Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

معنى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

قال الامام المهدي  والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد القادياني   :

 

{بِسْمِ اِلله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} آمين أي أنقذنا من صراط الذين حل بهم غضبك بصورة عذاب الطاعون وغيره في هذه الدنيا، كذلك أنقذنا من صراط الذين لم ينزل بهم غضبك في الدنيا ولكنهم ابتعدوا من النجاة في الآخرة وأُخذوا بالعذاب في نهاية المطاف.

( المصدر: كتاب أيام الصلح )

 

وقال الامام ميرزا غلام أحمد القادياني   

 

أما الهداية التي قد أُمِرنا لطلبها في الفاتحة فهو اقتداءُ محامدِ ذات الله وصفاته الأربعة، وإلى هذا يشير اللام الذي موجود في: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، ويعرِفه من أعطاه الله الفهمَ السليم. ولا شك أن هذه الصفات أُمّهات الصفات، وهي كافية لتطهير الناس من الهَنات وأنواع السيئات، فلا يؤمن بها عبد إلا بعد أن يأخذ من كل صفة حظَّه ويتخلق بأخلاق رب الكائنات. فمن استفاض منها فيُفتَح عليه باب عظيم من معرفة الرب المحبوب، وتتجلى له عظمتُه، فتحصُل الأمانةُ والتنفُّرُ من الذنوب، والسكينةُ والإخبات والامتثال الحقيقي والخشية والأنس والذوق والشوق والمَواجيد الصحيحة والمحبة الذاتية المُفنِية المحرقة بإذن الله مُربِّي السالكين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

 

وكذلك علّم الله عباده دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}. ومعلوم أن من أنواع الهداية كشفٌ وإلهام ورؤيا صالحة ومكالمات ومخاطبات وتحديث لينكشف بها غوامض القرآن ويزداد اليقين، بل لا معنى للإنعام من غير هذه الفيوض السماوية، فإنها أصل المقاصد للسالكين الذين يريدون أن تنكشف عليهم دقائق المعرفة، ويعرفوا ربهم في هذه الدنيا، ويزدادوا حُبًّا وإيمانا، ويصِلوا محبوبهم متبتّلين. فلأجل ذلك .. حثَّ الله عبادَه على أن يطلبوا هذا الإنعام من حضرته، فإنه كان عليما بما في قلوبهم من عطش الوصال واليقين والمعرفة، فرحِمهم وأمدّ كلَّ معرفة للطالبين، ثم أمرهم ليطلبوها في الصباح والمساء والليل والنهار، وما أمرهم إلا بعدما رضي بإعطاء هذه النعماء، بل بعدما قدّر لهم أن يُرزَقوا منها، وبعدما جعلهم ورثاء الأنبياء الذين أُوتوا مِن قبلهم كلَّ نعمة الهداية على طريق الأصالة. فانظر كيف منَّ الله علينا .. وأمَرنا في أمّ الكتاب لنطلب فيه هدايات الأنبياء كلها، ليكشف علينا كل ما كشف عليهم، ولكن بالاتّباع والظلّية، وعلى قدرِ ظروف الاستعدادات والهمم. فكيف نردّ نعمة الله التي أُعِدّت لنا إن كنّا طُلباء الهداية؟ وكيف نُنكرها بعدما أُخبرنا عن أصدق الصادقين؟

(المصدر: كتاب حمامة البشرى)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

 

إن تعليم كتاب الله الأحكمَ ورسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، كان منقسما على ثلاثة أقسام: الأول .. أن يجعل الوحوش أناسا، ويعلّمهم آداب الإنسانية ويهب لهم مدارك وحواسّا، والثاني .. أن يجعلهم بعد الإنسانية أكمل الناس في محاسن الأخلاق، والثالث .. أن يرفعهم من مقام الأخلاق إلى ذُرى مرتبةِ حُبِّ الخلّاق، ويوصل إلى منزل القرب والرضاء والمَعِيّة والفناء والذوبان والمحويّة، أعني إلى مقام ينعدم فيه أثرُ الوجود والاختيار، ويبقى الله وحده كما هو بعد فناء هذا العالم بذاته القهّار. فهذه آخر المقامات للسالكين والسالكات، وإليه تنتهي مطايا الرياضات، وفيه يختتم سلوك الولايات، وهو المراد من الاستقامة في دعاء سورة الفاتحة. وكلُّ ما يتضرّم مِن أهواء النفس الأمّارة فتذوب في هذا المقام بحُكم الله ذي الجبروت والعزّة، فتُفتح البلدة كلها ولا تبقى الضوضاة لعامة الأهواء، ويُقال لِمنِ المُلْكُ اليوم .. لِله ذي المجد والكبرياء“.

(المصدر: كتاب نجم الهدى)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

هناك ثلاثة سبل أو قولوا إن شئتم بتعبير آخر ثلاث وسائل للهداية من الله تعالى، إحداها أن يهتدي ضالٌّ بواسطة كتاب الله فقط. والثانية أنه إن لم يفهم جيدا من كتاب الله فيرشده إلى الطريق ضوءُ الشهادات العقلية. والثالثة أنه إن لم يطمئن بالشهادات العقلية أيضا فتطمئِنه الآياتُ السماوية. هذه هي الوسائل الثلاث التي من سنة الله منذ القِدم لطمأنة العباد. إحداها سلسلة الكتب الجديرة بالإيمان بها التي تصل إلى عامة الناس عن طريق السماع والنقل، والإيمان بأخبارها وتعاليمها واجب على كل مؤمن، وإن مخزنها الأتم والأكمل هو القرآن الكريم. والسلسلة الثانية هي المعقولات التي منبعها ومأخذها هي الأدلة العقلية. السلسلة الثالثة هي الآيات السماوية التي منبعها بعد الأنبياء هو إمام الزمان ومجدد الوقت دائما. إن الورثة الحقيقيين للآيات هم الأنبياء عليهم السلام. وعندما تصبح معجزاتهم وآياتهم ضعيفة التأثير على إِثر تحولها إلى المنقولات بعد مدة مديدة عندها يَخلق الله أحدا آخر حاملا صبغتهم لكيلا تفقد عجائب النبوة ومعجزاتها حياتها وتأثيرها بعد كونها منقولة للمتأخرين بل ليجدّدوا إيمانهم بمشاهدة الآيات بأنفسهم

(المصدر: كتاب البراءة)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وفي هذه السورة يُعلّم الله تعالى عباده المسلمين .. فكأنه يقول يا عباد .. إنكم رأيتم اليهود والنصارى، فاجتنِبوا شَبَهَ أعمالِهم، واعتصِموا بحبل الدعاء والاستعانة، ولا تنسوا نعماء الله كاليهود، فيحلّ عليكم غضبه، ولا تتركوا العلوم الصادقة والدعاء، ولا تهِنوا مِن طلب الهداية كالنصارى فتكونوا من الضالين. وحثَّ على طلب الهداية إشارةً إلى أن الثبات على الهداية لا يكون إلا بدوام الدعاء والتضرع في حضرة الله. ومع ذلك إشارة إلى أن الهداية أمرٌ مِن لدنه سبحانه وتعالى، والعبدُ لا يهتدي أبدًا من غير أن يهديه الله ويُدخله في المهديّين. وإشارةٌ إلى أن الهداية غير متناهية، وترقى النفوس إليها بسلّم الدعوات، ومَن ترك الدعاء فأضاع سُلّمه، فإنما الحريّ بالاهتداء مَن كان رَطْبَ اللسان بالدعاء وذكر ربه، وكان عليه من المداومين. ومن ترك الدعاء وادّعى الاهتداء، فعسى أن يتزين للناس بما ليس فيه، ويقع في هوّة الشرك والرياء، ويخرج من جماعة المخلصين. والمخلِص يترقّى يوما فيوما حتى يصير مُخلَصًا .. بفتح اللام .. وتهَب له العناية سِرًّا يكون بين الله وبينه ويدخل في المحبوبين، ويتنزل منزلةَ المقبولين. والعبد لا يبلغ حقيقة الإيمان مِن غير أن يفهم حقيقة الإخلاص ويقوم عليها، ولا يكون مخلصا وعنده على وجه الأرض شيءٌ يتّكئ عليه ويخافه أو يحسبه من الناصرين. ولا ينجو أحد من غوائل النفس وشرورها إلا بعد أن يتقبله الله بإخلاصه، ويعصمه بفضله وحوله وقوته ويذيقه من شراب الروحانيين، لأن النفس خبيثة وقد انتهت إلى غاية الخبث وصارت منشأ الأهوية المضلِّة الرديّة المُردِية، فعَلَّم الله تعالى عباده أن يفروا إليه بالدعاء عائذا من شرورها ودواهيها ليُدخلهم في زُمر المحفوظين.

وإن مثل جذبات النفس كمثل الحُمّيات الحادّة، فكما تجد عند تلك الحُمّيات أعراضا هائلة مشتدة مِثل النافض والبرد والقشعريرة، ومِثل العرق الكثير والرعاف المفرط والقيء العنيف والإسهال المضعِف، والعطش الذي لا يُطاق، ومِثل السبات الكثير والأرَق اللازم، وخشونة اللسان وقحل الفم، ومِثل العُطاس الملِحّ والصداع الصعب، والسعال المتواتر وسقوط الشهوة والفُواق، وغيرِها من علامات المحمومين؛ كذلك للنفس جذبات وعلامات، موادها تفور، وأمواجها تمور، وأعراضها تدور، وبقراتها تخور، وأسيرها يبور، وقلَّ مَن كان من الناجين. فطلبُ الهداية كمثل الرجوع إلى الطبيب الحاذق والاستطراح بين يدي المعالجين. والإنعام الذي أشار الله إليه لعباده هو تبتُّلُ العبد إلى الله وإحماء وداده ودوام إسعاده، ورجوعُ الله إليه ببركاته وإلهاماته واستجاباته، وجَعْله طودًا من أطواده، وإدخاله في عباده المحفوظين، وقوله: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيم}، وجَعْله من الطيبين الطاهرين، فهذا هو الشفاءُ مِن حُمّى المعاصي، والعلاجُ بأوفَق الأدوية والأغذية، والتدبيرُ اللطيف الذي لا يعلمه إلا رب العالمين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

 

الصراط في اللغة العربية هو السبيل المستقيم بمعنى أن تكون كافة أجزائه على وضع الاستقامة ومحازية لبعضها بعضا.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/2/10م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

 

وقيل إن الطريق لا يُسَمَّى صراطًا عند قوم ذوي قلب ونور، حتى يتضمن خمسة أمور من أمور الدين وهي: (1) الاستقامة (2) والإيصال إلى المقصود باليقين (3) وقرب الطريق (4) وسَعَتُه للمارّين (5) وتعيينه طريقا للمقصود في أعين السالكين. وهو تارة يُضاف إلى الله إذ هو شرَعه وهو سوّى سُبُلَه للماشين. وتارة يُضاف إلى العباد لكونهم أهل السلوك والمارّين عليها والعابرين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

 

الاستقامة تُكسب رضى الله تعالى. صحيح أن الاستقامة فوق الكرامة. وكمال الاستقامة أن نجد البلايا قد حاصرتنا من أربع جهات، وأن نجد أنفسنا وعِرضنا وشرفنا في خطر في سبيل الله، ولا نجد سبيلا للسلوان حتى يُمسك الله أيضا كشوفه ورؤاه وإلهامه عنا على سبيل الاختبار، ويتركنا في أخطار مهولة ..

ورغم كل ذلك لا نُبدي فشلا، ولا نتقهقر كالجبناء، ولا نخِلّ في وفائنا، ولا نقصر في صدقنا وثباتنا، بل نفرح على الذلة، ونرضى بالموت، ولا ننتظر صديقا يكون لنا عونا على الثبات، ولا نطلب من الله بشارات بحجة أن الموقف خطير .. وإنما ننتصب قياما رغم الضعف والخذلان وفقدان سبل السلوان، ونضع أمامه رقابنا دون تفكير في العواقب، ولا نتحرك أمام القضاء والقدر، ولا نبدي أبدا أي قلق أو جزع أو فزع، إلى أن يستوفي الاختبارُ أجله.

هذه هي الاستقامة التي يلاقي بها الإنسان ربه، وهي العطر نفسه الذي لا يزال عبيره يفوح حتى اليوم من تربة الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء، وإليها أشار الله في الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، وإليها تشير الآية: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ.} أي يا رب أنزل على قلوبنا في وقت المصيبة سكينةً توفقنا للصبر، وقدر لنا الموت على الإسلام.

واعلموا أن الله تعالى يُنزل على قلوب عباده المحبوبين في وقت الآلام والمصائب نورًا يتقوون به، فيقاومون النوازل والبلايا بكل اطمئنان، ويقبلون من حلاوة الإيمانتلك السلاسل التي تُصَفّد بها أرجلُهم في سبيله تعالى. إن الإنسان الرباني عندما تحِلّ به البلايا وتظهر له آثار الهلاك .. فإنه لا ينازع ربه الكريم هكذا عبثًا سائلا النجاة منها، لأن الإلحاح في الدعاء بالعافية حينئذ يكون بمنزلة حرب على الله تعالى، ويصبح منافيا للتوافق التام مع مشيئة الله. وإنما المحب الصادق مَن يزداد تقدمًا كلما نزل البلاء، ولا يقيم حينئذ لنفسه وزنا، ويودع حُب الذات ليتبع كليةً مشيئةَ مولاه ابتغاءً لمرضاته. وفي حقه هو يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اِلله وَاُلله رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}. أي أن محبوب الله تعالى يقدم نفسه فداء في سبيله تعالى ويشري بها مرضاته تعالى. وأمثاله هم الذين يصبحون موردا لرحمة خاصة من الله. هذه إذن هي روح الاستقامة التي بها يلاقي الإنسان ربه. فليفهَمْها من شاء.

(المصدر: كتاب فلسفة تعاليم الإسلام )

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

المراد من الاستقامة ما يسميه الصوفية الفناءَ في مصطلحهم. ومعنى اهدنا الصراط المستقيمأيضا الفناء، أي أن تكون الروح والحماس والإرادات كلها لله وتفنى الأهواء النفسانية كليا. إن بعض الناس الذين لا يؤثرون مشيئة الله وإرادته على إراداتهم ورغباتهم يرحلون من هذه الدنيا في كثير من الأحيان مصابين بالفشل في إراداتهم وحماسهم لقد قُدِّم اللهالذي هو اسم الله الأعظم في الصلاة التي هي الدعاء، كذلك اسم الإنسان الأعظمُ هو الاستقامة. المراد من الاسم الأعظم هو ما يُنال بواسطته الكمالات الإنسانية. هذا ما أشار الله إليه في اهدنا الصراط المستقيم.” وقال في آية أخرى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُواأي الذين يأتون تحت كنف ربوبية الله تعالى وتوضَع بيضة بشريتهم تحت الاسم الأعظم أي الاستقامة تنشأ فيها قدرة فتنزل عليها الملائكة فلا يخافون ولا يحزنون. لقد قلتُ بأن الاستقامة شيء عظيم، ولكن ما المراد من الاستقامة؟ فكل ما كان في محله ومقامه بعينه يُعَبَّر عنه بالحكمة والاستقامة. فمثلا لو فُصلت أجزاء المنظار عن بعضها وأُبعدتْ عن مقامها الحقيقي لعطل المنظار عن العمل. إذًا، إن وضع الشيء في محله هو الاستقامة، أو قولوا إن شئتم بتعبير آخر بأن الوضع الطبيعي هو الاستقامة. فما لم يكن تكوين الإنسان في وضعه الطبيعي ولم يبق في حالته الأصلية لا يمكن أن تولِّد الكمالات في نفسها. إن أسلوب الدعاء هو أن يجتمع الاسمان الأعظمان، ويتوجه المرء إلى الله تعالى دون غيره وإن كان وثن أهوائه. عندما تنشأ هذه الحالة يستمتع المرء بـ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} .

(المصدر : رسالة حول قضية وحدة الوجود )

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اعلمْ أن هذه الآيات خزينة مملوّة من النكات، وحجّة باهرة على المخالفين والمخالفات، وسنذكرها بالتصريحات، ونُرِيك ما أرانا الله من الدلائل والبينات، فاسمعْ مني تفسيرها لعلّ الله ينجيك من الخزعبيلات.

أما قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فمعناه أَرِنا النهجَ القويم، وثَبِّتْنا على طريق يوصل إلى حضرتك، وينجي من عقوبتك. ثم اعلم أن لتحصيل الهداية طرقًا عند الصوفية مستخرَجةً من الكتاب والسنّة، أحدها طلبُ المعرفة بالدليل والحجة، والثاني تصفيةُ الباطن بأنواع الرياضة. والثالث الانقطاعُ إلى الله وصفاءُ المحبة، وطلبُ المدد من الحضرة، بالموافقة التامة وبنفيِ التفرقة، وبالتوبة إلى الله والابتهال والدعاء وعقدِ الهمة.

ثم لما كان طريقُ طلب الهداية والتصفية لا يكفي للوصول مِن غير توسُّل الأئمّة والمهديّين من الُأمّة، ما رضِي الله سبحانه على هذا القدر من تعليم الدعاء، بل حثَّ بقوله: {صِراطَ الَّذِينَ} على تحسُّس المرشدين والهادين من أهل الاجتهاد والاصطفاء من المرسلين والأنبياء. فإنهم قوم آثروا دار الحق على دار الزور

والغرور، وجُذبوا بحبال المحبّة إلى الله بحرِ النور، وأُخرجوا بوحيٍ من الله وجذبٍ منه مِن أرض الباطل، وكانوا قبل النبوّة كالجميلة العاطل. لا ينطقون إلا بإنطاق المولى، ولا يؤْثرون إلا الذي هو عنده الَأولى. يسعون كلَّ السعي ليجعلوا الناس أهلًا للشريعة الربّانية، ويقومون على ولدها كالحانية. ويُعطَى لهم بيان يُسمِع الصُمَّ ويُنزِل العُصْمَ، وجنانٌ يجذِب بعَقْدِ الهمّة الُأممَ. إذا تكلّموا فلا يرمون إلا صائبا، وإذا توجّهوا فيُحيون مَيْتًا خائبا. يسعون أن ينقلوا الناس من الخطيّات إلى الحسنات، ومن المنهيّات إلى الصالحات، ومن الجهلات إلى الرزانة والحَصاة، ومن الفسق والمعصية إلى العفّة والتقاة. ومَن أنكرَهم فقد ضيَّع نعمة عُرِضتْ عليه، وبعُد مِن عين الخير وعن نورِ عينَيْه. وإن هذا القطع أكبر من قطع الرحم والعشيرة، وإنهم ثمرات الجنة فويل للذي تركهم ومالَ إلى المِيرة. وإنهم نور الله ويُعطَى بهم نورٌ للقلوب، وترياقٌ لسُمِّ الذنوب، وسكينةٌ عند الاحتضار والغرغرة، وثباتٌ عند الرحلة وتركِ الدنيا الدنيّة. أتظنُّ أن يكون الغير كمثل هذه الفئة الكريمة؟ كلا والذي أخرجَ العَذْقَ من الجريمة. ولذلك علّم الله هذا الدعاء مِن غاية الرحمة، وأمَر المسلمين أن يطلبوا {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ} مِن النبيّين والمرسلين من الحضرة. وقد ظهر من هذه الآية، على كل مَن له حظٌّ من الدِراية، أن هذه الأمّة قد بُعثتْ على قدم الأنبياء، وإنْ مِن نبي إلا له مثيل في هؤلاء.

ولولا هذه المضاهاة والسواء، لبطُل طلبُ كمال السابقين وبطُل الدعاء. فالله الذي أمَرنا أجمعين، أن نقول {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} مصلّين ومُمسِين ومصبحين، وأن نطلب صراط الذين أنعمَ عليهم من النبيين والمرسلين، أشار إلى أنه قد قدّر من الابتداء، أن يبعث في هذه الأمّة بعضَ الصلحاء على قدم الأنبياء، وأن يستخلفهم كما استخلفَ الذين مِن قبلُ مِن بني إسرائيل. وإنّ هذا لهو الحق فاترُك الجدل الفضول والأقاويل. وكان غرض الله أن يجمع في هذه الأمّة كمالاتٍ متفرقة، وأخلاقًا متبددة، فاقتضتْ سنّتُه القديمة أن يعلّم هذا الدعاءَ، ثم يفعل ما شاء. وقد سُمّي هذه الأمّة خيرَ الأمم في القرآن، ولا يحصل خيرٌ إلا بزيادة العمل والإيمان والعلم والعرفان، وابتغاءِ مرضاة الله الرحمن. وكذلك وعَد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ليستخلفنّهم في الأرض بالفضل والعنايات، كما استخلف الذين من قبلهم من أهل الصلاح والتقاة. فثبت من القرآن أن الخلفاء من المسلمين إلى يوم القيامة، وأنه لن يأتي أحد من السماء، بل يُبعَثون من هذه الأمة.

وما لك لا تؤمن ببيان الفرقان؟ أتَرَكْتَ كتاب الله أم ما بقِي فيك ذرة من العرفان؟ وقد قال الله {مِنْكُمْ}، وما قال مِن بني إسرائيل، وكفاك هذا إن كنت تبغي الحق وتطلب الدليل. أيها المسكين اقرأِ القرآن ولا تمشِ كالمغرور، ولا تبعُدْ مِن نور الحق لئلا يشكو منك إلى الحضرة سورةُ الفاتحة وسورةُ النور. اتّق الله، ثم اتّق الله، ولا تكنْ أوّلَ كافر بآيات النور والفاتحة، لكيلا يقوم عليك شاهدان في الحضرة. وأنت تقرأ قوله {وَعَدَ اُلله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}، وتقرأ قوله {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ}، ففكّرْ في قوله {مِنْكم} في سورة النور واترُك الظالمين وظنَّهم. ألم يأنِ لك أن تعلم عند قراءة هذه الآيات، أن الله قد جعل الخلفاء كلهم من هذه الأمّة بالعنايات، فكيف يأتي المسيح الموعود من السماوات؟ أليس المسيح الموعود عندك من الخلفاء، فكيف تحسبه من بني إسرائيل ومن تلك الأنبياء؟ أتترك القرآن وفي القرآن كل الشفاء؟ أو تغلّبتْ عليك شِقْوتك، فتترك متعمدًا طريقَ الاهتداء؟ ألا ترى قوله تعالى {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} في هذه السورة؟ فوجب أن يكون المسيح الآتي من هذه الأمّة، لا مِن غيرهم بالضرورة. فإن لفظ {كما} يأتي للمشابهة والمماثلة، والمشابهةُ تقتضي قليلا من المغايرة، ولا يكون شيءٌ مُشابِهَ نفسِه كما هو من البديهيات. فثبت بنصٍّ قطعيّ أن عيسى المنتظَر من هذه الأمة، وهذا يقينيٌّ ومنزّهٌ عن الشبهات. هذا ما قال القرآن ويعلمه العالمون، فبأي حديث بعده تؤمنون؟ وقد قال القرآن إن عيسى نبي الله قد مات، ففكّرْ في قوله {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} ولا تُحْيِ الأمواتَ، ولا تنصُر النصارى بالأباطيل والخزعبيلات، وفِتَنُهم ليست بقليلة فلا تزِدْها بالجهلات، وإن كنت تحبّ حياةَ نبيٍّ فآمِنْ بحياةِ نبيِّنا خيرِ الكائنات.

وما لك أنك تحسب مَيْتًا مَن كان رحمةً للعالمين، وتعتقد أن ابن مريم من الأحياء بل من المُحْيِين؟ انظُرْ إلى النورثم انظر إلى الفاتحة، ثم ارجِع البصرَ ليرجع البصر بالدلائل القاطعة. ألستَ تقرأ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ} في هذه السورة، فأَنَّى تُؤفَك بعد هذا؟ أتنسى دعاءك أو تقرأ بالغفلة؟ فإنك سألت ربك في هذا الدعاء والمسألة، أن لا يغادر نبيًّا من بني إسرائيل إلا ويبعث مثيلَه في هذه الأمّة. وَيْحَك، أنَسِيتَ دعاءَك بهذه السرعة، مع أنك تقرأه في الأوقات الخمسة؟ عجبتُ منك كلَّ العجب، أهذا دعاؤك، وتلك آراؤك؟ انظرْ إلى الفاتحة وانظرْ إلى سورة النور من الفرقان، وأيّ شاهد يُقبَل بعد شهادة القرآن؟ فلا تكنْ كالذي سرى إيجاسَ خوفِ الله واستشعارَه، وتَسَرْبَلَ لباسَ الوقاحة وشِعارَه. أتتركُ كتاب الله لقوم تركوا الطريق، وما كمّلوا التحقيق والتعميق، وإنّ طريقهم لا يوصل إلى المطلوب، وقد خالف التوحيدَ وسبلَ الله المحبوب. فلا تحسبْ وَعْرًا دَمِثًا وإنْ دمَّثه كثيرٌ من الخُطى، وإنْ اهتدتْ إليها أبابيل من القطا، فإنّ هُدى الله هو الهدى. وإن القرآن شهد على موت المسيح، وأدخلَه في الأموات بالبيان الصريح. ما لك ما تفكّر في قوله {فَلَمَّا تَوَفَّيتَني} وفي قوله {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ}، وما لك لا تختار سبيل الفرقان وسَرَّك السُّبُلُ. وقد قال {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ}، فما لكم لا تفكّرون. وقال لكم فيها مستقرٌّ ومتاع إلى حين، فكيف صار مستقرُّ عيسى في السماء أو عرشَ رب العالمين؟ إنْ هذا إلا كذب مبين. وقال سبحانه {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ}، فكيف تحسبون عيسى من الأحياء؟ الحياء الحياء، يا عباد الرحمن. القرآن القرآن، فاتقوا الله ولا تتركوا الفرقان. إنه كتاب يُسأَل عنه إنسٌ وجانٌّ.

وإنكم تقرأون الفاتحة في الصلاة، ففكِّروا فيها يا ذوي الحصاة. ألا تجدون فيها آية {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، فلا تكونوا كالذين فقدوا نورَ عينَيْهم، وذهب بما لديهم. وَيْحَكم، وهل بعد الفرقان دليل، أو بقِي إلى مفرٍّ من سبيل؟ أيقبَل عقلكم أن يبشّر ربُّنا في هذا الدعاء، بأنه يبعث الأئمّةَ مِن هذه الأمّة لمن يريد طريق الاهتداء، الذين يكونون كمثل أنبياء بني إسرائيل في الاجتباء والاصطفاء، ويأمرنا أن ندعو أن نكون كأنبياء بني إسرائيل، ولا نكون كأشقياء بني إسرائيل، ثم بعد هذا يدُعُّنا ويُلقينا في وِهاد الحرمان، ويرسل إلينا رسولا من بني إسرائيل وينسى وعده كل النسيان؟ وهل هذا إلا المكيدة التي لا ينسب إلى الله المنان؟ وإن الله قد ذكر في هذه السورة ثلاثةَ أحزاب من الذين أنعمَ عليهم واليهود والنصرانيين، ورَغَّبَنا في الحزب الأول منها ونهى عن الآخرين، بل حَثَّنا على الدعاء والتضرع والابتهال، لنكون من المنعَم عليهم لا من المغضوب عليهم وأهل الضلال.

ووالذي أنزل المطرَ من الغمام، وأخرج الثمرَ من الأكمام، لقد ظهر الحق من هذه الآية، ولا يشكّ فيه مَن أُعطيَ له ذرة من الدراية. وإن الله قد منَّ علينا بالتصريح والإظهار، وأماطَ عنا وَعْثاءَ الافتكار، فوجب على الذين يُنَضْنِضون نضنضةَ الصِلِّ، ويُحَمْلِقون حملقةَ البازي المطِلِّ، أن لا يُعرِضوا عن هذا الإنعام، ولا يكونوا كالأنعام.

وقد عَلِقَ بقلبي أن الفاتحة تأسُو جِراحَهم، وترِيش جناحَهم، وما مِن سورة في القرآن إلا هي تكذّبهم في هذا الاعتقاد، فاقرا مما شئتَ من كتاب الله يُريك طريق الصدق والسداد. ألا ترى أن سورة بني إسرائيليمنع المسيحَ أن يرقى في السماء، وأن آل عمرانتعِده أن الله مُتوَفِّيه وناقِلُه إلى الأموات من الأحياء. ثم إن المائدةتبسُط له مائدة الوفاة، فاقرا {فَلَمَّا تَوَفَّيتَني} إنْ كنت في الشبهات. ثم إن الزُمَريجعله مِن زُمَرٍ لا يعودون إلى الدنيا الدنيّة، وإنْ شئتَ فاقرا {فَيُمْسِكُ الَّتِيْ قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ.} واعلم أن الرجوع حرام بعد المنيّة.

وحرام على قرية أهلكهَا الله أن تُبعَث قبل يوم النشور، وأما الإحياء بطريق المعجزة فليس فيه الرجوع إلى الدنيا التي هي مقام الظلم والزور. ثم إذا ثبت موت المسيح بالنص الصريح، فأزال الله وَهْمَ نزولِه من السماء بالبيان الفصيح، وأشار في سورة النور والفاتحة، أن هذه الأمّة يرث أنبياء بني إسرائيل على الطريقة الظلّيّة، فوجب أن يأتي في آخر الزمان مسيح من هذه الأمة، كما أتى عيسى ابن مريم في آخر السلسلة الموسوية، فإن موسى ومحمدا عليهما صلوات الرحمن متماثلان بنصّ الفرقان، وإن سلسلة هذه الخلافة تشابهُ سلسلةَ تلك الخلافة، كما هي مذكورة في القرآن، وفيها لا يختلف اثنان. وقد اختُتمتْ مئاتُ سلسلةِ خلفاء موسى على عيسى كمثل عِدّة أيام البدر، فكان من الواجب أن يظهَر مسيحُ هذه الأمّة في مدّة هي كمثل هذا القدر، وقد أشار إليه القرآن في قوله {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اُلله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}، وإن القرآن ذو الوجوه كما لا يخفى على العلماء الأجلّة، فالمعنى الثاني لهذه الآية في هذا المقام، أن الله ينصر المؤمنين بظهور المسيح إلى مِئِينَ تُشابهُ عِدّتُها أيامَ البدر التامِّ، والمؤمنون أذلّةٌ في تلك الأيام.

فانظرْ إلى هذه الآية كيف تشير إلى ضعف الإسلام، ثم تشير إلى كون هلاله بدرًا في أجلٍ مسمّى من الله العلام، كما هو مفهوم من لفظ البدر، فالحمد لله على هذا الإفضال والإنعام.

وحاصل ما قلنا في هذا الباب، أن الفاتحة تبشّر بكون المسيح من هذه الأمّة فضلًا من رب الأرباب. فقد بُشِّرْنا مِن الفاتحة بأئمّةٍ منّا هم كأنبياء بني إسرائيل، وما بُشِّرْنا بنزول نبي من السماء فتَدبَّرْ هذا الدليل. وقد سمعتَ من قبل أن سورة النور قد بشّرتْنا بسلسلة خلفاء تشابهُ سلسلةَ خلفاء الكليم، وكيف تتمّ المشابهة من دون أن يظهر مسيح كمسيحِ سلسلة الكليم في آخر سلسلة النبي الكريم. وإنّا آمنّا بهذا الوعد فإنه من رب العباد، وإن الله لا يخلف الميعاد. والعجب من القوم أنهم ما نظروا إلى وعد حضرة الكبرياء، وهل يُوفى ويُنجَز إلا الوعد، فلينظروا بالتقوى والحياء. وهل في شِرعة الإنصاف، أن ينْزل المسيح من السماء ويُخلَف وعدُ مماثلةِ سلسلة الاستخلاف؟ وإنّ تشابُهَ السلسلتين قد وجب بحُكم الله الغيور، كما هو مفهوم من لفظ {كَمَا} في سورة النور“.

( المصدر: كتاب إعجاز المسيح)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وحاصل الكلام أن الله تعالى يُبشّر لأمة نبيّنا صلى الله عليه وسلم ، فكأنه يقول يا عبادِ إنكم خُلقتم على طبائع المنعَمين السابقين، وفيكم استعداداتهم، فلا تُضيعوا الاستعدادات، وجاهِدوا لتحصيل الكمالات، واعلموا أن الله جوّادٌ كريم وليس ببخيل ضنين. ومن ههنا يُفهَم سِرُّ نزول المسيح الذي يختصم الناس فيه .. فإن عبدًا من عباد الله إذا اقتدى هدي المهتدين، وتبِع سنن الكاملين، وتأهَّبَ للانصباغ بصبغ المهديّين، وعطَف إليهم بجميع إرادته وقوّته وجَنانه، وأدّى شرط السلوك بحسب إمكانه، وشَفَعَ الأقوال بالأعمال والمقالَ بالحال، ودخل في الذين يتعاطون كأس المحبة للقادر ذي الجلال، ويقتدحون زنادَ ذِكر الله بالتضرع والابتهال، ويبكون مع الباكين .. فهنالك يفور بحر رحمة الله ليُطهّره من الأوساخ والأدران، وليرويه بإفاضة التهتان، ثم يأخذ يدَه ويُرقّيه إلى أعلى مراتب الارتقاء والعرفان، ويُدخله في الذين خلوا من قبله من الصلحاء والأولياء والرسل والنبيين، فيُعطي كمالا كمثل كمالهم، وجمالًا كمثل جمالهم، وجلالًا كمثل جلالهم، وقد يقتضي الزمان والمصلحة أن يُرسل هذا الرجلَ على قدم نبي خاص، فيُعطي له عِلْمًا كعلمه، وعقلا كعقله، ونورًا كنوره، واسمًا كاسمه، ويجعل الله أرواحهما كمرايا متقابلة، فيكون النبي كالأصل، والولي كالظل، مِن مرتبته يأخذ ومِن روحانيته يستفيد، حتى يرتفع منهما الامتيازُ والغَيرية، وتَرِدُ أحكامُ الأول على الآخر، ويصيران كشيء واحدٍ عند الله وعند مَلَئِه الأعلى، وينزل على الآخر إرادةُ الله وتصريفه إلى جهة، وأمرُه ونهيه بعد عبوره على روح الأول، وهذا سرٌّ من أسرار الله تعالى لا يفهمه إلا من كان من الروحانيين

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

فالحاصل أن دعاء: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} يُنجي الإنسان من كل أَوَدٍ ويُظهِر عليه الدين القويم، ويُخرجه من بيتٍ قفرٍ إلى رياض الثمر والرياحين. ومن زاد فيه إلحاحا، زاده الله صلاحا. والنبيون آنسوا منه أُنْسَ الرحمن، فما فارقوا الدعاء طُرفةَ عين إلى آخر الزمان. وما كان لأحد أن يكون غنيًا عن هذه الدعوة، ولا معرضا عن هذه المُنْية، نبيًّا أو كان من المرسَلين. فإن مراتب الرشد والهداية، لا تتم أبدًا بل هي إلى غير النهاية، ولا تبلغها أنظارُ الدراية، فلذلك عَلّمَ الله تعالى هذا الدعاء لعباده، وجعَله مدار الصلاة ليتمتعوا برشاده، وليُكمّل الناس به التوحيدَ، وليذكُروا المواعيد، وليُستَخلصوا من شركِ المشركين.

ومن كمالات هذا الدعاء أنه يعمّ كلَّ مراتب الناس، وكلَّ فرد من أفراد الأناس. وهو دعاء غير محدود لا حدَّ له ولا انتهاءَ، ولا غايَ ولا أرجاءَ، فطوبى للذين يداومون عليه بقلبٍ دامي القُرْح، وبروح صابرة على الجُرْح، ونفسٍ مطمئنة كعباد الله العارفين. وإنه دعاء تضمَّنَ كلَّ خير وسلامة، وسداد واستقامة، وفيه بشارات من الله رب العالمين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد جاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} بحذاء: “الرحمنلأن نيل الهداية ليس من حق أحد بل يُنال هذا الفيض بمحض رحمانية الله. وجاء صراط الذين أنعمت عليهممقابل الرحيملأن الذي يردد هذه الجملة ينال الفيض من نبع الرحيمية. ومعناها: يا من يجيب الدعوات برحمك الخاص أرنا صراط الرسل والصديقين والشهداء والصالحين الذين انهمكوا في الدعاء والمجاهدات وحازوا منك إنعاما أنواع المعارف وأصناف الحقائق والكشوف والإلهامات وبلغوا إلى المعرفة التامة نتيجة الدعاء والتضرع المستديم والأعمال الصالحات.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/9/17م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

والصدق السابع أو الحقيقة السابعة المذكورة في سورة الفاتحة هي: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، ومعناها أن أرِنا الصراطَ وثبِّتنا على الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه قط. وتفصيل هذه الحقيقة أن الدعاء الحقيقي للإنسان هو أن يتحرّى صراطا مستقيما للوصول إلى الله تعالى، لأن القاعدة الطبيعية لنيل كل مرام هي أن يختار المرء وسائل يُنال المرام بواسطتها. ولقد وضع الله تعالى قانونا طبيعيا لتحصيل كل أمر أن يختار المرء الوسائل التي تؤدي إلى تحصيله، وأن يسلك المسالك التي بالسلوك عليها يمكن بلوغ المرام. ولو سار المرء على صراط مستقيم بالضبط واختار السلوك على الطرق التي تؤدي إلى نيل المرام لناله. ولكن لا يمكن قط أن ينال أحد المرام بتركه سبلا هي وسيلة للحصول على تلك البُغية. بل القانون المتَّبع منذ القِدم هو أن هناك طريقا محددا لنيل كل هدف. وما لم يَسِر المرء على ذلك الطريق المحدد لا ينال الهدف. فالشيء الذي يجب الحصول عليه بالجهد والسعي والدعاء والتضرع هو الصراط المستقيم. أما الذي لا يجدُّ في طلب الصراط المستقيم ولا يعير له اهتماما فهو يختار طريقا معوجا في نظر الله. ولو طلب من الله الجنة والراحة في العالم الثاني لردّت عليه الحكمة الإلهية ونادت: يا أيها الجاهل، اطلب الصراط المستقيم أولا فتنال مبتغاك بسهولة. فالدعاء الذي له الأولوية على الأدعية كلها ويحتاج إليه طالب الحق بشدة متناهية هو طلب الصراط المستقيم.

والمعلوم أن معارضينا محرومون من اتباع هذا الصدق أيضا. أما المسيحيون فيسألون الخبز فقط في كافة أدعيتهم. ولو ذهبوا إلى الكنيسة ببطون مليئة بالطعام والشراب لتظاهروا بالجوع كذبا وزورا ولظلوا يسألون الخبز، وكأن مطلوبهم الأعظم هو الخبر ليس إلا.

