Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

معنى {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

قال الامام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني ، المسيح الموعود   :

 

{الْحَمْدُ لله} أي جميع المحامد متحققة في ذلك المعبود الحقيقي الجامع لجميع الصفات الكاملة الذي اسمه الله.” لقد بيّنتُ من قبل أن اللهفي مصطلح القرآن الكريم هو اسم ذلك الذات الكامل الذي هو المعبود الحق والجامع لجميع الصفات الكاملة والمنزَّه عن جميع الرذائل، وهو واحد لا شريك له، وهو مبدأ جميع الفيوض. ولأنه سبحانه وتعالى قد جعل في كلامه المقدس (القرآن الكريم) اسمَه اللهموصوفا لكافة أسمائه وصفاته الأخرى، ولم يجعل لأيٍّ من الأسماء الأخرى هذه المنزلة، لذا فإن الاسم الله؛ يدل لكونه الصفة التامةعلى كافة الصفات التي وُصف بها، ولأنه قد جُعل موصوفا لجميع الأسماء والصفات، لذا فإن مفهومه هو أنه يشمل جميع الصفات الكاملة. إن ملخص {الْحَمْدُ لله} هو أن كافة أنواع الحمد ظاهرية كانت أم باطنية أو باعتبار الكمالات الذاتية أو عجائب القدرة خاصةٌ بالله تعالى ولا شريك له فيها. وكذلك إن جميع المحامد الصحيحة والكمالات التامة والصفات الحسنة التي يمكن أن يتفكر به عاقل أو يمكن أن تخطر ببال متفكر موجودة في ذات الله تعالى. وليس هناك ميزة يمكن أن يشهد العقل بإمكانية وجودها ويكون الله محروما منها مثل الشقيّ. فلا يسع عقل عاقل أن يطلع على ميزة لا توجد في الله، بل مهما فكر الإنسان بمزايا فإنها موجودة كلها في ذات الله تعالى، وهو حائز على الكمال في ذاته وصفاته ومحامده من كل الوجوه، ومنزَّه من الرذائل كلها.

(المصدر : كتاب البراهين الأحمدية، الجزء الرابع )

قال الامام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني ، المسيح الموعود   :

 

اعلمْ أن الحمد ثناءٌ على الفعل الجميل لمن يستحق الثناء، ومدحٌ لمنعِمٍ أنعمَ من الإرادة وأحسنَ كيف شاء. ولا يتحقق حقيقةُ الحمد كما هو حقُّها إلا للذي هو مَبْدَءٌ لجميع الفيوض والأنوار، ومُحسِنٌ على وجه البصيرة، لا مِن غير الشعور ولا من الاضطرار، فلا يوجد هذا المعنى إلا في الله الخبير البصير، وإنه هو المحسن ومِنْه المِننُ كلها في الأول والأخير، وله الحمد في هذه الدار وتلك الدار، وإليه يرجع كلُّ حمد يُنسَب إلى الأغيار.

ثم إن لفظ الحمد مصدرٌ مبنيٌّ على المعلوم والمجهول، وللفاعل والمفعول من الله ذي الجلال، ومعناه أن الله هو محمَّدٌ وهو أحمدُ على وجه الكمال. والقرينة الدالة على هذا البيان، أنه تعالى ذكر بعد الحمد صفاتٍ تستلزم هذا المعنى عند أهل العرفان. والله سبحانه أومأ في لفظ الحمد إلى صفات توجد في نوره القديم، ثم فسّر الحمدَ وجعَله مُخدَّرةً سفَرتْ عن وجهها عند ذكر الرحمن والرحيم. فإن الرحمن يدل على أن الحمد مبني على المعلوم، والرحيم يدل على المجهول كما لا يخفى على أهل العلوم“.

(المصدر: كتاب إعجاز المسيح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

” {الْحَمْدُ لِله} هو الثناء باللسان على الجميل للمقتدر النبيل على قصد التبجيل، والكامل التام من إفراده مختصٌّ بالرب الجليل، وكل حمدٍ من الكثير والقليل، يرجع إلى ربنا الذي هو هادي الضال ومُعِز الذليل، وهو محمود المحمودين. والشكر يُفارق الحمدَ بخصوصيته بالصفات المتعدية عند أكثر العلماء، والمدحُ يفارقه في جميلٍ غير اختياريٍّ كما لا يخفى على البُلغاء والأدباء الماهرين.

وإن الله تعالى افتتح كتابه بالحمد لا بالشكر ولا بالثناء، لأن الحمد يُحيط عليهما بالاستيفاء، وقد ناب منابَهما مع الزيادة في الرِّفاء وفي التزيين والتحسين. ولأن الكُفّار كانوا يحمدون طواغيتهم بغير حق، ويؤثرون لفظ الحمد لمدحهم ويعتقدون أنهم منبع المواهب والجوائز ومن الجوّادين؛ وكذلك كان موتاهم يُحمَدون عند تعديد النوادب، بل في الميادين والمآدب، كحمد الله الرازق المتولي الضمين؛ فهذا ردٌّ عليهم وعلى كل من أشرك بالله وذكرٌ للمتوسّمين. وفي ذلك يلوم الله تعالى عَبَدةَ الأوثان واليهود والنصارى وكل من كان من المشركين. فكأنه يقول أيها المشركون .. لِمَ تحمدون شركاءكم وتُطرُون كبراءكم؟ أهم أربابكم الذين ربّوكم وأبناءكم؟ أم هم الراحمون الذين يرحمونكم ويردّون بلاءكم، ويدفعون ما ساءكم وضَرَّاءكم، ويحفظون خيرًا جاءكم، ويَرحَضون عنكم قَشَفَ الشدائد ويداوون داءكم، أم هم مالِكُ يوم الدين؟ بل الله يُربّي ويرحم بتكميل الرفاء، وعطاء أسباب الاهتداء، واستجابة الدعاء، والتنجية من الأعداء، وسيعطي أجر العاملين الصالحين.

وفي لفظ الحمدإشارة أخرى وهي أن الله تبارك وتعالى يقول أيها العباد اعرفوني بصفاتي، وتعرّفوني بكمالاتي، فإني لست كالناقصين، بل يزيد حمدي على إطراء الحامدين، ولن تجد محامدًا لا في السماوات ولا في الأرضين إلا وتجدها في وجهي، وإن أردتَ إحصاء محامدي فلن تحصيها، وإن فكّرتَ بشقّ نفسك وكلفت فيها كالمستغرقين. فانظر هل ترى مِن حمد لا يوجد في ذاتي؟ وهل تجد من كمال بُعِّدَ مني ومن حضرتي؟ فإن زعمت كذلك فما عرفتني وأنت من قوم عمين. بل إنني أُعرَف بمحامدي وكمالاتي، ويُرَى وابلي بسُحُبِ بركاتي، فالذين حسبوني مستجمِعَ جميعِ صفات كاملة وكمالات شاملة، وما وجدوا من كمال وما رأوا من جلال إلى جولانِ خيال، إلا ونسبوها إليَّ، وعزوا إليّ كل عظمة ظهرت في عقولهم وأنظارهم، وكلَّ قدرة تراءت أمام أفكارهم، فهم قوم يمشون على طرق معرفتي، والحق معهم وأولئك من الفائزين.

فقوموا، عافاكم الله، واستقرِئوا محامده عزَّ اسمه، وانظروا وأمعِنوا فيها كالأكياس والمتفكرين. واستنفِضوا واستشِفّوا أنظاركم إلى كل جهة كمال وتَحسَّسوا منه في قَيْض العالم ومُحِّه، كما يتحسس الحريص أمانيه بشُحّه، فإذا وجدتم كماله التام وريّاه، فإذا هو إيّاه، وهذا سرّ لا يبدو إلا على المسترشدين. فذلكم ربكم ومولاكم الكامل المستجمِع لجميع الصفات الكاملة، والمحامد التامة الشاملة، ولا يعرفه إلا من تدبر في الفاتحة، واستعان بقلب حزين. وإن الذين يُخلصون مع الله نيّةَ العقد، ويعطونه صفقة العهد، ويُطهّرون أنفسهم من الضغن والحقد، تُفتح عليهم أبوابها فإذا هم من المبصرين.

ومع ذلك فيه إشارة إلى أنه مَن هلَك بخطاه في أمر معرفة الله تعالى، أو اتخذ إلها غيره، فقد هلك مِن رفضِ رعاية كمالاته وتركِ التأنق في عجائباته، والغفلةِ عما يليق بذاته، كما هو عادة المبطلين. ألا تنظر إلى النصارى أنهم دُعوا إلى التوحيد، فما أهلكهم إلا هذه العلّة، وسوّلتْ لهم النفسُ المضلّة، والشهوة المُزِلّة، أن اتخذوا عبدًا إلهًا، وارتضعوا عُقار الضلالة والجهالة، ونسوا كمال الله تعالى وما يجب لِذاته، ونحتوا لله البنات والبنين. ولو أنهم أمعنوا أنظارهم في صفات الله تعالى وما يليق له من الكمالات لما أخطأ توسُّمُهم وما كانوا من الهالكين. فأشار الله تعالى ههنا أن القانون العاصم من الخطأ في معرفة البارئ، عز اسمه، إمعانُ النظر في كمالاته، وتتبُّعُ صفات تليق بذاته، وتذكُّر ما هو أولى من جدوى، وأحرى من عدوى، وتصوُّرُ ما أثبتَ بأفعاله من قوّته وحوله وقهره وطَوْله، فاحفَظْه ولا تكنْ من اللافتين. واعلم أن الربوبية كلها لله، والرحمانية كلها لله، والرحيمية كلها لله، والحكم في يوم المجازاة كله لله، فإياك وتَأَبِّيك مِن مطاوعةِ مُربّيك، وكُنْ من المسلمين الموحّدين. وأشار في الآية إلى أنه تعالى مُنزّه مِن تجدُّد صفةٍ، وحُؤول حالةٍ، ولُحوق وصمةٍ، وحَوْرٍ بعد كَوْرٍ، بل قد ثبَت الحمد له أوّلا وآخرا، وظاهرا وباطنا، إلى أبد الآبدين. ومن قال خلاف ذلك فقد احْرَوْرَف وكان من الكافرين.

وقد علمتُ أن هذه الآية ردٌّ على النصارى وعَبَدةِ الأوثان، فإنهم لا يوفون الله حَقَّه، ولا يرجون له بَرْقَه، بل يُغدِفون عليه ستارة الظلام، ويلقونه في سبل الآلام، ويُبعدونه من الكمال التام، ويُشركون به كثيرا من المخلوقين. فهذا هو الظن الذي أرْداهم، والتقليد الذي أبادهم وأهلكهم، بما عوّلوا على أقوال المفترين، وزعموا أنهم من الصادقين. وقالوا إن هذه في الآثار المنتقاة المدوَّنة عن الثقات، وما تَوجَّهوا إلى عثر آبائهم، وجهلِ عُلمائهم، وتشريقهم وتغريبهم من مراكز تعاليم النبيين، وتَيْهِهم في كل واد هائمين. والعجب من فهمهم وعقلهم أنهم يعلمون أن الله كامل تام لا يجوز فيه نقصٌ وشُنْعَة وشحوب وذهول، وتغيُّرٌ وحُؤول، ثم يُجوِّزون فيه كثيرا منها، وينسبون إليه كلَّ شقوة وخسران، وعيب ونقصان، ويكذّبون ما كانوا صدّقوه أوّلًا ويهذون كالمجانين.

وفي لفظ الحمد لله تعليم للمسلمين أنهم إذا سُئلوا وقيل لهم من إلهكم .. فوجَب على المسلم أن يجيبه أن إلهي الذي له الحمد كله، وما مِن نوعِ كمال وقدرة إلا وله ثابت، فلا تكن من الناسين. ولو لاحظَ المشركين حظُّ الإيمان، وأصابهم طلٌّ من العرفان، لما طاحَ بهم ظنُّ السوء بالذي هو قيّوم العالمين. ولكنهم حسبوه كرجل شاخَ بعد الشباب، واحتاج بعد صمديّته إلى الأسباب، ووقعت عليه شدائدُ نُحولٍ وقُحول، وقَشَفُ مُحول، ووقع في الإتراب، بل قرب من التباب، وكان من المتربين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

لقد استُهلَّت هذه السورة بـ {الْحَمْدُ لِله} ومعناه أن الحمد والثناء كله مسلَّم به للذي اسمه الله.” وقد بُدئ بجملة {الْحَمْدُ لِله} لأن الغاية المتوخاة هي أن تكون عبادة الله بحماس الروح والجذب الطبيعي. ولا يمكن أن ينشأ الجذب المليء بالعشق والحب إلا إذا ثبت أن هذا الممدوح جامع الكمالات الكاملة التي بسببها يمدحه القلب تلقائيا. والمعلوم أن الحمد الكامل يليق بميزتين اثنتين: كمال الحسن وكمال الإحسان. وإذا اجتمعت في أحد هاتان الميزتان يفديه القلبُ عفويا. الهدف الأكبر من القرآن الكريم هو أن يُظهر كلتا الميزتين لله تعالى على الباحثين عن الحق لكي ينجذب الناس إلى ذلك الذات الذي لا نظير له ولا مثيل وأن يعبدوه بحماس الروح. لذا فقد أراد الله أن يرسم صورة جميلة في السورة الأولى؛ كم يتحلى الإله الذي يدعو إليه القرآن بصفات عظيمة. فلهذا السبب استُهِلَّت هذه السورة بالحمد لله ومعناه أن الحمد كله للذات الذي اسمه الله.” وبحسب مصطلح القرآن إن اسم اللههو للذات الذي بلغت فيه ميزات الحسن والإحسان منتهاها ولا توجد فيه منقصة. لقد اعتبر القرآن الكريمُ الاسم اللهوحده موصوفا بالصفات كلها. ليشار إلى أن اسم اللهلا يتحقق إلا إذا وُجدت فيه جميع الصفات الكاملة. فلما وُجدت فيه كل ميزة حسنة كان حسنُه ظاهرا جليا. فمن منطلق هذا النور سمُّي الله نورا في القرآن الكريم كما يقول: {الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالَْأرْضِ}. وكل نور ظل نورِه.

كذلك توجد في الله تعالى ميزات الإحسان أيضا بكثرة، أربعة منها بمنزلة أصل الأصول. والميزة الأولى بحسب ترتبيها الطبيعي هي التي ذُكرت في سورة الفاتحة في قوله تعالى: رب العالمين. ومعناها أن ربوبية الله أي خلقه والإبلاغ إلى الكمال المطلوب ساري المفعول في العالمين كله. أي أن العالم السماوي والأرضي وعالم الأجسام وعالم الأرواح وعالم الجواهر والأعراض وعالم الحيوانات وعالم النباتات وعالم الجمادات والعوالم الأخرى كلها تتربى بتربيته لدرجة أن العوالم التي تطرأ على الإنسان بدءا من النطفة أو حتى من قبلها إلى الموت أو إلى الحياة الأخرى كلها تستفيض من ينبوع ربوبيته. فربوبية الله تُسمَى بالفيض الأعم لكونه يشمل الأرواح والأجسام والحيوانات والنباتات والجمادات وغيرها لأن كل موجود ينال الفيض منه ووجود كل شيء يتوقف عليه. ولكن مع أن ربوبية الله هي التي أوجدت كل موجود وتربيه ولكن فائدتها الكبرى من منطلق الإحسان تصل إلى الإنسان لأنه يستفيد من كل خلق من مخلوقات الله. لذا فقد ذكِّر الإنسانُ أن إلهك رب العالمين وذلك لكي تتقوى آمال الإنسان وليستيقن أن قدرات الله واسعة جدا لفائدتنا وهو قادر على أن يُظهر للعيان عوالم الأسباب المختلفة.

وصفة الله الحسنة الثانية هي الإحسان من الدرجة الثانية التي يمكن تسميتها بالفيض العام هي الرحمانية التي ذُكرت في سورة الفاتحة في {الرَّحْمَنِ.} ولقد سمِّي الله {الرَّحْمَنِ} في مصطلح القرآن لأنه قد أعطى كل حيوان بما فيه الإنسان أيضا صورة وسيرة تناسبانه أي أعطاه جميع القوى والقدرات وتكوين الجسم والأعضاء التي كان بحاجة إليها أو كانت تناسبه نظرا إلى أسلوب الحياة التي أُريدت له. ثم هيأ له الأشياء الضرورية لبقائه. وأعطى الطيور والدواب قوى تناسبها وأعطى الإنسان قدرات تناسبه. وليس ذلك فحسب بل خلق قبل هذه الأشياء كلها بصفة رحمانيته الأجرامَ الأرضية والسماوية لكي تحافظ على هذه الأشياء. فتبين من هذا البحث أنه لا دخل للعمل في رحمانية الله. بل هي الرحمة البحتة التي وُضع أساسها قبل وجود هذه الأشياء بمدة طويلة. صحيح أن الإنسان نال النصيب الأكبر من رحمانية الله لأن كل شيء يُضحَّى من أجل نجاحه هو. لذا قد ذُكِّر الإنسان أن إلهك رحمن.

الميزة الثالثة وهي الإحسان من الدرجة الثالثة وهي الرحيمية التي ذُكرت في سورة الفاتحة بـ {الرَّحِيمِ.} والرحيم يُطلق على الله في مصطلح القرآن الكريم لأنه يجيب دعاء الناس وتضرعاتهم ويقبل أعمالهم الصالحة ويحميهم من الآفات وضياع الأعمال. وهذا الفيض يسمَّى بتعبير آخر بالفيض الخاص، وهو خاص بالبشر فقط. ولم يعط الله تعالى الأشياء الأخرى مَلكة الدعاء والتضرع والأعمال الصالحة بل أعطاها الإنسانَ فقط. الإنسان حيوان ناطق ويستطيع أن ينال فيضا من الله تعالى بنطقه أيضا أما الأشياء الأخرى فما أُعطيت النطق. فيتبين من هنا أن دعاء الإنسان ميزة إنسانيته التي وُضعت في فطرته. وكما ينال الفيض من صفات الله الربوالرحمنكذلك ينال من صفته الرحيم. والفرق الوحيد هو أن صفة الربوبية والرحمانية لا تقتضيان الدعاء لأنهما لا تخصان الإنسان فقط

بل تفيد الطيور والدواب كلها أيضا من فيضهما. وإن صفة الربوبية تفيد الحيوانات والنباتات والجمادات والأجرام الأرضية والسماوية كلها ولا يخرج شيء من دائرة فيضه وذلك على النقيض من صفة الرحيمية التي هي خلعة خاصة بالإنسان ولو لم يستفد منها مع كونه إنسانا فهو يساوي الحيوانات بل الجمادات وإن جعل الله تعالى في نفسه أربع صفات للإفاضة. وقد جعل الرحيمية التي تقتضي الدعاء خاصة بالإنسان. فتبين من ذلك أن في الله تعالى فيضا خاصا مرتبطٌ بالدعاء فلا يُنال بدونه. هذه هي سنّة الله وقانونه الذي لا يتغير ولا يتبدل. لهذا السبب ظل الأنبياء عليهم السلام جميعا يدعون لأممهم دائما. اقرأوا في التوراة كم مرة أشرف بنو إسرائيل على العذاب بإسخاطهم الله تعالى؟ ثم انظروا كيف زال عنهم العذاب نتيجة دعاء موسى وتضرعه وسجوده مع أنهم قد أُنذروا بالهلاك مرارا وتكرارا.

يتبين من كل هذه الأحداث أن الدعاء ليس لغوا، كذلك العبادة التي لا ينزل عليها فيضٌ ليست لغوا. هذه أفكار الذين لا يقدرون الله حق قدره، ولا يتعمقون في كلام الله ولا يتدبرون ولا يرفعون النظر إلى قانون الله السائد في الطبيعة. الحق أن الفيض ينزل بالدعاء حتما وينجّينا. هذا ما يسمى فيض الرحيمية الذي بسببه ينال الإنسان تقدما إثر تقدم. ونتيجة الفيض نفسه يصل إلى مرتبة الولاية ويوقن بالله وكأنه يراه بأم عينيه. إن مسألة الشفاعة أيضا مبنية على الرحيمية. إن رحيمية الله هي التي اقتضت أن يشفع الصالحون للطالحين.

إن إحسان الله الرابعَ، وهو الصفة الرابعة التي يمكن تسميتها بالفيض الأخص هو مالك يوم الدين، وقد ذُكر في سورة الفاتحة بقوله تعالى: مالك يوم الدين. والفرق فيها وفي صفة الرحيمية هو أن حق النجاح في الرحيمية يقوم بواسطة الدعاء والعبادة، وتُعطى ثمارها بواسطة صفة: مالك يوم الدين. مَثل ذلك كمثل شخص يجتهد في حفظ قانون الحكومة ويتقدم للامتحان ببذل قصارى مجهوده وينجح فيه. إذًا، إن الاستحقاق للنجاح تحت تأثير الرحيمية يشبه نجاح هذا المتقدم للامتحان. ثم حصوله على شيء أو مرتبة حاز النجاح من أجلها يشبه حالة استفادة الإنسان من الفيض الذي يتأتّى بفيض صفة مالكية يوم الدين. ففي الصفتين الرحيمية ومالكية يوم الدين إشارة إلى فيض الرحيمية الذي يتسنى نتيجة رحمة الله وفيض المالكية يُنال بفضل مالكية الله ليوم الدين. مع أن مالكية يوم الدين سوف تتجلى بصورة أوسع وأكمل في عالم المعاد ولكن تلك الصفات الأربعة تتجلى في هذا العالم أيضا بحسب دائرة هذا العالم. الربوبية تضع أساسا لفيض عام، والرحمانية تُري هذا الفيض عيانا في ذوي نفوس منفوسة. أما الرحيمية فتُظهر أن خط الفيض الممتدَ ينتهي على الإنسان. والإنسان حيوان لا يسأل الفيض بالحال فقط بل باللسان. ومالكية يوم الدين تهب الثمرة الأخيرة للفيض. وهذه الصفات الأربعة لا تزال تعمل في الدنيا. ولكن لما كانت دائرة الدنيا ضيقة وكذلك يرافق الإنسان الضعفُ والجهل وضيق الآفاق فإن الدوائر الواسعة جدا للصفات الأربعة تبدو له ضيقة كما تتراءى كرات النجوم الكبيرةُ من بعيد مثل النقاط فقط. ولكن ستتجلّى هذه الصفات الأربعة بالكامل في عالم المعاد. لذا إن عالم المعاد هو يوم الدين على وجه الحقيقة والكمال. ففي ذلك العالم تتجلّى كل من هذه الصفات الأربعة مضاعفةً أي بصورتها الظاهرية والباطنية أيضا؛ لذا ستبدو هذه الصفات الأربعُ ثمانيةً.

هذا ما أشير إليه حين قال الله تعالى بأن أربعة ملائكة يحملون عرش الله في الدنيا أما في ذلك اليوم فيحمله ثمانية، وهذا كلام مجازي طبعا. لأن هناك ملاكا منفصلا مكلَّفا بحسب كل صفة من صفات الله لذا قد ذُكر أربعة ملائكة عن الصفات الأربعة وعندما تتجلى الصفات الثمانية سيرافقها ثمانية ملائكة. ولأنهم قد تصبغوا بماهية صفات الألوهية وكأنهم يحملونها لذا استُخدمت كلمة الحمل على سبيل الاستعارة. الاستعارات الدقيقة مثلها توجد في كلام الله بكثرة وأُظهرت فيها الروحانية بصورة الحياة المادية. فباختصار إن الله تعالى متصف بهذه الصفات الأربعة العظيمة التي يجب على المسلم الإيمان بها. والذي يُنكر فيوض الدعاء وثمراته فكأنه يؤمن بثلاث صفات فقط بدلا من الأربع.

(المصدر: كتاب أيام الصلح)

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

لقد استُمد اسم محمدوأحمد” – صلى الله عليه وسلم من حمد.” فهذان اسمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهما مظهران للحمد.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1901/1/24م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

قد بدأ القرآن الكريم بـ {الْحَمْدُ لله} ليوعَز بذلك إلى اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .-

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1901/2/17م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

كل المحامد التي توجد في العالم هي محامد الله وحده في الحقيقة، وإليه تعود لأن الميزة التي يتحلى بها المصنوع إنما هي للصانع في الحقيقة. بمعنى أن الشمس ليست بالتي تنوِّر العالم كل يوم بل الله ينوره بنوره. ولا يرفع القمر ظلام الليل بل الله يرفعه. وليس السحاب الذي ينزِّل الماء بل الله ينزله. كذلك ما تراه عيوننا فإن رؤيته تأتي من عند الله. وما تسمعه الآذن فإن سمعها يأتي من عند الله. والعقل عندما يكتشف الأشياء فإن الكاشف الحقيقي هو الله تعالى. وما تبديه السماء والأرض من أوصاف جميلة، وما يظهر من الجمال والخضرة إنما هو صنع ذلك الصانع الذي صنع هذه الأشياء كلها بقدرته الكاملة. ثم لم يقتصر على الخلق فقط بل جعل الرحمة تحالفها إلى الأبد التي عليها يعتمد وجودها وبقاؤها. ثم لم يتوقف على هذه النقطة فقط بل أبلغ كل شيء أوج كماله الذي بسببه تتبين أهمية كل شيء. فهو المحسن والمنعم الحقيقي وهو جامع الصفات كلها. وهذا ما أشار إليه في قوله: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1904/6/24م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

تدبروا جيدا سورة الفاتحة التي تصور صورة القرآن الدقيقة وهي أم الكتاب، وقد ذُكرت فيها معارف القرآن الكريم كلها إجمالا. فقد بدأت السورة بجملة: {الْحَمْدُ لله} التي تعني أن المحامد كلها لله تعالى وحده. وفي ذلك تعليم أن المنافع كلها وجميع أنواع البحبوحة في الحياة تأتي من الله تعالى. ولأنه هو الذي يستحق الحمد والثناء كله لذا هو الذي يمكن أن يكون معطيا حقيقيا وإلا لاستلزم ذلك أنه ليس جديرا بأي حمد أو ثناء، وهذه كلمة الكفر. فكم هو تعليم جامع للتوحيد الموجود في {الْحَمْدُ لله} ويوجه الإنسان إلى عدم عبادة الأشياء الدنيوية وإلى أنها ليست نافعة في حد ذاتها، ويرسخ في الأذهان بكل جلاء ووضوح أن كل منفعة وربح حقيقي يأتي من الله تعالى وحده. فلأن المحامد كلها له وحده فآثروا الله تعالى دائما على كل منفعة وربح إذ لا معين سواه. إذا كان هناك أمر ليس فيه رضا الله فالأولاد أيضا يمكن أن يتحولوا إلى الأعداء بل يتحولون فعلا.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1901/8/31م)

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ما من دين سوى الإسلام يَعُدّ الله تعالى منزَّها عن جميع الرذائل ويعتبره متصفا بجميع المحامد الكاملة. إن عامة الهندوس يعتبرون آلهتهم شركاء في نظام الربوبية ويعدونها شريكة دائمة في أمور الألوهية. بل يزعمون أنها تغيّر مشيئة الله وتقلّب مقاديره رأسا على عقب. وكذلك يعتقد الهندوس عن كثير من الناس والدواب بل عن بعض الدواب غير النظيفة التي تأكل النجاسة أي الخنازير أيضا أن إلههم ظل يوُلَد على هيئتها بطريقة التناسخ في الأزمنة السابقة وظل ملوَّثا بجميع التلوُّثات والأنجاس التي تلازم تلك الدواب، وعانى مثلها من آفات الجوع والعطش والألم والمعاناة والهمّ والحزن والمرض والموت والذلة والخزي، والعجز وعدم القدرة. والمعلوم أن كل هذه المعتقدات تصم صفات الله وتحط من عظمته وجلاله الأزلي والأبدي. أما أتباع آريا سماج الذين ظهروا كإخوانهم المتحضرين ويزعمون أنهم يتبعون خطّ الفيداتماما، فهم ينكرون صفة الله الخالق نهائيا، ويعتبرون الأرواح غير مخلوقة وواجبة الوجود وموجودة بوجودها الحقيقي مثل ذات الله الكامل تماما، مع أن العقل السليم يعُدّ عيبا صريحا بحق الله تعالى أن يُدعى مالك الكون ومع ذلك لا يُعَدّ ربًّا وخالقا لأي شيء، وأن الحياة ليست قائمة بقيوميته، بل بوجودها الذاتي.

عندما يُعرض على العقل السليم أمران: هل الأنسب والأصلح لمحامد الله القادر القدير التامةِ أن يخلق جميع الموجودات مُظهرا قدرته الكاملة ويكون ربّها وخالقها وأن تنتهي سلسلة الكون كله إلى ربوبيته هو، وأن توجد في ذاته الكامل صفة الخالقية والقدرة التامة، وأن يكون بريئا من عيب الولادة والموت؛ أم يليق بشأنه أن يقال بأن كافة المخلوقات التي تحت قدرته وتصرفه ليست خلقه ولا يقوم وجودها على قيوميته ولا تحتاج إليه من أجل وجودها وبقائها، وليس هو سبحانه وتعالى خالقها أو ربّها، ولا توجد فيه صفة الخلق أو القدرة عليه، وليس منزَّها عن نقيصة الولادة والموت؟ فلا يفتي العقل قط أن مالك العالم كله ليس خالقه، وأن آلاف الصفات الحكيمة التي تتحلى بها الأرواح جاءت إلى حيِّز الوجود من تلقاء نفسها وليس لها خالق، ولا يفتي أن الذي يُسمَّى مالك تلك الأشياء كلها هو مالكها على سبيل الافتراض فقط. كذلك لا يفتي العقل أن يُعَدَّ عز وجل عاجزا عن الخلق أو يُعتبر فاقد القدرة وناقصا أو تُنسب إليه النجاسة وعادةُ أكل القذارة السيئةُ أو يُجازَ له الموت والألم والمعاناة والجهل وعدم العلم، بل يشهد العقل بكل صراحة أن الله تعالى يجب أن يكون منزّها عن جميع أنواع الرذيلة والنقص، ويجب أن يتحلى بكمال تام. والمعلوم أن الكمال التام مرتبط بالقدرة التامة، ولو لم تبق فيه القدرة التامة ولم يعد قادرا على خلق شيء ولم يتمكن من إنقاذ نفسه من كل عيب ونقيصة، لما بقي فيه الكمال التام أيضا. وإن لم يبق فيه كمال تام فيكون محروماً من المحامد الكاملة أيضا.

هذه هي حالة الهندوس والآريين، وأما جلال الله تعالى الذي يُظهره النصارى فهو أمر يفهمه العاقل من سؤال واحد. فمثلا لو سئل عاقل: هل يجوز للذات الكامل والأزلي والصمد الذي يكفي في حد ذاته لأعماله العظيمة التي ظل ينجزها منذ الأزل، وخلق الدنيا كلها دون الحاجة إلى الأب أو الابن، ووهب للأرواح والأجساد كلها قوى تحتاج إليها، وهو الحافظ والقادر والقيوم ومدبر الكون كله، بل خلَق قبل وجودهم نتيجة صفة رحمانيته كل ما كانوا بحاجة إليه، وخلق للناس دون انتظار عمل عامل منهمالشمس والقمر والنجوم التي لا تُعدّ ولا تُحصى، وخلق أيضا آلاف النِعم الأخرى التي توجد على الأرض بمحض فضله ورحمته، وما احتاج لابن لإنجاز أيٍّ من هذه الأعمال؛ هل يُعقَل أن يحتاج الإله الكامل نفسه من أجل المغفرة والنجاة مُبطلا جلاله وقدرته كلهافي الزمن الأخير للابن الناقص الذي ليس له أدنى نسبة مع الأب؛ إذ لم يخلق مثل الأبجزءا من السماء ولا قطعة من الأرض حتى تثبت ألوهيته، بل بيّن حالة عجزه في الإنجيل بما يلي: “فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ: لمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً.” (مَرْقُسَ 8 : 12 )

وقد قال اليهود عند الصلب أيضا بأنه لو صار حيًّا على مرأى منا لآمنا به، ولكنه ما حيِيَ ولم يقدم أيّ دليل على ألوهيته وقدرته الكاملة. بل إذا أظهر بعض المعجزات أيضا فكانت مما سبق أن أظهرها الأنبياء السابقون بكثرة بل ظهرت المعجزات من هذا القبيل من بِركة الماء أيضا. (انظروا إنجيل يوحنا، الإصحاح

5).

