الاستغفار يعمل ترسا من عذاب الله والمصائب الشديدة
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرز غلام أحمد عليه السلام:
إن مرض الطاعون في حد ذاته عذاب شديد، ثم إن القانون القاسي الخاص به عذاب ثانٍ، والمرض في ازدياد، فسواء أكان المطعون امرأة أو طفلا، فإن القانون يأمر بعزله عن الآخرين وإخلاء البيت. والتدبر في هذا المرض والقانون قد ولّد في قلبي مزيدا من الألم، فدعوت بشأنه في صلاة التهجد، فتلقيت وحيًا: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وقد خطر ببالي الآن لعل هذا الإلهام ذو صلة بالإلهام القائل:
أي: من ذا الذي يستطيع أن يقول: أيتها الصاعقة، لا تسقطي من السماء.
إني أريد أن أفهّمكم أن الذين يدْعون الله ويستغفرونه ويتصدّقون قبل نزول البلاء، يرحمهم الله ويعصمهم من عذابه. فلا تسمعوا أقوالي كقصة تروى، بل أقول لكم نصحًا لله تعالى أنْ افحصوا أحوالكم، واعكفوا على الدعاء، واطلبوا من أصدقائكم أيضًا أن يدعوا الله تعالى. إن الاستغفار يعمل عمل التُرس إزاء عذاب الله والمصائب الشديدة.
قال الله تعالى في القرآن المجيد: “مَا كَانَ اُلله مُعَذِّبَُهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” (الأنفال:33)، فإن كنتم تريدون أن تُعصَموا من عذاب الله فاستغفِروا بكثرة.
سيكون للدولة الحق في عزل مرضى الطاعون عن الآخرين ليصبح بذلك المعزولون كالعائشين في القبور، ولن يُفرَّق في هذا الأمر بين ثري وفقير، ورجل وامرأة، وشيخ وشاب، لذا لو تفشى الطاعون في منطقة يسكن فيها بعض منكم لا قدر الله، فإني أنصحكم أن تكونوا أول العاملين بقوانين الدولة. لقد بلغَنا أن اشتباكات وقعت مع الشرطة في معظم الأماكن، ولكني أرى أن مخالفة قوانين الدولة تمردٌ وجريمة شنيعة. غير أن مِن واجب الدولة أيضا أن تختار لهذه المهمة مسؤولين طيبي الأخلاق متدينين ومطّلعين على أعراف وتقاليد البلد وقيود الدين. فاعمَلوا بهذه القوانين بأنفسكم، وأخبِروا أصدقاءكم وجيرانكم بمنافعها. وأقول مرة بعد أخرى إن هذا الوقت وقت الدعاء. لقد توجه هذا الوباء ناحية البنجاب، فلا بد لكل واحد من أن يدعو ويتوب وهو متنبه ويقظ. إن ما يعلّمنا القرآن الكريم هو أن العذاب إذا حام حول الرؤوس فلا تنجي منه التوبة.
سبيل النجاة من عذاب الله
فتوبوا قبْل أن يأتي عذاب الله ويُغلِق باب التوبة. ما دام الناس يخافون قوانين الدنيا خوفا شديدا، فلماذا لا يخافون قوانيَن الله تعالى؟ إذا حلّ البلاء فلا بد أنْ يذوق المرء طعمه في كل حال. فعلى كلّ واحد منكم أن يسعى ليستيقظ ويصلي التهجد ويقوم بدعاء القنوت في الصلوات الخمس أيضا. توبوا مِن كلّ ما قد يجلب عليكم غضب الله تعالى. إنما التوبة أن تكفّوا عن جميع السيئات وعن كلّ ما يثير سخط الله تعالى، وأن تُحدِثوا تغيُّرًا حقيقيا في أنفسكم، وتمضوا قُدما وتتحلوا بالتقوى. فهذا أيضا يجلب رحمة الله تعالى. يجب أن تهذبوا عاداتكم، وتجتنبوا الغضب وليحلّ التواضع والحلم مكان الغضب. ومع إصلاح الأخلاق، أخرِجوا الصدقات أيضا قدر المستطاع. قال الله تعالى: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيًرا” (الإنسان:8)، أي أنهم يُطعمون الفقراء والأيتام وذوي الحاجة الطعام ابتغاءَ مرضاة الله قائلين إنما نطعمكم لوجه الله فقط، ونخاف شرّ ذلك اليوم المريع جدا.