أما أتباع آريا سماج وإخوانهم الوثنيون فيقرأون في أدعيتهم أبياتا مختلفة بُغية اجتناب سلسلة الموت والولادة على طريق التناسخ الذي يرونه صحيحا بحسب زعمهم الباطل، ولا يطلبون الصراط المستقيم من الله تعالى.

وزدْ إلى ذلك أن الله تعالى قد أشار في هذا المقام مستخدما صيغة الجمع إلى أن لا أحدَ يُمنع من طلب الهداية ونيل الإنعام الإلهي. أما بحسب مبدأ الآريين فلا يجوز للمذنب أن يطلب الهداية، وأن الله تعالى سيعاقبه حتما، وأن نيل الهداية أو عدمه سيان عنده.

وأما أتباع برهمو سماج فلا يعتقدون بالدعاء أصلا، فهم يعتزون بعقلهم في كل حين وآن. وإضافة إلى ذلك يقولون: ليس ضروريا تخصيص دعاء معين بالعبادة والعبودية، والإنسان مخيَّر ليدعو ما يشاء، ولكن هذا يدل على غبائهم البالغ.

والمعلوم أنه مع أن الإنسان معرَّض لمئات الحاجات الجزئية ولكن الحاجة العظمى الوحيدة التي يجب أن يفكّر بها الإنسان ليل نهار دون غيرها هي أن ينجو من الحجب المظلمة المتنوعة ويصل إلى درجة المعرفة الكاملة، وألا يبقى فيه شيء من العمه والفتور والغدر بل يعرف الله حق المعرفة ويُملأ بحبه الخالص وينال مرتبة وصال الله التي فيها تكمن سعادته التامة. هذا هو الدعاء الوحيد الذي يحتاج إليه الإنسان بشدة متناهية، وعليه تتوقف جُلّ سعادته. والصراط السويّ لنيلها هو أن يدعو الإنسان دائما: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، لأن أمثل طريق لنيل الإنسان مراده هو أن يسلك بكل قوة المسالك التي بالسلوك عليها يُنال ذلك المراد، وأن يختار الطريق الذي يوصله إلى غايته المنشودة مباشرة، وأن يترك الطرق المعوجة. ومن البديهي تماما أن الله تعالى قد جعل في قانونه الطبيعي طريقا واحدا للحصول على المبتغى يمكن أن نَعُدّه وحده الصراط المستقيم. وما لم يختر المرء ذلك الطريق على النحو الصحيح لا يمكنه نوال المبتغى. كما أن جميع قوانين الله تعالى منضبطة وثابتة منذ القِدم.

كذلك إن طريق النجاة والسعادة الأخروية أيضا ثابت وهو الصراط المستقيم والسديد. فالأسلوب السويّ في الدعاء هو أن يسأل المرءُ اَلله تعالى الصراطَ المستقيم.

(المصدر: كتاب البراهين الأحمدية، الحاشية رقم 11)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

السلوك على مسلك الحسنة الحقيقية هو الصراط المستقيم وهو ما يسمَّى الوسطية والاعتدال، لأن التوحيد الفعلي المقصود بالذات ينال به فقط. والذي يتكاسل في كسب هذه الحسنة هو في مرحلة التفريط والذي يتقدم على ذلك يرتكب الإفراط. الرحم في كل مقام هو الإفراط لأن ربط الأمر الذي في محله المناسب بالذي في غير محله ظلمُ الأصل، وهذا هو الإفراط بعينه. وعدم الرحم في أيّ مقام هو التفريط لأن ذلك يؤدي إلى فوات المحل والمناسبة وهذا هو التفريط بعينه. إن وضع الشيء في محله وسطية واعتدال ويسمى بالصراط المستقيم والسعي لتحصيله واجب على كل مسلم، وقد أُكِّد على الدعاء للحصول عليه في كل صلاة لأن ذلك سيقيم المرء على التوحيد. وذلك لأن القيام على الصراط المستقيم صفة من صفات الله. وإضافة إلى ذلك إن الحق والحكمة هي حقيقة الصراط المستقيم. فلو عُمل بذلك الحق والحكمة تجاه عباد الله لسُمِّي حسنة وإذا عُمل به تجاه الله لسُمِّي الإخلاص والإحسان، وإذا عَمل به الإنسانُ مع نفسه كان اسمه تزكية النفس. وإن الصراط المستقيم لفظ يتضمن الأمور الثلاث أي الحسنة الحقيقية والإخلاص لله وتزكية النفس.

يجب التذكر في هذا المقام أن الصراط المستقيم المبني على الحق والحكمة ثلاثة أقسام، العلمي والعملي والحالي. ثم لهذه الأنواع الثلاث ثلاثة أنواع أخرى. وهي معرفة حق الله وحق العباد وحق النفس في الحق العلمي، وأداء تلك الحقوق في الحق العملي.

والمراد من الحق العلمي في حق الله هو الإيمان بالله واحدا ومبدأ الفيوض كلها وجامعا للميزات كلها ومرجع كل شيء ومآبه ومنزَّها عن كل عيب ونقيصة، وبأنه جامع الصفات الكاملة كلها وهو الجدير بالعبودية حصرا، فهذا هو الصراط المستقيم العلمي في حق الله. الصراط المستقيم العملي هو طاعته بإخلاص وعدم إشراك غيره في طاعته، ودعاء المرء له وحده لسعادته، والتركيز عليه وحده، والفناء في حبه. هذا هو الصراط المستقيم العملي لأن هذا هو الحق بعينه.

والصراط المستقيم العلمي في حق العباد هو أن يعتبرهم المرء بشرا وعباد الله مثله وأن يعتبرهم كمن لا أهمية له لأن المعرفة الحقة تجاه المخلوق هي أنه لا أهمية لوجودهم وأنهم فانون كلهم. وهذا هو التوحيد العلمي لأنه يوحي بعظمة ذات واحد لا نقص فيه وهو كامل في ذاته.والصراط المستقيم العملي هو كسب الحسنة الحقيقية أي كسب المرء ما هو أصلح وأنسب في حقهم في الحقيقة. هذا هو التوحيد العملي لأن هدف الموحد في ذلك هو أن تفنى أخلاقه في أخلاق الله كليا.

والصراط المستقيم العلمي في حق النفس هو أن يطلع المرء على جميع الآفات التي تنشأ في النفس مثل العُجب والرياء والكِبر والحقد والحسد والغرور والحرص والبُخل والغفلة والظلم. وإن اعتبارها أخلاقا رذيلة كما هي في الحقيقة هو الصراط المستقيم العلمي، وهذا هو التوحيد العلمي لأنه يوحي بعظمة ذات واحد لا عيب فيه وهو قدوس في ذاته. والصراط المستقيم العملي في حق النفس هو استئصال تلك الأخلاق الرذيلة من النفس والتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل. هذا هو التوحيد الحالي لأن الموحد يهدف من ذلك إلى تنزيه قلبه من دخل غير الله لينال درجة الفناء في قدوسية الله. ولكن هناك فرق دقيق بينها وبين حق العباد الذي هو الصراط المستقيم العملي، وهو أن الصراط المستقيم العملي بحق النفس هو مَلكة ينالها الإنسان بالمجاهدة. وهو شرف بالمعنى سواء أظهر للعيان في الخارج في حين من الأحيان أم لا. ولكن حق العباد الذي هو الصراط المستقيم هو خدمة تتحقق إذا وصل تأثيرها في الخارج إلى كثير من بني آدم وتحقق شرط الخدمة كما هو حقها. فباختصار، إن تحقق الصراط المستقيم العملي في حق العباد يكمن في تحقق أداء الخدمة. والصراط المستقيم العملي بحق النفس يعتمد على تزكية النفس وأداء الخدمات ليس ضروريا. ويمكن أن تتحقق تزكية النفس هذه بوجود المرء وحيدا في الفلاة أيضا ولكن حق العباد لا يمكن أداؤه دون وجود بني آدم لذلك قيل: لا رهبانية في الإسلام.

وليكن معلوما الآن أن الهدف الحقيقي من وراء الصراط المستقيم العلمي والعملي هو التوحيد العلمي والعملي، أي ذلك التوحيد الذي يتسنى بالعلم وكذلك التوحيد الذي يتأتّى بالعمل. ولا بد من التذكر أن التوحيد فقط قد عُدّ الهدف الحقيقي في القرآن الكريم وأما ما سواه فهي وسائله.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/9/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وفي الآية إشارة أخرى، وهي أن الصراط المستقيم هو النعمة العظمى، ورأس كل نعمة وبابُ كل ما يُعطى، وينتاب العبد نِعمَ الله مُذْ أُعطِيَ له هذه الدولة الكبرى ومُلكٌ لا يبلى. ومن تأهّبَ لهذه النعمة ووُفِّقَ للثبات عليها، فقد دُعِيَ إلى كل أنواع الهدى، ورأى العيشَ النضير والنور المنير بعد ليالي الدجى. نجّاه الله من كل الهفوات قبل الفوات، وأدخله في زمر التُقاة بعد مُقاناة العُصاة، وأراه سبل الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

وأما حقيقة الصراط المستقيم، التي أُريدتْ في الدين القويم، فهي أن العبد إذا أحبّ ربَّه المنّان، وكان راضيا بمرضاته وفوّض إليه الروح والجَنان، وأسلم وجهه لله الذي خلق الإنسان، وما دعا إلا إياه، وصافاه وناجاه، وسأله الرحمةَ والحنان، وتنبّهَ مِن غشيه، واستقام في مشيه، وخشِي الرحمن، وشغَفه الله حُبًّا وأعانَ، وقوّى اليقين والإيمانَ، فمالَ العبد إلى ربه بكل قلبه، وإرْبه وعقله، وجوارحه وأرضه وحقله، وأعرضَ عما سواه، وما بقِي له إلا ربه وما تبِع إلا هواه، وجاءه بقلب فارغ عن غيره، وما قصَد إلا الله في سبل سيره، وتاب من كل إدلال واغترار بمال وذي مال، وحضَر حضرةَ الرب كالمساكين، ووَذَرَ العاجلةَ وألغاها، وأحبَّ الآخرة وابتغاها، وتوكّلَ على الله، وكان لله، وفنى في الله، وسعى إلى الله كالعاشقين .. فهذا هو الصراط المستقيم الذي هو منتهى سير السالكين، ومقصد الطالبين العابدين. وهذا هو النور الذي لا يحلّ الرحمةُ إلا بعد حلوله، ولا يحصل الفلاحُ إلا بعد حصوله، وهذا هو المفتاح الذي يُناجي السالكُ منه بذات الصدور، وتُفتح عليه أبواب الفراسة، ويُجعل مُحدَّثًا من الله الغفور.

ومَن ناجى ربَّه ذاتَ بكرة بهذا الدعاء بالإخلاص وإمحاض النيّة، ورعاية شرائط الاتّقاء والوفاء، فلا شك أنه يحلّ محلّ الأصفياء والأحبّاء والمقرّبين. ومن تأوّهَ آهةَ الثكلان في حضرة الربّ المنّان، وطلَب استجابةَ هذا الدعاء من الله الرحمن، خاشعا مبتهلا وعيناه تذرفان، فيُستجاب دعاؤه ويُكرم مثواه، ويُعطى له هداه، وتُقوَّى له عقيدتُه بالدلائل المنيرة كالياقوت، ويُقوَّى له قلبُه الذي كان أوهنَ من بيت العنكبوت، ويُوفَّق لتوسعة الذَّرْع ودقائق الورع، فيُدعى إلى قِرى الروحانيين، ومطائب الربانيين. ويكون في كل حال غالبا على هَوًى مغلوبٍ، ويقوده برعاية الشرع حيث يشاء كأشجع راكب على أطوعِ مركوبٍ، ولا يبغي الدنيا ولا يتَعَنَّى لأجلها، ولا يسجد لعِجْلها، ويتولاه الله وهو يتولى الصالحين. وتكون نفسه مطمئنة ولا تبقى كالمبيد المُضِلّ، ولا تُحَمْلقُ حملقةَ الباز المُطِلّ، ويرى مقاصدُ سلوكه كالكرام، ولا تكون سُحبه كالجَهام، بل يشرب كل حين من ماء مَعين.

وحثَّ الله عباده على أن يسألوه إدامةَ ذلك المقام، والتثبّت عليه والوصول إلى هذا المرام، لأنه مقام رفيع، ومرام منيع، لا يحصل لأحد إلا بفضل ربه، لا بجهد نفسه، فلا بد من أن يضطر العبد لتحصيل هذه النعمة إلى حضرة العزة، ويسأله إنجاحَ هذه المُنْية بالقيام والركوع والسجدة والتمرغ على تُرْب المَذلّة، باسطًا ذيل الراحة، ومتعرضًا للاستماحة، كالسائلين المضطرين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يتبين من {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أنه عندما تصاب مساعي الإنسان بالكلل والملل يضطر المرء للرجوع إلى الله تعالى في نهاية المطاف. ويكون الدعاء كاملا حين يجمع في طياته الخيرَ كله وينقذ من الشر. ففي {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} اجتمعت كل أنواع الخير، وفي {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} دعاء لاجتناب كل الشرور حتى من فتنة الدجال. المراد من المغضوب عليهم هم اليهود، والمراد من الضالين هم النصارى بالإجماع. فإن لم يكن في ذلك سرّ أو حقيقة فماذا كان الهدف من تعليم هذا الدعاء أصلا؟ ثم التركيز عليه بشدة حتى لا تصلح الصلاة بدونه بل فُرضت قراءته في كل ركعة. كان السر في ذلك أن فيه إيماء إلى زمننا فالصراط المستقيم الآن هو صراطنا وحده.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/2/17م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

والصراط المستقيم هو أن في أيدي المسلمين ثلاثة أشياء للاعتصام بهدايات الإسلام وهي:

(1) القرآن الكريم الذي هو كتاب الله وليس في أيدينا كلام أكثر منه قطعية ويقينا، فهو كلام الله ونزيه من شوائب الشك والظن.

(2) السُنَّة. وهنا أتحدث بعيدا عن مصطلحات أهل الحديث، أي لا نعتبر الحديث والسنَّة شيئا واحدا كما هو طريق المحدثين العاديين. بل الحديث شيء والسنَّة شيء آخر. المراد من السنة عندي هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحظى بتواتر العمل به، وقد ظهر مع القرآن الكريم منذ البداية وسيبقى معه إلى الأبد. أو يمكن أن نقول بتعبير آخر بأن القرآن الكريم قول الله تعالى والسنَّة فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .- ومن سنة الله القديمة أنه كلما يأتي الأنبياء عليهم السلام بقول الله تعالى لهداية الناس يفسرونه بعملهم أي ينفِّذونه بعملهم حتى لا يشتبه على الناس فهْم ذلك القول. فيعمل به الأنبياء ويطلبون ذلك من الآخرين أيضا.

(3) الوسيلة الثالثة للهداية هي الحديث، وقصدي من الحديث هو الآثار التي جُمعت بصورة القصص بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمئة وخمسين عاما تقريبا بواسطة مختلف الرواة.

(المصدر: كتاب التعليق على المناظرة بين البطالوي وجكرالوي)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد سُمِّيَ (الإسلام) في القرآن الكريم بالاستقامة، كما علّم الله دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أي صراط الذين نالوا إنعامات منك وفُتحت عليهم أبواب السماء. وليكن معلوما أن استقامةَ كلِّ شيء تُعرَف بالنظر إلى غايته المنشودة. والغاية المنشودة من وجود الإنسان هي أنه خُلق ليكون لله تعالى. فالمراد من استقامة الإنسان أن يصير لله تعالى في الحقيقة كما أنه قد خُلق أصلًا للطاعة الأبدية لله تعالى. وحين يصبح الإنسان لله تعالى بكل قواه ستنزل عليه من الله بلا شك نعمة يمكن تسميتها بتعبير آخر بالحياة الطاهرة. كما ترون أنه إذا فُتحت النافذة إزاء الشمس دخلت أشعتُها من خلالها حتما كذلك إذا استقام الإنسان متوجها إلى الله تعالى ولم يبق بينه وبين الله حجاب عندها تنزل عليه شعلة نورانية فورا وتنوِّره وتغسل أرجاسه الداخلية. فيصبح إنسانا جديدا تماما ويحدث فيه تغيُّر كبير. عندها يقال إن ذلك الإنسان نال حياة طاهرة. وإن مقام الحصول على هذه الحياة الطاهرة هي هذه الدنيا كما يشير الله جلَّ شأنُه في قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاأي مَن كان أعمى في هذه الدنيا ولم يُعطَ نورا لرؤية الله فسيكون أعمى في الآخرة أيضا.

(المصدر: كتاب الرد على أسئلة أربعة لسراج الدين المسيحي)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لا شك أن من الشروط الضرورية للإلهام الصادق أن يشرح بنفسه مواضعَه المجملة. كما في القرآن الكريم آية في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ـ فإن عبارة: “أنعمتَ عليهممجملة وتحتاج إلى الشرح، فشرحها الله تعالى في آية أخرى: فقال: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اُلله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}

(المصدر: كتاب الحرب المقدسة، بيان 24 أيار/مايو)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

فهناك مراتب الكمال الأربعة التي يجب على كل مؤمن أن يتحراها. ومن كان محروما منها فإنه محروم من الإيمان أصلا. لذلك فقد بيّن الله عز وجل للمسلمين دعاءً في سورة الفاتحة أن يدعوه للحصول على هذه المراتب الأربعة، فقال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم}. وقد فُصِّلت هذه الآية في موضع آخر من القرآن الكريم وقيل إن المراد من المنعَم عليهمهم النبيون والصِّدِّيقون والشهداء والصالحون. وأما الإنسان الكامل فيجمع في نفسه هذه الكمالات الأربعة كلها.

(المصدر: كتاب ترياق القلوب)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن الهدف والغرض من حياة الإنسان هو السلوك على الصراط المستقيم وتحريه كما ذُكر في هذه السورة بكلمات: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم.} وهذا الدعاء يُدعى به في كل صلاة وفي كل ركعة منها وإن تكراره إلى هذا الحد يبين أهميته. فلتتذكر جماعتي أن هذا ليس بأمر عادي وليس المقصود من ذلك ترديد الكلمات مثل الببغاء بل هي وصفة صائبة ولا تخطئ الهدف لجعْل الإنسان كاملا ويجب أن يجعلها الإنسان نصب عينيه وينتبه إليها دائما كأنها رقية. وفي هذه الآية دعاء للحصول على أربعة كمالات. فإن حصل المرء على هذه الكمالات الأربعة فكأنه أدّى حق الدعاء وحق خلق الإنسان، وبذلك سيؤدَّى أيضا حق استخدام القوى والمواهب التي أُعطيها.

يجب ألا ننسى أن بعض آيات القرآن الكريم تفسر بعضها الآخر، فيُجمَل الأمر في آية ويُفصَّل في آية أخرى وكأن الثاني يفسر الأول. فقوله تعالى هنا: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم} جاء مجملا، ثم فسر عز وجل المنعَمَ عليهم في آية أخرى هي: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.} إن الناس المنعَم عليهم أربع أنواع: الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون. والأنبياء عليهم السلام يجمعون في أنفسهم الميزات الأربعة كلها لأنها تمثل الكمال الأعلى. ومن واجب كل إنسان أن يسعى للعمل متأسيا بأسوة النبي صلى الله عليه وسلم حيثما كانت الضروة للمجاهدة.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/3/31م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إذا قرأتم القرآن الكريم بتدبر سيتبين لكم أن الله تعالى علّم في سورته الأولى دعاء: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ولا يُعدّ الدعاء جامعا إلا إذا ضم في طياته المنافع والمصالح كلها وأنقذ من الخسارات والمضرات كلها. فقد طُلبت في هذا الدعاء المنافعُ العليا التي يمكن وجودها في دعاء، وفيه دعاء أيضا لاجتناب أكثر الأشياء ضررا يهلك الإنسان. لقد قلتُ مرارا بأن المنعَم عليهم أربعة أنواع، أولا: الأنبياء، وثانيا: الصديقون، وثالثا: الشهداء ورابعا الصلحاء. وفي هذا الدعاء قد طُلبت كمالات هذه الأحزاب الأربع. إن كمال الأنبياء العظيم هو أنهم ينالون الأخبار من الله تعالى كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍوالذين ينالون نصيبا من كمالات النبوة يخبرهم الله تعالى بالأحداث المقبلة قبل الأوان. وهذه آية عظيمة للمبعوثين من الله تعالى ومرسليه، ولا معجزة أكبر منها.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/3/17م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الحزب المحمدي الخالص المنزَّه من شوائب كل قذارة الذي غُسل بالتوبة النصوح هم حزب كثير العدد من حيث الإيمان ودقائق العرفان والعلم والعمل والتقوى، وهم حزبان فقط بحسب الآية: {ثُلَّةٌ مِنَ الَْأوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} أي حزب الأولين وحزب الآخرين الذين هم جماعة المسيح الموعود. ولأن الحكم يُطلَق على كثرة المقدار وكمال جلاء الأنوار لذا فإن المراد من: “أنعمتَ عليهمفي هذه الآية هم هؤلاء الحزبان أي النبي صلى الله عليه وسلم بجماعته والمسيح الموعود بجماعته. فملخص الكلام أن الله تعالى أنشأ في هذه الأمة حزبين منذ البداية، وقد أشير إليهما في أنعمتَ عليهمفي سورة الفاتحة، وهما: الأولين الذين هم جماعة النبي صلى الله عليه وسلم ، والآخرين الذين هم جماعة المسيح الموعود.

( المصدر : كتاب التحفة الغولروية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أمركم الله تعالى أن تقرأوا في صلواتكم الخمسة دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أيْ دلَّنا يا ربنا على صراط عبادك المنعَم عليهم. من هم المنعَم عليهم؟ هم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون. كان الدعاء يتلخص في أنه إذا وجدتم زمنَ أيّ واحد من هؤلاء الأحزاب الأربعة يجب أن تستظلوا بظلهم وتستفيضوا منهم.

(المصدر: الإعلان بعنوان: علامة القيامة، المنشور في مرآة كمالات الإسلام)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وقال الله جلّ شأنه {ثُلَّةٌ مِّنَ الَأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}، وحثَّ عباده على دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فما معنى الدعاء لو كُنّا من المحرومين؟ وأنت تعلم أن الذين أنعم الله عليهم أوّلًا هم الأنبياء والرسل، وما كان الإنعام مِن قسمِ درهم ودينار، بل من قسم علوم ومعارف، ونزول بركاتٍ وأنوار، كما تَقرّرَ عند العارفين.

وإِذا أُمرنا بهذا الدعاءِ في كل صلاة فما أمَرَنا ربُّنا إلا ليُستجاب دعاؤنا، ونُعطَى ما أُعطيَ من الإنعامات للمرسلين. وقد بشّرنا عز اسمه بعطاء إنعاماتٍ أنعم على الأنبياء والرُّسُل من قبلنا وجعلنا لهم وارثين. فكيف نكفر بهذه الإنعامات ونكون كقوم عمين؟ وكيف يمكن أن يُخلِف الله مواعيده بعد توكيدها ويجعلنا من المخيَّبين؟

أنت تعلم يأ أخِي أن سراة الْمُنعَمين عليهم هم الأنبياء والرسل، وقد بشّرنا الله بعطاء هُداهم وبصيرتهم الكاملة التي لا تحصل إلا بعد مكالمة الله تعالى أو رؤية آياته. عفا الله عنك .. كيف زعمت أن أولياء الله محرومون من مُكالمة الله ومخاطباته وليسوا من المكلَّمين؟

(المصدر: كتاب تحفة بغداد)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ندعو في الصلاة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}. … والمراد من ذلك أننا نريد من الله تعالى من أجل التقدم في الإيمان ولخير البشر أربع آيات بصورة الكمال. وهي: كمال الأنبياء وكمال الصِّدِّيقين، وكمال الشهداء، وكمال الصالحين. فالكمال الخاص بالنبيِّ هو أن ينال من الله تعالى علم الغيب كآية. وكمال الصِّدِّيق هو أن يتمكن من كنز الصدق كاملا، أي أن يكون مطلعا على حقائق كتاب الله بوجه أكمل حتى تكون آية لكونها خارقة للعادة، وتشهد على صدق هذا الصِّدِّيق.

وكمال الشهيد هو أن يُظهر، في وقت المصائب والمعاناة والابتلاءات، قوةَ الإيمان والأخلاق الفاضلة والصمود والثبات التي تكون آية لكونها خارقة للعادة. وكمال الصالح أن يكون بعيدا عن كل نوع من الفساد ويصير صلاحا متجسدا حتى يُعَدَّ صلاحُه الكامل آيةً لكونه خارقا للعادة.

فهذه الكمالات الأربعة حين نسألها في الصلوات الخمس، فإننا بتعبير آخر نطلب من الله تعالى آية سماوية. ولا إيمان لمن لا يوجد فيه هذا الطلب.

إن مغزى صلاتنا هو أننا نسأل الله تعالى أربع آياتٍ بأربعة أساليب في صلواتنا الخمس، وكذلك نقدِّس الله تعالى في الأرض لكيلا تتحول حياتُنا إلى حياة الإنكار والشك والغفلة فتنجِّس الأرضَ. ولا يسع أحدا أن يقدِّس الله ما لم يسأله هذه الآيات الأربع باستمرار.

(المصدر: ملحق كتاب ترياق القلوب)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

فباختصار، إن الحصول على الكمالات التي توجد في حزب المنعَم عليهم التي أشير إليها في: “صراط الذين أنعمتَ عليهمهو الهدف الحقيقي لكل إنسان، وعلى جماعتنا أن ينتبهوا إليه بوجه خاص لأن الله تعالى أراد من تأسيس هذه الجماعة أن يقيم جماعة كالتي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم لتكون هذه الجماعة شاهدة على صدق القرآن الكريم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم في الزمن الأخير. الكمال الأول من الكمالات التي يُعطاها المنعم عليهم هو كمال النبوة وهو يحتل مقاما أعلى جدا. إنني متأسف على أني لا أجد كلمات لبيان حقيقة هذا الكمال. القاعدة المتَّبَعة هي أنه على قدر علو مرتبة الشيء تعجز الكلمات عن وصفه. أما النبوة فمقام ليس فوقه درجة أو مرتبة للإنسان فأنّى يمكن بيانها؟

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/3/31م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن الذين يحبون الله ويفنون في حبه تعالى، أي جماعة الأنبياء، يجدون في أنفسهم حماسا أكثر بكثير من عشق العشاق الدنيويين لأن الله يتوب على التائبين لدرجة يتوجه إليهم أكثر منهم حتى إذا جاء أحد إلى الله مشيا جاءه الله تعالى هرولة. فلو توجه أحد إلى هذا الإله وفنى في حبه لأحرقت نارُ حبه وعشقه الأماني والأهواء النفسانية. ثم تدخلهم الروحُ الناطقة، فالنطق الذي يبدأ من جانبها يكون نُطق الله تعالى. ويمكن القول بتعبير آخر بأن الإنسان يدعو الله وهو يجيبه. فهذا كمال النبوة الذي ذُكر في أنعمت عليهم.” لذا عندما يدعو الإنسان: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهمينبغي عليه أن ينتبه بالإضافة إلى ذلك إلى نيل هذا الكمال للنبوة.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/4/17م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

والكمال الثاني في أنعمت عليهمهو كمال الصديقين. وبنيل هذا الكمال تنكشف حقائق القرآن الكريم ومعارفه. ولكن هذا الفضل والفيض أيضا يأتي بتأييد من الله تعالى. إن ديننا هو أنه لا يمكن تحريك إصبع أيضا دون تأييد الله وفضله. صحيح أنه من واجب الإنسان أن يسعى ويجاهد قدر الإمكان ويطلب التوفيق لذلك أيضا من الله تعالى ولا ييأس قط لأن المؤمن لا ييأس كما يقول الله تعالى: {لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اِلله إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}. اليأس شيء سيئ جدا، ولا ييأس إلا من يظن بالله ظن السوء. تذكروا جيدا أن الفساد كله ينجم عن سوء الظن لذا منع الله تعالى منه بشدة وقال: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/4/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن قرب الله تعالى والحياة أيضا إنعام من الله ومشمول في: “أنعمتَ عليهم.” إن معارضينا يعتبرون المسيح حائزا على هذا الإنعام ويعدّون النبي صلى الله عليه وسلم محروما منه. لماذا لا يستحيون من هذا المعتقد؟ الحياة الطويلة يمكن عدُّها إنعاما إذا كانت بحسبما ورد في القرآن الكريم: {وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الَْأرْضِ}.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/2/10م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الأسف كل الأسف، لا أدري ما الذي حدث بعقول هؤلاء الناس؟ لماذا لا يفهمون أن ما ورد في القرآن الكريم: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، ليس قولا بلا معنى وبلا هدف وليس قصة فارغة أَوَ ليس الإنعام المذكور فيه شيء يُذكر؟ أم أنه قول بلا معنى وبلا هدف أم هي قصة فارغة؟ أَوَ ليس الإنعام المذكور فيه شيء ذو بال، وهو خديعة من الله فقط أراد الله تعالى أن يحرم بسببها الباحثين عنه والصادقين؟ كم هو ظلم عظيم الظن بالله أنه يتلاعب بالكلمات فقط. هذا ليس صحيحا بل هي أفكارهم المفترضة فقط بل الحق أن القرآن الكريم يوصل الإنسان إلى المراتب والمدارج العليا التي أُعطيها الذين ينطبق عليهم أنعمت عليهم.” ما مضى زمان خلا من دلائل حية على كلام الله. لا نعتقد مثل الآريين أنه مهما تضرع محب الله وعابده ومهما أهلك نفسه في هذا السبيل لن يسفر ذلك عن نتيجة. الإسلام ليس دينا يابسا بل هو دين حي إلى الأبد، وآياته لم تنحصر على الأزمنة الغابرة فقط.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/9/30م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن كان صحيحا أن الله تعالى قد ختم على جميع أنواع البركات والإمامة والولاية، وقد أوصِد هذا الباب إلى الأبد لما كسر قلوب الباحثين الصادقين عن الله أكثر من هذا الكلام، وكأنهم ماتوا وهم أحياء ولن يبقى في أيديهم لبٌّ ومغزى وإنما قصص واهية فقط. وإذا كان الشيعة يعتبرون هذا المعتقد صحيحا فلماذا يقرأون في صلواتهم الخمسة كل يوم دعاء: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم؟ لأن هذا الدعاء لا يعني إلا أن هَبْ لنا يا ربنا القادر صراط قربك الذي وهبتَه للأنبياء والأئمة والصديقين والشهداء. إذًا، هذه الآية توحي بجلاء أن باب كمالات الإمامة مفتوح إلى الأبد. وهكذا يجب أن يكون في الحقيقة. ولإثبات ذلك وزّعتُ عشرين ألف إعلان على البلاد والأمصار المختلفة. ولولا وجود هذه البركة فأين أفضلية الإسلام أصلا؟

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/3/10م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، وجميع المفسرين متفقون على أن الهدف من تعليم: “اهدنا الصراط المستقيمهو التشبّه بالأنبياء قد أرسل الله تعالى الأنبياء عليهم السلام إلى الدنيا ليقيم فيها أمثالهم، الأمر الذي هو أصل حقيقة الاتّباع. إن لم يكن الأمر كذلك لكانت النبوة لغوا. لا يأتي الأنبياء ليُعبَدوا بل لكي يتأسى الناس بأسوتهم ويتشبَّهوا بهم ويفنوا فيهم وكأنهم هم. يقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَلله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اُلله} فإذا أحب الله أحدًا هل يحرمه من نعمة؟ والمراد من الاتّباع هو مرتبة الفناء التي توصل المرء إلى درجة المثيل، وهذا معتَرَف به عند الجميع ولن ينكره إلا من كان جاهلا وسفيها أو ملحدا.

(المصدر: كتاب أيام الصلح)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الأنبياء يُبقَون من حيث الظل، وإن الله تعالى يخلق عبدا من عباده كنظير ومثيل لهم بصورة ظليةٍ كلما مست الحاجة. فيكون هذا العبد سببا لحياتهم الدائمة متصبغا بصبغتم. ولإبقاء هذا الوجود الظلي علّم الله عباده دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} والمعلوم أن إنعام الله الذي أُنعِم على الأنبياء وأُمرنا بطلبه في هذا الدعاء ليس من قبيل الدراهم والدنانير بل يتمثل في الأنوار والبركات والحب واليقين والخوارق والتأييدات السماوية والقبول والمعرفة التامة الكاملة والوحي والكشوف. وقد أمر الله تعالى هذه الأمة لتسأل هذا الإنعام إذا كان قد أراد إعطاءه إياهم. فثبت من هذه الآية بكل وضوح أن الله تعالى قد جعل هذه الأمة وارثة للأنبياء جميعا بصورة ظلية لكي يبقى وجود الأنبياء دائما بصورة ظلية، وألا تخلو الدنيا من وجودهم أبدا. ثم لم يقتصر الله تعالى على تعليم الدعاء فقط بل وعد أيضا باستجابته فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاوالمعلوم أن سبل الله هي التي أُرِيَها الأنبياء.

(المصدر: كتاب شهادة القرآن)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

هل يمكنكم القول بأن شمس الوحي الإلهي كانت تطلع في الأزمنة الماضية على وجه اليقين ولكن لم يعد فيها الجلاء نفسه الآن؟ وكأنه لم تبق وسيلة للوصول إلى المعرفة اليقينية في المستقبل، بل اقتصرت على الأزمنة الخالية فقط؛ وكأن سلطنة الله وحكمه وإفاضته قد انقطعت بعد مدة وجيزة. ولكن كلام الله تعالى يشهد على عكس ذلك لأنه يعلِّم دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}؛ ففي هذا الدعاء قد أعطى الله تعالى أملا بالإنعام الذي أُعطِيه الأنبياء والرسل من قبل. ومعلوم أن أعظم تلك الإنعامات كلها إنما هو إنعام الوحي اليقيني، لأن كلام الله يقوم مقام رؤيته عز وجل ، وبواسطته يطلع الإنسان على وجود الله. فإذا لم يحظَ أحد من الأمة بالوحي اليقيني، ولا يستطيع أحد منهم أن يتجرَّأ على أن يعدَّ وحيه وحيا يقينيا وقطعيا كوحي الأنبياء عليهم السلام، ولم يكن وحيه من النوع الذي يضرُّ الدنيا إهمالُه وتركُ اتباعه والعمل به على غرار وحي الأنبياء فإن تعليم مثل هذا الدعاء ليس إلا خداعا محضا؛ لأنه لو لم يُرد الله تعالى أن يشرك الأمةَ، وفق الدعاء {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، في إنعامات أُعطِيها الأنبياءُ عليهم السلام، فلماذا علّم الدعاء أصلا؟ ولماذا رغّب في الدعاء الذي لا يمكن تحققه؟ فلو لم يكن تعليم هذا الدعاء لإكرامكم بنعمة اليقين والمعرفة، بل كان كلاما معسولا فقط، لثبت أنكم أتعس الأمم كلها حظًّا، وأن الله تعالى لا يريد أن ينجِّيها بسقيها ماء عين اليقين، بل يريد هلاكها بتركها تهيم في متاهات الشكوك والشبهات. ولكن اعلموا يقينا أنه قد قُطع لهذه الأمة نصيب من الإنعامات التي أُعطِيها الأنبياء من قبل، لأنه لو لم يُودع في فطرة الكُمَّل من المسلمين نصيب منها، لما وُجدت في قلوبهم رغبة الوصول إلى مرتبة حق اليقين في معرفة الله تعالى. وإن أعظم الإنعامات المذكورة سابقًا، إنعام المكالمات والمخاطبات اليقينية التي بسببها يتقدم الإنسان في معرفة الله عز وجل وكأنه يراه، فيؤمن به – سبحانه وتعالى إيمان الرؤية.

( المصدر: كتاب نزول المسيح)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أمر الله تعالى المؤمنين في مستهل سورة الفاتحة أن يدعوا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.} وقد علّمه ليقوّي الإنسانُ همته ويدرك مشيئة خالقه وهي ألا يعيش كالبهائم بل تُزال منه الحجب كلها. يعتقد الشيعة أن الولاية انقطعت بعد 12 إماما، ولكن يتبين من هذه الآية على النقيض من ذلك أن الله تعالى قد أراد سلفا أن المتقي الذي يسلك مسلك مرضاة الله يستطيع أن ينال المراتب التي ينالها الأنبياء والأصفياء. كذلك يتبين أيضا من الآية نفسها أن الإنسان قد نال قوى عديدة سوف تنمو وتتطور كثيرا. فمثلا إن الماعز الذي ليس إنسانا لا يمكن لقواه أن تتطور، ولكن عندما يسمع الإنسان ذو الهمة العالية سوانح الرسل والأنبياء يود ألا يقتصر على الإيمان فقط بالإنعامات التي أُعطيت لهذه الجماعة المقدسة بل أن ينال عنها علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين بالتدريج.

إن للعلم ثلاث مدارج، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. اليقين بوجود النار بمشاهدة الدخان هو علم اليقين. أما رؤية النار بعينها بالعين هو عين اليقين. وتفوقُهما درجة حق اليقين وهي إدخال اليد في النار واليقينُ بوجودها نتيجة الشعور بحرقها. فما أشقى ذلك الإنسان الذي لم يتسنّ له أيٌّ من هذه الدرجات الثلاث. والذي لا يحظى بفضل الله تعالى بحسب هذه الآية فهو يقوم بتقليد أعمى فحسب. يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} هذا وعدٌ ومن جانب آخر هناك دعاء: “اهدنا الصراط المستقيم، فعلى الإنسان أن يدعو بإلحاح نظرا إلى ذلك ويتمنى أن يكون من الذين حازوا التقدم والبصيرة لئلا يُرفع من هذا العالم دون بصيرة. فيقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى.} المراد من ذلك أنه يجب علينا أن نأخذ العيون من هذا العالم لمشاهدة ذلك العالم. إن الحواس للإحساس بذلك العالم تُعَدّ في هذا العالم. فهل يمكن التصور أن يعِد الله تعالى بشيء ثم لا يفي به؟ والمراد من الأعمى هو المحروم من المعارف والمتعة الروحانية. فمن وُلد في بيت المسلمين سمِّي مسلما كتقليد أعمى. كذلك مَن وُلد في بيت المسيحيين أصبح مسيحيا. لذلك لا يكن أدنى احترام لله والرسول والقرآن الكريم. وإن حبه للدين أيضا جدير بالاعتراض ويُعّد من الذين يسيئون إلى الله والرسول. والسبب في ذلك أنه لا يملك عينين روحانيتين، ولا حبا للدين. وإلا هل لمحبّ أن يحتمل شيئا ضد حبيبه؟ فباختصار، لقد علّم الله تعالى العبد بأنه جاهز للإعطاء إن كنت أنت جاهزا للقبول. فإن هذا الدعاء استعداد لقبول تلك الهداية. وبعد هذا الدعاء قال في بداية سورة البقرة: “هدى للمتقينوكأن الله استعد للإعطاء.