فملخص الكلام أنه لم يتمكن من إراءة آية على ألوهيته كما يتبين من عبارة الإنجيل المذكورة آنفا، بل وُلد من امرأة ضعيفة وواجه على حد قول المسيحيين طول عمره ذلة وهوانا وعدم قدرة كما يواجهها الأشقياء والتُعساء من الناس. وكذلك قبِل لنفسه حالة قذرة ببقائه أسيرا إلى مدة من الزمن في ظلمات الرَحم، وبولادته عبر طريق غير نظيف وما بقي تلوُّث من تلوثات البشرية وعيوبها لم يتورط فيه ذلك الابن المشوِّهُ لسمعة أبيه. وأضف إلى ذلك أنه اعترف في كتابه بجهله وعدم علمه وعدم قدرته وعدم كونه بارا. وقد اعتُبر ذلك العبد الضعيف ابنا لله دون مبرر مع أنه كان أقل من بعض الأنبياء العظام من حيث الفضائل العلمية والعملية، وكان تعليمه أيضا ناقصا إذ كان فرعا من شريعة موسى. فكيف يجوز إذن أن تُوجَّه إلى الله القادر القدير والأزلي والأبدي تهمةٌ أنه صار محتاجا في نهاية المطاف بعدما كان كاملا وصمدا وقادرا قديرا في ذاته إلى ابن ناقص كهذا، وفقدَ جلاله وعظمته كلها دفعة واحدة؟

لا يسعني أن أفهم على الإطلاق أن يجيز عاقل بحق ذلك الذات الكامل والجامع لجميع الصفات الكاملة، أنواع الذلة والإهانة من هذا القبيل. والمعلوم أنه لو نُقِّيت وقائع ابن مريم من المحامد الزائفة والعابثة، لكان ملخص وقائعه الصحيحة الواردة في الأناجيل أنه كان عبدا عاجزا وضعيفا ناقصا كبقية الناس، وكان أحد الأنبياء المطيعين لموسى عليه السلام .- وكان تابعا ومطيعا لنبي عظيم الشأن ولم يبلغ تلك العظمة بنفسه. أيْ كان تعليمه فرعا لتعليم عالٍ وما كان تعليما مستقلا. وقد أقرّ بنفسه كما ورد في الأناجيلبأنه ليس بارا ولا عالما بالغيب، وليس قادرا بل عبدٌ ضعيف. والواضح من بيان الإنجيل أنه قد دعا لنجاته مرارا أثناء الليلة قبل اعتقاله، وتمنّى أن يستجاب دعاؤه، ولكنه ما استُجيب. وكذلك ابتُلي من الشيطان كما يُبتلى العباد الضعفاء. فمن الواضح أنه كان ضعيفا وعاجزا بكل المعايير. ثم وُلد من مخرج معلومٌ عنه أنه طريق نجاسة وقذارة، وظل يعاني من الجوع والعطش والألم والمرض إلى مدة طويلة. وحدث ذات مرة أن ذهب إلى شجرة تين وقد أصابه سعار الجوع ولكن لم يكن في نصيبه شيء منه، لأن الشجرة كانت خالية من الثمار، ولم يقدر على أن يخلق بضع حبات من التين ليأكلها.

باختصار، بقي إلى مدة من الزمن في هذه الحالات من التلوُّثات حتى مات في نهاية المطاف بعد تحمُّل أنواع المعاناة بحسب إقرار المسيحيين ورُفع من هذه الدنيا. هنا نتساءل: هل يجب وجود هذه الصفات الناقصة في الإله القادر القدير؟ هل يُدعى قدوسا وذو الجلال من كان مليئا بهذه العيوب والنقائص؟ وهل يمكن أن يولد من بطن أم واحدة أي مريمخمسة أولاد فيصير أحدهم ابن الله بل الإله نفسه، وأما المساكين الأربعة الآخرون فما نالوا أدنى نصيب من الألوهية. فقد كان بمقتضى القياس أنه ما دام ممكنا أن يولَد إله من بطن مخلوق وليس ضروريا أن يولد إنسان من بطن الإنسان وحمار من بطن الأتان؛ فكان واجبا أنه لما وُلد من بطن المرأة إله ألا يولَد من البطن نفسه مخلوق آخر بعد ولادة الإله، بل جميع الأولاد الذين يتولّدون من هذا البطن يجب أن يكونوا آلهة، لكي يبقى ذلك الرحِم المقدس منزّها من شراكة ولادة المخلوق ويبقى منجمًا لخلق الآلهة فقط. فبناء على القياس المذكور كان ضروريا أن يجد إخوة المسيح عليه السلام وأخواته أيضا نصيبا من الألوهية. أما أمُّ هؤلاء الخمسة فكان من المفروض أن تكون رب الأرباب، لأن هؤلاء الخمسة استفاضوا منها من حيث القوى الروحانية والمادية. لقد افترى المسيحيون كثيرا في مديح ابن مريم دون مبرر، ولكن مع ذلك ما استطاعوا أن يخفوا نقاط ضعفه، بل أقروا بأنفسهم بتورطه في أنواع التلوّثات، ثم جعلوه ابن الله دون مبرر. مع أن اليهود والنصارى كلهم أبناء الله بحسب كتبهم المشبوهة، بل هم الآلهة ذاتها بحسب إحدى العبارات، ولكننا نرى أن البوذيين كانوا أفضل منهم في افترائهم واختراعهم، لأنهم لم يجيزوا لبوذا قط بعد أن اتخذوه إلهاولادته عبر طريق نجس وأكله النجاسة من أيّ نوع، بل كانوا يعتقدون أنه وُلد عن طريق الفم.

فالأسف كل الأسف أن المسيحيين قاموا بافتراءات كثيرة، ولكن لم يخطر ببالهم أن يفتروا قولًا بولادة المسيح عن طريق الفم وينقذوا إلههم من البول والنجاسة. ولم يخطر ببالهم أيضا ألا يجيزوا له الموت الذي ينافي حقيقة الألوهية كليا. ولم يخطر ببالهم أيضا أن يحذفوا من الإنجيل الأماكن التي ذُكر فيها اعتراف ابن مريم أنه ليس بارا وليس متعقلا ولم يأت باختياره، وليس عالما بالغيب وليس في قدرته استجابة الدعاء أيضا، بل ليس إلا عبدا ضعيفا وابن آدم مسكينا وجاء مرسَلا من قبل رب العالمين.

فملخص الكلام أن الصدق العظيم الذي يوجد في مضمون {الْحَمْدُ لله} لا يوجد في أي دين قط سوى الدين المقدس والطاهر؛ أي الإسلام. ولو قال أتباع برهمو بأنهم معترفون بهذا الصدق لكانوا كاذبين في قولهم هذا، لأني كتبت من قبل في هذا الموضوع بالذات أن البرهمو يقولون بأن الإله أبكم وغير قادر على النطق والكلام، وبأنه عاجز عن إلقاء إلهامه وعلومه أيضا. ويعتبرونه عاريا من الصفات الحقيقية التي يجب وجودها في الهادي الحقيقي والكامل. بل ما كان من نصيبهم قدرا ضئيلا من الإيمان أيضا ليعتقدوا أن الله تعالى أظهر وجوده وألوهيته في الدنيا بإرادته واختياره؛ بل يقولون خلاف ذلك بأنه تعالى كان لا يزال في زاوية الخمول مثل ميت أو حجر، حتى اكتشف العقلاء وجوده باجتهاداتهم وأذاعوا ألوهيته في الدنيا. فالمعلوم أنهم أيضا ينكرون مثل إخوتهم محامد الله الواحد الأحد الكاملة. بل ينسبون إلى أنفسهم المحامد كلها. (المصدر : كتاب البراهين الأحمدية، ص 365 – 371 الحاشية رقم 11)

إن هذا الفضل يعود إلى القرآن الكريم وحده أنه من ناحية يدحض الأديان الباطلة ويميط اللثام عن تعاليمها الباطلة ومن ناحية أخرى يقدم التعليم الصحيح والحقيقي الذي أبدى نموذجه في سورة الفاتحة إذ قد فنّد الأديان الباطلة بكلمة واحدة فقال الحمد لله، أي أن المحامد كلها أيا كان نوعها إنما هي لله تعالى. فقد أثبت ببيان هذه الكلمة أن الإله الذي يريد القرآنُ الكريم أن يؤمن به الناس منزَّه عن جميع العيوب ومتصف بالصفات الكاملة كلها لأن لفظ اللهيُطلق على مَن لا عيب فيه قط. والكمال نوعان، إما من حيث الحسن أو من حيث الإحسان. فهذا اللفظ يشمل كِلَي الكمالين. الكلمات التي اختارتها الأمم الأخرى لتسمية الله ليست جامعة مثله. وهذه الكلمة: “اللهتدحض وجود معبودي الأديان الباطلة وصفاتها كليا. خذوا المسيحيين مثلا فالإله الذي يؤمنون به هو ابن امرأة ضعيفة وعاجزة واسمه يسوع الذي خرج من بطن أمه مع ألم ومعاناة مثل الأجنة العاديين وتعرّض لأعراض مختلفة. فقد اضطرب بسبب الجوع والعطش وتحمل مصائب ومعاناة قاسية، وكان عرضة لجميع أنواع الضعف. وقد ضُرب في نهاية المطاف على أيدي اليهود وقد علّقوه على الصليب. فوضع يسوع هذا الذي يتبين من الإنجيل واتخذه المسيحيون إلها لو قُدّم أمام عاقل، هل له أن يقول بأن كل الصفات الكاملة توجد فيه ولا عيب فيه قط؟ كلا، بل سيَعتَبره أول وأكمل نموذج للضعف والنقائص البشرية. فكيف يمكن لمن يقول {الْحَمْدُ لله} أن يؤمن بإله ضعيف علِّق على الصليب ولُعن؟ فتبين من ذلك أن القرآن يدعو، مقابل المسيحيين، إلى إله لا يمكن أن يكون فيه عيب على الإطلاق. ثم انظروا إلى دين الآريين إذ يقولون إن إلهنا لم يخلق ذرات العالم وأرواح العالم قط بل كما هو

أزلي كذلك لذرات أجسامنا وغيرها أيضا وجودٌ مستقل بحذاء الله ولا تحتاج إليه من حيث وجودها وبقائها بل الله هو المحتاج إلى تلك الأشياء ولم يخلق شيئا.

فلا يصعب الفهم من هنا أن الذي ليس خالقا كيف يمكن أن يكون مالكا أيضا؟ كذلك يعتقدون أنه ليس رزاقا ولا كريما أو ما شابه ذلك لأن كل ما يناله الإنسان إنما هو نتيجة أفعاله ولا يمكن أن ينال شيئا أكثر من ذلك.

فقولوا الآن صدقا وحقا؛ أنّى للعقل السليم أن يرضى بالإله الذي يُنسب إليه هذا القدر الهائل من العيوب إلها. كذلك إن جملة {الْحَمْدُ لِله} تفند الأفكار السخيفة والخاطئة لجميع الأديان الباطلة ومعتقداتها التي توجد في العالم.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1903/5/10م)

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد ورد في كتب اللغة الموثوق بها مثل لسان العرب وتاج العروس أن لفظ الربيتضمن سبعة معان: المالك، السيد، المدبر، المربي، القيّم، المنعم، المتمم. فثلاثة من هذه المعاني السبعة تدل على عظمة الله الذاتية منها المالك. والمالك في لغة العرب يعني الذي له سيطرة تامة على مملوكه ويتصرف فيه ويستخدمه كيفما يشاء ويملك الحق عليه دون اشتراك غيره. وهذا اللفظ لا يمكن إطلاقه بمعناه الحقيقي أي بالمعنى الذي ذكرنا إلا على الله تعالى وحده لأن السيطرة التامة والتصرف التام ليس مسلَّما به إلا لله تعالى وحده.

(المصدر: كتاب منن الرحمن، ص 7 – 8 حاشية متعلقة)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

وأشار الله سبحانه في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى أنه هو خالقُ كل شيء ومنه كلُّ ما في السماوات والأرضين. ومِن العالَمين ما يوجد في الأرض مِن زُمر المهتدين وطوائف الغاوين والضالين، فقد يزيد عالَمُ الضلال والكفر والفسق وتركِ الاعتدال، حتى يُملأ الأرضُ ظلمًا وجورًا ويترُك الناس طرقَ الله ذا الجلال، لا يفهمون حقيقة العبودية، ولا يؤدّون حقّ الربوبية، فيصير الزمان كالليلة الليلاء، ويُداسُ الدين تحت هذه اللأواء. ثم يأتي الله بعالَمٍ آخر فتُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض وينْزل القضاء مُبدَّلًا من السماء، ويُعطَى للناس قلبٌ عارفٌ ولسانٌ ناطقٌ لشكر النعماء، فيجعلون نفوسهم كمَوْرٍ مُعبَّد لحضرة الكبرياء، ويأتونه خوفًا ورجاءً بطرفٍ مغضوض من الحياء، ووجهٍ مُقبِل نحو قبلة الاستجداء، وهمّةٍ في العبودية قارعةٍ ذُروةَ العلاء، ويشتدّ الحاجة إليهم إذا انتهى الأمر إلى كمال الضلالة، وصار الناس كسباعٍ أو نَعَمٍ من تغيُّرِ الحالة، فعند ذلك تقتضي الرحمة الإلهية والعناية الأزلية أن يُخلَق في السماء ما يدفع الظلام، ويهدم ما عمر إبليسُ وأقام، من الأبنية والخيام. فينْزل إمامٌ من الرحمن، ليذُبّ جنودَ الشيطان. ولم يزل هذه الجنود وتلك الجنود يتحاربان، ولا يراهم إلا من أُعطِيَ له عينان، حتى غُلَّ أعناقُ الأباطيل، وانعدمَ ما يُرى لها نوعُ سرابٍ من الدليل. فما زال الإمام ظاهرًا على العِدا، ناصرًا لمن اهتدى، مُعْلِيًا معالمَ الهدى، مُحيِيًا مواسمَ التُّقَى، حتى يعلم الناس أنه أَسَرَ طواغيتَ الكفر وشدَّ وِثاقَها، وأخَذ سباع الأكاذيب وغلَّ أعناقَها، وهدَم عمارةَ البدعات وقوّض قِبابَها، وجمَع كلمةَ الإيمان ونظم أسبابها، وقوّى السلطنةَ السماوية وسدَّ الثغور، وأصلح شأنها وسدّد الأمور، وسكّن القلوب الراجفة، وبكّت الألسنة المرجفة، وأنار الخواطرَ المظلمة، وجدّد الدولة المُخْلِقة.

وكذلك يفعل الله الفعّال، حتى يذهب الظلام والضلال، فهناك ينكص العدا على أعقابهم، وينكِّسون ما ضربوا من خيامهم، ويحلّون ما أرَّبوا من آرابهم.

ومِن أشرف العالَمين وأعجب المخلوقين، وجودُ الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين الصدّيقين، فإنهم فاقوا غيرهم في بثّ المكارم وكشفِ المظالم، وتهذيبِ الأخلاق وإرادة الخير للأنفس والآفاق، ونشرِ الصلاح والخير، وإجاحةِ الطلاح والضير، وأمرِ المعروف والنهيِ عن الذمائم، وسوقِ الشهوات كالبهائم، والتوجّهِ إلى ربّ العبيد، وقطعِ التعلّق من الطريف والتليد، والقيامِ على طاعة الله بالقوة الجامعة والعُدّة الكاملة، والصولِ على ذراري الشيطان بالحشود المجموعة والجموع المحشودة، وتركِ الدنيا للحبيب، والتباعُدِ عن مغناها الخصيب، وتركِ مائها ومرعاها كالهجرة، وإلقاءِ الجِران في الحضرة. إنهم قومٌ لا يتمضمضُ مُقْلتُهم بالنوم، إلا في حبّ الله والدعاء للقوم. وإن الدنيا في أعين أهلها لطيفُ البِنْية مليحُ الحِلْية، وأمّا في أعينهم فهي أخبثُ من العَذِرة، وأنتنُ عن المَيتة. أقبلوا على الله كلَّ الإقبال، ومالوا إليه كلّ الميل بصدق البال. وكما أن قواعد البيت مقدَّمة على طاقٍ يُعقَّد، ورُواقٍ يُمهَّد، كذلك هؤلاء الكرام مقدَّمون في هذه الدار، على كل طبقة من طبقات الأخيار. وأُرِيتُ أن أكملَهم وأفضلهم وأعرفهم وأعلمهم نبيُّنا المصطفى، عليه التحية والصلاة والسلام في الأرض والسماوات العُلى، وإنّ أشقى الناس قومٌ أطالوا الألسنة وصالوا عليه بالهَمْز وتجسُّس العيب، غيرَ مطّلعين على سرّ الغيب. وكم من ملعونٍ في الأرض يحمده الله في السماء، وكم من معظَّمٍ في هذه الدار يُهان في يوم الجزاء.

ثم هو سبحانه أشار في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى أنه خالقُ كل شيء وأنه يُحمَد في السماء والأرضين، وأن الحامدين كانوا على حمده دائمين، وعلى ذكرهم عاكفين، وإنْ مِن شيء إلا يسبِّحه ويحمَده في كل حين. وإن العبد إذا انسلخ عن إراداته، وتجرّدَ عن جذباته، وفنى في الله وفي طرقه وعباداته، وعرف ربَّه الذي ربّاه بعناياته، حمِده في سائر أوقاته، وأحبَّه بجميع قلبه بل بجميع ذرّاته، فعند ذلك هو عالَمٌ من العالَمين، ولذلك سُمّي إبراهيم أُمّةً في كتابِ أعلَمِ العالِمين.

ومن العالَمين زمانٌ أُرسِلَ فيهم خاتم النبيين، وعالَمٌ آخر فيه يأتي الله بآخرين من المؤمنين في آخر الزمان رحمةً على الطالبين، وإليه أشار في قوله تعالى: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الُأولَى وَالآخِرَة}، فأومأ فيه إلى أحمدَين وجعَلهما مِن نعمائه الكاثرة. فالأول منهما أحمدُ المصطفى ورسولنا المجتبى، والثاني أحمدُ آخرِ الزمان، الذي سُمّي مسيحًا ومهديًّا من الله المنّان. وقد استنبطتُ هذه النكتة من قوله: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فليتدبّرْ من كان من المتدبّرين“.

(المصدر: كتاب إعجاز المسيح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

العالم ما يُعلَم ويُخبَر عنه، وما يدل على الصانع الكامل الواحد المدبّر بالإرادة، ويلتَحِص الطالبَ إلى الإيمان به، وينصّه إلى المؤمنين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

وعرفتَ أن العالَمين عبارة عن كل موجود سوى الله خالقِ الأنام، سواء كان مِن عالم الأرواح أو من عالم الأجسام، وسواء كان من مخلوق الأرض أو كالشمس والقمر وغيرهما من الأجرام. فكلٌّ من العالَمين داخلٌ تحت ربوبية الحضرة“.

(المصدر: كتاب إعجاز المسيح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لم يقل الله هنا خالق العالمين1 بل قال رب العالمينلأن بعض الأقوام تُنكر الربوبية وتقول بأن كل ما نناله إنما هو بسبب أعمالنا. مثلا إذا كنا نحصل على الحليب فالسبب في ذلك أنه لو لم نتحول إلى جاموس أو بقرة على طريق التناسخ نتيجة ارتكابنا ذنبا لما وُجد الحليب أصلا. ولأن الخلق اسم للقطع والتمزيق فقد أورد بهذه المناسبة رب العالمينالذي هو أفضل من ذلك.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1900/11/10م)

 

1 قال رب العالمينلسبب آخر أيضا ليثبت أنه عالم البسائط وعالَم الأمر أيضا لأن الأشياء البسيطة من الأمر والمركبات من الخلق، منه.

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن الله تعالى إله العالم كله، وكما خلق المواد والأسباب لسد الحاجات الجسدية لكل المخلوقات، مشتركة بين الجميع دون التمييز بين الخلق وهو رب العالمين بحسب مبدئنا، وقد خلق الغلال والهواء والماء والضوء وغيرها من الأمور لكافة المخلوقات كذلك ظل يرسل المصلحين بين حين وآخر في كل زمان لإصلاح كل قوم. فيقول تعالى. {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1908/6/2م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

القرآن الكريم يدحض مذهب الوثنيين الذين يعتقدون أن أوثانهم هي مظاهر فحسب فيقول في مستهله: “الحمد لله رب العالمين.” لو لم يكن هناك فرق بين الخالق والمخلوق وكانوا سواسية لما قال رب العالمين.”

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1902/8/10م ، ص 8)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ثم وردت بعد ذلك كلمة: “رب العالمين.” وكما قلت من قبل إن الله جامع الصفات الكاملة كلها ومنزّه من العيوب كلها وبالغ أعلى نقطة من الحسن والجمال لكي ينجذب الناس تلقائيا إلى ذلك الإله الذي لا نظير له ولا مثيل، وأن يعبدوه بحماس الروح وجذبها. لذا فقد بيّن الإحسان كميزة أولى بذكر صفة رب العالمين التي بسببها تستفيد المخلوقات كلها من فيض الربوبية. ولكن الأديان الأخرى الموجودة حاليا كلها تنكر هذه الصفة أيضا. فمثلا يعتقد الآريون كما ذكرت قبل قليل أن كل ما يناله الإنسان إنما هو نتيجة أعماله وليس مستفادا من ربوبية الله تعالى قط؛ لأنهم ما داموا لا يعدّون الله تعالى خالق أرواحهم ويعُدّونها غير محتاجة إليه تماما لوجودها وبقائها فاضطروا لإنكار صفة الربوبية. كذلك المسيحيون أيضا ينكرون هذه الصفة لأنهم يعتقدون بالمسيح ربًّا لهم ويرددون ربنا المسيح، ربنا المسيحولا يؤمنون بالله ربَّ جميع ما في العالم بل يحسبون المسيح خارج فيض ربوبيته ويزعمونه ربا. كذلك الهندوس ينكرون هذه الحقيقة لأنهم يعدّون الأشياء الأخرى أربابا.

أتباع برهمو سماج أيضا ينكرون الربوبية التامة لأنهم يعتقدون بأن الله فعل دفعة واحدة ما كان سيفعله، وأن هذا العالم وكافة قواه التي خُلقت دفعة واحدة مسخرة في أعمالها على الدوام وأن الله لا يستطيع أن يتصرف فيها ولا يمكن أن يحدث فيها أيّ تغيّر، وأن الله تعالى عاطل الآن تماما بحسب زعمهم. فباختصار، بقدر ما نتأمل في الأديان المختلفة ونفحص معتقداتها نرى بوضوح تام أنها لا تؤمن بالله ربَّ العالمين. بل الحق أن هذه الميزة العظيمة التي نشاهدها في كل حين وآن ينبئ عنها القرآن الكريم وحده ويستأصل جميع المعتقدات الباطلة والسخيفة التي اخترعها أهل الأديان الأخرى المناقضة لهذه الصفة دفعة واحدة بهذه الكلمة الوحيدة.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1903/5/10م )

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد استهل الله تعالى القرآن الكريم بآية سورة الفاتحة {الحمد لله رب العالمين} أي أن الله تعالى يملك جميع الصفات الكاملة والطيبة. إن كلمة العالَمتشمل الأقوام المختلفة والأزمنة المختلفة والبلاد المختلفة أيضا. وفي استهلال القرآن الكريم بهذه الآية تفنيد الأقوام التي تعتبر ربوبية الله العامة وفيضه العميم مقتصرا على قومهم فقط ويظنون الأقوام الآخرين وكأنهم ليسوا عباد الله، وكأن الله خلقهم ثم رماهم كشيء رديء أو نسيهم، أو ليسوا من خلقه أصلا والعياذ بالله. كما أن اليهود والنصارى مثلا لا يزالون يظنون أن جميع الأنبياء الذين جاءوا إلى الآن هم من بني إسرائيل فقط وظل الله ساخطا على الأقوام الأخرى إذ وجدهم في الضلال والغفلة ومع ذلك لم يعبأ بهم قط. كما ورد في الإنجيل أيضا أن المسيح عليه السلام يقول بأني جئت إلى خراف بني إسرائيل فقط. فنقول هنا، مع افتراض المحال، بأن التفوه بكلمة تنم عن ضيق الآفاق إلى هذه الدرجة مع ادعاء الألوهية لَأمر يثير الاستغراب حقا. هل كان المسيح إله بني إسرائيل فقط دون الأمم الأخرى حتى قال مثل هذا الكلام الذي يعني أنه لا علاقة له مع إصلاح قوم آخر وهدايتهم. فباختصار، إن دين اليهود والنصارى هو أن جميع الأنبياء والرسل جاءوا من عائلتهم فقط ونزلت كتب الله تعالى في عائلتهم فقط. ثم انقطعت سلسلة الوحي والإلهام أيضا على عيسى عليه السلام بحسب معتقد المسيحيين وخُتم على إلهام الله.

كذلك يوجد من بين الآريين أيضا من يتمسكون بهذه الأفكار بمعنى أنه كما يجعل اليهود والمسيحيون النبوة والإلهام مقتصرا على عائلة إسرائيل ويحرمون الأقوام الأخرى من بركة الإلهام؛ فقد اعتنق الآريون أيضا المعتقد نفسه لسوء حظ بني البشر. بمعنى أنهم يعتنقون اعتقادا أن سلسلة وحي الله والإلهام لم تخرج عن نطاق الهند إذ يُنتخب رجال الدين أو الرسل الأربعة من هذا البلد دائما، ولم ينزل إلا الفيدا بالتكرار الدائم. وقد اختيرت دائما لغة السنكسريتية المستخدمة في الفيدا للإلهام.

فخلاصة الكلام أن هذين القومين لا يعتبران الله رب العالمين، وإلا ما من سبب لإنشاء الله علاقته مع قوم واحد فقط دائما التي تنم عن انحياز سافر مع أنه يُدعى رب العالمين وليس رب الإسرائليين أو رب الآريين فقط. فلتفنيد هذه الأفكار استهل الله تعالى القرآن الكريم بآية: {الحمد لله رب العالمين}، وقال في القرآن الكريم في عدة آيات إنه ليس صحيحا أن الأنبياء جاءوا من قوم معين أو في بلد معين فقط بل لم ينس الله تعالى أيّ قوم أو بلد. وقد قيل في القرآن الكريم بضرب أمثلة مختلفة بأنه كما أن الله تعالى ظل يربي أهل كل بلد بما يناسبهم كذلك متّع كل بلد وقوم بالتربية الروحانية أيضا كما يقول في القرآن الكريم: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}.

فالجدير بالقبول دون أي نقاش أن ذلك الإله الكامل والصادق الذي يجب على كل إنسان أن يؤمن به هو رب العالمين وأن ربوبيته ليست محدودة على قوم دون قوم. وهو ليس إلها إلى مدة معينة ولا لبلد معين بل هو رب الأقوام كلها ورب الأزمنة كلها ورب الأماكن كلها ورب البلاد كلها وهو مصدر الفيوض كلها. وكل قوة مادية وروحانية تأتي من عنده فقط، وببركته يتربي كل موجود وهو السند لكل وجود. وأن فيض الله عام ويحيط بكل الأقوام والبلاد والأزمنة لكيلا تكون لدى قوم شكوى وألا يقولوا بأن الله منّ على قوم كذا وكذا ولم يمنّ علينا، أو وجد قوم كذا وكذا كتابا منه ليهتدوا به ولكننا ما أُعطيناه، أو ظهر بوحيه وإلهامه ومعجزاته في زمن كذا وكذا ولكنه بقي مخفيا في زمننا. لذا فقد جلّى فيضا عاما ودفع الاعتراضات كلها من هذا القبيل وأبدى أخلاقه الواسعة إذ لم يحرم قوما من فيوضه المادية والروحانية ولم يحرم زمنا من الأزمنة.

(المصدر: كتاب رسالة الصلح)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

الحمد كله لله رب العالمين وخالقها. إن بعض الناس ينكرون خلق الله كما يقول الآريون عن الروح والمادة بأنها موجودة من تلقاء نفسها مثل الإله تماما. وأن قواها كلها أيضا تلقائية لا دخل فيها للإله. فإلى هذه الفِئة أشار الله تعالى في قوله: “رب العالمينودحضهم أيضا.

(المصدر: جريدة بدر؛ بتاريخ: 1908/1/9م )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن اسم الله هو رب العالمين، فهو الذي يربي العالم الروحاني والمادي. لو لم يُوْدِع الإنسانَ قوى مناسبة لما كان له أن يستفيد من النِعم. كذلك إن التقدم الروحاني بدون فضله محال.

(المصدر: جريدة بدر؛ بتاريخ: 1908/6/25م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

يقول الله تعالى بأني أنا الذي أربِّيكم في الحقيقة، ولولا تربية الله لما قدر عليها أحد. انظروا عندما يبتلي الله تعالى أحدا بمرض يهلك في الأخير مهما بذل الأطباء من الجهود. تأملوا في الطاعون مثلا، فقد بذل الأطباء قصارى جهودهم ولكنه لم يزل إلى الآن.

فالحق أن الخير كله منه سبحانه وتعالى وهو الذي يزيل السيئات. ثم يقول: {الحمد لله رب العالمين} أي هو الذي يستحق الحمد كله وهو الذي يربي العالمين كلها.

(المصدر: جريدة بدر؛ بتاريخ: 1903/7/31م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

{الحمد لله رب العالمين} أي المحامد كلها لله الذي هو رب العالمين جميعا أي ربوبيته محيطة بالعالمين كلها.

(المصدر: كتاب الحرب المقدسة ص19 )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لا مجال للنقاش في أن ما يوجد في الأجرام السماوية والعناصر من الصفات المادية والفانية موجود نفسه في الله تعالى كصفات روحانية وأبدية. وقد كشف الله تعالى علينا أن الشمس وغيرها ليست بشيء بحد ذاتها بل إن قدرة الله عز وجل العظيمة هي التي تنجز كل شيء في الخفاء. هو الله الذي يُلبس القمر رداء ذاته وينوّر الليالي الحالكة، ويدخل سبحانه وتعالى القلوب بنفسه وينوّرها ويتكلم بداخل الإنسان. هو الذي يلقي على قواه غطاء الشمس ويجعل النهار مظهرا لنور عظيم، ويجلّي أعماله المختلفة في الفصول المختلفة. إنها لقدرته سبحانه وتعالى التي تنزل من السماء وتسمّى المطر، وتجعل الأرض الجدباء مخضرّة وتسقي العطاشى. إنها لقوته التي تحرق بكونها نارا، وتجدد النَفَس بكونها هواء وتنضِّر الأزهار وتهبها رونقا وبهاء وتسوق السحاب وتوصل الصوت إلى الآذان. إنها لقدرته عز وجل وحده التي تجسدت بصورة الأرض وحملت على ظهرها البشر والحيوانات. ولكن هل هذه الأشياء آلهة حقا؟ كلا، بل هي مخلوقات ولكن قدرة الله ملتصقة بأجرامها التصاق اليد بالقلم. مع أننا نستطيع القول بأن القلم يكتب ولكنه لا يكتب في الحقيقة بل اليد هي التي تكتب. أو يمكن أن نقول بأن قطعة الحديد اتخذت هيئة النار بدخولها النار أي أنها تحرق وتضيء أيضا ولكن تلك الصفات ليست صفاتها بل هي صفات النار.

