السعادة تكمن في إيثار الله على كل ما سواه حصرا
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام :
إذا كان أحد يؤْثر شيئا أو إنسانا على الله سبحانه وتعالى مع إيمانه به فما قيمة هذا الإيمان؟ فما لم يؤثر الله على كل شيء فهو يشرك. انظروا كيف تسنى لي هذا الموقف مرتين؛ مرة عند وفاة المولوي عبد الكريم المحترم حين تلقيت إلهاما بعد الدعاء بإلحاح، “إن المنايا لا تطيش سهامها” ومع ذلك حين استمرت سلسلة الدعاء تلقيت إلهاما: “يَا أَيُّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ” ثم عند وفاة ابني مبارك أحمد أيضا تلقيت الإلهام نفسه “إن المنايا لا تطيش سهامها” ثم تلقيت إلهاما: “يَا أَيهَُّا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ” أي أن هذا الإنسان لا بد أن يموت، وإنما الجدير بالعبادة مَن خلقكم، أي هو الذي سيحيا للأبد، فأحبوه. فالإيمان هو أن ينشئ المرء علاقة قوية بالله سبحانه وتعالى ويحسب كل ما سواه باطلا. أما الذي يحب الأولاد أو الوالدين أو شيئا آخر يشغل باله كل حين فهو الآخر يعبد الأوثان.
فمعنى الوثنية لا ينحصر في عكوف المرء على الأوثان كالهندوس وسجوده لها، كلا بل الحب والمودة أكثر من اللازم أيضًا عبادة. أما أنا فقد أدركت ذلك من الطفولة، والآن أيضًا قد توفي ابني مبارك أحمد. إذا رزقني الله سبحانه وتعالى مئة ألف “مبارك”، مقابل مبارك واحد وقال لي: إما أن تذهب إليهم أو ائتِ إلي، فوالله لن يخطرنَّ ببالي لدقيقة أو ثانية واحدة أو لجزء من ألف جزء من الثانية أن أذهب إلى مبارك أحمد ولا أذهب إليه سبحانه وتعالى. ما حقيقة الأولاد؟ فالأم تضحي بحياتها من أجلهم منذ طفولتهم، وعندما يكبرون من الملاحظ أن كثيرا من الشباب يعصون أمهاتهم ويسيئون إليهن. أما إذا كانوا بارّين بها فهم لا يقدرون على إزالة الكرب والألم عنها. فحين يصاب الإنسان بألم طفيف في البطن يعجز الجميع عن إزالته، ولا ينفعه ابنه ولا أبوه ولا أمه ولا قريب آخر. وإنما الوحيد الذي ينفع هو الله وحده. فما الفائدة من هذا الحب المفرط للأولاد الذي يؤدي إلى الشرك. يقول الله :سبحانه وتعالى ” إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادكُُمْ فِتْنَةٌ” (التغابن:15). انظروا! إذا قال الله لأحد: يمكن أن أحيي جميع أولادك الذين ماتوا بشرط ألا تبقى لك أي صلة بي، فهل يخطر بباله إذا كان عاقلا أن يختار أولاده؟
فسعادة الإنسان ينحصر في أن يؤثر الله على كل ما سواه. أما الذي يستاء من وفاة أحد أولاده فهو الآخر بخيل، لأنه يبخل في إعادة الأمانة التي كان الله سبحانه وتعالى قد سلَّمها له، وقد ورد عن البخيل في الأحاديث أنه لن يدخل الجنة حتى لو كانت عبادته بحجم أنهار الغابات؛ فالذي يحب شيئا أكثر من الله فلن تنفعه العبادة من الصلاة والصيام.
الصبر المثالي لسيدنا أيوب عليه السلام
انظروا إلى سيدنا أيوب عليه السلام كم كان صابرا، فقد ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أنه كان عبدا صابرا له، وقد ورد ذكره مفصلا في الكتب السابقة بأن الشيطان قال لله سبحانه وتعالى: كيف لا يصبر أيوب وقد رزقته مالا وثروة وعبيدا وخدما وذرية وزوجة وصحة؟ فقال الله له: يمكن أن تختبره. فأولا ماتت مواشيه ثم كبار الحيوانات التي كانت عنده فصبر عليها. فقال الشيطان ما زال يملك ثروة وعبيدا وأولادا فكيف لا يصبر؟ فمات عبيده فصبر، ثم هلك كل ما كان عنده تدريجا فصبر، فبقي هو وزوجته، فقال الشيطان: إنه ما زال يتمتع بالصحة. فأصيب بجذام، فصبر. فحين تحقق صبره وصدْقه، وهب الله له مالا وثروة وعبيدا وإماء وذرية أكثر من السابق، ومتعه بالصحة والعافية أيضًا.
فحين يصبر الإنسان يجد كل شيء في نهاية المطاف، على الإنسان أن ينجز كل عمل ابتغاء مرضاة الله، ما أروع ما قال الشيخ سعدي، وتعريبه: شربُ الماء ضد مشيئة الله إثم، والقتل وفق مشيئة الله جائز.
فإنما أقول لكم صدقا وحقا إن ما يتمنى المرء سوى الله فلا هو يناله ولا يفوز بقرب الله، لأن كل ما سواه فان، أما الذي يختار اَلله فيفوز بقربه وينال الأشياء الأخرى أيضًا، وتتحقق أمنيته حتما. لقد قلت لكم ما أردت قوله في سبيل الله، عليكم أن تحفظوا دينكم.
(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ 1908/8/22م نقلا عن مجلة تشحيذ الأذهان)