ضرورة النظر إلى الآخرة
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام: على الناس النظر إلى الآخرة، والخوف من العذاب قبل حلوله. ولله درّ القائل:
أي: أن الذي ينظر إلى العاقبة لهو العبد المبارك.
انظروا كيف كانت عاقبة قوم لوط وغيرهم من الأمم. فمن واجب كل واحد منكم عنده قسوة القلب أن يلومه ويروّضه على الخشوع والخضوع. هذا ضروري جدا لجماعتنا، لأنها تتلقى معرفة غضّة متجددة. من ادعى المعرفة ثم لم يعمل بها، فادعاؤه مجرد ثرثرة لسان. يجب على جماعتنا ألا تكون غافلة برؤية غفلة الآخرين، ولا تدَع حبَّها لله تعالى يفتر برؤية فتور حبِّ الآخرين. يربي المرء في قلبه كثيرا من الآمال والأماني، ولكن مَنْ ذا الذي يعلم القضاء والقدر الخفيّ وراء الغيب؟! الحياة لا تسير وفق الأماني والآمال. إن عالَم الأماني مختلف عن عالم القضاء والقدر، وإن عالم القضاء والقدر هو الحق. واعلموا أن صحيفة أعمال الإنسان الحقيقية هي عند الله تعالى، وما يدريه ما هو المكتوب فيها، لذا يجب أن يوقظ قلبه مرة بعد أخرى لينتبه من سباته. من المؤسف أن الناس لم يتركوا العُجب والكبرياء رغم حلول المصائب والخطوب عموما. الحق والحق أقول إنها لن تزول ما لم يترك الناس عنادهم وتماديهم. أرى أن الناس ليسوا مستعدين لمصالحة كاملة مع الله تعالى، ولم تأخذهم الخشية أيام القحط والمجاعة أيضا. في الماضي كان الناس تخيفهم فتوى صادرة من مكة والمدينة، فمثلًا إذا قيل لهم إن فتوى كذا جاءت من هناك خافوا، أما الآن فلا يخافون برؤية المصائب أيضا. وعندي أن هذا القضاء والقدر لن يتبدل ما لم يرجع الناس إلى الله تعالى رجوعا كاملا: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” (الرعد:11)
(المصدر: جريدة الحكم، بتاريخ 17-6-1901م)
جرى الحديث عن المحاكم، وأن الشهود يرتعبون من المحامين والحكام في المحاكم، فقال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام:
في معظم الأحيان يرتعب الشهود في المحاكم من المحامين والحكام حتى إنهم لا يستطيعون حفظ حقوق الآخرين، ويتفوهون ظلمًا بما هو خطأ وباطل. والخوف من المحكمة أيضا نوع من الشرك، و”إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” (لقمان:13)
وقال عليه السلام: إن بعض الإنجليز يقومون بتحري الأمر كثيرا عند الفصل في القضايا، ويحكمون بعد كثير من التفكير والتدبر. ومِن صُدف القدر أنني كنت ذات مرة ماثلا في محكمة حاكم أمرتسر ضد بعض مزارعينا في أيام حضرة المرزا (والدي المحترم)، وقبْل إصدار الحكم بيوم كان الحاكم منحازًا إلى المزارعين، وكان يقول لنا في المحكمة غاضًا الطرف عن شرورهم: إنكم تظلمون هؤلاء الفقراء. فرأيت بالليل في المنام أن ذلك الحاكم الإنجليزي واقف بجانبي على صورة طفل صغير وأنا أمسح بيدي رأسه. وفي الصباح لما ذهبنا إلى المحكمة وجدته قد تغير تمامًا وكأنه ليس ذلك الإنجليزي. فزجر المزارعين زجرًا شديدا وفصل القضية لصالحنا، وأمرَهم بدفع كل ما أنفقناه في القضية.
وقال عليه السلام: من الواجب الديني على الحاكم أن يجيل النظر جيدا في القضايا كي لا يُهضَم حق أحد.
وقال عليه السلام: من الصعب أن يقف المرء أمام هؤلاء الحكام الأرضيين إلا إذا كان ذا عزيمة وطبع هادئ، فكيف يكون حال الناس حين يُوقَفون أمام أحكم الحاكمين؟
وقال عليه السلام: بحسب التوراة مَن كان من نطفة الزنى كان ملعونا، ومَن صُلب كان أيضا ملعونا. والغريب أن المسيحيين قد سلّموا بأن يسوع صار ملعونا بموته على الصليب، وذلك تبريرا لاختراع عقيدة الكفارة والفداء من أجل نجاتهم. فما داموا قد رضوا بلعنة واحدة ليسوع، فكيف لا يرضون له باللعنة الأخرى دعمًا لعقيدة الفداء. فما داموا قد رضوا باللعنة مرة فما الفرق لو كانت بعد ذلك لعنة واحدة أو لعنتان. ولكن القرآن الكريم يرفض هاتين اللعنتين ويفندهما بقوله إن ولادة المسيح كانت ولادة طاهرة، وأنه لم يمت على الصليب كما يموت الناس عليه عادة.
وقال عليه السلام: المتقي يهاجر إلى الله تعالى، والدنيا تتبعه من تلقائها. ولكن المتكالب على الدنيا يقاسي من أجلها كروبًً وآلاما ومع ذلك لا ينال بها الراحة. انظروا كيف أن الصحابة تركوا الدنيا، فأصبحوا من كبار الأثرياء، كما أكلوا ثمار الآخرة أيضا.
معرفة الصادق من الكاذب
سئل المسيح الموعود عليه السلام بأن بعض المعارضين أيضا يدّعون تلقِّي الإلهامات، فكيف يُعرف الصادق من الكاذب؟ فقال عليه السلام: هذا سهل جدا. على هؤلاء المدّعين أن يبارزوني، وينشروا دعواهم بأن خصمنا سيموت قبلنا إن كنا صادقين. ولو فعلوا ذلك فإننا نوقن يقينا راسخا بأن مبارزنا بهذه الدعوى لو كان طفلا في العاشرة من عمره وكانت تتوفر له كل أسباب الحياة ولا يزال أمامه كثير من عمره، فإن الله تعالى سوف يميته قبلنا.
(المصدر: جريدة الحكم، بتاريخ 17-6-1901م)