كذلك صحيح تماما من منطلق التحقيق أن كلّ ما هو مشهود ومحسوس من الأجرام الفلكية والعناصر الأرضية بل كل ذرة من العالم السفلي والعلوي من حيث خواصها الموجودة فيها هي أسماء الله تعالى وصفاته وقدرته التي تتجلى فيها خفية. فكلها كانت كلمات الله في البداية قد أظهرتها قدرته سبحانه وتعالى بأساليب مختلفة. قد يتساءل قليل العلم فيقول: كيف تجسّدت كلمات الله تعالى؟ وهل نقص شيء من ذات الله تعالى بسبب انفصالها عنه؟ ولكن عليه أن يفكّر أن الحرارة التي تجذبها العدسة المحدَّبة من الشمس لا تُقلّل من حرارة الشمس شيئا. كذلك الفواكه التي تنمو بتأثير القمر فلا تؤدي هذه التنمية إلى اضمحلال القمر. هذا هو سر معرفة الله ومركز نظام الله الروحاني كله أن العالم قد جاء إلى الوجود نتيجة كلمات الله فقط. وقد علّمنا القرآن الكريم المبدأ نفسه. فمن الممكن عندي أن يكون هذا هو المراد مما مدح به الفيدا النارَ أو الهواء ومما أثنى به على الشمس أن قدرة الله تعالى تعمل في كل هذه الأشياء بصلة متينة إذ أن الأجرام كلها بمنزلة القشر مقابله عز وجل وقدرة الله هي المغزى واللُبّ. وكل الصفات تعود إليه سبحانه وتعالى ، فهو الذي يجب أن يسمَّى النار والماء لأن أفعال هذه الأشياء ليست أفعالها في الحقيقة بل كلها أفعال الله تعالى. وإن قدراتها ليست قدراتها بل هي قدرات الله في الحقيقة، كما تشير آية سورة الفاتحة: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى الأمر نفسه. أي أن الأشياء السماوية والأرضية التي تعمل بأساليب مختلفة وطرق شتى للمحافظة على نظام العالم ليست هي العاملة بل إن قدرة الله هي التي تعمل من ورائها. كما قال تعالى في آية أخرى: {صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَأي أن الدنيا هي بمنزلة صرح من القوارير التي يجري من تحتها الماء بقوة. ويظن الجاهل أن القواير هي الماء بينما الماء هو تحتها.

كذلك قال تعالى في آية أخرى: {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِأي لا تظنوا أن الأرض تحملكم أو سفن البحر بل نحملكم نحن.

( المصدر : كتاب نسيم الدعوة)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

انظر كَم هي جامعةٌ كلمةُ {رب العالمين} هذه، إذ لو ثبت يومًا وجودُ مخلوقات في الأجرام الفلكية فسوف تكون تلك المخلوقات مشمولة في هذه الكلمة.

(المصدر: كتاب سفينة نوح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

{مالِكِ يومِ الدينِ} يعني أنه جعل في يده جزاءَ كل واحد، وليس له من وكيل فوض إليه تدبيرَ ملك السماوات والأرض، وقعد بنفسه جانبا لا يفعل شيئا، بينما يقوم أو سيقوم وكيله بمهمة المجازاة والعقاب.

(المصدر: كتاب فلسفة تعاليم الإسلام)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن المالككلمة تتلاشى بحذائها كل الحقوق، وإنما تُطلَق هذه الكلمة بالكامل على الله تعالى فقط لأنه هو المالك الكامل. والذي يجعل غيره مالكَ حياته وغيرها فإنه يقرّ بذلك أنه لم يعد له أيّ حق على حياته وماله وغيره ولم يعد أيّ شيء له بل صار كل شيء للمالك.

( المصدر: كتاب ينبوع المعرفة)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن معاقبة كل ذنب يتنافى مع أخلاق الله تعالى في العفو والصفح لأنه مالك وليس كالقاضي فقط كما سمّى نفسه مالكا في السورة الأولى من القرآن الكريم فقال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.} أي أن الله تعالى مالك الثواب والعقاب. والمعلوم أنه لا يمكن اعتبار أحد مالكا ما لم يعمل بكِلا الأمرين، أي يبطش إن شاء ويعفو إن يشاء.

(المصدر: كتاب ينبوع المعرفة)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد وردت في القرآن الكريم صفة الله مالك يوم الدينأيضا. من الممكن أن يكون الإنسان متمتعا بأحسن حال، كذلك يمكن أن تكون الطيور والدواب بحال أحسن منه أيضا. إن الدنيا عالم الامتحان الذي وُجد العالم الآخر لحله. توجد في هذا العالم بعض المعاناة وقد وعد الله أنه سيجزي عليها بالأفراح في العالم الثاني. فلو قال أحد هنا: لماذا فعل ولماذا لم يفعل كذا فجوابه أنه يملك حق التحكّم والمالكية أيضا. ففعل كما شاء ولا مجال لأحد ولا حق أن يعترض على فعل من أفعاله.

(المصدر: جريدة الحكم، بتاريخ 1908/5/30م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

يجتنب الإنسان الذنب نتيجة الجلال والهيبة فقط. وإذا علم أن الله تعالى شديد العذاب ومالك يوم الدين لحلت به هيبة تنقذه من اقتراف الذنب.

(المصدر: جريدة الحكم، بتاريخ 1901/12/10م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن قوله تعالى {مَالِكِ يَوْمِ الْدِّينِ} لا يعني أنّ عملية الجزاء والعقاب ستتمّ يوم القيامة فقط، كلا، بل قد صرّح القرآن المجيد مرارًا أن القيامة إنما هي موعد المجازاة الكبرى، غير أن نوعًا من المجازاة يبدأ ويتمّ في هذه الدنيا نفسها، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}

( المصدر : كتاب سفينة نوح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد قال تعالى: أنا مالك يوم الدين، والعقاب والأجر بيدي. إن سلسلة العقاب والأجر تبدأ من هذا العالم. فالذي ينقب في البيوت قد لا يُبطش به في المرة الأولى أو الثانية ولكن سيُبطش به في المرة الثالثة لا محالة أو يواجه العقوبة بطريقة أخرى. السارق يسرق لجمع الثروة ومع ذلك يبقى فقيرا معدَما وذليلا مهانا على الدوام فهل هذه عقوبة بسيطة؟. لقد تدبرنا هذا العالم جيدا ووجدنا أن الذي يكسب الحسنات بحماس القلب لا يحرم من نتيجة حسنة والذي يقترف السيئات يواجه عاقبتها الوخيمة حتما. انظروا إلى الزناة فهم يصابون بالزهري، والذي يتعاطى الخمور يصاب بالرعشة، وهناك من يصابون بخراجات في الأمعاء. فباختصار، إن منن الله واسعة جدا ولا يسع أحدا أن يحصيها. مَن أعطى الإنسان القوى التي جاء بها إلى الدنيا؟ ولو تفكر الإنسان لوجد أن القوى كلها تحت قدرة الله، فلو أراد الله لتوقف القلب عن العمل في لمح البصر ولهلك الإنسان فورا، ولكن من يريد أن يموت.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1908/6/25م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

في هذه الآيات ردٌّ على الذين ينكرون القيامة. لقد ورد تفصيل ذلك في القرآن الكريم في آيات عديدة. الفرق بين صفة الله هذه وبين الرحيمية هو أن النجاح في الرحيمية يُنال بالدعاء والعبادة ويكون هناك نوع من الاستحقاق، أما مالكية يوم الدين فتعطي ذلك الحق وتلك الثمرات.

(المصدر: جريدة الحكم، بتاريخ 1903/6/24م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

مالك يوم الدين: الملحدون يخالفون ذلك ويقولون إنه لا مجازاة أصلا. إن الذين ينكرون صفة الرحيمية لا يكسبون الأعمال إهمالا من عندهم أما هؤلاء الذين ينكرون وجود الله فيعرضون عن اكتساب الأعمال الصالحة قصدا منهم.

(المصدر: جريدة بدر، بتاريخ 1908/1/9م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد بيّن الله تعالى هنا في سورة الفاتحة أربعا من صفاته، أي: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، و {الرَّحْمَنِ} و {الرَّحِيمِ} و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.} لقد قدّم عز وجل صفة {رَبِّ الْعَالَمِينَ} على الصفات الأخرى كلها، ثم أورد {الرَّحْمَنِ} ثم {الرَّحِيمِ} ثم أورد {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} في الأخير. يجب التأمل الآن، لماذا اختار الله هذا الترتيب؟ الحكمة في ذلك أن هذا هو الترتيب الطبيعي لهذه الصفات الأربعة؛ فإنها تتجلى بهذا الترتيب على صعيد الواقع أيضا. وبيان ذلك أن فيض الله يوجد في الدنيا على أربعة أنواع، ويمكن لكل عاقل أن يدركها بالتدبر.

الفيض الأول هو الفيض الأعم. وهو فيض عام وساري المفعول بصورة متواصلة على كل شيء بدءا من الأفلاك إلى الأرضين، دون تمييز بين ذوي الأرواح وغيرهم. إن سبب مجيء كل شيء من العدم إلى حيّز الوجود ثم وصول الوجود إلى الكمال يعود إلى هذا الفيض، ولا يخرج عن نطاقه شيء سواء أكان ذا نفس منفوسة أم غيره. وبسببه وُجدت جميع الأرواح والأجساد، وبه تربّى ويتربّى كل شيء. إن هذا الفيض هو روح الكون كله، ولو انقطع للحظة واحدة لدُمِّر العالم كله. لولا هذا الفيض لما وُجد من المخلوقات شيء. لقد ذُكر هذا الفيض في القرآن الكريم بالربوبية، ومن هنا جاءت صفة الله {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وكذلك قال تعالى في آية أخرى: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍأي أن الله ربّ كل شيء ولا يخرج عن ربوبيته شيء قط. فقد ذكر الله تعالى في سورة الفاتحة صفة {رَبِّ الْعَالَمِينَ} قبل غيرها من بين صفات فيضه، فقال: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وذلك لأن صفة الربوبية حائزة على تقدُّم طبيعي على صفات الفيض كلها، أي أنها متقدمة على غيرها من حيث الظهور وأعَمُّها، لأنها تشمل كل شيء سواء أكان كائنا حيا أم غير حيّ.

والفيض الثاني الذي يأتي في المرتبة الثانية هو الفيض العام. والفرق بينه وبين الفيض الأعم هو أن الفيض الأعم يعني الربوبية العامة التي بسببها وُجد وظهر الكون كله. أما الفيض العام فهو بمنزلة فضل الله الأزلي المنصبِّ على ذوي النفوس المنفوسة. أيْ أن العناية الخاصة المنصبَّة على ذوي الأرواح بوجه خاص تُسمى الفيض العام. والمراد من هذا الفيض هو أنه جارٍ مجانا لكل ذي روح بحسب حاجتها دون أن يكون حقاً لأحد، وليس نتيجة عمل عامل. وببركة هذا الفيض يحيا كل ذي روح ويأكل ويشرب ويُحفظ من الآفات وتُسَدّ حاجاته ويتمتع بضروراته، كما نرى أن جميع أسباب الحياة المطلوبة لبقاء كل كائن حيّ أو لنوعه مهيأةٌ له. ومن بركة هذا الفيض أن أُعطيَت الأرواح كل ما تحتاج إليه لتربيتها المادية. وكذلك الأرواح التي تحتاج إلى التربية الروحانية أيضا إضافة إلى التربية المادية .. أي الذين يملكون قدرة على التقدم الروحاني؛ فقد ظل كلام الله ينزل لهم منذ القِدم عند حاجتهم بالضبط. فبسبب فيض الرحمانية هذا سُدّت حاجات ملايين الناس، بما فيها الأرض للسكن، والقمر والشمس للضوء، والهواء للتنفس، والماء للشرب، وأنواع الأرزاق للأكل، ومئات الآلاف من الأدوية للعلاج، ومختلف أنواع اللباس للكساء، والصحائف الربانية للاهتداء. ولا يسع أحدا أن يدّعي أن هذه الأشياء قد خُلقت ببركة أعماله. أو أن يقول بأنه كان قد عمل عملا حسنا في أثناء حياته السابقة، لذا أعطى الله تعالى بني آدم هذه النِعم التي لا تعدُّ ولا تُحصى. فثبت أن هذا الفيض الذي تجلى بآلاف الطرق لإراحة ذوي الأرواح، إنما هو عطية من الله دون استحقاق وليس عوضا عن عمل، بل هو جيشان رحمة الله لكي يصل كلُّ ذي نفس منفوسة إلى مطلوبه الفطري، وتتحقق جميع الحاجات المودَعة في فطرته.

إذن، فإن دور رحمة الله الأزلية في هذا الفيض هو أنها تهتم بحاجات الإنسان بل جميع الحيوانات أيضا، وتتنبه إلى بؤسهم وراحتهم حتى لا يَضِيعوا ولا تبقى مؤهلاتهم في حيز الكتمان. وإن وجود صفة الإفاضة في ذات الله تعالى ثابت بالبداهة بمشاهدة قانون الطبيعة، إذ لا يشك عاقل أن كل ما يوجد في الدنيا مثل الشمس والقمر والأرض وغيرها من النعم التي عليها مدار حياة كل كائن حيّ، قد وُجد نتيجة تأثير هذا الفيض. وكل ذي نفس منفوسة، دون التمييز بين إنسان ودابة، أو مؤمن وكافر، أو صالح وطالح يستفيض من هذا الفيض بحسب حاجاته، ولم يُحرم منه أيّ كائنٍ حي. وقد سمِّي هذا الفيض في القرآن الكريم بالرحمانية، ومن هذا المنطلق جاءت صفة الله {الرَّحْمَنِ} في سورة الفاتحة بعد صفة {رَبِّ الْعَالَمِينَ} كما يقول تعالى: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ.} وقد أشير إلى الصفة نفسها في عدة آيات أخرى أيضا في القرآن الكريم، منها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَامُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا * تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا * وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الَْأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًاأيْ عندما يقال للكافرين والملحدين أن اسجدوا للرحمن يتساءلون مظهرين نفورهم من اسم {الرَّحْمَنِ:} ما الرحمن؟ ثم قال عز وجل بنفسه جوابا عليهم: إن الرحمن ذات كثيرة البركات، ومصدر الخير الأبدي الذي جعل في السماء بروجا، وجعل فيها الشمس والقمر ليُهيئا الضوء لعامة الخلق دون تمييز بين كافر ومؤمن. إن عباد الله يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون بقسوة الكلام ردّوا عليهم بكلمات السلام والرحمة؛ أيْ يعاملونهم بالرفق مقابل القسوة، ويدعون لهم مقابل السب والشتم، ويتصبّغون بصبغة أخلاق الله الرحمن، لأن الرحمن أيضا يفيد العباد جميعا بالشمس والقمر والأرض وغيرها من النعم الكثيرة التي لا تُعد ولا تحصى دون تفريق بين صالح أو طالح. ففي هذه الآيات قد وضّح الله تعالى جيدا أن كلمة {الرَّحْمَنِ} تُطلق على الله لأن رحمته الواسعة تحيط بكل شخص سيئا كان أو بارا. وكذلك أشار عز وجل إلى الرحمة الواسعة نفسها في مكان آخر أيضا فقال: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍأي سأعذب مَن أراه يستحق العذاب فقط، أما رحمتي فمحيطة بكل شيء. وقال أيضا: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِأي قل للكافرين بأنه لو لم يكن الله متحليا بصفة {الرَّحْمَنِ} لما حظيتم بالحماية من العذاب. أي من بركة رحمانية الله تعالى أنه يمهل الكافرين والملحدين ولا يؤاخذهم بسرعة. وقد أشار إلى الرحمانية نفسها في آية أخرى فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُأي أن فيض الرحمانية محيط بكل كائن حيٍّ، حتى أن الطيور الرخيصة الثمن التي يمكن أن يُشترَى اثنان أو ثلاثة منها بمليم واحد، تسبح بكل سرور في بحر هذا الفيض الواسع. ولأن مرتبة هذا الفيض تأتي بعد الربوبية، فمن هذا المنطلق ذكر الله تعالى في سورة الفاتحة صفة {رَبِّ الْعَالَمِينَ} أولا، ثم بيّن صفة رحمانيته لكي يبقى الترتيب الطبيعي قائما.

والقسم الثالث للفيض هو الفيض الخاص. والفرق بينه وبين الفيض العام هو أنه ليس شرطا للمستفيض من فيض عام أن يصلح نفسه أو يُخرجها من الحُجُب المظلمة، أو يقوم بمجاهدة وسعي من نوع آخر. بل في حالة الفيض العام يهيئ الله تعالى من عنده كما قلت من قبل لكل كائن حي كل ما يحتاج إليه بمقتضى فطرته، ويعطيه دون سؤال وسعي. أما الفيض الخاص فيُشترَط له الجهدُ والسعي وتزكية القلب والدعاءُ والتضرع والتوجه إلى الله تعالى وكل مجاهدة أخرى بحسب مقتضى الحال. فلا يحظى بهذا الفيض إلا الذي يبحث، ولا ينزل هذا الفيض إلا على الذي يجاهد من أجله. وهذا الفيض أيضا ثابت من التفكر في قانون الطبيعة، لأنه من البديهي تماما أن المجاهدين في سبيل الله والغافلين عنه لا يستوون. مما لا شك فيه أن الذين يجاهدون في سبيل الله بصدق القلب ويجتنبون كل ظلمة وفساد تحالفهم رحمة خاصة. فمن منطلق هذا الفيض جاء اسم الله {الرَّحِيمِ} في القرآن الكريم. وإن هذه المرتبة لصفة الرحيمية لكونها خاصة ومشروطة بشروط ذُكرت في الأخير، لأن صفة الله الرحمانية تجلت أولا ثم الرحيمية. فبحسب هذا الترتيب الطبيعي ذُكرت صفة الرحيمية في سورة الفاتحة بعد الرحمانية، فقال تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.} وقد ورد ذكر صفة الرحيمية في آيات عديدة من القرآن الكريم منها: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًاأي أن رحيمية الله خاصة بالمؤمنين فقط، ولا نصيب فيها للكافر والمتمرد.

يجب الانتباه هنا إلى أن الله تعالى قد جعل صفة الرحيمية خاصة بالمؤمنين، ولم يجعل الرحمانية خاصة بهم في أيّة آية، ولم يقل في أيّ مكان: كان بالمؤمنين رحمانا. بل ذكر الرحمة الخاصة بالمؤمنين بصفة الرحيمية كل مرة. فقال في آية أخرى: {إِنَّ رَحْمَتَ اِلله قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَوقال أيضا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اِلله أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اِلله وَاُلله غَفُورٌ رَحِيمٌ} (البقرة: 218) أي أن فيض رحيمية الله تعالى يحالف حتما أولئك الذين يستحقونه. وليس هناك أحد طلبه ولم يجده.

ترجمة بيت فارسي: ” أيّ عاشق هذا الذي لا يلتفت حبيبه إلى حاله .. فيا صاحبي لا وجود للألم الحقيقي، فالطبيب موجود“.

والقسم الرابع للفيض هو الفيض الأخص الذي لا يترتب على الجهد والسعي فقط، بل الشرط الأول لظهوره وبروزه هو أن ينعدم ويتلاشى نهائيا في نظر المرء عالَمُ الأسباب هذا الذي هو مكان ضيق ومظلم، وأن تتجلى له قدرة الله الكاملة بتجلّيها التام دون شوائب الأسباب العادية؛ لأن الإضافة والكمال الذي يمكن تصوره من حيث العقل مقارنة مع الفيوض الأخرى في هذا الفيض الأخير الذي هو قمة الفيوض كلها، هو أن الأخير يكون واضحا جليا ولا يوجد فيه شيء من الاشتباه والخفاء أو النقص. أي يجب ألا يكون هناك أدنى شك في أن المفيض قادر على الإفاضة بالإرادة، ولا يكون هناك أيّ شك في كون الفيض فيضا حقيقيا ورحمةً خالصة وكاملة، بل يجب أن تتبين الإفاضة والجزاء للمالك الأزلي الذي نزل منه هذا الفيض بجلاء تام كوضح النهار. وأن يشعر متلقّي الفيض كحق اليقين أن الذي يعطيه نعمة عظمى ومتعة كبرى بمشيئته وإرادته وقدرته الخاصة هو مالك الملك حتما، وأنه في الحقيقة يتلقى على أعماله الصالحة جزاء دائما وكاملا أصفى وأعلى وأحب إليه إلى أقصى الحدود، وأن ذلك الجزاء ليس امتحانا أو ابتلاء له. والتمتع بهذا النوع من الفيض الأكمل والأتم والأبقى والأعلى والأجلى يعتمد على أن ينتقل العبد من هذا العالم الأدنى والمكدَّر والكثيف والضيق والفاني ومشتبه الحال إلى عالَم آخر، لأن هذا الفيض مظهر للتجليات العظمى التي يُشترَط لها أن يكون جمال المحسن الحقيقي ملحوظا بجلاء تام ومشهودا إلى مرتبة حق اليقين، وألا تنقصه مرتبة شهود وظهور ويقين، وألا يحول دونه حجاب الأسباب المعتادة، وأن تخرج كل دقيقة من المعرفة التامة إلى حيّز الفعل من مكمن القوة.

وأن يكون الفيض مكشوفا ومعلوم الحقيقة بحيث يكون الله تعالى قد كشف أنه بريء من تكدّر كل امتحان وابتلاء، ويتزامن مع المتعة العظيمة والكاملة التي تحيط كيفيتها المقدسة والكاملة بقلب الإنسان وروحه وظاهره وباطنه وجسده ونفسه وكل قوته الروحانية والجسدية بصورة أكمل وأبقى وأنقى لا يُتصوَّر المزيد عليها عقلا وفكرا وتصوُّرا. إن هذا العالم بما هو ناقص الحقيقة مكّدر الصورة وهالك الذات ومشتبه الكيفية وضيِّق الآفاق، لا يقدر احتمال هذه التجليات العظمى والأنوار الأصفى والعطايا الدائمة، ولا يسع تلك الأشعةَ الكاملة والدائمة، بل إن ظهورها يحتاج إلى عالَم آخر بريءٍ ومنزَّهٍ تماما عن ظلمة الأسباب المعتادة، ومظهرٍ تام للقدرة الكاملة لله الواحد القهار. صحيح تماما أنه لا يجد من هذا الفيض الأخص حظا إلا الكمَّل الذين يسلكون مسلك الصدق بوجه أكمل، ويتخلون عن مشيئتهم وأهوائهم كليا ويتبتّلون إلى الله، لأنهم يموتون قبل أن يموتوا. يكونون في هذا العالم ظاهريا ولكنهم في الحقيقة يسكنون عالما آخر. ولأنهم يفصلون قلوبهم عن أسباب الدنيا ويقضون على عادات بشرية ويُعرضون عن غير الله كليا ويختارون طريقا خارقا للعادة، فيعاملهم الله تعالى أيضا المعاملة نفسها ويجلِّي عليهم بوجه خارق للعادة أنواره الخاصة التي لا تظهر على غيرهم إلا بعد الموت.

فباختصار، إنهم ينالون قدرا يسيرا من نور الفيض الأخص في هذا العالم أيضا بسبب الأسباب المذكورة آنفا، علما أن هذا الفيض هو أخص من الفيوض الأخرى كلها وهو في قمتها. والحاصل عليه يبلغ السعادة العظمى وينال البحبوحة الدائمة التي هي منبع السعادات كلها. ومن حُرم منه دخل جهنم خالدة. فمن هذا المنطلق ذكر الله تعالى في القرآن الكريم صفته {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.} والهدف من جعل كلمة الدينمعرَّفة هو البيان أن المراد من الجزاء هو الجزاء الكامل، وتفصيله مذكور في القرآن الكريم. وذلك الجزاء الكامل لا يتحقق إلا بتجلّي المالكية التامة الذي يستلزم هدم بنيان الأسباب. فإلى هذا الأمر يشير تعالى في آية أخرى فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِأي في ذلك اليوم سوف تتجلى ربوبية الله تعالى من تلقائها دون توسط الأسباب العادية. وسيكون ملحوظا ومشهودا أن كل شيء إنما هو ساقط وبلا حقيقة، سوى قوة الله العظمى وقدرته الكاملة. عندها ستتراءى بكل جلاء أن السعادة كلها والمتعة كلها والجزاء والعقاب كله من الله عز وجل ، ولن يكون هناك حجاب ولا مجالا للشك. والذين تبتّلوا إليه كليا سيجدون عندئذ أنفسهم في سعادة كاملة تحيط بجسدهم وروحهم وظاهرهم وباطنهم ولن يُحرم جزء من وجودهم من تلك السعادة العظمى.

وفي {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إشارة أيضا إلى أن الله تعالى سيكون هو السبب الحقيقي وراء الراحة أو العذاب، والمتعة أو المعاناة التي ستصيب بني آدم في ذلك اليوم. ويكون سبحانه وتعالى هو المالك الحقيقي لأمر الجزاء والعقاب؛ بمعنى أن وصله أو فصله يكون موجبا للسعادة الأبدية أو الشقاوة الأبدية، إذ أن الذين آمنوا به من قبل واختاروا التوحيد وصبّغوا قلوبهم بصبغة حبه الخالص، سوف تنزل عليهم أنوار رحمة ذلك الذات الكامل بكل وضوح وجلاء. والذين لم يؤمنوا ولم يحظَوا بحب الله سيُحرمون من تلك المتعة والراحة ويُبتلون بعذاب أليم.

هذه هي الفيوض الأربعة التي كتبناها بالترتيب والتفصيل. وبذلك قد تبين أن تقديم صفة {الرَّحْمَنِ} على {الرَّحِيمِ} كان ضروريا ومقتضى البلاغة الكاملة، لأننا إذا نظرنا إلى صحيفة القدرة، فأول ما يقع عليه النظر هو ربوبية الله تعالى العامةُ، ثم رحمانيته، ثم رحيميته، ثم كونه مالك يوم الدين. وهذا هو كمال البلاغة أن يُراعى الترتيب في صحيفة الإلهام بحسب الترتيب الموجود في صحيفة الفطرة، لأن قلب الترتيب الطبيعي يعني قلب ترتيب قانون الطبيعة ونظامه. ومن الضروري جدا للكلام البليغ أن يكون نظامه مطابقا لنظام الطبيعة وكأنه صورته العكسية، وأن يُقدّم في الترتيب أمرٌ هو مقدَّم أصلا من حيث الطبيعة والوقوع. فمن البلاغة العظيمة في الآيات المذكورة أنها حافظت على الترتيب الواقعي والطبيعي بالإضافة إلى كمال الفصاحة وحسن البيان. وقد اختارت للبيان أسلوبا يلاحظه كل بصير في نظام العالم بالبداهة. أليس طريقا مستقيما أن تُذكر نعماء الله تعالى في صحيفة الإلهام أيضا بالترتيب نفسه الذي وردت به في صحيفة الفطرة. فالاعتراض على هذا الترتيب الحكيم والمحكَم هو في الحقيقية عمل العميان الذين ذهبت بصيرتهم وبصارتهم دفعة واحدة.

ترجمة بيت فارسي: فُقِئت عين الشرير إلى الأبد، لأنه لا شغل لها إلا البحث عن العيوب في الحق.

( المصدر : كتاب البراهين الأحمدية)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد صُوِّر في سورة الفاتحة الإلهُ الذي يقدمه القرآن الكريم للناس ويريد منهم أن يؤمنوا به. فقد بيّن بالترتيب أربعا من صفاته التي هي أمهات الصفات. كما أن سورة الفاتحة هي أم الكتاب كذلك إن صفات الله التي ذُكرت فيها هي أمهات الصفات أيضا. وهي: رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ، الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. وبالتدبر في هذه الصفات الأربعة يتراءى وجه الله تعالى. إن فيض الربوبية فيض واسع جدا وعام. وفيها إشارة إلى تربية المخلوقات كلها في جميع حالاتها وإلى تكميلها وتكفّلها. تأملوا جيدا عندما يفكر الإنسان في ربوبية الله كم يتوسع أمله. ثم المراد من الرحمانية أنه يهيئ دون عمل عامل كافة الأسباب الضرورية لبقاء الوجود. انظروا مثلا إلى القمر والشمس والهواء والماء وغيرها من الأشياء كيف سخرها الله تعالى لبقاء وجودنا دون دعاء أو التماس منا وبغير عملنا وفعلنا. ثم المراد من الرحيمية ألا يضيع أعمالنا. ومن مقتضى مالك يوم الدين أن يجعلنا ناجحين. كما أن أحدا يجتهد كثيرا من أجل الامتحان ولكن تنقصه في النهاية بضع علامات فإن النظام الدنيوي لا يهتم باجتهاده ويُفشله، ولكن رحيمية الله تعالى تستره وتعلن نجاحه. ففي الرحيمية نوع من الستر أيضا. إن إله المسيحيين ليس ستارا قط وإلا ما كانت هناك حاجة إلى الكفارة. كذلك إن إله الآريين ليس ربا ولا رحمن لأنه لا يستطيع أن يهب شيئا قط دون مقابل، لدرجة أن اقتراف الذنب يبدو ضروريا بحسب مبدأ الفيدات. فمثلا إذا أُريد إعطاءُ أحدٍ حليب بقرة جزاء على عمله لكان ضروريا لذلك أن تزني سيدة من البراهمن إذا كانت الرواية صحيحة حتى تتحول إلى بقرة بطريق التناسخ نتيجة هذا الفسق والفحش وتسقي هذا العامل حليبا وإن كان زوجها.

ملخص الكلام أنه لا يمكن لعامل أن ينال جزاء عمله من إله الفيدا ما لم تحدث هذه السلسلة لأن نظامه كله جارٍ على هذا المنوال. أما الإله الذي يقدمه القرآن الكريم فهو يستحق المحامد كلها لذا هو المعطي الحقيقي، وهو الرحمن وينعم دون عمل عامل. ثم مالكية يوم الدين تجعل الإنسان ناجحا كما قلت قبل قليل. الحكومة الدنيوية لا تضمن بأي حال أنها ستعطي كل حائز على شهادة البكالوريوس وظيفةً. ولكن حكومة الله كاملة تملك كنوزا لا تنتهي ولا ينقصها شيء. لذا يجعل الله تعالى كل عامل ناجحا ويستر بعض نقاط الضعف والنقص مقابل الحسنات. وهو تواب وحَيّيّ أيضا. إن الله يكون مطلعا على آلاف العيوب لعباده ولكنه لا يكشفها. غير أنه يأتي وقت حين ينبذ الإنسان الحياء ويتقدم في المثالب باستمرار ولا يستفيد من حياء الله وستره بل يتقوى فيه عِرق الإلحاد عندها لا تتحمل غيرة الله أن تترك هذا الوقح حرا طليقا فيهان فباختصار، كل ما نويت قوله هو أن في الرحيمية صفة الستر أيضا ولكن من الضروري قبل الستر أن يكون هناك عمل وأن يبقى فيه نقص أو عيب ليستره الله تعالى. الفرق بين الرحمانية والرحيمية هو أنه لا دخل لعمل أو فعل في الرحمانية ولكن للعمل دخلٌ في الرحيمية ويرافقه نوع من الضعف أيضا، فيريد رحم الله أن يستره. كذلك إن مالك يوم الدين هو الذي يحقق الهدف الحقيقي. اعلموا جيدا أن أمهات الصفات توجه إلى الله تعالى من حيث الروحانية إذ يتراءى الله تعالى للعيان فور التدبر فيها فتقفز الروح للسجود له تلقائيا. إذًا، فقد بدأ هذا الذكر بصيغة الغائب أي: الحمد لله. ولكن تغير الوضع دفعة واحدة بعد بيان الصفات الأربعة لأنها قد أظهرت الله عيانا لأنه كان واجبا ومن مقتضى الفصاحة ألا يبقى الأمر في حالة الغائب بل يتخذ صورة الحاضر. لذا فإن مقتضى تكميل هذه الدائرة توجَّه إلى المخاطب وقال: إياك نعبد وإياك نستعين.

(المصدر: جريدة الحكم، بتاريخ 1901/8/31م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

واعلم أن في ترتيب هذه الصفات بلاغة أخرى نريد أن نذكرها لتكتحل مِن كُحل المتبصرين. وهو أن الآيات التي رصّع الله بعدَها كلها مقسومة على تلك الصفات برعاية المحاذاة، ووضعِ بعضها تحت بعض كطبقات السماوات والأرضين. وتفصيله أنه تعالى ذكر أوّلًا ذاتَه وصفاتِه بترتيب يوجَد في العالمين. ثم ذكَر كل ما يناسب البشريةَ بترتيب يُشاهَد في قانون الله، ومع ذلك جعَل كل صفة بشرية تحت صفة إلهية، وجعل لكل صفة إنسانية مشرَبًا وسُقيًا من صفةٍ إلهية تستفيض منها، وأرى التقابلَ بينهما بترتيب وضعي يوجَد في الآيات، فتبارك الله أحسن المرتّبين. وتشريحه التام أن الصفات مع اسم الذات خمسةُ أبحرٍ قد تقدّمَ ذكرُها في صدر السورة .. أعني: (1) الله، (2) ورب العالمين، (3) والرحمن، (4) والرحيم، (5) ومالك يوم الدين. فجعل الله كمثلها خمسة من المغترفات مما ذكر من بعد، وقابلَ الخمسةَ بالخمسةِ، وكل واحد من المغترفات يشرب مِن ماءِ صفةٍ تُشابهه وتُناوحه، وتأخذ مما احتوت على معان تسرُّ العارفين.

