رفع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام عند ذكر وفاة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام :
إن القرآن الكريم بمنزلة الَحكم في نزاعات اليهود والنصارى، فالنزاع الحقيقي الدائر فيهم أنه قد ورد في التوراة أن الذي يعلَّق على الصليب ملعونٌ، ولا يُرفع روحانيًا، ولا يستحق مثل هذا الإنسان أن يُخلع عليه خِلعة النبوة من الله، بل يكون ملعونا. فالصَّلب كان وسيلة لإعدام المجرمين. فالذي يموت بعقوبة تخص المجرمين فلا يجدر أبدا أن يحظى بالرفع الروحاني. باختصار، كان ادِّعاء اليهود حصرًا أن عيسى عليه السلام كان محروما من الرفع الروحاني. فكانوا يؤمنون بأن موسى حظي بالرفع الروحاني لا بالرفع المادي. إذ لم يكن الرفع المادي قد خطر ببالهم. فالأمر الحق الذي اتفق عليه المسلمون واليهود، وهو معتقَدُهم المسلَّم به، أن عباد الله الصالحين يحظون بعد الموت بالرفع الروحاني وهذا الذي يجدر بالعظمة، فهم لا يؤمنون بالرفع المادي كما أنه ليس فيه أي فضيلة. فقد بيَّن القرآن الكريم هذا المبدأ حصرًا في قوله “مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ” (ص:50) أي أن الله سبحانه وتعالى يفتح أبواب رحمته السماوية للمتقين والورِعين في نظره وهو يرفعهم روحانيًّا بعد الموت، أما الذين هم مقابلهم من الخبيثين والبعيدين عن الله، والذين لا تكون لهم أي علاقة إخلاص وصدق معه سبحانه وتعالى، فلا تفتَّح لهم أبواب السماء، كما قال :سبحانه وتعالى “لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ” (الَأعراف:40).
باختصار، كان اعتراض اليهود منحصرًا في أن عيسى عليه السلام لما كان قد صُلب، والعياذ بالله، فهو ملعون. والواضح أن الملعون لا يحظى بالرفع الروحاني، وفي ردِّ هذا الاعتراض حصرًا قال الله :سبحانه وتعالى “بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِ” (النساء:158)
إننا نسأل: إذا كان اليهود يعترضون أن المسيح لم يفز بالرفع المادي، فأين فنَّد القرآن الكريم الذي جاء حَكما للأمتين كلتيهما اعتراض اليهود هذا؟ فلماذا لم يردّ القرآن الكريم على اعتراض اليهود الحقيقي، وركز على الرفع الروحاني حيث قال: “بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِ” ولم يقل رفعه الله إلى السماء؟
إن عرش الله مقام وراء الوراء، وهو على بُعد مساوي من الأرض والسماء والجهات كلها. وليس صحيحًا أن عرش الله -والعياذ بالله- قريب من السماء وبعيد عن الأرض. ولعين من يعتقد ذلك. فالعرش مقام التنزيه، ولذلك إن الله موجود في كل مكان يسمع ويرى، كما قال: “وَهُوَ مَعَكُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡۚ” (الحديد:4) وقال ” مَا یَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ” (المجادلة:7) وقال “وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ” (ق:16).
باختصار، إن النزاع الحقيقي كان بشأن رفعه الروحاني وكونِه من المقربين إلى الله، فقد حَكم الله في ذلك بقوله: “بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِ” فليخبرني أحد كيف يثبت منه صعوده إلى السماء؟ فهل الله في السماء وليس في الأرض؟
وفاة عيسى ابن مريم عليه السلام
لقد بتَّ الله في قضية عيسى عليه السلام تمامًا في الآية: “فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِی كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡ” (المائدة: 117) من هذه الآية يثبت أمران، أحدهما وفاة عيسى عليه السلام والثاني عدم رجوعه إلى هذه الدنيا من جديد. لأن هذا السؤال سيُطرح عليه ويردّ عليه في يوم القيامة. فسوف يسأله الله هل كنتَ أنت قد أمرت
النصارى بهذا الشرك؟ وسيقول: كلا يا إلهي، إنما فسدوا وضلوا بعد وفاتي، فلا علم لي ما هي المعتقدات التي اخترعوها بعدي. أما أنا فإنما كنت علَّمتُهم التوحيد فقط. يتبين صراحة من هذا السؤال والرد عليه أن عيسى عليه السلام قد توفي، ولن يعود إلى هذا العالم من جديد. وإلا لو كان قد جاء إلى العالم، واطلع على
معتقدات النصارى السيئة الشركية، وأصلحها وكسر الصليب وقتل الخنازير لآخذه الله على هذا الكذب الصريح. وهل كان بإمكانه أن يكذب يوم القيامة أمام الله بهذه الجرأة؟ كلا فالواقع والحق أن عيسى عليه السلام قد توفي، وأنه لن يعود إلى هذه الدنيا مرة أخرى. فهذا قول الله سبحانه وتعالى وصدَّقه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله حيث رآه ليلة المعراج جالسًا مع النبي يحيى عليه السلام. فالقضية جديرة بالتأمل، فما علاقة الحي بالموتى؟ فالحياة والوفاة ضدان، فكما لا يمكن أن يجتمع الظلام والنور في مكان واحد لا يمكن أن يعيش الأحياء والأموات في مكان واحد، بل كان يجب أن تكون لعيسى عليه السلام حجرة خاصة.
