وعد الله بحماية الدار
قال الامام المهدي ميرزا غلام احمد ، المسيح الموعود :
لقد أُوحي إليّ الليلة أيضا: “إني أحافظ كل من في الدار“.
يبدو من ذلك أن الطاعون في هذه السنة سيكون شديدا. مع أن هناك تخطيطا كبيرا ليزول الطاعون بأية طريقة ممكنة ولكن كم هو مؤسف أنه لا ذكر لله تعالى قط في هذا التخطيط. نعترف أن هناك قوانين والأطباء والخطط أيضا ولكن من سوء الأدب أنه لا تكون هناك أدنى إشارة إلى المالك الحقيقي. يبدو من الإلهام أن الطاعون أو الكوليرا أو مرضا وبائيا آخر على وشك الانتشار. وقد وعد الله تعالى: “إني أحافظ كل من في الدار“. لقد أُنبئ عني في جريدة “روزانه أخبار” أنني سأموت بالطاعون ولكن الله قد ردّ على ذلك وقال: “إني أحافظ كل من في الدار“. كنتُ ساكتا وصامتا تماما ولكن الله سميع عليم.
حقيقة النبوءات ضد الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمدعليه السلام
أما ما جاء في تلك النبوءات أني سأهلك وستتشتت جماعتي، فيردّ الله عليها ويقول بأنه سيحافظ كل من كان في داري. أشك أن يكون “كرامت علي” اسما افتراضيا وإلا الاستهزاء بالإسلام مع كونه مسلما أمر يبعث على الاستغراب فحسب.
أريد أن أسأل أيضا: هل أُدليت هذه النبوءة بناء على إلهام أو هو افتراض واستهزاء وسخرية بحتة؟ إذا كان الله قد أخبر بها فيجب أن يُنشر ذلك الوحي والإلهام أيضا وإلا فإن “اجهر” أيضا ادّعى أنه لن يموت بالطاعون.
لن يموت كل واحد بحسب إرادته. لا اهتم بمثل هذه الادعاءات العبثية. يجب أن ينشروا مقابلي أن الله ألهم إليهم كذا وكذا حتى تهيج غيرة الله. إن الله – عز وجل – يغار حين يُفترى عليه ويُكذَب باسمه. وأضف إلى ذلك أن صاحب هذه النبوءة عدَّ عابدَ الإنسان وصاحب اعتقاد الكفر بحسب المسلمين مسيحا حقيقيا. هل لمسلم أن يفرح بذلك؟ أعتقد أن قسيسا أيضا لن يرضى ولن يفرح به، لا يقبل النصارى أيضا مثل هذه الأمور. هذه الأمور كلها تبدو افتراضية. إن طاعة الحكومة شيء والأمور الدينية شيء آخر. يبدو لي من هذا العمل –كما يفعل اللصوص– اسم افتراضي. تأتينا رسائل كثيرة على هذا النحو وعندما نرد عليها يعود إلينا بعد عدة أيام ويكون مكتوبا عليه بأنه لم يُعثر على شخص بهذا الاسم والعنوان بعد بحث طويل ومضن.
ثم قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
لقد قرأتُ، والحق أن هؤلاء الناس يريدون أن يستخدموا كل شرٍّ مقابلنا ويحاولون أن يضرونا بكل ما في وسعهم. لقد بعث إلى الإمام الحسين قرابة خمسين ألف شخص رسالة من الكوفة قالوا فيها: تعال إلى هنا، نريد أن نبايعك، وعندما وصل إليهم قالوا حالفين بالله بأننا لم نبعث إليك أية رسالة وأنكروها كليا، وذلك مع أن مستوى التقوى في تلك الأيام كان عاليا إذ لم تمض فترة طويلة بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. أما الناس المعاصرون فلم يبق فيهم شيء من التقوى والأمانة والإخلاص، ويكذبون متلذذين وكأنه ليس ذنبا قط.
شفقة النبي – صلى الله عليه وسلم –
لقد قُتل والد شاب في حرب في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم –، وعندما عاد الناس من الحرب سأل الشابُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم -: أين أبي؟ احتضنه النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال: أنا أبوك.
