ظاهر الشيخ محمد حسين وباطنه
لقد كتب المولوي محمد حسين إلى الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام في رسالة كما قال له شفهيا أيضًا أن يكون حَكما له في قضية، وهدد أيضًا أن حضرته إذا لم يتقدم حَكما فسوف يكتب اسمه في الشهود ومن ثم سوف يُضطر للذهاب إلى المحكمة.
فقال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام : أستغرب أنه من ناحية يسميني كافرًا ودجالا وملحدا ومرتدا، ثم لم يحصر ذلك الزعم في نفسه، بل قد ظل يبذل مساعي جبارة لإشراك كبار المشايخ في الهند بأسرها في هذه الفتوى، ومن ناحية أخرى يريد أن يجعلني حَكما في قضية شرعية، فما دمت في رأيه خارجا من دائرة الإسلام فما دخلي في قضية شرعية وما القرار؟ قولوا له أن يحسم أولا قضية كفري وإسلامي، ثم يمكن أن يجعلني حَكما.
هذا الرجل لم يتورَّع عن بذل قصارى جهده قدر المستطاع لإعدامي شنقًا، لكن الله سبحانه وتعالى بفضله ونصْره الخاص قد أكرمني بعزٍّ وكرامة في كل ميدان وأخزى أعدائي والذين أرادوا هواني. فانظروا كيف قام محمد حسين بتحريض الآريين ضدي عند قتل ليكهرام حيث تم تفتيش بيتي، ثم تقدم لإدلاء شهادة ضدي لصالح مسيحيّ رفع علي قضية بمحاولة قتله واستنزف جهوده لإدانتي، كما لم يدخر جهدا في استفزاز الحكومة ضدي، وجعْلها مسيئة الظن بي، حيث صرح للحكومة أني متمرد، وطالبَها بصراحة لماذا لا تلقي القبض علي، واستنزف الجهود لجعْل العامة يسيئون الظن بي، إذ قال لهم لا تُلقوا عليه السلام، ولا تصافحوه. وأن سرقة الأحمديين وقتلهم وغصب نسائهم جائز. فما دامت له هذه الأيادي الكثيرة علي فما هذه الرسالة والخطاب؟
يبدو أن له أغراضًا شخصية في هذه القضية ولذلك يصر لهذه الدرجة، فلو كان فيه نزْر يسير من السعادة لفكَّر في أنه منذ أن عقد العزم على معارضتي وبذل قصارى جهوده لتدميري والقضاء علي، فليقدّر من ذلك اليوم كم من أفضال أنزلها الله علي، وكيف نّماني الله وأكثرَ أفراد جماعتي، وفي المقابل ما الذي حصل له؟ فهذا الأمر الوحيد كان كافيًا لاهتداء سعيد الطبع وسليمه.
ثم كتب في رسالته أنه سيولَد له ابنٌ، وقصَد من جملته هذه الطعنَ علي، والاستخفاف بنبوءاتَ وبأمور النبوة، والعياذ بالله. فليُكتب إليه ردًّا على ذلك أن يقرأ كتابي “حقيقة الوحي“، فقد شرحنا فيه هذه الأمور بالتفصيل، فهو لا يعرف أن الأراذل والأنذال وأكلة الجيفة أيضًا يرون الرؤى عموما وهي تتحقق عادة، فما الذي دفعه إلى التباهي بأنه سيولد له ابنٌ.
العلامة الفارقة بين رؤى العامة الصادقة وإلهامات الأنبياء
يأتيني بعض الهندوس ويقصّون علي رؤاهم التي تحققت، وهم لا يقصدون بذلك إلا أن يعترضوا أن الرؤى الصادقة ليست ميزة في الإسلام فقط. فعندي أمثلة أن رؤى بعض الفساق والفجار والأنذال والمشركين واللصوص والزناة وقطاع الطرق تحققت أحيانًا، فما ميزة الشيخ محمد حسين في ذلك؟
كان شرمبت الآري المقيم هنا، قد قص علي أنه رأى في الرؤيا أنه سيولد له صبي، فوُلد له صبي. ثم في موضع آخر قال إنه رأى في الرؤيا أن بابو الله دته سوف يغيَّر، فرؤياه هذه أيضًا تحققت فهو يقدم بابو الله دته شاهدا على ذلك، فهل نستنتج من ذلك أن شرمبت أو أمثاله من هذا القبيل أنبياء والعياذ بالله؟ كلا بل الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد أودع هذه الأمور طبعَ الناس من كل طبقة شهادةً لكي يقيم عليهم الحجة، ولكي يتهيأ لهم شاهد من عند أنفسهم لقبول النبي، ولقد أودع الله طبع الإنسان الرؤيا لكي لا ينكر النبوة.
