: اشهدْ بأني أول المؤمنين بك. فانظروا أنه لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم معجزة وإنما آمن به بناء على معرفته السابقة به.

تذكَّروا إنما يطلب المعجزات من لا تكون له معرفةٌ. أما الذي يكون صديق الصبا فإنما الأوضاع السابقة تكون له معجزة، فقد واجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه مشاكل جمة بعد ذلك، وتعرَّض لأشد الأذى والاضطهاد، وصحيح أنه قد أوذي واضطُهد أكثر من غيره، لكنه أيضا أول من أُجلس على عرش النبوة39. فأين أعمال التجارة حيث كان طول اليوم يتجول في الطرق والشوارعمن هذه الدرجة حيث انتُخب أول خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم.

لا تسيئوا الظن بالله سبحانه وتعالى

على الإنسان أن يجتنب إساءة الظن بالله لأن عاقبته الهلاك في نهاية المطاف كما قال سبحانه وتعالى وَذَ ٰ⁠لِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِی ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ” (فصلت:23)، لذا فاعلموا أن سوء الظن بالله تعالى هو في الحقيقة بذر الإلحاد، ويؤدي في النهاية إلى الهلاك، فكلما بعث الله أحدًا رسولا منه هلك كل من عارضه.

إن معارضي المبعوث من الله يبطش بهم أخيرا

تذكروا أنه حين يبعث أي رسول من الله فإن الإعراض عنه في الحقيقة هو الإعراض عن الله. انظروا أن موظفا حكوميا عاديا جدًّا –راتبه خمس روبيات شهرياإذا وصل إلى المزارعين برسالة حكومية، وضايَقه المزارعون ظنا منهم بأنه موظف عادي لا يأخذ راتبا أكثر من خمس روبيات شهريا وضربوه وأهانوه وأساؤوا إليه بدلا من تنفيذ أمره، فقولوا لي أفلن تعاقبهم الحكومة؟ كلا ومن المحتم أنها ستعاقبهم، ذلك لأن الإساءة إلى موظف حكومي وإهانتَه هي في الحقيقة إساءة إلى الحكومة نفسها وإهانتُها. كذلك فالذي يعارض المبعوث من الله فهو لا يعارضه وإنما يعارض الله سبحانه وتعالى في الحقيقة40.

تذكَّروا أن الله يمهل في إنزال العقاب، لكن الذين لا يكفُّون عن فتنهم وشرورهم ويؤذون رسول الله ويضايقونه بدلا من أن يخضعوا أمام الله معترفين بذنوبهم، فهم في نهاية المطاف يؤاخَذون حتمًا. الأيام الحساسة جدًّا تقترب، لذا يجب عليكم أن تتوبوا إلى الله توبة نصوحا، وادعوه ليلَ نهار باستمرار ضراعة وابتهالا. وفَّقكم الله، والآن تعالوا شاركوني في الدعاء.

ثم رفع حضرته عليه السلام يديه للدعاء مع السامعين ودَعَوا الله سبحانه وتعالى بمنتهى الإخلاص: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ” (آل عمران:193-194).

( المصدر: جريدة الحَكَم؛ مجلد 12، عدد 4، ص .3-2 بتاريخ 1908/1/14، وجردة بدر؛ مجلد 7، عدد 1، ص 13-2 بتاريخ 1908/1/9م)

1وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: فتأمَّلوا أنتم بأنفسكم هل في وسْع أي إنسان أن يقهر وحده جميع المصاعب التي تعترضه؟ نحن لا نُكره أحدًا على أن يقبل، بل يجب على كل واحد أن يفهم بالتدبر هل ما نقوله صدق أم لا. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 4 بتاريخ 1908/1/9م)

2وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إن هؤلاء استنزفوا الجهود فلو لم يكن الله معنا لمُزِّقنا، ومعلوم أن شهادة ثلاثة أو أربعة تكفي لاستصدار الحكم بالإعدام، لكن هؤلاء قدموا ثمانية شهود. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة .5 بتاريخ 1908/1/9م)

3وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: هؤلاء ساهون وواقعون في الكفر، فالحق أن ذلك فضل الله فقط، فهناك نعمٌ كثيرة لا دخل فيها للأعمال، وأخرى للأعمال دخل بها؛ فمثلا العابدون والزاهدون يتعبدون، ويثابون على ذلك. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 5 بتاريخ (1908/1/9

