قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود :
مام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود :اعلم يا طالبَ العرفان، أنه مَن أحلَّ نفسَه محلَّ تلاوة الفاتحة والفرقان، فعليه أن يستعيذ من الشيطان، كما جاء في القرآن، فإن الشيطان قد يدخل حِمَى الحضرةِ كالسارقين، ويدخل الحَرَمَ العاصم للمعصومين، فأراد الله أن ينجّي عباده من صَوْل الخنّاس عند قراءة الفاتحة وكلام رب الناس، ويدفعه بحربة منه ويضع الفأس في الرأس، ويخلّص الغافلين من النُعاس؛ فعلَّم كلمةً منه لطردِ الشيطان المدحور إلى يوم النشور. وكان سرّ هذا الأمر المستور، أن الشيطان قد عادى الإنسانَ من الدهور، وكان يريد إهلاكه من طريق الإخفاء والدُّمُور، وكان أحبَّ الأشياء إليه تدمير الإنسان، ولذلك ألزمَ نفسَه أن تصغي إلى كل أمر ينْزل من الرحمن لدعوة الناس إلى الجِنان، ويبذل جهده للإضلال والافتنان. فقدّر الله له الخيبةَ والقوارع ببعث الأنبياء، وما قتَله بل أنظرَه إلى يومٍ تُبعث فيه الموتى بإذن الله ذي العزة والعلاء. وبشّر بقتله في قوله: {الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، فتلك هي الكلمة التي تُقرأ قبل قوله: {بِسْمِ اِلله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.} وهذا الرجيم هو الذي ورد فيه الوعيد، أعني الدجّال الذي يقتله المسيح المُبيد. والرجمُ القتلُ كما صُرّح به في كتب اللسان العربية. فالرجيم هو الداجل الذي يُغال في زمان من الأزمنة الآتية. وعدٌ من الله الذي يخول على أهله ولا تبديلَ للكَلِمِ الإلهية. فهذه بشارة للمسلمين من الله الرحيم، وإيماءٌ إلى أنه يقتل الدجّال في وقتٍ كما هو المفهوم من لفظ الرجيم.
ومعنى الرَّجْمِ في هذا المقــامِ كما عُـلِّـمتُ مِن ربِّ الأَنامِ
هـو الإعضـالُ إعضالُ اللِّئامِ وإسكاتُ العِدا كَهْفِ الظلامِ
وضربٌ يختلي أصلَ الخِصـامِ ولا نعـني به ضَـرْبَ الحُسامِ
ترى الإسلامَ كُـسِّرَ كالعِظامِ وكَمْ مِـن خامِلٍ فاقَ العِظامِ
فنادَى الوقـتُ أيّـامَ الإمـامِ لِتُنجَى المسلمونَ مِـن السِّهامِ
فـلا تعجَلْ وفكِّرْ في الكـلامِ أليسَ الوقت وقــتَ الانتقامِ
أَتى فـوجُ الملائكـةِ الكِـرامِ بِكَفِّ المصطفى أَضْحَى الزِّمامِ
وقد أتى زمان تهلكُ فيه الأباطيل ولا تبقى الزور والظلام، وتفنى المللُ كلها إلا الإسلام، وتُملُأ الأرضُ قسطًا وعدلًا ونورًا، كما كانت مُلئت ظلمًا وكفرًا وجَورًا وزورًا، فهناك يُقتَل مَن سبق الوعيد لتدميره، ولا نعني من القتل إلا كسر قوّته وتنجية أسيرِه.
فحاصل الكلام أن الذي يقال له الشيطان الرجيم، هو الدجّال اللئيم والخنّاس القديم، وكان قتله أمرًا موعودًا، وخَطْبًا معهودًا، ولذلك ألزمَ الله كافّةَ أهل الملّة، أن يقرأوا لفظ “الرجيم” قبل قراءة الفاتحة وقبل البسملة، ليتذكر القارئ أن وقت الدجّال لا يجاوز وقتَ قومٍ ذُكروا في آخر آية من هذه الآيات السبعة. وكان قدرُ الله كُتِبَ مِن بدء الأوان أنه يقتُل الرجيم المذكور في آخر الزمان، ويستريح العبادُ مِن لدغ هذا الثعبان. فاليوم وصل الزمان إلى آخر الدائرة، وانتهى عمر الدنيا كالسبع المثاني إلى السابعة من الألوف الشمسية والقمرية. اليوم تجلّى الرجيم في مظهرٍ هو له كالحُلل البروزية، واختُتم أمرُ الغيّ على قوم اختُتمَ عليه آخرُ كَلِمِ الفاتحة. ولا يفهم هذا الرمزَ إلا ذو القريحة الوقّادة، ولا يُقتَل الدجّال إلا بالحربة السماوية، أَي بفضلٍ من الله لا بالطاقة البشرية، فلا حربَ ولا ضربَ ولكن أمرٌ نازل من الحضرة الأحدية. وكان هذا الدجّال يبعث بعض ذراريه في كل مائة من مِئِينَ، ليُضِلّ المؤمنين والموحّدين والصالحين والقائمين على الحق والطالبين، ويهُدّ مبانيَ الدين، ويجعل صحف الله عِضِينَ. وكان وعدٌ من الله أنه يُقتَل في آخر الزمان، ويغلب الصلاحُ على الطلاح والطغيان، وتُبدَّل الأرض ويتوب أكثر الناس إلى الرحمن، وتُشرِق الأرض بنور ربّها، وتخرج القلوب من ظلمات الشيطان. فهذا هو موت الباطل وموت الدجّال وقتل هذا الثعبان. أم يقولون إنه رجل يُقتَل في وقت من الأوقات؟ كلا .. بل هو شيطان رجيم أبو السيئات، يُرجَم في آخر الزمان بإزالة الجهلات، واستيصال الخزعبيلات. وعدٌ حقٌّ من الله الرحيم، كما أُشير في قوله: {الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.} فقد تمّت كلمة ربنا صدقًا وعدلًا في هذه الأيام، ونظَر الله إلى الإسلام، بعدما عنَّتْ به البلايا والآلام، فأنزل مسيحَه لقتل الخنّاس وقطع هذا الخصام. وما سُمِّيَ الشيطان رجيمًا إلا على طريق أنباء الغيب، فإن الرجم هو القتل من غير الريب. ولما كان القدر قد جرى في قتل هذا الدجّال عند نزول مسيح الله ذي الجلال، أخبر الله مِن قبل هذه الواقعة تسليةً وتبشيرًا لقوم يخافون أيام الضلال“.
(المصدر: كتاب إعجاز المسيح )