Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

خطبة بتاريخ 17 مايو 1908م (ظهرا في لاهور)

خطاب الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام

من الساعة الحادية عشر إلى الساعة الواحدة ظهرا في لاهور

تكميل التبليغ واتمام الحجة

الشكر

قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد عليه السلام :

أرى من الضروري والمناسب البيان أنه ينبغي أن نُصدر الآن ثلاثة أنواع من الشكر. الشكر لله مقدم على كل شيء، الذي وهب لنا الحياة والصحة والأمن وهيأ لنا الوسائل لنشر الدين، والأمر الحق أننا في الواقع إذا أردنا عدَّ هذه النعم لاستحال علينا إحصاء منن الله وألطافه: “وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحصُوهَا”
إن إنعاماته المادية والروحانية تحيط بنا، وكما ورد اسمه سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة التي هي أولى السور -والقرآنُ الكريم كلُّه شرح وتفسير لها، وهي تُقرأ في الصلوات الخمس مرارًا – رب العالمين، أي يتمتع الإنسان في كل حال وفي كل مكان بالحياة والتقدم بربوبيته وحده. وإذا نظرنا بنظرة عميقة، فإن بقاء الحياة الإنسانية في الحقيقة ورفاهيتها وراحتها وسكينتها ترتبط بهذه الصفة الإلهية نفسها. وإن لم يستخدم الله سبحانه وتعالى صفته الرحمن ورفع من الدنيا ظلَّ رحمانيته لهلكت الدنيا. ثم إن الله سمى نفسه في هذه السورة رحمانا ورحيما، وأود أن أبين الفرق بين صفتَي الله الرحمن والرحيم.

الفرق بين الرحمن والرحيم

الرحمن

الجدير بالتذكر، أن رحمة الله التي تصيب الإنسان دون أي مقابل منه أو دون أي عمل إنساني أو جهد وسعي منه، تسمى رحمانيةً. فمثلا قد خلق الله نظام الكون، فخلق الشمس والقمر والنجوم والهواء والماء والغلال، وخلق الأدوية لشفاء أمراضنا المختلفة. باختصار، هناك ألوف مؤلفة من الإنعامات من هذا القبيل قد خلقها الله بمحض فضله دون أي عمل لنا أو جهد منا أو سعي. إذا نظر الإنسان بنظرة عميقة، فسوف يجد مئات الألوف من الإنعامات من هذا القبيل، ولن يجدا مبررا للإنكار، ولن يجد بدًا من الإيمان بأن الإنعامات ووسائل الرحمة الموجودة قبل ولادتنا ليست نتيجة أي عمل لنا.
انظروا إلى هذه الأرض والسماء وجميع ما فيهما، وخلْقنا والحالة التي كنا فيها أجنة في بطون أمهاتنا، والقوى التي خُلقت في تلك الحالة؛ لم تكن نتيجة أي عمل لنا. هنا لا أريد أن أتكلم عن الذين يؤمنون بالتناسخ، وفي الوقت نفسه لا أستطيع الامتناع عن البيان أيضًا أن إنعامات الله وأفضاله علينا لا حصر لها، ولا يمكن أن نزنها في أي ميزان، فليخبرني أحدكم: أيُّ عمل يمكن أن يعدِلَ الإنعامات من قبيل خلق الشمس والقمر والأرض وجميع الأشياء التي نحتاج إليها وهيأها الله وخلقها لنا قبل ولادتنا؟
فلن نجد بدا من التسليم بأن الله رحمن، وله مئات الألوف من الأفضال التي تصيبنا بسبب رحمانيته فقط، وأن عطاياه تلك ليست مقابل أي عمل منا في الماضي. وإنه لمن الجهل وقصور الفهم أن تُعَدَّ نتائجَ أعمال سابقة. إن فضل الله ورحمانيته هما لتكميلنا الروحاني والمادي، ولا أحد يستطيع أن يدعي أنهما بسبب أعماله.

الرحيم

هو من يجزي الإنسان على جهده الصادق وسعيه، فالفلّاح مثلا حين يجتهد ويسعى بإخلاص فعادة الله مقابله أن يثمر سعيه ولا يضيع جهده، أما الشاذ والنادر ففي حكم المعدوم. ( إذا أبيد زرع فلاح لحكمة خفية أو بسبب أسلوبه السيئ فهو أمر آخر. فهذا الشاذ والنادر بحكم المعدوم.)

الربوبية

من صفات الله الرب، أي أنه الذي يربي وينمي، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق للإنسان القوى الروحانية والمادية كلتيهما، فلو لم يكن يملك تلك القوى لما كان له أن يتقدم، فللتقدم المادي أيضًا يجب أن نحمد الله على فضله وكرمه وإنعامه بأنه وهب لنا تلك القوى، وأودعها القدرة على النمو والتطور.

المالكية

إن قوله تعالى ” مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ” نوع من الدينونة يتحقق في هذا العالم أيضا، فنحن نرى كل يوم أن السارق يمكن ألا يلقى عليه القبض ليوم أو يومين لكنه يأتَ يوم يلقى عليه القبض أخيرا ويُسجن حيث يواجه عقوبة أعماله. وهذا هو حال الزناة، والمدمنين على شرب الخمر، والعائشين حياة الإباحية والفسق والفجور، إذ يسترهم الله الستار لأمد محدد، وأخيرا يصابون بأنواع العذابات، ويواجهون الأذى والألم وتصبح حياتهم مُرة، وهذا نموذجٌ لعقاب جهنم في الآخرة. وكذلك الذين ينشطون في إحراز الحسنات ويستجيبون لأوامر الله وتكون الطاعة أسمى واجباتهم في الحياة، فالله أيضا لا يضيع حسناتهم، وتثمر حسناتُهم في الوقت المحدد، وتهيئ لهم في الدنيا مثالا للجنة.
باختصار، إن جميع مرتكبي السيئات والفساق والفجار والمدمنين على الخمر والزناة، يخسرون في هذه الحياة الدنيا صحتهم وعافيتهم وقواهم السامية، ودونك أن يخطر ببالهم اسمُ الله ويوم الدين. ثم يقضون أيام حياتهم بمنتهى الحسرة واليأس، ويموتون قبل الموت بالإصابة بأنواع الأمراض الخطيرة مثل السل والتيفوئيد والجلطة والرعشة، وأخيرا يصبحون فريسة الموت قبل الموعد.
فعلى الإنسان أن يذكر منن الله وإنعاماته التي أكرمه بها لتربيته وتكميله ويتأمل -شكرا عليها- مَن الذي رزقه هذه القوى كلها؟ فسواء شكر الإنسان أم لم يشكر فهذا يعود إليه، لكنه إذا كان يملك طبعا سليما وتدبر فسوف يتوصل إلى أن جميع القوى الظاهرية والباطنية قد وهبها الله وحده له، وهو يتصرف فيها، فإذا أراد نّماها نتيجة الشكر، وإذا أراد أضاعها في لحظة نتيجة نكران الجميل. فمن الجدير بالتدبر أنه لو كانت هذه القوى كلها تحت تصرف الإنسان نفسه، فمن سوف يريد الموت؛ فقلب الإنسان يتغافل عن حياة الآخرة، ويهملها لحبه للدنيا. فالإنسان الغافل سفيه لدرجة أنه لو وعده الله بأنه سينال الجنة والراحة وتوهب له أنواع الحدائق والأنهار وأنه مخير في أن يذهب إليه سبحانه وتعالى أو يبقى في الدنيا، فاعلموا أن الكثيرين سوف يختارون الدنيا حصرا، وسيحبون هذه الدنيا حصرا رغم وجود أنواع المرارات والصعوبات فيها.

لقد خرجت الدنيا من حد الإعتدال

انظروا أنه لا ضمان للحياة، والزمن قد صار حساسا وحرجا، لعلكم تشاهدون أن كثيرا من الأصدقاء والأعداء والأعزة والإخوة والأخوات يرحلون من هذا العالم، فلا يستطيع أي منهم وإنْ كان الأحب والأعز والأقرب إلى الإنسان أن يساعده في المشاكل، ومع ذلك فالجهود والمساعي التي يبذلها الإنسان من أجلهم ولأموره المادية هي أكثر بكثير من سعيه ومجاهدته لله .سبحانه وتعالى إن عبادة الله وطاعته والمجاهدة في سبيله والحرقة والالتياع مفقودة لحد كبير؛ إذ لم يبق اعتدال، وقد خرجت الدنيا من حد الاعتدال. فالناس يبذلون الجهود في التجارات المادية ويحرزون التقدم، لكن هل أحدهم بذل جهدا وسعى وفكر أن لموته يوما محددا لن يتمكن هو شخصيا أو شخص آخر من صرفه عنه، كلا. بل لو كان أحد يذكِّر بالموت فلا يبالي به الناس، ويسخرون منه، فمعظم الناس مخطئون جدا.

التوجه إلى الله

انظروا: لا يخطرن ببال أحدكم أني أقصد من كلامي هذا ألا تشتغلوا في التجارة أو تقعدوا تاركين أعمال الدنيا كلها، ولا تهتموا بالعيال والأولاد الذين إعالتهم مسؤوليتكم ولا تعتنوا بتأدية مسؤوليتكم تجاه زوجاتكم ولا تؤدوا حقوق بني البشر التي هي واجبة عليكم. كلا بل أقصد أن تؤدوا هذه الواجبات والمسؤوليات ولا تتغافلوا عن الله أيضًا. فليس من الحصافة أن تهتموا وتستغرقوا بانهماك في سد حاجاتكم المادية المؤقتة الفانية، ولا تسعوا لنيل رضوان الله وتُعرضوا عنه. فالله الذي خلقكم في البداية، والأوضاع الوسطية أيضًا في تصرفه وتحت سيطرته، وله الحكم في نهاية المطاف أيضًا، وتخضعون لحكمه، لن تؤدي الغفلة المحضة عن ذلك الإله إلى نتيجة جيدة أبدا. فالله الذي إنعاماته تحالف الإنسان في كل حال، ومننُه لا تعد ولا تقدَّر، من الضروري جدًّا أن نشكره عليها كل حين وآن، فإنما الشكر أن يُقر الإنسان بصدق القلب أن رحمات الله فعلًا لا تعد ولا تحصى.