بعثة المسيح الموعود وتحقق النبوءات
بعد ذلك فسر البخاري ومسلم الأمر أكثر، وقد أدرجا ذكر مركبة جديدة ضمن علامات الزمن الأخير، وقالا “ولَتُتْرَكَنَّ القِلاصُ فلا يُسْعَى عليها” ووضَّح القرآن الكريم الموضوع نفسه في عبارة “وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ” (التكوير:4)، إن تطابق القرآن الكريم والحديث ثم تحقق هذه النبوءات بعد زمن بعيد حيث قد مرَّ عليها أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، يقوِّي الإيمان ويجدده أكثر. فقد قرأت في جريدة أن سلطان تركيا قد أصدر أوامر صارمة بمدِّ السكة الحديدية خلال سنة واحدة لقطار الحجاز. سبحان الله كم سيكون المشهد رائعا، وكم سيتجدد الإيمان حين تتراءى القطارات تجري بدلا من طوابير الجمال الطويلة، فحين تتحقق هذه النبوءة التي هي نبوءة عظيمة واقتدارية من آثار قرب القيامة وعلامات بعثة المسيح الموعود، فيجب الإيمان بأن المسيح الموعود أيضًا قد بُعث.
سلسلة الزلازل والطاعون
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام:
إن الطاعون والزلازل أيضًا تقوم بجولة على شاكلة جولات الحكام، فكما أن الحكام أثناء جولاتهم حين يجدون في أي منطقة تمردًا أو فسادا يقومون بإصلاحه،كذلك تتجول الزلازل والطاعون أيضًا في شتى مناطق البلد، فقد سُمع أنه قد نُسفت الجبال بالزلازل وفنيت مدن بأكملها، وكذلك هو حال الطاعون. فحين يطمئن الناس قليلا إثر مشاهدة توقُّفٍ قليل، ويتقدمون في الغفلة وارتكاب الذنوب، فإن الله يبعث الطاعون لمعاقبتهم. فيجب أن لا تطمئنوا ولا ترتاحوا بل يجب أن تنصرفوا إلى إصلاح أنفسكم، وتنشغلوا في التوبة والاستغفار قبل أن تحل أي مصيبة.
آيات الله الإقتدارية
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام:
حين يريد الله سبحانه وتعالى أن ينفذ أمرا يهيء له وسائل قاهرة، فله أساليب عجيبة في ذلك، فقد روي عن ملِك مسلم كان قد سجن الإمام موسى الرضا لسبب ما، فشاء قدر الله أن يطلب الملك وزيره في منتصف الليل، وأكد عليه أن يأتيه فورا ولا يتأخر حتى أنه نهاه حتى عن تغيير ملابسه ، فجاء الوزير فورا حاسرا حافيا واستوضح من الملك سبب الأمر الطارئ العاجل والمقلق. فقص عليه الملك رؤياه قائلا: رأيت في الرؤيا حبشيا مخيف الوجه مهيب الهيئة قد خوَّفني بسلاح وهددني قائلا: أَطلِق سراح الإمام موسى فورا وقدِّم له ألف دينار، واسمح له أن يعيش حيث يريد، وإلا سوف أقتلك. فاذهب إلى الإمام موسى رضا فورا، وأطلق سراحه. فتوجه رئيس الوزراء من فوره إلى السجن، وقبل أن يقول للإمام موسى شيئا ويخبره عن سبب مجيئه، قال له الإمام: اسمع رؤياي أولا، فقد بشرني الله تعالى بخروجي من السجن قبل طلوع الفجر. باختصار، هذه هي آيات الله الاقتدارية!