باختصار، ادعوا الله تعالى وتوبوا، وأخرجِوا الصدقات بدون انقطاع، لكي يعاملكم الله برحمته وفضله.
المنهاج الخلقي للجماعة
ينبغي أن تبلغوا في حسن الأخلاق درجة بحيث لو أردتم نصح أحد وإطلاعَه على خطئه بحسن نية فانصحوه على نحو وفي وقتٍ بحيث لا يستاء من ذلك.
لا تنظروا إلى أحد بازدراء، ولا تجرحوا مشاعر أحد. يجب أن لا تكون هناك خصومات بين أبناء جماعتنا. لا تزدري أعينكم إخوانكم في الدين أبدا، ولا تحتقروا الآخرين ولا تستخفّوا بهم متفاخرين بالمال والثروة أو النسب بغير حق.
إنما المكرَّم مَن هو تقيٌّ، قال الله تعالى “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اِلله أَتْقَاكُمْ” (الحجرات:13). ينبغي معاملة الأغيار أيضا بحسن الأخلاق. لا خير في سيرة سوء الُخلق. يتحين الأغيار الفرص لرفع القضايا ضد أبناء جماعتنا. للآخرين طاعون واحد، ولجماعتنا طاعونانِ . إذا أساء الواحد من جماعتنا فإن إساءته تشوه سمعة الجماعة كلها. فازدادوا حكمةً وحلمًا وعفوا، ورُدّوا بهدوء وسلام حتى على أقوال أجهلِ شخص. لا تردّوا على الهذر بللهذر. يبدو أن تعاليم عيسى عليه السلام أيضا كانت تنطوي على حكمة كهذه، لأن أتباعه إذا لم يتصرفوا بهدوء لتعرضوا للضرب والإساءة كل يوم. كان الُحكم بيد الرومان، وكان فقهاء اليهود وكتبتهم أصدقاء للرومان، ولو أن أتباع المسيح لم يديروا الخدّ الأيسر بعد تلقي اللطم على الخد الأيمن لضُربوا يوميًّا ولرُفعت ضدَّهم القضايا يوميًّا. ورغم هذا التعليم اللين من قِبل المسيح كان اليهود يضيَّقون عليهم الخناق. كانت أوضاعهم عندها تقتضي هذا التعليم الإنجيلي. وإن وضع جماعتنا الآن مشابه لوضع أتباع المسيح تقريبا. ألا ترون أن محمد حسين البطالوي أيضا قد شهد ضدي في قضية مارتن كلارك المسيحي؟ فاعلموا أن لا أمل من القوم الآن. أما الدولة فيسعى هؤلاء لكي تسيء بنا الظن، وإنها إن أساءت الظن بنا -لا قدر الله- فهي معذورة في هذا إلى حد ما، لأنها لا تعلم الغيب. ومن أجل ذلك قد اضطُررنا مرارا لإرسال مذكّرات خصوصية لنطلعها على أحوالنا لكي تنكشف عليها حقيقة الأمور. فمن الأنسب في أيام الابتلاء هذه أن تتحلوا بالتقوى بكبت ثوائر النفس. ليس الغرض مما قلت لكم إلا أن تتَّعظوا وتعتَبروا. إن الدنيا مقام فناء، ولا مناص من الموت في النهاية، وإنما المسرّة الحقيقية في أمور الدين، وإنما الهدف الحقيقي هو الدين.
حقيقة رمضان
الرَمَض يعني حرّ الشمس. وبما أن المرء يكفّ عن الأكل والشرب وغيرهما من الملذات البدنية من جهة، ومن جهة أخرى يخلق في نفسه حرارةً وحماسًا للعمل بأحكام الله تعالى، فباجتماع الحرارتين الروحانية والجسمانية كان “رَمضان.” أما قول علماء اللغة أن الصيام فرض في شهر الحر ولذلك سمي رمضان، فلا أراه قولا سليما، إذ ليس في هذا خصوصيةٌ لبلاد العرب. والرَمَض الروحاني يعني اللوعة الروحانية والحرارة الدينية. ويُطلَق الرمض أيضًا على الحر الذي تسخَّن به الحجارة وغيرها.
(جريدة الحكم، بتاريخ 24-7-1901م)