لم يقدم الله سبحانه وتعالى أي شرط للرؤيا الصادقة، بل قد أودع هذه الملكة كلَّ فرد من البشر دون تمييز بين الكفر والإسلام والصالح والطالح، فانظروا أن المسجونَين مع سيدنا يوسف عليه السلام أيضًا رأى كل منهما رؤيا وتحققت، كما تحققت رؤيا فرعون أي الملِك في ذلك العصر أيضًا، فهل عظَّمهم يوسفُ عليه السلام أو عدَّهم أنبياء؟ أو قل لي هل أعطيتَهم أنت أي مكانة؟ فأحدهم حقق رؤياه بتعرُّضه للقتل، بينما الآخر قد نال القرب عند الملك، فهل كان ينبغي إكرامُه؟ فإذا كان الإنسان يصبح نبيًّا إثر تحقق واحدة أو اثنتين من رؤاه ويتمتع بعظمة النبوة، فأخبْرني كم منهم ستعدّه إمامًا؟ فبهذا أنت تسخر من شأن النبوة وتستهزئ بالأنبياء.
فاعلم، أنه لا أحد يصبح ملكًا بامتلاك قرشين أو درهمين أو بضعة جنيهات، كلا بل إن القروش والدراهم والجنيهات دليل على وجود كثرة الأموال، لكي يقاس عليها حتمية وجود الملايين والبلايين والكنوز التي لا حصر لها.
فثمة علامة فارقة وميزة مميزة بين رؤى هؤلاء وإلهامات الأنبياء ومكالماتهم ومخاطباتهم، فوحْي الأنبياء ينزل مع جميع لوازمه، وهو يتمتع بشوكة وجلال وهيبة. ويفوق رؤى العامة كيفًا وكمًّا، ويحتوي على الأخبار بنجاحهم وخيبة آمال أعدائهم.
وحي الأنبياء يشتمل على الغيب كما قال :سبحانه وتعالى “فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ” (الجن:26-27) باختصار، لا يشارك أي إنسان في وحي الأنبياء من أي وجه. إن الاشتراك الذي جُعل في الجنس والنوع فإنما الهدف من ذلك أيضًا أن يساعد المرءَ على الإيمان بوحي الأنبياء المقدس، وإلا ليست له حقيقة أكثر من ذلك، ولا قيمة له مقابل وحْي الأنبياء.
فقل للشيخ محمد حسين (وجَّه حضرته عليه السلام الخطاب إلى من نقل الرسالة الشفهية) : رغم أنك تدَّعى المولوية، كيف يصدر من فمك هذا الكلام المؤدي والعياذ بالله إلى الاستهزاء بشأن النبوة والسخرية منها؟ إن رؤياك أو إلهامك أو مهما كان، بحاجة إلى التفسير أولًا، وثانيا حتى لو كان صادقًا فلا يرِد بسببه الاعتراض على النبوة، ولا هو يجعلك نبيا. فقبلك أيضًا تنبأ مقابلنا أحدٌ في أمرتسر بولادة الابن عنده، لكن الله أعلم ماذا حدث، إذ لم يدم حتى ذلك الحمل الموهوم، ولم ينجب حتى فأرة. باختصار، إن إلهامك أو رؤياك ما زالت بحاجة إلى التصديق، أما الذين صدر تصديق رؤاهم ومنهم مشركون وملحدون وفساق وفجار ولصوص وزناة، فقل له أيضًا هل ستعتبرهم أنبياء أو أولياء؟
إذا كنت تريد أن تأتي إلى هنا فأتِ للبحث عن الحق لا بدافع أي هدف مادي، فتعال لتتأكد من أن الرؤى يراها الكفار والفجار، والأنبياء أيضًا، فكلاهما شريك في الجنس، فما هي العلامة الفارقة بين رؤى الكفار والأنبياء وإلهاماتهم، فهل قد وضع الله سبحانه وتعالى علامة فارقة بينهما أم لا؟ فهذه مهمة دينية يجب أن تأتي للبحث في ذلك، فستثاب على ذلك.