(المصدر: خطبة الجلسة السنوية، عام 1897م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ولو استُنبط من كلمة النبيمعنى أن الله جلّ شأنه يكلٍّمه ويخاطبه ويكشف عليه بعضا من أسراره الغيبية فأيّ غضاضة في كون فرد من الأمة نبيا من هذا النوع؟ وخاصة أن الله تعالى قد قال في القرآن الكريم أكثر من مرة بأن فردا من الأمة يمكن أن ينال شرف المكالمة والمخاطبة الإلهية، وأن الله تعالى يخاطب أولياءه ويكلّمهم. بل علّم الله في سورة الفاتحة التي تُتلى في الصلوات الخمس يوميا دعاءً: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لنيل هذه النعمة بالذات؛ فلماذا يُرفض إذًا نوال أحد من الأمة هذه النعمة؟ هل النعمة التي طُلبت من الله تعالى في سورة الفاتحة وأُعطِيها الأنبياء تتمثل في الدراهم والدنانير؟ من المعلوم أن الأنبياء عليهم السلام نالوا نعمة المكالمة والمخاطبة الإلهية التي بسببها بلغت معرفتهم مبلغ حق اليقين، وناب تجلّي الكلام مناب الرؤية. فالدعاء الذي ندعو به أي: اهدنا الصراط المستقيم ونرث بسببه نحن أيضا تلك النعمة ماذا عسى أن يكون معناه إلا أن هبْ لنا يا ربنا شرف المكالمة والمخاطبة؟

هنا يقول بعض من قليلي الفهم إن هذا الدعاء إنما يعني أن اجعلْ إيماننا قويا ووفِّقنا للأعمال الصالحة التي ترضاها. ولكنهم لا يدرون أن تقوية الإيمان وكسب الأعمال الصالحة والعمل بحسب مرضاة الله كلها أمور تأتي نتيجة المعرفة الكاملة. والقلب الذي ما نال نصيبا من معرفة الله، يكون محروماً من الإيمان القوي والأعمال الصالحة أيضا. إن خشية الله تتولد في القلب نتيجة المعرفة وحدها. وبالمعرفة فقط يهيج حب الله في القلب. كما يلاحَظ في الدنيا أيضا أن خوف كل شيء أو حبّه ينشأ نتيجة المعرفة وحدها. فمثلا إذا كان الأسد واقفا بجنبك دون أن تدرك وجوده بل تظن أنه خاروف لن تهابه أبدا، ولكن حالما تعرف أنه أسد تفرُّ من المكان عفويا وكأنك فاقد صوابك. كذلك إذا كان هناك حجر كريم يبلغ ثمنه مئات الآلاف مرميًّا في الفلاة وحسبته حجرا محضا لن تعيره أدنى اهتمام. ولكن لو عرفتَ أنه حجر كريم ذو شأن عظيم لصرتَ في حبه كالمجنون، ولبذلتَ لنيله جهد المستطيع. فتبين من ذلك أن الحب والخوف كله يعتمد على المعرفة وحدها. والإنسان لا يُقحم يده في جُحر يعرف أن فيه حيّةً سامةً، ولا يمكنه أن يهجر مكانا يوقن أن كنزا كبيرا مدفون تحته. فلما كان الخوف والحب كله موقوفا على المعرفة لا يمكن للإنسان أن يخضع لله تعالى أيضا بوجه كامل إلا إذا كانت لديه معرفته، ليطّلع أولا على وجوده ثم تتبين له صفاته الحسنة وقدراته الكاملة. وهذا النوع من المعرفة لا يتيسر إلا إذا كان أحد حائزا على شرف مكالمة الله ومخاطبته. ثم يوقن حق اليقين بإعلام من الله أنه سبحانه وتعالى عالم بالغيب وقادر يفعل ما يشاء. فالنعمة الحقيقية التي تتوقف عليها قوة الإيمان والأعمال الصالحة إنما هي مكالمة الله ومخاطبته التي بواسطتها يعرف المرء وجوده عز وجل أولا ثم يطّلع على قدراته، ثم يرى تلك القدرات بأم عينيه بحسب هذا الاطلاع.

هذه هي النعمة التي أُعطيها النبيون عليهم السلام. ثم أمر الله الأمة أن اسألوني هذه النعمة فأعطيكموها ..

إن مكالمة الله ومخاطبته هي وحدها أساس المعرفة ومصدر البركات كلها. فلو أُوصد هذا الباب على الأمة لسُدَّت أبواب السعادة كلها في وجهها.

(المصدر: كتاب البراهين الأحمدية، الجزء الخامس)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

والجدير بالذكر أن هذه الأمة وُعدت بكل الإنعامات التي أُعطيها الأنبياء والصديقون من قبل. ومن جملتها تلك النبوات والنبوءات التي بسببها سُمِّي الأنبياء السابقون أنبياء دائما. لكن القرآن الكريم أغلق أبواب علوم الغيب على غير النبي والرسول كما يتضح من الآية الكريمة {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ.} لذا فلا بد لمن يتلقى الغيب النزيه أن يكون نبيا.

إن آية أنعمت عليهم“: تشهد أن هذه الأمة ليست محرومة من الغيب الواضح. وعلم الغيب الواضح يتطلب النبوة والرسالة بحسب منطوق هذه الآية، وأن باب الحصول عليه بصورة مباشرة مغلَق. لذا لا بد من القبول أن الباب لهذه الموهبة مفتوح بطريق البروز والظلية والفناء في الرسول فقط.

(المصدر: كتاب إزالة الخطأ)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ثم انظر إلى قوله تعالى ودعائه الذي علّمَنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ}، فإنّا أُمِرنا أن نقتدي الأنبياء كلهم ونطلب من الله كمالاتهم، ولما كانت كمالات الأنبياء كأجزاء متفرقة وأُمِرنا أن نطلبها كلها ونجمع مجموعة تلك الأجزاء في أنفسنا، فلزم أن يحصل لنا شيء بالظلية ومتابعةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحصل لفردٍ فردٍ من الأنبياء. وقد اتفق علماء الإسلام أنه قد يوجد فضيلة جزئية في غير نبي لا توجد في نبي“.

(المصدر: كتاب حمامة البشرى)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن المعجزاتِ تقتضي الكراماتِ، ليبقى أثرها إلى يوم الدين. وإن الذين ورثوا نبيّهم يُعطَون مِن نِعمه على الطريقة الظلّية، ولولا ذلك لبطلت فيوض النبوّة، فإنهم كأثرٍ لعينٍ انقضى، وكعكسٍ لصورة في المرآة يُرَى، وإنهم اكتحلوا بمِرْوَدِ الفناء، وارتحلوا من فِناء الرياء، فما بقي شيء من أنفسهم وظهرت صورة خاتم الأنبياء، فكل ما ترون منهم من أفعال خارقة للعادة، أو أقوال مشابهة بالصحف المطهّرة، فليست هي منهم بل مِن سيدنا خير البريّة، لكن في الحُلل الظلّية. وإن كنتم في ريب من هذا الشان، لأولياء الرحمن، فاقرأوا آية: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بالإمعان“.

(المصدر: كتاب الهدى والتبصرة لمن يرى)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إذن فما دام الله قد أراد أن يهب لطلاب الحق العرفانَ الكامل فلا بد أن يكون سبحانه وتعالى قد ترك لهم باب المكالمة والمخاطبة مفتوحا أيضا.

قال الله جل شأنه في القرآن الكريم في هذا الشأن: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، والمراد بالإنعام هنا الإلهام والكشف وما شابههما من العلوم السماوية التي يؤتاها الإنسان مباشرة من لدن الله تعالى.

(المصدر: كتاب فلسفة تعاليم الاسلام)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.} يتبين من هذه الآية التي تُتلى في الصلوات الخمس أن الإنعام الروحاني الذي هو المعرفة الإلهية والحب الإلهي يُنال بواسطة الأنبياء والرسُل فقط، ولا يُنال بأية وسيلة أخرى.

(المصدر: كتاب حقيقة الوحي)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ولأن الله تعالى يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جامعُ كمالاتِ جميع الأنبياء، لذا فقد أمرنا أن ندعو في صلواتنا الخمس كل يوم دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أي اللهم ارزقنا كمالات جميع الأنبياء والرسل والصديقين والشهداء الذين سبقوا.

(المصدر: كتاب حقيقة الوحي)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، معنى هذه الآية أن الأفضال والإنعامات التي أُنعِم بها على جميع الأنبياء والصديقين من قبل، أنعِمْ بها علينا أيضا ولا تحرمنا من أي فضل. لقد أُعطِيت الأمة في هذه الآية أملا عظيما لا تشاركه أمم سابقة لأن كمالات جميع الأنبياء كانت متفرقة فيما مضى، وتلقت الأمم السابقة بركات وإنعامات متفرقة. أما الآن فقد علّم الله تعالى هذه الأمة دعاء أن يطلبوا منه جُلّ تلك الكمالات المتفرقة. فمن الواضح أنه عندما تجتمع الكمالات المتفرقة في مكان واحد ستفوق بمجموعها كثيرا الكمالات المتفرقة. فمن هذا المنطلق قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}

(المصدر: كتاب ينبوع المسيحية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وليكن معلوما أن باب المكالمات والمخاطبات مفتوح للأمة، وأن هذا الباب يشهد بصدق القرآن الكريم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم شهادة متجددة دائما. لذلك علّم الله تعالى في سورة الفاتحة دعاء: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهموفي تعليم الدعاء صراط الذين أنعمت عليهمإشارة إلى الحصول على كمالات الأنبياء عليهم السلام. والمعلوم أن الكمال الذي أُعطيه الأنبياء عليهم السلام كان كمال معرفة الله تعالى. وقد حازوا على هذه النعمة بالمكالمات والمخاطبات، فتمنَّوها أنتم أيضا.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1906/10/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اقرأوا كلام الله بتدبر لتعرفوا ما الذي يريده الله منكم. لا يريد عز وجل منكم إلا ما عُلِّمتم عنه في سورة الفاتحة دعاءً: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم.} فما دام الله تعالى ينصحكم أن تدعو في صلواتكم الخمس لتُعطَوا نِعَمًا أعطيها الأنبياء والرسل؛ فأنّى لكم أن تنالوها بدونهم. فلا بد من أن يأتي أنبياء الله بين حين وآخر بُغية رفعكم إلى مرتبة اليقين والحب لتنالوا النِعم بواستطهم.

(المصدر: محاضرة سيالكوت)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

أيُّ كتاب سوى القرآن علّم قرّاءه منذ البداية هذا الدعاء وأراهم بارقة الأمل هذه؟ أعني قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، أي: أَرْشِدْنا إلى سبيل نعمائك التي أرشدتَ إليها الأولين من المنعَم عليهم من النبيين والرسل والصدّيقين والشهداء والصالحين. لذلك فارفعوا هِمَمَكم، ولا تردّوا دعوة القرآن، فإنه يريد أن يهبكم النعم التي وهبها للأولين. ألم يُعطِكم مُلْكَ بني إسرائيل وقُدْسَهم التي لا تزال في قبضتكم حتى اليوم؟ فيا ضعفاء الإيمان وضعفاء الهمّة، أتظنّون أن الله جعلكم خلائفَ لأملاك بني إسرائيل المادية كلها، لكنه لم يقْدر أن يجعلكم خلائف لهم روحانيًا! كلا، بل إن الله يريد أن يُنعم عليكم أكثر مما أنعم عليهم. لقد أورثَكم ربُّكم أمتعتَهم وأموالهم الروحية والمادية، أما أنتم فلن يرثكم أحد حتى تقوم القيامة. لن يحرمكم الله أبدًا نعمةَ الوحي والإلهام والمكالمة والمخاطبة الإلهية وسيُتمّ عليكم جميعَ النِعم التي أوتيَها الأوّلون فعليكم أن تزدادوا صدقًا وسدادًا وتقوى وحبًّا لله حبًّا ذاتيًا، واجعلوا هذا الأمر نصب أعينكم ما دمتم أحياءً، ثم يشرِّف الله بمخاطبته وكلامه أيضًا مَن يشاء له ذلك منكم.

(المصدر: كتاب سفينة نوح)

 

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لا يؤمن المرء إيمانا حقيقيا ما لم يتصف بهاتين الصفتين، أي ما لم يترك السيئات ويكسب الحسنات، إذ قد قيل في نعت المؤمن الكامل: “أنعمت عليهم.” فكّروا الآن هل كان الإنعام المذكور هنا يقتصر في أنهم ما كانوا يسرقون ولا ينهبون أو أُريدَ أكثر من ذلك؟ كلا، بل المراد في أنعمت عليهمهي الإنعامات العظيمة التي تسمَّى المخاطبة والمكالمة الإلهية.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/1/17م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أراد الله تعالى من نقل النبوة أن يُري فضله وكماله الذي أنزله على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلى ذلك أشار في: “اهدنا الصراط المستقيمأي أنزِل علينا ياربنا إنعامات وأفضال أنزلتها على الذين سبقوا من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. إذا لم يكن الله قادرا على إنزال هذه النعم والأفضال وكان بابها مغلَقا فماذا كانت الحاجة لتعليم هذا الدعاء؟ لقد أُغلق هذا الباب على الإسرائيليين، ولو أُغلق على هذه الأمة أيضا فما الفائدة من ذلك؟ وَفِيمَ فاقت الأمة بني إسرائيل؟ بماذا يمكن أن يعتز الأعمى على أعمى آخر؟ . إذا انتهى الوحي والإلهام والخوارق على اليهود فأخبرونا هل فتح هذا الباب في أيّ مكان آخر أم لا؟ يقول معارضونا: لا، بل هو مغلَق علينا أيضا. أية شقاوة أنهم يقرأون: “اهدنا الصراط المستقيمفي الصلوات الخمس ومع ذلك لا يُعطَون شيئا، يا للعجب!!

إن تعليم الله تعالى هذا الدعاء يعني أنه جاهز لإنزال الإنعامات والأفضال علينا. فمثلا إذا كان أمام حاكم خمسة مرشَّحين وقال لأحدهم: “أنت ابقَ هنا، فهذا يعني أنه سيُعطَى الوظيفة حتما. كذلك علّم الله تعالى هذا الدعاء الذي يُتلى في الصلوات الخمس يوميا ولكن يقول معارضونا بأنه ليس له تأثير ولا نتيجة. أليست هذه إساءة إلى القرآن الكريم والإسلام؟ إن الأمر المتنازع فيه بيني وبينهم هو أنني أقول بأن بركات الإسلام وتأثيراته ما زالت كما كانت، ويُري الله تعالى تصرفاته الآن أيضا ويتكلم ولكنهم يقولون مقابل ذلك أن هذا الباب مسدود الآن ولزم الله الصمتَ ولم يعد يكلِّم أحدا.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/10/31م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

كل مسلم يدعو في كل صلاة من صلواته الخمس كل يوم دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.} وقد قال الله تعالى بنفسه أن الصراط المستقيم هو صراط الأنبياء والصديقين والشهداء. ففي هذه الحالة نكون أغبياء جدا إن لم نتحرَّ الطرق التي أمرنا الله تعالى بتحرِّيها، ونتوه وراء الفلاسفة.

(المصدر: كتاب مرآة كمالات الإسلام)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

أقول صدقا وحقا بأنه يمكن للمرء أن يفوق أيضا عيسى عليه السلام نتيجة الاتّباع الكامل لهذا النبي صلى الله عليه وسلم. يقول العمهون بأن هذا كفرٌ. ولكني أقول: ما دمتم أنتم محرومون من الإيمان، فما أدراكم ما الكفر؟ الكفر فيكم. لو علمتم ما معنى الآية: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لما تفوَّهتم بهذا الكفر. إن الله تعالى يرغِّبكم في أنكم تستطيعون ببركة الاتباع الكامل لهذا النبي صلى الله عليه وسلم أن تجمعوا في نفوسكم كمالات جميع الأنبياء المتفرقة، وأنتم ترون نيل كمالات نبي واحد فقط كفرا!!

(المصدر: كتاب ينبوع المسيحية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن عبد الله الذي اسمه عيسى ويُدعى في العبرية يسوعقد تبِع شريعة موسى رسول الله إلى ثلاثين عاما فصار مقربا إلى الله وحاز مرتبة النبوة، ومقابل ذلك إذا اتبع أحد النبي صلى الله عليه وسلم ولو إلى خمسين عاما بدلا من ثلاثين عاما لن ينال تلك المرتبة وكأن اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم لا يهبه أيّ كمال قط، ولا يفكرون أن ذلك يستلزم أن يكون تعليم الله تعالى الدعاء {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} خديعة محضة.

(المصدر: كتاب ينبوع المسيحية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

في اهدنا الصراط المستقيمطُلب صراط الذين أنعمت عليهم“. ولقد بيّنت مرارا وتكرارا أن الجملة: “أنعمت عليهمتتضمن ذكر أربعة أحزاب، أي الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. فحين يدعو المؤمن هذا الدعاء يلتمس من الله التوفيق للتحلي بأخلاقهم وعاداتهم وعلومهم. وإن لم يحصل على أخلاق هؤلاء الأحزاب الأربعة بعد ذلك لكان الدعاء بلا جدوى له وكأنه حيوان يتفوه فقط ألفاظا لا حياة فيها. إن هذه الفئات الأربعة هم الذين نالوا من الله تعالى علوما عظيمة ومراتب عالية.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/7/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لو أُنكِرت المكالمة الإلهية لكان الإسلام دينا ميتا، وإذا أُغلق هذا الباب أيضا كانت الأمة مغضوبا عليها وليست خير الأمم، وكان دعاء: “اهدنا الصراط المستقيمبلا جدوى. غريبٌ حقا أن تصبح هذه الأمة يهودا ويأتي المسيح من غيرهم.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/2/7م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن علامة النبوة هي المكالمة، ولكن المسلمين يعتنقون الآن مذهبا أن باب المكالمة موصَدٌ، وهذا يوحي أن غضب الله العظيمَ نازل على هذه الأمة. وفي هذه الحالة سيكون الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهمخديعة كبيرة. ما الفائدة من هذا التعليم أصلا؟ وكأن الله تعالى أعطى هذا التعليم عبثا!.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/2/27م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

فإذا كان الله تعالى يريد أن يحرم هذه الأمة من هذا الشرف فلماذا علّم هذا الدعاء أصلا؟ يتبين من: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهمبجلاء أن وفِّقنا يا ربنا للسلوك على صراط المنعم عليهم السابقين، والإلهامات التي رُزقوها ارزُقنا أيضا الإنعامات نفسها. مَن كانوا مصداق أنعمت عليهم؟ يقول الله تعالى بنفسه بأنهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون. وكان الإنعام الذي أُنعموا به هو نزول الوحي والإلهام. فإذا كان الله تعالى ينوي أن يحرم من نتيجة هذا الدعاء الصادقة فلماذا علّم دعاء مثله؟

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/4/17م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

معنى النبوة هو المكالمة. ومن يعطى أنباء الغيب فهو نبي. لو أبطلتم النبوة في المستقبل لما بقيت الأمة خير أمة بل ستكون كالأنعام. وسيكون تعليم سورة الفاتحة: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهمبلا جدوى تماما لأنه إذا كان نزول إنعام الله وفضله على أحد مستحيلا فما الفائدة من هذا الدعاء؟ وبهذه الحالة لا بد من التسليم بأنه لا توجد القوة القدسية في النبي صلى الله عليه وسلم .-

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/4/17م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إذا كان الله تعالى قد قطع فضله وأقفل بابه فأية حاجة كانت لتعليم الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيم؟ إن مَثله كمثل الذي نربط قدَميه بشدة ثم نقول له: لماذا لا تمشى أمامنا؟ ولكن أنّى للمسكين أن يمشي؟ وكأن الله تعالى أغلق بنفسه أبواب الفيوض والبركات ثم أمر أن ادعوا في كل صلاة كل يوم مرارا دعاء: “اهدنا الصراط المستقيم.” فإذا كان عز وجل قد قطع سلسلة المعجزات والبركات بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنّ قانون أنه ليس لأحد أن ينال فيضا أو بركة فما معنى هذا الدعاء؟

إن لم تكن لهذا الدعاء أية نتيجة فما الفرق بين تأثير تعليم النصارى ونتائجه وبين تأثير هذا التعليم ونتائجه؟ لقد ورد في الإنجيل أنه لو اتبعتموني لاستطعتم أن تنقلوا الجبل من مكان إلى آخر ولكن لا يستطيعون الآن أن يسوّوا حذاء أيضا. وقد ورد أيضا بأنكم ستُظهرون معجزات مثلي ولكن لا أحد يستطيع أن يُري شيئا. وورد أنه لو تناولتم السموم لما أثرت فيكم ولكنهم يهلكون بلدغ الحيات وعضّ الكلاب وبتأثير السموم ولا يستطعيون أن يُروا نموذجا لاستجابة دعاء. والحربة القوية والحجة القاسية لإبطال الديانة المسيحية هي أنه لا توجد فيها روح الحياة وتأثيرها، وهذا يدل على أنهم تركوا طريق نبي. ولو أقررنا نحن أيضا أنه لا توجد الخوارق والآيات الآن ولن تكون لهذا الدعاء نتيجة ولا تأثير؛ أليس معنى ذلك أن الأعمال عديمة الجدوى، والعياذ بالله؟ كلا، بل الله الحكيم يُبقي تأثيرات النبوة قائمة. ولقد أسس هذه الجماعة الآن أيضا لكي تكون شاهدة على صدق هذا الأمر.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/5/31م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يقول الله تعالى ويعلِّم: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، ومعناه أن ارزقْنا يا ربنا طريق القرب والحب والمعرفة الذي رزقته الأنبياء والمقدسين والمعصومين جميعا. فتبين من ذلك أن الله تعالى ليس بخيلا. فلما كان الإنسان يصل إلى مراتب الأنبياء بصورة ظلية فما المانع في سبيل وصوله إلى مرتبة أهل البيت أو مرتبة الإمام الحسين؟ لو لم تكن أبواب القرب والحب والمعرفة مفتوحة وانقطعت هذه الكمالات الثلاث على سيدنا علي أو الإمام الحسين أو على بعض من أهل البيت الآخرين وقُفلت بإحكام للمستقبل لما بقي الإسلام في هذه الحالة إسلاما حقيقيا، ولكان قراءة صراط الذين أنعمت عليهمعبثا. إن الله تعالى لا يبخل على عباده بل مَن جدّ وجد.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/9/25م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن الله تعالى ليس ضعيفا من حيث قدراته بل يختار طرقا خارقة للعادة ليجعل الإنسان يستيقن ويعرف كلام الله كما يستيقن بوجود الشمس برؤية العين. هل يزعمون أن الله كان قادرا منذ زمن آدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أن يوصل الباحثين عن الحق إلى نبع اليقين بواسطة وحيه المقدس ولكنه لم يعد قادرا على هذا الفيض بعد ذلك؟ أو كان قادرا ولكنه بخل على الأمة المرحومة قصدا منه ونسي أنه بنفسه علّم الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم؟

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1904/2/1م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن الله تعالى يسمي الجميع أولياء ويريد أن يجعل الجميع أولياء، لذلك علّم: “اهدنا الصراط المستقيم.” فهو يريد أن تكونوا مثل حزب المنعم عليهم. والذي يقول بأنه لا يمكن أن يكون كذلك فهو يتّهم الله بالبخل؛ لذا فهذا الكلام كفرٌ.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/10/10م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اعلموا أن فيوض الله كثيرة لا تعَدّ والذي يحددها فكأنه يحدد الله تعالى ويعتبر كلامه عبثا. فليخبرنا بنفسه بأنه ما دام يطلب في الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، الكمالات والإنعامات التي نزلت على السابقين فكيف يحددها الآن؟ فإذا كانت محدودة واقتصرت على 12 إماما فقط بحسب رأي الشيعة فلماذا يقرأ سورة الفاتحة في الصلاة لأنه يعلّم ما يناقض معتقده ويدين الله على أنه من جانب أنهى الكمالات على 12 إماما ومن جانب آخر يعلّم الناس أن يستمروا في طلبها إلى يوم القيامة. اعلموا أن اليأس لا يليق بالمؤمن، والترقيات ومدارج القرب لا تحدها حدودٌ. فمن الخطأ الكبير تحديد أمر ما على شخص معين.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 8 – 1904/6/16م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن الذي يأتي الله بقلب صادق لا يرجع صفر اليدين، فهناك حاجة لقلب طاهر وإلا فلا جدوى من تعليم: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهموالتركيز عليه. إذا استحال نيل أحد تلك الإنعامات والأفضال فما الحاجة لهذا الدعاء في الصلوات الخمس كل يوم؟ هذا خطأ كبير انتشر بين المسلمين مع أن جمال الإسلام وميزته هي أن بركاته وفيوضه وثمرات تعليمه المقدس يمكن أن تنُال بكثرة وبصور متجددة. الصوفية وأكابر الأمة كلهم يعتنقون هذا المذهب بل يقولون بأنه لا يمكن لأحد أن يكون متّبعا كاملا ما لم يحظ بكمالات النبي صلى الله عليه وسلم بصورة ظلية. وهذا هو الصحيح في الحقيقة لأن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم الكامل يستلزم أن يحظى المتّبع بثمراته. عندما يتّبع أحد النبي صلى الله عليه وسلم اتباعا كاملا وكأنه يفنى في طاعته يكون مثله كمثل مرآة متقابلة تعكس الصورةَ بالتمام والكمال. لا يسعني أن أحدّد فضل الله تعالى والبركات والتأثيرات التي تُنال باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، بل أعدّ ذلك كفرا.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1905/10/10م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

فما دام ثابتا ومتحققا تماما أن الله قد أعطى الخضر علما يقينيا من لدنه، فأنّى لأحد أن يعتبر نفسه مسلما ومؤمنا بالقرآن الكريم ثم ينكر أن يكون أحد من أفراد الأمة المحمدية مثل الخضر في الكمالات الباطنية؟ لا شك أن هذا ممكن، بل الله الحي القيوم قادر على أن يهب الخواص من الأمة المحمدية نِعما باطنية أفضل وأعلى منه أيضا. {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اَلله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.} ألم يعلّم الله تعالى هذه الأمة دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}؟

(المصدر: كتاب البراهين الأحمدية، الجزء الثالث، الحاشية على الحاشية رقم 1)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أعطى تعليمَ: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وبذلك بشّر الطلاب الصادقين جميعا أنهم يقدرون باتّباع رسولهم الأكرم صلى الله عليه وسلم على الوصول إلى العلم الظاهري والباطني الذي أُعطيه أنبياؤه سبحانه وتعالى دون وسيط. وبهذا المعنى يُعَدّ العلماء ورثة الأنبياء. أمّا إذا استحال أن يرثوا العلوم الباطنية، فكيف صاروا ورثة؟

(المصدر: كتاب البراهين الأحمدية، الجزء الثالث، الحاشية على الحاشية رقم 1)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

{اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}

فهذه الآية تبين بصراحة أن بعض أفراد هذه الأمة سيوهبون كمالات أنبياء خلَوا. وكذلك سيُعطى بعض المنكرين عادات كفار خلَوا، وستظهر أوجه التشابه بكل قوة وشدة بين أجيالٍ خلتْ وأجيال آتية؛ فيظهر يهود مثل اليهود تماما، وكذلك تظهر أسوة الأنبياء الكاملة.

(المصدر: كتاب نزول المسيح، )

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وإذا قيل إن باب مكالمة الله ومخاطبته مغلق على هذه الأمة إلى يوم القيامة فأنّى لفرد من الأمة أن يُدعى نبيا في هذه الحالة لأنه من الضروري للنبي أن يكلِّمه الله؟ فجوابه أن هذا الباب ليس مسدودا على هذه الأمة قط، ولو كان مغلَقا لكانت الأمة أمة ميّتة وبعيدة عن الله تعالى أيما بُعدٍ. كذلك لو كان هذا الباب موصَدا عليها لما علِّمت في القرآن الكريم دعاء: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.}

(المصدر:ملحق كتاب البراهين الأحمدية، الجزء الخامس)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

كما أنه يشكّل عارا على الإسلام أيضا؛ إذ كان بنو إسرائيل يتلقَّون إلهاما يقينيا حتى ألقت أمُّ موسى بموجبه رضيعَها البريء في اليمّ ولم يساورْها أي شك في الإلهام ولم تعدّه ظنًّا محضا، كما أقدم الخضر على قتل ولدٍ، لكن هذه الأمة المرحومة لم تحظَ بمرتبة نالتْها نساءُ بني إسرائيل! فما معنى آية {صراط الذين أنعمت عليهم} إذن؟ أفهذه الإلهامات الظنية التي يشترك فيها الرحمنُ والشيطان على سواء تُسمَّى نعمةً؟ يا للخجل!

(المصدر: كتاب التجليات الإلهية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

النبوّة المحمّدية ليست بعاجزة عن الإفاضة الذاتية، بل إن فيضها يفوق سائر الرسالات، وطاعة هذه النبوّة تُوصِل المرء إلى الله بأسهل الطرق، وباتّباعها يتشرّف المرء بالمحبّة الإلهية، والمكالمة والمخاطبة، أكثر مما كان مُتاحًا من قبل عندما تبلغ المكالمة والمخاطبة الإلهية درجةَ الكمال كيفًا وكمًّا، بحيث لا تشوبها شائبة ولا نقيصة، وتكون مشتملةً على الأمور الغيبية بصورة بينة، فإنها بتعبير آخر تسمّى النبوة، الأمر الذي اتفق عليه الأنبياء جميعهم.

فمن المستحيل للأمة التي قيل بحقها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس} وعُلّمتْ دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم}، أن يبقى جميعُ أفرادها محرومين من هذه المرتبة الرفيعة ولا ينالها فرد منهم. ولو كان الأمر كذلك لكانت الأمّة المحمّدية ناقصة يعوزها الكمال، ولصار أفرادها كلهم كالعميان، بل ولكانت قوة فيضان الرسول عرضة للطعن ولاعتُبرت قوّته القدسية ناقصة، ولصار من العبث دعاءُ سورة الفاتحة الذي علمنا الله إياه وأمِرنا أن ندعو به في صلواتنا الخمس.

(المصدر: كتاب الوصية، ونقلا عن جريدة بدر  بتاريخ 1906/1/5م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} فإذا لم تكن هذه الأمة وارثة للأنبياء السابقين ولم يكن لها نصيب من هذا الإنعام فلماذا علِّمت هذا الدعاء؟

(المصدر: كتاب حقيقة الوحي، )

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الآية السادسة في هذه السورة هي اهدنا الصراط المستقيموفيها إشارة إلى أن الظلام في الألفية السادسة سيقتضي الهداية السماوية. وستطلب طبائعُ إنسانية سليمة هاديا؛ أي المسيح الموعود من الله تعالى

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية، الحاشية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اعلم أن في آية {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} تبشير للمؤمنين، وإشارةٌ إلى أن الله أعدَّ لهم كلَّ ما أعطى للأنبياء السابقين، ولذلك علّم هذا الدعاءَ ليكون بشارةً للطالبين، فلزم من ذلك أن يختتم سلسلة الخلفاء المحمدية على مثيل عيسى، ليتمّ المماثلة بالسلسلة الموسوية، والكريمُ إذا وعد وفى“.

(المصدر: كتاب إعجاز المسيح، الحاشية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

والله ليس في القرآن الذي هو أهل الفصل والقضاء إلا خبر ظهور خاتم الخلفاء من أمّة خير الورى، فلا تقْفوا ما ليس لكم به علم وقد أُعطيتم فيه من الهدى، ولا تُخرِجوا من أفواهكم كلماتٍ شتّى، التي ليست هي إلا كسَهْمٍ في الظلمات يُرمَى. وإنّ هذا الوعد وعدٌ حقّ فلا تغُرَّنّكم ما تسمعون من أهل الهوى. وقد أُشير إليه في الفاتحة مرة أخرى، وتقرأون في الصلاة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ثم تستَقْرون سبُل الإنكار وتُسِرّون النجوى. ما لكم تدوسون قول الله تحت الأقدام؟ ألا تموتون أو تُترَكون سُدًى؟

(المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إذا استحال أن يكون أحد نبيا أو رسولا بالمعنى البروزي أيضا فما معنى: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم؟

(المصدر: كتاب إزالة الخطأ)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أقام القرآن الكريم أيضا سلسلة مقابل السلسلة الموسوية، وإلى ذلك تشير الآية: “اهدنا الصراط المستقيمإضافة إلى آيات أخرى، أي أعطِنا أيضا ما أُعطي النبيون من قبل.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/2/28م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

تكون هناك أظلال للصالحين والطالحين أيضا. فالموعود في أظلال الصالحين هو واحد فقط أي المسيح الموعود. إننا نعتقد أن المراد من: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهمهو بروز الصالحين والمراد من الضالين هو بروز المسيحيين، والمراد من المغضوب عليهم هو بروز اليهود. لقد خُلق هذا العالم بصفة بروزية بمعنى أنه كما خلا الصالحون والطالحون كذلك يوجد الآن أيضا أناس يملكون صفاتهم. إن الله تعالى لا يضيع تلك الأخلاق والصفات بل يأتي أناس آخرون حاملين صفاتهم. فلما كان الحال على هذا المنوال لا يسعنا الإنكار أن الأبرار والأخيار سيأتون في أوقاتهم المناسبة وستظل هذه السلسلة جارية إلى يوم القيامة. وعندما تنقطع هذه السلسلة تنتهي الدنيا أيضا. ولكن الموعود الذي كُلِّف بمهمة عظيمة هو واحد فقط لأن الذي هو ظله هو أيضا واحد؛ أي محمد صلى الله عليه وسلم .-

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/11/10م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد علّم الله تعالى المسلمين في سورة الفاتحة دعاء أنهم يطلبون من الله تعالى صراط المنعم عليهم. والمصداق الكامل للمنعم عليهم من حيث كثرة الكمية وصفاء الكيفية ونعماء الله تعالى، بحسب نص القرآن الصريح وأحاديث المرسَل الرباني المتواترة، هم حزبان. جماعة الصحابة وجماعة المسيح الموعود. لأن هاتين الجماعتين حائزتان على التربية على يد النبي صلى الله عليه وسلم وليست بحاجة إلى اجتهاد شخصي. والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان موجودا بنفسه في الجماعة الأولى وكان يتلقى الهداية من الله تعالى مباشرة ثم كان يلقي في قلوب الصحابة رضي الله عنهم هداية النبوة نفسها مصحوبة تركيزه المقدس وكان مربِّيهم دون واسطة. أما الجماعة الثانية ففيهم المسيح الموعود الذي يتلقى الإلهام من الله تعالى ويستفيض من فيض روحانية النبي صلى الله عليه وسلم ، لذا لا تحتاج جماعته أيضا إلى اجتهاد جاف

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الهدف الحقيقي لكل إنسان هو الحصول على كمالات المنعم عليهم التي أشار الله تعالى إليها في: “صراط الذين أنعمت عليهم.” وعلى جماعتنا أن تتوجه إليها بوجه خاص لأن الله يريد بتأسيس هذه الجماعة أن يقيم جماعة كالتي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم لتكون هذه الجماعة شاهدة على صدق القرآن الكريم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم وعظمتهما في الزمن الأخير.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1904/10/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الدرجة العليا للإنسان هي النفس المطمئنة التي بدأتُ الحديث عنها، ففي هذه الحالة تنشأ أحداث مختلفة عن الحالات الأخرى التي بسببها تصبح العلاقة مع الله أكثر متانة وخصوصية، فلا تكون علاقة أرضية وسطحية بل تكون عليا وسماوية. المراد هو أن هذه الطمأنينة التي تُسمَّى الفلاح والاستقامة أيضا وأشير إليها في: “اهدنا الصراط المستقيموعُلّم الدعاء للحصول على الصراط نفسه هي صراط المنعم عليهم وهم محط أفضال الله وألطافه. كان المراد من بيان صراط المنعم عليهم بوجه خاص أن سبل الاستقامة مختلفة. أما الاستقامة التي اسمها سبل الفلاح والنجاح إنما هي سبل الأنبياء عليهم السلام. يبدو أن في ذلك إشارة أخرى أن الإنسان يدعو في اهدنا الصراط المستقيمبلسانه وقلبه وفعله، وعندما يدعو لكونه صالحا يستحي من ذلك، ولكن هذا هو الدعاء الوحيد الذي يزيل كل هذه المشاكل.

(المصدر: خطبة الجلسة السنوية، عام 1897م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

من الضروري جدا أنكم لو استخدمتم القوى في مجال أعمالها الفطرية أولا لنلتم أكثر من ذي قبل. لقد جربت شخصيا أن الله ينزِّل بركاته على الإنسان بقدر استخدامه قواه العملية. المراد هو أنه يجب أن تصححوا المعتقدات والأخلاق والأعمال أولا ثم ادعوا: “اهدنا الصراط المستقيمفسيظهر تأثيره كاملا.

(المصدر: خطبة الجلسة السنوية، عام 1897م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يجب على المسلمين جميعا أن ينتهبوا إلى جملة: “إياك نعبدعند الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيملأن الجملة: “إياك نعبدقدِّمت على إياك نستعين، لذا لا بد من أداء الشكر على الصعيد العملي أولا. وهذا هو المراد في اهدنا الصراط المستقيم، أي يجب مراعاة الأسباب الظاهرية والانتباه إليها قبل التوجه إلى الدعاء. بمعنى أنه يجب إصلاح المعتقدات والأخلاق والعادات ثم الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيم.”

لقد أراد الله تعالى عند تعليم الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيمأن ينتبه الإنسان إلى ثلاثة أمور بالضرورة: أولا، الحالة الأخلاقية، ثانيا: الحالة العقدية، وثالثا: الحالة العملية. يمكن القول بوجه عام بأنه يجب على المرء أن يصلح حالته مستفيدا من القوى التي أعطاه الله إياها ثم ليدعُ الله تعالى. ليس المراد من ذلك ألا يدعو عندما يكون في طور الإصلاح بل يجب أن يستمر فيه في تلك الحالة أيضا.