إيمان الصحابيات المثالي
يُروى عن امرأة أن زوجها وابنها وأخاها استُشهدوا في الحرب. وعندما عاد الناس من الحرب قالوا لها: لقد قُتل زوجك وابنك وأخوك. قالت: أخبروني فقط هل عاد النبي – صلى الله عليه وسلم – سالما غانما أم لا؟ من الغريب حقا كم كان إيمان نسائهم قويا وعظيما.
إيمان السيدة أم المؤمنين
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
لقد سردتُ لزوجتي إلهاما تلقيته البارحة: “لقد رضي الله“، فقالت: لقد سررتُ بهذا الإلهام لدرجة لو مات ألفا مبارك أحمد لما حزنتُ.
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
كان ذلك بناء على إلهام: “أنا راض بقدر الله“، ثم أُوحي إليّ أربع مرات: “يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا“. ثم أُلهمتُ: “الحادث جللٌ ولكن عليك أن تقبل امتحانا من الله، ثم أُلهمتُ: ‘ Life of pain’ أي حياة الألم.
وفاة الصاحبزاده مبارك أحمد كانت وفق وعود الله
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
لا يسع أحدا الإنكار إذا ألقى عليها نظرا إجماليا. وقد أُوحي إلي على إثر ولادته: “إني أسقط من الله وأصيبه“، وقد ألقى الله في قلبي في الوقت نفسه فكتبت حينذاك بأن هذا الولد إما سيكون صالحا جدا ومتوجها إلى الله أو سيموت سريعا. إذا كان أحد شريرا وعدُوّا للحق فهذا أمر آخر، ولكن العدو أيضا سيعترف بإلقاء نظرة إجمالية أن ما حدث فقد حدث بحسب وعود الله، كذلك تلقيتُ إلهاما آخر وهو: “إني مع الله في كل حال“. قولوا لي الآن كيف يمكن إنكار هذا الكلام الواضح؟
الابتلاءات ضرورية
الحق أن الابتلاءات ضرورية. لو قضى المرء حياته في أكل الأطعمة اللذيذة ورفل في أصناف الراحة والسعادة، ثم تمنى لقاء الله لكان ذلك محالا. لا يمكن للإنسان أن يصل إلى الله دون الجروح الشديدة والابتلاءات القاسية، يقول الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (العنْكبوت: 2).
باختصار، لا تستقيم الأمور بغير امتحان يقصم الظهر. لقد تعرض نبينا الأكرم – صلى الله عليه وسلم – لامتحان أقسى من غيره تماما كما يقول تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} (الشرح: 3 – 4) إذا حلّت مصائب شديدة بالإنسان وصبر عليها لوجه الله تُلحقه تلك الابتلاءات بالملائكة. يكون الأنبياء أكثر الناس قربا إلى الله تعالى لأنهم يواجهون ابتلاءات قاسية فتوصلهم إلى تعالى تلقائيا. لقد حلّت الابتلاءات بالإمام الحسين، كما واجه الصحابة كلهم أيضا الوضع نفسه وامتُحنوا بأقسى الامتحانات. الوصول إلى الله بمجرد أكل الأطعمة اللذيذة وتمرير حبات المسبحة جالسين في البيوت بهدوء وسكينة محال. إن مسبحة الصحابة كان السيف، ولكن إذا أُرسل الناس إلى الخارج في هذا العصر لنشر الإسلام لقالوا بعد بضعة أيام حتما أن بيوتنا عورة. إذا تأملنا في عصر الصحابة لتبين أنهم كانوا قد قرروا سلفا أنهم لو اضطروا للتضحية بأرواحهم في سبيل الله لضحُّوا بها. لقد قبلوا الموت في سبيل الله. الصحابة الذين كانوا يشتركون في الحرب كان يستُشهد بعضهم ويعود بعضهم إلى بيوتهم. والذين كانوا يُستشهدون كان أقاربهم يفرحون على تضحيتهم في سبيل الله. أما الذين كانوا يعودون إلى بيوتهم كانوا ينتظرون ويشْكون كأنهم مقصّرون لذا لم يُستشهدوا في الحرب. فكانوا يقوّون عزيمتهم ويستعدون للتضحية بأرواحهم دائما كما يقول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 23)، إن أكثر الناس تقوى واستقامة ورضى هم أفراد جماعتنا، ومع ذلك يوجد فيهم الذين هم ديديدان الدنيا. أسرد لكم بهذه المناسبة بيتا من الشعر مفاده: تريد الوصول إلى الله وتريد الحصول على الدنيا الدنيئة أيضا، فهذا خيال ومحال وجنون.