مثلًا .. أوّلُها بحرُ اسم الله تعالى، وتغترف منه جملةُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} التي حذَتْه وصارت كالمحاذين. وحقيقة التعبد تعظيمُ المعبود بالتذلل التام والاحتذاء بمثاله والانصباغ بصبغه والخروج من النفس والأنانية كالفانين. وسِرُّه أن العبد قد خُلق كالمريض والعليل والعطشان، وشفاؤه وتسكين غُلّته وإرواء كبده في ماءِ عبادة الله، فلا يبرأ ولا يرتوي إلا إذا يَثنِي إليه انصبابَه، ويُفرط صبابه، ويسعى إليه كالمستسقين. ولا يُطهِّر قريحتَه ولا يلبِّد عَجاجَته ولا يُحلّي مُجاجَتَه إلا ذِكرُ الله، ألا بذكر الله تطمئن قلوب الذين يعبدون الله ويأتونه مسلمين. ففي آية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إقرارٌ لمعبودية الله الذي هو مستجمِع بجميع صفات الكاملية، ولذلك وقعت هذه الجملة تحت جملة: {الْحَمْدُ لِله}، فانظر إن كنت من الناظرين.

وثانيها بحرُ {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وتغترف منها جملةُ: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.} فإن العبد إذا سمع أن الله يُربّي العالمين كلها، وما مِن عالم إلا هو مربّيه، ورأى نفسَه أمّارةً بالسوء، فتضرّعَ واضطرّ والتجأ إلى بابه، وتعلّقَ بأهدابه، ودخل في مآدبه برعاية آدابه، ليدركه بالربوبية ويُحسن إليه وهو خير المحسنين؛ فإن الربوبية صفةٌ تعطي كلَّ شيء خَلْقَه المطلوبَ لوجوده، ولا يغادره كالناقصين.

وثالثها بحرُ اسم {الرَّحْمَنِ} وتغترف منه جملةُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، ليكون العبد من المهتدين المرحومين. فإن الرحمانية تُعطي كلَّ ما يحتاج إليه الوجود الذي رُبِّيَ مِن صفة الربوبية، فهذه الصفة تجعل الأسبابَ موافقةً للمرحوم. وأثرُ الربوبية تسويةُ الوجود وتخليقه كما يليق وينبغي، وأثرُ هذه الصفة أنها تُكسِي ذلك الوجودَ لباسًا يواري سوأته، وتهَبُ له زينتَه، وتكحل عينه وتغسل وجهه، وتعطي له فرسًا للركوب، وتُريه طرق الفارسين. ومَرْتبتها بعد الربوبية، وهي تعطي كلَّ شيء مطلوبَ وجوده، وتجعله من الموفَّقين.

ورابعها بحرُ اسم {الرَّحِيمِ} وتغترف منه جملةُ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ليكون العبد من المنعَمين المخصوصين. فإن الرحيمية صفة مُدْنِيةٌ إلى الإنعامات الخاصّة التي لا شريك فيها للمطيعين، وإن كان الإنعام العام محيطة بكل شيء من الناس إلى الأفاعي والتنّين.

وخامسها بحرُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وتغترف منه جملةُ {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين.} فإن غضب الله وتركه في الضلالة لا تَظهَر حقيقتُه على الناس على الوجه الكامل إلا في يوم المجازاة، الذي يُجاليهم الله فيه بغضبه وإنعامه، ويُجالحهم بتذليله وإكرامه، ويُجلّي عن نفسه إلى حَدٍّ ما جلَّى كمثله، وتراءى السابقون كفرس مُجلّى، وتراءت الجالية بِغَيِّهم المبين. وفيه يعلم الذين كفروا أنهم كانوا موردَ غضب الله وكانوا قوما عمين. ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، ولكن عَمَى هذه الدنيا مخفِيٌّ ويتبيّن في يوم الدين. فالذين أبوا وما تبعوا هَدْي رسولنا ونور كتابنا وكانوا لطواغيتهم متّبعين، فسوف يرون غضب الله وتغيُّظَ النار وزفيرها، ويرون ظلمتهم وضلالتهم بالأعين، ويجدون أنفسهم كالظالع الأعور، ويدخلون جهنم خالدين فيها، وما كان لهم أحد من الشافعين. وفي الآية إشارة إلى أن اسم {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ذو الجهتين .. يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، فاسألوه أن يجعلكم من المهتدين.

هذا ما أردنا من بيان بعض نِكات هذه الآية ولطائفها الأدبية التي هي للناظرين كالآيات، وبلاغتُها الرائعة المبتكرة المحبّرة المحتوية على محاسن الكنايات، مع دُرر حِكَمية ومعارف نادرة من دقائق الإلهيات، فلا تجد نظيرها في الأولين والآخرين. فلا شك أن مُلَحَ أدبها بارعة، وقَدَمَها على أعلام العلوم فارعة، وهي تصبي قلوب العارفين.

وقد علمتَ ترتيب خمسة أبحر التي تجري بعضها تلو بعض، فتَسَلَّمْه وكن من الشاكرين. وأما ترتيب المغترفات فتعرفه بترتيب أبحرها إن كنت من المغترفين“.

( المصدر: كتاب كرامات الصادقين )

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد جاء الترتيب هنا دقيقا. فقد ورد أولا: الحمد لله، أي أن الله جامع الصفات الكاملة كلها ويملك الميزات كلها ومنزَّه من كل عيب ونقيصة. ثانيا: رب العالمين. ثالثا: الرحمن. رابعا: الرحيم. خامسا: مالك يوم الدين. والطلبات التي تليها تدخل في هذه الصفات الأربعة وتبدأ سلسلتها من: إياك نعبد. وهذه الجملة جاءت مقابل الحمد لله أي نعبدك أنت الذي هو جامع جميع الصفات الحميدة ومنزه عن جميع السيئات. المسلم يعرف الإله الذي فيه الصفات كلها التي يمكن أن يتصورها الإنسان بل هو أعلى منها بكثير لأنه صحيح تماما أن عقل الإنسان وفكره لا يمكن أن يحيط بصفات الله تعالى قط، فالمؤمن يؤمن بهذا الإله كامل الصفات. الأقوام كلها تواجه الخجل والندم عند ذكر إلههم في المجالس. لنأخذ الهندوس مثلا فالإله الذي يؤمنون به ويقولون بأن هذا هو الإله الذي يُعثَر عليه في الفيدات يقولون بأنه لم يخلق ولا ذرة واحدة من الدنيا ولم يخلق الأروح أيضا. فهل يبقى لقائل هذا الكلام مجال للفرار إذا قيل له: ما الحرج إذا مات الإله مثله؟ لأنه ما دامت كل هذه الأشياء جاءت إلى حيز الوجود بنفسها وهي قائمة بحد ذاتها فما حاجتها إلى الإله من أجل حياتها وبقائها؟ إن مَثل ذلك كمثل شخص يطلق سهما ويموت هذا الشخص بينما يكون السهم في مساره فأيّ تغيّر يمكن أن يحدث في حالة السهم لأنه ليس محتاجا بعد الانطلاق إلى مَن أطلقه. كذلك لو أُجيز الموت بحق إله الهندوس لما استطاع الهندوسي أن يخبر عن خسارة يؤدي إليها موته. ولكن لا يمكن لنا قول ذلك عن الله تعالى لأن كلمة اللهتقتضي بحد ذاتها ألا يوجد فيه أي عيب أو نقص. كذلك يؤمن الآري أن الأجسام والأرواح أبدية. فنقول: ما دمتم تعتنقون هذا المعتقد فأي دليل يمكن أن تقدموه على وجود الإله؟ إن قلتم أنه قام بعملية الوصل والجمع قلنا: ما دمتم تعتقدون أن الأرواح والذرات قديمة وتعتبرونها قائمة بذاتها فإن عملية الوصل والربط عملية تافهة إذ يمكن أن تجتمع الذرات بنفسها. كذلك عندما يتحدثون عن التعليم فيقولون بأن الإله يأمر في الفيدا إن كانت إمرأة لا تستطيع الإنجاب أن تضاجع شخصا آخر بغية إنجاب الأولاد؛ قولوا بالله عليكم ماذا يمكن أن يقال عن إله مثله؟ أو إذا قدِّم تعليم بأن الإله لا يمكن أن ينجي محبه وعابده نجاة أبدية بل يجب عليه عند القيامة الكبرى أن يُدخل الناجين في دوامة التناسخ، أو إذا قيل عن الإله بأنه لا يستطيع أن يعطي أحدا شيئا بفضله ولطفه بل كل شخص ينال نتائج أعماله فما الحاجة إلى ذلك الإله أصلا؟ فكل من يؤمن بإله مثله لا بد وأن يواجه خجلا شديدا.

كذلك إذا قال المسيحيون بأن إلههم هو يسوع ثم إذا قالوا بأنه ضُرب على يد اليهود وابتلاه الشيطان وأثر فيه الجوع والعطش وفي النهاية عُلّق على الصليب في حال الفشل فهل من عاقل سيقبله؟ فملخص الكلام أن كل الأقوام تواجه الندم والخجل على هذا النحو عند ذكرهم آلهتهم. ولكن المسلم لا يواجه الخجل عند ذكره إلهه في أيّ مجلس لأنه ما من صفة حسنة إلا وتوجد في إله يؤمن به وهو منزّه عن كل عيب ونقيصة كما وُصف الله تعالى في سورة الفاتحة على أنه متصف بالصفات الحميدة كلها. فقد جاء: الحمد لله، مقابل إياك نعبد. ثم ورد: رب العالمين. إن مهمة الربوبية هي التربية والتكميل كما تربي الأم ولدها وتنزهه وتبقيه بعيدا عن النجاسات والشوائب كلها وترضعه. قولوا إن شئتم بتعبير آخر بأنها تساعده. فيقابل ذلك: إياك نستعين. ثم ورد: الرحمن الذي يعطي بفضله ورحمته دون الطلب والعمل. لو لم نُخلَق على هذا النحو لما استطعنا السجود ولا الركوع لذا فقد قال إياك نعبد مقابل الربوبية. كما لا تنمو الحديقة بغير الماء كذلك لو لم يبلغنا ماء لطف الله لما استطعنا النمو. الشجرة تمتص الماء وتحدث مَسامٌّ في جذورها. هناك مبدأ في العلوم الطبيعية أن فروع الشجرة تجذب الماء إذ فيها قوة الجذب، كذلك تكون في العبودية أيضا قوة الجذب التي تجذب فيض الله وتمتصه. إذاً، فقد جاء الرحمنمقابل اهدنا الصراط المستقيمبمعنى أنه لو لم تحالفنا رحمانيته، ولو لم يعطنا هذه القوى والقدرات لما استطعنا أن نستفيد من هذا الفيض.

إذًا، فإن اهدنا الصراط المستقيمجاء مقابل الرحمنلأن نيل الهداية ليس من حق أحد بل يُنال هذا الفيض بمحض رحمانية الله. وجاء صراط الذين أنعمت عليهممقابل الرحيملأن الذي يردد هذه الجملة ينال الفيض من نبع الرحيمية. ومعناه: يا من يجيب الدعوات برحمك الخاص أرنا صراط الرسل والصديقين والشهداء والصالحين الذين انهمكوا في الدعاء والمجاهدات وحازوا منك إنعام أنواع المعارف وأصناف الحقائق والكشوف والإلهامات وبلغوا إلى المعرفة التامة نتيجة الدعاء والتضرع المستديم والأعمال الصالحة.

إن الرحيمية تتضمن تدارك النقص. لقد جاء في الحديث ما مفاده أنه لولا فضل الله لما حصلت النجاة. كذا يتبين من الحديث أن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم :- وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اِلله، فوضع يده على رأسه وقَالَ وَلَا أَنَا. لقد أثار المسيحيون الأغبياء والحمقى بسبب قلة فهمهم وعدم علمهم اعتراضات ولكنهم لا يفقهون أن ذلك كان إظهار كمال العبودية الذي يجذب ربوبية الله. لقد جربت أنا أيضا عدة مرات بل أرى دائما أنه عندما يبلغ التذلل والتواضع منتهاهما وتذوب روحي بالعبودية والتواضع التام وتسيل على عتبات الله واهب العطايا ينزل عليها نور من الأعلى ويبدو كأن ماء نقيا يصل بواسطة أنبوب إلى أنبوب آخر وذلك على قدر ما يكون التواضع والانكسار قد بلغا كمالهما. في بعض المواقف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يتبين منها بجلاء بالقدر نفسه أنه كان مؤيَّدا ومنوَّرا بتأييد روح القدس ونوره. كما أبدى النبي صلى الله عليه وسلم بعمله وأسوته الفعلية أن دائرة أنواره وبركاته واسعة جدا بما يتراءى نموذجه وظله إلى أبد الآباد. إذًا، إن فضل الله وفيضه الذي ينزل في هذا العصر أيضا يُنال نتيجة طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم فقط. وأقول صدقا وحقا وبناء على تجربتي الشخصية إنه لا يمكن أن يحوز أحد حسنة حقيقية أو ينال رضا الله تعالى، ولا يستطيع أن يحظى بتلك الإنعامات والبركات والمعارف والحقائق والكشوف التي تُنال بعد الوصول إلى أعلى درجة من تزكية النفس ما لم يَفنَ الإنسان في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم .- وهذا ما يتبين من كلام الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَلله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اُللهوأنا الدليل العملي والحي على إعلان الله هذا. فاعرِفوني من خلال الآيات المذكورة في القرآن الكريم لأحباء الله تعالى وأوليائه.

فباختصار، إن كمال أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كان بالغا درجة لو أخذت عجوز بيده لوقف معها ولسمع كلامها بانتباه تام ولما تركها ما لم تتركه. ثم ورد غير المغضوب عليهم ولا الضالينمقابل مالك يوم الدين.” والذي يتخذه وردا يستفيض من ينبوع مالك يوم الدين.” والمراد من ذلك أن انقِذنا يا مالك يوم الدين من أن نكون مثل اليهود الذين صاروا عرضة البلايا مثل الطاعون وغيره وهلكوا نتيجة غضبه عز وجل ، وألا نفقد سبل النجاة مثل النصارى. لقد سُمِّي اليهود مغضوبا عليهم في هذه الآية لأنه قد حلّ بهم العذاب بسبب سوء أعمالهم في هذه الدنيا أيضا لأنهم كذّبوا الصادقين وأنبياء الله الأطهار وتجاوزوا في إيذائهم الحدود. ويجب الانتباه إلى السر في نصح الله تعالى في سورة الفاتحة باجتناب صراط اليهود وختمه السورة على الضالينأي في نصحه لاجتناب صراطهم أيضا. السر هو أنه سيأتي على أمة محمد صلى الله عليه وسلم زمان يتمسك فيه، الذين يتّبعون اليهودَ، بظاهر الأمور وسيحملون الاستعارات محمل الحقيقة ويهبّون لتكذيب المبعوث الصادق من الله كما كذّب اليهود عيسى بن مريم فواجهوا المصيبة نفسها أنهم سخروا من تأويله وقالوا: إذا كان الله يريد من ذلك أنه لن يأتي إلا مثيل إيليا فلماذا لم يصرح الله بذلك في نبوءته؟ فملخص الكلام أن المشايخ المعاصرين المعارضين لنا يحذون حذوهم تماما إذ لم يألوا جهدا في تكذيبي وإيذائي حتى أفتوا بقتلي، وأرادوا إهانتي وإجاحتي بشتى الحيل والمكر. ولولا الحكومة البريطانية في هذا البلد بفضل الله تعالى لفرحوا بقتلي منذ مدة طويلة. ولكن الله تعالى أخفقهم في كل مرادهم وتحقق وعده القائل: “والله يعصمك من الناس

فباختصار، إن فِئة غير المغضوب عليهم المذكورة في هذا الدعاء تشير إلى حالة فئة من المسلمين الذين سيعارضون المسيح الموعود. وكذلك يتبين زمن المسيح الموعود من الضالينبأن الفتنة الصليبية ستكون حينذاك في أوجها. عندها يقيم الله تعالى جماعة المسيح لذلك سمّى الله المسيح الموعود في الأحاديث على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم – “كاسر الصليبلأن الحق أن كل مجدد يأتي لإصلاح الفتن الموجودة آنذاك. أفلم تعلموا لو فكرتم الآن لوجه الله أنه قد استُخدم لتأييد النجاة باتباع عقيدة الصليب قلمٌ ولسان لو بحثتم في العالم كله لما وجدتم هذا الحماس لتأييد الباطل في أيّ زمن مضى. ولمّا بلغت كتب حماة الفتنة الصليبية منتهاها، وقد هوجم بالظلم والاعتداء التوحيدُ الحقيقيُ وعفة النبي صلى الله عليه وسلم وشرفه وصدقه وكون كتاب الله من عنده؛ أفلم يكن من المفروض أن تقتضي غيرة الله أن ينزِل كاسر الصليب هذا في هذا الوقت؟ هل نسي الله وعده: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؟ اعلموا يقينا أن وعود الله صادقة تماما فقد أرسل بحسب وعده نذيرا في الدنيا، فأنكروه أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبله حتما، ويُظهر صدقه بصولٍ قويٍّ شديدٍ صول بعد صولٍ. الحق والحق أقول لكم بأني جئت مسيحا موعودا بحسب وعد الله تعالى فاقبلوني إن شئتم أو ارفضوني إن شئتم.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1901/9/10م)

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن لله تعالى أربع صفات عليا وهي أمهات الصفات وكل صفة منها تقتضي من بشريتنا أمرا. وتلك الصفات الأربعة هي: الربوبية والرحمانية والرحيمية ومالكية يوم الدين.

(1) الربوبية تقتضي لإفاضتها العدمَ المحض أو ما يشبه العدم وكل أنواع المخلوقات تكسب الوجود منها سواء أكانت حيوانات أم غيرها.

(2) الرحمانية تتطلب لنزول فيضانها العدمَ المحض فقط، أي ذلك العدم المحض الذي لا يكون معه أي أثر أو ظهور لأي وجود، وهي تتعلق بالحيوانات فقط دون أشياء أخرى.

(3) الرحيمية تقتضي لنزول فيضانها أن يقرَّ ذوو العقل الموجودون الفناء والعدم بلسانهم، وهي تتعلق بالبشر فقط.

(4) مالكية يوم الدين تقتضي لاستفاضتنا ضراعة كضراعة المتسوِّلين وإلحاحهم وتتعلق فقط بالناس الذين يخرون على أعتاب حضرة الأحدية كالمتسوّلين، ويمدون يد السؤال لتلقي الفيض، ويؤمنون بمالكية الله سبحانه وتعالى باعتبارهم صفر اليدين حقا.

هذه هي الصفات الإلهية الأربعة التي تعمل في العالم. وإن صفة الرحيمة منها تحثنا على الدعاء، بينما صفة المالكية تمرّر من نار الخوف والقلق وتخلق الخشوع والخضوع الحقيقي، لأن هذه الصفة تُثبت أن الله مالك يوم الدين. وليس من حق أحد أن يطلب منه شيئا كحق واجب له. وأن المغفرة والنجاة تترتب على فضل محض.

فملخص القول أن هذه هي صفات الله الأربعة التي تثبت من تعليم القرآن الكريم وبحوث عقلية. ومن جملتها صفة الرحيمية التي تقتضي أن يدعو الإنسان لكي تنزل عليه الفيوض الإلهية. ولقد كتبتُ في البراهين الأحمدية وكرامات الصادقين أيضا كيف ذُكرت هذه الصفات الأربعة في سورة الفاتحة بترتيب طبيعي، وكيف يُثبت التأمل في قانون الطبيعة أن الترتيب الذي وردت به هذه الصفات الأربعة في سورة الفاتحة يوجد كذلك تماما في كتاب الله الفعلي أي قانون الطبيعة. فإنكار الدعاء أو عدُّه عديم الجدوى أو عدم عدِّه دافعا لجذب الفيوض إنما هو بمنزلة إنكار صفة الله الثالثة وهي الرحيمية. وهذا الإنكار حركة إلى الإلحاد خفية، لأن الرحيمية وحدها صفة يزداد بها اليقين بسائر الصفات الإلهية ويبلغ الكمالَ. ذلك لأننا حين نجد فيوض الله نازلة على أدعيتنا وتضرعاتنا بواسطة الرحيمية وتنحل كل أنواع المشاكل؛ يبلغ إيماننا بوجود الله سبحانه وتعالى وقدرته ورحمته وبجميع صفاته الأخرى مبلغ حق اليقين، وندرك كشهادة عيان أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يستحق الحمد والشكر في الحقيقة، وبأن ربوبيته ورحمانيته وسائر صفاته قويمةٌ وصحيحة ولكنها تبقى مشتبها فيها إن لم تَثبتْ الرحيمية.

(المصدر: كتاب أيام الصلح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

فليتضح الآن أن الله جل شأنه قد وصف بعد الحمد لله في سورة الفاتحة هذه الصفات الأربع بأنها أربع منابع للفيض، وأشار في الآيات التالية كترتيب طبيعي لكسب الفيض من كل واحد من هذه المنابع. فالمعلوم أن هناك خمسة أمور مستقلة بدءا من جملة الحمد لله إلى مالك يوم الدين وهي: (1) الحمد لله (2) رب العالمين (3) الرحمن (4) الرحيم (5) مالك يوم الدين. وتقابلها الجمل الخمسة التالية في صورة ترتيب طبيعي. فجملة إياك نعبدجاءت مقابل الحمد لله، لتشير إلى أن الذات كامل الصفات الوحيد والجدير بالحمد هو الذي يسمى الله، وجملة إياك نستعينوردت مقابل رب العالمينوفيها إشارة إلى أننا نستنصر من نبع الربوبية الذي هو ينبوع عام جدا، لأنه من المستحيل أن نفوز بأية تربية ظاهرية أو باطنية أو نتمكن من إحداث أي تغير طيب في أنفسنا أو ننال نصيبا من الخلق الروحاني بدون فيض الربوبية الإلهية. أما جملة اهدنا الصراط المستقيمفجاءت مقابل جملة الرحمن.” فالذي يردد: اهدنا الصراط المستقيم إنما يطلب الفيوض من نبع الرحمن لأن نيل الهدى ليس حقا لأحد، بل تنال هذه الثروة من الرحمانية الإلهية فقط. أما جملة صراط الذين أنعمت عليهمفقد جاءت مقابل الرحيم.” فالذي يردد صراط الذين أنعمت عليهمفهو يسأل الفيض من نبع الرحيم، لأن ذلك يعني أن يا مجيب الدعوات برحمة خاصة منك اهدنا إلى صراط الرسل والصديقين والشهداء الذين نالوا إنعامَك المتمثل في أنواع المعارف والحقائق والكشوف والإلهامات نتيجة انهماكهم في الدعاء والمجاهدات ووصلوا إلى المعرفة التامة بالدوام على الدعاء والضراعة والأعمال الصالحة. وجملة غير المغضوب عليهم ولا الضالينوردت إزاء مالك يوم الدين.” فالذي يردد غير المغضوب عليهم ولا الضالينيطلب الفيض من نبع مالك يوم الدين.”

ومعنى ذلك أن يا مالك يوم الدينونة قِنا من عقوبة أن نتعرض للبلايا كالطاعون وغيره مثل اليهود نتيجة حلول غضبك في هذا العالم، أو نضلّ عن طريق النجاة ونستحق عذاب الآخرة. لقد سمِّي النصارى ضالين لأنه لم ينزل عليهم عذاب غضب الله في الدنيا بل ضلوا عن طريق النجاة الأخروي فقط وسيواجهون المؤاخذة في الآخرة. أما اليهود فقد سمُّوا المغضوب عليهم لأنه قد نرلت عليهم أنواع عذاب عظيمة في الدنيا لسوء أعمالهم، ومن جملتها عذاب الطاعون. ولأن اليهود لم يقتصروا على تكذيب أنبياء الله وعباده الصالحين بل قتلوا كثيرا منهم أو أرادوا قتلهم وآذوهم كثيرا ببذاءة لسانهم أيضا. لذا فقد ثارت غيرة الله وعرضتهم لأنواع العذاب في بعض الأحيان؛ فقد هلك مئات آلاف اليهود بعذاب الطاعون في كثير من الأحيان وقُتل آلاف منهم أو أُسروا ونُفُوا إلى بلاد أخرى. فباختصار، قد ظلوا مغضوبا عليهم دائما بعد المسيح عليه السلام ولأن الله تعالى كان يعلم أنهم قوم معوجّون لذا أُنذروا في التوراة من معظم أنواع العذاب الدنيوي. فظل عذاب أليم يحلّ بهم لأنهم كانوا يؤذون عباد الله الصالحين باليد واللسان لذلك ظل الغضب يحل بهم في الدنيا لكي يكونوا عبرة لمن يؤذي عمدا المبعوثين من عند الله أو عباده الصادقين في مستقبل الأيام أو يمكروا في قرارة قلوبهم مكرا سيئا لقتلهم أو إهانتهم. ففي تعليم هذا الدعاء إشارة خفية إلى أن تجتنبوا خُلق اليهود وصفاتهم وإذا جاء فيكم مأمور من الله فلا تسارعوا كاليهود إلى إيذائه وإهانته وتكفيره لئلا تكونوا محط غضب الله كاليهود بتكذيب الصادق وإيذائه أصناف الإيذاء وببذاءة اللسان وهتك كرامته. ولكن من المؤسف حقا أن الناس من هذه الأمة أيضا ظلوا يتعثّرون دائما ولم يعتبروا قط من قصص اليهود الأشقياء.

( المصدر: كتاب أيام الصلح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

يتبين من آيات سورة الفاتحة هذه أن الإله الذي ذكر اسمه اللهفي القرآن الكريم هو مبدأ جميع الفيوض لكونه رب العالمين، وهو واهب جميع الإنعامات بصفته الرحمن، وهو مجيب جميع الأدعية والجهود النافعة لكونه رحيما، وواهب ثمارا أخيرة لجميع المساعي بصفته مالك يوم الدين.

(المصدر: كتاب أيام الصلح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

{رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين … } أي هو مالك يوم المجازاة ولم يعط هذه القدرة أحدا.

(المصدر: كتاب فلسفة تعليم الإسلام )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

فاعلم أن هذه الصفات عيون لفيوض الله الكاملة النازلة على أهل الأرض والسماء، وكلُّ صفة منبعٌ لقسمِ فيضٍ بترتيبٍ أودع الله آثارها في العالم، ليُري توافُقَ قولِه بفعله وليكون آية للمتفكرين.

فالقسم الأول من أقسام الصفات الفيضانية صفةٌ يسمّيها ربّنا رب العالمين“. وهذه الصفة أوسعُ الصفات في الإفاضة، ولا بد من أن نسمّي فيضانها فيضانا أعمَّ، لأن صفة الربوبية قد أحاطت الحيواناتِ وغير الحيوانات، بل أحاطت السماوات والأرضين، وفيضانها أعمُّ من كل فيض، ما غادر إنسانا ولا حيوانا ولا

شجرا ولا حجرا ولا سماءً ولا أرضا بل نزل ماؤه على كل شيء فأحياه، وأحاط بالكائنات كلها ظواهرِها وبواطنها، فكلُّ شيء صنيعةٌ من الله الذي أعطى كلَّ شيء خَلْقَه وبدأ خَلْقَ الإنسان من طين. واسم ذلك الفيض ربوبيةٌ، وبه يبذر الله بذر السعادة في كل سعيد، وعليه يتوقف استثمار الخيرات وبروز مادة السعادات، وآثار الورع والحزامة والتقاة وكل ما يوجد في الرشيدين. وكل شقي وسعيد، وطيب وخبيث، يأخذ حَظَّه كما شاء ربُّه في المرتبة الربوبية، فهذا الفيض يجعل من يشاء إنسانًا، ويجعل من يشاء حمارًا، ويجعل ما يشاء نُحاسًا، ويجعل ما يشاء ذهبًا، وما كان الله من المسؤولين.

واعلم أن هذا الفيض جارٍ على الاتصال بوجه الكمال، ولو فُرض انقطاعه طرفةَ عين لفسدت السماوات والأرض وما فيهن، ولكن أحاط صحيحًا ومريضًا، ويَفاعًا وحضيضًا، وشجرًا وحجرًا، وكل ما في العالمين.

وقدّم الله هذا الفيض في كتابه وضعًا، لتقدُّمِه في عالم أسبابه طبعًا، فليس هذا التقديم محدودا في توشية الكلام، ومحصورا في رعاية الصفاء التام، بل هي بلاغة حِكمية لإراءة النظام، من حيث إنه تعالى جعل أقواله مرآةً لرؤية أفعاله الموجودة في طبقات الأنام، لتطمئن به قلوب العارفين.

والقسم الثاني من الصفات الفيضانية، صفة يسمّيها ربُّنا الرحمن.” ولا بد من أن نسمي فيضانه فيضانا عامّا ورحمانية، وله مرتبة بعد مرتبة الفيضان الأعمّ، وهو أخصّ من الفيضان الأول، ولا ينتفع منه إلا ذوو الروح من أشياء السماء والأرضين. وإن الله في وقت هذا الفيض لا ينظر الاستحقاقَ والعمل والشكر، بل يُنزله فضلا منه على كل ذي روح، إنسانا كان أو حيوانا، مجنونا كان أو عاقلا، مؤمنا كان أو كافرا، ويُنجّي كلَّ روح من هلكةٍ دانت منها بعد ما كادت تهوي فيها، ويُعطي كلَّ شيء خَلقًا ينفعه، لأن الله جوّاد بالذات وليس بضنين. فكل ما ترى في السماء من الشمس والقمر والنجوم والمطر والهواء، وما ترى في الأرض من الأنهار والأشجار والأثمار، والأدوية النافعة والألبان السائغة، والعسل المصفّى، فكلها مِن رحمانيته عز وجل ، لا مِن عمل العاملين. وإلى هذا الفيضان أشار الله تعالى في قوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، وفي قوله تعالى: {الرَّحْمَن عَلَّم الْقُرآنَ}، وفي قوله تعالى: {مَن يَكْلَؤُكُمْ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}، وفي قوله تعالى: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ}، تذكرةً للمتقين. ولو لم يكن هذا الفيضان لما كان لِطيرٍ أن يطير في الهواء، ولا لحوتٍ أن يتنفس في الماء، ولأبادَ كلَّ مُعِيل ضَفَفُه، وكلَّ ذي قَشَفٍ شَظَفُه، وما بقِي سبيل لإماطته كما لا يخفى على المستطلعين. ألا ترى كيف يحيي الله الأرض بعد موتها؟ ويكوّر الليلَ على النهار ويكوّر النهارَ على الليل، وسخّر الشمس والقمر كلٌّ يجري لأجل مسمّى، إن في ذلك لآياتٍ رحمانية للمتدبرين. وجعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهارَ مبصِرًا، وجعل لكم الأرض قرارًا والسماء بناءً، وصَوَّرَكم فأحسَنَ صُوركم، ورزَقكم من الطيبات، فذلكم الرحمن ربكم مُربِّي المساكين. والذين كفروا برحمانيته فجعلوا لله عليهم سلطانا مبينا، وما قدروا الله حق قدره وكانوا من الغافلين. ألا يرون إلى الشمس التي تجري من المشرق إلى المغرب؟ أكان خَلقها وجريها مِن عملهم أو مِن تفضُّل الرحمن الذي وسعتْ رحمانيته الصالحين والظالمين. وكذلك يُنزل الله ماءً في أوقاته، فينشئ به زروعا وأشجارا فيها فواكه كثيرة، أفهذه النعماء مِن عمل عامل أو رحمانية خالصة من الله تعالى الذي نجانا مِن كل اعتياص المعيشة، وأعطانا سُلّمًا لكل حاجة نحتاج فيها إلى الارتقاء، وأرشِيةً نحتاج إليها للاستسقاء. فسبحان الله الذي أنعم علينا برحمانيته، وما كان لنا من عمل نستحق به، بل خلَق نعماءه قبل أن نُخلَق، فانظر .. هل ترى مثله في المنعِمين؟

فحاصل الكلام أن الرحمانية رحمة عامة لنوع الإنسان والحيوان، ولكل ذي روح وكل نفس منفوسة، مِن غير إرادةِ أجرِ عملٍ ومِن غير لحاظِ استحقاقِ عبدٍ بصلاحه وتورُّعه في الدين.

