لا يضيع الله من يأتي إليه
قبيل صلاة الجمعة جاء بعض الأجانب لزيارة الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد عليه السلام فقال:
نعرف بالتجربة أن السعادة في هذه الأيام لا تحالف الإسلام، بل هي أيام الشقاوة له، إذ نرى انعدام رغبة الناس بأمور الدين، بل قد نسُوا اسم الله أيضًا. فخطأ المسلمين هذا قد ينكشف عليهم وقت الاحتضار، وعندها يوقنون بأن كل ما كانوا قد زعموا كان خطأ.
إذا كان الإنسان يبذل كل الجهود لنيل الدنيا ولا يذكر الله حتى سهوا، ولا يتقي ولا يتزكى ثم يرجو لقاء الله مع هذه الأوضاع فهذا مستحيل فمن جدّ وجد.
فقد آن الأوان أخيًرا أن يعطى مؤثِرو الدين على الدنيا أجرَهم، فلا شيء يُنال دون توفيق من الله.
انظروا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك الدنيا كلَّها لله، ثم كيف جعلها الله تمثل أمامه مهانة ذليلة كالعبيد. فالدنيا تهرب مِن طالبها وتبتعد عنه كثيرا. أما الذي يأتي الله بصدق القلب ولا يبالي بالدنيا أي مبالاة في سبيل الله، فإن الدنيا تتبعه. انظروا كيف اتخذ أربعمئة مليون إنسان المسيح في العصر الراهن إلها يعبدونه ودونك من يؤمن به رسولا. فمن نماذج قدرة الله، أن المقبل عليه سبحانه وتعالى لا يضاع أبدًا، فهو ينال الدين وتُحضَر له الدنيا أيضًا. فليفعل عابد الدنيا ما يشاء لأيام معدودات، لكنها ستنفلت من يده في نهاية المطاف وتبيد عقباه أيضًا.
انظروا! إن الدنيا أيضًا لا تُنال بالمجان، فالذين تُقطع لهم وعود مادية هم أيضًا يطالَبون ببذل الجهود، ويُختبَرون. إذا نجح الإنسان في الاختبار ثم أنجز أعمالا رائعة فينال شيئا، فكذلك إذا بُذلت الجهود نفسها في سبيل الله فالأجر مؤكد، ولا يخسر المرء الدين ولا الدنيا، بل يصدق عليه المثل “أصاب عصفورين بحجر واحد”، لكن قليلون ينتفعون من هذه الأمور. يجب على الإنسان أن يداوم على الدعاء، ويسعى لإحداث التغيير في نفسه، فلعل الله يوفقه.
لا نقول إن على المزارع والتاجر والموظف أن يترك الزراعة والتجارة والوظيفة، ويترك المهني حرفته، ويقعد مكبّل اليدين مقيّد الرجلين، كلا بل نقول ينبغي أن يعمل الإنسان بحسب ما ورد في قوله تعالى: “رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ” (النور:37) حيث تنشغل اليد في العمل، والقلب في ذكر الحبيب.
فعلى التاجر في تجارته، والمُزارع في زراعته، والملِك على عرش حكمه، وكل عامل في عمله؛ أن يضع في الحسبان الله سبحانه وتعالى وعظمته وجبروته، وليفعل ما يشاء مراعيا أوامره ونواهيه. اتق الله واعمل ما شئت.
متى علَّم الإسلام أن تقعدوا كالمعاقين تاركين الأعمال والتجارة، وأن تكونوا وزرا على الآخرين بدلا من أن تخدموهم، كلا بل التكاسل إثم. فمتى يرجى من مثل هذا الرجل أن يخدم دين الله، فمن أين سيطعم العيال والأطفال الذين عُهدت إليه كفالتهم؟
تذكروا أن الله لا يريد مطلقا أن تتركوا الدنيا نهائيا، وإنما يريد “قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا” (الشمس:9) فانشغلوا في التجارة والزراعة والوظيفة والمهنة كما تشاءون، لكن انَهوا النفس عن معصية الله دومًا، وأحرزوا التزكية بحيث لا تُغفلنَّكم هذه الأعمال عن الله، عندها ستصبح دنياكم بحكم الدين. لم يُخلق الإنسان من أجل الدنيا، إذا كان قلب الإنسان طاهرا، وكانت فيه لوعة وحرقة كل حين وآن، وحنيٌن إلى أن يرضي الله بأي طريقة ممكنة؛ فالدنيا أيضًا حلال له. إنما الأعمال بالنيات.
( المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ 1908/8/26- 1908/8/30)