تذكروا الموت ولا تنسوا الله
لا يُعرف متى تصيب المنيةُ أحدا، لذا يجب على المرء ألا يتجاسر، ولا يهمل الدينَ من أجل الدنيا الدنيئة. يقول بيت فارسي ما تعريبه: لا تثق بهذا العالم الفاني، ولا تأمن عوادي الدهر.
الذي يأتيه الموت وهو دائم الانشغال في الأمور الدنيوية فموته موت الظلمة. لقد قال “الحافظ“، الشاعر الفارسي بهذا الشأن ما تعريبه: إن يوم الموت يكون مخفيا دائما، فالأفضل أن يكون حبيبي وصديقي موجودا بجانبي يوم وفاتي.
الحق أن الموت يأتي بغتة حين يكون الإنسان مشغولا في مكائد وأشغال أخرى ويودّ أن يتم له هذا وذاك وتصيبه المنية بغتة، فينطبق عليه: {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف: 34)، لا أقول أن يترك الوظيفة أو التجارة أو الزرعة أو أوجه المعاش الأخرى، بل عليه أن يُثبت عمليا علاقته بالله كما يدّعي. الجهد والمشقة التي يتكبّدها من أجل الدنيا يجب أن يبديها من أجل الدين أيضا، وإلا فإن الدعاوى الفارغة لن تنفعه شيئا وإن بلغت عنان السماء. لن يتم شيء ما لم تفعلوا شيئا عمليا. إن همّ المؤمن وغمّه كله يكون لوجه الله لا للدنيا، ولا يخوض في الأمور الدنيوية بطيب خاطره بل يفعلها مكتئبا. هذا هو طريق النجاة. أما الذين يبقون متوجهين إلى مشاغل دنيوية ويعكفون عليها فقط يقول الله عنهم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (الكهف: 105).
النموذج الأمثل للسيدة أم المؤمنين
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
قالت أيضا زوجي عند وفاة مبارك أحمد بأنها آثرت مشيئة الله على مشيئتها. وهذا يطابق إلهاما جاء فيه: “تخليتُ عن رضاي ابتغاء لمرضاة الله“.
لقد مضى على زواجنا 25 عاما ولم تشهد زوجتي حادثا مثلما شاهدته الآن. قلتُ لها بأن الله الذي يرزقنا راحة بعد راحة، إذا فرض مشيئته فذلك أيضا مدعاة لسعادتنا.
لقد قررتُ سلفا عن أولادي أنهم لله كلهم ولا دخل لنا في أمرهم. ونحن أيضا لله وحده. والذين يقررون سلفا على هذا النحو لا يحزنون.
المؤمن لا يُضاع
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
لا يمكنني القبول بأن يضيع الذي يخطو إلى الله. المؤمن لا يضيع أبدا بل هو ينال الدين وينال العزة الدنيوية والمال أيضا.
النموذج الأمثل للإنفاق في سبيل الله
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
ذات مرة جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى بيته وسأل: ماذا يوجد في البيت؟ أخرجت السيدة عائشة رضي الله عنها دينارين وقالت: لا يوجد غيرهما. وضعهما النبي – صلى الله عليه وسلم – على راحة يده وقال: ما بال نبي يترك وراءه دينارين؟2 ثم وزّعهما فورا.
الله أعلم أنه كلما كان عندي شيء يُنفَق في اليوم التالي. كل شيء يكون مِلكا للجماعة ويُنفق في دار الضيافة. وفي بعض الأحيان لا يكون هناك شيء وأقلق فيرسل الله من عنده. معظم الناس لا يقدرون الله حق قدره: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (الأنعام: 91) يقول الله – عز وجل -: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (الذاريات: 22)، الفلاسفة المعاصرون سيحبون الذين يقولون مثل هذا الكلام سفهاء وأغبياء وحمقى ولكن كيف لنا أن نرفض ما جرّبه مئة وأربع وعشرون ألف نبي؟ ولكن لما لا يكون الإيمان بالله كاملا فيقصرون في الإنفاق في سبيله أيضا. أما في رأيي ينبغي التضحية بالأرواح أيضا في هذا السبيل، فما بالك بالمال.
(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1907/9/24م.)