شكر الحكومة العادلة

الأمر الثاني الذي أود أن أتكلم عنه –حتى لو عدّه البعض فكرة ظاهرة أو تصنعا أو شيئا آخر- هو أن منة الحكومة البريطانية علينا نحن المسلمين عظيمة، فهي تجدر أن نشكرها عليها. تدبروا لتتأكدوا! فالمطلعون يعرفون أنه قبل عهد هذه الحكومة كم كنا نواجه المشكلات الكثيرة في عهد السيخ، فكم كانت الأخطار تحيط بأجدادنا، حيث لم يكن يقْدر أحد على رفع الأذان بصوت عال، ناهيك عن ترويج الأحكام الشرعية، فرفع الأذان بصوت عال كان جريمة عقوبتها الإعدام. ولم يكن يُسمح بأي عمل أُحلّ شرعًا، وكان الإنسان يُقتل باستهانة كالحشرات والديدان على أبسط الأمور وأتفهها. أما اليوم في عهد هذه الحكومة فيتمتع كل مسلم بكثير من الأمن والحرية بشرط ألا تكون نيته فاسدة، إذ باستطاعته أن يعمل كل شيء لتكميل واجباته الدينية، فمهما علا صوته للأذان، وصلى ونشط في الأعمال، وحصل على العلوم وردّ على أحد حتى لو كتب الرد على المسيحيين، لا عتاب عليه ومسموح له.
فقبل بضعة أيام جاء المفوض الاقتصادي إلى قاديان في جولة، وحدثني أثناء اللقاء عن حدود الحرية لكل واحد، وقال بأن كل إنسان – إلى حدٍّ معين وضمن القانون- يستطيع أن يعبر عن رأيه وأفكاره بحرية، ويستطيع أن يؤلف الكتب، ويلقي الخطابات. فلو كان هناك أي تعصب لصدرت قسوة ضد الذين يردّون على النصارى.
باختصار، هذا الأمر مَثلٌ رائع ونموذج حسن لحب هذه الحكومة للعدل وعدم التعصب. فمن الواجب على المسلم ألا يزيد الأمر إلى حد يدخل في المؤاخذة القانونية، ويصل إلى الجريمة. فاعلموا أنه إذا كان مسلم يعصي الحكومة فهو يعصي الله، فقد ورد في الحديث أن الذي لا يشكر الناس لا يشكر الله أيضًا.
تذكروا أن سبب عتاب الحكومة عائد إلى التمرد والبغي، وإلا لا تعاتب الحكومة أحدا أبدا على إنجاز المهمات الدينية ضمن القانون والتعايش بسلام. إن عدم الشكر لمثل هذه الحكومة المحبة للعدل والسلام والأمن هو من الإثم. إذن فالواجب على المسلمين عموما وعلى جماعتنا خصوصا أن يشكروا حكومتهم المحسنة، فلولا هذه الحكومة لكان لنا وضع آخر. يُذبح الناس في العالم كالشياه والأغنام بلا هوادة. فما ذنب هذه الحكومة، إنما هي مشيئة الله، فقد كان الملوك المسلمون قد أهملوا فرائضهم وواجباتهم، ولم يهتموا بحقوق الشعب بانغماسهم في الملذات، وانشغلوا في الزينة والجمال كالنساء، وتركوا أمور السياسة والتمدن. فحين وجدهم الله غير مؤهلين ووجد الإنجليز مؤهلين سلَّمهم زمام الحكومة. فهم حين يمارسون الشدة على أحد فلسبب، أما إذا لم يكن لديهم علمٌ في قضية ما فهذا اضطرار، ذلك لأنه بسبب عدم العلم أحيانا يخطئ الزهاد والصالحون أيضًا. هؤلاء الإنجليز لا يحبون الظلم عن عمد وعلم، بل إن الحكام سليمي الطبع حين لا يقتنعون بالأوضاع الظاهرة يبذلون قصارى جهدهم ويوظفون حبهم للعدل والإنصاف للتوصل إلى لب القضية واكتشاف الحقيقة، غير مبالين بالأوضاع الظاهرية.
لقد رفع قسيس قضية ضدي بأني أرسلت لقتله شخصا اسمه عبد الحميد، وأدلى بضعة أشخاص شهاداتهم ضدي، وليس ذلك فحسب بل قد أدلى المولوي أبو سعيد محمد حسين الذي يدعى مقتدى المسلمين هو الآخر شهادته ضدي. لكنّ الحاكم المنصف – دوغلاس- الذي كانت قضيتي في محكمته، قال حتى بعد هذه الأمور كلها: لن تصدر مني شقاوة أن أصدر الحكم بهلاك إنسان بريء، مع أن القضية قد صارت جديرة بأن تحوَّل إلى لجنة القضاة، لكنه أمر ضابط الشرطة أن يتقصى الحقائق جيدا من جديد، فاعترف عبد الحميد نفسه أخيرا، بأن القساوسة هم الذين كانوا قد علَّموه بأن يصرح كذا، وليست للقضية أي حقيقة. فسرَّ الحاكم بهذا الاكتشاف سرورا لا يوصف وظهرت على وجهه ابتسامة تفصح أنه مسرور جدًّا أكثر ممن يفوز بكثير من المال والثروة، وأخيرا وجه الخطاب إلي وقال أهنئكم، فقد تحققت براءتُكم. أخبِروني الآن هل كان يُتوقع ذلك لو كانت القضية في محكمة مسلم ما؟ وهل كان سيتقصى الحقائق بهذا العدل والنزاهة؟ كلا ومن المستحيل، بل إنني أرى في ضوء الأوضاع السائدة أنه لو كانت هذه القضية عند مسلم لأهانني وأخزاني حتما، حيث كان ثمانية أو تسعة شهود قد أدلوا بشهادتهم ضدي وكان الملف قد اكتمل، فكيف كان له أن يبرئ. لكن هذا الشعب قد نال الفتح في كل مكان بسبب هذا الإنصاف فقط. فبقدر ما يتمسك المرء بالإنصاف يوهب له نور الضمير أيضًا. فالاختلاف في الدين أمر والحكومة أمر آخر تماما. فلو لم يراعوا العدل والإنصاف لأطيح بحكومتهم في يوم واحد.
فاعتراض المسلمين أنهم لا يُعطَون مناصب مرموقة، ناجم عن خطأهم. تذكروا أنه لا يحدث أي أمر على الأرض أبدا ما لم يحدث في السماء أولا، فاتخذوا السلوك الحسن، وحسِّنوا أوضاعكم، وحققوا الجدارة حتى تعدوا في نظر الله في السماء مستحقين الشرف والإكرام، عندها سيرزقكم الله كل شيء بنفسه. غيروا حالاتكم لكي يجعل الله لكم مخرجا، وإلا تذكّروا أن الله لن يترككم ما لم تحسنوا حالتكم.

سر النجاح يكمن في تزكية النفس حصرا

المقام الثالث لشكر الله سبحانه وتعالى أن الله بفضله الخاص لفت انتباهكم إلى هذا الأمر، وأتيتم إلى هنا بتكبد مشقة السفر، أسأل الله تعالى أن يأتَ يوم نجلس فيه معا روحانيا أيضًا كما جلسنا وتقابلنا هنا ماديا. لقد وهب الله سبحانه وتعالى للإنسان لسانا وقلبا، واللسان وحده لا يستطيع أن يحرز أي انتصار، وإن ما يفتح القلوب هو القلب، فالذين يجمعون وينفقون باللسان فقط لا يسعهم الانتصار أبدا. انظروا إلى أسوة الصحابة الكرام رضي الله عنهم هل كان عندهم وسائل مادية؟ كلا، لكن الله سبحانه وتعالى مكَّنهم من نجاحات منقطعة النظير رغم كونهم خاويْ الوفاض، ورغم كثرة أعدائهم المتزودين وتزودهم بكل أنواع الوسائل. فهل تجدون أي نظير لتلك النجاحات في أي تاريخ؟ تأكدوا من ذلك بالبحث، وتفقَّدوا، فلن تجدوا. فالذي يريد أن يرضي الله تعالى ويريد أن تتحسن دنياه، فليطهِّر قلبه، وليكن صالحا. والذي يريد أن تنحلّ جميع مشكلاته وتزول أحزانه، وينال النجاح والفوز في كل مجال فقد علَّم الله مبدأ لذلك وهو ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا” (الشمس:9)، ففي تزكية النفس يكمن سر جميع البركات والفيوض والنجاحات.
فالفلاح لا يكون في الأمور الدينية فقط، بل سوف يتحقق النجاح في الدنيا والدين، فالذي يجتنب رجس النفس يستحيل أن يواجه الذل والهوان في العالم.
لا أستطيع أن أقبل بحال من الأحوال أنه بإحراز المهارة في علوم الفلسفة والهيئة وغيرها من العلوم المادية يتمكن الإنسان من تزكية النفس أيضًا، كلا. إلا أنني يمكن أن أقبل أن القوى الدماغية لمثل هذا الإنسان تكون جيدة وقوية، ولكن لا علاقة لهذه العلوم بالروحانية، بل تحول هذه العلوم أحيانا دون التقدم الروحاني، ورأينا أن النتيجة الأخيرة لها- إلا إذا كان صاحبها سعيد الحظ وسليم الطبع- الكبر والغرور فقط. فلم يلاحظ في هؤلاء الصلاح والتواضع قط. ( التكبر آفة خطيرة تمنع الإنسان من كل أنواع التقدم)