والقسم الثالث من الصفات الفيضانية صفة يُسمّيها ربُّنا الرحيم، ولا بد من أن نسمّي فيضانها فيضانا خاصا ورحيميةً من الله الكريم للذين يعملون الصالحات ويشمّرون ولا يقصّرون، ويذكرون ولا يغفلون، ويبصرون ولا يتعامون، ويستعدّون ليوم الرحيل، ويتّقون سخط الرب الجليل، ويبيتون لربهم سُجّدًا وقيامًا، ويصبحون صائمين. ولا ينسون موتهم ورجوعهم إلى مولاهم الحق، بل يعتبرون بنعيٍ يُسمَع، ويرتاعون لإلفٍ يُفقَد، ويذكرون مناياهم من موت الأحباب، ويهولُهم هَيْلُ التراب على الأتراب، فيلتاعون ويتنبهون، ويُريهم اخترامُ الأحبّة موتَ أنفسهم، فيتوبون إلى الله وهم من الصالحين. فلعلّك فهمتَ أن هذا الفيضان ينزل من السماء على شريطة العمل والتورّع والسِّمَة الصالحة والتقوى والإيمان، ولا وجودَ له إلا بعد وجود العقل والفهم، وبعد وجود كتاب الله تعالى وحدوده وأحكامه، وكذلك المحرومون من هذه النعمة لا يستحقون عتابا ومؤاخذة من قَبْل هذه الشرائط. فظهَر أن الرحيمية تَوْأمٌ لكتاب الله وتعليمه وتفهيمه، فلا يؤخذ أحدٌ قبله، ولا يُدرك أحدا عطبُ القهر إلا بعد ظهور هذه الرحيمية، ولا يُسأل فاسق عن فسقه إلا بعدها. فخُذْ هذا السرّ مني وهو ردٌّ على المتنصرين. فإنهم قائلون بلسع الذنب من آدم إلى انقطاع الدنيا، ويقولون إن كل عبد مذنبٌ سواء عليه بلَغه كتابٌ من الله تعالى وأُعطيَ له عقل سليم أو كان من المعذورين. وزعموا أن الله تعالى لا يغفر أحدًا إلا بعد إيمانه بالمسيح، وزعموا أن أبواب النجاة مغلقة لغيره، ولا سبيل إلى المغفرة بمجرد الأعمال، فإن الله عادل، والعدل يقتضي أن يعذّب من كان مذنبا وكان من المجرمين. فلما حصحص اليأس من أن تُطهَّر الناسُ بأعمالهم، أرسلَ إليهم ابنَه الطاهر ليَزِرَ وِزْرَ الناس على عنقه، ثم يُصلَب ويُنجّي الناس من أوزارهم، فجاء الابن وقُتل ونجّى النصارى، فدخلوا في حدائق النجاة فرحين. هذه عقيدتهم، ولكن من نَقَدَها بعين المعقول ووَضعها على معيار التحقيقات، سلَكها مسلك الهذيانات. وإنْ تعجَب فما تجد أعجبَ من قولهم هذا. لا يعلمون أن العدل أهمُّ وأوجب من الرحم، فمن ترك المذنب وأخذ المعصوم ففعَل فعلًا ما بقِي منه عدل ولا رحم، وما يفعل مثل ذلك إلا الذي هو أضل من المجانين. ثم إذا كانت المؤاخذات مشروطة بوعد الله تعالى ووعيده فكيف يجوز تعذيب أحد قبل إشاعة قانون الأحكام وتشييده، وكيف يجوز أخذُ الأولين والآخرين عند صدور معصية ما سبَقها وعيدٌ عند ارتكابها، وما كان أحد عليها من المطّلعين. فالحق أن العدل لا يوجد أثره إلا بعد نزول كتاب الله ووعده ووعيده وأحكامه وحدوده وشرائطه. وإضافة العدل الحقيقي إلى الله تعالى باطل لا أصل لها، لأن العدل لا يُتصوَّر إلا بعد تصوُّرِ الحقوق وتسليم وجوبها، وليس لأحد حق على رب العالمين. ألا ترى أن الله سخّر كل حيوان للإنسان وأباح دماءها لأدنى ضرورته، فلو كان وجوب العدل حقًّا على الله تعالى لما كان له سبيلٌ لإجراء هذه الأحكام، وإلا فكان من الجائرين. ولكن الله يفعل ما يشاء في ملكوته، يُعزّ من يشاء، ويُذلّ من يشاء، ويُحيي من يشاء، ويميت من يشاء، ويرفع من يشاء، ويضع من يشاء. ووجود الحقوق يقتضي خلاف ذلك، بل يجعل يداه مغلولة، وأنت ترى أن المشاهدة تُكذّبها، وقد خلق الله مخلوقه على تفاوُت المراتب، فبعض مخلوقه أفراسٌ وحمير، وبعضه جِمالٌ ونوق، وكلاب وذياب ونمور، وجعل لبعض مخلوقه سمعا وبصرا، وخلق بعضهم صُمًّا، وجعل بعضهم عمين. فلأيّ حيوان حقٌّ أن يقوم ويخاصم ربَّه أنه لِم خلَقه كذا ولَم يخلقه كذا؟ نعمْ .. كتَب الله على نفسه حق العباد بعد إنزال الكتب وتبليغ الوعد والوعيد، وبشَّر بجزاء العاملين. فمن تبع كتابه ونبيه ونهى النفسَ عن الهوى فإن الجنة هي المأوى، ومن عصى ربه وأحكامه وأبى، فسيكون من المعذَّبين. فلما كان مَلاك الأمر الوعد والوعيد، لا العدل العتيد، الذي كان واجبا على الله الوحيد، انهدم من هذا الأصل المنيفُ الممرَّدُ الذي بناه النصارى من أوهامهم. فثبت أن إيجاب العدل الحقيقي على الله تعالى خيال فاسد ومتاع كاسد، لا يقبَله إلا من كان من الجاهلين. ومن هنا نجد أن بناء عقيدة الكفّارة على عدل الله بناءٌ فاسد على فاسد، فتدبَّرْ فيه فإنه يكفيك لكسر صليب النصارى إن كنت من المناظرين. واسم هذه الصفة في كتاب الله تعالى رحيمية كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا، وقال: {وَاُلله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. فهذا الفيضان لا يتوجه إلا إلى المستحق، ولا يَطلبُ إلا عاملا، وهذا هو الفرق بين الرحمانية والرحيمية، والقرآن مملوٌّ من نظائره، ولكن كفاك هذا القدر إن كنت من العاقلين.

القسم الرابع من الفيضان، فيضان نسمّيه فيضانا أخصّ ومظهرًا تامًّا للمالكية، وهو أكبر الفيوض وأعلاها، وأرفعها وأتمّها وأكملها ومُنتهاها، وثمرة أشجار العالمين، ولا يظهر إلا بعد هدم عمارات هذا العالم الحقير الصغير ودروسِ أطلاله وآثاره، وشحوبِ سحنته ونضوبِ ماء وَجنته، وأفولِ نجمه كالمغرّبين. وهو عالم لطيف دقّتْ أسراره، وكثرت أنواره، يحارُ فيها فهمُ المتفكرين.

وإن قلت لِم قال الله تعالى في هذا المقام: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وما قال: عادلِ يوم الدين؟ فاعلم أن السر في ذلك أن العدل لا يتحقق إلا بعد تحقُّق الحقوق، وليس لأحد من حق على الله رب العالمين. ونجاة الآخرة موهبة من الله تعالى للذين آمنوا به وسارعوا إلى امتثاله وتقبُّل أحكامه وعبادته ومعرفته بسرعة معجبة، كأنهم كانوا في نَجاء حركاتهم ومَسائحِ غَدَواتِهم ورَوحاتهم ممتطين على هوجاءَ شِمِلَّةٍ، ونُوقٍ مُشْمَعِلَّةٍ، وإن لم يُتِمّوا أمر الإطاعة، وما عبدوا حق العبادة، وما عرفوا حق المعرفة، ولكن كانوا عليها حريصين. وكذلك الذين عصوا ربهم، وإن لم تبلغ شقوتهم مداها، ولكن كانوا إليها مسارعين، وكانوا يعملون السيئات ويزيدون في جراءاتهم وما كانوا من المنتهين. فكلٌّ يرى ما كان في نيّته رحمةً من الله أو قهرًا، فمَن ناوَحَ مَهَبَّ نسيمِ الرحمة فسيجد حظًّا منها خالدًا فيها، ومَن قابَلَ صراصرَ القهر فسيقع في صدماتها. وما هذا إلا المالكية لا العدل الذي يقتضي الحقوق، فتدبَّرْ ولا تكن من الغافلين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ثم اعلم أن لله تعالى صفات ذاتية ناشئة من اقتضاء ذاته، وعليها مدار العالمين كلها، وهي أربعة: (1) ربوبية (2) ورحمانية (3) ورحيمية (4) ومالكية، كما أشار الله تعالى إليها في هذه السورة وقال: (1) رَبِّ العالمينَ (2) الرَّحْمَنِ (3) الرَّحِيمِ (4) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. فهذه الصفات الذاتية سابقة على كل شيء ومحيطة بكل شيء، ومنها وجودُ الأشياء واستعدادها، وقابليتها ووصولها إلى كمالاتها. وأما صفة الغضب فليست ذاتية لله تعالى، بل هي ناشئة من عدم قابلية بعض الأعيان للكمال المطلق، وكذلك صفة الإضلال لا يبدو إلا بعد زيغ الضالين.

وأما حصر الصفات المذكورة في الأربع فنظرًا على العالم الذي يوجد فيه آثارها. ألا ترى أن العالم كله يشهد على وجود هذه الصفات بلسان الحال، وقد تجلت هذه الصفات بنحوٍ لا يشك فيها بصيرٌ إلا من كان من قوم عمين. وهذه الصفات أربعٌ إلى انقراض النشأة الدنيوية، ثم تتجلى من تحتها أربع أخرى التي من شأنها أنها لا تظهر إلا في العالم الآخر، وأوّلُ مَطالِعِها عرشُ الرب الكريم الذي لم يتدنس بوجودِ غير الله تعالى وصار مظهرًا تامًّا لأنوار رب العالمين، وقوائمه أربعٌ: ربوبية ورحمانية ورحيمية ومالكية يوم الدين. ولا جامِعَ لهذه الأربع على وجه الظلّيّة إلا عرشُ الله تعالى وقلبُ الإنسان الكامل، وهذه الصفات أمهات لصفات الله كلها، ووقعت كقوائم العرش الذي استوى الله عليه، وفي لفظ الاستواء إشارة إلى هذا الانعكاس على الوجه الأتم الأكمل من الله الذي هو أحسن الخالقين. وتنتهي كل قائمة من العرش إلى مَلَكٍ هو حاملُها، ومدبّرُ أمرها، وموردُ تجلياتها، وقاسِمُها على أهل السماء والأرضين. فهذا معنى قول الله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانيةٌ}، فإن الملائكة يحملون صفاتٍ فيها حقيقة عرشية. والسر في ذلك أن العرش ليس شيئا من أشياء الدنيا، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة، ومبدأٌ قديم للتجليات الربانية والرحمانية والرحيمية والمالكية لإظهار التفضلات وتكميل الجزاء والدين. وهو داخلٌ في صفات الله تعالى، فإنه كان ذا العرش من قديم، ولم يكن معه شيء، فكُنْ من المتدبرين.

وحقيقة العرش واستواء الله عليه سِرٌّ عظيم من أسرار الله تعالى وحكمةٌ بالغة ومعنى روحاني، وسُمِّيَ عرشًا لتفهيم عقول هذا العالم ولتقريب الأمر إلى استعداداتهم، وهو واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني من حضرة الحق إلى الملائكة، ومن الملائكة إلى الرسل. ولا يقدَح في وحدته تعالى تكثُّرُ قوابلِ الفيض، بل التكثر ههنا يوجب البركات لبني آدم، ويعِينهم على القوة الروحانية، وينصرهم في المجاهدات والرياضات الموجبة لظهور المناسبات التي بينهم وبين ما يصلون إليه من النفوس كنفس العرش والعقول المجردة إلى أن يصلوا إلى المبدأ الأول وعلّة العلل. ثم إذا أعان السالكَ الجذباتُ الإلهية والنسيمُ الرحمانية، فيقطع كثيرا من حجبه، وينجيه من بُعد المقصد وكثرة عقباته وآفاته، وينوِّره بالنور الإلهي ويُدخله في الواصلين. فيكمل له الوصول والشهود مع رؤيته عجائباتِ المنازل والمقامات. ولا شعورَ لأهل العقل بهذه المعارف والنكات، ولا مَدخَل للعقل فيه، والاطلاعُ بأمثال هذه المعاني إنما هو من مشكاة النبوة والولاية، وما شمّ العقل رائحته، وما كان لعاقل أن يضع القدم في هذا الموضع إلا بجذبة من جذبات رب العالمين.

وإذا انفكّت الأرواح الطيبة الكاملة من الأبدان، ويتطهرون على وجه الكمال من الأوساخ والأدران، يُعرَضون على الله تحت العرش بواسطة الملائكة، فيأخذون بطور جديد حظًّا من ربوبيته يغاير ربوبيةً سابقة، وحظًّا من رحمانية مغايرَ رحمانيةٍ أولى، وحظًّا من رحيمية ومالكية مغايرَ ما كان في الدنيا. فهنالك تكون ثماني صفات تحملها ثمانية من ملائكة الله بإذن أحسن الخالقين. فإن لكل صفة مَلَك مُوَكَّلٌ قد خُلق لتوزيع تلك الصفة على وجه التدبير ووضعها في محلها، وإليه إشارة في قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}، فتدبَّرْ ولا تكُنْ من الغافلين. وزيادة الملائكة الحاملين في الآخرة لزيادة تجلياتٍ ربانية ورحمانية ورحيمية ومالكية عند زيادة القوابل، فإن النفوس المطمئنة بعد انقطاعها ورجوعها إلى العالم الثاني والرب الكريم تترقى في استعداداتها، فتتموج الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية بحسب قابلياتهم واستعداداتهم كما تشهد عليه كشوف العارفين. وإن كنت من الذين أُعطيَ لهم حظٌّ من القرآن، فتجد فيه كثيرا من مثل هذا البيان، فانظرْ بالنظر الدقيق لتجد شهادة هذا التحقيق، من كتاب الله رب العالمين“.

(المصدر: كتاب كرامات الصادقين)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ثم قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى {يَوْمِ الدِّينِ} ردٌّ لطيف على الدهريين والملحِدين والطبيعيين الذين لا يؤمنون بصفات الله المجيد، ويقولون إنه كعِلّةٍ موجِبة وليس بالمدبّر المُريد، ولا يوجد فيه إرادة كالمنعِمين والمعطين. فكأنه يقول كيف لا تؤمنون بربّ البريّة وتكفرون بربوبيته الإرادية، وهو الذي يُربّي العالمين، ويغمر بنواله، ويحفظ السماوات والأرض بقدرته وجلاله، ويعرف من أطاعه ومن عصا، فيغفر المعاصي أو يؤدّب بالعصا، ومن جاءه مطيعًا فله جنّتانِ، وحفّتْ به فرحتان، فرحة تصيبه من اسم الرحيم، وأخرى من الرحمن القديم، فيُجزَى جزاءً أوفى من الله الأعلى، ويُدخَل في الفائزين.

ولا شك أن هذه الصفات تجعل الله مستحقًّا للعبادة، معطيًا من عطايا السعادة، وأما التقديس وحده، كما ذُكر في الإنجيل، فلا يُحرّك الروحَ للعبادة، بل يتركها كالنائم العليل.

وأما سِرُّ هذا الترتيب الذي اختاره في الفاتحة ربُّنا المجيد ذو المجد والعزة، وذكر المحامد قبل ذكر الدعاء والعبادة، فاعلم أنه فعَل ذلك ليذكّر عبادَه عظمةَ صفات البارئ ذي المجد والعلاء قبل الدعاء، ويشير إلى أنه هو المولَى لا مُنعِمَ إلا هو، ولا راحِمَ إلا هو، ولا مُجازِيَ إلا هو، ومنه يأتي كلُّ ما يأتي العباد من الآلاء والنعماء. وهذا الترتيب أحسنُ وللروح أنفع، فإنه يُظهِرُ على السعيد منن الله الرحيم، ويجعله مستعدًّا ومقبِلًا على حضرة القدير الكريم، ويَظهَر منه تموُّجٌ تامٌّ في أرواح الطلباء، كما لا يخفى على أهل الدهاء. وأما تخصيص ذكر الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية في الدنيا والآخرة .. فلأجل أن هذه الصفات الأربعة أُمّهاتٌ لجميع الصفات المؤثّرة المفيضة، ولا شك أنها محرّكات قويّة لقلوب الداعين“.

( المصدر: كتاب كرامات الصادقين )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

فإن العبد إذا تدبّرَ في صفات جعَلها الله مقدّمة لدعاء الفاتحة، وعلِم أنها مشتملة على صفات كماله ونُعوت جلاله باستيفاء الإحاطة، ومحرّكة لأنواع الشوق والمحبة، وعلِم أن ربّه مبدأٌ لجميع الفيوض، ومنبع لجميع الخيرات، ودافعٌ لجميع الآفات، ومالكٌ لكل أنواع المجازاة، منه يبدأ الخَلق وإليه يرجع كل المخلوقات، وهو منزه عن العيوب والنقائص والسيئات، ومستجمِع لسائر صفات الكمال وأنواع الحسنات، فلا شك أنه يحسَبه مُنجِحَ جميعِ الحاجات، ومُنجِيًا من سائر الموبقات، فيكابد في ابتغاء مرضاته كلَّ المصائب، ولو قُتل بالسمّ الصائب، ولا يُعجِزه الكروبُ، ولا يدري ما اللغوب، ويجذبه المحبوب، ويعلم أنه هو المطلوب، وييسِّر له استقراءَ المسالك لتطلُّب مرضاة المالك، فيجاهد في سبله ولو صار كالهالك، ولا يخشى هولَ بلاء، وينبري لكل ابتلاء، ولا يبقى له من دون حُبِّه الأذكار، ولا تستهويه الأفكار، وينزل من مطيّة الأهواء، ليمتطي أفراس الرضاء، ويَضْفِر أَزِمّةَ الابتغاء، ليقطع المسافة النائية لحضرة الكبرياء، ويظلّ أبدًا له مُدانِيًا، ولا يجعل له ثانيا من الأحبّاء، ولا يَعتوِرُ قلبه بين الشركاء، ويقول يا ربّ تسلَّمْ قلبي، وتكفيني لجذبي وجلبي، ولن يُصبِيني حسن الآخرين. هذه نتائج تمهيد دعاء الفاتحة“.

(المصدر : كتاب كرامات الصادقين)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ما بيّنه الله تعالى في سورة الفاتحة بدءا من صفة {رب العالمين} إلى {مالك يوم الدين} يشمل أربعة أنواع للصدق أو أربع حقائق عظيمة بحسب تصريحات القرآن الكريم وأرى من الحكمة بيانها هنا بالتفصيل.

الصدق الأول أو الحقيقة الأولى هي أن الله رب العالمين، بمعنى أن الله ربُّ كلِّ ما يوجد من الأشياء في العالم ومالكها. وكل ما يوجد في العالم أو ما يُرى أو يُلمس أو يمكن أن يحيط به العقل علما كله مخلوق، ولا وجود حقيقي لأي شيء سوى ذات البارئ تعالى. وباختصار شديد إن العالم بجميع أجزائه مخلوق خلقه الله، وما من شيء في أجزاء العالم ليس خلق الله. وإن الله تعالى متصرف وحاكم بربوبيته التامة على كل ذرة من ذرات العالم، وإن ربوبيته تعمل عملها في كل حين وآن باستمرار. وليس أن الله تعالى خلق العالم ثم انفصل عن نظامه وجلس عاطلا، وسلّمه إلى قانون الطبيعة ولم يعد يتدخل في أي شيء، ولم تعد بين الخالق الحقيقي والمخلوقات أية علاقة كما لا تبقى علاقة بين الأداة وصانعها بعد صنعها. بل الحق أنه ربّ العالمين ويسقي العالم كله كل حين وآن بماء ربوبيته التامة، وأن غيث ربوبيته ينزل على العالم كله بالتواتر دون انقطاع. ولا يخلو وقت من رشح فيضه. بل الحق أن هناك حاجة إلى الله مبدأ الفيض بعد خلق العالم أيضا دون أدنى تفاوت وكأنه لم يخلق شيئا بعد. وكما كانت الدنيا بحاجة إلى ربوبيته من أجل وجودها وظهورها من قبل كذلك لا تزال بحاجة إلى ربوبيته اليوم أيضا من أجل بقائها وقيامها. وهو الذي يتدارك الدنيا ويحافظ عليها، وكل ذرة من الدنيا نضرة بسببه هو عز وجل ، وهو الذي يتولى ربوبيتها بحسب مشيئته وإرادته كيفما يشاء، وليس أن يكون سببا لربوبية شيء دون إرادته.

فالمراد من هذا الصدق المذكور بحسب الآيات القرآنية التي ألخصها هنا هو أن كل ما يوجد في العالم إنما هو مخلوق وبحاجة إلى ربوبية الله تعالى في جميع كمالاته وفي جميع حالاته وجميع أوقاته. وما من كمال روحاني أو مادي يمكن أن يناله مخلوق تلقائيا بدون مشيئة ذلك المتصرف القدير الخاصة. وبحسب توضيح هذا الكلام المقدس هناك معان أخرى أيضا أُخذت بعين الاعتبار في هذا الصدق وغيره، وهي أن صفة رب العالمين وغيرها التي توجد في الله تعالى خاصة بذات الله وحده لا شريك له، ولا يشاركه فيها أحد، كما ذُكر في الجملة الأولى لهذه السورة أي: {الحمد لله} أن المحامد كلها خاصة بالله.

والصدق الثاني هو: {الرحمن} الذي ذُكر بعد {رب العالمين.} ومعنى الرحمن كما بينتُ من قبل أيضا، هو أن كل ما يوجد في العالم من ذوي نفس منفوسة سواء كانوا من ذوي الشعور أم غيرهم، وسواء أكانوا صالحين أم طالحين؛ فقد هيأ الله تعالى ويهيئ دائما نتيجة رحمته العامة أسبابا مطلوبة كلها لقيامها وبقاء وجودها وبقاء نوعها وتكميلها. وهذا عطاء محض لا يتوقف على عمل عامل.

والصدق الثالث هو الرحيمالذي ذُكر بعد الرحمن، ومعناه أن الله تعالى يُرتِّب بمقتضى رحمته الخاصة ثمرات حسنة على سعي كل ساعٍ، فيغفر للتائبين ذنوبهم، ويعطي السائلين، ويفتح للذين يطرقون.

والصدق الرابع المذكور في سورة الفاتحة هو: {مالك يوم الدين}، أي أن الله القادر والقدير هو مالك الجزاء الكامل الذي يخلو من كل نوع من الامتحان والابتلاء ومنزَّه عن توسط أسباب الغفلة والافتراء، وبريء عن كل كُدورة وكثافة وشكٍّ وارتياب ونقص، ومظهر للتجليات العظمى. ولا يعجز قط عن إظهار جزائه الكامل والواضح وضح النهار. ويهدف الله تعالى من إظهار هذا الصدق العظيم أن تتبين على كل شخص الأمور التالية كحق اليقين.

أولا: أن الجزاء والعقاب أمر حتمي ويقيني وينزل من المالك الحقيقي، ويصيب العباد بمشيئة الله الخاصة، ولكن لا يمكن كشفه بوضوح تام في الدنيا لأنه لا يستبين لعامة الناس في الدنيا ما هو السبب وراء كل ما يصيبهم من الخير والشر والراحة والألم، وبأمر مَن يصيبهم؟ ولا يتناهى لأحد صوت أنه نائل جزاءه، ولا يُكشف على أحد بطريق مشهود ومحسوس أن كل ما يمرّ به إنما هو جزاء أعماله.

ثانيا: قد أريدَ كشف الأمر من خلال هذا الصدق أن الأسباب العادية ليست شيئا بل الفاعل الحقيقي هو الله وحده. وهو الذات العظيم والوحيد الذي هو مبدأ جميع الفيوض ومالك الجزاء والعقاب كله.

والأمر الثالث الذي أُريدَ بيانه من خلال هذا الصدق هو ماهية السعادة العظمى والشقاوة العظمى. أيْ أن السعادة العظمى هي حالة الفوز العظيم حين يحيط النور والسرور والمتعة والراحة بظاهر الإنسان وباطنه وجسده وروحه ولا يبقى عضو أو قوة خارج نطاقها. أما الشقاوة العظمى فهو عذاب أليم يُضرَم في القلوب بسبب المعصية وعدم التطهُّر والبُعد ثم يستولي على الأجساد حتى يبدو الوجود كله في النار والسقر. إن هذه التجليات العظمى لا يمكن أن تتجلى في هذا العالم لأن هذا العالم الضيق والمنقبض والمكدَّر والواقع في حالة ناقصة بسبب التورط في الأسباب الظاهرية لا يحتمل ظهورها، بل يغلب هذا العالمَ الابتلاءُ والفتنةُ، وإن راحته وألمه مؤقتان وناقصان. وكل ما يصيب الإنسان في هذا العالم يكون محجوبا بحجب الأسباب، الأمر الذي يؤدي إلى حَجب وجه مالك الجزاء وكتمانه لذا لا يمكن أن يكون هذا العالم يوم الجزاء بوجه خالص وكامل ومكشوف بل إن يوم الدين أي يوم الجزاء الخالصُ والكاملُ والمكشوف هو ذلك العالم الذي سيأتي بعد نهاية هذا العالم، وهو المظهر لتجليات عظمى وهو مكان ظهور الجلال والجمال بوجه أكمل. ولأن هذا العالم الدنيوي ليس دار الجزاء من حيث وضعه الحقيقي بل هو دار الابتلاء لذا يصيب الناس بعض العسر واليسر والراحة والألم والسعادة والحزن في هذا العالم أيضا، ولكن ذلك لا يدلّ على لطف الله أو غضبه دلالة قاطعة. فمثلا إن غنى أحد من الناس لا يدل بالقطع على أن الله تعالى راض عنه تماما، كذلك إن إفلاس أحد وفقره أيضا لا يدل بالجزم على أن الله ساخط منه. بل كِلا هذين الأمرين يشكلان ابتلاء ليُبتَلى الغني بغناه ويُبتَلى الفقير بفقره.

هذه هي الأنواع الأربعة للصدق التي قد ذُكرت في القرآن الكريم ببيان مفصل. ويتبين بمطالعة القرآن الكريم أن آيات القرآن الكريم تجري في تفصيلها كبحر زخار. لو فسرتُ هنا تلك الآيات بالتفصيل لنفدت في ذلك عدة مجلدات من الكتاب، لذا فقد اكتفيتُ في هذا البحث التمهيدي بما قلّ ودلّ من كلمات سورة الفاتحة لأني سأفصلها قريبا بإذن الله في محلها عند ذكر البراهين القرآنية.

والآن أريد أن أذكر أن هذه الأقسام الأربعة للصدق البينَّة الثبوت وبديهية الصدق إنما هي عديمة النظير وتحتل درجة عليا إذ يثبت بالأدلة القاطعة أنها كانت قد اختفت من الدنيا في أيام بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما كان على وجه المعمورة قوم ملتزم بها دون شوائب الإفراط والتفريط. ثم نزل القرآن الكريم وأخرج هذا الكلامُ المقدسُ تلك الحقائق المفقودة من زاوية الكتمان من جديد وأخبر الضالين عن وجودها الحقيقي، ونشرها في الدنيا ونوّر عالمًا بنورها. ولكن كيف كانت الدنيا غافلة وجاهلة عن تلك الأقسام من الصدق! يكفي إثباتا لذلك دليل واحد أنه لا يوجد في العصر الراهن أيضا قوم ملتزم بهذه الحقائق أو الأقسام من الصدق على وجه صحيح وكامل سوى أهل الدين الحق؛ الإسلام. ومن ادّعى بوجود قوم مثله فعليه تقع مسئولية الإثبات.

وبالإضافة إلى ذلك فإن شهادة القرآن الكريم التي هي حجة على كل مخاصم بسبب انتشارها بين الأصدقاء والأعداء تكفي دليلا على ذلك، وتلك الشهادات مذكورة في القرآن الكريم بكثرة في عدة آيات. ولا يجهل مؤرخ وملمٌّ بالحقيقة أن كل قوم كان قد بلغ من الضلال والغواية قمته في أيام بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما كانوا ثابتين على أيّ صدق بوجه كامل. فلو ألقينا نظرة على حالة اليهود قبل غيرهم لتبين أن شكوكا وشبهات كثيرة كانت تخالجهم في ربوبية الله التامة، فقد اتخذوا لأنفسهم مئات الأرباب المتفرقة غير مكتفين برب العالمين الواحد. أيْ أن عبادة المخلوق وعبادة الآلهة فيهم كانت على أشدها، كما ذكر الله تعالى حالتهم هذه في القرآن الكريم فقال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اِلله}33 وإن معظم اليهود كانوا يعتقدون مثل أتباع مذهب الطبيعة أن نظام الدنيا جارٍ على قوانين ثابتة ومعينة ومنضبطة، وأن الله عاجز عن التصرف بالقدرة في هذا القانون، وكأن يديه مغلولتان فلا يقدر على خلق شيء بخلاف هذا القانون ولا يقدر على الإفناء، بل لا تزال آلة العالم تعمل من تلقاء نفسها معتمدة على قوة أجزائها منذ أن لمّ شمل العالم بطريقة معينة وتفرّغ عن خلق العالم، ولا تصرُّف ولا دخل لرب العالمين في عمل تلك الأداة. وليس له الخيار في أن يُظهر ربوبيته على مراتب متفاوتة بحسب رغبته ومشيئته، أو أن يغيّر شيئا بحسب مشيئته. بل يعدُّ اليهودُ الله تعالى كيانا ماديا ومتجسدا ويعُدّونه مثل العالم المادي وجزءا منه. وقد ترسخ في ذهنهم الناقص أن كثيرا من الأشياء التي تجوز للمخلوق فإنها تجوز لله، فلا يعتقدون بكونه منزَّها من كل الوجوه. وفي توراتهم المحرَّفة والمبدَّلة أنواع من الإساءات بحق الله تعالى. فقد جاء في سِفر التكوين: 32 ما مفاده أن الإله صارع يعقوب طول الليل ومع ذلك لم يقدر عليه.

وخرقوا لله بنين بخلاف المبدأ القائل بأن الله ربّ لكل ما في العالم، كما ورد عن النساء في مكان أنهن بنات الله. وجاء في مكان آخر في الكتاب المقدس أنكم جميعا أبناء الله. صحيح أن المسيحيين قد تعلّموا عبادة المخلوق من عبارات كهذه لأنهم حين علموا أن تعليم الكتاب المقدس يجعل أناسا كثيرين أبناءً وبناتًا لله بل يعُدُّهم آلهة أيضا قالوا في أنفسهم تعالَوا نُقحم ابن مريم أيضا فيهم حتى لا يتخلّف عن حيازة مرتبة البنوة. لذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم بأنهم لم يأتوا بشيء جديد عندما عدّوا ابن مريم ابنا لله بل حذوا حذو الملحدين والمشركين الذين سبقوهم.

