كيف يمكن أن يتقدم المسلمون
قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :
فلو لم ينطق الآريون بهذا الهراء لما نشأ لدينا هذا الدافع والحثّ ، فاعتراضاتهم تسببت في بيان الحقائق والمعارف، الحماس الذي يوجد في الأمم الأخرى لدفع التبرعات لسد الحاجات القومية لا يوجد مثله في المسلمين، ولعل سبب ذلك كما قيل في المثل ( ليس بأيدي الكرام درهم) . لكن في المسلمين أيضًا كثير من النَوَابات والزعماء والأثرياء. يجب أن تكون غاية كل مسلم أن ينشر الحق، فالمسلمون حين أحرزوا التقدم في العصر الأول فإنما بسبب ازدهارهم دينيًا. والآن أيضًا إذا كانوا يريدون أن يروا الزمن الأول، فلينتبهوا إلى الدين. فتقليد هؤلاء لن يؤدي بالمسلمين الصادقين إلى أي نتيجة. فالذين يُسمَّون مصلحين في المسلمين في العصر الحاضر، هم يريدون أن يُجروا تعديلا في أحكام الإسلام مثل الصلاة والصوم بدلا من أن يحسِّنوا حالتهم. فهم يرون أن تقدم الأمة يكمن في ذلك، يريد الله سبحانه وتعالى أن يهب لهم التقدم بواسطة الدين، بينما هؤلاء ينشدون التقدم في التخلي عن الدين، ولن ينجحوا في ذلك أبدًا. إنما الإسلام وحده يعدّ الله واحدًا لا شريك له. فإن انفصل المسلمون أيضًا عن هذا التوحيد فلن يكون خيًرا لهم.
إن تقليد الأمم الأخرى لن يجلب لهم الخير والبركة. إذا كان الآخرون ينالون النجاح بالإلحاد فإنما ابتلاءً فقط، فمعاملة الله تجاه كل إنسان مختلفة. النصارى مهما ارتكبوا من المنكرات، وشربوا الخمر، ولعبوا القمار فقد يفيدهم. أما إذا انشغل المسلمون في هذه الأعمال فسوف ينزل عليهم العذاب حتمًا، فانظروا أن من قواعد الحكومة المادّية أيضًا، أنه إذا شارك موظفٌ حكوميٌّ في أي مظاهرة أو إضراب فهو يعاقَب عقوبة فيها عبرة، فكذلك الذين ينطقون بالشهادتين هم عباد الله الخواص. وإن تجاسروا ولم يطيعوا الله فسوف يبطش بهم حتمًا. فالإلهام الذي تلقيتُه:
أي: لن يُلغى ذلك الوعد ما لم تجر الدماء أنهارًا في جميع الجهات.
ففيه إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يغيب توحيدُه عن الدنيا، فحين بدأ المسلمون هم أنفسهم يحبون الكفر والشرك، فأي شكوى من الأمم الأخرى. فأولا يجب أن يكون البيت نظيفًا وبعده يمكن إصلاح الآخرين. فالإلحاد يتزايد في كل أمة، ويريد الله أن يُثبت وجوده، فمن واجبنا بحسب المثل القائل “وابدأ بمن تَعُول” أن نصلح قومنا أولا. فإذا كان في المسلمين آلاف الأوساخ، فماذا عسى أن نقول للآخرين. هم يصرخون: الجهاد الجهاد، لكنني أقول لو أُمرتُ بالجهاد لكان ضد هؤلاء أولا قبل غيرهم. فمن عادة الله أن القوم الذي ينزل فيه الكتاب يتم إصلاحُه أولا، ثم يحدث الالتفات إلى أمم أخرى، فأسوة النبي صلى الله عليه وسلم موجودة، فقد أصلح قريشًا أولا، ثم توجَّه إلى اليهود والنصارى.