الحاجة مرشدة الإنسان

هناك أمر آخر يجدر بالاهتمام والتذكر، وهو أن من القاعدة ومن سنن الكون أن كل شيء يتولد من الحاجة، فكما نلاحظ كل يوم في الأمور المادية أن اللباس والطعام والمراكب ووسائل المعيشة كلها اكتُشفت إثر الحاجة إليها، فكذلك تتولد أمور كثيرة من الحاجة في الأمور الروحانية أيضًا، فعندما تظهر الحاجة إليها تُسَدُّ من الله. الحاجة مرشدة الإنسان في جميع الأمور الروحانية والمادية، وبها يمكن تمييز الباطل من الحق. فكما أنه لا يوجد أي شيء بلا فائدة وبلا حاجة فكذلك، بل أكثر من ذلك، إن الظن عند طرء الحاجة الحقة أن الله لم يهيئ لها الوسائل لخطأ فادح.
الهجمات على الإسلام من الداخل ومن الخارج
فالعصر الذي نعيشه مليء بالمفاسد الداخلية والخارجية على سواء لدرجة لا يتراءى لنا حيثما أجلنا النظر ما يبعث على السعادة والفرحة. لقد شُنت على الإسلام هجمات كثيرة من الخارج، وواجه صدمات لدرجة أنِ ارتد عدد كبير من المسلمين عن الإسلام تأثرًا بها، وبعدهم هناك شريحة كبيرة منهم مذبذبة ليست لديهم أي طمأنينة وقناعة بالإسلام، وهم ضعفاء جدا. أما البقية الذين عندهم اليقين الكامل والذين يؤمنون به على وجه البصيرة فهم قليلون جدا. أنواع الهجمات تشن على الإسلام بأسلحة الأدلة النقلية، كما يمطر الآريون والقسوس وابل الاعتراضات، رغم علمهم بخبثهم. ليس في أيديهم شيء، إن توجيه الاعتراض سهل، أما بيان المزايا فصعب.
هجوم العلوم الحديثة
من ناحية أخرى تهاجم الإسلامَ العلومُ الحديثة أيضًا؛ فالثقافة الحديثة والفلسفة وعلم الطبيعة والهيئة أيضًا توقع الإنسان في الخطأ. أرى بالتجرية أن غالبية الذين نالوا هذه العلوم سواء كاملة أو ناقصة يعيشون عموما متحررين. ثم ترفع من قلوبهم عظمة الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم تدريجا، ثم يصل الأمر لإنكارهم وجود الله أصلا، وتنبعث من كلامهم رائحة كريهة، ويبدو أنهم سينشقُّون اليوم أو غدا. وإن هجوم هؤلاء في الحقيقة أكثر شدة من هجوم الآريين والقساوسة أيضًا،لأن اعتراضاتهم عادة من منطلق المنقولات، حيث يكون احتمال الكذب والصدق، لكنهم يقدمون التجربة الذاتية والمشاهدة اليومية، ولذا يكون تأثيره سيئا وشديدا.
باختصار، إنما الحق أن الهجمات الداخلية تفوق الهجمات الخارجية كثيرا ولها تأثير خطير وسامٌّ، وصدق من قال “ما نواجهه هو مغبة أعمالنا نحن.”
وذنب ذلك في الحقيقة يقع على عاتق المسلمين أنفسهم الذين أرسلوا أولادهم البسطاء إلى هذه المدارس والكليات دون إطْلاعهم على علوم القرآن والحديث الضرورية. سلَّمنا بأن طلب العلم واجب على كل رجل وامرأة كما يتبين من الحديث “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”، لكن الحصول على العلوم الدينية أولا واجب. إذا حصل الأولاد على العلوم الدينية جيدا وأحرزوا اطلاعا كاملا على حقيقة الإسلام ونوره فلا بأس في تعليمهم هذه العلوم الرائجة. إن موقف المسلمين وسلوكهم في العصر الراهن خطير في الحقيقة. انظروا أنه إذا جعل أحدهم امرأة ما مومسا، ثم طلب منها التوبة، فأنى لها أن تتوب! ستجد التوبة صعبة أولًا؛ إذ قد بات من عادتها التحرر وارتكاب الفاحشة وشرب الخمر، وإذا تابت فيفهم كل إنسان بسهولة من أي معيار ستكون توبتها. وهذا هو حال أولئك الأولاد الذين يعلَّمون أولا العلوم السامَّة للفلسفة والعلوم، وبذلك تُخلق الشبهات في وجود الله سبحانه وتعالى أصلا ثم يرجى منهم أن يحبوا الإسلام. ( إن إرسال الأولاد إلى مدارس الآريين أو القساوسة ثم الطلب منهم أن يكونوا مسلمين صادقين، لمن الخيال والمحال والجنون.)

علاج هجوم العلوم الحديثة

نؤمن بأن الفلسفة والعلوم مهما ارتقت وتطورت آلاف المرات عن حالتها المعاصرة، ليس في وسع هذه العلوم الحديثة أن تغلب القرآن الكريم الكتاب الكامل. لكن كيف نقنع بهذا الرأي مَن لا إلمام له بعلوم القرآن الكريم ولم يلتفت إليه قط، بل لم يقرأ ولا سطرا واحدا من القرآن الكريم بتدبر وتفكر.
فمثلا قد وردت في القرآن الكريم فلسفة تعليمه الروحاني، أي ما يجده الإنسان بعد الموت كنتيجة للأعمال يمثل في صورة الجنة التي تجري من تحتها الأنهار. فهي في الظاهر قصة لكنها ليست في الحقيقة كذلك وإن كانت قد صبغت بصبغة القصة، والحقيقة أن الناس في ذلك العصر كانوا كالأولاد السذج لعدم معرفتهم بعلوم روحانية. وكان من الضروري لإفهام هذه العلوم الروحانية الدقيقة واللطيفة أن تبين في صورة الاستعارات بحسب وضعهم، وترسيخ الحقيقة في قلوبهم من خلال الأمثلة، ولذلك اتخذ القرآن الكريم هذا الأسلوب لتبيان حقيقة الجنة ثم قال “مَثَلُ الَْجنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ” (محمد:15)، فهي مثال لا الحقيقة. يتبين من كلمات القرآن الكريم هذه بوضوح أن تلك الجنة شيء آخر تماما، كما ورد في الحديث أيضا بجلاء أنه ينبغي ألا تقاس نعماء الجنة تلك على هذه النعم المادية، لأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. لكن الأمور التي قُدمت مثلا لبيان نعماء الجنة، فإننا نراها ونسمعها أيضًا، وفي آية يقول الله سبحانه وتعالى في ذكر الجنة “وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ” (البقرة: 25) ففي هذه الآية؛ مقابل الإيمان والأعمال الصالحة نجد الجنات والأنهار، أي نتيجةُ الإيمان هي الجنة ونتيجة الأعمال الصالحة هي الأنهارُ، فكما أن البستان يبيد عاجلا دون نهر وماء، ولا يعيش طويلا، فكذلك الإيمان دون الأعمال الصالحة عقيم. وكذلك في آية أخرى شبَّه الإيمان بالأشجار وقال إن الإيمان الذي يُدعى إليه المسلمون هو أشجار ترويها الأعمالُ الصالحة. باختصار، قدر ما تدبرتم في هذا الأمر انكشفت عليكم المعارف. فكما يجب على الفلّاح أن يبذر، كذلك يجب على الفلاح الروحاني بذرُ الإيمان، ثم كما يسقي الفلاح الحقول والزرع والبستان ثمة حاجة لسقي هذا البستان الروحاني -وهو الإيمان- أيضا بماء الأعمال الصالحة. تذكَّروا أن الإيمان بدون الأعمال الصالحة عديم الجدوى كما يكون البستان الرائع دون مياه الأنهار ووسائل الري الأخرى عديم الجدوى. فمهما كانت الأشجار رائعة ومثمرة ومن نوع رائع، حين يغفل مالكها عن ريها يجد النتيجة واضحة جلية. وهذا هو حال شجرة الإيمان في الحياة الروحانية. الإيمان شجرة والأعمال الصالحة بمنزلة الأنهار لريها روحانيا، ثم كما يجب على كل فلاح أن يبذل جهودا إضافية على البذر والري،كذلك جعل الله المجاهدات ضرورية للحصول على الثمار الطيبة للفيوض والبركات الروحانية. فقد قال: ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا” (العنكبوت:69). ( أي لا تكتفوا بأعمال بسيطة بل هذا الطريق يتطلب المجاهدات الكبيرة. )

ثلاث حالات للنفس الإنسانية

النفس الإنسانية تشبه الثور ولها ثلاث درجات، أولاها النفس الأمارة، والأمارة صيغة مبالغة، فهي تقود إلى السيئات وتأمر كثيرا بالسيئة. (المتوجهة إلى السيئة مرارًا. )
النوع الثاني للنفس هي اللوامة، أي كثيرة الملامة، فمن طبع الإنسان أن تلومه نفسه وتبعثه على الندم حال ارتكابه سيئة. لكن بعض الطبائع تكون محجوبة بسبب الأعمال السيئة لدرجة أنها لا تستحق أن تدعى بالطبع السليم، فهي لا تشعر بهذا الإحساس، أما نبيل الطبع فيشعر بهذه الحالة حتما، وقد يصبح اللوم بحالات ما سببا للهداية ثم النجاة، بيد أنه لا يجدر الاعتماد والتعويل على هذه الحالة.
وهناك حالة ثالثة للنفس سميت مطمئنة، حين يظفر بها الإنسان يقهر المشكلات التي كان يواجهها في حالة الأمارة واللوامة، وينال في هذا الصراع انتصارا. النفس الأمارة عدو الإنسان وهي عدو خفي من داخل البيت، واللوامة أيضًا تريد الهجوم أحيانا ثم تمتنع، لكن الإنسان حين يرتقي إلى النفس المطمئنة على عكس هاتين الحالتين يكون كمن غلب عدوَّه، وأحرز انتصارا باهرا عليه، وحقق الهدنة. عند إحراز النفس المطمئنة تنتهي ترقيات الإنسان ويبلغ بذلك ذروة حياته، وفي هذه الحالة يكون رضاه رضا الله وسخطه سخط الله، ومشيئته مشيئة الله، فهو ينطق بإنطاق الله ويسير بتسيير الله، فلا تصدر منه جميع الأفعال والحركات والسكنات من نفسه بل تصدر من الله، ويرد الموت على حالته السابقة، ويُخلع عليه قميص حياة جديدة ويصبح إنسانا متميزا.
باختصار، نجد في قانون الطبيعة أن الله سبحانه وتعالى جعل سلسلتين متوازيتين؛ إحداهما مادية والثانية روحانية، فكل ما يتهيأ ماديا يتوفر نفسه روحانيا أيضًا، فالذي يبذل الجهود واضعا هاتين السلسلتين نصب العين ويجتهد في أعماله فسوف يتقدم سريعا، وستكون معلوماته واسعة، ففي كل حال سيكون كل عمل مادي له مشابها للأمور الروحانية، فالدنيا مزرعة الآخرة.

الحاجة إلى المزكي والمبعوث من الله في كل عصر

نلاحظ في النظام المادي أن الفلّاح يحتاج إلى الماء السماوي رغم بذله كل أنواع الجهود والعناية بانتظام، وإن لم ينزل على حقله الماء السماوي مع جهوده ومساعيه فيبيد الزرع وتضيع الجهود. فالحال نفسه في النظام الروحاني أيضًا، فالإيمان المحض لا يفيد الإنسان شيئا ما لم ينزل المطر الروحاني من السماء في صورة آيات قوية، لتغسل أوساخه الداخلية. فإلى ذلك أشار القرآن الكريم في قوله ” وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ” (الطارق:11-12)، أي أقسم بالسماء التي ينزل منها الغيث، وأقسم بالأرض التي تنبت. بعض الناس يقولون بسذاجتهم أيُّ حاجة كانت لله إلى القَسم؟ لكنهم في نهاية الأمر يواجهون الندم بسبب تسرُّعهم، فالحقيقة أن القسم ينوب عن الشهادة. نشاهد في الحكومة المادية أيضًا أن الحكم في القضايا أحيانا يتوقف على القسم فقط. فكذلك قد قدم الله عز وجل، مقسما بالمطر السماوي، الشهادةَ في النظام الروحاني أيضًا كما في النظام المادي، أنه كما تتوقف خضرة الأرض واخضرار الحقول على المطر السماوي- وإن لم ينزل المطر من السماء، لا تبقى أي خضرة على الأرض وتموت الأرض، بل تغور مياه الآبار أيضًا، وانقلاب العالم رأسا على عقب يتسبب في الهلاك، ويموت الناس جوعا وعطشا، فبسبب القحط يتأثر الناس والحيوانات والأنعام والطيور والسباع أيضًا- فمثل ذلك تماما هناك نظام روحاني أيضًا.
تذكروا أن مجرد الإيمان دون الغيث من السماء الذي ينزل في صورة المكالمة والمخاطبة، لا يجلب النجاة أو الراحة الحقيقية أبدا، فالذين يزعمون أنهم يمكن أن ينالوا النجاة دون المطر السماوي ودون الارتباط بمبعوث من الله، وأنهم ليسوا بحاجة إلى أي مزيّك ومبعوث من الله، وأن كل شيء متوفر عندهم، عليهم أن يصنعوا الماء أيضًا في بيوتهم، (فالذين يقولون نحن الآن في غنى عن الأنبياء، لماذا يسألون الغيث المادي)، فأي حاجة لهم إلى الغيث السماوي. فهم يرون بأعينهم علامَ تعتمد الأشياء المادية. فاعلموا قياسا عليها أنه لا بد لمثلها في الحياة الروحانية أيضًا.
إن ادعاء الإنسان بأنه قد تعلَّم كل شيء، وأنه نال جميع العلوم، لَفكرة باطلة. فما هو علم الإنسان؟ إنما مثله كمثل ما يعلق من ماء بإبرة أدخلت البحر ثم أخرجت منه، هذا هو حال علم الإنسان الذي أُعطيه من المعارف والحقائق.
 أيها الأعرابي، أخشى أن لا تصل إلى الكعبة، لأن الطريق الذي تسلكه يؤدي إلى تركستان.
ثم أتعجب أن البعض يعلنون دعاوى كبيرة بعد الحصول على العلوم الرائجة البسيطة، مع أن سبيل الدين عميق جدا، وليست حقائقه وفلسفته الروحانية من النوع الذي يمكن لكل إنسان أن يدعي إتقانه والتمكن منه. ( فالذي ليس له أي علاقة بالدين ثم يدَّعي بأنه ليس بحاجة إلى غيره فهو غبي)، إن هذا الدين قد جاء من السماء حصرا، وإنّ وسائل تقدمه ورقيه أيضًا ستنزل دوما من السماء حصرا. نقول بأسف أنه إذا سئل عن الحائزين على العلوم الأرضية والثقافة الرائجة، فسيظهر الغالبية منهم مهرة في هذه العلوم. لكنني أود أن أقول هنا لهؤلاء المتقنين للعلوم الأرضية والمادية أيضًا:
 يا من تعلمت حكمة أهل اليونان، تعلَّم حكمة أهل الإيمان أيضًا.