تذكروا أن القرآن الكريم قد جعل النبوءة هي العلامة الفارقة بين هذين النوعين من الرؤى، فهي تفوق القوى البشرية، وتكون خارقة للعادة وتحتوي على الغيب.
المعجزات نوعان، إحداهما التي تُظهَر فورًا كعصا موسى، والثانية هي العلمية وهي النبوءات المحتوية على الغيب. فالنوع الأول من المعجزات يُفحم الأعداء، ولا تكون دائمة وطويلة المدى بل تكون بحسب الحاجة المؤقتة ولا تشكِّل حجة وبرهانا للمتأخرين، لأن الإنسان لا يتسنى له التدبرُ فيها. أما المعجزات من النوع الثاني فهي علمية ودائمة وللأبد، فحيثما يتدبرها الإنسان تزداد شوكةً وهيبة، وقدر ما يطول عليها الزمان يزداد ضياؤها وشوكتها أكثرَ، ولا تقل عظمتُها. فمعجزات نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا النوع الثاني، فانظروا أنه قد مضى عليها 1300 سنة وبلغ العصر قمة التقدم لكن العلوم الحديثة والطبيعية لم تُظهر أي عيب أو نقص في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تقلّ عظمة معجزاته وهيبتها بل هي في تزايد مستمر. فقدر ما تتقدم العلوم وتُكشف العلوم والفلسفة، تزداد عظمة تعليمه صلى الله عليه وسلم وشوكة معجزاته.
فانظروا! إن العلامة الفارقة العظيمة قد أقامها الله سبحانه وتعالى في قوله: “وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ” (الحاقة:44-46) أي من تقوَّل على الله فسوف يُهلَك. لا أعرف لماذا تُعتبر هذه الآية خاصةً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلأي سبب يقال لو كان النبي صلى الله عليه وسلم تقوَّل على الله لألقي القبض عليه أما إذا تقوَّل غيُره على الله فلا يُكثرت له. فنعوذ بالله من ذلك، إذ تتلاشى الثقة والأمان بهذا الاعتقاد، ولا تبقى أي علامة فارقة بين الصادق والمفتري. يتبين جليا من الآيات: “إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ” (طه:74) و“فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” (الزلزلة:7-8) و“إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” (الَأنعام:21) أنها تفيد العموم ولا تخص شخصا معينا. لا نعرف لماذا يستاء الله سبحانه وتعالى من تقوُّل النبي صلى الله عليه وسلم عليه، أما إذا ارتكب غيُره الجريمة نفسها فلا يبالي به مطلقًا؟ والعياذ بالله.
انظروا إلى عصر كتاب “البراهين الأحمدية” الذي كَتب التقريظ عليه بنفسه. اسألوه محلِّفين بالله هل كنت في ذلك الزمن وحيدًا أم لا؟ والآن معي جماعة قوامها أربعة مائة ألف إنسان، فهل ينصر الله سبحانه وتعالى مفتريا هكذا؟
إذن قد جعل الله سبحانه وتعالى بنفسه علامة فارقة بين رؤى عامة الناس ووحْيهم ورؤى الأنبياء ووحْيهم، فكل الناس ومن كل طبقة تقريبًا مشاركون في جنس الوحي، لكن وحي الأنبياء هو المتميز والجدير بالثقة كمًّا وكيفا، وقدرا ونصرا.
ثم إنني لم أدَّع النبوة التشريعية، بل أؤمن بأن النبوة التشريعية قد ختمت على النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أعلن وأقول إني أتيت خادمًا للشريعة نفسها بواسطة الإلهامات والمكالمات والمخاطبات والنبوءات.
لقد كتب المجدد للألف الثاني أن هذه الرؤى والإلهامات التي يراها الإنسان بين حين وآخر إذا فاز بها أحد بكثرة فهو محدَّث، فقد كتبت كل ذلك في كتابي حقيقة الوحي بالتفصيل، فاقرأه لتتأكد وتقتنع.
(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 1908/3/10م)