(المصدر: خطبة الجلسة السنوية، عام 1897م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ألا من هو الناجي؟ هو ذاك الذي يوقن بأن الله حق، وأَن محمّدا صلى الله عليه وسلم شفيعُ الخَلق كلهم عند الله، وأنْ لا مثيلَ له صلى الله عليه وسلم مِن رسول ولا مثيل للقرآن من كتاب تحت أديم السماءِ، وأن الله تعالى لم يشأ لأحد أن يحيا حياة الخلود، إلّا أنّ هذا النبي المصطفى حيّ خالد إلى أبد الآبدين. وقد مهّد الله سبحانه وتعالى لحياته صلى الله عليه وسلم الأبدية أنْ جعل إفاضته التشريعية والروحانية مستمرةً إلى يوم القيامة، وببركة فيضانه صلى الله عليه وسلم الروحاني أرسل إلى العالم أخيرًا المسيحَ الموعود هذا الذي كان مجيئه ضروريًا لتكميل بنيان الإسلام، إذ كان لزامًا أن لا ينتهي هذا العالم ما لم يُبعث في السلسلة المحمدية مسيحٌ روحاني كما بُعث مسيح في السلسلة الموسوّية. وإلى هذا يشير قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.}

(الكتاب : سفينة نوح)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الحقيقة المتحققة والينبوع الحقيقي للنجاة هو الحب الذاتي الذي يوصل إلى وصال الله تعالى. والسبب في ذلك أن المحب لا يستطيع أن يبقى منفصلا عن حبيبه. ولما كان الله تعالى نورا بنفسه فإن حبه يؤدي إلى نشوء نور النجاة. والحب الموجود في فطرة الإنسان يجذب حب الله تعالى. وبذلك يبعث حب الله الذاتي حماسا خارقا للعادة في حب الإنسان الذاتي، وبالتقاء هذين الحبين تنشأ حالة الفناء أولا ثم يتولد نور البقاء بالله. أما القول بأن التقاء الحبين يؤدي إلى نتيجة حتمية أن تكون عاقبة مثل هذا الشخص هي الفناء في الله ويصبح هذا الوجود الذي هو الحجاب كالرماد وتفنى الروح في عشق الله تعالى كليا؛ فمَثَله كمثل صاعقة عندما تنزل من السماء على الإنسان تخرج نار الإنسان الداخلية للعيان دفعة واحدة بجذب النار السماوية فتكون نتيجتها الفناء المادي. إذًا، فعلى غرار ذلك يقتضي الموت الروحاني أيضا نارا من نوعين: نارا سماوية ونارا داخلية. وبالتقاء النارين ينشأ الفناء الذي لا يتم السلوك بغيره. وعلى هذا الفناء ينتهي سلوك السالكين وهو النقطة الأخيرة لمجاهدات الإنسان. وبعد هذا الفناء ينال الإنسان مرتبة البقاء فضلا موهبة من الله. وهذا ما أشير إليه في الآية: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ملخص هذه الآية أن الذي ينال هذه المرتبة ينالها كإنعام من الله أي بفضله المحض وليس كأجر على عمل. وهذه هي النتيجة الأخيرة لعشق الله تعالى الذي بسببه تتسنى له الحياة الأبدية وينجو من الموت.

(المصدر: كتاب ينبوع المسيحية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

المعتقد الذي يُستنبط من القرآن الكريم عن النجاة هو أن النجاة لا تكمن في الصوم ولا في الصلاة ولا في الزكاة والصدقات بل تقتصر على فضل الله تعالى فقط الذي يجذبه الدعاء. لذلك علّم في القرآن الكريم الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قبل غيره لأنه عندما يجاب هذا الدعاء يجذب فضل الله الذي بسببه يوفَّق المرء لكسب الأعمال الصالحة لأنه عندما يجاب دعاء الإنسان النابع من صدق القلب وإخلاص النية تترتب عليه الحسنة وشروطها تلقائيا.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/8/17م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

المعتقد الذي يُستنبط من القرآن الكريم عن النجاة هو أن النجاة لا تكمن في الصوم ولا في الصلاة ولا في الزكاة والصدقات بل تأتي بالدعاء وفضل الله تعالى فقط الذي يجذبه الدعاء. لذلك علّم الله في القرآن الكريم الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الذي حين يجاب ويجذب فضل الله تكون الأعمال الصالحة شرطا معه ولكن ليست من المستلزمات. بمعنى أنه عندما يجاب دعاء المرء تترتب معه الشروط كلها تلقائيا. وإلا إذا اعتُبرت الأعمال مدار النجاة فهذا شرك خفي وسيثبت أن الإنسان يستطيع أن ينال النجاة بنفسه لأن الأعمال شيء يقدر عليها الإنسان بنفسه ويكسبها الناس بأنفسهم عندما يكون الدعاء مصحوبا بالشروط كلها يجذب الفضل. وبعد الفضل تتم الشروط كلها تلقائيا. هذا هو تصور النجاة في الإسلام.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/8/7م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الدعاء الذي يكون من أجل الدنيا فقط يمثّل جهنم. يجب أن يكون الدعاء لابتغاء مرضاة الله ولاجتناب الذنوب فقط، أما الأدعية الأخرى فتدخل فيه تلقائيا. إن الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} دعاء عظيم. إن الصراط المستقيميؤدي إلى معرفة الله، أما أنعمت عليهمفينقذ من الذنوب جميعا ويُدخل المرء في الصالحين. إذا كان الإنسان من أهل الله يرعاه الله إلى سبعة أجيال. فليكن الدعاء متسما بصفة تذوب بها النفس الأمارة وتتحول إلى النفس المطمئنة. فإذا استمر الإنسان في طلب: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} بالمعنى الذي ذكرتُه قبل قليل سيقضي الله بنفسه بقية حاجاته التي يدعو لها.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1904/3/16م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الذنب الحقيقي هو الشرك ولكن الذي يؤمن بالله وحده متبرِّئا من الشرك أي من المال والرزق والعلم والفطنة والأعمال والنفس والأوثان والشيطان وغيرها من الآلهة الزائفة ويصبح لله وينتظر فضله فقط ينال النجاة ويدخل الجنة حتما. أما الذي كان متورطا في أي نوع من الشرك المذكور سيُسجن في سقر ويبقى في لباس مكروه إلا إذا نزل عليه فضل من الله. إن هذا الموقف حساس ودقيق جدا ومقام زلة، وقليل ما هم الذين ينجون. اسمعوا الآن الآيات التي وردت لدفع هذا الشر، أولها الآية: “إياك نعبد وإياك نستعينفي سورة الفاتحة. أي نعبدك وحدك ونستعينك وحدك لعبادتك والتقرب إليك. فهذا الاعتقاد يدفع كل نوع من الشرك المذكور آنفا. ثم علّم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/12/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، أيْ أَنِرْ لنا يا ربنا صراطا مستقيما أَنَرتَه لجميع الكُمَّل الذين أنعمتَ عليهم. فلما كان صراط أهل الكمال المستقيمُ هو أنهم يعرفون الحقائق على وجه البصيرة وليس كالعميان؛ فمحصّلة هذا الدعاء أن اجْمَعْ فينا يا ربنا جميع العلوم الحقة والمعارف الصحيحة والأسرار العميقة والحقائق الدقيقة التي وهبتها بين حين وآخر لجميع الكمّل في الدنيا بصورة متفرقة. لاحِظوا الآن، فقد طُلب من الله العلمُ والحكمة فقط في هذا الدعاء أيضا، وطُلب العلم الذي كان مفرَّقا في العالم كله.

(المصدر: كتاب البراهين الأحمدية، الجزء الرابع)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن نماذج استجابة الدعاء موجودة في القانون السائد في الطبيعة ويرسل الله تعالى نماذج حيَّة في كل زمن لذلك علّم الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.} هذه هي مشيئة الله وقانونه الذي ليس لأحد أن يغيره. يتضمن الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أن اجعَل أعمالنا أكمل وأتم. كذلك يتبين من التدبر في هذه الكلمات أنها تتضمن الأمر بالدعاء ظاهريا لطلب الهداية ولكن الكلمات: {إياك نعبد وإياك نستعين} التي سبقتها توحي بأنه يجب أن نستفيد منها بمعنى أن نستعين بالله في منازل الصراط المستقيم مستخدمين القوى السليمة. فإن الأخذ بالأسباب الظاهرية أيضا ضروري، والذي يتركها هو كافر بالنعمة. انظروا إلى اللسان الذي خلقه الله من العروق والأعصاب، لو لم يكن كما هو الآن لما قدرنا على الكلام. وقد رزقنا للدعاء لسانا قادرا على إظهار ما تضمره قلوبنا من الأفكار والإرادات. لو لم نستخدم اللسان للدعاء قط لكان ذلك من سوء حظنا وشقاوتنا. هناك عدة أمراض إذا أصيب بها اللسان بطل عمله، هذا ناتج عن رحيميته. كذلك أودع القلب الخشوع والخضوع وقوة التفكر والتدبر. فاعلموا أننا إذا دعونا تاركين هذه القوى والقدرات عاطلة لن ينفع الدعاء قط لأننا إن لم نستفد من الموهبة الأولى ماذا سنستفيد من الثانية. لذا إن ورود الجملة: “إياك نعبدقبل اهدنا الصراط المستقيمتوحي بأننا ما أضعنا العطايا والقوى التي أعطيتنا من قبل. اعلموا أن ميزة الرحمانية هي أنها تجعل المرء أهلا للاستفادة من الرحمانية. لذا إن قول الله تعالى: “ادعوني أستجب لكمليس كلاما فارغا قط بل هذا ما يقتضيه شرف الإنسان. الدعاء صفة الإنسان والاستجابة صفة الله، والذي لا يؤمن بذلك فهو ظالم المطلوب في الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيمهو أن اجعَلْ أعمالنا أكمل وأتم.

ثم صرح بقوله: “صراط الذين أنعمت عليهمبأننا نريد الاهتداء إلى صراط المنعم عليهم، فانقذنا من صراط المغضوب عليهم الذين نزل بهم العذاب نتيجة سوء أعمالهم. وبقوله: “الضالينعلّمنا دعاء أن انقِذنا أيضا من أن نضل دون حمايتك.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/9/10م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد علّم هذا الدعاء لكيلا تكتفوا بالإيمان فقط بل عليكم أن تقوموا بأعمال تنالوا بها إنعامات تنزل على عباد الله المقربين. هناك بعض الناس الذين يسجدون ويصلون ويعملون ببقية أركان الإسلام أيضا ولكن لا تحالفهم نصرة الله ولا يلاحَظ تغيير واضح في أخلاقهم وعاداتهم، وهذا يوحي أن عبادتهم ليست إلا تقاليد محضة لا حقيقه لها لأن مَثل العمل بأوامر الله كمثل بذرة تؤثر في الروح والقلب كليهما. إن سقى أحد مزرعة وبذر فيها البذور بجهد جهيد ولم ينبت فيها شيء إلى شهرين تقريبا فلا بد من الاعتراف أن البذرة فاسدة. والحال نفسه في العبادات. فإذا كان أحد يؤمن بالله واحدا لا شريك له ويصلي الصلوات ويصوم ويعمل بأوامر الله في الظاهر قدر الإمكان ولكن لا تحالفه نصرة الله الملحوظة فلا بد من الاعتراف بأن البذور التي يبذرها فاسدة.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/1/6م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ثم اعلم أن في آية: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} إشارة عظيمة إلى تزكية النفوس من دقائق الشرك واستئصال أسبابها، ولأجل ذلك رغّب الله في الآية في تحصيل كمالات الأنبياء واستفتاح أبوابها، فإن أكثر الشرك قد جاء في الدنيا من باب إطراء الأنبياء والأولياء، وإن الذين حسبوا نبيهم وحيدا فريدا، ووحده لا شريك له كذات حضرة الكبرياء، فكان مآل أمرهم أنهم اتخذوه إلهًا بعد مدة، وهكذا فسدت قلوب النصارى من الإطراء والاعتداء. فالله يشير في هذه الآية إلى هذه المَفسدة والغواية، ويومئ إلى أن المنعَمين من المرسَلين والنبيين والمحدَّثين إنما يُبعَثون ليصطبغ الناس بصبغ تلك الكرام، لا أن يعبدوهم ويتخذوهم آلهة كالأصنام، فالغرض من إرسال تلك النفوس المهذَّبة ذوي الصفات المطهرة، أن يكون كلُّ متّبع قريعَ تلك الصِفاتِ، لا قارِعَ الجبهةِ على هذه الصَّفاة. فأومأ الله في هذه الآية لأولي الفهم والدراية إلى أن كمالات النبيين ليست ككمالات رب العالمين، وأن الله أحدٌ صمدٌ وحيدٌ لا شريك له في ذاته ولا في صفاته، وأما الأنبياء فليسوا كذلك، بل جعل الله لهم وارثين من المتّبعين الصادقين، فأُمّتُهم وُرثاؤهم .. يجدون ما وجد أنبياؤهم إن كانوا لهم متبعين. وإلى هذا أشار في قوله عز وجل :- {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَلله فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اُلله}1 ، فانظرْ كيف جعَل الُأمّةَ أحبّاءَ الله بشرط اتّباعهم واقتدائهم بسيد المحبوبين. وتدل آية {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أن تُراث السابقين من المرسَلين والصدّيقين حقٌّ واجبٌ غيرُ مجذوذ ومفروضٌ للاحقين من المؤمنين الصالحين إلى يوم الدين. وهم يرثون الأنبياء ويجدون ما وجدوا من إنعامات الله. وهذا هو الحق فلا تكن من الممترين. وأما سِرُّ ذلك التوارث ولِمِّيّة المورِث والوارث، فتنكشف من تلك الآية التي تُعلّم التوحيد، وتُعظّم الرب الوحيد، فإن الله المعين وأرحم الراحمين، إذا علّم دقائق التوحيد وبالَغَ في التلقين، وقال: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فأراد عند هذا التعليم والتفهيم أن يقطع عروقَ الشرك كلها فضلًا من لدنه ورحمةً منه على أُمّة خاتم النبيين، لينجّي هذه الُأمّةَ من آفات وَرَدَت على المتقدمين. فعلَّمنا دعاءً مَبَرَّةً وعطاءً وجعَلَنا منه من المستخلصين. فنحن ندعو بتعليمه، ونطلب منه بتفهيمه، فرحين برِفْده، مفصِحين بحمده، قائلين: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين.} ونحن نسأل الله لنا في هذا الدعاء كلَّ ما أُعطيَ للأنبياء من النعماء، ونسأله أن نثبت كالأنبياء على الصراط، ونتجافى عن الاشتطاط، وندخل معهم في مربَع حظيرة القدس، متطهرين من كل أنواع الرجس، ومبادرين إلى ذَرَى ربِّ العالمين. فلا يخفى أن الله جعلنا في هذا الدعاء كأظلال الأنبياء، وأورثَنا وأعطانا المعلوم والمكتوم، والمعكوم والمختوم، ومِن كل الآلاء والنعماء، فاحتملْنا منها وِقْرَنا، ورجعْنا بما يسدّ فقرنا، وسالت أوديةٌ بقدرها، فأُحْلِلْنا محلَّ الفائزين. وهذا هو سِرّ إرسال الأنبياء وبعثِ المرسلين والأصفياء، لنُصبَّغ بصبغ الكرام، وننتظم في سلك الالتئام، ونرث الأولين من المقرَّبين المنعَمين.

ومع ذلك قد جرت سُنّة الله أنه إذا أعطى عبدًا كمالًا، وطفق الجُهّال يعبدونه ضلالًا، ويُشركونه بالرب الكريم عزةً وجلالًا، بل يحسبونه ربًّا فعّالًا، فيخلق الله مِثْلَه، ويُسمّيه بتسميته، ويضع كمالاته في فطرته، وكذلك يجعل لغيرته ليُبطل ما خطر في قلوب المشركين. يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل وهم من المسؤولين. يجعل من يشاء كالدَّرّ السائغ للاغتذاء، أو كالدُّرّة البيضاء في اللمعان والصفاء، ويسوق إليه شربًا من التسنيم، ويضمّخه بالطِّيب العميم، حتى يُسفِر عن مَرْأى وسيم، وأَرَج نسيم للناظرين.

فالحاصل أنه تعالى أشار في هذا الدعاء لطُلاب الرشاد إلى رحمته العامّة والوداد، فكأنه قال إنني رحيم .. وسعتْ رحمتي كل شيء .. أجعل بعضَ العباد وارثًا لبعض من التفضل والعطاء، لأسُدّ باب الشرك الذي يَشيع من تخصيص الكمالات ببعض أفراد من الأصفياء. فهذا هو سِرُّ هذا الدعاء، كأنه يُبشّر الناس بفيض عامٍ، وعطاءٍ شاملٍ لأنامٍ، ويقول إني فيّاض وربّ العالمين، ولستُ كبخيل وضنين. فاذكروا بيتَ فيضي وما ثَمَّ، فإن فيضي قد عمَّ وتمَّ، وإن صراطي صراط قد سُوِّيَ ومُدَّ، لكل من نهض وأعتدَ واستعدّ، وطلب كالمجاهدين. وهذه نكتة عظيمة في آية: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، وهي إزالة الشرك وسدُّ أبوابه، فالسلام على قوم استُخلِصوا من هذا الشرك وعلى مَن لديهم، وعلى كل مَن تبِعهم من الطالبين الصادقين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد رُغِّب المسلمون في سورة الفاتحة في الاستمرار بالدعاء بل علِّم الدعاء: “اهدنا الصراط المستقيموفُرضت تلاوته في الصلوات الخمس كل يوم. فما أكبره من خطأ إن أنكر أحد مع ذلك روحانية الدعاء. لقد حكم القرآن الكريم أن في الدعاء روحانية وبالدعاء ينزل الفيض الذي يؤتي ثمرة النجاح بأساليب مختلفة.

(المصدر:كتاب أيام الصلح)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن هذا الدعاء يهدف إلى مواساة عامة الناس لأنه يشمل الناس جميعا وقد دُعي للجميع أن ينقذهم الله من آلام الدنيا وعذاب الآخرة ويهديهم إلى الصراط المستقيم.

(المصدر: كتاب أيام الصلح، الحاشية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

العيب الآخر في الإنجيل هو أنه لم يعلّم في أيّ مكان أن الأسلوب الأمثل عند الدعاء هو أن يقضي المرء على الأهواء النفسانية نهائيا بل كل ما علّمه هو السؤال عن الخبز. أما القرآن الكريم فقد علّمنا أن الدعاء: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، أي ثبِّتنا على الصراط الذي هو طريق الأنبياء والصديقين وأحباء الله. أما الإنجيل فيعلّم: خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ. اقرأوا الإنجيل كله لن تجدوا للتعليم الأعلى المذكور آنفا أدنى أثر فيه.

(المصدر: كتاب نور القرآن)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لا يغيبنّ عن البال أن من المقاصد العظيمة لسورة الفاتحة دعاءُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، فكما أنه قد سُئل الخبز في دعاء الإنجيل، فقد سئل في دعاءِ الفاتحة جميعُ تلك النعم التي أوتيَها الرسل والنبيّون الأوّلون. وهذه المقارنة هي الأخرى لجديرة بالملاحظة؛ فكما أن المسيحيين نالوا كثيرًا من أسباب الخبز نتيجة استجابة دعاء المسيح عليه السلام ، كذلك قد جُعل أخيار المسلمين وأبرارهم وخصوصًا الكُمّل منهم ورثةَ أنبياء بني إسرائيل نتيجة استجابة هذا الدعاء القرآني بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم .- والحق أن تولُّد المسيح الموعود من بين هذه الأمة هو الآخر نتيجة استجابة هذا الدعاء، ذلك أنه مما لا شك فيه أن كثيرًا من أخيار هذه الأمة وأبرارها قد نالوا حظًّا من مماثلة أنبياء بني إسرائيل بشكل خفيّ، ولكن مسيح هذه الأمة قد بُعِث بأمر من الله وإذنِه مقابل المسيح الإسرائيلي بشكل جليّ، لتتّضح المماثلةُ بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية.

(المصدر: كتاب سفينة نوح)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن سورة الفاتحة تزخر بحقائق ودقائق ومعارف لو دُوِّنت كلها لما وسعها دفتر. خذوا مثلًا هذا الدعاء الحكيم الذي عُلّمناه في هذه السورة، أعني: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فهو ينطوي على مفهوم شامل يمكن اعتباره المفتاحَ الوحيد لمقاصد الدين والدنيا كلها. ذلك أنّنا لا نستطيع الوقوفَ على حقيقة شيء ولا الانتفاعَ بما فيه من فوائد ما لم نجد للوصول إليه سبيلًا مستقيمًا. إن النجاح لصعب جدًّا بل مستحيل في كلّ ما يوجد في الدنيا من أمور صعبة ومعقّدة سواءً منها ما يتعلق بمسؤوليات الدولة والوزارة، أو الجندية والحرب والقتال، أو المسائل الدقيقة في علم الطبيعة والهيئة، أو طرق الفحص والمعالجة في علم الطب، أو التجارة والزراعةما لم نعثر على طريق مستقيم يبيّن لنا كيفية بدء تلك الأعمال. وإن كل لبيب يرى لزامًا عليه وقت الشدائد أن يفكّر طويلًا بالليل والنهار فيما حلّ عليه من مشكلة معقّدة لكي يجد للخلاص منها سبيلًا. والحق أن القيام بأي صنعة أو اكتشافٍ أو أمرٍ معقَّد عويص ليتطلبُ شَقَّ طريق له. لقد ثبت من هنا أن الدعاء الحقيقي لنيل مقاصد الدنيا والدين إنما هو دعاء الاهتداء إلى الطريق السليم، فإذا تيسّرَ الطريق السويّ للأمر تحقّقَ حتمًا بفضل الله تعالى. لقد جعل الله تعالى بقدرته وحكمته طريقًا لتحقيق كل مطلب، فمثلًا من المستحيل أن يعالَج المريض علاجًا صحيحًا ما لم يتوافر لفحص مرضه ووصف الدواء له سبيلٌ يُفتي القلبُ بأنه سيؤدي إلى النجاح حتمًا، بل لا يمكن أن يستتبّ في الدنيا نظام ما لم يمهَّد له الطريق أولًا، لذا يتحتم على طالبِ غرضٍ أن يتحرى السبيل إليه.

فكما أنه لا بد لنا للنجاح في أمور الدنيا من تيسُّرِ سبيلٍ للسير عليه إلى الهدف، كذلك قد مسّت الحاجة منذ القديم إلى سبيل مِن أجل أن يحظى الإنسان بولاية الله وحبّه وفضله، فلذلك قد قال الله تعالى في مستهلّ السورةِ الثانية سورةِ البقرة التي تلي سورة الفاتحة: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، أي أن الصراط الذي يؤدي إلى الإنعام هو ما نُبيِّنه نحن.1

(المصدر: كتاب سفينة نوح)

 

 

 

1 الحاشية : في سورة الفاتحة دعا المؤمنون بمعرفة الصراط المستقيم، أما في السورة التالية فقد دلّهم الله على الصراط المستقيم إعلامًا منه بأن دعاءهم قد استجيبَ. (من المؤلف)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن هذا الدعاءَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} لَدعاءٌ جامعٌ ينبّه الإنسان إلى أن أول ما يجب عليه عند حلول مشكلة دينية أو دنيوية أن يبحث عن الطريق المستقيم لحلّها، أي أن يبحث عن طريق واضح سويّ يؤدي به إلى المطلوب بكل سهولة، ويملأ قلبه يقينًا ويخلّصه من الشبهات. ولكن الذي يسأل الخبز وفق التعليم الإنجيلي لن يختار سبيل الوصال إلى الله تعالى، لأن مقصوده هو الخبز، فإذا وجد الخبز فما له ولله؟ ومن أجل ذلك زلّت قدم النصارى عن الصراط المستقيم، وغُلّتْ أعناقهم بعقيدة مخجلة للغاية أعني: اتخاذ البشر إلهًا.

(المصدر: سفينة نوح)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الإسلام دينٌ قد جعل الله تعالى أتباعه المخلصين ورثةً للصادقين السابقين كلِّهم، وقد أعطى هذه الأمة المرحومة كافة نِعمهم المتفرقة، وقد استجاب الله دعاءً قد علّمه بنفسه في القرآن الكريم وهو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.} أي اهدنا يا رب إلى صراط الذين نالوا منك جميع أنواع البركات ونالوا شرف مكالمتك ومخاطبتك، وحظُوا منك باستجابة أدعيتهم، وحالفتهم نصرتك وعونك وهدايتك دائما. وجنِّبنا سبيل الذين حلّ بهم غضبك، والذين تركوا سبلك واختاروا سبلا غيرها. هذا هو الدعاء الذي نقرأه في الصلوات الخمس كل يوم، ويتبينُ بجلاء أن الحياة الدنيا في حالة العمى؛ إنما هي بمنزلة جهنم والموت أيضا. والحق أن المطيع الحقيقي لله تعالى والناجي الحقيقي؛ هو ذلك الذي يعرف الله تعالى حق المعرفة ويؤمن به إيمانا كاملا، وهو الذي يستطيع أن يهجر الذنوب ويفنى في حب الله.

(المصدر :كتاب محاضرة لاهور)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ما دام الله تعالى قد علّم بنفسه الدعاء ( اهدنا الصراط المستقيم) فلم يعلّمه دون أن تكون الأسباب مهيأة بل حينما علّم الدعاء كانت الأسباب كلها موجودة. ففي السورة التالية إشارة إلى استجابة هذا الدعاء حيث قال تعالى: “ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين.” إنها لضيافة مستلزماتها موجودة سابقا.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1904/10/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد وعد الله تعالى في بداية القرآن الكريم أنواع التقدم التي تقتضيها الروح بالطبع. فقد علّم: “اهدنا الصراط المستقيمفي سورة الفاتحة. ثم بشّر فورا في الآية الأولى من سورة البقرة فقال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} فكأن الأرواح تدعو ويُظهر القبولُ تأثيره فورا. إن وعد استجابة الدعاء يتحقق بنزول القرآن الكريم. فحين يدعو المرء تظهر نتيجته فورا من جانب آخر، وهذا فضل الله ولطفه الذي أكرمنا به.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1906/1/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

هذا الدعاء ردٌّ على قول الذين يقولون إن القلم قد جفَّ بما هو كائن، فلا فائدة في الدعاء، فالله تبارك وتعالى يُبشّر عباده بقبول الدعاء، فكأنه يقول يا عباد ادعوني أستجبْ لكم. وإن في الدعاء تأثيرات وتبديلات، والدعاء المقبول يُدخل الداعي في المنعَمين.

وفي الآية إشارة إلى علامات تُعرَف بها قبولية الدعاء على طريق الاصطفاء، وإيماءٌ إلى آثار المقبَّلين. لأن الإنسان إذا أحبّ الرحمنَ وقوّى الإيمانَ، فذلك الإنسان وإن كان على حُسن اعتقاد في أمر استجابة دعواته، ولكن الاعتقاد ليس كعين اليقين، وليس الخبر كالمعاينة، ولا يستوي حال أولي الأبصار والعمين، بل من يُدرَّب باستجابة الدعاء حق التدرّب، وكان معه أثر من المشاهدات، فلا يبقى له شكٌّ ولا ريبٌ في قبولية الأدعية. والذين يشكّون فيها فسببُه حرمانُهم من ذلك الحظّ، ثم قلّةُ التفاتهم إلى ربهم، وابتلاؤهم بسلسلة أسبابٍ توجد في واقعات الفطرة وظهورات القدرة، فما ترقّتْ أعينُهم فوق الأسباب المادية الموجودة أمام الأعين، فاستبعَدوا ما لم تُحِط بها آراؤهم وما كانوا مهتدين

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

في {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ردٌّ على المشايخ المعاصرين الذين يعتقدون أن الفيوض والبركات الروحانية كلها قد انقطعت ولا يمكن أن يسفر جهد أحد أو مجاهدته عن نتيجة مفيدة ولا يُنال نصيب من البركات والثمرات التي نالها المنعم عليهم من قبل. إنهم يرون فيوض القرآن الكريم عديمة التأثير الآن ولا يعتقدون بقوة النبي صلى الله عليه وسلم القدسية لأنه إن لم يكن هناك ولو شخص واحد يمكن أن يتصبغ بصبغة المنعم عليهم فما الفائدة من هذا الدعاء أصلا؟ ولكن هذا خطأهم إذ يعتقدون ذلك بل الحق أن باب فيوض الله وبركاته مفتوح أيضا، ولكن كل تلك الفيوض والبركات تُنال الآن باتّباع النبي صلى الله عليه وسلم فقط. وإن ادّعى أحد أنه ينال نصيبا من البركات الروحانية والأنوار السماوية دون اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم فهو كاذب.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/5/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وفي آية: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إشارةٌ وحثٌّ على دعاء صحة المعرفة، كأنه يُعلّمنا ويقول ادعوا الله أن يُريكم صفاتِه كما هي ويجعلكم من الشاكرين، لأن الأمم الأولى ما ضلوا إلا بعد كونهم عُميًا في معرفة صفات الله تعالى وإنعاماته ومرضاته، فكانوا يُفانُون الأيامَ فيما يزيد الآثام، فحلّ غضبُ الله عليهم، فضُربت عليهم الذلة وكانوا من الهالكين. وإليه أشار الله تعالى في قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.}

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن دعاء: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} يحيط بالحاجات الدينية والدنيوية كلها لأنه ما لم يتسنّ الصراط المستقيم في أمر ما لا يتم شيء. فكل شخص سواء كان طبيبا أو زارعا أو غيره بحاجة إلى الصراط المستقيم في كل شيء.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/1/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الدعاء الأمثل هو ما ورد في سورة الفاتحة لأنه دعاء جامع. عندما يصبح الزارع بارعا في الزراعة يبلغ الصراط المستقيم في مجال الزراعة وينجح. كذلك عليكم أن تتحروا الصراط المستقيم للقاء الله وادعوه أيضا قائلين: يا إلهي أنا عبدك المذنب والساقط فاهْدني. اسألوا الله تعالى حاجاتكم مهما كانت بسيطة ولا تستحيوا لأنه هو المعطي. الذي يدعو الله أكثر هو الأكثر تقوى لأنه إذا ذهب أحد إلى باب بخيل أيضا كل يوم متسولا فلسوف يستحيي يوما من الأيام ويعطيه شيئا.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1904/11/17م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لا تفكّروا مثل الأموات الذين يعتبرون الإسلام أيضا ميتا مثلهم. الحق أن الإسلام دين يتقدم صاحبه شيئا فشيئا حتى يصافح الملائكة. وإلا فلماذا علّم: “صراط الذين أنعمت عليهم؟ لم تُطلب فيه الأموال المادية فقط بل طُلبت الإنعامات الروحانية. فإن كنتم تريدون أن تبقوا عميانا فحسب فماذا تسألون أصلا؟ إن دعاء سورة الفاتحة دعاء جامع وعجيب لدرجة لم يعلِّمه أحد من الأنبياء السابقين. إذا كانت هذه محض كلمات لا يريد الله قبولها فلماذا علّمنا كلمات مثلها؟ إذا كنتم لا تستطيعون أن تنالوا هذا المقام فلماذا نضيع أوقاتنا في الصلوات الخمس؟ إن الله ليس بخيلا ولا يأتي الأنبياء ليُعبَدوا بل يأتون ليعلّموا الناس أن يتأسوا بأسوتهم ويستظلوا بظلهم.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1904/11/17م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لا يكون الدعاء جامعا ما لم يتضمن جميع المنافع والمصالح، وما لم ينقذ من كافة الخسائر والمضرات فهذا الدعاء يتضمن جميع المنافع المثلى والممكنة، وقد طُلب فيه الإنقاذ من أكبر مضرة من شأنها أن تهلك الإنسان.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/3/17م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الدعاء الأمثل ما يجمع في طياته الخيرات كلها، ويمنع المضرات كلها لذا فإن الدعاء: “أنعمت عليهميتضمن الحصول على إنعامات أُعطيها المنعم عليهم بدءا من زمن آدم إلى زمن نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم .- وفي غير المغضوب عليهم ولا الضاليندعاء لاجتناب كل نوع من المضرات.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/7/26م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الفئتان المذكورتان مقابلهم هم المغضوب عليهم والضالون الذين دُعي في سورة الفاتحة لاجتنابهم. عندما يُقرأ هذا الدعاء معا أي نقول: أدخِلنا يا ربنا في المنعَم عليهم وجنِّبنا المغضوب عليهم والضالين، يُفهم من ذلك بكل جلاء أن بعضا من بين هؤلاء المنعم عليهم يعاصرون المغضوب عليهم والضالين بحسب علم الله. ولما كان المراد من المغضوب عليهم على وجه اليقين في هذه السورة أولئك الذين ينكرون المسيح الموعود ويكفرونه ويكذّبونه فلا شك أن المراد من المنعم عليهم مقابلهم هم الذين يؤمنون بالمسيح الموعود بصدق القلب ويعظمونه من الأعماق وأنصاره ويشهدون بحقه أمام العالم.

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

توحي الآيات {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} أن الخلاف سيبقى قائما إلى يوم القيامة، إذ سيكون المنعم عليهم والمغضوب عليهم أيضا غير أن الملل الباطلة ستهلك بالأدلة والبراهين.

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية،  الحاشية في الحاشية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

كما أكد لنا القرآن الكريم بخصوص الحضارة المادية أن نسير تحت حكم ملك واحد، كذلك أكد على ذلك بخصوص الحضارة الروحانية أيضا. وإلى هذا أشار الله تعالى لمّا علّمنا الدعاء التالي: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ.} يجب أن نتدبر أنه ليس من مؤمن ولا إنسان ولا حتى حيوان يخلو من نعمة الله تعالى، ولكن لا يسعنا القول بأن الله تعالى قد أمرنا في هذه الآية باتّباع هؤلاء كلهم. لذلك فمعنى هذا الدعاء هو: أن يهدينا الله تعالى سبلَ الذين هطلت عليهم أمطار غزيرة من النعم الروحانية بصورة أكمل وأتم حتى نتبعهم. فبعبارة أخرى تشير هاتان الآيتان إلى أن نكون مع إمام الزمان.

لا يعزُبنَّ عن البال أن لفظ إمام الزمان يشمل كلًّا من النبي والرسول والمحدَّث والمجدِّد. ولكن الذين لم يُؤمروا بهداية خلق الله تعالى، وما أُعطوا كمالاتها؛ فلا يسمَّون إمام الزمان حتى ولو كانوا أولياءً أو أبدالا.

(المصدر: كتاب ضرورة الإمام)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يقول البعض: لماذا يدعو الأنبياء؟ إنهم لا يعرفون أنهم دعوا من أجل الترقيات. لأن الله تعالى غير محدود وفيوضه وأفضاله أيضا غير محدودة، فكانوا يدعون بهذا الدعاء للحصول على أفضاله غير المحدودة.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/1/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يتبين من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أن العلاقة بين المرشد والمريد يجب أن تكون كمثل العلاقة بين المرأة وزوجها فلا يرفض أيا من أوامر المرشد، وألا يسأل الدليل عليه. لذلك قال تعالى في القرآن الكريم: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} ليتقيدوا في صراط المنعم عليهم. ولأن الإنسان يحب الحرية بطبيعته لذا فقد أمر أن يسلك هذا المسلك.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1900/12/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يتبين من: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} أنه عندما تفشل مساعي الإنسان يضطر للرجوع إلى الله تعالى في نهاية المطاف.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/2/17م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أُعطيتُ لقب الشرف والإكرام بواسطة سورة الفاتحة، وهو: “أنعمت عليهم.”

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/2/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن رغبة الإنسان العظمى في الدنيا هي أن ينال السكينة والراحة، وقد حدد الله تعالى لهذا الغرض سبيلا واحدا يسمى التقوى. وبتعبير آخر يسمّى سبيل القرآن الكريم أو اسمه الصراط المستقيم.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/3/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن مغزى الصلاة وروحها هو الدعاء وحده الذي علِّمناه في سورة الفاتحة. حين نقول: “اهدنا الصراط المستقيمنريد بواسطة هذا الدعاء أن نجذب النور الذي ينزل من الله تعالى وينور القلوب باليقين والحب.

(المصدر: كتاب أيام الصلح)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ:} إن حزب الشهداء أيضا من ضمن المنعم عليهم. والمراد من ذلك أن ننال الاستقامة التي لا تدَع الأقدام تهتز عند التضحية بالحياة أيضا.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/7/10م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

في {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} إشارة إلى التكميل العلمي، أما التكميل العملي فقد ذُكر في الجملة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} بأن ننال النتائج الأتم والأكمل. كما أنه عندما تُزرَع شجرة لا تحمل الثمار ما لم تنمُ نموا كاملا. كذلك لو لم تسفر الهداية عن نتائج أعلى وأكمل ولم تملك قوة النمو لكانت ميتة لذلك وضع الله تعالى في سورة الفاتحة شرط {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}، أي أن هذا الصراط ليس عديم الأثمار ولا محيرا بل يبلغ الإنسانُ مرامه بالسلوك عليه.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/8/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن صراط الصلحاء والمنعم عليهم هو المقصود الحقيقي الذي وضعه الله تعالى للناس.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/12/10م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يجب أن يكون نصب أعين الإنسان دائما نوال تزكية النفس والتقوى بحسب مرضاة الله تعالى وأن يوَفَّق لكسب أعمال حسنة تُرضيه. فعندما يرضى الله به يمكن أن يُكرمه بمكالماته إذا اقتضت حكمته ومشيئته. ولكن يجب ألا يعتبر الإنسان هذا الأمر هو المقصود الحقيقي قط لأن هذا هو أصل الهلاك. بل يجب أن يكون المقصود الحقيقي هو التوفيق للعمل بالالتزام بأوامر الله تعالى وأن تتسنى له تزكية النفس وأن يترسخ حب الله وعظمته في القلب وينفر الذنب. هذا هو الدعاء الذي علّمه الله تعالى أي: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} فلم يقل الله هنا بأن عليكم أن تدعوا لتتلقوا الإلهام بل أمر أن تدعوا لتهدوا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أُكرموا بإنعامات الله تعالى في نهاية المطاف. ما حاجة الإنسان إلى طلب الإلهام؟ الحق أنه ليس في ذلك أية أفضلية للإنسان بل هو فعل الله تعالى وليس عمل صالح من الإنسان حتى يُتوقع عليه الأجر.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1907/11/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يجب على كل مبايع أن ينتبه إلى أهداف مرتبطة بالبيعة. أما الأمور الأخرى مثل زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بعيدة عن الهدف الأصلي والغاية الحقيقية إن الذي ليس في قلبه الإخلاص الصادق والوفاء والإيمان الصادق بالله وخشيته وتقواه هو أكبر شقي في نظر الله ولا أهمية له عنده عز وجل وإن كان قد زار الأنبياء كلهم وجُلّهم. فاعلموا أن مجرد الزيارة لا تعني شيئا. لقد علّم الله تعالى دعاء: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} لو كان الله تعالى يقصد مجرد الزيارة لقال: أرِنا الذين أنعمت عليهم ولكنه لم يقل هذا. انظروا إلى حياة النبي صلى الله عليه وسلم العملية، لم يتمنّ صلى الله عليه وسلم قط أن تتسنى له زيارة إبراهيم عليه السلام مثلا، وإن زار الأنبياء جميعا في المعراج. فيجب ألا تكون الزيارة هي المقصود بالذات بل الهدف الحقيقي هو الاتّباع الصادق.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/8/17م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

والهدف الحقيقي من الصلاة وهي معراج المؤمن أن يدعو المرء فيها، لذا يُدعى فيها بأم الأدعية: “اهدنا الصراط المستقيم“.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/10/24م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يجب أن يكونشيء وموجود فعلاشيء آخر. والعلم بذلك لا يُنال إلا بالدعاء. الذين يعتمدون على العقل فقط لا يصلون إلى علم موجود فعلا.” لذا قيل: اعِرف الله بواسطته عز وجل .- وإن الجملة: “لا تدركه الأبصارأيضا تعني أنه تعالى لا يُعرف بواسطة العقل فقط بل هو الذي أخبر عن الطرق التي يعرِّف بها نفسه. وليس لهذا الغرض دعاء مثل: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1904/3/8م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاوهذا وعد من جانب، ومن جانب آخر هناك دعاء: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ.} على الإنسان أن يدعو في الصلاة بإلحاح شديد واضعا ذلك في الاعتبار ويتمنى أن يكون من الذين حازوا التقدم والبصيرة، حتى لا يرحل من هذه الدنيا أعمى دون بصيرة.