4وردت الصيغة في جريدة بدر: لا يدرك الجهلة أنه إذا كان قد ورد في القرآن الكريم: “ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ” (طه:5) فقد ورد فيه أيضًا ما معناه أنه ما من ثلاثة إلا هو ر ابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم وقال أيضا إني معكم أينما كنتم. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 5 بتاريخ 1908/1/9م)

5من هنا يتبين أن كُتّاب المذكرة لم يكونوا يكتبون كلام الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام بنصِّه، بل كانوا يكتبون المدلول بحسب فهمهم، فما كتبه محرر بدريتفق مع آية القرآن الكريم، أما محرر الحكمفيبدو أنه ذكر أربعة بعد الثلاثة بحسب فهمه، وإلا من المرجح أن المسيح الموعود عليه السلام قال ما ورد في بدر. لأنه يوافق الآية القرآنية. (جلال الدين شمس)

6وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: حتى في دار الكفر والشرك قلما نجد أماكن تخلو من بضعة قبور الأجلة الذين سُُّموا أولياء الله. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 6 بتاريخ 1908/1/9م)

7وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: فحين يقول الإنسان لأحد: إني راضي عنك فمعناه أني قد غفرت لك الذنب أيضًا. لا أن يكون راضيًا دون أن يغفر الذنوب. (بدر مجلد 7، عدد 1، صفحة 6، بتاريخ 1908/1/9م)

8وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: بعض الناس في العالم ينكرون الخالقية، وبعضهم ينكرون الرحمانية، وبعضهم الرحيميةَ، وبعضهم ينكرون كونه سبحانه وتعالى مالك يوم الدين. فمثل هذا الافتراق يوجد في جميع الأديان، لكن الإسلام وحده دين قد حاز جميع الصفات. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 6 بتاريخ 1908/1/9م)

9وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: يجب التأمل أخيًرا أن الصلاة نفسها قد أصبح الناس بالدوام عليها أقطابا وأغواثا، أما أنتم فما زلتم واقعين تحت الثرى، فما الأمر؟ (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 7 بتاريخ

1908/1/9م)

10وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: فهو يُنزل على عباده الخواص فضلَه بحيث يجعل السماء والأرض تابعتين لهم. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 7 بتاريخ 1908/1/9م)

11وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إن غضب الله ورحمته يختلفان كسَمعه وبصره، يجدر بالمؤمن أن يؤمن بذلك إجمالا، ويفوِّض الحقيقة إلى الله. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة .7 بتاريخ 1904/1/9م)

12وردت الزيادة التالية في جريدة بدر : لقد قرأت في فتاوى كفرهم قولَهم: إن كفري أشد من كفر اليهود والنصارى. فمن الغريب أن الذين ينطقون بالشهادتين ويستقبلون القبلة في الصلاة، ويذكرون اسم النبي صلى الله عليه وسلم بتعظيم ويفدونه بالروح والدم، هل هم أسوأ من الذين يسبُّون النبي صلى الله عليه وسلمكل حين وآن؟ (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 7 بتاريخ 1908/1/9م)

13وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: سألتُ أحد اليهود عن دينه فقال إن معتقَدنا في الله هو نفس ما ورد في القرآن، فلم نتخذ أحدًا إلى يومنا هذا إلها، فهم من هذه الناحية أفضل من الضالين. لكنهم يفوقون الضالين في الفتن والشرور، فلما عوقبوا في الدنيا فقد ذكُروا أولا. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة .7 بتاريخ 1908/1/9م)

14وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: كان هناك إنجليزي آخر كانت قضيتُنا مرفوعة في محكمته، وكان الخصْم قسًّا بريطانيا وكان معه قرابة عشرة شهود، وأنتم تعرفون أن بيد الحكام كل شيء، وكان هناك احتمال تعصب قومي أيضًا، لكنني سمعت أنه قال صراحة: لن تصدر مني وقاحة بأن أعاقب بريئا، ثم ناداني وقال هنيئا لكم. فلو لم يكن هؤلاء متصفين بهذه الصفات النبيلة لما حكَمونا. فلما كانت حالة المسلمين تردَّت بحيث يتقاتلون فيما بينهم كما يتقاتل الكلاب عندما يرمى إليها العظْم، ولم يبق فيهم أثرٌ للمواساة والأخوة، أخذ الله منهم السلطنة بحكمته البالغة. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 8 بتاريخ 1908/1/9م)

15وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: فرفع الأذان بصوت قوي، ولم يُسمع الأذان في تلك المنطقة قط في أربعين سنة ماضية. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 8 بتاريخ 1908/1/9م)

16وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إنني أقول بكل تحديّ إن ابن مسلم لا يمكن أن يقبل هذا اللغو. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 8 بتاريخ 1908/1/9م)

17وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إن أولي الفهم من بريطانيا يتخلون من تلقاء أنفسهم عن هذا المعتقد، فقد جاء الزمن المبارك، ونسيم التوحيد يهبُّ، فسوف يعرف العالم كلُّه عن قريب أنكل ما سوى الإسلام ضلالٌ في كل مكان. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 8 بتاريخ 1908/1/9م)

18وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: قال: إن لم نعتقد بحياة عيسى عليه السلام فسوف يُسلم الجميع دفعة واحدة، إنما هذا الأمر روح ديننا، وإذا خرجتْ فسوف نموت. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 9 بتاريخ 1908/1/9م)

19وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: فالآن جرِّبوا وصفتنا أيضًا، هل في التسليم بموت المسيح تكمن حياةُ الإسلام وموتُ الدين الصليبي أم لا؟ (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 9 بتاريخ 1908/1/9م)

20وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: لقد رزقنا الله الأسلحة الروحانية وهو فضل خاص من الله، فالأمة التي ليس معها سلاح من المؤكد أنها هالكة، ولا يغيبِ عن البال أن المراد من السلاح القوى الروحانية والبراهين الساطعة، فلا حاجة للأمتعة المادية بخصوص الدين. فانظروا إن لم يكن لدينا سلاح وفاة المسيح لما كان لكم أن تتكلموا أمامهم. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 9، بتاريخ 1908/1/9م)

21وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: كما أن الأعمى لا يقدر على الانتفاع من الشمس شيئا كذلك الذي لا يتقي لن يجد نصيبا من نور القرآن. فالذي ينظر بتعصب ويسيء الظن في كل أمر فلن يقبل أبدا حتى لو نزل ملك ناهيك عن بشر. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 9 بتاريخ 1908/1/9م)

22وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إنما بعثت في الحقيقة لأمرين أحدهما إثبات وفاة نبي، والثاني القضاء على الشيطان. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 9 بتاريخ 1908/1/9م)

23وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: لا تُزكُّوا أنفسكم، لأنه لا أحد طاهر ما لم يطهِّره الله. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 10 بتاريخ 1908/1/9م)

24ترجمة بيت بنجابي. (المترجم)

25وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: قال سبحانه وتعالى: “رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ” (النور:37) أي لنا عباد لا ينسوننا لحظة، حتى في أعمال التجارة الهائلة أيضًا. فصاحب العلاقة بالله تعالى لا يسمَّى ماديًّا، بل المادي هو من لا يذكر الله. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة .10 بتاريخ 1908/1/9م)

26وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إن حب الدنيا يجعل الإنسان بخيلا، فنسيان الآخرة والولع بالدنيا ممنوع جدًّا. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة .10 بتاريخ 1908/1/9م)

27وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إرادة دفع الزكاة هذه تترتب على الإعراض عن اللغو، لذا قلِّلوا حب الدنيا بل لا تحبوها أصلا، لكي تكسبوا القوة لدفع الزكاة، فتفلحوا. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة .10 بتاريخ 1908/1/9م)

28وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إن أكبر حق أن لا ينظر المرء إلى زوجة غيره بسوء. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة .10 بتاريخ 1908/1/9م)

29وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: قد ورد في حديث أن كثيرين من قرّاء القرآن الكريم يلعنهم القرآن. ومعنى ذلك أن الإنسان ما لم يعمل ولم يتيسر له الخشوع القلبي فمثلُ تلك العبادة كمثل ثعبان يتراءى جميلا وجذابا في ظاهر الأمر لكنه في الباطن ممتلئ بالسم المهلك. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 11 بتاريخ 1908/1/9م)

30وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: إن أمور الله الإنذارية تبدأ باللين والرفق. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 11 بتاريخ 1908/1/9م)

31وردت الصياغة التالية في جريدة بدر: فقد جاءت عذابات خفيفة أولا حيث خرجت حشرات الأرض وانتشر الدم ونزل القحط، لكن متى كان لفرعون أن يخاف القحط، وربما كان يتفرج، إذ يتأثر بالقحط الفقراء. ولم يكن يعرف أن يوم بطش جديد قادم، حين يصدر من لسانه تلقائيا: ” آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ” (يونس:90) (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 11 بتاريخ 1908/1/9م)

32 مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه.