فباختصار، كانت عبادة المخلوق في زمن سيدنا خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم غالبة على اليهود إلى أقصى الدرجات، وكانوا قد ابتعدوا عن المعتقدات الحقة أيما بُعد، لدرجة كان بعضهم يعتقدون بالتناسخ أيضا مثل الهندوس، وكان البعض ينكرون الجزاء والعقاب نهائيا. أما بعضهم الآخرون فكانوا يعتقدون باقتصار الجزاء والعقاب على الدنيا فقط وما كانوا يعتقدون بالقيامة. وحذا آخرون منهم حذو الإغريق فاعتقدوا بأزلية المادة والأرواح وكونها غير مخلوقة. كان البعض يعتقدون بفناء الروح مثل الملحدين وذهب غيرهم إلى أن الله تعالى ليس ربّ العالمين ومدبّر الكون بإرادته.

فزبدة الكلام أن أفكارهم كانت فاسدة كلها فسادَ جسد المجذوم، فما كانوا يعتقدون بصفات الله الكاملة مثل الربوبية والرحمانية والرحيمية، ومالكية يوم الدين. وما كانوا يعدّون تلك الصفات خاصة به سبحانه وتعالى وما كانوا يوقنون بوجودها في الله تعالى على وجه كامل. بل تطرق إلى معتقداتهم كثير من الظنون السيئة وأنواع الإلحاد والشوائب. وقد شوّهوا صورة تعليم التوراة بشدة متناهية وبدأوا بنشر رائحة كريهة للشرك والسيئة. فكان معظمهم مرشدو المشركين ومن السابقين الأولين في اعتبار الله تعالى كيانا متجسدا وعاطلا عن ربوبيته ورحمانيته ورحيميته وغيرها من الصفات، وفي اعتبار أشياء أخرى شريكة له سبحانه وتعالى فيها.

هكذا كانت حالة اليهود، ولكن من المؤسف حقا أن النصارى جعلوا حالهم أسوأ من ذلك في غضون أيام قليلة، فلم يعودوا ثابتين على أيّ من أقسام الصدق المذكورة آنفا، ونسبوا صفات الله الكاملة كلها إلى ابن مريم. يتلخص دينهم في أن الله تعالى ليس ربًّا لجميع ما في العالم، بل المسيح خارج عن ربوبيته بل هو ربٌّ بحد ذاته. وكل ما خُلق في العالم ليس مخلوقا وحادثا كقاعدة عامة بحسب زعمهم الباطل، بل إن ابن مريم غير مخلوق ويساوي الله تعالى بل ربٌّ في حد ذاته على كونه حادثا ومخلوقا في العالم، وفي شخصه العجيب أعجوبة بأنه قديم مع كونه حادثا. ومع أنه بحسب إقراره هو تحت إمرة وتصرُّف ذات واجب الوجود إلا أنه واجب الوجود ومستقل بحد ذاته وليس تحت إمرة أحد. ومع أنه ضعيف وتعوزه القوة بحسب اعترافه هو ولكنه مع ذلك قادر وقدير وليس عاجزا بحسب زعم المسيحيين الباطل. ومع أنه معترف بنفسه أنه يجهل الأمور الغيبية تماما لدرجة لا يدري متى تقوم القيامة ولكنه يُعَدُّ عالم الغيب بحسب عقيدة النصارى الخاطئة. ومع أنه عبد ضعيف بإقراره وبشهادة صحائف الأنبياء إلا أنه يُعدّ إلها في نظر النصارى. ومع أنه ليس بارا وبريئا من الذنب كما اعترف بنفسه ولكنه بارٌّ وبريء من الذنب عند النصارى.

فباختصار، إن المسيحيين قوم غريب حقا قد جمعوا الضدَّين وأجازوا التناقض. ومع أن تمسكهم بالمعتقدات المذكورة آنفا يستلزم كذب المسيح ولكنهم مع ذلك لم يتخلوا عنها، وعدُّوا عبدا ضعيفا وعاجزا مسكينا ربَّ العالمين، وأجازوا لربّ العالمين كل نوع من الذلة والموت والألم والمعاناة من قبيل التجسد والحلول والتغيُّر والتبدُّل والحدوث والتولُّد، فقد اتخذ الأغبياءُ اَلله ألعوبة!!

ثم لا يقتصر الأمر على النصارى فقط بل قد اتُّخذ قبلهم كثيرٌ من العباد الضعفاء آلهةً. فهناك من يقول إن رام تشندرإلهٌ، ويقول الآخر: لا، بل إن ألوهية كرشناأقوى منه. كذلك هناك من يعدّ بوذاإلهًا، وهناك من يؤلِّه غيره وهكذا دواليك. فعلى المنوال نفسه حذا هؤلاء السذج في العصر الأخير حذو المشركين الأوائل واتخذوا ابن مريم إلها وابن إله.

فلباب الكلام أن المسيحيين لا يعدّون الله الحقيقي ربّ العالمين ولا يعُدّونه الرحمن ولا الرحيم، ولا يعتقدون بكونه مالك يوم الدين بل السماوات والأرض خالية من وجود الإله الحقيقي بحسب زعمهم، ويعدّون ابن مريم كل شيء. فيزعمون أنه إذا كان هناك ربٌّ فهو ابن مريم، وإذا كان هناك الرحمنأو الرحيمفليس إلا هو، وإذا كان هناك مالك يوم الدين فليس إلا ابن مريم.

كذلك إن عامة الهندوس والآريين أيضا منحرفون عن هذه الأقسام من الصدق لأن الآريين منهم لا يؤمنون بالله تعالى خالقا أصلا، ولا يعُدّونه ربَّ أرواحهم. أما الوثنيون منهم فلا يعدّون صفة الربوبية خاصة برب العالمين، بل يعدّون ثلاثمئة وثلاثين مليون إلهاً شركاء لله في الربوبية ويسألونها مراداتهم. فكل من هذينِ الفريقين ينكر رحمانية الله أيضا، ويعتقدون بحسب تعليم الفيدا أن صفة الرحمنلا توجد في الله مطلقا. وكل ما خلقه الله فقد اضطر لخلقه بسبب أعمالهم الصالحة، وإلا فالإله ليس قادرا على أن يحسن إلى أحد بمحض إرادته بل لم يفعل ذلك قط. كذلك لا يحسبون الله الرحيم الكامل لاعتقادهم أنه مهما تاب المذنب توبة نصوحا بصدق القلب وظل عاكفا على التضرع والإلحاح وكسب الأعمال الصالحة إلى سنين طويلة لن يغفر الله له ذنوبه التي صدرت منه ما لم يقضِ عقوبته بولادته مئات آلاف المرات على طريق التناسخ. فكلما ارتكب أحد ذنبا، ما نفعته التوبة ولا العبادة ولا خشية الله ولا عشقه ولا عمل صالح آخر وكأنه مات وهو حيٌّ ويئس من رحيمية الله كليا. فإن هؤلاء القوم لا يؤمنون إيمانا كاملا بيوم الجزاء الذي بناء عليه يُعد الله تعالى مالك يوم الدين. وينكرون أيضا الأساليب المذكورة آنفا التي بسببها يصل الإنسان سعادته العظمى أو يواجه شقاوته العظمى، وينكرون أيضا ظهور تلك السعادة أو الشقاوة العظمى، ويرون النجاة الأخروية أمرا خياليا ومزعوما فقط بل لا يعتقدون بالنجاة الأبدية أصلا. ويقولون بأن الإنسان لن ينال الراحة الدائمة، لا في هذا العالم ولا في ذلك، والدنيا أيضا دار الجزاء الكامل مثل الآخرة بحسب زعمهم الباطل. ويرون أن مَن أُعطِي ثروة هائلة في الدنيا فقد أُعطِيها نتيجة أعماله الصالحة التي كسبها في حياته السابقة، فهو يستحق أن يُنفق تلك الثروة في هذه الدنيا لإشباع أهواء نفسه الأمارة.

ولكن من الواضح تماما أن إعطاء الله أحدا ثروة في هذه الدنيا فيعدّها جزاء لأعماله في الحقيقة ويجعلها وسيلة للأكل والشرب وإشباع الأهواء من كل نوع غير جائز بكل المعايير وعزوه إلى الله تعالى إساءة من الدرجة القصوى، لأن ذلك يؤدي إلى استنتاج أن إله الهندوس يتعمّد توريط الناس في الأعمال السيئة والقذرة. وينوي أن يفتح عليهم أبواب الأهواء النفسانية على مصراعيها قبل أن تتطهّر نفوسهم. ويجازيهم على أعمالهم الصالحة في حياتهم السابقة بأن ينالوا كافة أسباب التنعُّم والرفاهية في الحياة التالية ويتبعوا النفس الأمارة كليًا فيقعوا فيما تحت الثرى.

والمعلوم أن الذي ترسخت في ذهنه فكرة أن كل ما يملكه من مال وثروة وجاه وحكم إنما هو جزاء أعماله السابقة، أفلا يتّبع نفسه الأمارة إلى أقصى الحدود يا تُرى؟ ولكن إذا كان يُدرك أن الدنيا ليست دار الجزاء بل هي دار الابتلاء، وكل ما أُعطِيه إنما هو على سبيل الابتلاء ليُنظَر كيف يعمل، وما من شيء هو مِلك أو حقٌّ له، فسيرى في هذه الحالة نجاته في أن يُنفق جُل ماله في الحسنات وسيشكر أيضا شكرا كثيرا لأنه لا يشكر بالإخلاص والحب من الأعماق إلا الذي يُدرك أن كل ما ناله كان مجانا وقد أُعطِي كل شيء بغير استحقاق منه.

فباختصار، إن الله ليس ربّ العالمين عند الآريين وليس الرحمنولا الرحيم، ولا قادرا على الجزاء الأبدي والدائم والكامل.

والآن أبيّن ما هو موقف أتباع برهمو سماج تجاه المعارف المذكورة أي عن أقسام الصدق الأربعة التي ذكرتها آنفا، وهل هم متمسكون بها أم لا؟

فليكن واضحا أنهم ليسوا ثابتين عليها أو متمسكين بها كما يجب، بل ليسوا مطلعين أصلا على مفهوم كامل لتلك المعارف السَنيّة. أولا وقبل كل شيء إن كون الله تعالى ربّ العالمين وهو المراد من الربوبية التامة لا يزال خافيا على فهمهم وإدراكهم إلى الآن. ولا يرون أن لربوبية الله تأثيرا على الدنيا أكثر من أنه خلق في وقت من الأوقات هذا العالم كله مع كافة قواه وقدراته، أما الآن فإن تلك القدرات والقوى مسخّرَة وتعمل عملها باستمرار، ولا يستطيع الله أن يتصرّف فيها أو يغيِّر فيها شيئا أو يبدِّل. وأن أساس قوانين الطبيعة المحكمَ والقويَّ قد جعل ذلك القادر القدير عاطلا بحسب زعمهم الباطل، ولم يعد لديه سبحانه وتعالى مجال للتصرف فيها. فمثلا لم يعد سبحانه وتعالى يذكر خطةً ليمنع مادة حارة من أن تؤثّر حرارتها، أو أن يعيق مادة باردة من أن تؤثِّر برودتها، أو يمنع تأثير النار في الإحراق. وإذا كان يذكر خطة ما فإلى حدودٍ يحيط بها علم الإنسان وليس أكثر من ذلك، بمعنى أن حدود قدرات الله تنتهي على ما كشفه الإنسان من كيفية العالم وخواصه المحدودة، وما أحاطته به تجارب البشر إلى الآن، ولا تعمل قدرته التامة وربوبيته العامة أكثر من ذلك قط. وكأن كلّ قدراته وجُل حِكمه تقتصر على ما كشفه الإنسان؟ والمعلوم أن هذا الاعتقاد ينافي الربوبية التامة والقدرة الكاملة أيما منافاة؛ لأن الربوبية التامة والقدرة الكاملة غير محدودة مثل ذات الله غير المحدود، ولا يمكن لقاعدة أو قانون إنساني أن يحيط به.

ترجمة بيت أردي: “إن طريق إظهار القدرة ليس محدودا، وإن الادعاء بحصر قدرات الله إنما هو إدّعاء الألوهية“.

فليكن معلوما أن ما كان غير محدود وغير محصور لا يمكن أن يخضع لقانون لأن ما كان ضمن حدود القواعد المعلومة والمفهومة من أوله إلى آخره ولا يخرج جزء منه من هذه السلسلة ولا يكون غير معلوم أو غير مفهوم فيكون ذلك الشيء محدودا. الآن، لو عُدّت قدرات الله الكاملة وربوبيته التامة منحصرة في قوانين محدودة وثابتة لاستلزم ذلك أن يُعدّ محدودا الشيءُ الذي سبق أن عدَّ غير محدود. فمن خطأ أتباع برهمو سماج الفادحِ أنهم يريدون أن يُقحموا قدرات الله اللامتناهية وربوبيته في دائرة تجاربهم الضيقة ولا يدرون أن الأمور التي تخضع لقانون ثابت تستلزم أن يكون مفهومها محدودا. ولكن الحِكم والقدرات الموجودة في ذات غير محدود يجب أن تكون غير محدودة كذلك. هل لعاقل أن يقول إن الله القادر القدير يعرف عملية الخلق بطريقة كذا وكذا فقط وليس أكثر من ذلك؟ هل يمكن أن تُقاس قدراته غير المتناهية بمقياس بشري أو هل يمكن أن تعجز عن التصرف في العالم حِكمُه المبنية على القدرة المطلقة وغير المتناهية؟ لا شك أن يد قدرته تملك قدرة على كل ذرة، وليس قيام مخلوق من المخلوقات وبقاؤه نتيجة خلقه الذاتي المحكم، بل هو بفضله وبركته سبحانه وتعالى .- وهناك مجالات كثيرة للقدرة مفتوحة أمام قدراته الربانية، فلا نهاية لها داخليا ولا شاطئ خارجيا أيضا. فكما يمكن أن يخلق الله أسبابا خارجية لإزالة الحرارة من النار المشتعلة فتتلاشى حدتها، كذلك يمكن أن يخلق الله في النار نفسها أسبابا لإزالة صفة الإحراق منها تؤدي إلى اختفاء خاصة الإحراق منها لأنه لا شيء مستحيل أمام حِكمه وقدراته غير المتناهية. وحين اعترفنا بأن حِكمه وقدراته غير متناهية وجب أن نؤمن أيضا أنه من المستحيل أن نحيط بجميع حِكمه وقدراته علما. فلا يمكن أن نسنَّ لِحكمه وقدراته قانونا يحدُّها. والشيء الذي لا نعلم حدوده نكون عاجزين عن الإحاطة به علمًا.

والمعلوم أننا كدائرة ضيقة وصغيرة جدا من عالَم بني آدم، ولا نحيط بهذه الدائرة الضيقة أيضا علما، فمن غباوتنا الشديدة أن نقيس حِكم الله وقدراته بهذا المقياس الصغير بل الأصغر.

فباختصار، إن أتباع برهمو سماج ينكرون ربوبية الله التامة وقدرته الكاملة التي تسقي كل ذرة في كل حين وآن حفاظا على وجودها وبقائها، والتي تخرج أعمالها العميقة عن حدّ العدّ والإحصاء.

وبالإضافة إلى ذلك إن أتباع برهمو سماج لا يعدّون ربوبية الله تامةً وكاملة من حيث الروحانية أيضا ويعُدّون الله عاجزا وقاصرا عن أن ينزل كلامه المنير الذي لا ريب فيه لهداية الناس بمقتضى ربوبيته التامة. كذلك لا يؤمنون إيمانا كاملا برحمانيته أيضا، لأن المراد من الرحمانية الكاملة هو أنه كما خلق الله تعالى بيد قدرته الخاصة أسبابا لتكميل الأجساد وتربيتها وخلق بيده مئات الأشياء بما فيها الشمس والقمر والهواء والسحاب وغيرها لراحة الجسد المؤقتة كذلك لا بد من أن ينزل النور الروحاني للتكميل الروحاني وللراحة الروحانية للعالم الذي شقاوته وسعادته أبدية. أي لا بد أن يكون قد أرسل كلامه المقدس والمنير من أجل عاقبة الدنيا، ويكون قد وهب بنفسه كل العلوم التي تحتاج إليها الأرواح المستعدة، ونجاها من الشكوك والشبهات التي تهددها بالهلاك. ولكن أتباع برهمو سماج لا يعترفون بهذه الرحمانية الكاملة. ويزعمون أن الله تعالى لم يدخّر جهدا في سبيل ملء بطون الناس ولكنه ما استطاع أن يسد حاجاتهم من حيث تربيتهم الروحانية، وهذا يعني أن الله تعالى قد قصّر متعمِّدا في التربية الروحانية التي هي التربية الحقيقية والمهمة ولم يخلق لها أسبابا كافية وقوية ولا سيما كما خلق لتربية الأجساد، بل ترك الإنسان وعقَله الناقص دون أن يخلق من عنده نورا كاملا لنصرة عقله لتصير بها عين عقله الضبابيةُ بصيرةً وتختار طريقا مستقيما وتنجو من مهالك السهو والخطأ.

كذلك لا يؤمن أتباع برهمو سماج إيمانا كاملا برحيمية الله تعالى أيضا لأن المراد من الرحيمية الكاملة هو أن يُلَبِّب الله تعالى الأرواح النشيطة بالمعارف الصافية وغير المحجوبة بحسب حماسها الفطري وبقدر إخلاصها المليء بالحماس وبحسب مساعيها المخلصة، ويفتح عليهم أبواب السماء بقدر ما يفتحون قلوبهم، وليُعطَوا ماء بقدر ما يشتد ظمأهم حتى يرتووا من شراب حق اليقين الطهور وينجوا تماما من موت الشكوك والشبهات. ولكن أتباع برهمو سماج ينكرون هذه الحقيقة ويزعمون أن الإنسان تعيس الحظ لدرجة لا يستطيع أن يحظى بوصال الحبيب مهما اضطرب لذلك ومهما جرت عيونه أنهارا، بل لو صار ترابا من أجل وصال حبيبه لن يصل إلى حبيبه الغالي على قلبه. ويزعمون أنه قاسي القلب قسوة متناهية فلا يرحم طالبيه ولا يُطمئن الباحثين عنه بآياته الخاصة، ولا يعالج المتألمين بتجلياته المدلِّلة بل يتركهم تائهين في أفكارهم ولا يرزقهم معرفة أكثر من أن يتخبّطوا في التخمينات من عند أنفسهم فقط فيضيعوا أعمارهم كلها في التخمينات ويموتوا في حالة من الظلمة المستولية عليهم. ولكن هل صحيح فعلا أن الله قاسي القلب إلى هذا الحد أو فاقد الرحمة وبخيل إلى هذه الدرجة أو ضعيف وعديم الحيلة بحيث يترك الباحثين عنه حيارى ومشدوهين ويغلق بابه على الذين يطرقون ولا يرحم الذين يفرون إليه بصدق، ولا يرحم حالة ضعفهم ولا يأخذ بيدهم بل يدَع الطالبين الصادقين ليسقطوا في الهوة ولا يتقدم إليهم لطفا منه ولا يجعل مدة معاناتهم قصيرة بتجليه الخاص؟ سبحانه وتعالى عما يصفون.

كذلك يجهل أتباع برهمو سماج أن الله مالك يوم الدين، لأن حقيقة مالكية يوم الدين هي أن تظهر ملكية الله التامة التي تتوقف على التجليات العظمى ويُعطَى العبادُ جزاء موفورا بحسب عظمة الملكية التامة. أيْ يجب أن تظهر ملكية المالك الحقيقي التامة أولا ظهورا كاملا حتى تزول الأسباب العادية كليا ولا يبقى لزيدٍ أو عمرٍو أيّ دخلٍ في ذلك أبدا بل يتراءى لهم وجود الله المالك الواحد القهار بكل وضوح. وبعد تجلّي هذه المعرفة الكاملة يجب أن يتجلّى الجزاء أيضا بتجلٍّ كامل أي يكون كاملا من حيث الورود ومن حيث الوجود أيضا. والمراد من حيث الورود هو أن يكون معلوما ومتحققا لكل نائلِ جزاءٍ أنه جزاءُ أعماله في الحقيقة. وليكن متحققا أيضا أن مُعطي الجزاء هو في الحقيقة ذلك الكريم أي رب العالمين ليس غيره. وأن يتحقق كلٌّ من هذين الأمرين بجلاء تام دون أن يبقى للشك أيّ مجال.

كذلك يجب أن يكون التجلّي كاملا من حيث الوجود أيضا ليحيط بقلب الإنسان وروحه وظاهره وباطنه وجسده ونفسه وبكل قوته الروحانية والمادية إحاطة الدائرة. ويجب أن يكون التجلي مستديما وأبديا لا ينقطع ليصل مَن سبق في الحسنات إلى سعادته العظمى التي هي ذروة السعادات كلها، ويصل مَن سبق في السيئات إلى شقاوته العظمى التي هي النقطة الأدنى للشقاوات كلها. لكي ينال كل فريق أعلى درجة مكافأة ممكنة له، أي ينال المكافأة الكاملة والأبدية التي لا يمكن تحققها في هذا العالم الفاني والزائل الذي تنتهي كافة آلامه وأسباب راحته بالموت. بل قد حدد المالكُ الحقيقي لظهوره الكامل ولإظهار لطفه سبحانه وتعالى الكامل وقهره العظيم أي للتجلي الكامل لصفات جماله عز وجل وجلاله عالما آخر وهو عالم أبدي لا يزول. ولكي تتجلّى أيضا، بالتمام والكمال في ذلك العالم الواسعِ صفةُ الله مالك يوم الدين التي لا يمكن أن تتجلى على وجه كامل في هذا العالم الضيق والفاني. ولكي يصل الإنسان بناء على تلك التجليات التامة والكاملة إلى أعلى مرتبة المشاهدة بقدر قدراته البشرية. ولأن المكافأة من الدرجة العليا تنحصر عند العقل في أن الأمر الذي يمثّل الجزاء يجب أن يحيط بظاهر الإنسان وباطنه وجسده وروحه بالتمام والكمال وبصورة دائمة وحتمية، وأن أعلى مرتبة اليقين بوجود المالك الحقيقي تعتمد على أن يقضي ذلك المالك الحقيقي على الأسباب العادية قضاء نهائيا ويتجلّى بوضوح تام، لذا فإن هذا الصدق أو الحقيقة القصوى التي أريدَت بها قمة المعرفة وقمة المكافأة لن تتحقق إلا إذا تحققت جميع الأمور المذكورة آنفا وهي عند العقل في قائمة الأمور المذكورة آنفا، لأنه لا يمكن تحقق المعرفة المتناهية، بحسب العقل، إلا إذا كان جمال المالك الحقيقي مشهودا كحق اليقين، أي ينبغي أن يكون ظهوره وبروزه على وجه أتم تماما لا يُتصوَّر أكثر منه.

وعلى هذا المنوال، إن تحقق أعلى درجة مكافأة أيضا مستحيل عند العقل إلا إذا كان الجسد والروح مورد إنعام أو محل عقاب معا عند المكافأة كما كانا مطيعَينِ أو عاصيَينِ ومتمردَينِ معا في الحياة الدنيا، وأن يحيط بحر المكافأة الزخارُ إحاطة تامة بالظاهر والباطن على حد سواء.

لكن أتباع برهمو سماج ينكرون هذه الحقيقة أيضا بل إن هذه الحقيقة القصوى غير متحققة الوجود أصلا بحسب رأيهم. ولم يُكتب في نصيب الإنسان بحسب زعمهم نوال المعرفة التامة ولا المكافأة الكاملة، بل ليست المكافأة عندهم إلا فكرة خيالية فقط مبنية على أفكار المرء الشخصية والباطلة فحسب ولن يُصيب العباد جزاء حقيقي من الله ولن يرد عليهم منه عقاب، بل إن أفكار الإنسان التي اخترعها بنفسه هي التي تتسبب في حسن الحال أو سوء الحال، ولن ينزل من الله تعالى أمرٌ ظاهري أو باطني بمشيئته الخاصة على العباد الصالحين كنعمة كما لن يحل بالطالحين كعذاب.

إذن، إنهم لا يؤمنون بأن الله تعالى مالك الجزاء والعقاب وهو الذي سينزِّل بمشيئته الخاصةِ الراحةَ والبحبوحة على عباده الصالحين ويُنعم عليهم بفيض المتعة الدائمة التي لن يشعر السعداء بلذتها الكاملة باطنيا فقط بل سيشعرون بها بصورة مشهودة ومحسوسة أيضا، ولن تُحرم من متعتها قوة من قوى الإنسانية الظاهرية أو الباطنية بقدر ما يناسب حالها، وسيشارك الجسد والروح معا في الأمن أو العذاب الأخروي بحسب مقتضى الحال.

باختصار، إن معتقد أتباع برهمو سماج يخالف تماما هذه الحقيقة وينافي مفهومه الكامل أيما منافاة لدرجة أنهم لعماهم الباطني يجعلون الأسباب المادية للنجاة الأخروية بحسب القوى الظاهرية لتكميل السعادة العظمى محل اعتراض، كذلك يعترضون على الأسباب المادية للعذاب الأخروي بحسب القوى الظاهرية لتكميل الشقاوة العظمى كما هو مذكور في القرآن الكريم. تبًّا للعقل الذي يرى الحقيقة البديهية والكاملة معيبة.

الأسف كل الأسف، لماذا لا يفقه هؤلاء القوم أن الطريق الوحيد لنوال السعادة العظمى أو الشقاوة العظمى هو أن ينزِّل الله تعالى بعنايته الخاصة أمر المكافأة كاملا. والمراد من النزول الكامل هو أن تستولي المكافأة على الظاهر والباطن، وألا تبقى قوة ظاهرية أو باطنية لا تحظى بنصيب منها. وهذه هي النقطة النهائية للمكافأة العظيمة التي ذكرها القرآنُ الكريم باسم الجنة والجحيم بكلمات أخرى. وقد أخبر في كتابه الكامل والمنير أن الجنة والجحيم تشملان كِلَا النوعين من المكافأة بصورة كاملة، أي المكافأة المادية والروحانية. وقد ورد ذِكر كِلا هذين النوعين في القرآن الكريم بالتفصيل، إذ قد زاد السعادة العظمى والشقاوة العظمى شرحا وتفصيلا. ولكن أتباع برهمو سماج كما قلت آنفا يجهلون تماما هذه الحقيقة القصوى وغيرها من الحقائق المذكورة آنفا.

(المصدر: كتاب البراهين الأحمدية ، الحاشية رقم 11)

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ثم إن فيض الربوبية أعمُّ وأكملُ وأتمُّ من كل فيض يُتصَوَّر في الأفئدة، أو يجري ذكرُه على الألسنة. ثم بعده فيض عامّ وقد خُصَّ بالنفوس الحيوانية والإنسانية، وهو فيضُ صفة الرحمانية، وذكَره الله بقوله: {الرحمن} وخصَّه بذوي الروح من دون الأجسام الجمادية والنباتية.

ثم بعد ذلك فيضٌ خاصٌّ وهو فيضُ صفة الرحيمية، ولا ينْزل هذا الفيض إلا على النفس التي سعَى سعيَها لكسب الفيوض المترقَّبة، ولذلك يختص بالذين آمنوا وأطاعوا ربًّا كريمًا، كما صُرّح في قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} فثبت بنصّ القرآن أن الرحيمية مخصوصة بأهل الإيمان، وأما الرحمانية فقد وسعتْ كلَّ حيوان من الحيوانات، حتى إن الشيطان نال نصيبًا منها بأمر حضرة رب الكائنات. وحاصل الكلام أن الرحيمية تتعلق بفيوضٍ تترتب على الأعمال، ويختص بالمؤمنين من دون الكافرين وأهل الضلال.

ثم بعد الرحيمية فيضٌ آخر وهو فيض الجزاء الأتمّ والمكافاة، وإيصال الصالحين إلى نتيجة الصالحات والحسنات، وإليه أشار عزّ اسمه بقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.} وإنه آخر الفيوض من رب العالمين، وما ذُكر فيضٌ بعده في كتاب الله أعلم العالِمين. والفرق في هذا الفيض وفيض الرحيمية، أن الرحيمية تبلِّغ السالك إلى مقام هو وسيلة النعمة، وأمّا فيض المالكية بالمجازاة، فهو يبلِّغ السالك إلى النعمة نفسها؟ وإلى منتهى الثمرات وغاية المرادات وأقصى المقصودات. فلا خفاء أن هذا الفيض هو آخر الفيوض من الحضرة الأحدية، وللنشأة الإنسانية كالعلّة الغائية، وعليه يتمّ النعم كلها وتستكمل به دائرة المعرفة ودائرة السلسلة. ألا ترى أن سلسلة خلفاء موسى انتهت إلى نُكتةِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، فظهر عيسى في آخرها وبُدِّلَ الجور والظلم بالعدل والإحسان مِن غير حرب ومحاربين، كما يُفهَم من لفظ الدِّين، فإنه جاء بمعنى الحلم والرفق في لغة العرب وعند أدبائهم أجمعين. فاقتضت مماثلةُ نبيّنا بموسى الكليم، ومشابهةُ خلفاء موسى بخلفاء نبيِّنا الكريم أن يظهَر في آخر هذه السلسلة رجلٌ يشابهُ المسيحَ، ويدعو إلى الله بالحلم ويضع الحربَ ويُقرِبُ السيفَ المُجِيحَ، فيحشُر الناسَ بالآيات من الرحمن، لا بالسيف والسنان، فيشابهُ زمانُه زمانَ القيامة ويومَ الدين والنشور، ويملأ الأرضَ نورًا كما مُلئت بالجور والزور. وقد كتب الله أنه يُرِي نموذجَ يوم الدين قبل يوم الدين، ويحشر الناس بعد موت التقوى، وذلك وقت المسيح الموعود وهو زمان هذا المسكين، وإليه أشار في آية {يَوْمِ الدِّيْن}، فليتدبّرْ من كان من المتدبّرين.

وحاصل الكلام أن في هذه الصفات التي خُصّت بالله ذي الفضل والإحسان، حقيقةً مخفيّةً ونبَأً مكتومًا من الله المنّان، وهو أنه تعالى أراد بذكرها أن يُنبِئَ رسولَه بحقيقة هذه الصفات، فأرَى حقيقتَها بأنواع التأييدات، فربّى نبيَّه وصحابتَه فأثبت بها أنه رب العالمين. ثم أتمّ عليهم نعماءه برحمانيته مِن غير عمل العاملين، فأثبتَ بها أنه أرحم الراحمين. ثم أراهم عند عَملهم برحمةٍ منه أياديَ حمايته، وأيّدهم بروح منه بعنايته، ووهب لهم نفوسا مطمئنة، وأنزلَ عليهم سكينة دائمة.

ثم أراد أن يُرِيَهم نموذجَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، فوهب لهم المُلك والخلافة وأَلحقَ أعداءهم بالهالكين، وأهلكَ الكافرين وأزعجَهم إزعاجًا، ثم أرى نموذج النشور فأخرج من القبور إخراجًا، فدخلوا في دين الله أفواجًا، وبدَروا إليه فُرادى وأزواجًا. فرأى الصحابةُ أمواتًا يُلْفُون حياةً، ورأوا بعد المَحْل ماءً ثجّاجًا. وسُمِّيَ ذلك الزمان يومَ الدين، لأن الحق حصحص فيه ودخل في الدين أفواج من الكافرين.

ثم أراد أن يُري نموذجَ هذه الصفات في آخَرين من الُأمّة، ليكون آخِرُ المِلّة كمثل أوّلِها في الكيفية، وليتمّ أمرُ المشابهة بالأمم السابقة، كما أُشير إليه في هذه السورة، أعني قوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، فتدبّرْ ألفاظَ هذه الآية.