فئتا المسلمين
في المسلمين فئتان أو نوعان من الناس، إحداهما من لا يعرفون النطق بالشهادتين كاملتين، ومنهم من يشيع عنهم الآريون أنهم جعلوا عددًا كذا من المسلمين آريين. فقد رأينا كثيرا من الناس من هذا القبيل في الشمال، الذين لا علم لهم بالإسلام. والثانية هم الذين يسمَّون مثقفين ومتعلمين فهم ينظرون إلى الإسلام بكراهية ويسخرون من أركان الصلاة، ويقولون إن الصلاة والصيام من العصر الجاهلي، وهذه الأحكام لا تنسجم مع هذا العصر الحديث. فإصلاح هاتين الفئتين كلتيهما ضروري أولا، لكن كيف يسعُنا الإصلاح ما لم يتم الإصلاح في السماء، فالذي يملك آذانا صاغية نُسمعه بكل سرور، فهناك من إذا تحدثنا إليهم لا يسمعون، أو يصرفون الموضوع إلى حديث آخر. فموجة الإلحاد السامِّ متفشية، وهي التي أهلكت البعض وأعمت بعضهم وجعلت بعضهم كسالى. فالذين يريدون إنشاء العلاقة بالله هم قليلون جدا، وثمة حاجة قصوى لإثبات وجود الله. فالفِرق كثيرة لكن الملحدين يفوقونهم كلَّهم، فقد اختفت العظمة الإلهية نهائيًا، فما داموا لم يعودوا يوقنون بوجود الله أصلا فأين تعظيمه.
العلاج الأخير
في زمن كل نبي حصل شيء من القتال وسفك الدم، “مَا كَانَ لِنَبِیٍّ أَن یَكُونَ لَهُۥۤ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ یُثۡخِنَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ” (الَأنْفال:67)، فالأمور التي كان إنجازها مقدرا بأيدي الناس قد انتهت. والآن قد تولى الله هذه الأمور كلها بيده، فالطاعون والزلازل وأنواع الأمراض والآفات، هي سيوف الله. فمما يبعث على الأسف أن الحوادث والمصائب المتتالية تحدث لكن لا أحد يتأثر بها غيُر أبناء جماعتنا. مع أن هذه الآفات كلها تظهر لتزول غفلةُ الناس، ويتضرعوا ويؤمنوا بأن الله موجود. فانظروا إن الأحداث من كل نوع تحدث، ولا نعرف ما الذي يحدث في المستقبل. إن إيماني بأن كل ما سيحدث فالله فاعلُه. العمل الجراحي هو آخر علاج، أما بقية أنواع العلاج فقد انتهت، فهذا علاج أخير. فإما أن يموت المريض أو يستعيد صحته، فقد مات ملايين من الناس، لكن الحالة العملية تُري أنه لم يحدث شيء مطلقًا، فهم بعيدون جدًّا عن الحسنات، وقريبون من السيئة، يجب الاستغفار.
في السابق كان الملوك المسلمون عادة يوجِّهون الناس في أيام الوباء إلى الإنابة إلى الله والدعاء والصدقات والخيرات، لكن الآن لم يبق ذلك أيضًا بل قد عُدَّ ذكر اسم الله أيضًا منافيًا للتحضُّر.
ذات مرة استشار السلطان المعظم1 وزراءه في أمر معين وطلب المقترحات. فلما صدرت المقترحات كلها قال السلطان أخيرا: قد صدرت مقترحات كثيرة وقيل فيها الكثير، ولم يذكر أحدٌ الدعاء. فكان سليلَ المسلمين أخيرا، حيث كان مائلا إلى عبادة الله سبحانه وتعالى نوعًا ما. فالسلطان المعظم يحضر المسجد لصلاة الجمعة أيضًا وله علاقات بالزهّاد أيضًا، فهو إنسان جيد.
ضلال هذا العصر
لقد قال الله للإنسان في العصر البدائي إني إلهك، فكذلك قال في الزمن الأخير أيضًا “أنا الموجود.” فاعلموا أنه هادي، إذا ترك الناسَ ألحدوا كلهم، لذا يقدم إثبات ألوهيته بانتظام. أما هذا العصر فيحتاج إلى هذا الأمر بصفة خاصة. فالأمر الذي يستولي على الإنسان يَظهر تأثيُره. إذا كان الصالح الذي وجد الحق لا يستطيع أن يؤثر في الضالِّ في هذا العصر، فقد تبيّن أن حكومة الضلال ما زالت باقيةً. فحين تهب الرياح من هذا القبيل يتأثر بها الجميع، وصحيح أن المؤمن ينجو لكنه لا يقدر على التأثير في الآخرين. فرعب الضلال سائد لدرجة أن لا أحد يسأل كبار المثقفين عن دينهم خشية أن يسخطوا أو يسخروا منه.