الراحة الحقيقية منوطة بالدين فقط

نرى في العصر الراهن كثيرا من أصحاب الأفكار الذين يرون الدين جنونا فقط، وليس في قلوبهم أي قدر واحترام له. يقولون إن العرب كانوا وحوشا وأميين، فنزل القرآن الكريم في ذلك العصر مناسبا لحاجاتهم. والعالم الآن قد تطور، ونحن في عصر النور، ويجب أن يحدث التعديل في الدين بحسب الأوضاع المعاصرة. لكن تذكروا أن الدين ليس لغوا، بل إن الراحة الحقيقية والنجاة الأخروية تتوقف على اعتناق هذا الدين فقط. فالعرب الأميون الذين خدموا هذا الدين، كانت أمِّيَّتهم أيضًا معجزة، لكي يري الله العالم كم من إنجازات أحرزها أولئك الأميون بعد اتباعهم للقرآن الكريم، بحيث لم ينافسهم كبارُ مدعيْ العلوم الكبيرة.

مقارنة التعليم الطيب للقرآن الكريم بالإنجيل

كان الله أعلم كم من علوم حديثة ستظهر في هذا العصر، وكيف سوف يتولد في المسلمين أنفسهم أناس أصحاب أفكار شتى، فقد ردّ الله سبحانه وتعالى على هذه الأمور كلها في القرآن الكريم سلفا، وليست هناك بحوث حديثة أو تقدُّم علمي يمكن أن يغلب القرآن الكريم، وليس هناك أي صدق أو حقيقة ظهرت الآن ليست موجودة سلفا في القرآن الكريم. فالطريق الذي قدمه القرآن الكريم لا يوجد في الإنجيل ولا نعثر عليه في التوراة، وليس في وسع أي كتاب آخر في العالم أن يدعي هذا الكمال والشمولية، اللذين وهبهما الله سبحانه وتعالى بحكمته الكاملة للقرآن الكريم. فتلك الكتب لا تجدر بالذكر أمام القرآن الكريم، إن الإنجيل قد جعل إنسانا ضعيفا عاجزا إلها، لكن قدرته وقوته تقدَّر بمواجهته لليهود.