الرد على معتقدات الشيعة
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام:
المسلك الذي اتخذه الشيعة يدمر دينَ النبي صلى الله عليه وسلم كله والعياذ بالله، فانظروا كيف يتبين بوضوح من الآية: “إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا” (النصر:1-2) أن الناس سوف ينضمون إلى دين الله -أي الإسلام- بكثرة وبأعداد هائلة، وأن ذلك يحدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. فليَسأل أحدٌ هؤلاء، هل يمكن أن تطلق كلمة “أفواجا” على بضعة أشخاص فقط؟ وهل هؤلاء الأشخاص فقط هم ثمرة جهود النبي صلى الله عليه وسلم المضنية والشاقة؟ واأَسَفاه، لاحظوا أن الفوج أيضًا لا يكون قوامه قليلا، أما هنا فقد استخدم الله صيغة الجمع وقال “أفواجا” أي ستدخل أفواج في دين الله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. إن معتقدات هؤلاء تستلزم تكذيب القرآن الكريم أصلا، فقد تركوا القرآن الكريم بوصفهم إياه محرَّفا ومبدلا، أما الذين بلَّغوا القرآن الكريم ونقلوه وقال الله سبحانه وتعالى بحقهم: “رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُ” (البينة:8)، وأورثهم عرش النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا مصدقي نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم ومحققيها، وعلى أيديهم أنجزت وعود القرآن الكريم العظيمة، إذ بواسطتهم جُعلت عروش قيصر وكسرى وكنوزُهم مِلكا للمسلمين؛ فقد تركَهم الشيعة بعد وصفهم بالغدارين والظالمين والمنافقين والغاصبين. فمثلهم كمثل المرأة التي حين تشعر بالمخاض بعد اكتمال أيام حملها تبكي هي وأقاربها بسبب الألم ويتأذَّون لأن تلك الحالة حالة ظلام ولا أحد يعرف النتيجة، لكن حين تلد ابنا وتغتسل بعد أربعين يوم من النفاس ويُرى ولدها أيضًا صحيحا سالما فعندها إذا بكى أحدهم فكم يبدو ذلك في غير محله؟ فهذا هو حال هؤلاء، إذ قد مرَّ الزمان ورحل الصحابة رضي الله عنهم من هذا العالم بعد أن زينوا عرش الخلافة لمدة معينة وقاموا بإنجازاتهم وأحرزوا نجاحات عظيمة وفازوا برضوان الله وقد وُهبت لهم الجنات والعيون المقدرة لهم في الآخرة، ونالوا ما وُعدوا؛ فهؤلاء الشيعة يبكون الآن ويصرخون أن الصحابة والعياذ بالله كانوا كذا وكذا. ما فائدة البكاء في المحرَّم بتذكُّر شهداء كربلاء؟ يجب أن يفكر المرء في إصلاح نفسه، وأكبر همٍّ يمكن أن يصيب الإنسان هو أن يحقق إصلاح نفسه، ويتزود للآخرة. انظروا كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها: يا فاطمة، اتقي النار، فلن أغني عنك من الله شيئا.(سنن الترمذي، أبواب التفسير، سورة الشعراء، الآية: وأنذر عشيرتك الأقربين). فإذا كان هذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم فما بال الآخرين؟
غلو الشيعة ناجم عن عدم التدبر في القرآن
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام:
الشيعة يغْلون عبثا، ويفحمهم الخوارج جيدا، فالحقيقة أنه حتى لو كان قد حصل أي نزاع بين الصحابة فما الحرج؟ إنما النزاع والشجار يحدث حيث تكون العلاقات المتبادلة قوية، فلا عيب فيه، فقد حسم الله كل هذه الأمور بقوله: “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ” (الحجر:47) إن إطالة اللسان في هذه الأمور بعد حكم الله ليست من علامات الإيمان. إذا كان الشيعة يعترضون على الصحابة الكرام، فالخوارج يعترضون على علي كرم الله وجهه. فقد ورد أن عليًّا رضي الله عنه كان ينوي الزواج من ابنة أبي جهل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حين علم بذلك غضب جدًّا، وقال: هذا لن يحدث، أن تجتمع ابنة عدو الله مع ابنة رسول الله في بيت واحد. وإذا كان مصرًّا على رغبته فليطلق فاطمة. وليس ذلك فحسب بل يقول الخوارج إن عليا رضي الله عنه والعياذ بالله كان قد سمم فاطمةَ لتحقيق رغبته هذه وقتلها، وأخيًرا قد حقق رغبته. لقد ورد بحق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم أنهن أمهات المؤمنين، فمن هذا المنطلق هل ظل علي يحارب أمَّه لمدة طويلة؟ معلوم أن الإمام الحسن قد تخلى عن الحكم والسلطة لمعاوية، لكن عليا رضي الله عنه لم يتخلَّ عن مخاصمة أمه، بل ثبت أن عليا رضي الله عنه في أول الأمر تخلف عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ثم لا نعرف ما الذي خطر بباله عند الوصول إلى البيت، فحضر فورا للبيعة واضعًا على رأسه قبعة فقط، وطلب إحضار العمامة لاحقا، ويبدو أنه قد استقر بباله أن تخلُّفه معصية كبيرة، ولذلك أسرع دون أن يلفّ العمامة. فالواقع أن كل هذه الأفكار تنشأ نتيجة عدم التدبر في القرآن الكريم.
(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/3/22م)