إعلان الحق
لكن يجب النظر إلى الصحابة الكرام؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم قد كتب الرسائل إلى الملوك في أيام ضعف الإسلام، فلم يكن العصر متحضِّرًا يومذاك مثل اليوم. ولم يكن السلام والأمن سائدًا، ومع ذلك وصل الصحابة إلى بلاط الملوك، وأمام الحاشية بيَّنوا عقائدهم وسلَّموا تلك الرسائل. فحين استلم ملكٌ مسيحي رسالة الإسلام وسمع من الصحابة كلام الله، قال: يبدو أن مُنزِّل هذا الكلام هو من أنزل التوراة. ثم قال ليتني أستطيع الوصول إلى هذا النبي لأقبِّل قدميه. ثم نادى القساوسة وقال لهم: انظروا ما أروع دين الإسلام، فهل تقبلونه؟ وحين أحس منهم المعارضة قال إنما كنت أختبركم. فهذا الضعف كان بسبب حبه للدنيا، أما الذين لا يعبدون الدنيا فلا يخافون قول الحق وإعلانه، والله هو الآخر ينصرهم.
الحاجة إلى قول موجِّه
من الضروري جدًّا لجماعتنا أن تتعلم أسلوب دعوة الناس بحسب أوضاع أناس كل طبقة، فالبعض يعرفون أسلوبًا للكلام بحيث يستطيعون أن يقولوا ما يريدون، ولا يحدث أي سخط أو عتاب. والبعض يبدون خبيثين في الظاهر ويقنط منهم الإنسان لكنهم يقبلون. والبعض الآخرون يبدون بسطاء ويرجى منهم الكثير لكنهم لا يقبلون، لذا ثمة حاجة إلى قول موجِّه، يؤدي أخيًرا إلى الفتح.
في دلهي تلقيت معارضة شرسة، فقلت لهم أخيًرا: لقد جربتم تلك الوصفة (أي حياة المسيح) من ثلاثةَ عشر قرنا، فرأيتم النتيجة إذ قد ارتد الكثيرون، فجرِّبوا الآن هذه الوصفة (أي وفاة المسيح) أيضًا، ثم ترقَّبوا النتائج. عندها نهض أحدهم تلقائيًا وقال: إنما الحق ما تبيِّنه. باختصار، القول الموجِّه نعمة عظيمة، ولله در القائل ما تعريبه: إنما الكيمياء السحرية هي معرفة أسلوب الكلام بحسب المحل(ترجمة مثل بنجابي).
أسلوب تبليغ الحق
فلا يعلم كل واحد هذا الأسلوب للكلام. إذن يجب أن يفكر قبل الكلام ويتكلم بإيجاز، فالبحوث الطويلة لا تفيد، إنما ينبغي إطلاق جملة حكيمة قصيرة في محل مناسب، تدخل مباشرة في الآذان. ثم إذا سنحت فرصة أخرى فلتُطلق جملةٌ أخرى. باختصار، ينبغي أن يداوم الإنسان على إيصال الحق ولو ببطء، ولا يملّ. فالناس في العصر الراهن يعدّون حب الله وإنشاء العلاقة به من الجنون. فلو كان الصحابة في هذا العصر لوصفهم الناس بالمجانين، وهم بدورهم لسمَّوا هؤلاء كافرين.
فبالانشغال في الأمور السخيفة وأنواع الغفلة والأفكار المادية يقسو القلب، فتأثير القول يستغرق وقتًا. كان هناك شخص من عليجره وربما كان يشغل منصب رئيس المديرية، نصحتُه فبدأ يسخر مني، فقلت في نفسي إني لن أتركك ولن أتخلى عنك، وأخيًرا أثناء الكلام أتى عليه زمنٌ بدأ فيه يصرخ ويبكي ويطلق زفرات مع أنه كان في السابق يسخر مني، ففي بعض الأحيان يبدو السعيد كأنه شقي.
تذكروا أن لكل قفل مفتاحًا، وللكلام أيضًا مفتاح وهو الأسلوب المناسب، فكما قلت عن الأدوية قبل قليل إن بعض الأدوية تفيد بعض الأشخاص وغيُرها تفيد غيرهم، وكذلك يفيد كلام معيَّن بأسلوب معين إنسانا معينا. إذ لا يصح أن يوجَّه إلى الجميع كلام واحد. فعلى صاحب الكلام أن لا ينزعج من الإساءة ولا يمل. فمزاج الزعماء حساس وهم يكونون غافلين عن الدنيا. ولا يستطيعون سماع الكثير أيضًا، لذا يجب نصحُهم بأسلوب لين وبمنتهى الرفق وفي مناسبة ملائمة.
(المصدر: جريدة بدر؛ بتاريخ 1908/2/13م)
1أي السلطان العثماني. (المدون)