الأمر الثاني الذي يفتخرون به هو التعليم الأخلاقي للإنجيل، لكنه سخيف وناقص لدرجة أنه لا يستطيع سليم الطبع الالتزام به، بل إن عمل القساوسة أيضًا ينافي هذا التعليم تماما، فمثلا يعلِّم الإنجيل {مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الَأيَْمنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أيضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَُخاصِمَكَ وَيَْأخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أيضًا. وَمَنْ
سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيِْن} (إِنِْجيلُ مَتَّى 5 :39-41).
الآن نسأل حماة الإنجيل ومادحيه، هؤلاء القساوسة أولا، لأي مدى قد طبقوا هذا التعليم؟ فما هي الأسوة العملية التي قدموها لهذا التعليم حتى يدعوا الآخرين إليه؟
ثم قد ورد في الإنجيل نفسه لا تقاوِم السيئة. باختصار، إن تعليم الإنجيل مائل إلى التفريط، ولا يستطيع الإنسان العمل به إلا في أوضاع معينة. وفي الطرف الآخر حين ننظر إلى تعليم التوراة فهو مائل إلى الإفراط، وهو الآخر يركز على جانب واحد فقط، أي النفس بالنفس والعين بالعين والأذن بالأذن والسن بالسن. فليس فيه أي ذكر للعفو والصفح. فالأصل أن هذه الكتب كانت مختصة بقوم وبزمان محدَّدَين. أما الطريق الذي هدانا إليه القرآن الكريم فما أطيبه! إذ يلائم الطبع الإنساني وهو منزه من الإفراط والتفريط، فمثلا قد ورد في القرآن الكريم ” جَزَاءُ سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اِلله” (الشورى:40)، أي من عفا بقصد الإصلاح وكان العفو في محله، فلمثل هذا العافي أجرٌ عند الله.
فانظروا ما أطهره من تعليم؛ لا إفراط فيه ولا تفريط. ثمة سماح للانتقام وفي الوقت نفسه ترغيب في العفو أيضًا بشرط أن يتحقق به الإصلاح. فهذا موقف ثالث قدمه القرآن الكريم للعالم. فمن واجب سليم الطبع أن يقارن بينها ليرى أي تعليم يلائم الطبع الإنساني، وأي منها يأنفه الطبع السليم والضمير. في اليهود كان الأب يوصي أولاده وأحفاده أن يأخذوا بثأره، فأحيانا كان الابن والحفيد يقومان بالانتقام، باختصار، إن تعليم التوراة يتسم بالشدة المتناهية.
أما الإنجيل فلا يفهم المفتخرون بتعليمه الأخلاقي أنه أولا تعليم ناقص ليست له حاجة. ولكونه مختصا بزمان وبقوم، ليست له ضرورة، ولا يجدر في العصر الراهن بأن يسمى تعليما أخلاقيا. وإذا سلمنا به تنازلا فلا نجد أحدا يعمل به ويطبقه. فليقدم المولعون به الأسوة العملية له، فهو في الحقيقة كنابَي الفيل المستخدمين للعرض فقط لا للأكل، فالفلسفة الحقة تعارضه تماما، الإنسان كشجرة ذات أغصان، والتعليم الإنجيلي يمثل أحد أغصانه، فهل تبقى فروع الإنسان الأخرى عاطلة؟
تذكروا أن جميع القوى الإنسانية قد نالها الإنسان من خالق الفطرة نفسه. فمنها قوة الغضب، وقوة الانتقام أيضًا. فهذه القوى ليست عابثة وعديمة الجدوى، إنما السيئ هو استخدامُها السيئ في غير محله. فالإنجيل في موضع يعلِّم الإنسان أن يخصي نفسه، فلو قدم النصارى الصادقون أسوة عملية لهذا التعليم، لانقرض العالم بالتأكيد، والأغرب أن هذا ليس مجرد أمر بل هو مقرون بوعد ثواب عظيم عليه، فلماذا لا يطبق أي مسيحي هذا العمل الصالح؟
فليخبرنا أحد إن كان في القرآن الكريم أمر يفوق العملُ به القدرةَ الإنسانية، أو إن كان فيه ثمة أمر يترتب على العمل به سوء أو فساد. أو يُخشى حدوث الخلل في نظام الدين. فالكتاب الذي أوامره تفوق القدرة الإنسانية أو يستلزم العملُ بها شناعةً، ويحدث الخلل في نظام الكون، لا يمكن أن ينسب إلى الله الذي خلق الطبع ونظَّم نظام العالم وهو يعرف قدرات القوى الإنسانية. فهل يستحق مثل هذا الكتاب أن يسمى كاملا وشريعة كاملة؟
لا أثير اعتراضا، وإنما أهدف من بياني هذا الإظهار أن هذين الكتابين كانا من عائلة واحدة، فلم يدَّع عيسى ولا موسى- عليهما السلام- قط أنه مبعوث إلى العالم بأسره، بل كانا يخصّان تعليمَهما بخراف بني إسرائيل فقط، وإقرارهما الشخصي موجود،( فقد قال عيسى عليه السلام شخصيا بأنه لم يرسل إلى غير خراف بني إسرائيل الضالة، والقرآن الكريم أيضًا يصدق ذلك بقوله ” وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ”). فالكتاب الذي أعطِياه بحسب الحاجة كان قانونا مختصا بذلك الزمان وذاك القوم.
فمن البيِّن الآن أن الشيء الذي أتى لحاجة خاصة وزمن ومكان معيَّنَين، إذا عُدَّ عنوة وعبثا وبتكلف أنه للعالم بأسره، فسيؤدي بالضرورة إلى عجزه عن إنجاز مهمته. وأنى له أن يتحمل الحمل الذي لم يخلق من أجله. فلهذا السبب ثمة نقائص في هذه التعاليم في ضوء الأوضاع المعاصرة، لكن القرآن الكريم ليس مختصا بزمان وقوم، وليس مختصا بمكان محدد أيضا، بل قد أعلن مَن أُنزل إليه هذا الكتاب الكامل والمكمل ” إِنِّي رَسُولُ اِلله إِلَيْكُمْ جَِميعًا” (الَأعراف:158) وقد ورد في آية أخرى: ” لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ” (الَأنعام:19) أي يكون من اللزام على كل من بلغه هذا التعليمُ أن يتبعه ويتحمل نير طاعته، مهما كان وحيثما كان يسكن.
إن الانعكاس التام للطبع الإنساني هو القرآن الكريم فقط، كان الإنسان سيُسأل بحسب تعليم القرآن الكريم هذا حصرا حتى لو لم ينزل القرآنُ الكريم، لأن هذا التعليم موْدع في الطباع ومشهود في كل صفحة من قانون الطبيعة. فالذين تعاليمهم ناقصة ومحدودة بشعب معين ولا تتجاوزهم خطوة واحدة، فإن باب نبوتهم أيضًا محدود في بيوتهم. أما القرآن الكريم فيقول: ” إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ” (فاطر:24)، فانظروا ما أطيبه من قول وأرسخه في القلوب وكم هو مبدأ صادق، لكن هؤلاء يعدُّون ألوهية الله محدودة في بيوتهم.
وهذا هو حال الآريين، الذين يؤمنون بأن الفيدا نزل فقط على أربعة رجال مخصوصين لهذا، وأن الله قد اختار اللغة السنسكريتية للأبد، فمستحيل في رأيهم أن ينال نعمةَ الوحي والإلهام هذه أيُّ إنسان أو لسان آخر. فبحسب معتقدات هؤلاء قد انقطع الوحي في الماضي ولا يستمر في المستقبل، وقد خُتم عليه للأبد، لكن هؤلاء لا يعرفون أن بذلك تظهر الصعوبات في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى أصلا، فمتى يمكن أن يطمئن الإنسان بالسماع فقط، ومتى يمكن أن ينال الإنسان اليقين الكامل والمعرفة الحقة بالاستماع إلى الآخرين فقط. “ليس الخبر كالمعاينة.”
الحاجة إلى الوحي والإلهام
ما لم ينادِ الله سبحانه وتعالى قائلا أنا الموجود، أو لم يُظهر وجهه من خلال كلامه الجميل وآياته الغيبية القوية، يستحيل أن يزول عطش الإنسان في طلب الحق. فالقول إن الله سبحانه وتعالى كان يري الآيات والمعجزات في الماضي وكان يرسل الرسل، ولم يعد يرسلهم الآن، هو إساءة شنيعة إلى الله سبحانه وتعالى والعياذ بالله. ( الآن لم نعد نعرف شيئا عن الله أهو ما زال حيا أم لا).
فلأي سبب يسمع ويرى الآن ولا يكلِّم؟ فأي دليل عندكم على أنه لم يفقد قوة السمع والبصر أيضًا كما فقد القدرة على الكلام.
لا يستطيع الإنسان الانفصال عن طبعه، فهل يمكن أن تعمل الشاة عمل الذئب إذا وظفتموها محله؟ كلا، كذلك هو شأن الطبع الإنساني، فلا يمكن أن يسير أبدا ضد خلقه. فمتى يمكن أن ينال الطمأنينة بالقصص فقط؟ وإذا كان أحد قد أيد ووافق في الظاهر مواساةً، فسيكون في الباطن يسب ويشتم وينكر. فاعلموا أن الوحي إذا كان ينزل في الماضي فلا بد أن ينزل الآن أيضا. فحين كان الإسلام فرقة واحدة وصغيرة أيضًا كانت هناك حاجة لبعثة الأنبياء والرسل، أما الآن حيث افترق المسلمون إلى 73 فرقة، وقد بلغت الفرقة منتهاها، يقال إن الكلام الإلهي قد انقطع، وكفَّ الله عن الكلام، فليس لأي طبع سليم وعقل صحيح أن يقبل هذا المنطق.
فالحاجة أمُّ كل شيء، انظروا إلى مثال صغير لتصادم القطارات، فحين كثرت حوادث تصادم القطارات ظهرت أسباب الإصلاح أيضًا، فكل هذه الأدوات والأجهزة التي تلاحَظ قد اختُرعت نتيجة الحاجة إليها، فلما بلغت حالة الإنسان أقصى درجات الفساد ظاهرا وباطنا، وقد فرض الإلحاد سيطرته على كل فرقة، ولم يبق في أحد إيمان حي، والمعروف أن الإيمان الحي وحده يقود إلى الأعمال؛ فلماذا لم يبق الإيمان الذي هو الدافع الأساسي للأعمال، فمن أين تأتي الأعمال؟
باختصار، مع ارتفاع الإيمان من الدنيا قد انقرضت الأعمال الصالحة أيضًا، فلماذا لم يبعث الله أي رسول أو نبي أو ملهم تاركا سنته القديمة في مثل هذه الأوضاع الخطيرة جدًّا وعند الحاجة الماسة؟
حقيقة الكلمة الطيبة (الشهادتين)
إن جملة “لا إله إلا الله” هي كلمة التوحيد، ومعناها أنه لا يستحق العبادة والطاعة الحقة أحدٌ سوى الله. سبحانه وتعالى لو كان الله محتاجا إلى غيره لنشْر التوحيد أو جعْل غيره شريكا في هذا العمل، للزم الشركُ. وإنما السر في إضافة جملة “محمد رسول الله” إلى “لا إله إلا الله” أن يكتمل درس التوحيد، ويعلم أهلُ الدنيا أن كل ما يأتي فإنما يأتي من الله في الحقيقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو مبلغ التوجيهات إلى المخلوق بعد تلقِّيها من الله، وأن كل ما يأتي من ذلك الطرف فإنما بهذا الطريق حصرا.
فالشرك لا ينحصر في عبادة الأحجار فقط، بل من أنواع الشرك أن يتكئ الإنسان على الأسباب وحدها ويترك الله، وهذا يسمى الشرك في الأسباب. إن أتباع مذهب البرهمو وغيرهم لم يفهموا سر التوحيد هذا،  ينبغي أن يُعرف الله بواسطته هو، أو عن طريقه هو. فالذي يأتي من الله فكأنه هو الله نفسه. فالذي يأتي من الحكومة الإنسانية يسمى نائبا لها، وكذلك الرسول بعد التفاني في الله لا يبقى نفسه بل يكون كأنه الله. باختصار، إن جملة “محمد رسول الله”، كانت ضرورية لإكمال التوحيد. إن الله سبحانه وتعالى يحب التوحيد، ومما يوجب الشكر أن هذه الميزة هي في الإسلام وحده، فإن ما نقدمه اليوم لا يوجد في أي دين آخر.
إن معتقدات النصارى مآلها كفارة المسيح. فالأب والابن وروح القدس ثلاثة، لكنهم يقولون لا تقولوا ثلاثة بل قولوا واحد. فغريب هذا المنطق المعقد الذي لا يُستوعَب! اليهود أيضًا قساة القلوب جدًّا ومتورطون في أنواع الشرك، فليس لهم أي التفات إلى هذا الجانب. أما الآريون في العصر الراهن الذين يتباهون بمعتقداتهم مقابل الإسلام، فهم يؤمنون أن الأرواح مع جميع صفاتها والمادة بجميع صفاتها إنما هي موجودة من تلقاء نفسها، ويؤمنون بأن الخلق من العدم مستحيل. باختصار، قد اتخذوا كل ذرة شريكة لله. هم يقبلون أن القوى الإنسانية الظاهرية هي من الله ويقولون إن القوى التي تتمتع بها الروحُ هي من تلقاء نفسها، وليست من الله. هم يؤمنون بأن الأرواح والذرات بجميع قواها من تلقاء نفسها، وأن الله يجمّعها فقط، لكننا نسألهم لماذا لا يجوز أن تكون قد تجمّعت بنفسها أيضا؟
باختصار، إن هؤلاء ينكرون المعجزات الجديدة. لا يوجد في الفيدا ذكر المعجزات، فما الدليل على وجود الله سبحانه وتعالى، وما هي العلامة على حياته، فلما سُلِّم بحق الجزأين أنهما من تلقاء نفسهما فلماذا لا نسلم بأن الأمر الثالث، وهو الارتباط والاختلاط، أيضًا تلقائيٌ. فما دام الأمر المهم والصعب يحدث تلقائيا، فما سبب الإيمان بأن الأمر السهل بحاجة إلى أحد.
باختصار، إنه لمن فضل الله الخاص، وهو من نصيب الإسلام فقط، أنه ليس هناك أي تعليم من تعاليم الإسلام معارضا للعقل السليم والطبع السليم. إنّ “لا إله إلا الله” قولٌ، وإثباته العملي “بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحسِنٌ” (البقرة:112) فعلٌ. فمجرد القول (أي الادعاء بالإيمان) لا يجدي شيئا، ولا يفيد. فمثل الإيمان العقيم كمثل دجاجة دون جناحين ولا ريش، فهي مضغة لحم لا تستطيع التحرك ولا الطيران. بل الإسلام أن يتقدم الإنسان في سبيل الله ولا يبالي بأي خسارة في سبيل الله رغم مشاهدته مشاهد خطرة ورغم إيقانه بأن مجرد الوقوف في هذا المكان بمنزلة إلقاء النفس في خطر. ففي الحرب يعرف الجندي أنه يتقدم إلى الموت، ويرى الموت أقرب إليه من الحياة، لكنه مع ذلك استجابة لأوامر رئيسه يتقدم بالوفاء، ولا يبالي بأي خطر، فهذا هو الإسلام.
باختصار، قد علَّم الله سبحانه وتعالى في إحدى الجملتين (لا إله إلا الله) التوحيدَ، وعلَّم في الأخرى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله) أن أثبتوا إيمانكم الصادق والحي بهذا التوحيد بفعلكم هذا، وألقوا رقابكم في سبيل الله. ينبغي الاستماع إلى هذا الأمر باهتمام، فهذه مسألة مفيدة للمسلمين، ينبغي ألا ترضَوا بإسلامكم وحده، أو تمسُّكِكم في الظاهر بالصلاة والصيام، كلا بل إن دليل الإيمان الصادق الحقيقي هو الثبات في الصعوبات الخطيرة، والتقدم وإحراز النجاح في امتحان الله. إن تعرُّض المؤمن للمشكلات والابتلاءات ضروري، لكي يتبين من هو المؤمن الصادق ومن يدعي الإيمان باللسان فقط. يقول الله سبحانه وتعالى ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْركَُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفتَنُونَ” (العنكبوت:4)، لقد أثبت المسلمون في صدر الإسلام بأعمالهم أنهم كانوا قد نذروا حياتهم فعلا لخدمة دين الله .سبحانه وتعالى ليس في وسع أي دين التقدم ما لم تؤثَر أوامر الله على جميع أعمال الدنيا. فالأعمال العادية مثل الصلاة والصيام والزكاة تصبح بممارستها من عادة الإنسان أخيرا. قد ورد هذا المضمون بروعة في شعري ورد في المثنوي للرومي، وتعريبه: “إننا نملأ الغلة في صندوق ولا يكاد يمتلئ، إذ كلما نظرنا فيه وجدناه خاليا، من المؤكد أن هناك فأرة تأكل هذه الغلة، وتسعى لإفراغ هذا الصندوق، بحيث نملأه وهي تُفرغه. وأخيرا حين فتحنا الباب وجدنا فعلا فأرة تأكل تلك الغلة”، إذن يجب ألا يرضى الإنسان بأعماله فقط.