وسُمّيَ زمان المسيح الموعود يومَ الدين، لأنه زمان يحيا فيه الدين، وتُحشَر الناسُ ليقبَلوا باليقين. ولا شك ولا خلاف أنه رَبَّى زماننا هذا بأنواع التربية، وأرانا كثيرًا من فيوض الرحمانية والرحيمية، كما أرى السابقين من الأنبياء والرسل وأرباب الولاية والخُلّة، وبقِيت الصفة الرابعة من هذه الصفات، أعني التجلّي الذي يظهَر في حُلّة مَلِكٍ أو مالِكٍ في يوم الدين للمجازاة، فجعَله للمسيح الموعود كالمعجزات، وجعله حَكَمًا ومَظهَرًا للحكومة السماوية بتأييد من الغيب والآيات. وستعلم عند تفسيرِ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} هذه الحقيقةَ، وما قلتُ مِن عند نفسي بل أُعطيتُ من لدن ربي هذه النكاتِ الدقيقة، ومَن تدبّرَها حق التدبر وفكّر في هذه الآيات، علِم أن الله أخبر فيها عن المسيح ومن زمنه الذي هو زمن البركات.

ثم اعلم أن هذه الآيات قد وقعتْ كحَدٍّ مُعرِّفٍ لِله خالقِ الكائنات، وإنْ كان الله تَعالَى ذاتُه عن التحديدات. ومن هذا التعليم والإفادة يتضح معنى كلمةِ الشهادة، التي هي مناط الإيمان والسعادة. وبهذه الصفات استحقّ الله الطاعةَ وخُصَّ بالعبادة، فإنه يُنزِل هذه الفيوض بالإرادة. فإنك إذا قلتَ لا إله إلا الله، فمعناه عند ذوي الحصاة، أن العبادة لا يجوز لأحدٍ من المعبودين أو المعبودات، إلا لذاتٍ غيرِ مُدرَكة مستجمِعةٍ لهذه الصفات، أعني الرحمانية والرحيمية اللتين هما أوّلُ شرطٍ لموجودٍ مستحِقّ للعبادات.

ثم اعلم أن الله اسمٌ جامد لا تُدرَك حقيقتُه لأنه اسم الذات، والذاتُ ليست من المُدرَكات، وكلُّ ما يقال في معناه فهو من قبيل الأباطيل والخزعبيلات، فإن كُنْهَ البارئ أرفعُ من الخيالات، وأبعدُ من القياسات. وإذا قلتَ محمدٌ رسول الله، فمعناه أن محمّدًا مَظهَرُ صفات هذه الذات وخليفتُها في الكمالات، ومُتمِّم دائرة الظلّية وخاتمُ الرسالات.

فحاصلُ ما أُبصِرُ وأَرى أن نبيَّنا خيرَ الورَى، قد ورث صفتَي ربِّنا الأعلى. ثم ورث الصحابة الحقيقةَ المحمدية الجلالية كما عرفتَ فيما مضى، وقد سُلِّمَ سيفُهم في قطعِ دابر المشركين، ولهم ذكرٌ لا يُنسى عند عَبَدة المخلوقين. وإنهم أدّوا حقَّ صفة المحمّدية، وأذاقوا كثيرا من الأيدي الحربية. وبقيتْ بعد ذلك صفة الأحمدية، التي مصبَّغة بالألوان الجمالية، مُحرِقةٌ بالنيران المُحِبّية، فورِثها المسيح الذي بُعث في زمن انقطاع الأسباب وتكسُّرِ المِلّة من الأنياب، وفقدانِ الأنصار والأحباب، وغلبةِ الأعداء وصولِ الأحزاب، ليُرِيَ الله نموذجَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بعد ليالي الظلام، وبعد انهدام قوّة الإسلام وسطوة السلاطين، وبعد كون المِلّة كالمستضعفين. فاليوم صار ديننا كالغرباء، وما بقيتْ له سلطنة إلا في السماء، وما عرفه أهل الأرض فقاموا عليه كالأعداء. فأُرسلَ عند هذا الضعف وذهاب الشوكة عبدٌ من العباد، ليتعهّد زمانًا ماحِلًا تعهُّدَ العِهاد. وذلك هو المسيح الموعود الذي جاء عند ضعف الإسلام، لِيُرِيَ الله نموذجَ الحشر والبعث والقيام ونموذجَ يوم الدين، إنعامًا منه بعد موت الناس كالأنعام. فاعلم أن هذا اليوم يوم الدين، وستعرف صدقَنا ولو بعد حين.

وههنا نكتة كشفيّة ليست من المسموع، فاسمعْ مُصغِيًا وعليك بالمَودوع، وهو أنه تعالى ما اختار لنفسه ههنا أربعة من الصفات، إلا ليُرِيَ نموذجها في هذه الدنيا قبل الممات، فأشار في قوله: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الُأولَى وَالآخِرَة} إلى أن هذا النموذج يُعطَى لصدر الإسلام، ثم للآخرين من الأمّة الداخرة. وكذلك قال في مقام آخر وهو أصدق القائلين: {ثُلَّةٌ مِن الَأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَفقسم زمان الهداية والعون والنصرة، إلى زمان نبينا صلى الله عليه وسلم وإلى الزمان الآخِر الذي هو زمانُ مسيح هذه الملّة. وكذلك قال: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ، فأشار إلى المسيح الموعود وجماعته والذين اتّبعوهم. فثبت بنصوصٍ بيّنة من القرآن، أن هذه الصفات قد ظهرت في زمن نبيّنا ثم تظهر في آخر الزمان، وهو زمانٌ يكثر فيه الفسق والفساد، ويقلّ الصلاح والسداد، ويُجاح الإسلام كما تُجاح الدوحة، ويصير الإسلام كسليم لدغتْه الحيّة، ويصير المسلمون كأنهم الميْتة، ويُداس الدين تحت الدوائر الهائلة والنوازل النازلة السائلة. وكذلك ترون في هذا الزمان، وتشاهدون أنواع الفسق والكفر والشرك والطغيان، وترون كيف كثُر المفسدون، وقلَّ المصلحون المواسون، وحان للشريعة أن تُعدَم، وآنَ للملّة أن تُكتَم، وهذا بلاءٌ قد دَهَمَ، وعناءٌ قد هَجَمَ، وشرٌّ قد نَجَمَ، ونارٌ أحرقت العربَ والعَجَمَ. ومع ذلك ليس وقتنا وقتَ الجهاد، ولا زمنَ المرهَفات الحِداد، ولا أوانَ ضرب الأعناق والتقرين في الأصفاد، ولا زمانَ قَوْدِ أهل الضلال في السلاسل والأغلال، وإجراءِ أحكام القتل والاغتيال. فإن الوقت وقت غلبةِ الكافرين وإقبالهم، وضُرِبت الذلّة على المسلمين بأعمالهم.

وكيف الجهاد ولا يُمنَع أحدٌ من الصوم والصلاة، ولا الحج والزكاة، ولا من العفّة والتقاة، وما سَلَّ كافر سيفًا على المسلمين، ليرتدّوا أو يجعَلهم عِضِينَ، فمِن العدل أن يُسَلَّ الحُسام بالحُسام، والأقلام بالأقلام. وإنّا لا نبكي على جِراحات السيف والسنان، وإنما نبكي على أكاذيب اللسان، فبالأكاذيب كُذِّبتْ صحفُ الله وأُخفيَ أسرارُها، وصِيلَ على عمارة المِلّة وهُدّمَ دارها، فصارت كمدينة نُقِضَ أسوارها، أو حديقةٍ أُحرِقَ أشجارها، أو بستانٍ أُتلِفَ زهرها وثمارها وسُقِط أنوارها، أو بلدةٍ طيّبة غِيضَ أنهارها، أو قصورٍ مشيّدة عُفِّيَ آثارُها، ومزَّقها الممزّقون، وقيل ماتت ونعَى الناعون، وطُبعت أخبارُها وأشاعتها المشيّعون. ولكلّ كمال زوالٌ، ولكلّ ترعرُعٍ اضمحلال، كما ترى أن السيل إذا وصل إلى الجبل الراسي وقَف، والليل إذا بلغ الصبح المسفِر انكشف، كما قال الله تعالى: {وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} ، فجعَل تنفُّسَ الصبح كأمر لازمٍ بعد كمال ظلمات الليل. وكذلك في قوله: {يَا أَرْضُ ابْلَعِي} ، جُعل كمال السيل دليلَ زوالِ السيل. فأراد الله أن يردّ إلى المؤمنين أيامَهم الأولى، وأن يُرِيَهم أنه ربُّهم وأنه الرحمن والرحيم ومالكُ يومٍ فيه يُجزَى، ويُبعَث فيه الموتى. وإنكم ترون في هذا الزمان ربوبية الله المنّان ورحمانيته للإنسان والحيوان، التي تتعلّق بالأبدان، وترون أنه كيف خلق أسبابًا جديدة، ووسائل مفيدة، وصنائع لم يُرَ مِثلها فيما مضى، وعجائبَ لم يوجد مِثلها في القرون الأولى، وترون تجدُّدًا في كل ما يتعلق بالمسافر والنزيل والمقيم وابن السبيل، والصحيح والعليل، والمحارب والمُصالح والمُقيل، والإقامة والرحيل، وجميعِ أنواع النعماء والعراقيل، كأن الدنيا بُدّلتْ كل التبديل. فلا شك أنها ربوبية عظمى، ورحمانية كبرى.

وكذلك ترى الربوبية والرحمانية والرحيمية في الأمور الدينية، وقد يُسِّرَ كلُّ أمر لطلباء العلوم الإلهية، ويُسِّرَ أمرُ التبليغ وأمر إشاعة العلوم الروحانية. وأُنزِلت الآيات لكل من يعبد الله ويبتغي السكينة من الحضرة، وانكسف القمر والشمس في رمضان وعُطّلت العِشار فلا يُسعَى عليها إلا بالندرة، وسوف ترى المركب الجديد في سبيل مكة والمدينة. وأُيِّدَ العالمون والطالبون بكثرة الكتب وأنواع أسباب المعرفة، وعُمِرَ المساجد، وحُفِظَ الساجد، وفُتِحَ أبواب الأمن والتبليغ والدعوة، وما هو إلا فيض الرحيمية. فوجب علينا أن نشهد أنها وسائل لا يوجد نظيرها في القرون الأولى، وأنه توفيق وتيسير ما سمِع نظيرَه أُذنٌ وما رأى مثلَه بصرٌ، فانظرْ إلى رحيمية ربِّنا الأعلى. ومِن رحيميته أنّا قدَرْنا على أن نطبع كتب ديننا في أيام، ما كان مِن قبل في وُسع الأوّلين أن يكتبوها في أعوام، وأنّا نقدر على أن نطّلع على أخبار أقصى الأرض في ساعات38، وما قدر عليه السابقون إلا بشِقِّ الأنفس وبذلِ الجهد إلى سنوات. وقد فُتِحَ علينا في كل خير أبوابُ الربوبية والرحمانية والرحيمية، وكثرتْ طرقُها حتى خرج إحصاؤها من الطاقة البشرية. وأين تيسّرَ هذا للسابقين من أهل التبليغ والدعوة؟ وإن الأرض زُلزلت لنا زلزالًا، فأخرجتْ أثقالًا، وفُجّرت الأنهار، وسُجّرت البحار، وجُدّدت المراكب وعُطّلت العِشار. وإن السابقين ما رأوا كمثل ما رأينا من النعماء، وفي كل قدمٍ نعمةٌ وقد خرجت من الإحصاء. ومع ذلك كثرتْ موت القلوب وقساوة الأفئدة، كأن الناس كلهم ماتوا ولم يبق فيهم روح المعرفة، إلا قليلٌ الذي هو كالمعدوم من الندرة.

وإنّا فهمنا مما ذكرنا مِن ظهور الصفات وتجلِّي الربوبيةِ والرحمانية والرحيمية كمثل الآيات، ثُمّ مِن كثرة الأموات وموتِ الناس من سُمّ الضلالات، أن يوم الحشر والنشر قريب بل على الباب، كما هو ظاهرٌ من ظهور العلامات والأسباب، فإن الربوبية والرحمانية والرحيمية تموّجتْ كتموُّج البحار، وظهرتْ وتواترت وجرت كالأنهار. فلا شك أن وقت الحشر والنشور قد أتى، وقد مضت هذه السُنّة في صحابةِ خيرِ الورى. ولا شك أن هذا اليوم يوم الدين، ويوم الحشر ويوم مالكية ربِّ السماء وظهورِ آثارها على قلوب أهل الأرضين. ولا شك أن اليوم يوم المسيح الحَكَمِ من الله أحكَمِ الحاكمين، وأنه حشرٌ بعد هلاك الناس وقد مضى نموذجه في زمن عيسى وزمنِ خاتم النبيين، فتدبّرْ ولا تكنْ من الغافلين“.

(المصدر: كتاب إعجاز المسيح )

 

38الحاشية: كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} )الزلزلة : 4 منه.

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ما السر في استهلال القرآن الكريم سورةَ الفاتحة بصفات الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين؟ لأن بعض الأمم تنكر وجود الله وأيضا صفاته مثل الرب، والرحيم ومالك يوم الدين، لذا اختار هذا الأسلوب. اعلموا أن الذي لم يعتصم بكلمات القرآن الكريم القانونية لم يدرك قدر القرآن الكريم40.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1900/11/10م)

 

40 الملحوظة: لقد قال تعالى هنا أيضا: “رب العالمين، ليُثبت أنه رب البسائط وعالم الأمر أيضا لأن الأشياء البسيطية من الأمر والمركبات من الخلق، منه.

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد ذُكرت في سورة الفاتحة صفات الله الأربعة التالية: رب العالمين، الرحمن، الرحيم، ومالك يوم الدين التي إن كانت تتجلى في هذا العالم بوجه عام ولكنها في الحقيقة تتضمن نبوءات لا يتنبّه لها إلا قليل من الناس. وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أبدى نموذج تلك الصفات الأربعة كلها لأنه لا يمكن فهم حقيقة دون مثال. كيف تجلت صفة رب العالمين في شخص النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لقد تربّى في حالة الضعف تماما، لم تكن هناك مدرسة ولا كُتَّاب إذ كان بإمكانه أن يطوّر قواه الروحانية والدينية. ولم يجد فرصة للقاء قوم مثقفين قط، كما لم يجد فرصة لدراسة سطحية وعادية أيضا ولم يتسن له الحصول على علوم فلسفية دقيقة. ثم انظروا أنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك قد أُعطي القرآن الكريم كنعمة عظيمة إذ لا أهمية مطلقا لأي علم أمام علومه العالية والحقة. مَن يقرأ القرآن الكريم بشيء من التدبر والتأمل يعلم أن فلسفات العالم وعلومه كلها لا تعني أمامه شيئا. وقد تقاصر عنه أفهام الحكماء والفلاسفة كلهم.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛بتاريخ: 1900/3/17م )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن صفات الله الأربع التي ذُكرت في القرآن الكريم كان النبي صلى الله عليه وسلم المظهر الكامل لها. الصفة الأولى هي: “رب العالمين.” فكان النبي صلى الله عليه وسلم مظهرا لهذه الصفة أيضا إذ قال الله تعالى بنفسه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَفكما أن صفة رب العالمينتقتضي ربوبية العالم كله كذلك كانت فيوض النبي صلى الله عليه وسلم وبركاته وهديه وتبليغه للدنيا والعوالم كلها. والصفة الثانية هي الرحمن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم مظهرا كاملا لهذه الصفة أيضا لأنه ليس لفيوضه وبركاته بديل ولا مقابل، {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍثم كان صلى الله عليه وسلم مظهرا للرحيمية أيضا. إن المجاهدات التي قام بها صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما تكبّدوا من المشاق في سبيل هذه الخدمات ما ضاعت قط بل أُجِروا عليها. وقد أُطلقت كلمة الرحيمعلى النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم نفسه. ثم كان صلى الله عليه وسلم مظهر مالكية يوم الدين أيضا وقد تجلّت هذه الصفة فيه بوجه كامل يوم فتح مكة. لم تتجل صفات الله الأربعة هذه بهذا الكمال في أي نبي آخر.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛بتاريخ: 1903/8/10م )

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد تجلّى مظهر الحمد للهمن خلال ظهورَينِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي في محمدوأحمد.” والآن قد ذُكرت تلك الصفات الأربعة للنبي الكامل صلى الله عليه وسلم وأُكملت في تعريف الصحابة وكأن الله تعالى يريد أن يضفي صفاته على سبيل الظلية. لذا إن معنى الفناء في الله هو أن يأتي الإنسان تحت كنف صفات الله.

انظروا الآن كيف تحقق النموذج العملي لهذه الصفات الأربعة في حياة الصحابة. عندما وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أهل مكة في حالة تُشبه حاجة طفل رضيع إلى الحليب أي كانوا محتاجين إلى الربوبية وكانوا يعيشون كالوحوش والسباع فربّاهم النبي صلى الله عليه وسلم كما ترضع الأم ولدها. ثم أظل الله عز وجل عليهم بصفته الرحمانية وأعطاهم ما لم يكن فيه أدنى دخل لجهدهم. أي أعطاهم نعمة القرآن الكريم وأعطاهم أسوة في شخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم .- ثم أسبغ عليهم تجلي الرحيمية إذ كلّل جهودهم بنتائج طيبة وقبِل إيمانَهم. ولم يتركهم ليقعوا في الضلال مثل النصارى بل رزقهم الثبات والمثابرة. البركة في الجهد هي أن الله تعالى يهب صاحبه ثبات الأقدام. لم يرتد أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما كان ألوف من أتباع الأنبياء الآخرين من فعلوا ذلك. أما المسيح عليه السلام فقد ارتد خمس مئة من حوارييه في يوم واحد. والذين كانوا موضع ثقة كبيرة ساعد أحدهم لإلقاء القبض عليه مقابل 30 درهما. أما الثاني فقد لعنه ثلاث مرات. الحق أن لقوى المربي تأثيرا، فبقدر ما يكون المربي قوي التأثير وكاملا يكون لتربيته تأثير محكم وقوي.

هذا دليل آخر على أن قوة نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم القدسية كانت كاملة وتفوق الجميع بأن الذين تربّوا على يده حظوا بالثبات والرسوخ لدرجة ثبت أنهم لم يقصروا على صعيد الواقع في التضحية بأموالهم وأنفسهم أيضا من أجله صلى الله عليه وسلم .- أما ما يدل على نقص المسيح في هذا الباب هو أن الجماعة التي أعدّها ساعدوا على أسره وقتله ولعنوه. فباختصار، كان تأثير رحمانيته صلى الله عليه وسلم أن تحلّى الصحابة بثبات الأقدام والمثابرة. ثم تجلى صفة مالك يوم الدين في حياة الصحابة إذ جعل الله بينهم وبين غيرهم فرقانا، أو ما أُعطوا من معرفة الله وحبه في الدنيا كان جزاؤهم في الدنيا. فأقول موجزا البيان بأن تلك الصفات الأربعة قد تجلت في الصحابة ولكن الجدير بالتأمل هو أنه يجب ألا تظنوا أن جماعة الصحابة اقتصرت على الأولين فقط الذين خلوا بل هناك حزب آخر أيضا ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم وهم أيضا من الصحابة أقصد أولئك الذين يكونون مع ظل أحمد.” فقد قال تعالى: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} أي لا تعتبروا هؤلاء الأولين فقط الصحابة بل الجماعة في زمن المسيح الموعود أيضا يكونون صحابةً. لقد أقرَّ المفسرون أن هذه الآية تذكر جماعة المسيح الموعود. يتبين من كلمة منهمأن توجههم الباطني والاستفاضة تكون مثل الصحابة تماما. لقد تلقى الصحابة تربية ظاهرية ولكن لا يستطيع أحد أن يراهم بصورة ظاهرية. وإن هذه الجماعة أيضا ستنالُ التربية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لذا قد أطلق المفسرون عليهم أيضا كلمة الصحابة.” وكما تجلت الصفات الأربعة المذكور آنفا في هؤلاء الصحابة كذلك كان ضروريا أن تتجلى في جماعة ينطبق عليهم {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم.}إن صفات الله الأربع التي ذُكرت في القرآن الكريم كان النبي صلى الله عليه وسلم المظهر الكامل لها. الصفة الأولى هي: “رب العالمين.” فكان النبي صلى الله عليه وسلم مظهرا لهذه الصفة أيضا إذ قال الله تعالى بنفسه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَفكما أن صفة رب العالمينتقتضي ربوبية العالم كله كذلك كانت فيوض النبي صلى الله عليه وسلم وبركاته وهديه وتبليغه للدنيا والعوالم كلها. والصفة الثانية هي الرحمن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم مظهرا كاملا لهذه الصفة أيضا لأنه ليس لفيوضه وبركاته بديل ولا مقابل، {مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍثم كان صلى الله عليه وسلم مظهرا للرحيمية أيضا. إن المجاهدات التي قام بها صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما تكبّدوا من المشاق في سبيل هذه الخدمات ما ضاعت قط بل أُجِروا عليها. وقد أُطلقت كلمة الرحيمعلى النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم نفسه. ثم كان صلى الله عليه وسلم مظهر مالكية يوم الدين أيضا وقد تجلّت هذه الصفة فيه بوجه كامل يوم فتح مكة. لم تتجل صفات الله الأربعة هذه بهذا الكمال في أي نبي آخر.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛بتاريخ: 1901/1/24م )

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن هذه الصفات الأربعة ليست كلاما بحتا بل قد صوّر الله تعالى مشهد العالَم كله أن فيه من ينكر صفة خلق الله وفيه من يرفض رحمانيته ومنهم من ينكر الرحيمية ومنهم من يرفض كونه مالك يوم الدين. فهذا النوع من التفرقة موجودة بين المذاهب كلها ولكن الإسلام هو الدين الوحيد الذي جمع الصفات الكاملة كلها. فهذه السورة التي تسمّى أم الكتاب تُقرأ خمس مرات ليتدبر الناس أن الإسلام دين مبارك جدا وهذا تعليمه. إن إله الإسلام لم يُخلق من بطن امرأة مثل عيسى عليه السلام الذي اتُّخذ إلها، وليس بالذي لا يقدر على الخلق وليس بالذي لا يهب النجاة لأنه غير قادر على الخلق بعد ذلك لأن عدد الأرواح محدود وهي موجودة من تلقائها فيعيدها إلى الدنيا بالتكرار. لذا لو نجّاها كلَّها فماذا عسى أن يفعل بعد ذلك.

لقد أُقِرَّت في الإسلام صفات الله إذ لو حاول العالم كله لإيجاد العيب فيها لما وجدوه قط. نقول: إذا كان في الله تعالى نقائص عديدة كما يزعم هؤلاء القوم فأنّى له أن يكون مسؤولا عن مراقبة الجميع؟ بل يجب أن توجد في الإله صفات كاملة، وإلا ماذا يمكن أن يتوقع المرء من معبود مثله وماذا يدعو منه؟ إن معبودنا متصف بالصفات الكاملة فادعوه ليريكم الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمتَ عليهم . فباختصار، لقد علّم الله تعالى ببيان صفاته الأربعة أن ادعوني: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. هذا الكلام ليس على سبيل القصة فقط بل كان الله تعالى يعلم أن هذا سوف يحدث فقال بأنكم لو فعلتم ذلك لحل بكم أيضا غضب كما حلّ بالذين خلوا، أي إن لم تبقوا على الصراط المستقيم لحلّ بكم أيضا غضب.

(المصدر: جريدة بدر؛ بتاريخ: 1908/1/9م )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لو ركّز المرء على صفات الله: الرب، الرحمن، الرحيم، مالك يوم الدين، لتبينت له عظمة ذلك الإله. فمن كان إلهه كهذا لا يمكن أن يحرم أو يفشل في مراميه. يُفهم من كلمة الربأيضا أن الربوبية ستظل تعمل في العالم الثاني أيضا.

(المصدر: جريدة بدر؛ بتاريخ: 1904/11/24م )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد جُعل اسم اللهموصوف جميع الصفات والأعمال الإلهية المذكورة في القرآن الكريم. فمثلا ورد في القرآن: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم … }

(المصدر: كتاب حقيقة الوحي)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن لله أربع صفات وبواسطتها تلاحَظ عظمة الربوبية بالتمام، ويتراءى بالكامل وجه ذلك الإله الأزلي والأبدي. فقد بيّن الله تعالى هذه الصفات الأربعة في سورة الفاتحة، ولأنه يعُدُّ نفسه معبودا أعطى الناس تعليما بكلمات: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي يا ربنا المتصف بأربع صفات نعبدك وحدك لأن ربوبيتك محيطة بكل العالمين ورحمانيتك محيطة بكل العالمين، ورحيميتك محيطة بالعالمين كلها ومالكيتك بيوم الدين أيضا محيطة بالعالمين جميعا، ولا شريك لك في حسنك هذا وإحسانك لذا لا نشرك أحدا في عبادتك.

فليكن واضحا الآن أن الله تعالى قد عدَّ في هذه السورة هذه الصفات الأربعة مظهرا أتمّ لألوهيته. وقد استنتج من هذا الذكر فقط أن الإله الذي يملك هذه الصفات الأربعة هو وحده يستحق العبادة. والحق أن هذه الصفات الأربعة كاملة من كل الوجوه وتحيط بكافة مقتضيات الألوهية وشروطها إحاطة الدائرة لأنها تتضمن ذكر صفات الله الابتدائية وتشمل الرحمانية والرحيمية في الزمن الأوسط أيضا، ثم ذُكرت صفة المجازاة أيضا للزمن الأخير. والحق أنه ليس هناك فعل من أفعال الله تعالى يخرج عن نطاق هذه الصفات الأربعة مبدئيا. فهذه الصفات الأربعة تُري صورة الله كاملة. معنى استوى على العرشحقيقةً هو أنه عندما تجلت هذه الصفات الإلهية بعد خلقه العالم، استوى الله على العرش؛ بمعنى أنه لم تبق صفة من صفاته خارج مقتضى الألوهية بل تجلّت الصفات كلها بالتمام والكمال. فعندما يجلس الملك على عرشه عندها تتجلّى شوكته بالكامل. فمن ناحية يصدر الأمر بإعداد أسباب متنوعة لسد الحاجات الملكية فتتم على جناح السرعة، وهذه هي الربوبية العامة. ومن ناحية ثانية يُغنَى الحضور كلهم بالجود والسخاء نتيجة الفيض الملكي دون مقابل أيّ عمل منهم. ومن ناحية ثالثة ينصر بأساليب وأشياء مناسبة أولئك الذين يقومون بخدمة ليتمكّنوا من إنجاز خدماتهم. ومن ناحية رابعة يُفتح باب الثواب والعقاب، فيُضرب عنقُ أحد ويُحرّر غيره. فهذه الصفات الأربعة تلازم الاستواء على العرش دائما. فإن تنفيذ الله تعالى هذه الصفات الأربعة في العالم هو المراد من الاستواء على العرش.

أما السؤال بأنه ما المراد من أن أربع ملائكةٍ يحملون العرش؟ فجوابه أن هناك أربع ملائكة موكَلون بهذه الصفات الأربعة ويُظهرونها في العالم. وتحت إمرتهم تعمل أربعة نجوم تسمّى أربابُ النوع الأربعةُ وقد سمِّيت في الفيدا باسم الآلهة. فهم ينشرون حقيقة هذه الصفات الأربعة في العالم وكأنهم يحملون هذا العرش الروحاني. كان الوثنيون يعتقدون بكل وضوح كما يتبين من الفيدا بأن هذه الصفات الأربعة يملكها الآلهة على الدوام لذلك جاء فيه مدحها والثناء عليها بكثرة وطُلب منها تحقيق المرادات. فقد وضّح الله تعالى على سبيل الاستعارة أن هذه الآلهة الأربعة التي يعدّها الوثنيون معبودا لهم ليست مخدومة بل هي خادمة وتحمل عرش الله تعالى، أي تُظهر كالخدام صفات الله تعالى هذه من خلال مرآتها. والمراد من العرش هو مستلزمات صفات الاستواء على العرش كما بيّنت من قبل. لقد كتبتُ قبل قليل بأن معنى الرب هو الإله. فقد بدأ القرآن الكريم من سورة جاء فيها: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي الحمد والثناء كله لله الذي هو إله العالمين كلها. هو وحده رب العالمين ورحمن العالمين ورحيم العالمين ومالك جزاء العالمين، لا يساويه إله قط. ولأن ظاهرة عبادة الآلهة كانت منتشرة في زمن نزول القرآن الكريم وكان الإغريق يسمون كل إله ربّ النوع، وإن كلمة ربّ النوع كان معروفا في الهند باسم الإله لذا توجّه كلام الله تعالى أولا وقبل كل شيء إلى هؤلاء الآلهة الزائفة كما قال تعالى: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي هو إله العالمين كافة وليس إله عالَمٍ واحد أو عالَمينِ اثنين فقط لذا يجب حمده والثناء عليه وحده. والحمد والثناء على غيره خطأ. وبذلك جمع الله تعالى في نفسه كل الصفات التي زعمها الوثنيون للآلهة الأربعة وعّد نفسه وحده منبع تلك الصفات.

كان الوثنيون يعتقدون أيضا منذ قديم الزمان أن صفات الله المبدئية أي تلك التي هي أصل الصفات كلها هي أربعة فقط، أي الخلقُ والتزويد بأسباب مناسبة، ثم نصرة العامِلين لتقدمهم، ثم الجزاء في الآخرة. فكانوا ينسبون هذه الصفات الأربعة إلى أربعة آلهة. فبناء على ذلك اتخذ قوم نوح أيضا أربع آلهة. ومن منطلق هذه الصفات كان الوثنيون العرب أيضا قد اتخذوا أربع آلهة هي اللات ومنات والعُزَّى وهبل. وكانوا يزعمون أن هذه الآلهة الأربعة تقوم بعملية التربية في العالم كل بحسب أسلوبها وهي شفعاؤنا وهي التي توصلنا إلى الله تعالى. وهذا ما يتبين من الآية: {لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اِلله زُلْفَى}45

وكما قلتُ من قبل بأن الفيدا أيضا يدعو إلى المدح والثناء على هذه الآلهة الأربعة. مع أن الفيدا يذكر آلهة أخرى أيضا ولكن الآلهة المبدئية التي وُلدت منها كل الآلهة، أو قولوا إن شئتم بأنها فروعها هي أربعة فقط لأن المهمات أيضا أربع. فالهدف الأول للقرآن الكريم هو أن يقضي على آلهة الفيدا وآلهة الأديان الأخرى كلها ويبين أنها من أخطاء الناس إذ اتخذوا أشياء أخرى آلهة أي أرباب النوع. وليبين أيضا أن هذه الصفات الأربعة خاصة بالله تعالى. وتلك الآلهةُ التي لا حياة فيها تحمل كالخدام عرش هذه الصفات الأربعة. نِعم ما قال قائل: “الحمد يليق بك وحدك، أيّما باب يذهب المرءُ إليه فهو بابك“.

إذًا، فإن الاعتراض الذي يثيره الآريون دائما إنما يقع على فيداتهم في الحقيقة لأن المسلمين يعبدون الإله الذي هو معبود حقيقي، ولكن الآريين يعدّون الآلهة الزائفة التي تحمل عرش صفات الله الأربعة كالخدام إلها. بل هي خدام الخدام أيضا لأن هناك قوى أخرى مسيطرة عليها وهي الملائكة الذين يُبقون قوة تلك الآلهة قائمة. ومِن هؤلاء الملائكة مَن يسمَّى في مصطلح الشرع جبريل ومنهم مَن يسمى ميكائيل وغيره يُدعى عزرائيل وغيره إسرافيل. إن أتباع سناتن دهرم يعتقدون بالملائكة من هذا النوع أيضا ويسمونها جَم.”