(المصدر: خطبة الجلسة السنوية، عام 1897م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

المراد من نداء الله أنه قد رُفع الحجاب الحائل ولم يعد هناك أيّ بُعد. إن الدرجة الأخيرة للمتقي هي نواله الطمأنينة والسعادة. وفي مكان آخر أطلق الله تعالى على هذه الطمأنينة الفلاح والاستقامة أيضا. ففي {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} إشارة لطيفة إلى الاستقامة أو الطمأنينة أو الفلاح نفسه.

(المصدر: خطبة الجلسة السنوية، عام 1897م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الأدعية الأخرى كلها ضمنية، والأدعية الحقيقة التي يجب أن يدعو بها الإنسان هي لابتغاء مرضاة الله، وستُقبل الأدعية الأخرى كلها تلقائيا لأن بزوال الذنوب تأتي البركات. الدعاء من أجل الدنيا فقط لا يُقبل. لذا ينبغي على الإنسان أن يدعو لابتغاء مرضاة الله وعلى رأسها دعاء: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ.} إذا استمر الإنسان بهذا الدعاء سيدخل جماعة المنعم عليهم الذين أغرقوا أنفسهم في بحر حب الله تعالى. وبدخوله في زمرة المنقطعين إلى الله ينال هذه الإنعامات الإلهية كما جرت عادة الله معهم. لم يسمع أحد أن الله أذاق عبده الصادق والمتقي لباس الجوع بل الله يرحمه إلى سبعة أجيال. لقد ورد في القرآن الكريم حادث الخضر وموسى اللذان استخرجا كنزا فقيل: “كان أبوهما صالحا.” فقد ورد في هذه الآية ذكر الآباء ولم يُذكر فيها كيف كان الأولاد بأنفسهم. فحُفظ الكنز بسبب والدهما ورُحِما بسببه ولم يذكر الله الأولاد بل سترهما.

يتبين من التوراة وغيرها من الكتب السماوية أن الله لا يضيع المتقي لذا يجب أن يدعو المرء أولا بأدعية تتحول بها النفس الأمارة إلى المطمئنة ويرضى الله. فادعوا دعاء اهدنا الصراط المستقيملأن كل ما يسأله المرء بعد القبول عند الله يعطيه سبحانه وتعالى .-

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1904/3/10م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إذا كان المقصود كما يفهمه بعض الناس أن الكمال يكمن في اجتناب السيئات المعروفة بوجه عام فقط لما علِّم الدعاء: “أنعمت عليهمالذي مرتبته الأخيرة والنهائية هي مكالمة الله ومخاطبته. لم يقتصر كمال الأنبياء على أنهم ما كانوا يسرقون مثلا، بل الحق أنهم كانوا عديمي النظير في حبهم لله وصدقهم. فقد علّم الله تعالى بتعليم هذا الدعاء أن الحسنة والإنعام شيء آخر تماما وما لم يحصل الإنسان عليهما لا يسمَّى صالحا وتقيا ولا يدخل في زمرة المنعم عليهم. ثم قال تعالى: “غير المغضوب عليهم ولا الضالين.” وقد بيّن الله تعالى هذا المفهوم في مكان آخر بقوله بأن نفس المؤمن تكتمل بشربه الشرابَين، أحدهما اسمه الشراب الكافوري والثاني هو الشراب الزنجبيلي. الشراب الكافوري هو الذي بشربه تبرد النفس تماما ولا تبقى فيها أدنى حرارة لكسب السيئات. كما هي خاصية الكافور أنه يكبت المواد السامة لذلك يسمَّى كافورا، كذلك يزيل الشراب الكافوري سم الذنب والسيئة ولا يسمح للمواد الرديئة، التي يمكن أن تثور فتهلك روح الإنسان، أن تطل برأسها ويعدم تأثيرها. والشراب الثاني هو الشراب الزنجبيلي الذي بسببه يحوز الإنسان قوة وقدرة على كسب الحسنات، وتتولد فيه الحرارة. إذًا، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} هو الهدف والغرض الحقيقي وكأنه الشراب الزنجبيلي، و {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} هو الشراب الكافوري.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/1/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ما لم يملك أحد رصيدا من الحسنات الحقيقية فهو ليس مؤمنا لذا فقد علّم الله تعالى في سورة الفاتحة دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} لئلا يعتبر الإنسان ترك السرقة والزنا وغيرهما من الذنوب العادية فقط حسنة بل بيّن بقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أن الحسنة والإنعام شيء آخر، ما لم يحرزهما لن يسمَّى صالحا وتقيا. اعلموا أن الله تعالى لم يعلّم دعاء: لا تُدخلني في الفساق والفجار ولم يكتف به بل علّم أن أدخِلني في المنعم عليهم. ثم المراد من الآية التالية: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} هو أن نفوس المؤمنين تكتمل حين يشرب كِلا الشرابين، أحدهما يسمى الشراب الكافوري الذي بشربه تفتر النفس تجاه السيئات كما في الكافور خاصية أنه يجذب المواد السامة كذلك يُجذَب بسبب الشراب الكافوري سمّ الذنب والسيئة الموجودة في الإنسان. والشراب الثاني هو الشراب الزنجبيلي الذي بسببه ينال الإنسان قوة على كسب الحسنات لذا علّم الله تعالى الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ* غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} الذي طُلب بواسطته كِلا الشرابين.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1905/1/10م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الغاية من حياة الإنسان هي السلوك على الصراط المستقيم وتحرّيه، كما بيّنها الله في سورة الفاتحة بكلمات: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهذا الدعاء يُدعى به في كل صلاة وفي كل مرة. إن تكراره بهذه الكثرة يوحي بأهميته. فليتذكر أفراد جماعتي أن هذا ليس أمرا عاديا وليس الهدف الحقيقي هو ترديد الكلمات باللسان فقط مثل الببغاء بل هذه وصفة صائبة غير مخطئة لجعْل الإنسان إنسانا كاملا، يجب أن يجعله المرء نصب عينيه دائما ويعتبره كالرُقية. ففي هذه الآية هناك التماس للحصول على أربعة أنواع من الكمالات، فلو حصل عليها فكأنه أدى حق الدعاء وحق خلق الإنسان. وبذلك يؤدي حق استخدام القوى والمؤهلات أيضا التي أُعطيها أريد أن أوضح لكم أن أناسا كثيرين يريدون أن ينالوا هذه الكمالات بواسطة المجاهدات والأوراد التي اخترعوها بأنفسهم ولكني أقول لكم بأن الطريق الذي لم يختره النبي صلى الله عليه وسلم هو لغو بحت. من سيكون أكثر تجربة صادقة بصراط المنعم عليهم أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم الذي خُتمت عليه كمالات النبوة كلها. فالصراط الذي اختاره صلى الله عليه وسلم هو الأنسب والأقرب. وإن إيجاد طريق آخر مهما بدى مدعاة للسعادة، بترك طريقه هلاك في رأيي. هذا ما كشفه الله علي

فباختصار، إن الهدف الحقيقي لكل إنسان هو الحصول على كمالات المنعم عليهم التي أشار الله إليها في {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وعلى جماعتنا أن ينتبهوا إليه بوجه خاص لأن الله تعالى أراد من تأسيس هذه الجماعة أن يقيم جماعة كالتي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم لتكون هذه الجماعة شاهدة على صدق القرآن الكريم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم في الزمن الأخير.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/3/31م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يعتقد المشايخ المعاصرون لنا أن باب الإلهام مسدود الآن. إذا كان ذلك صحيحا لمات الباحث العارف وهو حي. إن الله ليس بخيلا بل قد علّم بنفسه الدعاء {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وبين فيه أن باب هذه النعم مفتوح.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1905/8/13م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اعلموا يقينا أن الله لا يرضى ولا يصل إليه أحد ما لم يسلك صراطا مستقيما، وهذا لا يمكن ما لم يعرف صفات الله الذاتية وما لم يسلك سبلا ويعمل بالتعاليم التي فيها رضاه. ما دام هذا ضروريا فعلى الإنسان أن يقدم الدين على الدنيا.

(المصدر: جريدة بدر،بتاريخ 1905/8/13م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إيثار الله عز وجل على كل شيء واختيار أنواع مرارة الدنيا من أجله بحب صادق وحماس حقيقي، بل خلْق الإنسانِ أنواعَ المرارة لنفسه بيده مرتبة لا ينالها إلا الصادقون. وهذه هي العبادة التي أُمر بها الإنسان. والذي يؤدي هذه العبادة يترتب على فعْله هذا فعلٌ من الله، ويسمَّى إنعاما كما يعلِّمنا تعالى في القرآن الكريم دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.} فمن سنة الله سبحانه وتعالى أنه حين تُقبَل في حضرته خدمةٌ يترتب عليها إنعام حتمًا. فالخوارق والآيات التي لا يسع الآخرين أن يأتوا بنظيرها هي أيضا إنعامات إلهية تنزل على خواص عباده.

(المصدر: كتاب حقيقة الوحي)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اعلموا يقينا أن الذين يتشبثون بجانب واحد مشركون. المعنى الحقيقي للخطو إلى الله تعالى والدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} على وجه الحقيقة هو أن أرِنا يا ربنا الصراط الذي ترضى به والذي بالسلوك عليه أفلح الأنبياءُ وبلغوا مراميهم. عندما يدعو المرء للسلوك على صراط الأنبياء فلا بد له من الاستعداد لمواجهة الابتلاءات والمصائب أيضا لذا يجب أن يستمر في الدعاء لثبات القدمين أيضا. والذي يريد أن يعيش بخير وعافية وينال التقدم في المال والثروة ويرضى به الله أيضا هو بلهٌ ولن يفلح أبدا. والذين رضي بهم الله واجهوا دائما معاملة امتحانهم بأنواع الامتحانات وواجهوا مختلف المصائب والشدائد.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1907/10/24م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أي أنت رب العالمين والرحمن الرحيم ومالك يوم الدين يا ربنا، اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بما لا نهاية له. يجب على المؤمن ألا يكتفي بالإيمان بالإله ذي الصفات الأربعة هذه باللسان فقط بل يجعل حالة نفسه يتبين منها أنه يؤمن بالله وحده ربا وليس زيدا أو عمر. وأن يستيقن بأن الله تعالى هو الذي يجازي على الأعمال ويعلم الذنوب كلها مهما كانت خفية. تذكّروا أنه لا يتم شيء بكلام بحت ما لم تكن حالة المرء العملية صالحة. والذي يؤمن بالله وحده ربا له ومالك يوم الدين لا يمكن أن يرتكب السرقة أو يلعب القمار أو يرتكب أعمالا شنيعة أخرى لأنه يعلم أن كل هذه الأشياء تهلك وأن الخوض فيها معصية سافرة لأوامر الله تعالى. فخلاصة الكلام أنه ما لم يثبت الإنسان عمليا أنه يؤمن بالله إيمانا صادقا وقويا حقيقيا لا يمكن أن يحظى بالفيوض والبركات التي يحظى بها المقربون.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/1/2م، وبتاريخ 1908/1/6م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اقرأوا القرآن الكريم لن تجدوا فيه قط أن الله يرضى بالغافلين ومهملي سبل مرضاته. إن الله لا يرضى إلا باختيار سبل مرضاته التي حددها بنفسه. فقد علّم بكل وضوح دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.} انظروا أن الإنسان عندما يرضى بأحد يعطيه إنعامات، أفلن يحب الله تعالى أولئك الذين يسلكون مسلك مرضاته ويتحرون رضاه؟ ولكن لا بد من القدرة أيضا على تلقي فيوضه.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/4/2م )

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

قصارى القول إن الدعاء هو السلاح الأمثل الذي ينجي من المشاكل. حين لا ينفع سلاح آخر يكون الفلاح ممكنا ويقينيا بواسطة الدعاء فحسب ولكن الشرط أن تتسنى جميع مستلزمات وشروط استجابة الدعاء. الدعاء الأمثل هو: “اهدنا الصراط المستقيمالذي لا يذكر مذهبا معينا ولا يركز على جانب معين.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/4/2م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد جرت عادة الله أنه عندما يعزم المرء عزما صميما على أمر ما ينال القوة لإنجازه. لذا يجب التوجه إلى الأعمال بالعزم الصميم والعهد الوثيق. ويجب قراءة الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ … } في الصلاة بكل خشوع وخضوع وقوة ويجب قراءته بالتكرار. الإنسان ليس شيئا مذكورا بدون العبادة بل يكون شر البرية وأسوأ من الدواب كلها.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1900/6/30م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ليكن معلوما في الدعاء أن الله تعالى قد علّم في سورة الفاتحة دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.} ويجب الانتباه فيه إلى ثلاثة أمور: (1) أن يشركَ المرء فيه بني البشر كلهم (2) يشركَ المسلمين كلهم. (3) يشركَ المصلين جميعا الذين حضروا الصلاة. فبهذه النية يشترك الجميع في الدعاء وهذه هي مشيئة الله تعالى لأنه سمّى نفسه رب العالمينمن قبل في هذه السورة وهذا يرغّب المرء في مواساة عامة تشمل الحيوانات أيضا. ثم سمّى نفسه الرحمن، وهذا الاسم يرغب في مواساة بني البشر لأن هذه الرحمة خاصة بالناس، ثم سمّى نفسه الرحيم وهذا الاسم يرغب في مواساة المؤمنين لأن لفظ الرحيم خاص بالمؤمنين. ثم سمى نفسه مالك يوم الدينوهذا الاسم يوجه إلى مواساة الجماعة الموجودة لأن في يوم الدين ستحضر الجماعات أمام الله. إذًا، فالدعاء {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} دعاء جامع. ويتبين من القرينة أن هذا الدعاء يشمل مواساة البشر كلهم. وهذا هو مبدأ الإسلام أن يواسي المرء الجميع.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1898/10/29م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

والصدق أو الحقيقة الثامنة والتاسعة والعاشرة المذكورة في سورة الفاتحة هي: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ومعناها أن أرِنا يا ربنا صراط هؤلاء السالكين الذين اختاروا طرقا كانت مدعاة لنزول إنعامك عليهم، وجنّبنا طرق الذين لم يحاولوا السير على الطريق المستقيم غفلة وإهمالا منهم، فحرموا من تأييدك وضلوا الطريق. هذه هي الحقائق الثلاث التي تفصيلها أن بني آدم ثلاثة أقسام من حيث أقوالهم وأفعالهم ونياتهم. بعضهم يبحثون عن الله بصدق القلب ويرجعون إليه بصدق وتواضع. فالله تعالى أيضا يبحث عنهم ويتوب عليهم برحمة وإنعام. هذه الحالة تسمَّى إنعام من الله، وقد أشار الله تعالى إليها في الآية المذكورة فقال: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} أيْ أنهم يسلكون طريقا سويًّا وسديدا فيستحقون فيض رحمة الله. ولأنه لا يبقى بينهم وبين الله حجاب ويكونون بمحاذاة رحمة الله فتنزل عليهم أنوار فيض الله.

والقسم الثاني منهم أولئك الذين يختارون طريق المعارضة قصدا ويُعرضون عن الله كالأعداء، فيُعرض الله عنهم، ولا يتوب عليهم برحمة. والسبب في ذلك أن العداوة والبراءة والغضب والغيظ وعدم الرضا الكامن في قلوبهم تجاه الله تعالى يصير حجابا بينهم وبين الله سبحانه وتعالى .- هذه الحالة تسمَّى غضب الله الذي أشار إليه في: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.}

والقسم الثالث هم الذين يهملون الله ولا يتحرونه بالسعي والجهد، فيُهملهم الله ولا يُريهم طريقه لأنهم يتكاسلون في استقصائه ولا يجعلون أنفسهم مستحقين لفيض قُدّر في قانون الله منذ القِدم للساعين والمجتهدين. هذه الحالة تسمَّى إضلال الله بمعنى أنهم ما داموا لم يتحروا طرق نيل الهداية بجهدهم فإن الله تعالى لم يهدهم التزاما بقانونه القديم وحرمهم من تأييده. فيقول تعالى مشيرا إلى هذا الأمر: {وَلَا الضَّالِّينَ.}

تتلخص هذه الحقائق الثلاثة أنه كما يعامل الإنسان الله بثلاثة أساليب مختلفة كذلك يعاملهم معاملة مختلفة كُلّا بحسب حالته. والذين يرضون به ويطلبونه بالحب وإخلاص القلب يرضى الله بهم، وينزّل عليهم أنوار رضاه. أما الذين يُعرضون عن الله ويتعمدون المعارضة فيعاملهم الله كما يعامل المعارضين. والذين يتصرفون بالكسل والإهمال في طلبه سبحانه وتعالى يهملهم الله، ويتركهم في ضلالهم يعمهون. فكما أن الإنسان يرى في المرآة صورته الحقيقية تماما كذلك إن الله الذي هو نقيّ من كل تكدُّر ويحب القلوب الطاهرة يغضب على الذين يستحقون الغضب ويهمل المهملين، ويتوقف عن الذين يتوقفون، ويتوب على الذين يتوبون، ويحب الذين يحبون، وينفر من الذين ينفرون. فكما ترون في المرآة بالضبط أسلوبا تختارون كذلك أيّ أسلوب يختاره أحد للسير تجاه الله يلاحظ الأسلوب نفسه من قِبل الله تعالى. واللباس الذي يختاره العبد لنفسه يُعطى ثمرة البذرة نفسها التي يبذرها. عندما يخلِّص الإنسان قلبه من كل نوع من الحجب والكدورات والشوائب، ويتطهّر صدرُه من المواد الرديئة كلها ومن كل ما سوى الله يكون مثَله كمثل الذي يفتح باب بيته أمام الشمس فتدخله أشعتها ولكن كلما اختار لنفسه الكذب والزور وأنواع الشوائب ونبذ الله مستحقرا إياه كان مثَله كمثل الذي ينفر من الضوء ويغلق جميع أبواب بيته لعدم إعجابه بالضوء لكي لا تدخله أشعة الشمس. وإن لم يسْعَ الإنسان للتخلص من هذه الأخطاء والشوائب المتنوعة لتورطه في الأهواء النفسانية أو نظرا إلى شرفه ومكانته أو نتيجة تقليده قومَه أو بسبب التهاون والتكاسل وعدم المبالاة؛ كان مَثله كمثل الذي يجد أبواب بيته مغلقة ويرى البيت كله مظلما ومع ذلك لا يفتح أبوابه ويجلس عاطلا دون أن يحرك ساكنا ويقول في نفسه أنّى لي أن أنهض في هذا الوقت وأتحمل هذا العناء كله.

إن هذه الأمثال الثلاثة تنطبق على الحالات التي تنشأ نتيجة فعل الإنسان أو كسله. والحالة الأولى منها تسمَّى إنعام الله بحسب التصريح السابق، والحالة الثانية تسمَّى غضب الله والحالة الثالثة تسمَّى إضلال الله. ويجهل معارضونا هذه الحقائق الثلاث أيضا لأن أتباع برهمو سماج ليسوا مطلعين قط على الحقيقة التي بسببها يعامل الله المتمردين وأهل الغضب من العباد معاملة الغضب. فقد ألّف أحد من أتباع برهمو سماج كتيِّبا مؤخرا في ذلك اعترض فيه على كتب الله وقال: كيف نُسبت فيها صفة الغضب إلى الله سبحانه وتعالى ؟ هل يستاء الله تعالى من ضعفنا؟ فالمعلوم أنه لو كان هذا المؤلف ملمًّا بهذه الحقيقة لما هدر وقته في نشر كتيِّب افتضح بسببه جهلُه على الناس جميعا. إذ لم يفهم مع ادّعائه العقل أن غضب الله يعكس حالة الإنسان. فإذا حجب الإنسانَ نتيجة شرٍّ وعداوة وأعرض عن الله بجانبه فهل يستحق أن ينزل عليه فيضُ الرحمة نفسه الذي ينزل على الصادقين والمحبين المخلصين؟ كلا، بل إن قانون الله القديم الجاري منذ الأبد الذي جرّبه المتقون والصادقون دائما ولا يزالون يجربون الحقائق نفسها بتجارب صحيحة هو أن الذي يخرج من حجب مظلمة ويولّي وجهَ روحِه إلى الله تعالى ويخرّ على عتباته، ينزل عليه فيض رحمة الله الخاصة. أما الذي يختار طريقا مخالفا لهذا الطريق يحل به حتما ما كان ضد رحمة الله أيْ غضب الله. وحقيقة الغضب هي أنه كلما ترك أحد الصراط المستقيم الذي هو طريق إفاضة رحمة الله بحسب قانونه سبحانه وتعالى حُرم من فيض الرحمة. وإن هذا الحرمان يسمَّى غضب الله. ولأن حياة الإنسان وأمنه وراحته إنما هي نتيجة فيض من الله، لذا فإن الذين يتركون طريق فيض رحمة الله يواجهون أنواع عذابه، إما في هذا العالم أو العالم الثاني لأن الذي لا تحالفه رحمة الله لا بد أن تتوجه إليه أصناف العذاب الروحية أو الجسدية.

ولما كان المبدأ المتّبع في قانون الله أن الرحمة الخاصة إنما تحالف الذين يختارون طريق الرحمة أي الدعاءَ والتوحيد، لذا فالذين يتركون هذا الطريق يواجهون ألوان الآفات. هذا ما أشار الله إليه في قوله: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} (الفرقان: 77) وقال أيضا: {فَإِنَّ اَلله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 97) أيْ إن لم تطلبوا من الله فيضه فإن الله ليس بحاجة إلى حياة أحد أو وجوده فإنه غني عن العالمين.

إذن، إن أتباع آريا سماج، والمسيحيين أيضا يجهلون الحقيقة الأولى والثالثة من هذه الحقائق الثلاث. فمنهم من يعترض: لماذا لا يهدي الله الناس جميعا؟ ومنهم من يقول: كيف توجد صفة الإضلال في الله؟ إن الذين يعترضون على هداية من الله لا يفكرون أن هدايته إنما تحالف الذين يسعون لنيلها، ويسلكون مسالك لا بد من السلوك عليها لنزول فيض الرحمة. والذين يعترضون على إضلال الله لم يخطر ببالهم أن الله تعالى يعامل كل شخص بحسب قوانينه الثابثة وبمقتضى الحال. فالذي يترك السعي في سبيله كسلا أو تهاونا من عند نفسه فإن قانون الله الثابتُ منذ القِدم لمثل هؤلاء الناس هو أنه عز وجل يحرمهم من تأييده، ولا يهدي إلى سبله إلا الذين يسعون فيها قلبا وروحا. كيف يمكن لشخص يتهاون إهمالا شديدا منه أن يستفيض من فيض الله كالذي يبحث عنه عز وجل بكل عقله وقوته وبكل إخلاص؟ وإلى هذا الأمر أشار الله تعالى في آية أخرى فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} .(العنْكبوت: 69). لاحِظوا الآن معنا، كم هي الحقائق العشرة المذكورة في سورة الفاتحة عظيمة وعديمة النظير وقد قصر باع معارضينا جميعا في اكتشافها! ثم يجب الانتباه أيضا إلى أنه كيف ملأ الله تعالى أقصر عبارة وأوجزها بهذه الحقائق العظيمة بكمال الدقة والروعة!! كذلك يجب الانتباه إلى الروائع العجيبة التي مُلئت بها هذه السورة المباركة بالإضافة إلى الحقائق المذكورة وكمال الإيجاز!! لو بيّنّا هنا تلك الروائع كلها لصار المقال دفترا ضخما.

(المصدر: كتاب البراهين الأحمدية، الجزء الرابع، الحاشية رقم 11)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

هناك نبوءة كامنة في سورة الفاتحة، ألا وهي أنه كما صار اليهود مغضوبا عليهم بتكفيرهم عيسى وتسميتهم إياه دجالا، كذلك سيصير بعض المسلمين. لذلك فقد عُلِّم الصالحون دعاء أن يأخدوا نصيبا من المنعَم عليهم ولا يكونوا من المغضوب عليهم. والهدف الأسمى من سورة الفاتحة هو الإخبار عن زمن المسيح الموعود وجماعته، والذين أسلموا من اليهود وجماعتهم، وعن زمن تقدم الضالين (أي النصارى) فكم هي فرصة سعيدة إذ تحققت الآن كل هذه الأمور.

(المصدر: كتاب نزول المسيح)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد علّم اُلله المسلمين في سورة الفاتحة دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وقد ثبت من الأحاديث بكمال التواتر أن المراد من المغضوب عليهم هم اليهود الفجار والفساق الذين كفّروا المسيح عليه السلام وأرادوا قتله، وحقّروه وأهانوه كثيرا، وقد لعنهم عيسى عليه السلام كما هو مذكور في القرآن الكريم. والمراد من الضالين هم فرقة النصارى الضالين الذين ألّهوا عيسى عليه السلام واعتنقوا عقيدة التثليث وحصروا النجاة على دم المسيح وأجلسوه على عرش الإله الحيِّ.

فالمراد من هذا الدعاء هو أنِ ارحَمْنا يا ربنا حتى لا نكون كاليهود الذين كفّروا المسيح وأرادوا قتله، وألا نؤلِّه المسيح ولا نعتقد بالتثليث. فلأن الله تعالى كان يعلم أن المسيح الموعود في الزمن الأخير سيأتي من هذه الأمة وأن بعض المسلمين المتحلين بصفات اليهود سيكفِّرونه ويريدون قتله ويهينونه ويحقِّرونه كثيرا، وكان سبحانه وتعالى يعلم أيضا أن مذهب التثليث يكون في أوج رقيّه في ذلك الزمن، وسيتنصّر كثير من المسلمين الأشقياء، لذا فقد علّم المسلمين هذا الدعاء. وعبارة {المغضوب عليهم} في الدعاء تعلن بأعلى صوتها أن الذين يعارضون مسيح الإسلام سيكونون أيضا مغضوبًا عليهم في نظر الله كما كان معارضو المسيح الإسرائيلي مغضوبا عليهم.

(المصدر: كتاب نزول المسيح)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يقول الله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} أي يا أيها المسلمون ادعوا الله تعالى ألا تجعلنا يا ربنا من المغضوب عليهم ولا ترشدنا إلى صراط الذين ضلوا الطريق. كل ما قاله الله تعالى هنا ليس على سبيل الحكاية والقصة فقط بل كان يعلم أنه كما ارتكبت الأمم السابقة سيئات وتجاوزوا الحدود في تكذيب الأنبياء وتفسيقهم كذلك سيأتي على المسلمين أيضا زمان يرتكبون فيه الأعمال نفسها التي بسببها نزل غضب الله على تلك الأمم.

لقد قال المفسرون والمحدثون بأن المراد من المغضوب عليهم هم اليهود لأنهم استهزأوا بأنبياء الله وسخروا منهم كثيرا وآذوا عيسى عليه السلام بوجه خاص، وارتكبوا تجاسرا ووقاحة كبيرة كانت نتيجتها النهائية أن غضب الله حل عليهم في هذه الدنيا. ولكن لا يفهمنّ أحد هنا من عذاب الله وكأنه عز وجل يستفز فيعذّب، والعياذ بالله. بل المراد أن الإنسان بسبب ذنوبه يبتعد عن الله السبوح والقدوس. أو افهموا على سبيل المثال أن شخصا جالس في حجرة لها أربعة أبواب، فإن فتح أبوابها كلها دخلها الضوء أما إن أغلقها كانت النتيجة أن الضوء ينقطع عن الدخول. فباختصار، صحيح تماما أن الإنسان عندما يقوم بفعل فإن سنة الله هي أن فعلا من الله يترتب على فعله. كما أن هذا الشخص إذا أغلق الأبواب الأربعة لشقاوته ترتب على ذلك فعل الله بأن يسودَ الظلام البيت كله. إذًا، نشر هذا الظلام كان غضب الله. لا تظنوا أن غضب الله كمثل غضب الإنسان لأن الله إله والإنسان إنسان. فلا يمكن أن يعمل الله أيضا مثل الإنسان تماما، فمثلا إن الله تعالى يسمع ولكن هل هو بحاجة إلى الهواء من أجل السمع؟ وهل سمعه مثل سمع الإنسان بمعنى أنه يسمع أكثر في جهة يتجه منها الهواء؟ أو أنه يرى مثلا في ضوء الشمس أو القمر ولا يستطيع أن يرى بدونه؟ هل الله أيضا يحتاج إلى الضوء؟ فباختصار إن رؤية الله تختلف عن رؤية الإنسان، ويجب تفويض حقيقة ذلك إلى الله تعالى. يعترض الآريون بأن الله قد وُصف في القرآن الكريم غضوبا ولكنهم مخطئون جدا في ذلك. كان عليهم أن يقرأوا أماكن أخرى أيضا من القرآن الكريم حيث جاء بوضوح تام: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. ( الأعراف: 156)

إن رحمة الله تحيط بكل شيء ولكن المشكلة أنهم لا يعتقدون برحمته، ولو حصل أحد على النجاة بعد تحمّل مئة صعوبة فلا بد له من الخروج من دار النجاة في نهاية المطاف بحسب مبدئهم الديني.

فاعلموا يقينا أنه لا يرد اعتراض على كلام الله. وكما أن الله تعالى بريء من كل عيب كذلك كلامه أيضا يكون منزَّها عن كل خطأ. أما ما قال تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فالمراد من ذلك أن اليهود كانوا قوما يؤمنون بالتوراة وكذبوا عيسى عليه السلام أيما تكذيب وعاملوه بمنتهى الوقاحة لدرجة أرادوا قتله أيضا أكثر من مرة. ومن المعلوم أنه عندما يبلغُ أحدٌ في فنٍّ ما منتهاه يشتهر اسمه ويذيع صيته في ذلك المجال وكلما يُذكر ذلك الفن يُذكر اسمه حتما. فمثلا كان في العالم آلاف المصارعين كما هم موجودون الآن أيضا ولكن رُسْتَميُذكر دائما بوجه خاص. بل عندما يُعطى أحد لقبا في المصارعة يقال له: “رستم الهند.” والحال نفسه ينطبق على اليهود إذ ما خلا نبي إلا وعاملوه بالتجاسر والوقاحة. أما عيسى عليه السلام فقد عارضوه لدرجة لم يرتدعوا عن تعليقه على الصليب أيضا وقد استخدموا بحقه كل شر ومكيدة. أما إذا طُرح سؤال أن اليهود عاملوا الأنبياء بالوقاحة والشر ولكن سلسلة النبوة مقطوعة الآن وبالتالي لم تكن هناك حاجة إلى الدعاء: “غير المغضوب عليهمفجوابه أن الله تعالى كان يعلم أن المسيح سينزل في الزمن الأخير وسيعارضه المسلمون ويحذون حذو اليهود ويتقدمون في أنواع السيئات وأصناف الوقاحة والشرور لذا علّم الدعاء: “غير المغضوب عليهمأن ادعوا أيها المسلمون هذا الدعاء في كل ركعة من الصلوات الخمس كل يوم أن انقذنا يا ربنا من صراط الذين حل بهم غضبك في هذه الدنيا، وذاقوا ألوان الآفات السماوية والأرضية بسبب معارضتهم مسيحك.

فيجب الانتباه إلى أن هذا هو الزمن الذي تشير إليه الآية: “غير المغضوب عليهم، وهذا هو المسيح الصادق من الله الذي يتكلم الآن بين ظهرانيكم. اعلموا أن الله تعالى ظل يصبر منذ 25 عاما. لم يدخر هؤلاء القوم جهدا في معارضتي بل عاملوني بالوقاحة بكل أنواعها ووجّهوا إلي أنواع التهم وأخرجوا في هذا السبيل كل ما كان في جعبتهم. وحاولوا لإجاحتي وإبادتي وإفنائي بكل الطرق وأعدّوا فتاوي التكفير ضدي واعتبروني أسوأ من اليهود والنصارى مع أنني أؤمن بالشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول اللهقلبا وقالبا. وأؤمن بالقرآن الكريم كتاب الله الصادق والكامل ونؤمن به خاتَم الكتب بصدق القلب ونؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم خاتَم النبيين بصدق القلب. نصلي الصلوات نفسها ونستقبل القبلة نفسها ونصوم رمضان نفسه، وليس هناك أدنى فرق بيننا في الحج والزكاة. فلا أدري لأية أوجه عدّوني أسوأ من اليهود والنصارى؟ واعتبروا شتمي وسبابي ليل نهار عمل ثواب؟ النبل والنباهة أيضا شيء جدير بالاعتداد على أية حال. لا يختار هذا الأسلوب إلا الذين يُسلب إيمانهم وتسودّ قلوبهم.

إذًا، كان الله يعلم أنه سيأتي زمان يحذو المسلمون فيه حذو اليهود لذا علّم الدعاء: “غير المغضوب عليهم.” ثم قال: “ولا الضالينأي لا تجعلنا نسلك صراط الذين أعرضوا عن صراطك المستقيم. وهذه إشارة إلى المسيحيين الذين أُعطوا من الله تعالى تعليما في الإنجيل أن آمِنوا بالله واحدا لا شريك له ولكنهم نبذوا هذا التعليم واتخذوا ابن امرأة إلها. ولا يفهمنّ أحد هنا أن الجملة المغضوب عليهمقاسية جدا والضالينلينة. هي ليست لينة، بل الحق أن ذنب اليهود كان أهون إذا كانوا ملتزمين بالتوراة ويعملون بأوامرها. مع أنهم تقدموا كثيرا في التجاسر والحذلقة ولكنهم كانوا يخالفون بشدة اتخاذ أحد إلها أو ابن إله. وإذا ورد اسمهم في سورة الفاتحة أولا فليس سبب ذلك أن ذنوبهم كانت أكثر بل لأنهم عوقبوا في هذه الدنيا. ومثل ذلك كمثل حاكم يغرِّم شخصا كان خطأه ضمن دائرة استطاعته في المعاقبة. فمثلا هناك حاكم ليس مخوَّلا أن يغرّم أحدا أكثر من خمسين أو ستين روبية عقابا على جريمة ارتكبها. وإذا كان المجرم يستحق عقابا أكبر من ذلك يحوّل المجرم إلى حاكم أعلى منه قائلا بأن ذلك يفوق صلاحيتي ولا أستطيع أن أحاكمك هنا. كذلك إن تجاسر اليهود ووقاحتهم كانت مقتصرة على درجة كانت معاقبتها في الدنيا ممكنة. ولكن لا تسع الدنيا أن تتحمل عقوبة الضالين لأن معتقدهم يدفع على الاشمئزاز لدرجة يقول الله عنه: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الَْأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا}. (مريم : 90 -91)

فخلاصة الكلام: لأن عقوبة اليهود كانت أخف نسبيا فعوقبوا في هذه الدنيا، ولكن عقوبة المسيحيين شديدة لدرجة لا يسع هذا العالم احتماله لذا فقد أُخِّرت إلى عالم آخر. ثم هناك أمر آخر أيضا أن المسيحيين ليسوا ضالين فقط بل مضلون أيضا، وقد اتخدوا تضليل الناس ليل نهار مهنة لهم، وينشرون خمسين ألف بل مئة ألف نسخة من الجرائد كل يوم ويستخدمون أعذارا من كل نوع لنشر هذا المعتقد الباطل.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/1/6م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد رأينا اليهود في هذا العصر، وقد آمنا أن الآية: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} كانت تشير إلى أنه سيكون يهود مغضوب عليهم في هذا القوم أيضا حتما؛ فكانوا فعلا، وبذلك تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم .- ولكن هل هذه الأمة شقية إلى هذا الحد بحيث لم يُكتَب في نصيبها إلا أن يكونوا يهودا؟ لا يسعنا أن ننسب هذه الفعلة إلى الله تعالى أبدا أن يجعل أبناء هذه الأمة يهودا مردودين دون غيرهم، وأما المسيح فيرسله من بني إسرائيل! إن هذا الوضع يجلب العار والشنار على هذه الأمة، ولا تبقى جديرة بأن تُسمى أمة مرحومة. فإن كون هذه الأمة يهودا، كما يُفهم من الآية: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} يقتضي أن يأتي في هذه الأمة أيضا مثيل للمسيح الذي جاء إلى اليهود المغضوب عليهم. فهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.}

(المصدر: كتاب إعجاز أحمدي)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وتعلمون أن الفاتحة أُمُّ الكتاب، وإنها تنطق بالحق، وفيها ذكرُ أخيارِ أُمّةٍ خلتْ من قبل وذكرُ شَرِّ الذين غضب الله عليهم في هذه الدنيا، وذكرُ الذين اختُتمتْ عليهم هذه السورة، أعني الضالين، وقد أقررتم بأنهم النصارى، وأخّر الله ذكرهم في هذه السورة ليعلّم أن فتنتَهم آخر الفتن، فلَمْ يبقَ لِدجَّالكم موضعُ قدم يا أولي النهى. وإنّ هذه فِرقٌ ثلاث من أهل الكتاب، وكذلك منكم ثلاث، شابهَ بعضُكم بعضهم وضاهى“.

(المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وقد سمّى الله تلك اليهودَ {المغضوب عليهم}، وحذّركم في أُمّ الكتاب أن تكونوا كمثلهم، وذكّركم أنهم أُهلكوا بالطاعون، فما لكم تنسون وصايا الله ولا تتّقون ربّكم ولا تحذرون؟ ولا تفكّرون في قول الله {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، ولم يقُلْ غيرِ اليهود، فإنه أَوْمَى في هذه إلى عذابٍ أصابهم وإلى عذابٍ يصيبكم إن لم تنتهوا، فهل أنتم منتهون؟ وإنه نبأٌ عظيم وقد ظهرت آثاره، وإنّ في هذا لآية لقوم يفكّرون“.

(المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وإن الفاتحة كفَتْ لسعيدٍ يطلب الحق ولا يمرّ علينا كالذين يستكبرون. فإن الله ذكر فيه فِرَقًا ثلاثا خَلوْا من قبلُ، وهم المنعم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالون، ثم جعل هذه الُأمّةَ فرقةً رابعة، وأومأَ الفاتحةُ إلى أنهم ورثوا تلك الثلاثة: إمّا مِن المنعَم عليهم، أو من المغضوب عليهم، أو من الذين يضلّون ويتنصّرون، وأمَر أن يسأل المسلمون ربّهم أن يجعلهم من الفرقة الأولى ولا يجعلهم من الذين غضب عليهم ولا من الضالين الذين يعبدون عيسى وبربهم يشركون. وكان في هذا أنباءٌ ثلاثة لقوم يتفرّسون. فلما جاء وقت هذه الأنباء بدأ الله من الضالين كما أنتم تنظرون، فخرج النصارى من دَيْرهم بقوة لا يدانِ لها وهم مِن كل حدَبٍ ينسلون، وزُلزلت الأرض زلزالها وأخرجت أثقالها، وتنصّرَ فوج من المسلمين كما أنتم تشاهدون. ثم جاء وقت النبأ الثاني .. أعني وقت خروج المغضوب عليهم كما كان الوعد الرباني، فصار طائفة من المسلمين على سيرة اليهود الذين غضب الله عليهم، وصارت أهواؤهم كأهوائهم وآراؤهم كآرائهم ورياؤهم كريائهم وشحناؤهم كشحنائهم وإباؤهم كإبائهم .. يكذبون ويفسقون، ويظلمون ويستكبرون، ويحبّون أن يسفكوا الدماء بغير حق، ومُلِئتْ نفوسهم شُحًّا وبخلًا وحسدًا، وضُرِبت عليهم الذلّة، فهم لا يُكرَمون في السماء ولا في الأرض، ومِن كل باب يُطرَدون. وكذلك مُلئت الأرض ظلما وجورًا وقَلّ الصالحون. فنظر الله إلى الأرض فوجد أهلها في ظلمات ثلاث: ظلمة الجهل وظلمة الفسق وظلمة الدّاعين إلى التثليث والوسواس الخنّاس، فتذكّرَ فضلًا ورُحمًا وعْدَه الثالثَ الذي يدْعون له الداعون، فأنعمَ على هذه الُأمّة بإرسال مثيل عيسى، وهل يُنكِر بعده إلا العمون؟

(المصدر:كتاب الخطبة الإلهامية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ففَكِّروا في أُمّ الكتاب حق الفكر .. لِمَ حذَّركم الله أن تكونوا المغضوبَ عليهم، ما لكم لا تفكّرون؟ فاعلموا أن السرّ فيه أنّ الله كان يعلم أنه سوف يبعث فيكم المسيح الثاني كأنه هو، وكان يعلم أن حزبًا منكم يكفّرونه ويكذّبونه ويحقّرونه ويشتمونه ويريدون أن يقتلوه ويلعنونه، فعلَّمكم هذا الدعاء رُحمًا عليكم وإشارةً إلى نبأٍ قدَّره، فقد جاءكم مسيحكم فإن لم تنتهوا فسوف تُسألون. وثبت من هذا المقام أن المراد من المغضوب عليهم عند الله العلّام هم اليهود الذين فرّطوا في أمر عيسى رسول الله الرحمن، وكفّروه وآذَوه ولُعنوا على لسانه في القرآن، وكذلك مَن شابَهَهم منكم بتكفيرِ مسيحِ آخر الزمان وتكذيبه وإيذائه باللسان، والتمنّي لقتله ولو بالبهتان، كما أنتم تفعلون. والمراد من قوله {الضَّالِّينَ} النصارى الذين أفرطوا في أمر عيسى وأَطْرَأُوه وقالوا إن الله هو المسيح وهو ثالث ثلاثة، يعني الثالث الذي يوجد فيه الثلاثة كما هم يعتقدون. والمراد من قوله {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} هم النبيون والأخيار الآخرون من بني إسرائيل الذين صدّقوا المسيح وما فرّطوا في أمره وما أفرطوا بأقاويل، وكذلك المراد عيسى المسيحُ الذي خُتِمَتْ عليه تلك السلسلة وانتقلت النبوّة، وسُدَّ به مجرى الفيض كأنه العَرِمة، وكأنه لهذا الانتقال العَلَمُ والعلامة، أو الحشر والقيامة، كما أنتم تعلمون.

وكذلك المراد من {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} في هذه الآية هو سلسلة أبدال هذه الأمّة الذين صدّقوا مسيح آخر الزمان، وآمنوا به وقبِلوه بصدق الطويّة والجَنان ..أعني المسيحَ الذي خُتِمتْ عليه هذه السلسلة، وهو المقصود الأعظم من قوله {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} كما تقتضي المقابلةُ ولا ينكره المتدبّرون، فإنّه إذا عُلِمَ بالقطع واليقين والتصريح والتعيين أن المغضوبَ عليهم هم اليهود الذين كفّروا المسيح وحسبوه من الملعونين كما يدل عليه قرينةُ قوله {الضَّالِّينَ}، فلا يستقيم الترتيب ولا يحسُن نظام كلام الرحمن إلا بأن يُعنى مِن {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} مسيحَ آخر الزمان، فإن رعاية المقابلة مِن سنن القرآن ومن أهم أمور البلاغة وحسن البيان، ولا ينكره إلا الجاهلون. فظهر من هذا المقام بالظهور البيّن التامّ أنه مَن قرأ هذا الدعاء في صلاته أو خارجَ الصلاة، فقد سأل ربّه أن يُدخِله في جماعة المسيح الذي يكفّره قومه ويكذّبونه ويفسّقونه ويحسبونه شرّ المخلوقات، ويسمّونه دجّالًا وملحدًا ضالًّا كما سَمَّى عيسى اليهودُ الملعونَ“.

(المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

فالذين سمّاهم الله المغضوب عليهم في الفاتحة هم اليهود الذين كذّبوا المسيح وأرادوا أن يصلبوه، ويعلمه العالمون. وإنّ لفظ {الضَّالِّينَ} الذي وقع بعد {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} قرينة قطعية على هذا المعنى، ولا يرتاب فيه إلا الجاهلون. فإن {الضّالين} قومٌ أفرطوا في أمر عيسى، فثبت من هذا أن {المغضوب عليهم} قوم فرّطوا في أمره، وهذان اسمان متقابلان أيها الناظرون. ثم خوّفكم الله أن تكونوا كمثلهم فيحلّ الغضب عليكم كما حلّ على أعداء المسيح ومسَّهم لعنتُه المذكورة في القرآن“.

(المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وتفصيل المقام أن الله قد أخبر عن بعض اليهود في سورة الفاتحة أنهم كانوا محلّ غضب الله في زمن عيسى ابنِ الصدّيقة، فإنهم كفّروه وآذوه وأثاروا له كل نوع الفتنة، ثم أشار إلى أن طائفة منكم كمثلهم يكفّرون مسيحهم ويكمّلون جميع أنحاء المشابهة، ويفعلون به ما كانوا يفعلون. وأنتم تقرأون آية {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، ثم لا تلتفتون. أعلَّمكم الله هذه السورة عبثًا كوضع الشيءِ في غير محلّه، أو كتَبها لتذكيرِ جريمة ترتكبونها؟ ما لكم لا تُمعِنون؟ وما غضِب الله على تلك اليهود إلا لما كفّروا رسوله عيسى وكذّبوه وشتموه وكادوا أن يقتلوه من الحسد والهوى، وقد كتب عليكم قدرُ الله أنكم تفعلون بمسيحكم كما فعل اليهود بمسيحهم“.

(المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن لفظ {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} قد حذا لفظَ {الضَّالِّينَ}، أعني وقَع ذلك بحذاء هذا كما لا يخفى على المبصرين. فثبت بالقطع واليقين أن المغضوب عليهم هم الذين فرّطوا في أمر عيسى بالتكفير والإيذاء والتوهين، كما أن الضالين هم الذين أفرطوا في أمره باتخاذه رب العالمين“.

(المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية، الحاشية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ثم اعلم أن الله في هذه السورة المباركة يُبين للمؤمنين ما كان آخر شأن أهل الكتاب ويقول إن اليهود عصوا ربهم بعد ما نزلت عليهم الإنعامات وتواترت التفضلات، فصاروا قوما مغضوبا عليه، والنصارى نسوا صفاتِ ربهم وأنزلوه منزلَ العبد الضعيف العاجز، فصاروا قوما ضالين.

وفي السورة إشارة إلى أن أمر المسلمين سيؤول إلى أمر أهل الكتاب في آخر الزمان، فيشابهونهم في أفعالهم وأعمالهم، فيدركهم الله تعالى بفضلٍ من لدنه، وإنعامٍ من عنده، ويحفظهم من الانحرافات السبُعيّة والبهيمية والوهمية، ويُدخلهم في عباده الصالحين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

كذلك ورد في الأحاديث الصحيحة أيضا أن معظم المسلمين في الزمن الأخير سيشبهون اليهود، وهذا ما أشير إليه في سورة الفاتحة أيضا، لأننا قد عُلِّمنا فيها دعاءً أن جَنِّبْنا يا ربَّنا من أن نكون مثل اليهود في زمن عيسى عليه السلام الذين عارضوه؛ فحلّ بهم غضب الله في هذه الدنيا. ومن سنة الله تعالى أنه حين يأمر قوما أو يعلِّمهم دعاءً؛ يكون المراد من ذلك أن بعضا منهم سيرتكبون الذنب الذي مُنعوا منه. فلما كان المراد من الآية: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} أولئك اليهود الذين كانوا في زمن الملة الموسوية الأخير (أي في عصر عيسى عليه السلام)وكانوا محل غضب الله لعدم الإيمان بالمسيح الناصري عليه السلام ، فإن هذه الآية تتضمن نبوءة بحسب السُنَّة المذكورة آنفا وهي أن مسيحا سينزل في الأمة المحمدية أيضا في الزمن الأخير، وسيعارضه بعض المسلمين، وبذلك سيشبهون اليهود الذين كانوا في زمن المسيح الناصري عليه السلام .-

(المصدر: كتاب محاضرة سيالكوت)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد عدّ الله بعض المسلمين يهودا وأشار بكل صراحة أن بعض السيئات التي ارتكبها علماء اليهود سيرتكبها علماء المسلمين أيضا؛ وإلى ذلك تشير الآية: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم}، لأن جميع المفسرين متفقون على أن المراد من {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} هم اليهود الذين نزل عليهم الغضب بسبب رفضهم عيسى عليه السلام ، وكذلك في الأحاديث الصحيحة: المراد من عبارة المغضوب عليهمهم اليهود الذين حل بهم غضب الله في الدنيا. ويشهد القرآن الكريم أيضا أن اليهود لُعنوا على لسان عيسى عليه السلام لبيان أنهم مغضوب عليهم. فالمراد أن المغضوب عليهم بصورة قاطعة ويقينية هم اليهود الذين أرادوا أن يقتلوا عيسى على الصليب. إن تعليم الله دعاءَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} – ومعناه ألا نكون يا ربَّنا مثل اليهود الذين حاولوا قتل عيسى على الصليب يبيّن بكل جلاء أن عيسى آخرسيُبعث في الأمة المحمدية أيضا، وإلا فما الحاجة لتعليم هذا الدعاء؟

ولما ثبت من الآية السالفة الذكر أن بعضا من علماء المسلمين سيشبهون علماءَ اليهود تماما في زمن من الأزمنة وكأنهم سيصيرون يهودا، فمن غير المعقول أبدًا أن يقال بعد ذلك أن عيسى الإسرائيلي سينزل من السماء لإصلاحهم. وذلك لأنه بمجيء نبي من خارج الأمة المحمدية، ينْفَضُّ ختْمُ النبوة أولا، والقرآن الكريم يؤكد بصراحة تامةٍ على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خاتَم النبيين؛ فلا تُتصور إهانة أكبر من أن تُشبَّهَ هذه الأمة باليهود، ثم يأتي عيسى من خارجها. فلو صحَّ أن يصير معظم علماء هذه الأمة يهودا في وقت من الأوقات، أي سيتصفون بصفات اليهود، لوجبَ أيضا أن لا يأتي عيسى من خارج الأمة لإصلاحهم؛ بل كما سمّي بعض أفرادها يهودا كذلك سيُسمَّى مقابل ذلك فرد من أفرادها بعيسى.

لا يسع الإنكار أن القرآن الكريم والحديث الشريف قد سمَّيا بعض أفراد هذه الأمة يهودا كما يتبين من الآية: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، لأنه لو لم يكن مقدرا أن يصير بعض أفرادها يهودا، لما عُلِّم الدعاء المذكور إطلاقا. إن الأسلوب المتبع في الكتب الإلهية منذ أن نزلت، أنه عندما يمنع الله تعالى قوما من عمل ما وينهاهم مثلا عن الزنا أو السرقة أو التهَوُّد، فإن في ذلك نبوءة كامنة أن بعضهم سوف يرتكبُ هذه الجرائم. لا يمكن لأحد في الدنيا أن يأتي بمثال منع الله تعالى فيه جماعة أو قوما عن مُنكَرٍ، ثم امتنعوا كلهم عنه، بل الحق أن بعضهم سيقترف المنكَر نفسه حتما؛ فكما أمر الله تعالى اليهود في التوراة ألا يحرِّفوها، فكانت النتيجة أن حرَّفها بعضهم. ولكن الله تعالى لم يأمر المسلمين في القرآن بألا يحرفوه، بل قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَلذلك ظل القرآن الكريم محفوظا من التحريف.

إذن، فمن سنة الله القطعية واليقينية والمسلَّم بها، أنه حين يمنع في كتابقوما أو جماعة من سيئة، أو يأمرهم بحسنة، فإنه يفعل ذلك بناء على علمه القديم أن بعضهم سوف يخالفُ هذا الأمر. فيُفهم مما أمر الله به المسلمين في سورة الفاتحة أن عليهم أن يدْعُوا ألا يكونوا مثل اليهود الذين أرادوا أن يقتلوا عيسى عليه السلام على الصليب، مما أدى إلى غضب الله عليهم في الدنيا؛ إذ كان من المقدر بحسب علمه تعالى أن بعض أفراد هذه الأمة الذين يُدعَون علماء سيحذون حذو اليهود بسبب مكائدهم وتكذيبهم مسيحَ الزمان، وإلا لم تكن هناك حاجة لتعليم الدعاء عبثا.

من الواضح أنه لا يمكن لعلماء هذه الأمة أن يصبحوا من بني إسرئيل ثم يحاولوا أن يقتلوا على الصليب عيسى الذي خلا من الدنيا منذ مدة مديدة. ولما كان يهود ذلك العصر ليسوا موجودين في الدنيا في أيامنا هذه، ولا عيسى السابق أيضًا، تبينَ أن في ذلك إشارة إلى حادث سيحدث في المستقبل، ويراد من هذا البيان أن شخصا سيُبعث في هذه الأمة على شاكلة عيسى المسيح في الزمن الأخير، وأن بعضا من علماء المسلمين في عصره سيسبونه ويؤذونه كما آذى علماءُ اليهود عيسى بنَ مريم من قبل. ويُفهَم من الأحاديث الصحيحة أن المراد من كون علماء المسلمين يهودا، أن يتولّد فيهم، ما ساء من أخلاق اليهود وعاداتهم، ومع أنهم سيُدعَون مسلمين في الظاهر، ولكن تُمسخُ قلوبهم وتنصبغ بصبغة اليهود الذين آذوا عيسى عليه السلام وصاروا المغضوب عليهم.” فإذا كان المسلمون المزعومون أنفسهم، سيتحولون إلى يهودٍ، أفليس إهانة لهذه الأمة، أن يُقدَّر لهم أن يصبحوا يهودا، ثم يأتي المسيح المقدَّر له أن يصلح هؤلاء اليهود من الخارج؟ هذا ينافي منطوق القرآن الكريم أيما منافاة. لقد وضع القرآن الكريم الأمةَ المحمدية إزاء الأمة الموسوية في كل خير وشر على السواء، وليس في الشر فقط.

وبالإضافة إلى ذلك فإن المنطوق الصريح لآية {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} هو أنهم يُسمَّون يهودا لأنهم سينظرون إلى مبعوث اِلله الآتي لإصلاحهم بنظرة التحقير، ويرفضونه ويحاولون قتله ويهيجُ غيظهم وغضبهم في معارضته، ولذلك يسمَّونَ في السماء بـالمغضوب عليهممثل اليهود الذين كذَّبوا عيسى عليه السلام .- وقد كانت نتيجة تكذيبهم أن تفشى فيهم طاعون جارف، ودُمِّروا وأبيدوا على يد طيطسالرومي. فيتبين من آيةِ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم}، أنه سيحل بهم غضب في الدنيا. أما في الآخرة فيكون جميع الكفار مغضوبا عليهم. ولماذا ذكر الله تعالى في هذه الآية بقوله: المغضوب عليهم اليهودَ الذين حاولوا صلب عيسى، بل صلبوه بحسب زعمهم: فليكن واضحا أنهم نُعِتوا بـ المغضوب عليهملأن غضب الله تعالى حل بهم في الدنيا، ولذلك علِّمت هذه الأمة دعاء مفاده: ربّنا، لا تجعلنا مثل هؤلاء اليهود. لقد كانت هذه نبوءة، ومعناها: أنه حين يُبعث مسيح هذه الأمة، سيتولَّد مقابله هؤلاء اليهود أيضا، فيحل بهم غضب الله في هذه الدنيا.

ومدلول هذا الدعاء أن بعثة المسيح قد قدِّرت فيكم أيضا، وسيتولَّد مقابله يهودٌ ينزل عليهم الغضب في الدنيا، فادعوا الله تعالى باستمرار ألا تكونوا مثل هؤلاء اليهود.

والجدير بالذكر أيضا أن غضب الله تعالى سيحل بكل كافر يوم القيامة، ولكن المراد هنا، هو حلول الغضب في الدنيا عقابا للمجرمين. واليهود الذين آذوا عيسى ولُعنوا على لسانه وفق النص القرآني كانوا أولئك الذين نزل عليهم الغضب في الدنيا، فأُهلِكوا أولا بالطاعون الجارف، أما الذين بقوا منهم، ففُرِّقوا في البلاد بعذاب شديد على يد طيطسالرومي. ففي قوله عز وجل – {المغضوب عليهم:} نبوءة كامنة، أن الذين سيُدعَون يهودا من المسلمين، سيكذِّبون مسيحا يأتي على شاكلة المسيح الذي جاء قبله؛ أي أنه لن يقاتل ولن يرفع السيف، بل سينشر الدين بتعليم طاهر وبآيات سماوية، وسيتفشى الطاعون في الدنيا إثر تكذيب هذا المسيح الأخير أيضا، وسيتحقق كل ما قاله الأنبياء منذ البداية.

أما الوسوسة بأن المسيح بن مريم نفسه، سيأتي إلى الدنيا مرة أخرى، فهي تنافي منطوق القرآن الكريم أيما منافاة. ومن يقرأ القرآن الكريم بنظرة التقوى والإيمان والعدل والتدبر، ينكشف عليه مثل النهار الساطع أن الله تعالى قد خلق هذه الأمة مشابهة للأمة الموسوية تماما، وقدَّر لها الخيرات مقابل خيراتها والشرور مقابل شرورها. ومِن هذه الأمة مَن يشبَّهون بأنبياء بني إسرائيل ومنهم مَن يشبهون باليهود المغضوب عليهم، ومثلُها كمثل بيت فيه غُرَف مزخرفة جيدة التزيين، لجلوس أناس مثقفين ذوي مراتب عليا، وفيه بيوت خلاء وقنوات ماء آسن أيضا، وأراد صاحب هذا القصر أن يبني مقابله قصرا آخر ويوفر فيه كل ما وُجد في القصر الأول. فالقصر الثاني هو قصر الإسلام والقصر الأول كان قصر السلسلة الموسوية. والقصر الثاني ليس بحاجة إلى القصر الأول في شيء، أي أن القرآن ليس بحاجة للتوراة، كما ليست الأمة المحمدية بحاجة إلى نبي إسرائيلي. كل كامل يأتي لهذه الأمة، سيُربَّى بفيض النبي صلى الله عليه وسلم ، ووحيُه ظِل لوحي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وهذه النقطة جديرةٌ بالفهم والاستيعاب.

الأسف كل الأسف أن معارضينا الذين يستنزلون عيسى عليه السلام ، لا يدركون أن المطلوب هو أن ينال الإسلام شرف المشابهة، لا أن يُهان بمجيء نبي إسرائيلي لإصلاح الأمة المسلمة.

(المصدر: كتاب تذكرة الشهادتين، الطبعة الأولى، المنشور في مجلة مقارنة الأديان عدد نوفمبر وديسمبر 1903م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

كذبني المشايخُ مع وجود كل هذه الشهادات والمعجزات والآيات القاهرة، وكان من المفروض أن يفعلوا ذلك لكي تتحق النبوءة الكامنة في: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.}

(المصدر: كتاب تذكرة الشهادتين)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد جئت إلى أهل الحق فضلًا من الله، وقد استُهزئ بي وكفِّرتُ واعتُبرتُ دجالا ومن الذين لا يؤمنون. وكان من المقدر أن يكون كذلك بالتمام لتتحقق النبوءة الكامنة في {غير المغضوب عليهم} لأن الله تعالى قد أخبر من خلال وعده في هذه الآية أنه سيكون في الأمة يهودا أيضا وسيشبهون علماء اليهود الذين أرادوا أن يقتلوا عيسى عليه السلام على الصليب، وسموه كافرا ودجالا. فتفكروا الآن إلى ما أُشير إليه هنا. الواضح أن الإشارة أن المسيح الموعود سيأتي من هذه الأمة فيُخلَق في زمنه أناس يزعمون أنهم علماء وهُم كاليهود؛ وقد تحققت تلك النبوءة في بلادكم.

( المصدر: كتاب تذكرة الشهادتين)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وكان قد تقرر في قدر الله أن يهودا مثلهم سيكونون في هذه الأمة أيضا، لذا فقد سُمِّيتُ عيسى كما سُمِّي يحيى باسم إلياس. فهذا ما تشير إليه الآية: {غير المغضوب عليهم.}

فباختصار، إن النبوءة بمجيء عيسى كانت لهذه الأمة كمثل النبوءة بمجيء يحيى عليه السلام لليهود؛ وقد سُمِّيتُ عيسى لتحقيق هذه المماثلة. وليس ذلك فحسب بل إن مكذبي عيسى هذا الذين كانوا سيأتون في هذه الأمة قد سُمُّوا يهودا، والآية: {غير المغضوب عليهم} تشير إلى هؤلاء اليهود. أيْ اليهود الذين ينكرون عيسى هذه الأمة يشبهون يهودا لم يقبلوا عيسى عليه السلام .- فبذلك تحققت المماثلة الكاملة بمعنى أنه كما لم يؤمن بعيسى عليه السلام اليهودُ الذين كانوا ينتظرون عودة النبي إلياس بعذر أن إلياس ما عاد إلى الدنيا، كذلك لم يؤمن هؤلاء الناس بعيسى هذه الأمة متعذرين أن عيسى الإسرائيلي ما عاد إلى الدنيا. فبذلك تحققت المماثلة الكاملة بين اليهود الذين لم يؤمنوا بعيسى عليه السلام بعذر أن إلياس ما عاد إلى الدنيا، وبين اليهود الذين لا يزالون ينتظرون عيسى عليه السلام ؛ وهذا ما أراده الله. وكما تحققت المماثلة بين اليهود الإسرائيليين واليهود الحاليين كذلك بلغت المماثلة كمالها بين عيسى الإسرائيلي وعيسى هذه الأمة الذي هو أنا، لأن عيسى السابق قد لقي الرفض من قبل اليهود آنذاك لأن نبيا ما عاد إلى الدنيا، وكذلك عيسى هذا الذي هو أنا لقي الرفض من قبل اليهود الحاليين لأن نبيا ما عاد إلى الدنيا. والواضح أن الذين تَعُدّهم الأحاديث النبوية الشريفة يهود هذه الأمة وتشير إليهم الآية: {غير المغضوب عليهم} ليسوا يهودا حقيقيين، كذلك عيسى أيضا ليس عيسى حقيقيا الذي كان نبيا من بني إسرائيل فهو أيضا من هذه الأمة. وبعيد عن فضل الله تعالى ورحمته التي ترافق هذه الأمة أن يلقِّب الأمة بلقب اليهود بل بلقب اليهود الذين كفّروا وكذّبوا عيسى عليه السلام متعذرين بعذر عدم عودة النبي

إلياس، ولا يلقّب فردا من أفراد الأمة بلقب عيسى.

( المصدر : ملحق كتاب البراهين الأحمدية، الجزء الخامس )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

هناك نقطة جديرة بالذكر وهي أن ما ورد في سورة الفاتحة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} إشارة إلى المعركة نفسها؛ أي اعتبر اليهود نبي الله المقدس والطاهر ملعونا عمدا بمحض خبثهم وجلبوا لنفسهم غضب الله وصاروا المغضوب عليهممع أنهم كانوا يعرفون أن المسيح عليه السلام لم يبق في القبر وتحققت نبوءته أنه سيواجه ما واجهه يونس أي سيدخل في القبر حيا ويخرج منه حيا. مع أن النصارى كانوا يحبون المسيح ولكنهم بجهلهم المحض قبلوا وصمة اللعنة على قلب المسيح عليه السلام ولم يدركوا أن مفهموم اللعنة يتعلق بنجاسة القلب بينما لا يمكن أن ينجس قلب نبي أو أن يتبرأ من الله بحال من الأحوال. فقد نُصح المسلمون في هذه السورة على سبيل الإشارة ألا يستعجلوا كاليهود في تكذيب المسيح المقبل وألا يعِدّوا الفتاوي متسرعين وألا يسموه ملعونا وإلا ستعود اللعنة إليهم، وألا يكونوا أصدقاء أغبياء كالمسيحيين ولا ينسبوا إلى مرشدهم صفات غير لائقة. فلا شك أن هذه السورة تتناول ذكري بصورة خفية. وفيها نبوءة عني بأسلوب لطيف وقد نُصح المسلمون بصورة الدعاء بأنه سيأتي عليكم زمان تَعُدّون فيه أنتم أيضا المسيح الموعود ملعونا تحايلا منكم لأنه قد ورد في الحديث الشريف أنه لو دخل اليهود جحر ضبّ لدخله المسلمون أيضا. إنه لمن رحمة الله العظيمة أنه قد أنبأ عن مجيئي في السورة الأولى من القرآن الكريم التي يقرأونها في صلواتهم الخمس يوميا. فالحمد لله على ذلك.

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية، الحاشية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لأن هذه الأمة مرحومة ولا يريد الله أن تهلك لذا علّم الدعاء: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وأنزله في القرآن الكريم وبه استهلّ القرآن الكريم، وأدخل هذا الدعاء في صلاة المسلمين ليفكروا في وقت من الأوقات أنه لماذا خُوِّفوا من سيرة اليهود هذه التي أظهروها بحق عيسى عليه السلام بأسلوب سيئ جدا. يُفهم من ذلك بكل جلاء أنه لم تكن للمسلمين أدنى علاقة في الظاهر مع فئة غير المغضوب عليهمفي الدعاء الذي عُلّمه المسلمون في سورة الفاتحة لأنه لما ثبت من القرآن والأحاديث وإجماع العلماء أن المراد من المغضوب عليهم هم اليهود وخاصة أولئك الذين آذوا المسيح عليه السلام بشدة وأسأوا إليه وسموه كافرا وملعونا ولم يدخروا جهدا في محاولات قتله وأبلغوا دائرة الإهانة إلى نسائه أيضا؛ فماذا كانت علاقة المسلمين بهذا الدعاء ولماذا عُلِّموا هذا الدعاء؟

فقد تبين الآن أن العلاقة هي أن مسيحا كان سيأتي فيهم بدلا من المسيح الأول وكان مقدرا أن يهان هو أيضا ويكَفَّر مثله تماما، لذلك علِّم هذا الدعاء الذي يعني أن انقذنا يا ربنا من أن نؤذي مسيحك ونكفِّره ونجرّه إلى المحاكم لإنزال العقوبة فيه ونهين أهل بيته الطاهرات ونوجِّه إليه بهتانات مختلفة ونفتي بقتله. فمن الواضح تماما أنه قد علِّم هذا الدعاء للتركيز عليه مثل الأوراق المذكِّرة التي يحتفظ بها الناس في جيوبهم دائما أو يعلقونها على جدران مجالسهم أن مسيحا موعودا سيُبعث إليكم أيضا، وتوجد فيكم أيضا مادة كانت في اليهود. إذًا، فإن نظرة التحقيق على هذه الآية توحي أنها نبوءة جاءت بأسلوب الدعاء. ولأن الله تعالى كان يعلم أن الخليفة الأخير في هذه الأمة سيأتي بصفة عيسى عليه السلام بحسب وعد: {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}5 وكان مقدرا أن يتأذى هو أيضا على يد القوم على غرار عيسى عليه السلام وأن يُفتى بكفره وتتم المحاولات لقتله لذا قد عُلِّم المسلمون ترحما عليهم دعاء للاستعاذة بالله تعالى من أن يكونوا مثل هؤلاء اليهود الذين كفّروا المسيح في السلسلة الموسوية وأهانوه وشتموه. ففي هذا الدعاء إشارة واضحة إلى أنه سيأتي عليكم أيضا هذا الزمان وتوجد هذه المادة في الكثيرين منكم فانتبِهوا وانهمكوا في الدعاء ولا تتعثروا. وفي الجزء الثاني من الآية أي: “الضالينالتي تعني أن انقذنا يا ربنا من أن نتنصّر، إشارة إلى أنه عندما يظهر المسيح الموعود في ذلك الزمن سيكون المسيحيون على أوج قوتهم وينتشر ضلال المسيحية في الأرض كالسيل وسيثور طوفان الضلال إذ لن تكون في اليد حيلة سوى الدعاء، وسينشُر وعاظ التثليث شراك المكر ويضلون الصالحين أيضا. لذا قد أُضيف هذا الدعاء أيضا إلى الدعاء الأول. وفي ذلك إشارة إلى الضلال نفسه الذي ذُكر في الحديث وقيل عند ذكر الدجال: فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَا عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ.

( المصدر : كتاب التحفة الغرلوية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

تذكّروا جيدا أنه قد علّم الدعاء في سورة الفاتحة لاجتناب الفتنتين فقط، أولا: فتنة تكفير مسيح الإسلام الموعود، وإهانته ومحاولة الطعن والبحث عن العيوب في شخصه، والإفتاء بقتله كما أشير إلى هذه الأمور في الآية: “غير المغضوب عليهم.” وثانيا: علّم الدعاء للخلاص من فتنة النصارى، وقد اختُتمت السورة على هذا الذكر بعد الإشارة إلى أن فتنة النصارى ستكون كسيل عظيم ولا فتنة أكبر منها. فتبين من هذا التحقيق أن القرآن الكريم قد شهد لي في سورته الأولى وإلا يجب الإثبات مَن هم المغضوب عليهم الذين أُنذِر عنهم في سورة الفاتحة. أليس صحيحا أن بعض العلماء من الزمن الأخير قد شُبِّهوا في الحديث والقرآن الكريم باليهود؟ أليس صحيحا أن المراد من المغضوب عليهم اليهود الذين كفّروا عيسى عليه السلام الذي كان الخليفة الأخير والمسيح الموعود في السلسلة الموسوية وأهانوه بشدة وطعنوا افتراء منهم في أموره الشخصية؟ فلما أُطلق لفظ المغضوب عليهمعلى هؤلاء اليهود الذين سمُّوا المغضوب عليهمبسبب تكفيرهم إياه وإهانتهم لذا لو أُمعن النظر بوضع المفهوم الكامل للفظ المغضوب عليهمفي الاعتبار لثبت أنها نبوءة صريحة عن المسيح الموعود المقبل أنه سيتأذى على النمط نفسه، وكذلك هذا دعاء أن انقذنا يا ربنا من أن نكون مغضوبا عليهم. ومعناه القاطع واليقين هو أن انقذنا من أن نؤذي مسيحك الموعود الذي هو مثيل المسيح الأول أو نكفّره. تكفي لإثبات هذا المعنى قرينة أن المغضوب عليهمقد أُطلق فقط على هؤلاء اليهود الذين آذوا المسيح عليه السلام .- وقد سمِّي العلماء من الزمن الأخير يهودا في الأحاديث أي أولئك الذين كفّروا عيسى عليه السلام وأهانوه.

وقد قيل في هذا الدعاء ألا تجعلنا يا ربنا فِئة سمُّوا المغضوب عليهم.” فهذه نبوءة بصيغة الدعاء وتشمل نبأين اثنين. أولا: أن مسيحا موعودا سيُبعث في هذه الأمة أيضا. والنبوءة الثانية هي أن بعض الناس من هذه الأمة سيكفرونه ويهينونهم وسيكونون محط غضب الله. وعلامة ذلك الزمن هي أن فتنة النصارى الذين سمُّوا الضالين ستكون حينها طاغية. مع أن غضب الله نازل على الضالين أي المسيحيين أيضا لأنهم لم يسمعوا أوامرا الله ولكن بوادر ذلك الغضب ستظهر يوم القيامة. والمراد من المغضوب عليهم هنا هم أولئك الذين سينزل عليهم عذاب الله في الدنيا بسبب تكفيرهم المسيح الموعودَ وتوهينه وإيذائه وإرادة قتله من قبلهم. وهذه نبوءة قرآنية للذين يتعطشون لدمي.

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

المراد من المغضوب عليهمهم علماء اليهود الذين لم يجيزوا لعيسى عليه السلام لشدة عداوتهم أن يعدَّ مؤمنا بل كفّروه وعدّوا قتله واجبا. إن المغضوب عليه هو ذلك الإنسان المستشيط غضبا الذي غلوُّه في الغضب يدفع الآخرين أيضا على الغضب. وقد وردت هاتان الكلمتان متقابلتين. أي الضالون هم أولئك الذين اتخذوا عيسى عليه السلام إلها نتيجة الإفراط في الحب، والمغضوب عليهم هم اليهود الذين كفّروه نتيجة الإفراط في العداوة. لذا فقد حُذّر المسلمون في هذه الآية وأشير إلى أنهم سيواجهون كِلا هذين الامتحانين. أي سيأتي المسيح الموعود وسيكفَّر مثل المسيح الأول، وستصل غلبة الضالين أي النصارى الذين يعتبرون عيسى عليه السلام إلها أوجَها، فانقِذوا أنفسكم من كِلتي هاتين الفتنتين وادعوا الله تعالى لاجتنابهما.

( المصدر: كتاب التحفة الغولروية،  الحاشية على الحاشية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ليس المراد من الضالين هنا هم الضالون بوجه عام بل المراد هم المسيحيون الذين يغالون بحق عيسى عليه السلام لفرط حبهم لأن من معاني الضلال أيضا الحب المفرط لأحد لدرجة لا يتحمل صاحبه أن يسمع قط اسم أحد بالاحترام مقابله كما هو المراد في الآية: “إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ”

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية،  الحاشية على الحاشية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أنهى الله تعالى هذه السورة على كلمة: “الضالينأي إن نهاية الآية على الضالين تومئ إلى أن القيامة ستقوم على الضالين. إن هذه السورة تجمع في طياتها دقائق وحقائق عظيمة. فكما بينت من قبل أن الدعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} في هذه السورة توعز بوضوح إلى أن هذه الأمة ستواجه في زمن من الأزمان فتنة كبيرة نتيجة ظهور فئة المغضوب عليهم، وكذلك من غلبة فئة الضالين، ولاجتنابها يجب الدعاء في الصلوات الخمس كل يوم. وقد علّم هذا الدعاء في سورة الفاتحة إذ يبين أولا بدءا من الحمد للهإلى مالك يوم الدينمحامد الله وصفاته الجمالية والجلالية ليهتف القلب عفويا أنه هو المعبود الحقيقي. فعشقت فطرة الإنسان وأقرت بـ إياك نعبد.” ثم نظر الإنسان إلى ضعفه فقال إياك نعبد، ثم استعان بالله ودعا بما فيه الكفاية لاجتناب جميع أنواع الشر ولجمع كافة أنواع الخير أي: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، آمين.

(المصدر : كتاب التحفة الغولروية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

كان من المقدر بحسب القرآن الكريم أن يأتي أناس كثيرون على سبيل البروز. الأول: مثيل موسى أي النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم كما يثبت من الآية: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًاثانيا: أمثال خلفاء موسى بمن فيهم مثيل المسيح أيضا، كما يتبين من الآية: {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ثالثا: أمثال الصحابة العاديين كما يترشح من الآية: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْرابعا: أمثال اليهود الذين أفتوا بكفر عيسى عليه السلام وبقتله أيضا وسعوا لإيذائه كما يتبين بوضوح من الدعاء الذي علِّم في الآية: “غير المغضوب عليهم.” خامسا: أمثال ملوك اليهود الذين وُلدوا في الإسلام كما يُفهم من الآيتين التاليتين اللتين تقابلت كلماتهما: قال تعالى عن ملوك اليهود: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الَْأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَوقال عن ملوك المسلمين: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الَْأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن لم يفتِ هؤلاء القوم بكفري وقتلي أنى كانت لتتحقق النبوءة التي علِّمت في سورة الفاتحة بصورة الدعاء؛ لأن المراد من الجملة غير المغضوب عليهمالواردة في سورة الفاتحة هم اليهود كما ورد في فتح الباريوالدر المنثور.” والحادث الأكبر المتعلق باليهود الذي حدث في أقرب زمن للنبي صلى الله عليه وسلم كان أنهم كفّروا عيسى عليه السلام واعتبروه ملعونا وجديرا بالقتل واستشاطوا عليه غيظا وغضبا، وبسبب غضبهم عُدُّوا مغضوبا عليهم عند الله، ووُلد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ست مئة سنة من هذا الحادث. فالمعلوم أن هناك سرًّا في الدعاء {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} الذي علِّمه قومُه صلى الله عليه وسلم في سورة الفاتحة وأُكّد على أن يقرأوه في صلواتهم الخمس كل يوم وفي صلاة التهجد وصلاة الإشراق وفي العيدين. أيُّ سرِّ كان في ذلك بينما كان عصر اليهود قد انقطع قبل عصر الإسلام بمدة طويلة؟ ولماذا علِّم المسلمون هذا الدعاء ولماذا أُعطي فيه تعليم أن يستعيذ المسلمون بالله تعالى في الصلوات الخمس دائما من أن يصبحوا فرقة من اليهود المغضوب عليهم؟ يُفهم من هذا الدعاء بجلاء تام أن المسيح الموعود سيُبعث في هذه الأمة أيضا وأن فئة من علماء المسلمين ستكفّره وتفتي بقتله. فبتعليم الدعاء: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} في سورة الفاتحة أُنذر المسلمون أن يدعوا الله دائما ألا يصبحوا مثل اليهود الذين أفتوا بكفر عيسى بن مريم وقتله وتدخَّلوا في أموره الشخصية وافتروا على أمه. والسنّة الجارية والعادة المستمرة في جميع كتب الله هي أنه عندما يمنع فئةً ما من عمل أو يعلّمهم دعاء لاجتنابه يكون مراده من ذلك أن بعضا منهم سوف يرتكبون ذلك العمل حتما.