بالرياء تحبط الأعمال

بارتكاب بعض السيئات تحبط بعض الأعمال أيضًا، فالرياء أيضًا دودة خطيرة لحبط الأعمال، فمثلا يصدر الحث في مجلس على دفع التبرعات فينهض أحدهم فيقول إنه سيدفع خمسمئة روبية، فإذا كان قد فعل ذلك للرياء ولكسب الصيت ومدح الناس فقد نال أجر ذلك، ولن يكون له أي أجر عند الله. هنا تذكرت حدثا من “تذكرة الأولياء”، فقد ورد أن وليًّا طرأت عليه حاجة ماسة إلى عشرة آلاف درهم، فذكر ذلك في مجلس فأحضر أحد الحضور كيسًا فيه عشرة آلاف درهم فوضعه أمامه، فبدأ ذلك الولي يمدحه كثيرا حتى ظل يمدحه لمدة ساعة كاملة، حتى نهض ذلك الرجل وانصرف إلى البيت، وبعد قليل عاد وقال للولي، لقد أخطأتُ خطأ جسيما إذ إن المال الذي قدمتُه لك كان لأمي ولم أكن مخولا في إنفاقه، لذا أرجو أن تعيد لي الدراهم. فبدأ الناس يلومونه ويلعنونه وقالوا من الواضح البين أنه اختلق هذا العذر. وبعد ذلك انصرفوا، ثم توجه ذلك الرجل ليلا بصمت إلى بيت ذلك الولي حين كان الصمت مُطبقًا بالدراهم نفسها، وقدمها له قائلا: إنما كنت قدمتُها ابتغاء مرضاة الله، لا لكسب المدح. الآن أرجو أن تقبل هذه الدراهم وأناشدك بالله ألا تذكر هذا لأحد. فلما سمع ذلك الولُّي بدأ يبكي لأن الناس سيظلون يلومونه ويطعنون فيه ويسبونه ما دام حيًّا، دون أن يدروا حقيقة الأمر.
باختصار، إن العمل الذي تشوبه ذرة من الرياء يضيع ويحبط، فمثله كمثل طعام رائع نفيس ولَغَ فيه الكلب، فهذا المرض متفشي كثيرا في العصر الراهن أيضًا. فمعظم الأعمال مشوبة بالرياء، لكن يجب ألا يشوب الأعمالَ الرياءُ، ولكن الإنسان معذور أيضًا إلى حد معين؛ إذ يُقبل على هذه الشوائب. فهو ليس كاملا ما لم تتحقق له النفسُ المطمئنة ولم يخفْ لومة لائم، وما لم ينشأ في أعماله إخلاص حتى يصبح في نظره المادح والشاتم وذاكرُ مناقبه ومحتقرُه سواسية، وما لم ينظر إلى كليهما بنظرة واحدة، ولم يعدّهما مثل الجيفة التي لا تضره ولا تنفعه.
الآن لا أريد الخوض في بحث مسألة ” سِرًّا وَعَلَانِيَةً” ، وإنما أذكر شوائب النفس، لا أقول لكم أن تنفقوا دوما سرًّا فقط ولا تنفقوا علانية أبدا، كلا بل كل عمل يصدر بصدق النية يثاب عليه. فحين يبادر الإنسان الصالح إلى أي حسنة يقلده الآخرون في ذلك العمل الصالح، وبذلك ينال هو أيضًا الثواب، بل يكون له نصيب من ثوابهم أيضًا. فإحراز أي عمل صالح بهذا الأسلوب وبهذه النية حتى يرغب فيه الآخرون مجلبة لثواب عظيم.

أهمية الإخلاص

في الشريعة الإسلامية هناك أمور دقيقة جدًّا لكي ينشأ الإخلاص، فالإخلاص موت يورده المخلص على نفسه. فالذي يرى أنه يستمتع بالإنفاق ودفْع التبرعات علانيةً ويجد فيه لذة وينشأ لديه الرياء، فعليه أن يتخلى عن الرياء، ولينفق سرًّا بدلا من علانية، بحيث لا تعرف يسراه ما أنفقت يمناه. عندها يغفر الله للصالح على صلاحه وتغيره الطيب، وليس ذلك بحاجة إلى مائة عام، وإنما الإخلاص مطلوب. ( لا تظنوا أن النجاة تقتضي العبادة ملائة عام حصرا، كال بل الله سبحانه وتعالى كريم، فهو يغفر لحسنة واحدة فقط، إنما الإخلاص مطلوب.)
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يُطعم عجوزا حلوى كل يوم بانتظام ولم يكن يعرف بعمله هذا أحد، وذات يوم حين لم تجد العجوز الحلوى أيقنت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد توفي. هنا الجدير بالانتباه كيف كان حضرته رضي الله عنه يخدم تلك العجوز التي لم تكن تقدر على أكل شيء بانتظام، بحيث أيقنت بعدم وصول الحلوى ليوم واحد فقط أنه رضي الله عنه قد توفي، إذ كان من المستحيل في نظرها أن يكون أبو بكر رضي الله عنه حيا ولا يأتيها بحلوى.
باختصار، هذا هو الإخلاص وهذه هي الأعمال التي تصدر بمجرد صدق النية في سبيل الله، لفتح القلوب ليس ثمة سيف كالإخلاص، فبمثل هذه الأمور كان المسلمون قد غلبوا العالم، أما الكلام المحض فلا يغني من شيء. الآن لا يوجد على جبينهم نور ولا روحانية، وليس لهم نصيب من المعرفة، إن الله سبحانه وتعالى ليس ظالما، فالواقع أن قلوبهم خالية من الإخلاص.
أداء الصلاة عادة وتقليد لا يفيد.
إن ممارسة الأعمال عادة وتقليدا فقط لا تجدي شيئا، لكن لا يخطرن ببال أحدكم لقولي هذا أني أحتقر الصلاة. كلا، بل الصلاة المذكورة في القرآن الكريم هي معراج المؤمن. فليسأل أحدهم هؤلاء المصلين هل يعرفون معاني سورة الفاتحة؟ فسوف تجدون أناسا يصلون من خمسين سنة وإذا سألتموهم معاني الصلاة وحقيقتها فستجدون معظمهم يجهلونها، مع أن جميع العلوم المادية لا تساوي شيئا أمام هذه العلوم. مع ذلك يبذلون قصارى الجهود لنيل العلوم المادية وهم غافلون عن هذا الجانب بحيث يصلون الصلاة كتراتيل فقط. إني أقول لكم بأن لا تترددوا في الدعاء في الصلاة بلغتكم، فادعوا بالأردية والبنجابية والإنجليزية، فليدع كل واحد بلغته، غير أنه من الضروري أن تقرؤوا كلام الله كما هو، فلا تتدخلوا فيه من عندكم، فاقرؤوه كما هو واسعَوا لمعرفة معانيه. كذلك يجب أن تلتزموا بقراءة الأدعية المأثورة بالعربية. فبعد القرآن والأدعية المأثورة اسألوا الله ما تريدون، وبأي لغة تريدون. فهو سبحانه وتعالى يعرف جميع الألسنة ويسمع ويجيب.
إن كنتم تريدون أن تجعلوا صلاتكم ذات حلاوة وذوق، فمن الضروري أن تدعوا في الصلاة بشيء من لغتكم، لكنه من الملاحظ عادة أن الناس يُنهون الصلاة بسرعة، ثم ينشغلون في الدعاء. وكأن الصلاة في نظرهم ضريبة بغير حق، وإذا كان يلاحظ منهم إخلاص فبعد الصلاة. فهم لا يفكرون أن الصلاة بحد ذاتها دعاء، الذي يُرفع بمنتهى التواضع والخشوع والإخلاص والاضطراب. إن الصلاة وحدها مفتاح لأعمال عظيمة وجليلة جدا، وإن المرحلة الأولى لفتح أبواب فضل الله هي الدعاء فقط.
إن أداء الصلاة اتباعا للعادة والتقليد لا يفيد، بل قد لعن الله مثل هؤلاء المصلين، وألقى عليهم ويلا، ناهيك عن أن تنال صلاتهم شرف القبول عنده، لقد قال الله سبحانه وتعالى نفسه ” وَيْلٌ لِلْمُصَلِّيَن” (الماعون:4)، فإنما قال هذا بحق أولئك المصلين الذين يجهلون حقيقة الصلاة ومطالبها. فالصحابة كانت لغتهم العربية، وكانوا يعرفون حقيقتها جيدا، أما نحن فمن الواجب علينا أن ندرك معانيها، وبذلك نولد الحلاوة في الصلاة، أما هؤلاء فكأنهم ظنوا أن نبيا آخر قد ظهر ونسخ الصلاة.
انظروا! ليس في الصلاة أي منفعة لله سبحانه وتعالى بل فيها خير للإنسان نفسه، حيث تتاح له الفرصة للحضور إلى أعتاب الله، ويشرَّف بالسؤال والطلب، وبها يستطيع أن يتخلص من آفات كثيرة، أستغرب كيف يعيش أولئك الذين يمضي نهارهم وليلهم دون أن يعرفوا أن لهم إلها. تذكروا أن مثل هذا الإنسان سيهلك اليوم أو غدا. (ألا إن الدنيا فانية، فعند الإنسان زوجة وأخ وأقارب آخرون والمال والثروة، لكنه إذا لم يتخذ اَلله مجنته فلم يكسب شيئا).
أسدي لكم نصيحة مهمة ليتها تقع في قلوب الناس؛ انظروا! إن العمر ينقضي، فانبذوا الغفلة، واتخذوا الضراعة، فادعوا الله سبحانه وتعالى على انفراد أن يحمي إيمانكم، ويرضى عنكم ويفرح بكم.
أسلوبان لإحراز التقدم والرقي
للإنسان أسلوبان فقط لإحراز التقدم والرقي. أولا: أن ينجز الإنسان الأحكام الشرعية -أي الصلاة والصيام والزكاة والحج- باتباع التكاليف الشرعية بموجب الحكم الإلهي، لكن لما كانت هذه الأمور بيد الإنسان نفسه، لذا يتهاون في أدائها ويتكاسل أحيانا، وأحيانا يخلق طريقا للراحة والسهولة. والطريق الثاني، هو ما يرد على الإنسان من الله مباشرة، وهو الذي يتسبب في تقدم الإنسان في الحقيقة، لأن الإنسان في التكاليف الشرعية يتخذ طريقا للحماية والراحة والسهولة. فانظروا مثلا إذا سلَّمنا لأحد سوطًا وقلنا له أن يضرب به جسده، فالأساس أن حب الذات سيحول دون ذلك، فمن ذا الذي يريد إلقاء نفسه في الألم. ولذلك قد حدد الله طريقا آخر لتكميل الإنسان، وقال: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” (البقرة:155-156)، أي بشر الصابرين بأن الله سبحانه وتعالى قدر لهم أجرا كبيرا، ورحمة منه وإنعاما.
فانظروا بأي مشقة يحرث الإنسان أرضه ويسويها ثم يبذر ويتحمل صعوبات الري والسقي، وأخيرا حين يكتمل نمو الزرع بعد تحمل أنواع المشاكل والجهود والحماية، قد يصيبه البَرد أحيانا لحكمة إلهية دقيقة ولطيفة، أو يباد الزرع بسبب شح الأمطار أحيانا. باختصار، هذا مثال للصعوبات التي تسمى تكاليف القضاء والقدر. وكم هذا التعليم الطيب الذي أعطيه المسلمون في هذه الحالة يقدم نموذجا للرضا بالقضاء ويتضمن درسا، وهذا من نصيب المسلمين فقط. أما الآريون الذين يؤمنون بأن الأرواح والذرات مع خواصها هي من تلقاء نفسها وأزلية وأبدية مثل الله، أنى لهم أن يقولوا إنا لله..، وكيف يوفَّقون لهذا القول.
باختصار، إن التكاليف على نوعين؛ أحدهما يحتوي على الأحكام، ومنها الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من الأعمال، ففيها فسحة للعذر والحيلة لحد ما، وما لم يكن هناك إخلاص تام ويقين كامل، يسعى الإنسان للتخلص منها بطريقة أو أخرى، ويعثر على الطريق للتخلص منها، فيبقى النقص من هذا القبيل نتيجة الضعف البشري، فلملء هذا الفراغ وسدّ هذا النقص قد قدَّر الله النوع الآخر من التكاليف، وهو القضاء والقدر، لكي يتم بفضل الله تداركُ النقص الذي حصل بسبب الضعف البشري. فالآريون يسمُّون تكاليف القضاء والقدر ثمرة الولادة السابقة، لكننا نسألهم أنه إذا كان ما يقولونه حقا، فلماذا يتعرضون للأمراض مثل الحمى وغيرها؟ إذا كانت التكاليف السماوية هي ثمرة أعمالكم السابقة، فلماذا تتعرض أنفسكم لمصيبة أخرى؟
باختصار، إن الهدف من هاتين السلسلتين- أي استسلام الإنسان أحيانا لله بالخضوع للتكاليف الشرعية، وأحيانا استسلامه للقضاء والقدر- تحقيق كمال الإنسان، وإشارة إلى ذلك قال الله سبحانه وتعالى ” بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله” فما هو الإسلام؟ ألا إنما الإسلام أن يستسلم المرء في سبيل الله لنيل رضاه؛ فهو يشاهد الابتلاءات المخيفة، ويرى بأم عينه لمعانَ السيوف المسلولة وضرباتها في المعركة، حيث يتراءى له الخطر على ضياع الحياة، لكنه لا يبالي بشيء، بل يعرِّض نفسه لكل هذه الأخطار ابتغاء مرضاة الله. فهذا هو ملخص تعاليم الإسلام.