33وردت الصياغة التالية في جريدة بدر: ذات مرة قرأت ذكر ذي القرنين في القرآن الكريم، فعرفت بالتدبر فيه أن كل ما ورد فيها هو في الحقيقة نبوءة عن هذا الزمن حصرا. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، صفحة 11 بتاريخ 1908/1/9م)

34وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: فهم لا يعرفون الاستفادة من القرآن الكريم بل يموتون في الجاهلية، فقد قال :صلى الله عليه وسلم من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، ص .12 بتاريخ

1908/1/9م)

35وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: القوم الثالث هم جماعتنا السعيدة جدا، فقد استظلوا بظل الإمام، وأرادوا أن يجعل من أجلهم سدًّا مقابل يأجوج ومأجوج. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، ص 12 بتاريخ 1908/1/9م)

36وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: تزكية النفس أن يؤدي المرء حقوق الخالق والمخلوق كليهما. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، ص 12 بتاريخ 1908/1/9م)

37وردت الصياغة التالية في جريد بدر: يريد الله سبحانه وتعالى أن تصبحوا إخوة ككيان واحد، وما لم تصبحوا كجوارح لبعضكم البعض لن تفلحوا. فحين لا تكون معاملة المرء طيبةً مع إخوته لا تكون معاملته مع الله أيضًا طيبة. صحيح أن حق الله أكبر إلا أن المقياس للتأكد هل يؤدي المرء حقَّ الله أم لا؟ يجب أن ينظر هل يؤدي حقوق إخوته أم لا؟ فالأمر ليس سهلا بل هو صعب، الحب الصادق شيء والحب بدافع النفاق أمرٌ آخر تمامًا. فاعلموا، أن للمؤمن على المؤمن حقوقًا كثيرةً. فعليه أن يعوده في المرض، ويصلي عليه الجنازة عندما يموت، ولا يخاصمه على أبسط الأمور، بل يجب أن يغضّ الطرف ويعفو، فالله سبحانه وتعالى لا يريد أن تبقَوا على هذه الحالة. فإن لم تكن هناك أخوّة صادقة فستهلك الجماعة. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، ص 12 بتاريخ 1908/1/9م)

38وردت الزيادة التالية في جريدة بدر: فطهِّروا هذا البيت من الأوثان لكي يسمَّى بيت الله، فقد قال: “طَهِّرَا بَیۡتِیَ لِلطَّاۤىِٕفِینَ وَٱلۡعَـٰكِفِینَ” (البقرة:125)، أي طهِّرا بيتي للملائكة. إن قلب الإنسان بيت الله وسوف يسمَّى بيت الله، ويطوف به الملائكة عندما يكون طاهرًا نظيفًا تمامًا من الأوهام الباطلة والعقائد الفاسدة. فما لم يطْهر قلبُ الإنسان لا تصح حالتُه العملية. فانظروا فإن الفرصة سانحة فأنجزوا ما أنتم منجزون، وحذارِ أن تخسروا الدنيا بسبب المعارضة، وترحلوا من هنا خالِين من الدين أيضًا. (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، ص 12 بتاريخ 1908/1/9م)

39أي على عرش النبي صلى الله عليه وسلم بصفته خليفته. (المترجم)

40وردت الصياغة التالية في جريدة بدر: إن الله ملِك الملوك كلهم الذي لا جلال ولا عظمة مقابل جلاله وعظمته، هل يمكن أن يبقى صامتًا بعد ملاحظة إهانة مبعوثه ورسوله؟ كلا، فإهانة المبعوث منه سبحانه وتعالى في الحقيقة إهانةُ الله سبحانه وتعالى (بدر؛ مجلد 7، عدد 1، ص 13 بتاريخ 1908/1/9م)

هذا الموقع هو موقع علمي لا يتبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمىى الطائفة القاديانية ولا يتبع أي فرقه من الفرق المنتسبه للإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025. All Rights Reserved.

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025.

All Rights Reserved.

E-mail
Password
Confirm Password