(المصدر: كتاب نسيم الدعوة )

سورة الفاتحة تدحض الآريين وأتباع مذهب سناتن

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

في سورة الفاتحة التي تُقرأ في كل صلاة من الصلوات الخمس يوميا ذُكرت المعتقدات الكاملة كلها على سبيل الإشارة كما يقول الله تعالى: “الحمد لله رب العالمين.” الحمد والثناء كله لله الذي خلق العالمين كلها. “الرحمنأي الذي يخلق بغير الأعمال ويعطي بغير عمل عامل. “الرحيميكلّل الأعمال بالثمار. “مالك يوم الدينالذي له القدرة والسيطرة على يوم المجازاة. ففي هذه الصفات الأربعة ذُكرت الفِرق الموجودة في العالم كله. إن بعض الناس ينكرون كون الله خالق العالمينَ، ويقولون بأن الأرواح والذرات جاءت إلى حيزّ الوجود من تلقائها، وكما وُجد الإله بنفسه كذلك توجد هذه الأشياء أيضا من تلقائها. وأن الأرواح وقواها وخواصها التي أُلِّفت حولها كتب عديدة هي أيضا موجودة من تلقائها وكذلك ذرات العالم وقواها. ومع أن فيها قوة تلقائية للاتصال والانفصال ولكنها تحتاج إلى إله من أجل الوصل بينها. فقد أشار الله تعالى إلى هذه الفِرقة بقوله: “رب العالمين.” وإلى فِرقة أخرى أشار عز وجل في قوله: “الرحمن، والمراد منها هو مذهب سناتن. مع أنهم يؤمنون أن كل شيء خُلق بيد الله ولكنهم إلى جانب ذلك يقولون أيضا بأن فضل الله ليس بشيء جدير بالذكر بل يجازي الله على الأعمال فقط لدرجة أنه إذا كان أحد رجُلا فهذه نتيجة أعماله وكذلك المرأة. وإذا وُجدت الأشياء الضرورية الأخرى مثل الحيوانات والنباتات وغيره فهي أيضا نتيجة الأعمال.

فملخص الكلام أنهم ينكرون صفة الله الرحمن.” إن الله الذي خلق الأرض والسماء والقمر والنجوم وغيرها وخلق الهواء لنتنفّس ونسمع صوت بعضنا، وخلق الشمس والقمر وغيرها من أجل الضوء حين لم يكن للمحتاجين إلى التنفّس أيّ وجود أو أثر؛ فهل لأحد أن يقول بأن كل ذلك قد خُلق نتيجة أعمالنا فقط؟ هل لأحد أن يعتز بأعماله؟ هل يسع أحدا أن يدّعي أن الشمس والقمر والنجوم والهواء وغيرها ثمرة أعمالي. إذًا، إن صفة الله الرحمنتفند الفِئة التي لا تؤمن بأن الله يستطيع أن يعطي شيئا بلا مقابل أي بغير مساعينا وجهودنا. ثم يأتي بيان صفة الله الرحيمأي الذي يكلِّل المساعي والجهود والأعمال بالثمرات الحسنة. وهذه الصفة تفند فئة تعدّ الأعمال لغوا محضا ويقولون: ما لنا وللصلاة والصيام! لو رحمنا الغفور الرحيم دخلْنا الجنة وإلا ففي جهنم. وفي بعض الأحيان يقولون أيضا: لا نتطلع لنكون أولياء الله نتيجة القيام بالعبادات، فإذا فعلنا شيئا فبها ونعمت وإلا فلا بأس. إذًا، فيدحضهم الله تعالى بقوله: “الرحيمويقول بأن الذي يجتهد ويفنى في حب الله وعشقه يصبح ممتازا عن غيره في نظر الله ومحبَّبا عند الله بوجه خاص ويأخذه الله بيده بنفسه.

لقد سمعتم عن الفِرق الثلاثة، فمنهم فرقة لا يؤمنون بالله ربًّا ويجعلون كل ذرة شريكة له، ويعتقدون أن خلق الأرواح وذرات العالم يفوق قدرة الله بل وُجدت كل هذه الأشياء من تلقائها مثل الإله تماما. أما الفرقة الثانية فتعتقد أن الله لا يستطيع أن يعطي شيئا فضلا منه بل كل ما نلناه أو سنناله فهو ثمرة أعمالنا. لذا فقد دُحض هذا الاعتقاد بكلمة الرحمن.” ثم دُحضت بكلمة الرحيمفرقة ترى الأعمال غير ضرورية. ثم قال عز وجل بعد البيان عن هذه الفِرق الثلاثة: “مالك يوم الدين، وفي ذلك أُريدَ تفنيد حزب لا يؤمنون بالمجازاة. إن الذين لا يؤمنون بالله رحيما يمكن تسميتهم غير مبالين ولكن الذين لا يؤمنون بصفة مالك يوم الدينفهم ينكرون وجود الله. فلما لم يؤمنوا بوجود الله فما معنى الإيمان بالمجازاة. فببيان هذه الصفات الأربعة يقول الله تعالى يا أيها المسلمون قولوا: إياك نعبد وإياك نستعين. أي إلهنا ذي الصفات الأربعة نعبدك وحدك ونستعينك للنجاح في ذلك. وقد ورد في الحديث الشريف أن عرش الله يحمله أربعة ملائكة. والمراد من ذلك أن تجلّي هذه الصفات الأربعة موجود. ولولاها أو لولا واحدة منها لاستلزم ذلك نقص في ألوهية الله.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1908/1/2م)

سورة الفاتحة تدحض الأديان الباطلة

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد فنّد الله تعالى في سورة الفاتحة ببيان صفاته الكاملة الأديان الباطلة كلها المنتشرة في العالم بوجه عام. هذه السورة تسمَّى أم الكتاب لذلك تُتلى في كل ركعة في الصلوات الخمس يوميا لأن فيها تعليم الإسلام وهي ملخص القرآن الكريم. لقد أراد الله تعالى أن يصور مشهدا ببيان صفاته الأربعة وبيّن أن الإسلام دين مبارك جدا يهدي إلى الإله الذي لم يولَد من بطن امرأة مثل إله المسيحيين وليس بالذي لا يقدر على النجاة مثل إله الآريين فيقول كذبا وزورا بأن الأعمال محدودة، والحق أنه ليس قادرا على النجاة لأن الأرواح ليست من خلقه بل هي من تلقاء نفسها مثل الإله تماما. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يخلق أرواحا جديدة. ويظن أنه إن نجّى الأرواح للأبد فسيأتي بعد مدة وقت تخرج فيه الأرواح كلها من قبضته بعد الحصول على النجاة وسيفسد نظامه الجاري كله؛ لذا يُبقي في حسابها ذنبا من ذنوبها ويُبقي هذه العملية مستمرة. ولكن إله الإسلام قدوس وقادر فلو سعى أهل العالم كلهم أجمعون ليبحثوا فيه عن عيب واحد لن يجدوه. إن إلهنا خالق العالمين كلها، وهو منزَّه عن كل نقيصة ومثلبة لأن الذي فيه عيب لا يمكن أن يكون إلها؟ وأنّى لنا أن ندعو أو نعلّق آمالا بمن هو ناقص بحد ذاته وليس كاملا. ولكن الإسلام قدّم إلها قادرا ومنزّها عن كل عيب ونقيصة نستطيع أن ندعوه ونعلّق به آمالا كبيرة. لذلك فقد علّمنا في سورة الفاتحة دعاء: “اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم.” ولقد علّم هذا الدعاء كيلا تكتفوا بالإيمان فقط بل يجب أن تعملوا بأسلوب يُنيلكم إنعامات تنزل على عباد الله المقربين.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1908/1/6م)

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن تعُدّوا نِعم الله لن تحصوها لأن إنعاماته محيطة من كلتا الناحيتين الروحانية والمادية، كما جاءت في سورة الفاتحة التي هي السورة الأولى والقرآن كلها شرحها وتفسيرها وتُتلى بالتكرار في الصلوات الخمس كل يوم صفته رب العالمينبمعنى أن الإنسان ينال الحياة والتقدم في كل حال ومكان نتيجة ربوبيته عز وجل ؟ لو تعمقنا في الموضوع لوجدنا أن بقاء حياة الإنسان وبحبوحته وراحته وسكونه مرتبط بهذه الصفة الإلهية. لولا استخدامُ الله صفته الرحمانولو رفع ظل رحمانيته من الدنيا لهلكت فورا

ومن صفاته الربأي الذي ينمّي ويربي، وهو الذي أودع الإنسان كِلا النوعين من القوى، الروحانية والمادية. لو لم يودع فيه هذه القوى أنّى كان للإنسان أن يحرز التقدم. لذا يجب أن نتغنى بأغاني لطف الله وكرمه وحده من أجل التقدم المادي أيضا أنه أعطى القوى أولا ثم أودعها قدرة فطرية على التقدم. “مالك يوم الدين، أي مالك يوم المجازاة. لا شك أن الإنسان ينال الجزاء أو العقاب في هذه الدنيا أيضا نوعا ما؛ فنرى أن السارق المتعود قد لا يُبطش به إلى بضعة أيام ولكن سيُبطَش به حتما يوما ما ويُزج به في السجن وسيواجه وبال ما كسب. والحال نفسه ينطبق على الزناة وشاربي الخمور والذين يعيشون عيش التحرر والسفور غارقين في ألوان الفسق والفجور؛ بأن الله يسترهم إلى وقت معين ولكنهم في نهاية المطاف يصابون بأصناف العذابات وتصبح حياتهم مُرَّة بمرورهم بالابتلاءات ويكون ذلك نموذجا لعقوبة الجحيم الأخروية. أما الذين يكسبون الحسنات بحماس ويجعلون طاعة الله والالتزام بأوامر الله أعلى هدف لحياتهم فلا يضيع الله حسناتهم بل تثمر في وقت مناسب وتجلب لهم جنة مثالية في الدنيا كمثال. إذًا، فإن الذين يرتكبون السيئات من الفساق والفجار وشاربي الخمور والزناة يخسرون صحتهم وعافيتهم وقواهم العليا في هذه الدنيا دع عنك أن يذكروا الله ويوم المجازاة ثم يقضون بقية أيام حياتهم بحسرة متناهية ويأس مفرط. تلاحقهم الأمراض الخطيرة مثل السل والسكتة والرعشة وغيرها فيموتون قبل أن يموتوا وفي نهاية المطاف يقعون فريسة الموت قبل الأوان.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1908/7/14م)

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد قال تعالى في سورة الفاتحة: “الحمد للهأولا ثم بيّن أنه رب العالمين والرحمن أي يرحم دون الأعمال. وهو الرحيم أيضا أي أن رحمته تكلّل المجهودات بالثمرات. وهو مالك يوم الدين أي أن المجازاة كلها بيده هو. فتبين من هذه الصفات كلها أن الله الذي هو الربّ والرحمن والرحيم هو حاضر وموجود في كل مكان لذا قال أن ادعو الدعاء التالي: “إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، أي أرنا الصراط المقبول عندك الذي بالسلوك عليه يمكننا أن نتأكد من رحمتك، وليس صراط الذين لا يترتب عليه أيّ فيض أو فضل عند السلوك عليه بل يجعل الناس مغضوبا عليهم.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1903/1/24م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

إن للعبادة وأحكام الله فرعان: تعظيم أمر الله ومواساة الخلق. كنت أفكر أن هذه المراتب كلها قد صرِّح بها تماما في القرآن الكريم ولكن كيف ذُكر هذان الشقّان في سورة الفاتحة؟ بينما كنت في هذا التفكير خطر ببالي أن ذلك يثبت من آية: “الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين.” فهو رب العالمين كلها أي في حالة النطفة والمضغة وغيرهما. ثم هو الرحمن والرحيم ومالك يوم الدين. ثم يقول بعد ذلك إياك نعبد.” فيجب على الإنسان أن يأخذ في نفسه عند العبادة صبغة صفات الربوبية والرحمانية والرحيمية ومالكية يوم الدين، لأن كمال العابد يكمن في تخلقوا بأخلاق اللهأي يجب أن ينصبغ الإنسان بصبغة الله. فمن هذا المنطلق ذُكر كلا هذين الأمرين بكل وضوح وجلاء.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1903/5/24م )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن للحب دافعين فقط: الحُسن والإحسان. وقد تضمنت سورةُ الفاتحة خلاصة صفات الله التي تُظهر إحسانه، كما يقول سبحانه وتعالى :- {الْحَمْدُ لله رَب الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.} وواضح أن الإحسان الكامل إنما يتحقق إذا كان الله يخلق عباده من العدم المحض، ثم لا يزال يشملهم بربوبيته على الدوام، وكان هو نفسه عمادًا وسندًا لكل شيء، ثم كانت رحمته بكل أنواعها قد ظهرت لهم، وكان إحسانه وفضله عليهم عظيما إذ لا يمكن لأحد تقديره.

ولقد عدد الله علينا في القرآن المجيد هذه الإحسانات مرة بعد أخرى .. كما قال في موضع آخر: {وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اِلله لا تُحْصُوهَا}

(المصدر: كتاب فلسفة تعليم الإسلام )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد علّمنا الله في القرآن الكريم: {الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ومعناه أنه جلّ شأنه ربّ العالمين جميعا وعلة العلل لكل أنواع الربوبية، وأنه الرحمنأيضا أي يعطي خلقه أنواع الآلاء والنِعم دون أن يحتاج إلى أيّ عمل منهم. وهو الرحيمأيضا أي ينصر الذين يعملون الصالحات ويبلّغ أهدافهم مبلغ الكمال. وهو مالك يوم الدينأيضا، أيْ في يده الأجر والعقاب فيعامل عباده كما يشاء. فله أن يعاقب العبد إذا شاء بما يناسب عمله السيئ أو يهيئ له أسباب المغفرة إن شاء ذلك.

( المصدر: كتاب الحرب المقدسة )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

فالصفات الإلهية التي هي لُبّ جميع صفاته مغزاها أربعةٌ، وكلُّها تحتوي على الجود والكرم. أعني صفات الله الواردة في الآيات الثلاث الأولى من سورة الفاتحة. أي رب العالمين، والرحمن، والرحيم، ومالك يوم الدين، أي مالك يوم المجازاة.

وفي هذه الصفات الأربعة كلها أراد الله الخير كله لعباده، بواسطة الخَلق والتربية التي تُسمّى بالربوبية، وبتوفير أسباب الراحة دون استحقاق وهو ما سُمي بالرحمانية، وتأمين الأسباب التي تحميه من الحزن والمصيبة في المستقبل وهي الرحيمية، وبإعطائه الإنسان المقام الصالح الذي هو مقام السعادة الدائمة بسبب ورعه وتقواه وأعماله الصالحة والحسنات من العبادة والصيام والصلاة والمواساة لبني البشر والصدقة والتضحية وهو ما سمي بالجزاء الحسن من مالك يوم المجازاة. فلم يشأ الله سبحانه وتعالى في أي من هذه الصفات الأربعة السوءَ للإنسان، وإنما أراد لهم خيرا وصلاحا محضا، غير أن الذي ينسحب من ظل هذه الصفات نتيجة سوء تصرفاته ويغيِّر فطرته لسيئاته فتأخذ هذه الصفات في حقه صبغة الشر بدلا من الخير عقوبة على أعماله، فتتحول إرادة الربوبية إلى إرادة الفناء والإعدام. وتتجلى إرادةُ الرحمانية بصورة الغضب والسخط، وتهيج إرادةُ الرحيمية بصورة الانتقام والبطش، وتظهر إرادة جزاء الخير بوجهها المهول في صورة التعذيب والعقاب. فهذا التغير في صفات الله تعالى يَظهر نتيجةً لتغيير الإنسان وضعَه. باختصار؛ لما كانت العقوبة أو الانتقام لا تندرجان في صفات الله التي هي أمّ الصفاتلأنه في الحقيقة أراد الخير فقط للإنسان؛ لذا فإن وعيد الله لا يعدّ قرارا حاسما ما دام الإنسان حيًّا وقادرا على إحداث التغير في نفسه. لذا فإن تصرفه على النقيض من ذلك لا يعدّ كذبا أو نقضا للعهد. وليكن معلوما أن الوعيد يتضمن شروطا خفية في الإرادة الإلهية، وإن لم يرافق الوعيد شروط ظاهريا، ولكنه يكون مصحوبا بالشروط في إرادة الله خفية، اللهم إلا إذا صُرِّح بعدم وجود الشروط بالإلهام. ففي هذه الحالة يكون القرار حاسما ويُعدّ القضاء مبرما. إن هذه النقطة جليلة الشأن وجديرة بالتقدير من بين المعارف الإلهية التي أُضمرتْ في سورة الفاتحة، فتدبر.

(المصدر: كتاب عاقبة آتهم )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

{الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إن هذا التعليم المقدس أي تعليم الإسلام الذي هو تعليم منفرد ومدعاة اعتزاز في الإسلام لا يترك المصلي ما لم يجعله مؤمنا صادقا وخالصا. في دار الكدورة هذه يبحث كل شخص عن السعادة والطمأنينة، فمنهم من يتشبث بشيء في البحث عنه ومنهم من يلجأ إلى شيء آخر. وقد كتب كبار الفلاسفة كثيرا في هذا الموضوع وبيّنوا من عند أنفسهم أمورا كثيرة من شأنها أن تؤدي بالإنسان إلى السعادة ولكن لا جدوى ولا طائل من ورائها. فكان من هؤلاء المردودين الذين رحلوا من الدنيا بمرارة متناهية، ومنهم من شربوا كأس الانتحار المُرَّة، ونرى مراحل مختلفة في حياة كثير منهم مليئة بالاضطراب والصراخ والعويل.

والحق أن هناك شيئا واحدا لا غير يستطيع أن يهب الاستقامة والسكينة والطمأنية الكاملة في أمور متعارضة يواجهها الإنسان في حياته وهو الإيمان الكامل واللذيذ بالله تعالى وصفاته. والإظهار الفعلي لهذا الإيمان المصحوب بالعرفان هو: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.}

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1900/9/24م )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

اليوم الأول للخلق السماوي هو اليوم الذي يرد فيه الموت على الشيطان وتتولد الحياة الروحانية كما يولد الولد. لقد أومأ الله تعالى في سورة الفاتحة إلى التولد نفسه حين قال: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.} فقد ذُكرت هذه الصفات الأربعة لله تعالى أي ذلك الإله الذي فيه المحامد كلها ولا يمكن تصوُّر صفة حسنة لا توجد في الله تعالى. بل الحق أن الإنسان لا يستطيع أن يحصي الصفات الحسنة التي توجد في الله. الإله الذي قدّمه الإسلام هو الإله الكامل والصادق لذلك بدأ الله القرآن الكريمَ بـ الحمد لله.”

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1901/1/10م )

 

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد خطر ببالي أنه يثبت من: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أن على الإنسان أن يتصبغ بصبغة صفات الله تعالى التي تليق بالله وحده الذي هو رب العالمين كلها بما فيه عالَم النطفة والمضغة وغيرها ثم ورد: الرحمن، الرحيم ومالك يوم الدين. ثم عندما يقول العبد: إياك نعبد، فعليه أن ينصبغ في عبادته بصبغة صفات الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية نفسها. إن كمال العابد هو أن ينصبغ بـ تخلقوا بأخلاق الله، وألا يكِلّ ولا يملّ ما لم يبلغ هذا المبلغ. ثم ينشأ جذب تلقائيا يجذبه إلى العبادة وتستولي عليه حالة يفعلون ما يؤمرون“.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1901/5/24م)

العبر في سورة الفاتحة:

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

لقد استهل الله تعالى القرآن الكريم بسورة الفاتحة وبيّن فيها رب العالمينكصفة أولى قبل غيرها لأنها تضم المخلوقات كلها. لذا يجب أن يكون مجال مواساة المؤمن واسعا ليشمل الدواب والطيور والمخلوقات الأخرى كلها. ثم بيّن الصفة الثانية: “الرحمنوهي تتضمن درسا؛ أنه يجب أن نواسي جميع المخلوقات الحية بوجه خاص. وفي صفة الرحيمدرس لمواساة بني البشر. فباختصار، إن صفات الله التي ذُكرت في سورة الفاتحة هي في الحقيقة أخلاق الله التي يجب أن ينال الإنسان نصيبا منها. وهي أنه إذا كان الإنسان يحظى بحالة جيدة يتحتم عليه أن يواسي البشر بالمعنى الحقيقي قدر الإمكان، وألا يُظهر الاكتئاب تجاه أي شخص سواء كان من أقاربه أو أعزائه أو غيرهم وألا يعاملهم كالغرباء بل يجب أن يهتم بحقوقهم. وإذا كان لأحد قرابة مع أحد وله عليه حق فيؤده بوجه كامل.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1902/8/24م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن دعاء الإنجيل يُقنِط الناس من رحمة الله ويجرِّئ المسيحيين على ربوبيته وفيوضه وجزائه، ويعلن أن الله سبحانه وتعالى غير قادر على إغاثة عباده في الأرض ما لم يقُمْ فيها ملكوتُه. أما الدعاء الذي علّم الله المسلمين في القرآن مقابل الدعاء الإنجيلي فيقول إن الله تعالى ليس عاطلا في الأرض كالملِك الذي يطاح بعرشه، بل إن ربوبيته ورحمانيته ورحيميته ومجازاته لَجاريةٌ في الأرض، وأنه قادرٌ على نصرة الذين يعبدونه، وعلى إهلاك المجرمين بغضبه. وذلك الدعاء القرآني هو: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الْضَّالِّينَ} آمين .. أي: أن الله وحده حقيقٌ بجميع المحامد؛ بمعنى أنه لا عيب في ملكوته، وليس هنالك صفة من صفاته معطلة اليوم وستتفعل غدًا، وليس من لوازم ملكوته شيء معطل. هو الذي يُربّي العالمين جميعًا، ويرحم دون مقابل، كما يرحم مقابل الأعمال. هو الذي يجازي ويعاقب في حينه. إياه نعبد، ومنه وحده نطلب العون، وإياه ندعو ليهديَنا سبل النعم كلها، ويجنِّبنا سبل الغضب والضلال.

هذا الدعاء الوارد في سورة الفاتحة قد جاء على عكس دعاء الإنجيل تمامًا؛ ذلك أنّ الإنجيل ينكر وجود الملكوت الإلهي في الأرض في الوقت الراهن؛ فبحسب الإنجيل لا تعمل ربوبية الله في الأرض ولا رحمانيته ولا رحيميته ولا قدرته على الجزاء، إذ لم يقمْ ملكوت الله في الأرض بعد بحسب الإنجيل، بينما يتضح من سورة الفاتحة أن ملكوت الله قائم في الأرض، ومن أجل ذلك قد ذكرتْ سورة الفاتحة جميع لوازم الملكوت الإلهي. ومن البديهي أن الملِك لا بد له من الصفات التالية: الأولى أن يكون قادرًا على تربية الناس، وقد أكّدت سورة الفاتحة على هذه الصفة بقوله تعالى {رَبِّ الْعَالَمِينَ.} والصفة الثانية هي أن يُؤمِّن لشَعبه نتيجةَ كرمه الملوكي كلَّ ما يحتاجونه لعمرانهم بلا أية خدمة منهم، وقد ذُكرت هذه الصفة في قوله تعالى: {الرَّحْمن.} والصفة الثالثة هي أن يساعد الملِكُ رعاياه فيما لا يطيقون إنجازه بجهودهم وحدها، وقد أكّد هذه الصفةَ قولُه تعالى: {الرَّحِيم.} والصفة الرابعة هي أن يكون قادرًا على الثواب والعقاب لئلا تختلّ أمور سياسة بلاده، وقد ذُكرت هذه الصفة في قوله تعالى {مَالِكِ يَوْمِ الْدِّينِ.} باختصار، لقد عرضتْ هذه السورة جميع لوازم الملكوت التي تؤكد وجود ملكوت الله وتصرفاته الملكية في الأرض، فإن ربوبيته ورحمانيته ورحيميته وإعانته وعقابه وجزاءه كلها لموجودة في الأرض. فكلُّ ما كان من لوازم الملكوت متحقق لله في الأرض، وليس هناك ذرة واحدة من الأرض هي خارجة عن نطاق حكمه، فكل جزاء بيده، وكل رحمة بيده. ولكن الإنجيل يعلّم دعاء يقول بأن ملكوت الله لم يأت فيكم بعدُ، فادعوا الله لكي يأتيكم ملكوته، مما يعني أن إلههم لم يصبح بعدُ مالِكَ الأرض ومليكَها، فماذا عسى أن نعقد على هذا الإله من آمال؟

(المصدر: كتاب سفينة نوح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ولكنّ إلهنا سبحانه وتعالى لم يذكر في سورة الفاتحة سماءً ولا أرضًا، وإنما كشف لنا الحقيقة بإخبارنا أنه ربّ العالمين؛ أي حيثما وجد عُمْرانٌ ومهما يكن من مخلوق أأجسامًا كان أم أرواحًافالله خالقُه ومربّيه جميعًا، فهو الذي يُعنى بتربيته كل لحظة، ويدبّر له ما يلائمه. إن عملية ربوبيّته ورحمانيّته ورحيميّته ومالكيّته وجزائه تعمّ العالَمين كلَّها في كل لحظة وآن.

(المصدر: كتاب سفينة نوح)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

ولكن دعاء سورة الفاتحة يعلّمنا أن لله سلطانًا في الأرض كلَّ آن كما له سلطان في سائر العالمين. وقد استهلّت سورة الفاتحة بصفات الله الكاملة الدالة على سلطته المطلقة، وهي صفات لم يذكرها أيُّ كتاب آخر في الدنيا، إذ أعلن الله تعالى فيها أنه الرحمن، والرحيم، ومالك يوم الدين. ثم حثّ عز وجل على الدعاء. والدعاء الذي علّمه لا يقتصر على طلب خبز اليوم كما علّم المسيح عليه السلام أتباعَه، بل هو دعاء بطلب كل ما أُودعَ الفطرةَ الإنسانية منذ الأزل من ملكات وظمأ وعطش، وهذا الدعاء هو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، أي: يا صاحبَ هذه الصفات الكاملة، ويا أيها الجواد الذي تتربّى وتتمتع كل ذرّة بفيضك ورحمانيتك ورحيميتك وقدرتك على الجزاء، اجعلْنا ورثةً للصالحين الذين خلوا من قبل، وأعطِنا كل نعمة أعطيتهم إياها، واحمِنا من معصيتك كيلا نكون من المغضوب عليهم، وقِنا من أنْ نُحرَم من نصرتك، فنكون من الضالّين. آمين

( المصدر: كتاب سفينة نوح )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

يقول الله تعالى: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقد بيّن في ذلك أربعا من صفات الله التي هي أمهات الصفات. يتبين من رب العالمينأنه يربّي كل ذرة في العالم. والمراد من العالم هو ما يُعلَم عنه. يتضح من هنا أنه ما من شيء في العالم لا يربيه الله تعالى. فهو يربّي الأرواح والأجسام وكل ما سواها. وهو الذي يربّي كل شيء بما يناسب حاله؛ فهو يربّي الجسم، كذلك ينزل المعارف والحقائق لإشباع الروح وطمأنينتها. ثم قال بأنه الرحمن أي أن أنواع رحمته موجودة حتى قبل حدوث الأعمال، فتكون الأشياء الضرروية للإنسان مثل الأرض والقمر والشمس والهواء والماء وغيرها موجودة قبل ولادته. ثم هو الرحيم أيضا أي لا يضيع أعمال أحد الصالحة بل يجازيه عليها. ثم هو مالك يوم الدين أيضا أي هو الذي يعطي الجزاء وله السيطرة على يوم المجازاة. وبعد بيان هذا القدر من الصفات حثّ الله على الدعاء. عندما يؤمن الإنسان بوجود الله وصفاته ينشأ في روحه نشاط وحماس تلقائيا فتخضع أمام الله تعالى للدعاء. ثم أمر بالدعاء: “اهدنا الصراط المستقيم.” يتضح من ذلك أن هناك حاجة ماسة للدعاء لظهور تجليات الله ورحمته. لذلك يجب أن تكونوا مستعدين دائما ولا تهنوا ولا تتعبوا.

(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1905/1/17م)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

إن صفات الله الأصلية والمتعلقة بالأخلاق هي الأربعة المذكورة في سورة الفاتحة أي (1) رب العالمين (2) الرحمن: الذي يرحم من عنده دون مقابل خدمة ما. (3) الرحيم: الذي يعطي الأجر والإنعام أكثر من حق الخدمة، ويقبلها ولا يضيعها. (4) مالك يوم الدين: الذي يعامل عباده بالعدل.

(المصدر: كتاب الأربعين  )

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

 

إن الله تعالى يسمو على عقل الإنسان من حيث مقام القدوسية؛ فلا تُدركه العقول حين تغطّي صفته القدوسية بقية الصفات كلها وتجعلها وراء الوراء وخافية، وقد سُمي هذا المقام بالعرش في مصطلح القرآن الكريم. إذًا، فإن صفاته الأربعة التي سُمِّيت بالملائكة وقد تجلّت في الدنيا تُظهر وجوده عز وجل الخفي وهي: (1) الربوبية التي بواستطها يُكمل الله الإنسانَ روحانيا وجسديا. فقد ظهر الروح والجسد للعيان بمقتضى الربوبية. كذلك إن نزول كلام الله وآياته الخارقة أيضا نتاج مقتضى الربوبية. (2) إن رحمانية الله التي ظهرت للعيان أي ما هيأ الله تعالى للإنسان من النعم التي لا تُعدّ ولا تُحصى دون مقابل الأعمال، فهذه الصفة أيضا تُظهر وجوده الخفي. (3) الصفة الثالثة هي رحيمية الله، ومعناها أنه يعطي الذين يكسبون الحسنات قدرة على كسبها بحسب مقتضى صفته الرحمانية أولا، ثم يوفقهم لكسب الأعمال الصالحة بمقتضى صفة الرحيمية وبذلك يحميهم من الآفات. هذه الصفة أيضا تكشف عن وجوده الخفي. (4) الصفة الرابعة هي: “مالك يوم الدين.” وهذه الصفة أيضا تُظهر وجوده الخفي إذ يعطي الصالحين أجرا حسنا ويعاقب الطالحين. هذه هي الصفات الأربعة التي تحمل عرشه، أي يُعلم وجودُه الخفي في هذه الدنيا من خلال هذه الصفات. وإن هذه المعرفة سوف تتضاعف في عالَم الآخرة وكأن الملائكة سيصبحون ثمانية بدلا من الأربعة.

( المصدر: كتاب ينبوع المعرفة)

قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود   :

أول ما يجب على من يدخل جماعتنا من عامة المسلمين أن يرسِّخ في نفسه الصفات الأربعة المذكورة في سورة الفاتحة التي يقرؤها في صلواته الخمس كل يوم ويخلقها في نفسه أيضا، وهي أن الله عز وجل رب العالمين، وهو الرحمن الرحيم والعادل الكامل. وإلا فإن ترديده الكلمات الواردة في دعاءِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} –أي يا إلهي، يا صاحب الصفات الأربع المذكورة آنفاً؛ إني أعبدك وحدك، وأحبك وحدكيكون باطلا تماما؛ لأن ربوبية الله تعالى للإنسان وغيره أي عدم حرمانه عز وجل حتى أدنى أنواع الدواب أيضا من صفة ربوبيتهأمرٌ لو جعل المدّعي بكونه عبدا لله ينظر إلى صفته عز وجل هذه بنظرة الحب، ويُعجَب بها لدرجة أنْ يتعبد بهذه الصفة الإلهية لشدة حبه لها؛ لكان ضروريا أن يخلقها العبد في نفسه لكي يتصبغ بصبغة حبيبه عز وجل .-

كذلك الحال فيما يتعلق بصفة رحمانية الله، أي رحمه الخلقَ دون مقابل. فإن العابد الصادق الذي يدّعي أنه يتصبغ بصبغة الله تعالى؛ يخلق في نفسه هذا الخُلق أيضا حتما.

كذلك يخلق العابد الصادق والعاشق لصفات الله في نفسه صفة الله الرحيمية، أي مساعدته الخلق لإكمال الأعمال الصالحة. كذلك فإن العدل من صفات الله الذي أصدر كل أمر من أوامره بمقتضاها وليس نتيجة حماس النفس؛ وهي صفة يخلقها العابد الصادق في نفسه ولا يستطيع إهمالها. والعلامة القوية للصادق هي أنه كما يحب وجود هذه الصفات في ذات الله، كذلك يجب عليه أن يحبها لنفسه. فهذا هو التعليم الذي علّمه الله سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة ونبذه المسلمون في هذا العصر.

(الإعلان واجب البيان ص1 – 2 ، بتاريخ: 1900/11/4م، والمنشور في ترياق القلوب)

هذا الموقع هو موقع علمي لا يتبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمىى الطائفة القاديانية ولا يتبع أي فرقه من الفرق المنتسبه للإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025. All Rights Reserved.

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025.

All Rights Reserved.

E-mail
Password
Confirm Password