ثلاث مراتب لحقوق العباد

الجزء الثاني يتعلق بخلق الله وحق العباد، وورد التعليم القرآني بخصوص ذلك كما يلي: ” إِنَّ اَلله يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالِْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى” (النحل90)، فقد قال أولا أن اعدلوا، وبعد ذلك أمركم بالإحسان، أي لا تحسنوا فقط إلى الذي قد أحسن إليكم، بل يجب أن تحسنوا حتى إلى الذي لا يستحق أن يُبَّر ويُحسَن إليه. إلا أن الإحسان تشوبه شائبة منٍّ وفيه نقص دقيق، حيث تبقى العلاقة الخفية بالمحسَن إليه، لأنه أحيانا إذا صدر منه تصرفٌ ينافي طبع من أحسن إليه أو عصاه، فيسخط عليه المحسِن ويتهمه بنكران الجميل وغير ذلك، وحتى لو سعى أن يكظم ذلك فمع ذلك يبقى فيه نقص يظهر منه أحيانا، ولذلك ولتدارك ذلك النقص والعيب قال الله سبحانه وتعالى تقدَّموا وتجاوزوا درجة الإحسان وأحرزوا حسنة وكأنها بمنزلة إيتاء ذي القربى، أي كما تحسن الأم إلى ولدها، فهي تحب ولدها بعاطفة طبعية ومقتضى فطرتها، لا طمعا في شيء. فانظروا أن الأم أحيانا يكون عمرها ستين عاما ولا تتوقع من ابنها أي خدمة، إذ لا يخطر ببالها أبدا أنها ستعيش إلى أن يكون ابنها شابًّا. باختصار، يكون حب المرأة لأولادها نتيجة عاطفية طبيعية لا طمعا في أي خدمة.
فالأم تتحمل الألم والمعاناة وتسعى لتوفير الراحة واليسر لأولادها، فهي تنام على موضع مبلول من الفراش وتلقي صبيها على موضع جاف من الفراش، وإذا مرض وليدها فتسهر على راحته الليالي، وتواجه أنواع المعاناة. فقولوا لي الآن هل ثمة أي تصنع أو تكلف في تصرفها تجاه ابنها؟
فالله سبحانه وتعالى يقول اجتازوا درجة الإحسان وأحرزوا درجة إيتاء ذي القربى، وأحسنوا إلى خلق الله بحماس فطري دون أي طمع في الفائدة أو الخدمة. يجب أن تحسنوا إلى خلْق الله دون أي شائبة من التصنع أو التكلف. وقال :سبحانه وتعالى في موضع آخر، “لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا” (الِإنْسان:9)، أي من دأب الواصل إلى الله والحائز على أعلى درجات الرقي أن يخلص برّه لله، ولا يخطر بباله أبدا أن يدعو له أحدٌ، أو يشكره أحد، فهو يحسن إلى بني جلدته بمقتضى الحماس الفطري الذي أُودع قلبه لخدمة البشر، لم نجد هذا التعليم الطيب في التوراة ولا في الإنجيل، فقد تصفحنا هذه الكتب ورقة ورقة ولم نجد لمثل هذا التعليم الطيب الكامل أثرا.

الحاجة إلى المجدد والمصلح في العصر الحاضر

الظلام منتشر في العالم في العصر الراهن، فالقوة المطلوبة للعمل بكتاب الله ضئيلة جدا، ومن سنة الله منذ القدم أنه حين ينتشر في العالم ظلام الذنب ويبتعد الناس عن الغاية المتوخاة للحياة، يدبر الله من عنده تجديد الدين والإيمان، فيبعث المصلح والمجدد. ففي ذلك الوقت لا يقدر المصلحون السفليون على شيء، بل يكون من قدرة المبعوثين من الله حصرا أن يفرضوا السيطرة على القلوب ويحدثوا الحياة الطاهرة.
فالمبعوثون من الله سبحانه وتعالى للإصلاح الروحاني كالسُرُج، ولذلك ورد بحق النبي صلى الله عليه وسلم في
القرآن الكريم: ” دَاعِيًا إِلَى الله بِِإذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيًرا” (الأحزاب:46)، انظروا إذا كان في المكان المظلم خمسون أو مائة إنسان، وكان عند أحدهم سراج منير فسوف ينجذب إليه الجميع، والسراج سوف يبدد الظلام، وينور المكان ويضيئه. (إذا دخل صاحب السراج إلى مكان مظلم فالمكان يتنور، ويرغب إليه كل واحد).
فالحكمة اللطيفة الأخرى في تسميته بالسراج أنه من سراج واحد يمكن إضاءة آلاف السرج، دون أن يحدث فيه أي نقص، وهذا الأمر ليس في الشمس والقمر، فالمراد من ذلك أن بإطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعِه سيصل مئات الألوف إلى هذه المرتبة حيث لن يكون فيضه خاصا بأحد، بل يكون عاما وجاريا. باختصار، من سنة الله سبحانه وتعالى أن الظلام حين يصل منتهاه يبعث الله سبحانه وتعالى نظرا لبعض صفاته إنسانا مزودا بالعلم والمعرفة من عنده، ويودع كلامه تأثيرا والتفاتَه جذبا، وتكون أدعيته مقبولة، إلا أنه يجذب ويؤثر حصرا في الذين يجدرون بهذه البعثة. فانظروا أنه قد سمي النبي صلى الله عليه وسلم سراجا منيرا، لكن أبا جهل لم يقبله.
الغيث الذي لا يختلف اثنان في لطف طبعه، يُنبت في البستان ورودا وفي القفر عشبا وشوكا.
فكما أن القطع الأرضية المختلفة تُنبت بالغيث السماوي بحسب كفاءاتها، إذ ينبت في موضعٍ العشب والشوك فقط، وفي مواضع أخرى ورودا، فالحال نفسه تماما لروحانية الإنسان في وقت الغيث الروحاني، فالسنة الإلهية جارية على هذا المنوال ولا غرابة فيها. فالوحي استمر منذ آدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك وعد الله سبحانه وتعالى أنه سيبعث المجددين لتجديد الدين. فالتجديد يعني غسل الثوب الوسخ جدًّا حتى تنفصل عنه كلُّ الأوساخ نهائيا، ويصبح كالجديد. ومثل ذلك في الدين حين تتسرب الأوساخ والأدران إلى العقائد والأعمال بعد مرور الزمن، ويبقى أساس الإيمان على القصص والأساطير السابقة فقط، ولا يبقى شيء سوى القصص، فإن الله سبحانه وتعالى قد وعد في مثل هذه الحالة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيبعث على رأس كل مائة سنة دوما من يجددون الدين، أما القرن الرابع عشر فقد مضى منه 26 عاما ناهيك عن رأس القرن، فقد جاء المبعوث في تمام الموعد بحسب وعْد النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء لا يزالون يشكّون فيه.