فبالنظر إلى هذا الأصل المذكور في كتب الله جميعا يُفهم بكل سهولة أن الهدف من تعليم الدعاء: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} هو أن فرقة من المسلمين ستحذو حذو اليهود كليا وستُسخط الله بتكفيرهم مسيح الله وبإفتائهم بقتله وسينالون لقب المغضوب عليهم مثل اليهود. إنها لنبوءة واضحة لدرجة لا يسع الإنسان إنكارها ما لم يكن عازما على الإلحاد قصدا منه. ولم يعدّ القرآنُ الكريم وحده هؤلاء الناس يهودا إذ تلقّبهم الأحاديث أيضا باللقب نفسه وتخبر بجلاء أن العلماء من هذه الأمة أيضا سيفتون بكفر المسيح مثل اليهود تماما. وسيكونون أشد الناس عداوة له في ذلك العصر لأن ذلك سيؤدي إلى القضاء على مشيختهم وقلة رجوع الناس إليهم. وهذه الأحاديث معروفة جدا في الإسلام حتى جاء في الفتوحات المكيةأنه عندما ينزل المسيح الموعود يستقلبه المشايخ بإصدار فتاوي تكفيره وسيهبّ أحدهم ويقول: “إن هذا الرجل غيرّ دينناأي أن هذا الشخص يفسد ديننا إذ لا يعتقد باعتقادنا المبني على الأحاديث ويخالف معقتداتنا القديمة. كذلك ورد في بعض الأحاديث أن بعضا من علماء الأمة سيحذون حذو اليهود حذو النعل بالنعل حتى إذا أتى أحد من علماء اليهود أمَّه لأتاها هؤلاء أيضا. وإذا دخل أحد من كتبة اليهود جحر ضبّ لدخلوه أيضا. وجدير بالذكر أيضا أنه حين ورد في الإنجيل والقرآن الكريم ذكر حالة اليهود السيئة لم يُذكر عندها عامة الناس وأهل الدنيا بل المراد هو علماؤهم وكتبتهم ورؤساء الكهنة الذين كانوا يصدرون فتاوي التكفير فكان العوام يستشيطون غضبا نتيجة وعظهم، لذلك شبّه القرآن الكريم اليهود بحمار يحمل أسفارا. من الواضح أنه لا علاقة للعوام مع الكتب بل العلماء هم الذين يقتنونها. لذا يجدر بالذكر أنه حيثما ورد ذكر اليهود في الإنجيل والقرآن والأحاديث كان المراد علماؤهم، وكذلك ليس المراد من غير المغضوب عليهمعامة المسلمين بل مشايخهم.

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أكّد الله تعالى في السورة الأولى من القرآن الكريم ألا تكونوا من المغضوب عليهم والضالين، أي يا أيها المسلمون لا تختاروا خصائل اليهود والنصارى، فمن هنا تتبين نبوءة أن بعض المسلمين سيفعلون ذلك، أي سيأتي زمان يحذو فيه بعضهم حذو اليهود والنصارى لأنه يأتي الأمر دائما عن الأمر الذي يكون هناك بعض يخالفونه.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/3/31 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد بدأ القرآن بسورة الفاتحة التي انتهت بالجملة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، ولكن عندما نلقى نظرة على معتقدات المسلمين نرى أنهم يعدّون فتنة الدجال فتنة عظيمة، ولا يمكننا أن نقبل أن ينسى الله ذكر الدجال تماما. كلا، بل الحق أن الناس أخطأوا في فهم مفهوم الدجال. لقد علّم الله في سورة الفاتحة دعاء لاجتناب الفتنتين. أولا، المراد من {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} هم اليهود بإجماع المسلمين. ويتبين أيضا أنه سيأتي على الأمة زمان يحذو فيه المسلمون حذو اليهود تماما، وذلك الزمن هو زمن المسيح الموعود حين يركَّز على إنكاره وتكفيره كما ركّز اليهود على كفر المسيح ابن مريم. فباختصار، قد علّم في هذا الدعاء أن انقذنا يا رب من ارتكاب الإساءة إلى المسيح وتكفيره مثل اليهود. والفتنة العظيمة الثانية المذكورة في سورة الفاتحة التي انتهت السورة على ذكرها هي فتنة النصارى التي ذُكرت في كلمات ولا الضالين.”

والآن عندما نلقي نظرة فاحصة على السور الأخيرة من القرآن الكريم نجدها تشهد شهادات بينة على هاتين الفتنتين. فمثلا قد وردت سورةُ المسد مقابل غير المغضوب عليهم.” كما تلقيت أنا أيضا إلهاما قبل فتاوي التكفير ما نصه: “وإذ يمكر بك الذي كفر أوقد لي يا هامان لعلي أطلع على إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين. تبّت يدا أبي لهب وتبّ. ما كان له أن يدخل فيها إلا خائفا. وما أصابك فمن الله“. أي أذكُر الزمن الذي يُصدر مكفّر فتوى الكتفير ضدك ويقول لأحد مؤيديه الذي يمكن أن يؤثر في الآخرين أن أوقد نار الفتنة ….

فباختصار إن في سورة المسد إشارة إلى فتنة المغضوب عليهم، ومقابل الضالينوردت سورة الإخلاص في نهاية القرآن الكريم. أما السورتان الأخيرتان أي سورة الفلق وسورة الناس فتفسرانهما. في هاتين السورتين استعاذة من ذلك الزمن المظلم حين يُفتى بتكفير المسيح وتثور فتنة المغضوب عليهموتحيط ظلمة المسيحية وضلالها بالعالم كله. فكما علّم في سورة الفاتحة التي هي بداية القرآن الكريم الدعاءُ لاجتناب كِلتا الفتنتين كذلك أُعطي في نهاية القرآن الكريم تعليم لاجتناب الفتن ليثبت أن هناك علاقة متينة بين الأول والآخر

لقد جاءت الثلاث سور الأخيرة مقابل الضالين؛ الأصل هي سورة الإخلاص أما السورتان الأخريان فهما تفسيرها وفي نهاية السورة تعليم لاجتناب وساوس الشيطان. وكما أنهى الله تعالى سورة الفاتحة على الضالينكذلك أنهى السورة الأخيرة على ذكر الخناسلتتبين العلاقة بين الخناس والضالين انظروا كيف أقام الله تعالى هذه السلسلة على غرار دائرة، إذ أنهى سورة الفاتحة التي يبدأ بها القرآن الكريم على: “ولا الضالين، ثم وضع في نهاية القرآن الكريم سورتين لهما علاقة مع ما ورد في نهاية سورة الفاتحة.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/2/28 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إذا أراد أحد أن يتعلم مني فليعلم أن القرآن الكريم كله مليء بهذا الذكر، فقد ورد في بدايته: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.} فليسألهم أحد: ما المراد من فئة غير المغضوب عليهم؟ لقد أجمع جميع فِرق المسلمين أن المراد منها هم اليهود. وقد ورد في الحديث أن أمتي ستحذو حذو اليهود، فأخبِروني الآن: إن لم يأت المسيح كيف يصبحون يهودا؟

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1902/12/26 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وقد أشار الله تعالى إلى اليهود الذين كانوا موجودين في زمن عيسى عليه السلام بتعليمه دعاء: {غير المغضوب عليهم} وقال بأنه سيكون في هذه الأمة أيضا يهود بصورة بروزية ليؤذوا المسيحَ الموعود المبعوث فيها بصورة بروزية، بل فرض قراءة سورة الفاتحة في كل صلاة، الأمر الذي يؤكد على أن مجيء المسيح الموعود مقدرٌ حتما. كذلك شبّه القرآن الكريم الأشرار من هذه الأمة باليهود. وليس ذلك فحسب بل إن الشخص الذي كان مقدرا له أن يتحلى بعد تحليه بصفات مريمية بصفات عيسى بنفخ من الله فقط قد سُمِّي ابن مريم في سورة التحريم، لأن الله تعالى يقول بأن مريم التي ضُرب بها المثل حين سلكت مسلك التقوى نفخنا فيها روحنا. وفي ذلك إشارة أنه لا خصوصية للمسيح ابن مريم في كونه كلمة الله، بل المسيح الأخير أيضا يكون كلمة الله وروح الله معا، بل سيكون أكمل من الأول في كلتَي الصفتين كما يُفهم من سورة التحريم وسورة الفاتحة وسورة النور، ومن آية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.

(المصدر: كتاب ترياق القلوب )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

كان الحديث يدور عن سورة الفاتحة فقال الإمام المهدي والمسيح الموعود غلام أحمد عليه السلام:

فيها ذكر ثلاث فئات، أولا: المنعم عليهم، ثانيا: المغضوب عليهم وثالثا: الضالين. المراد من المغضوب عليهم هم اليهود بالاتفاق، والمراد من الضالين هم النصارى. فمن الواضح أنه لا يعلّم والد عاقل أولاده تعليما لا ينفعهم فكيف نقبل أن الله تعالى أعطى تعليما عن أمور ما كانت لتحدث؟ كلا، بل الحق أن كل هذه الأمور سوف تحدث حتما. المراد من المغضوب عليهم هم اليهود. ومن ناحية ثانية قال الله تعالى بأن بعض أفراد أمتي سيحذون حذو اليهود حتى إذا أتى يهودي أمّه لأتى منهم أمّه أيضا. فاليهود الذين كانوا محط عذاب الله لُعنوا على لسان عيسى عليه السلام ، فيتبين من ذلك بكل جلاء أن كل هذه الأحداث ستقع في زمن المسيح الموعود. وقد حان ذلك الوقت الآن إذ لم يتأخر هؤلاء القوم في معارضتي عن اليهود خطوة واحدة.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/8/17 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

فخلاصة الكلام أن هذه السلسلة ليست أقل من السلسلة الموسوية بأي حال. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان المماثلة والمشابهة بأنكم ستنالون نصيبا من السيئة أيضا مثلما ناله اليهود. ولقد ذُكر عن هذه السلسلة مرارا وتكرارا أن عظمتها ستبقى إلى النهاية. وقد ذُكر ذلك في سورة الفاتحة أيضا حين قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} والمراد من المغضوب عليهم هم اليهود.

والجدير بالتأمل الآن هو: كيف صار اليهود مغضوبا عليهم؟ إنهم لم يقبلوا الأنبياء، وأنكروا عيسى عليه السلام فكان ضروريا أن يأتي على هذه الأمة أيضا زمان يأتيهم المسيح وينكرونه لتتحقق المماثلة. فليخبرني أحد؛ إن لم يكن مجيء هذا العصر مقدرا ولم يكن المسيح أيضا قادما فما الفائدة من تعليم هذا الدعاء في الفاتحة؟

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/1/24 م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

 

افتحوا كتاب الله فإنه يحكم. اقرأوا السورة الأولى أي سورة الفاتحة التي لا تصلح الصلاة بدونها وانظروا ما هو التعليم فيها؟ يقول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.}

من الواضح أن فيه دعاء لاجتناب صراط المغضوب عليهم والضالين. المراد من المغضوب عليهم هم اليهود بالاتفاق والمراد من الضالين هم النصارى. فإذا لم تكن الفتنة والفساد حادثا في هذه الأمة فماذا كان الهدف من تعليم هذا الدعاء؟ الفتنة الكبرى كانت فتنة الدجال.” ولكن لم يقل الله تعالى: “ولا الدجال.” ألم يعلم الله عن هذه الفتنة؟ الحق أن هذا الدعاء يضم في طياته نبوءة أنه سيأتي على الأمة زمان تحذو فيه حذو اليهود بشدة. واليهود قوم أنكروا المسيح عليه السلام ، فأمر الله تعالى هنا أنِ ادعوا لاجتناب اليهود. والمراد من ذلك يجب ألا تصيروا أنتم أيضا يهودا أي لا تنكروا المسيح. أما الدعاء الذي علّم به لاجتناب الضالين أي النصارى فيتبين منه أن الفتنة الصليبية (أي فتنة الدجال) ستكون خطيرة آنذاك وستكون هي أصل الفتن وأم الفتن كلها، لأنه إذا كانت هذا الفتنة منفصلة لذُكر اسمها أيضا.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/2/21 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن ترجمة القرآن الكريم وحدها لا تنفع كثيرا ما لم يرافقها التفسير أيضا. فمثلا كيف يمكن أن يفهم أحد من: “غير المغضوب عليهم والضالينأن المراد منه هو اليهود والنصارى ما لم يُفسَّر ذلك بوضوح. ثم لماذا علِّم المسلمون هذا الدعاء؟ كان المراد من ذلك أنه كما كسب اليهود غضب الله بإنكارهم المسيح عليه السلام كذلك كان مقدرا أن تكسب هذه الأمة أيضا غضب الله في الزمن الأخير بإنكارهم المسيح الموعود لذا فقد أُخبروا بذلك كنبوءة لتجتنب الأرواح السليمة الغضب حينذاك.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/10/29 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد علّمنا الله تعالى في سورة الفاتحة دعاء ألا تجعلنا يا ربنا من المغضوب عليهم ولا من الضالين. فالجدير بالانتباه هنا أن مرجعهما هو عيسى عليه السلام ، فالمغضوب عليهم قوم عادوا عيسى وغالوا في إيذائه بكل ما كان في وسعهم. أما الضالون فهم الذين غالوا في حبه ونسبوا إليه صفات الألوهية. فقد علِّمنا هذا الدعاء لاجتناب هاتين الحالتين. فإن كان الدجال غيرُهم لجاء هذا الدعاء على النحو التالي: غير المغضوب عليهم ولا الدجال. الحق أنها نبوءة تُحذّر المسلمين قبل الأوان بكلا النوعين من الشر المتعلق بهذا الزمان. إن مراكز المسيحيين الذين يسعون بكل ما في وسعهم لمحو الإسلام من وجه الأرض وهي مضرة للإسلام بشدة.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1906/9/13 م ، وجريدة الحَكَم، بتاريخ 1906/10/17 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لا شك أن سيدنا، سيد الأنامِ وصَدْر الإسلام، كان مثيلَ موسى، فاقتضت رعايةُ المقابلةِ أن يُبعَث في آخر زمن الأمّة مثيلُ عيسى. وإليه أشار ربنا في الصحف المطهرة، فإن شئتم ففكروا في سورة النور والتحريم والفاتحة. هذا ما كتب ربنا الذي لا يبلغ عِلْمَه العالمون، فبأي حديث بعده تؤمنون؟

(المصدر: كتاب مواهب الرحمن)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

كان ضروريا لهذه الأمة من حيث المماثلة مع السلسلة الموسوية أن يُبعث فيها مسيح. وإضافة إلى ذلك لما قيل عن هذه الأمة بأنها ستحذو حذو اليهود في الزمن الأخير فقد أُجمع أن المراد من المغضوب عليهم هم اليهود. ولا يصبح هؤلاء القوم يهودا إلا إذا واجههم عيسى أيضا وأنكروه كما أنكره اليهود. فهكذا كان أن جاء عيسى المنتَظر وأنكروه.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1905/11/10 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

عندما تدبرت في قول الله تعالى في القرآن الكريم: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} تبين لي أنه لا بد من وجود الصفتين في الشخص المقبل، أولا: الصفات العيسوية، وثانيا: الصفات المحمدية لأن المراد من المغضوب عليهم هم اليهود ومن الضالين النصارى. عندما أثار اليهود الشر جاء لهم عيسى عليه السلام ، وعندما تجاوز شر النصارى الحدود جاء النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم .- أما هنا فقد جمع الله تعالى فتنة كلتا الأمتين، أي اليهود من الداخل والنصارى من الخارج، فكان لا بد من أن يكون القادم لمواجهتهم أيضا بروزا كاملا للنبي صلى الله عليه وسلم ومتصبغا بصبغة عيسى عليه السلام – تماما.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/5/17 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يُستنبَط من القرآن الكريم أنه سيأتي على الأمة زمنان خطيران جدا: الزمن الأول كان في عهد خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، والزمن الثاني هو زمن الفتنة الدجالية الذي كان سيحل في زمن المسيح، وقد أشير للاستعاذة من هذا الزمن في الآية: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.} وعن الزمن نفسه قد جاءت النبوءة في سورة النور بقوله تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.

(المصدر: كتاب محاضرة لاهور)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

المراد من غير المغضوب عليهمهم المشايخ لأنهم الهدف الأول في مثل هذه الأمور، أما الناس العاديون من أهل الدنيا فلا علاقة لهم بالدين إلا قليلا.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/5/15 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اليهود قوم سُمُّوا بأمة موسى، ولكن تصرّف هؤلاء الأشقياء بالحذلقة والتجاسر وآذوا جميع الأنبياء. من المعروف بوجه عام أن الذي يبلغ في سيئة ذروتها ويشتهر بها تُذكر تلك السيئة مقرونة باسمه. معلوم أن هناك نهابا كثيرين ولكن بعضهم معروفون ببعض خواصهم. فعلى غرار ذلك فقد مضى كثير من المصارعين ولكن اسم رستمذائع الصيت في هذا المجال. ولما كان اليهود أشرارا من الدرجة الأولى وكانوا يتجاسرون مع الأنبياء لذا سمُّوا المغضوب عليهم مع أن هناك آخرون أيضا الذين هم مغضوب عليهم.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1908/1/9 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وفي آية: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إشارةٌ وحثٌّ على دعاء صحة المعرفة، كأنه يُعلّمنا ويقول ادعوا الله أن يُريكم صفاتِه كما هي ويجعلكم من الشاكرين، لأن الأمم الأولى ما ضلوا إلا بعد كونهم عُميًا في معرفة صفات الله تعالى وإنعاماته ومرضاته، فكانوا يُفانُون الأيامَ فيما يزيد الآثام، فحلّ غضبُ الله عليهم، فضُربت عليهم الذلة وكانوا من الهالكين. وإليه أشار الله تعالى في قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وسياق كلامه يُعلِم أن غضب الله لا يتوجه إلا إلى قوم أنعم الله عليهم من قبل الغضب، فالمراد من {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} في الآية قوم عصوا في نعماء وآلاءٍ رزقهم الله خاصة واتبعوا الشهوات، ونسوا المنعِم وحقه وكانوا من الكافرين. وأما الضالون فهم قوم أرادوا أن يسلكوا مسلك الصواب، ولكن لم يكن معهم من العلوم الصادقة والمعارف المنيرة الحقة، والأدعية العاصمة الموفقة، بل غلبت عليهم خيالات وهمية فركنوا إليها وجهلوا طريقهم، وأخطأوا مشربهم من الحق فضلّوا، وما سرّحوا أفكارهم في مراعي الحق المبين. والعجب من أفكارهم وعقولهم وأنظارهم أنهم جوَّزوا على الله وعلى خلقه ما يأبى منه الفطرة الصحيحة والإشراقات القلبية، ولم يعلموا أن الشرائع تخدم الطبائع، والطبيب معينٌ للطبيعة لا منازعٌ لها، فيا حسرةً عليهم .. ما ألهاهم عن صراط الصادقين! وفي هذه السورة يُعلّم الله تعالى عباده المسلمين .. فكأنه يقول يا عباد .. إنكم رأيتم اليهود والنصارى، فاجتنِبوا شَبَهَ أعمالِهم، واعتصِموا بحبل الدعاء والاستعانة، ولا تنسوا نعماء الله كاليهود، فيحلّ عليكم غضبه، ولا تتركوا العلوم الصادقة والدعاء، ولا تهِنوا مِن طلب الهداية كالنصارى فتكونوا من الضالين“.

(المصدر : كتاب كرامات الصادقين)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وجملةُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} إشارةٌ إلى رعاية حسن الآداب، والتأدب مع ربّ الأرباب، فإن للدعاء آدابًا، ولا يعرفها إلا من كان توّابًا، ومن لا يُبالي الآداب، فيغضب الله عليه إذا أصرّ على الغفلة وما تاب، فلا يرى من دعائه إلا العقوبة والعذاب، فلأجل ذلك قلّ الفائزون في الدعاء، وكثر الهالكون لِحُجب العُجْب والغفلة والرياء. وإن أكثر الناس لا يدعون إلا وهم مشركون، وإلى غير الله متوجهون، بل إلى زيد وبكر ينظرون، فالله لا يقبل دعاء المشركين، ويتركهم في بيدائهم تائهين، وإن حَبْوة الله قريب من المنكسرين. وليس الداعي الذي ينظر إلى أطراف وأنحاء، ويُختلب بكل برق وضياء، ويريد أن يُترِع كُمَّه ولو بوسائل الأصنام، ويعلو كلَّ ربوة راغبا في حَبْوة، ويبغي معشوق المرام ولو بتوسل اللئام، والفاسقين. بل الداعي الصادق هو الذي يتبتل إلى الله تبتيلا، ولا يسأل غيره فتيلا، ويجيء الله كالمنقطعين المستسلمين، ويكون إلى الله سيرُه، ولا يعبأ بمن هو غيرُه، ولو كان من الملوك والسلاطين. والذي يكبّ على غيره، ولا يقصد الحق في سيره، فهو ليس من الداعين الموحّدين، بل كزاملة الشياطين، فلا ينظر الله إلى طلاوة كلماته، وينظر إلى خِبْثةِ نيّاته، وإنما هو عند الله، مع حلاوة لسانه وحسن بيانه، كمثل روثٍ مفضَّض، أو كَنيفٍ مبيَّض، قد آمنتْ شفتاه وقلبُه من الكافرين. فأولئك الذين غضب الله عليهم وهم المرادون من قوله: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.} إنهم دُعُوا إلى سُبُل الحق فتركوها بعد رؤيتها، وتَخيَّروا المفاسد بعد التنبه على خِبْثَتها، وانطلقوا ذات الشمال وما انطلقوا ذات اليمين، وإنهم ركنوا إلى المَيْنِ وما بقي إلا قِيْدَ رُمحَيْنِ، وعدموا الحق بعد ما كانوا عارفين.

وأما الضالون الذين أُشير إليهم في قوله عز وجل :- {الضَّالِّينَ} فهم الذين وجدوا طريقا طامسًا في ليل دامس، فزاغوا عن المحجّة قبل ظهور الحجّة، وقاموا على الباطل غافلين. وما كان مصباح يؤمّنهم العثارَ، أو يبيّن لهم الآثار، فسقطوا في هوّة الضلال غير متعمدين. ولو كانوا من الداعين بدعاء: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، لحفظهم ربُّهم ولأراهم الدين القويم، ولنجّاهم من سبل الضلالة، ولهداهم إلى طرق الحق والحكمة والعدالة، ليجدوا الصراط غير ملومين. ولكنهم بادروا إلى الأهواء، وما دعَوا ربَّهم للاهتداء، وما كانوا خائفين، بل لوَّوا رؤوسهم مستكبرين. وسرَتْ حُمَيّا العُجْب فيهم، فرفضوا الحق لهفواتٍ خرجت مِن فيهم، ولفظتْهم تعصباتُهم إلى بوادي الهالكين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

والمراد من الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْأولئك الذين يستعملون قوة غضبهم بما يخالف مرضاةَ الله، وهكذا ينقادون للقُوى السبُعِية فيهم. والمراد من الضالينَأولئك الذين يطاوعون القوى البهيمية فيهم. وأما الأمر الوسط فهو الذي ذكره في قوله أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .”

قصارى القول، إن الله قد أمر هذه الأمة المباركة في القرآن المجيد بالوسطية. أما في التوراة فقد ركز الله على أحكام الانتقام، وفي الإنجيل ركز على تعليم العفو والسماح. وأما هذه الأمة فعلَّمها مراعاةَ الظروف والوسطية.

(المصدر: كتاب فلسفة تعاليم الاسلام)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وفي آية: {اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إشارةٌ وحثٌّ على دعاء صحة المعرفة، كأنه يُعلّمنا ويقول ادعوا الله أن يُريكم صفاتِه كما هي ويجعلكم من الشاكرين، لأن الأمم الأولى ما ضلوا إلا بعد كونهم عُميًا في معرفة صفات الله تعالى وإنعاماته ومرضاته، فكانوا يُفانُون الأيامَ فيما يزيد الآثام، فحلّ غضبُ الله عليهم، فضُربت عليهم الذلة وكانوا من الهالكين. وإليه أشار الله تعالى في قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وسياق كلامه يُعلِم أن غضب الله لا يتوجه إلا إلى قوم أنعم الله عليهم من قبل الغضب، فالمراد من {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} في الآية قوم عصوا في نعماء وآلاءٍ رزقهم الله خاصة واتبعوا الشهوات، ونسوا المنعِم وحقه وكانوا من الكافرين. وأما الضالون فهم قوم أرادوا أن يسلكوا مسلك الصواب، ولكن لم يكن معهم من العلوم الصادقة والمعارف المنيرة الحقة، والأدعية العاصمة الموفقة، بل غلبت عليهم خيالات وهمية فركنوا إليها وجهلوا طريقهم، وأخطأوا مشربهم من الحق فضلّوا، وما سرّحوا أفكارهم في مراعي الحق المبين. والعجب من أفكارهم وعقولهم وأنظارهم أنهم جوَّزوا على الله وعلى خلقه ما يأبى منه الفطرة الصحيحة والإشراقات القلبية، ولم يعلموا أن الشرائع تخدم الطبائع، والطبيب معينٌ للطبيعة لا منازعٌ لها، فيا حسرةً عليهم .. ما ألهاهم عن صراط الصادقين! وفي هذه السورة يُعلّم الله تعالى عباده المسلمين .. فكأنه يقول يا عباد .. إنكم رأيتم اليهود والنصارى، فاجتنِبوا شَبَهَ أعمالِهم، واعتصِموا بحبل الدعاء والاستعانة، ولا تنسوا نعماء الله كاليهود، فيحلّ عليكم غضبه، ولا تتركوا العلوم الصادقة والدعاء، ولا تهِنوا مِن طلب الهداية كالنصارى فتكونوا من الضالين“.

(المصدر : كتاب كرامات الصادقين)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

المغضوب يكون مغلوبا بالقوة السبُعية، فكان اليهود تحت هذه الصفة ومغلوبين بها، أما المسيحيون فظلوا متأثرين بالأوهام. والمعلوم أن الشرك ينتج عن الأوهام. إن صاحب القوة السبُعية يقوم بالإفراط ولا يخاف حيث يجب الخوف، أما المغلوب بالأوهام فيتوهم الحبلَ ثعبانا ويخافه. لقد انحط المسيحيون لدرجة اتخذوا إنسانا ميتا إلها، أما اليهود فقد أفرطوا لدرجة أنكروه نهائيا. ولقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم ثلاثة أقوام وبيّن ثلاثة أنواع للناس. أولا: المعتدلين أي المنعم عليهم، وصراطهم هو الصراط المستقيم. ثانيا: المفرطون الذين اسمهم المغضوب عليهم. والثالث: المفرّطون أي الضالون. إن كلمة المغضوب عليهم توحي أن الله لا ينزل غضبه على أحد بل الإنسان يجلب لنفسه غضبه نتيجة أعماله.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/2/10 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد قال في القرآن الكريم ولا الضالين، فلو كان الدجال كيانا غيرهم لقال: “ولا الدجالأيضا حتما. لقد اتفق جميع المفسرين في: “غير المغضوب عليهم ولا الضالينأن المراد منهم اليهود والنصارى. فلما علّم لاجتناب هذه الفتن دعاء ليُتلى في الصلوات الخمس كل يوم ألا تجعلنا يا ربنا من الضالين ولا من المغضوب عليهم فتبين من ذلك بصراحة تامة أن هذه هي الفتنة الكبرى والعظمى التي يمكن أن تُسمَّى أمّ الفتن.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/10/31 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد أُطلق اسم المغضوب عليهمفي كلام الله على اليهود الذين تمسكوا بظواهر الأمور وأنكروا الباطن. أما الضالينفهو اسم النصارى الذين أنكروا الظاهر وضلوا لأن الظاهر نموذج وسراج للباطن. والذي ينبذ النموذج يضِلّ. فقد أشار الله تعالى في سورة الفاتحة إلى الإفراط والتفريط لهاتين الفئتين إذ قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

المراد من المغضوب عليهم اليهود ومن الضالين النصارى. إن اليهود تمسكوا بظواهر الأمور لدرجة لم يهتموا بالأحكام الباطنية، أما النصارى فقد اعتصموا بالباطن لدرجة لم يعيروا أدنى اهتمام للأوامر الظاهرية، واعتبروا أحكام الله التي كانت كسراج لإراءة الحق لغوا ونبذوها واستنبطوا منها معنى باطنيا وزعموا أنها تحققت كلها في شخص المسيح فضلّوا ووقعوا في الإفراط والتفريط، ولكن القرآن الكريم يقيم كِلَي الحزبين على الاعتدال.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/1/24 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد تبين نتيجة التدبر المتكرر في سورة الفاتحة أن المفسرين أيضا متفقون على أن المراد من المغضوب عليهم هم علماء اليهود والمراد من الضالين هم علماء النصارى. وفي ذكرهما معا إشارة صريحة إلى أن هناك شخصا سيُبعث كالبروز. المغضوب عليهم هم الذين تمردوا على المسيح والضالون هم الذين تمردوا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لذا فإن القادم سينصبغ بكلتي الصبغتين. فلما علِّمت الأمة المحمدية هذا الدعاء تبين من ذلك أن هذا الحادث واقع، وقد جُمع الأمران في مكان واحد لأن القادم سيتحلى بكلتي الصبغتين.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/5/15 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

تتراءى في المرآة صورة الإنسان مع أن تلك الصورة تكون قائمة بحد ذاتها، هذا هو المراد من البروز. وسّر ذلك موجود في سورة الفاتحة كما ورد فيها: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.} ولقد قال المفسرون جميعا إن المراد من المغضوب عليهم اليهود ومن الضالين النصارى.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/9/4 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد قدّم الحسنَ والإحسان أولا في سورة الفاتحة، وإن لم يتوجه الإنسان إلى الله مع ذلك فالحالة الثالثة هي الغضب لذا قد أنذر بقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ولكن السعيد من يستفيد من حسنه وإحسانه ويتبع أوامره لأن الله تعالى يقترب منه ويسمع أدعيته.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/3/31 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

هناك فئتان كبيرتان فقط للأبرار والأخيار الذين لا تشوبهم شائبة المذاهب الخاطئة. الفئة الأولى هي جماعة الأولين أي الصحابة الذين تربوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم .- والفئة الثانية هي جماعة الآخرين الذين هم أيضا منصبغون بصبغة الصحابة بسبب تربية النبي صلى الله عليه وسلم الروحانية كما يُفهم من الآية في سورة الجمعة: “وآخرين منهم.” هاتان الجماعتان هما المنعم عليهم في الإسلام على وجه الحقيقة، وإنعام الله عليهم هو أنه نجّاهم من أنواع الأخطاء وأصناف البدعات وطهرهم من كل نوع من الشرك ورزقهم توحيدا خالصا ومنيرا لا يُتَّخذ فيه الدجالُ إلها ولا يُجعل ابن مريم شريكا في صفات الله. بل قوّى الله تعالى إيمان هذه الجماعة بآياته وجعلهم جماعة طاهرة بيده. والذين ينالون منهم إلهاما من الله ومجذوبون إلى الله تعالى بجذب خاص منه منصبغون بصبغة الأنبياء. أما الذين يُظهرون الصدق والإخلاص من خلال أعمالهم ويعبدون الله بحب ذاتي دون غرض ذاتي ينصبغون بصبغة الصديقين. والذين يتحملون المعاناة منهم آملين بنِعم أخروية ويشاهدون يوم الجزاء بعين القلب ومستعدون للتضحية بحياتهم هم في صبغة الشهداء. والذين يجتنبون منهم كل فساد هم بصبغة الصلحاء، وهذا هو المقصود بالذات لكل مسلم صادق أن يطلب كل هذه الدرجات ولا يتهاون ولا يتكاسل في طلبها وتحريها ما لم يحصل عليها. أما الفئتان الأخريان اللتان ذُكرتا مقابلهما هما فئة المغضوب عليهم والضالين الذين لاجتنابهما علّم الله تعالى الدعاء في سورة الفاتحة. وعندما يُقرأ هذا الدعاء معا أي حين ندعو: ادخِلنا يا ربنا في المنعم عليهم وانقِذنا من المغضوب عليهم والضالين يُفهم من ذلك بكل صراحة أن في المنعم عليهم حزبا في علم الله في عصر المغضوب عليهم والضالين. ولما كان المراد من المغضوب عليهم في هذه السورة على وجه اليقين هم منكرو المسيح الموعود ومكفّروه ومكذّبوه ومهينوه فلا شك أن المراد من المنعم عليهم مقابلهم هم المؤمنون بالمسيح الموعود بصدق القلب والذين يعظّمونه من الأعماق وينصرونه ويشهدون بذلك أمام العالم. أما الضالون فالمراد منهم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم 14وشهادة أكابر الإسلام جميعا هم المسيحيون كما بينت من قبل. والدعاء للاستعاذة من الضالين أيضا نبوءة لأني كتبت من قبل أن النصارى ما كانوا أقوياء جدا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بل كانت سلطنة الفرس تحظى بالقوة والشوكة الكبيرة. أما من حيث الدين والعدد فكانت البوذية تفوق غيرها، كما كان دين المجوس أيضا حائزا على قوة كبيرة وحماس شديد. كذلك الهندوس أيضا كانوا يملكون الشوكة والسلطنة والجمعية الكبيرة إضافة إلى الوحدة القومية. وكان الصينيون أيضا أقوياء من كل الجوانب.

ففي هذه الحالة ينشأ سؤال طبيعي أن كل هذه الأديان القديمة كانت حكوماتها قديمة وعظيمة وكانت حائزة على تقدم هائل من حيث الوحدة القومية والثروة والقوة والقِدم وأسباب أخرى، ولكن لماذا لم يعلّم الدعاءُ للخلاص منهم؟ ولماذا علّم طلب الحماية من شرّ المسيحيين الذين كانوا حينذاك قوما ضعيفا نسبيا؟ وجوابه أنه يجب التذكّر جيدا أنه كان مقدرا في علم الله أن هذا القوم سيحرز تقدما يوما إثر يوم لدرجة سينتشرون في العالم ويكيدون كل كيد لضمّ الناس إلى دينهم سواء بواسطة سلسلة العلوم أو الترغيب في الأموال أو عن طريق الأخلاق أو الكلام المعسول أو بلمعان الثروة وشوكتها، أو بواسطة أسباب الشهوات النفسانية والإباحة والتحرر أو نتيجة الطعن والاعتراضات أو بكفالة المرضى والفقراء والمكتئبين واليتامى. وسيُخرجون في هذا السبيل كل ما في جُعبتهم لكي يوقعوا في قبضتهم جاهلا شقيا أو طمّاعا أو منغمسا في الشهوات أو طالب جاهٍ أو طفلا يتيما فيُدخلوهم في دينهم. فكان ذلك ابتلاء عظيما للإسلام خُشِي بسببه هلاك مئات آلاف الناس. لذا علّم الله تعالى في سورة الفاتحة نفسها التي استهل بها القرآن الكريم دعاء لاجتناب هذه الفتنة القاتلة. وليكن معلوما أيضا أنها نبوءة عظيمة في القرآن الكريم لا نظير لها.

( المصدر : كتاب التحقة الغولروية)

 

 

14 قال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني : لقد روى البيهقي في شعب الإيمان برواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن المراد من المغضوب عليهم المذكورين في سورة الفاتحة هم اليهود ومن الضالين النصارى. (انظر الدر المنثور، ص9) وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي في معجم الصحابة وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرس له، وسأله رجل من بني العين فقال: من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ قال: اليهود قال: فمن الضالون؟ قال: النصارى. (لدر المنثور، ص17) .

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الفاتحةُتفتح عليكم باب الهدى، فإن الله بدأ فيها من المبدأ، وجعل آخرَ الأزمنة زمنَ الضالّين، وإنهم هم النصارى، كما جاء مِن نبيّنا المجتبى. فأين فيها ذكرُ دجّالكم؟ فأَرُوناه من القرآن“.

(المصدر : الخطبة الإلهامية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وهذا المقام ليس كمقام تمرّ عليه كغافلين، بل هو المنبع للحقيقة المخفيّة التي سُمّيت النصارى لها الضالين.” ولقد سمّاهم الله بهذا الاسم في سورة الفاتحة، ليشير إلى هذه الضلالة، وليشير إلى أن عقيدة حياة المسيح أُمُّ ضلالاتِهم كمثل أُمِّ الكتاب من الصحف المطهّرة. فإنهم لو لم يرفعوه إلى السماء بجسمه العنصري لما جعلوه من الآلهة، وما كان لهم أن يرجعوا إلى التوحيد مِن غير أن يرجعوا من هذه العقيدة، فكشف الله هذه العُقدة رُحمًا على هذه الأمّة، وأثبت بثبوت بيّن واضح أن عيسى ما صُلب، وما رُفع إلى السماء، وما كان رفعُه أمرًا جديدا مخصوصا به، بل كان رفع الروح فقط كمثل رفعِ إخوانه من الأنبياء“.

(المصدر: كتاب الهدى والتبصرة لمن يرى )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

يعلّم القرآن الكريم المسلمين في سورة الفاتحة أن يستعيذوا بالله من فتنة المسيحية كما استنبط جميع المفسرين المعنى نفسه من جملة: “الضالين.”

(المصدر: تتمه كتاب حقيقة الوحي)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد سمّى الله تعالى النصارى الضالينفي سورة الفاتحة وفي ذلك إشارة إلى أنه صحيح أن الضلال موجود في مئات الفِرق الموجودة في العالم ولكن ضلال المسيحيين سيبلغ كماله وكأنها هي الفِرقة الضالة الوحيدة.

(المصدر: تتمة كتاب حقيقة الوحي)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

اعلم، أَسْعَدَك الله، أنّ الله قسم اليهود والنصارى في هذه السورة على ثلاثة أقسام، فرَغَّبَنا في قسمٍ منهم وبشَّر به بفضل وإكرام، وعَلَّمَنا دعاءً لنكون كمثل تلك الكرام، من الأنبياء والرسل العظام. وبقي القسمان الآخران، وهما المغضوب عليهم من اليهود والضالون من أهل الصلبان، فأمَرنا أن نعوذ به مِن أن نلحق بهم من الشقاوة والطغيان. فظهر من هذه السورة أنّ أَمْرَنا قد تُرك بين خوفٍ ورجاء، ونعمةٍ وبلاء، إمّا مشابهةٌ بالأنبياء، وإمّا شُربٌ من كأس الأشقياء. فاتقوا الله الذي عظُم وعيدُه، وجلّتْ مواعيدُه. ومَن لم يكنْ على هدى الأنبياء من فضل الله الودود، فقد خِيفَ عليه أن يكون كالنصارى أو اليهود. فاشتدّت الحاجة إلى نموذج النبيّين والمرسلين، ليدفع نورُهم ظلماتِ المغضوب عليهم وشبهاتِ الضالين. ولذلك وجَب ظهور المسيح الموعود في هذا الزمان من هذه الأمّة، لأنّ الضالّين قد كثروا فاقتضتْ المسيحَ ضرورةُ المقابلة. وإنكم ترون أفواجًا من القسّيسين الذين هم الضالّون، فأين المسيح الذي يَذُبُّهم إن كنتم تعلمون؟ أمَا ظهَر أثرُ الدعاء، أو تُركتم في الليلة الليلاء؟ أم عُلِّمتم دعاء {صِرَاطَ الَّذِيْنَ}، ليزيد الحسرةَ وتكونوا كالمحرومين؟ فالحق والحق أقول، إن الله ما قسم الفِرق على ثلاثة أقسام في هذه السورة، إلا بعد أن أَعَدَّ كلَّ نموذج منهم في هذه الأمّة. وإنكم ترون كثرة المغضوب عليهم وكثرة الضالين، فأين الذي جاء على نموذج النبيين والمرسلين من السابقين؟ ما لكم لا تفكّرون في هذا وتمرّون غافلين؟

ثم اعلم أن هذه السورة قد أخبرتْ عن المبدأ والمعاد، وأشارت إلى قوم هم آخِر الأقوام ومنتهى الفساد، فإنها اختُتِمتْ على الضالّين، وفيه إشارة للمتدبّرين. فإن الله ذكَر هاتين الفرقتين في آخر السورة، وما ذكَر الدجّال المعهود تصريحًا ولا بالإشارة، مع أن المقام كان يقتضي ذِكر الدجّال، فإن السورة أشارت في قولها {الضَّالِّينَ} إلى آخر الفتن وأكبر الأهوال، فلو كانت فتنةُ الدجّال في علم الله أكبرَ من هذه الفتنة، لختَم السورةَ عليها لا على هذه الفِرقة. ففكِّروا في أنفسكم .. أنَسِيَ أصلَ الأمر ربُّنا ذو الجلال، وذكَر الضالّين في مقام كان واجبًا فيه ذكرُ الدجّال؟ وإن كان الأمر كما هو زعم الجهّال، لقال الله في هذا المقام: غير المغضوب عليهم ولا الدجّال. وأنت تعلم أن الله أراد في هذه السورة أن يحثّ الأمّة على طرق النبيّين، ويحذّرهم من طرق الكَفَرة الفَجَرة، فذكَر قومًا أكملَ لهم عطاءَه، وأتمّ نعماءه، ووعد أنه باعثٌ من هذه الأمّة مَن هو يشابه النبيين، ويضاهي المرسلين. ثم ذكر قومًا آخر تُركوا في الظلمات، وجعل فتنتَهم آخرَ الفتن وأعظمَ الآفات، وأمر أن يعوذ الناسُ كلُّهم به من هذه الفتن إلى يوم القيامة، ويتضرّعوا لدفعِها في الصلوات في أوقاتها الخمسة. وما أشار في هذا إلى الدجّال وفتنته العظيمة، فأيُّ دليل أكبر من هذا على إبطال هذه العقيدة؟

ثم من مؤيِّدات هذا البرهان، أن الله ذكر النصارى في آخر القرآن كما ذكر في أوّل الفرقان، ففكّرْ في: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}، وفي: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}، وما هم إلا النصارى فعُذْ مِن علمائهم بربّ الناس. وإن الله كما ختَم الفاتحةَ على الضالين، كذلك ختم القرآن على النصرانيين، وإن الضالين هم النصرانيون كما رُويَ عن نبيّنا في الدر المنثور، وفي فتح الباري فلا تُعرِضْ عن القول الثابت المشهور، ومُسلَّمِ الجمهورِ“.

(المصدر: كتاب إعجاز المسيح)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

أخبِروني أين أُخبر عن هذا القوم الذي فتتنهم أكبر حتى من فتنة الدجال؟ لذلك لم يذكر القرآن الكريم الدجالَ بل قال: “ولا الضالينالذين يراد منهم قوم النصارى. ولماذا لم يقل: “ولا الدجالَ؟ فالحق أن هذا هو القوم الذين أنذر منهم الأنبياءُ جميعا قومَهم.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/4/10 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

فالدجال الذي ورد ذكره في الأحاديث ليس إلا شيطانا سيُقتَل في الزمن الأخير، وهذا ما قاله النبي دانيال كما تبينه بعض الأحاديث أيضا. ولما كانت النصرانية هي المظهر الأتم للشيطان، لذا لم يرد في سورة الفاتحة ذكر الشيطان قط وإنما ورد أمر الاستعاذة بالله من شر النصارى. فلو كان الدجال مفسدا وهو غيرهم لقال الله تعالى في فاتحة القرآن الكريم: “ولا الدجالبدلا من: {ولا الضالين.}

(المصدر: كتاب حقيقة الوحي)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن هذا الشيطان15 يُسمى شبح النصرانية بكلمات أخرى. وهذا الشبح كان أسيرا في الكنيسة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان يطلع على الأخبار عن الإسلام بواسطة جساسةفقط. ثم بعد القرون الثلاثة تحرر هذا الشبح بحسب نبوءات الأنبياء وظل يزداد قوة يوما بعد يوم حتى خرج بكل قوة في القرن الثالث عشر من الهجرة. وهذا الشبح سمِّي دجالا، فليفهم من كان من الفاهمين. وهذا هو الشبح الذي حذّر الله منه في نهاية سورة الفاتحة في الدعاء: {ولا الضالين.}

أين الدجال الذي تُرهبون به؟ أمّا الدجال المذكور في: {الضالين} فيحرز التقدم في الدنيا يوما إثر يوم، وتكاد السماء والأرض يتفطرن من فتنته.

(المصدر: حقيقة الوحي)

 

.

15أي الدجال

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد علّمنا الله تعالى في سورة الفاتحة أن الدجال الذي جاء التحذير عنه إنما هم القساوسة الضالون في الزمن الأخير الذين تركوا منهج عيسى عليه السلام ، لأن الله تعالى قد علّمنا في الفاتحة أن ندعو الله تعالى ألا نكون مثل اليهود الذين نزل عليهم غضبه بسبب عصيانهم وعداوتهم لعيسى عليه السلام ، ولا نكون مثل النصارى الذين اتخذوا عيسى عليه السلام إلها نابذين تعليمه وراء ظهورهم، واختاروا كذبا ما هو أكبر وأسوأ من كافة أنواع الكذب على الإطلاق، وتجاوزوا كل الحدود في الافتراء والمكائد تأييدا له، لذا سُمُّوا في السماء الدجال.” لو كان هناك دجال آخر لكانت الاستعاذة منه ضرورية في الآية المذكورة. أي كان لزوما أن ترد في سورة الفاتحة كلمات: “ولا الدجالبدلا من {ولا الضالين.} وهذا هو المعنى الذي كشفه الدهر لأنه قد وجّه الأنظار إلى الفتنة الأخيرة التي جاء التحذير منها، ألا وهي فتنة الغلو في التثليث.

(المصد: كتاب حقيقة الوحي، الحاشية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد نسب هؤلاء القومُ نصف الألوهية إلى المسيح، ويعتقدون في الدجال أيضا أنه سيُحيي الأموات وسيفعل كذا وكذا. ويا أسفا عليهم فالقرآن الكريم يقتل بسيف لا إله إلا اللهتلك الآلهة الباطلة كلها التي توصُف بصفات الألوهية، فمن أين جاء هذا الدجال؟ لقد علّم في سورة الفاتحة دعاء لاجتناب أن يكون المرء يهوديا أو نصرانيا، أفلم يتذكّر الله تعالى الدجالَ الذي هو الفتنة الكبرى؟

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1901/1/24 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد ذكر القرآن الكريم المغضوب عليهم والضالين في مستهله وكذلك في نهايته كما تدل عليه الآية: “لم يلد ولم يولدبصراحة تامة. وقد اهتم هذا الاهتمام كله من أجل التأكيد ولكيلا تبقى النبوءة عن المسيح وغلبة النصرانية نظرية فقط بل تسطع مثل الشمس.

(المصدر : كتاب التحفة الغولروية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إذا طُرح اعتراض أن سلسلة الأنبياء قد انقطعت الآن فلماذا نُجعَل مغضوبا عليهم. فجوابه أن الله تعالى كان يعلم أن الكثيرين من هذا القوم أيضا سيحذون حذو اليهود. كان اليهود يريدون أن يصلبوا عيسى كذلك جاء في الحديث الصحيح أن اليهود الحاليين أيضا يحذون حذو أولئك اليهود ويكذّبون الذي يأتي من الله تعالى ويعدّون نسج المكائد لقتله مدعاة للثواب. إن كلام الله ليس بلا معنى. هل الأيام الراهنة أيام العذاب أم لا؟ إني صابر منذ 25 عاما. أما هؤلاء القوم فلم يدخّروا جهدا. لقد قرأت في فتاوى تكفيرهم أن كفر هذا الشخص أشد من كفر اليهود والنصارى. من الغريب حقا أن الذين ينطقون بالشهادتين ويصلون مستقبلين القبلة ويذكرون النبي صلى الله عليه وسلم بكل احترام وتعظيم وجاهزون لتقديم التضحية بأرواحهم في سبيله أسوأ عندهم من الذين يسبونه صلى الله عليه وسلم ليل نهار! لا يمكن لأحد أن يلصق مثل هذه التهمة إلا الذي سُلب إيمانه. ولكنهم أناس تلاشى منهم النبل والنباهة أيضا دع عنك الإيمان. والله تعالى كان يعلم جيدا أنها ستكون هناك فرقة تعدّ تكفير المسيح جزءا من إيمانهم لذا علّم الله تعالى الدعاء لاجتناب هذا الصراط.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1908/1/9 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

حين أقول بأن المراد من الضالينهم المسيحيون والقساوسة لا أقصد الإنجليز لأن معظم الإنجليز لم يقرأوا الإنجيل ولا مرة واحدة في حياتهم. أما القساوسة فهم الذين يواجهون صدمة كبيرة عند مواجهتهم الإسلام لأنهم يعرفون أن الإسلام دين لا يمكن أن يتغلبوا عليه

وحين أذكر الضالين فالمراد منهم القساوسة الذين ليسوا ضالين بأنفسهم بل يسعون بكل ما في وسعهم لإضلال الآخرين أيضا. أما ما ورد عن ذكر الدجال في الأحاديث فالمراد منه أيضا الضالون. وإن لم نستنبط من الدجال معنى الضالين فلا بد من القبول بأن الله تعالى ذكر في القرآن الكريم الضالين بل علّم الدعاء أيضا لاجتناب فتنتهم العظيمة ولم يذكر الدجال قط بينما كانت تلك فتنة عظيمة يضل بها مئات آلاف الناس باستمرار. فالحق أن الدجال والضالين حزب واحد يسعون لإضلال الناس وهم على أوجهم في الزمن الأخير ويحاولون ليضلوا خلق الله بكل مكر وزيف. ولأن معنى الدجال أيضا المضِلّ لذلك قد استُخدمت هذه الكلمة في الأحاديث بدلا من الضالين. وهناك سبب آخر أيضا لورود كلمة الدجال في الأحاديث بدلا من الضالين وهو أن الله تعالى كان يعلم أن الناس سيتّخذون دجالا من عند أنفسهم وسينسبون إليه أفكارا غريبة مثل قولهم: في إحدى يديه الجنة وفي الأخرى النار، وسيدّعي الألوهية والنبوة أيضا وسيكون كافرمكتوبا على جبينه وله حمار ما بين أذنيه بُعدٌ كذا وكذا ويكون متصفا بكذا وكذا، لذلك قال الله تعالى إن تلك الفئة الدجالية هي فئة الضالين الذين يضلون الناس بأساليب مختلفة ويحرفون كتب الله ويبدلونها بوعود معسولة، ويحاولون أن يحرفوا الناس من أوامر الله تعالى كليا لدرجة أحلّوا أكل حيوان قذر مثل الخنزير مع أنه قد حُرّم في التوراة بكل صراحة وقال المسيح بنفسه: لَا تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ. وكذلك هيأوا مجالا واسعا للذنوب بإيجادهم قضية باطلة مثل الكفارة بمعنى أنه مهما ارتكب أحد من الكبائر فإنها ستزول كلها تلقائيا باعتبار يسوع ابن الله وسينال الإنسان النجاة. قولوا الآن، ألا يُفهم من ذلك بكل وضوح أن هذه هي الفئة المضلة التي سُمِّيت في الأحاديث دجالا وفي القرآن الضالين؟

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/1/10 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

ولا الضالين، أي أنقذنا من صراط الذين تركوا الصراط السوي، الصراط الذي علِّموا في الإنجيل أن آمنوا بالله واحدا ولكنهم نبذوا هذا التعليم نهائيا. لقد قيل لهم بأن الله إله واحد وهو إله عيسى عليه السلام أيضا ولكنهم يؤمنون بعيسى إلها، وأنه هو مالك يوم الدين.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1908/1/9 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لا تظنوا أن المغضوب عليهم كلمة قاسية، والضالينلينة. الأمر ليس كذلك بل الحق أن ذنب اليهود كان أخف نسبيا من هؤلاء الضالين، إذ كانوا متمسكين بالتوراة. سألت مرة يهوديا عن دينه فقال بأننا نعتقد بالله بمثل ما هو مذكور في القرآن الكريم ولم نتخذ إنسانا إلها إلى الآن. فمن هذا المنطلق إنهم أفضل من الضالين غير أنهم يسبقونهم في الوقاحة والحذلقة. لذا فقد عوقبوا في الدنيا وورد ذكرهم أولا. فمثلا إذا عُرضت على حاكم قضية وكان في ذهنه أن يغرِّم المجرم غرامة خفيفة أو يسجنه لمدة وجيزة يُصدر الحكم في حقه أما إذا كان يستحق عقوبة تفوق صلاحيته لحوّل القضية إلى محكمة أخرى. كانت أعمال اليهود من نوعٍ المعاقبة عليها في الدنيا ممكنة. أما الضالون فكان ذنبهم أكبر من اليهود إذ ألّهوا مخلوقا لذا سينالون العقوبة في العالم الآخر لأنهم مرتكبون ذنبا يقول الله تعالى فيه: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الَْأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}.1(1) ولكن لم يقل الله ذلك عن اليهود إذ كان ذنبهم أخف فعاقبَهم في هذه الدنيا، أما الضالين فعقوبتهم أشد. لا شك أنه يكون هناك تفاوت في العقوبات حتما، فمثلا إذا كان هناك سارق بسيط فتكون عقوبته أخف ولكن إذا كان لصا متعودا ورئيس اللصوص فتكون عقوبته مختلفة. لقد نشر القساوسة هذا المعتقد الباطل لدرجة تُنشر أحيانا خمسون ألف نسخة من كل جريدة تأييدا لهذا المذهب الذي يخالف الحق تماما ومضر له من كل الجوانب.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1908/1/9 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد ذُكرت في سورة الفاتحة التي نتلوها في كل ركعة من كل صلاة ثلاثُ فئات خلت. إحداها فئة أنعمت عليهموالثانية المغضوب عليهموالثالثة الضالين.”

ليس المراد من المغضوب عليهم أن الغضب سيكون ملحوظا يوم القيامة فقط لأن الذين يتركون كتاب الله ويخالفون أوامر الله تعالى سيحل بهم الغضب جميعا. المراد من المغضوب عليهم هم اليهود بالإجماع، ومن الضالين النصارى. يتبين من هذا الدعاء أنه يفيد للانضمام إلى جماعة المنعم عليهم واجتناب الجماعتين الأخريين. لقد تقررت سنة الله، وقد وضع الله تعالى قانونا منذ فجر سلسلة النبوة أنه عندما يأمر قوما للعمل أو عدم العمل بشيء يعمل به بعضهم وينقضه بعضهم الآخر حتما. فلا بد أن يكون البعض منعما عليهم والبعض مغضوبا عليهم والبعض الآخر الضالين.

والآن يعلن الدهر بأعلى صوته أن الترتيب قد بدأ من الأخير بحسب آية هذه السورة، إذ ذُكرت فِرقة النصارى في الأخير. وانظروا كم أناسا انضموا إليها. لقد قال أحد الأساقفة في خطابه بأن مليوني مسلما قد ارتدوا عن الإسلام. والشدة والقوة التي خرج بهما هذا القوم والأساليب التي استخدموها لإضلال الناس يبدو منها أنه ما من فتنة أكبر منها. انظروا، فقد تحقق أحد الأمور الثلاثة، والقوم الثاني هم المغضوب عليهم، ويبدو لي أنه قد حان وقتهم أيضا بل قد أوشك على الانتهاء. أما اليهود فقد حل بهم غضب الله في الدنيا وأهلكهم الطاعون. ولا يزال الطاعون ينتشر بكثرة نتيجة سوء أعمالهم وفسقهم وفجورهم. إن الذين يسمون علماء لا يخافون كتمانَ الحق. وبعد تحقق الأمرين يتبين الثالث بجلاء. يقول المبدأ المتبع عند الإنسان؛ إن ثبتت ثلاثة أشياء من أربعة يكتشف الرابع أيضا ويعلِّق به آماله. لقد انضم مئات آلاف الناس إلى اليهود ولا يزالون يدخلون في المغضوب عليهم ولكن الله يريد أن يري الآن نموذج المنعم عليهم. فلما كان في سورة الفاتحة دعاء، وجاء في سورة النور وعدٌ فتبين من ذلك بوضوح أن الدعاء الوارد في سورة الفاتحة قد استُجيب.

قصارى القول بأن الحزب الثالث هو حزب المنعم عليهم ونأمل من الله تعالى أنه سيُظهرهم بجلاء تام. وهذا فعل الله الذي سيتم حتما. ولكن الله تعالى يريد أن يشارك الإنسان في الثواب ليثبتوا استحقاقهم للجنة كما حدث في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم .- كان الله قادرا على أن يهب رسوله فتوحات عظيمة بدون الصحابة ولكنه لم يفعل ذلك بل أشرك الصحابة فيها ليكونوا مقبولين عند الله. فبحسب سنة الله المستمرة تواجه جماعتنا الوضع نفسه تماما إذ نكلّف إخوتنا مرارا وتكرارا ونسألهم لأداء التبرعات.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1901/4/17 م)

 

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد علِّمت في سورة الفاتحة ثلاثةُ أدعية، أولا: أن يُبقينا الله في جماعة الصحابة، ثم في جماعة المسيح الموعود الذين يقول عنهم في القرآن الكريم: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ.} فباختصار، هناك جماعتان فقط من المنعم عليهم في الإسلام، وقد أشير إليهم في الآية: “صراط الذين أنعمت عليهم“. اقرأوا القرآن الكريم كله تروا أن هناك جماعتين فقط، أي جماعة الصحابة رضي الله عنهم وجماعة الآخرين منهمذات صفات الصحابة وهي جماعة المسيح الموعود. فعندما تقرأون في الصلاة أو في خارجها دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ضعوا في البال أنكم تطلبون صراط الصحابة وجماعة المسيح الموعود. هذا هو الدعاء الأول في سورة الفاتحة. والدعاء الثاني هو: “غير المغضوب عليهموالمراد منهم أولئك الذين يؤذون المسيح الموعود. ومقابله جاء في القرآن الكريم: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.} والدعاء الثالث هو: “ولا الضالينومقابله جاءت سورة الإخلاص في نهاية القرآن الكريم أي: {قُلْ هُوَ اُلله أَحَدٌ * اُلله الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.} وبعدها هناك سورتان أخريان أي سورة الفلق وسورة الناس، كلتاهما بمنزلة تفسير سورة الإخلاص وقد استُعيذ فيها من زمن الظلام حين يؤذي الناس مسيح الله وينتشر ضلال المسيحية في العالم كله. إذًا، فقد علّمت في سورة الفاتحة هذه الأدعية الثلاثة كبراعة الاستهلال أي أن الهدف المهم الذي ذُكر في القرآن الكريم بالتفصيل قد افتُتح في سورة الفاتحة إجمالا. ثم استُعيذ في نهاية القرآن أي في سورة المسدوالإخلاصوالفلقوالناسمن تلك البلايا كلها. إذًا، فقد استُهلّ كتاب الله بهذين الدعاءين وانتهى أيضا على الدعاءين نفسهما.

فليكن معلوما أن هاتين الفتنتين ذُكرتا في القرآن الكريم بالتفصيل، بينما ورد ذكرهما في سورة الفاتحة وفي السور الأخيرة إجمالا. فمثلا قد وُضّح في دعاء: “ولا الضالينفي سورة الفاتحة في كلمتين فقط أن ادعوا دائما لاجتناب فتنة المسيحية. ويُفهَم من ذلك أن هناك فتنة كبيرة ستواجهنا رُكِّز عليها حتى أُدخل هذا الدعاء في الصلوات الخمس كل يوم وقد رُكِّز عليه إلى درجة أن الصلاة لا تُقبل بدونها كما جاء في الحديث: “لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب.” والمعلوم أن هناك آلاف المذاهب المنتشرة في العالم مثل المجوسية والبراهمة أي الهندوسية والبوذية التي تسيطر على رقعة كبيرة من الدنيا، والديانة الصينية التي تضم عشرات ملايين الناس، وكذلك الوثنيون الذين يربو عددهم على كل الأديان. وكانت هذه الأديان كلها منتشرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بكل قوة وشدة، وكانت المسيحية مقابلها كقشة مقابل الجبل. فلماذا إذًا ما علِّم في القرآن الكريم دعاء أن ينقذ الله من ضلال المذهب الصيني أو من ضلال المجوس أو من ضلال البوذية أو من ضلال مذهب الآريين أو غيرهم من الوثنيين؟ بل قيل أنه يجب أن تدعو الله دائما أن ينقذكم من ضلال المسيحية. فما السر في ذلك؟ وأية فتنة كانت ستحدث في المسيحية في المستقبل نُصح المسلمون في العالم كله لاجتنابها؟ فاعلموا يقينا أن هذا الدعاء يطابق علم الله تعالى عن الزمن الأخير. كان الله يعلم أن الأديان كلها مثل مذاهب الوثنيين والصينيين والمجوس والهندوس وغيرهم في طور الانحطاط ولن يتحمس أحد لها ليكون خطرا على الإسلام ولكن سيأتي على المسيحية زمان حين يكون هناك حماس شديد لتأييدها ويتم التخطيط لتقدمها ببذل عشرات الملايين من الروبيات وبكل مكر وحيلة ويُتمنّى أن يعبد العالمُ كله المسيحَ. فتكون تلك الأيام قاسية جدا وأيام الابتلاء للإسلام. فها هو زمن تلك الفتنة الذي تعيشونه الآن.

فقد تحققت فيكم وفي بلادكم النبوءة التي جاءت في سورة الفاتحة ويعود تاريخها إلى 1300 عاما، وكان الشرق هو مهد هذه الفتنة. وكما ذُكرت هذه الفتنة في بداية القرآن الكريم كذلك ذُكرت في نهايته أيضا ليترسخ هذا الأمر في القلوب بالتأكيد.

(المصدر: كتاب التحفة الغولروية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

إن سورة الفاتحة ليست مجردَ تعليم فحسب، بل تتضمن أيضًا نبوءةً عظيمة بيانها أن الله تعالى ذكر أولًا صفاتِه الأربع: الربوبية والرحمانية والرحيمية ومالكية يوم الدين أي قدرته على الثواب والعقاب، وقدرتَه بوجه عام ثم علّمنا في الآيات التالية دعاء: ربّنا اجعلْنا ورثةَ الأبرار السابقين من الأنبياء والرسل، واهدنا إلى صراطهم، وارزقنا ما رزقتَهم من النعم، واحفظْنا ربَّنا من أن نكون من الذين حلّ بهم عذابُك في الدنيا. أي اليهود الذين كانوا في زمن المسيح عليه السلام وأُهلكوا بالطاعون، واحفظْنا ربَّنا من أن نكون من القوم الذين تركوا هُداك فضلّوا، أي النصارى. وهذا الدعاء يحتوي على نبوءة بأنه سيكون من المسلمين مَن يرثون الأنبياء الأولين ببركة صدقهم وصفائهم ويحظون بنعم النبوّة والرسالة، وسيكون منهم أيضًا مَن يتّصفون بصفات اليهود فينزل عليهم العذابُ في الدنيا، وسيكون منهم مَن يرتَدُون رداءَ المسيحية، ذلك لأنه من السنّة المتّبعة في كلام الله أنه إذا نهى قومًا عن عمل، فهذا يعني أنه تعالى يعلم أن بعضًا منهم سيقعون فيه حتمًا، وبعضًا منهم سينالون حظًّا من البرّ والسعادة. إنه لمن سنة الله القديمة في جميع الكتب التي أنزلها منذ بداية الخلق حتى اليوم أنه عندما ينهى قومًا عن عمل أو يرغّبهم في عمل فإنه يعلم أن بعضهم سيقوم بهذا العمل وبعضهم لن يقوم به. إذن فهذه السورة تنبّئ بأن شخصًا من هذه الأمة سيظهر بمظهر الأنبياء بشكل كامل لِتتحقّقَ النبوءةُ المستنبَطة من قوله تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} على أكمل وجهٍ وأتمّه.

وأنّ فريقًا من هذه الأمة سيظهرون بمظهر اليهود الذين لعنهم عيسى عليه السلام وحلّ بهم عذاب الله، وذلك لتتحققَ النبوءة المستنبَطة من قوله تعالى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، وأن فريقًا منهم سيتنصّرون وينصبغون بصبغة المسيحيين، الذين أصبحوا محرومين من هداية الله من جراء شُربهم الخمرَ والإباحية والفسق والفجور، وذلك لتتحقق النبوءة المستنبَطة من قوله تعالى {وَلا الْضَّالِّينَ.}

ولما كان من معتقدات المسلمين أن آلافًا مؤلّفة ممن يُدعَون مسلمين سيتّصفون بصفات اليهود في الزمن الأخير وهذه النبوءة قد تنبأ بها القرآن المجيد أيضًا في مواضع عديدةولما كان تنصُّر آلاف المسلمين أو اتخاذُهم حياةَ الإباحة والتحرر مثل النصارى قد أصبح أمرًا مشهودًا وملموسًا، حتى ترى كثيرًا منهم يحبّون تقليد المسيحيين في أسلوب الحياة، وينظرون إلى الصلاة والصوم وأحكام الحلال والحرام باحتقار كبير مع انتمائهم إلى الإسلام، وتجدون هاتين الفئتين المتصفتين بصفات اليهود والنصارى في هذه البلاد بكثرة، فثَبَتَ أنكم قد رأيتم تحقُّقَ هاتين النبوءتين الواردتين في سورة الفاتحة، إذ رأيتم بأم أعينكم كثيرًا من المسلمين قد اتصفوا بصفات اليهود وكثيرا منهم انصبغوا بصبغة النصارى، وما دام الأمر كذلك فلا بد لكم الآن من الإقرار بتحقُّق النبوءة الثالثة، أعني أنه كما نال المسلمون نصيبًا من شر اليهود والنصارى باتصافهم بصفاتهم، كذلك كان لزامًا أن يتبوّء أفراد منهم المقام الذي بلغه الأبرار الذين خلوا من قبل في بني إسرائيل. فمِن سوء الظن بالله تعالى أنه قد جعل أبناء أمة الإسلام شركاء اليهود والنصارى في شرهم حتى سماهم يهودًا أيضًا، ولكنه لم يعطهم شيئًا من مراتب رسلهم وأنبيائهم! فكيف تكون هذه الأمة إذنْ خيرَ الأمم؟ كلا، بل تكون عندها شرّ الأمم، إذ وُجد فيها كل نموذجٍ من شرّ الأولين ولم يوجد فيها أي نموذج لخيرهم.

أفليس ضروريا يا ترىأن يأتي بين هذه الأمة أيضًا أحد بحُلَّةِ الأنبياء والرسل ويكونَ وارثًا وظلًا لأنبياء بني إسرائيل كلهم؟ فمن المستبعَد من رحمة الله تعالى أن يجعل الملايين من هذه الأمة في هذا الزمن يتّصفون بصفات اليهود ويجعل مئات الآلاف منها يتنصّرون، ولكن لا يجعل حتى شخصًا واحدًا منها يرث الأنبياء السالفين ويفوز بالنعمة التي فازوا بها، وذلك لكي تتحقق النبوءةُ المستنبَطة من قوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، كما تحققت نبوءة التهوُّد والتنصُّر. لَمّا كانت هذه الأمة قد لُقّبت بآلاف الألقاب القبيحة حتى قُدّر لأبنائها أن يصبحوا يهودًا كما هو ثابت من القرآن والأحاديثفكان من مقتضى فضل الله تعالى أن يرثوا الخير أيضًا، كما ورثوا السيّئات من النصارى السابقين. ومن أجل ذلك قد بشّر الله تعالى في قوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} في سورة الفاتحة بأن بعض أفراد هذه الأمة سينال ما أُنعِم به على الأنبياء السابقين، وليس أنهم يتهودون أو يتنصرون فحسب ويرثون سيّئات هاتين الملتين ولن يرثوا حسناتهما.

(المصدر: كتاب سفينة نوح)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

وما قصّ الله علينا الفِرَقَ الثلاث في الفاتحة إلا ليشير إلى أن هذه الأمّة ورثتْهم في كل قسم من الأقسام المذكورة، فقد ظهرتْ هذه الوراثة في مسلمِي زمانِنا الذي هو آخر الزمان بظهور تام، تعرفها كل نفس من غير الحاجة إلى الإمعان، كما لا يخفى على الذين ينظرون إلى مسلمي زمنِنا هذا وإلى ما يعملون.

ولكل فِرقة من هذه الورثاء الثلاث درجاتٌ ثلاث .. أما الذين ورِثوا المنعَمَ عليهم فمنهم رجال ما وجدوا حظَّهم من الإنعام إلا قليلا من العقائد أو الأحكام وهم عليه يقنعون، ومنهم مقتصدون وإنهم وقَفوا على مرتبة الاقتصاد وما يُكمَّلون، ومنهم فردٌ اجتباه ربه وكمّله وجعله سابقا في الخيرات، وهو يجتبي إليه من يشاء ويخصّ بالدرجات، فذلك المخصوص هو المسيح الموعود الذي ظهر في القوم وهم لا يعرفون.

وأما الذين ورثوا المغضوب عليهم من اليهود فمنهم رجال من المسلمين شابهوهم في ترك الفرائض والحدود، لا يصومون ولا يصلّون، ولا يذكرون الموت ولا يبالون، ومنهم قوم اتخذوا الدنيا معبودهم ولها في ليلهم ونهارهم يعملون، ومنهم سابقون في الرذائل، وأولئك الذين يتخذون أهل الحق سُخريًّا وعليهم يضحكون، ويعادونهم ويكفّرونهم ويشتمونهم، ويعملون رياءً وبطرًا ولا يخلصون. ويصولون على مسيح الله وحزبه ويجرّونهم إلى الحكام، وفي كل طريق يقعدون، ويقولون اقتلوهم فإنهم كافرون. وإذا قيل لهم تعالوا إلى كلام الله واجعلوه حَكَمًا بيننا وبينكم ترى أعينهم تحمرّ من الغيظ ويمرّون شاتمين وهم مشتعلون. وكأَيِّنْ مِن آيِ الله رأوها بأعينهم ثم يمرّون مستكبرين كأنهم لا يبصرون. ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ظلمًا وعُلوًّا، وقالوا لا تسمعوا دلائله والغَوْا فيها لعلكم تغلبون.

وأما الذين ورثوا الضالين فمنهم قوم أحبّوا شِعار النصارى وسيرتهم وإليها يميلون. وتجدهم يرغبون في حُللهم وقمصانهم وقلانسهم ونعالهم وطَرْزِ معيشتهم وجميعِ خصالهم، وعلى مَن خالفها يضحكون، ويتزوّجون نساءً من قومهم وعليهن يعشقون. ومنهم قوم مالوا إلى الفلسفة التي أشاعوها، وفي أمر الدين يتساهلون. وكم مِن كَلِمٍ تخرج من أفواههم، ويحقّرون دين الله ولا يبالون. ومنهم قوم أكملوا أمر الضلالة، وارتدّوا من الإسلام وعادَوه من الجهالة، وكتبوا كتبًا في ردّه، وشتموا رسول الله وصالوا على عرضه، وتلك أفواجٌ في هذا الملك بعدما كانوا يُسلِمون. فتمّ ما أُشيرَ إليه في الفاتحة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!

(المصدر: كتاب الخطبة الإلهامية)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الفِرقة السعيدة الناجية من العذاب هي المذكورة في: “أنعمتَ عليهموالتي ستواجه العذاب هي فرقة المغضوب عليهم. والفرق بين المغضوب عليهم والضالين هو كفَرق بين المصاب بالحمى والمصاب بالسل إذ إن أحدهما يهلك سريعا والآخر يصل إلى الهلاك ببطء ولكن كلاهما يهلك في نهاية المطاف عاجلا أم آجلا.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1902/10/31 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

الدعاء الأمثل هو الذي يجمع في طياته الخيرات كلها ويمنع المضرات كلها لذا فإن الدعاء: “أنعمت عليهميضم دعاء الحصول على الإنعامات كلها التي أُنعم بها المنعَم عليهم منذ زمن آدم إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم .- وفي: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} دعاء لاجتناب المضرات كلها. ولما كان المراد من المغضوب عليهم هم اليهود ومن الضالين النصارى بالإجماع كان الهدف من هذا الدعاء واضحا أن المشايخ في زمن المسيح الموعود سيعادونه دون أدنى مبرر كما فعل اليهود لدرجة يحذون حذو اليهود تماما. والأحاديث تؤيد هذا المعنى.

( المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1903/5/31 م)

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لا بد من مراعاة مقتضى الأدب عند السؤال من الله تعالى. عندما يسأل العاقلون شيئا من الملك يراعون الأدب دائما لذلك علّم الله تعالى في سورة الفاتحة أسلوب السؤال. وبيّن فيها: “الحمد لله رب العالمينالذي هو رحمن العالمين أيضا أي يعطي دون المساءلة، وهو الرحيم أي يثمر مساعي الإنسان الصادقة بثمرات حسنة، وهو مالك يوم الدين، أي بيده الجزاء والعقاب ويحيي من يشاء ويميت من يشاء. وبيده الجزاء في الدنيا والآخرة. عندما يثني الإنسان على هذا النحو يخطر بباله كم هو عظيم ذلك الإله الذي هو  الربوالرحمنوالرحيمالذي ظل يؤمن به كغائب. أما الآن فيدعوه إيمانا منه أنه عز وجل حاضر وموجود في كل مكان، فيقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هناك صراط العميان فيكادون يهلكون بكثرة المساعي والجهود ولكنها لا تسفر عن نتيجة، وهناك صراط آخر إذا اجتهد أحد بحسبه أسفر عن النتيجة. ثم يقول تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهو الصراط المستقيم الذي إذا سلكه الإنسان حظي بالإنعامات. ثم قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} أي ليس صراط الذين حل بهم غضبك والذين ضلوا الطريق.

المراد من: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هو صراط الأمور الدينية والدنيوية كلها. فمثلا عندما يعالج الطبيبُ أحدا لا يقدر عليه ما لم يهتد إلى الصراط المستقيم. كذلك عندما يهتدي المحامون وغيرهم من أصحاب المهن والعلوم المختلفة إلى الصراط المستقيم تسهل عليهم أمورهم.

في هذا المقام أثار أحد الناس اعتراضا وقال: ما حاجة الأنبياء إلى هذا الدعاء لأنهم يكونون على الصراط المستقيم سلفا؟ فأجاب الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام: بل المؤمنون سيدعون: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} في الآخرة أيضا لأنه كما لا حدود لله كذلك ليس للتقدم في الدرجات والمراتب عنده من حدود أيضا.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1903/2/13 م )

وقال الامام ميرزا غلام احمد القادياني   :

لقد قال المفسرون إن المراد من المغضوب عليهم هم اليهود ولكن الحق أن كل من يعمل سوءا يؤاخَد ويواجه غضب الله، وهذا ليس خاصا باليهود فقط.

( المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1908/1/9 م )

كان الحديث يدور عن سورة الفاتحة فقال الإمام ميرزا غلام أحمد القادياني   :

 

فيها ذكر ثلاث فئات، أولا: المنعم عليهم، ثانيا: المغضوب عليهم وثالثا: الضالين. المراد من المغضوب عليهم هم اليهود بالاتفاق، والمراد من الضالين هم النصارى. فمن الواضح أنه لا يعلّم والد عاقل أولاده تعليما لا ينفعهم فكيف نقبل أن الله تعالى أعطى تعليما عن أمور ما كانت لتحدث؟ كلا، بل الحق أن كل هذه الأمور سوف تحدث حتما. المراد من المغضوب عليهم هم اليهود. ومن ناحية ثانية قال الله تعالى بأن بعض أفراد أمتي سيحذون حذو اليهود حتى إذا أتى يهودي أمّه لأتى منهم أمّه أيضا. فاليهود الذين كانوا محط عذاب الله لُعنوا على لسان عيسى عليه السلام ، فيتبين من ذلك بكل جلاء أن كل هذه الأحداث ستقع في زمن المسيح الموعود. وقد حان ذلك الوقت الآن إذ لم يتأخر هؤلاء القوم في معارضتي عن اليهود خطوة واحدة.

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1902/8/17 م )

هذا الموقع هو موقع علمي لا يتبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمىى الطائفة القاديانية ولا يتبع أي فرقه من الفرق المنتسبه للإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025. All Rights Reserved.

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025.

All Rights Reserved.

E-mail
Password
Confirm Password