دحض بعض التهم

هم يتهمونني باطلا وزورا أني -والعياذ بالله- أشتم وأسب الرسل. لكنني أقول: خبيث جدًّا ولعين من ينكر عباد الله الصالحين، أو يسيء إليهم بقوله أو فعله بأي شكل من الأشكال.
ومن التهم التي ألصقت بي أني أنكر المعجزات مع أني أؤمن بأن الإيمان الحي لا يتحقق إلا بالمعجزات، ( فالدين الذي ليست فيه معجزات حية يستحيل أن يبقى حيا). أما عقل الإنسان فإلى أي مدى يمكن أن يسعفه، وإلى أي درجة يمكن أن يرتقي بمساعدته؟ فالله الحي موجود، فكما أنجز أعمالا في السابق من الضروري أن ينجزها الآن أيضًا؛ فلأي سبب يصدر الإيمان بالمعجزات والخوارق السابقة ويُذكر الماضي فقط، فهل قد شاخ الله سبحانه وتعالى الآن؟ أو فقد قوة النطق، أو قد انقطعت سلسلة قوته ونصرته وقدرته؟
الفلاسفة المعاصرون لا يقبلون هذه الأمور، لكنني جربتها شخصيا، فالآيات تظهر الآن كما كانت تظهر في الماضي، وهو سبحانه وتعالى لا يزال يؤيد عباده الخواص وينصرهم، ويلهمهم ويوحي إليهم كالسابق، فلو سلمنا بحسب اعتقادكم، أنه لم تبق سلسلة للوحي والإلهام وأنه قد مات، فما الذي يرجى من الميت، فهل يقدر الميت على إحياء ميت، وهل يمكن أن يهدي الأعمى أعمى آخر؟
أقول صدقا وحقا إن الله سبحانه وتعالى ما زال حيًّا كما كان حيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. لقد كان الله سبحانه وتعالى قد وعدنا بإيصالنا إلى مقام معين، فهل سوف يتركنا في الطريق؟ أقدم مثلا أنه إذا وعد شخص أحد العميان أنه سيوصله إلى مدينة مدراس أو كلكوتا، ثم تركه وسط الطريق، حيث لا يستطيع الأعمى التحرك إلى الأمام ولا إلى الخلف، فهل ذاك من الإنصاف في شيء؟ أفليس ظلمًا؟ لا نستطيع أن نتهم الله بأنه كان قد وعد ببعث الخلفاء والمجددين إلى القيامة لكنه انقطع عن ذلك بعد مدة معينة. تدبروا آية الاستخلاف في سورة النور، فقد بُعثت أنا الآخر بحسب ذلك الوعد، ولذلك أُسَّمى موعودا. فلم يأت المسيح نفسه على شاكلة التناسخ، كلا بل كان الله سبحانه وتعالى أعلمَ بأن الأمة ستفسد في الزمن الأخير، وأن المسلمين في زمن المسيح المحمدي سيشبهون اليهود في زمن المسيح الناصري في الفساد والضلال، وإلى ذلك حصرا تشير الآية ” غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّيَن” ، فاسألوا المسلمين أنفسهم ماذا ورد عن المسلمين وعلمائهم في الزمن الأخير، إنما ورد في الحديث أنهم سيقرأون القرآن الكريم ولن يجاوز حناجرهم، وإنما الإيمان سيكون على ألسنتهم فقط. فالواضح أن الذي سيأتي في هذا الحال لإصلاحهم، سيكون بحسب الحال، وسيسمى المسيحَ نظرا للحاجة إليه وعمله. أليس واضحا أن الدين قد مات، فالظاهر أنه حين يموت صديق عزيز لأحد- أو حتى لو مات له كلب أليف أو قطة- فهو يحزن ويأسف؛ فما السبب أن الدين يموت ولا أحد يحزن، ولا يلاحظ أي مأتم في قلب أحد؟

دعوى المسيح الموعود

إنما دعواي أن الله سبحانه وتعالى قد بعثني بسبب المفاسد المنتشرة في العصر الراهن، ولا يسعني إخفاء تشريفي بالمكالمة والمخاطبة، وأن الله يكلمني بكثرة، وهذا ما يسمى النبوة. لكنها ليست نبوة حقيقية، فالنبأ كلمة عربية تعني الخبر، فالذي يتلقى الخبر من الله وينقله إلى العالم، يقال له نبي في اللغة العربية. أنا لا أعلن أي دعوى منفصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما النزاع لفظي، فكثرة المكالمة والمخاطبة هي النبوة بتعبير آخر. لاحظوا كيف يوضِّح ذلك قولُ السيدة عائشة رضي الله عنها، “قولوا إنه خاتم النبيين، ولا تقولوا لا نبي بعده.” إذا كانت النبوة في الإسلام قد انقطعت فاعلموا أن الإسلام هو الآخر قد مات، ولم تبق له علامة مميزة. فالبستان الذي تخلَّى عنه بستانيه والمشرف عليه ونسيه ولم يعد يهتم بسقيه، فالنتيجة بديهية، أن ذلك البستان سوف يجف خلال بضعة أعوام، ولن يثمر، وأخيرا تُقطع أشجاره وتستخدم كالحطب.
النزاع بيننا وبينهم في الحقيقة لفظي فقط، فهم أيضًا يقرون باستمرار المكالمة والمخاطبة، كما قال بذلك أيضا المجدد المحترم ( أحمد السرهندي).
فقد كتب أن أولياء الله الذين يتلقون المكالمة والمخاطبة بكثرة يسمَّون محدَّثين وأنبياء. (إن حضرة المجدد السرهندي أيضًا يؤمن بهذه المكالمة، إنني أسأل أنه إذا كان أحد يتنبأ بتلقي الخبر من الله فبم تسمونه غير النبوة؟).
إنني أسأل أن أحدًا من الناس إذا تلقي الخبر من الله وأخبر به الناس فبم تسمونه في اللغة العربية سوى النبي؟ فالغريب أنه إذا استُخدم المدلول نفسه بالأردية أو البنجابية فيؤمنون، أما إذا قُدِّم بالعربية فيكرهون وينفرون منه، أفليس ذلك من التعصب والعناد؟
الآن بقي أمر وحيد أرى من الضروري بيانه وهو أن هؤلاء ربما خدعوا في هذا الأمر هذه الفئة المتحضرة والمثقفة أيضا، وحاولوا أن يجعلوهم مسيئي الظن بنا، لذا فإنني أرى من المناسب أن أكشف عليكم أن الله قد بعثني مع الآيات الحية والتأييد والنصر لتجديد الدين. اعلموا يقينا أنه لو لم يكن الله قد بعثني لكان هذا الدين أيضًا محصورا في القصص كالأديان الأخرى، فالذي يأتي من الله لا يباد، فالله سبحانه وتعالى يُظهر ازدهاره للعالم في نهاية المطاف.
لقد وظَّف هؤلاء الكذبَ والتهمة والافتراء وأنواع الحيل للإساءة إلي، وبذلوا قصارى جهودهم الجهيدة لإيقاف تقدمنا وجعْل الناس يسيئون الظن بنا، ومع ذلك كله قد جعل الله سبحانه وتعالى جماعتي تتقدم وهذا الرقي مستمر، حتى إن عدد أبناء جماعتي في البلاد المختلفة تجاوز أربعمائة ألف إنسان. فالحق أن الناس المتفهمين حين يدركون أن هذا هو الطريق للغلبة على العدو، فهم بصدق القلب يثبتون عليه.
أخبروني الآن، أن الذين يؤمنون بأن عيسى عليه السلام لم يمت بل ما زال حيا، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد توفي ودُفن في المدينة، ألا يشكل اعتقادهم هذا هجمة شنيعة على شرف النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم يقولون إن النبي الإسرائيلي نفسه سيبعث من جديد إلى العالم لتجديد دين أمة النبي صلى الله عليه وسلم وإصلاحها. فقولوا الآن حين جاء نبي إسرائيلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بقي النبي صلى الله عليه وسلم خاتَ النبيين؟ كلا بل بهذا الاعتقاد سيكون عيسى عليه السلام هو خاتم النبيين وليس النبي صلى الله عليه وسلم. حاشا وكلا! وكان عيسى نبَّي الله مباشرة، فهل سوف تُنسخ شريعتُه ونبوته السابقة؟ فما دمنا قد وُعدنا في سورة النور بكلمات صريحة، أن الذي سيأتي فإنما سيأتي منكم حصرا، ويستحيل أن يأتي أحد من غير هذه الأمة، وقد ورد في البخاري أيضًا، الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله، “إمامكم منكم”. فما دامت وفاته ثابتة من القرآن الكريم والحديث فلماذا يتمسك المسلمون باعتقاد ينافي القرآن الكريم تماما وكلامَ النبي صلى الله عليه وسلم. فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ليلة المعراج ضمن الأنبياء الموتى، فلو كان حيا لوجب أن يكون له مكان آخر، لا أن يكون ضمن الموتى، فما علاقة الحي بالأموات؟
باختصار قد أثبت الله سبحانه وتعالى بقوله والنبي صلى الله عليه وسلم بفعله أنه قد توفي، ” فَمَاذَا بعَدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ” (يونس:33). فإن لم يقبلوا القرآن الكريم وقولَ النبي صلى الله عليه وسلم، رغم كونهم مسلمين، فهذا شأنهم فلينكروه. هم لا يكذِّبونني بل يكذبون من أتيت من عنده ويكذِّبون الذي أنا خادمُه. فمن أنا وما تكذيبي؟ إنهم في الحقيقة يكذبون النبَّي صلى الله عليه وسلم. فالأمر موحد، إذ في القرآن الكريم نص موجود بمجيء الخليفة، وفي الأحاديث سمي الخليفة القادم عند قرب القيامة مسيحا، فما هو الاختلاف بينهما؟
فاتهاماتهم الأخرى أيضًا من هذا القبيل، فهي ناجمة عن التعصب والعناد فقط ولا حقيقة لها. فقد سجلنا الرد عليها كلِّها في كتبنا بالتفصيل، فمن معتقدات هؤلاء ما يرتجف به قلب المسلم الصادق. فمنها أن لا أحد معصوم من مس الشيطان سوى عيسى عليه السلام. فكم مخجل ومؤسف هذا المعتقد بأن نبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الرسل، وسيد الأطهار لم يكن معصوما من مس الشيطان بحد زعمهم، -والعياذ بالله- وأن عيسى عليه السلام هو المعصوم. فالله أعلم ما الذي أصابهم مع كونهم مسلمين.
انظروا! هذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم. المسلمون أنفسهم يؤيدون أقوال الآريين والمسيحيين، فإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم الأحب إلينا الذي نفتخر باتباعه وهو شرف لنا وسبب النجاة لنا قد مات، فماذا نفعل بعيسى عليه السلام؟
إنني أُكفَّر وأسمى دجالا وخارجا عن الإسلام بناء على هذه الأمور، ويقال إن الذي سلَّم علي وصافحني وقابلني فهو الآخر يصبح كافرا، فكفري في رأيهم مُعدي، وجماعتي كلُّها جماعة الكفار. فكم من المؤسف أن الذي قد عقد العزم كل حين وآن على الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وإثبات حياته وخدمة دينه وتجديده؛ تلصق به أشنع الشتائم ويُذكر بأقذر الأسماء. عندي صناديق مليئة برسائلهم المحتوية على الشتائم، وأحيانا أستلم الرسائل بدون طوابع وأدفع الرسوم عليها وحين أفتحها وأقرأها لا أجد فيها غير الشتائم القذرة من أولها إلى آخرها. فهم يطلقون كالأسافل أشنع التهم والشتائم الفاحشة لدرجة يستحيي الإنسان من قراءتها، رغم أنهم يُدعَون مشايخ، ومع ذلك يقولون إن الإسلام ليس بحاجة إلى أي أحد، لأن القرآن الكريم موجود والمشايخ موجودون. فهم لا يعرفون أن هؤلاء المشايخ الذين يُعدّون رعاة هذه الشياه، ذئاب! والقطيع الذي لا راعي له كم يُخشى عليه الخطر. إن الإسلام يواجه الهجمات والضربات من الداخل والخارج، فكانت الحاجة إلى إنسان يسوي الطريق بإزالة الشبهات والصعوبات وحلِّ المسائل المعقدة، ويعرض على الشعوب الأخرى النورَ الحقيقي والضوء الصادق للإسلام. انظروا!كان المسيحيون في زمن ما
يزعمون أنه لم تصدر من النبي صلى الله عليه وسلم أي معجزة أو نبوءة، والآن لا يواجهني أحد منهم، مع أنني أدعوهم.
هذا ما أراده الله حصرا، فقد رعى دينه واعتنى به في الموعد. “إِنَّا نَْحنُ نَزَّلْنَا الذّكِْرَ وَإِنَّا لَهُ لََحافِظُونَ” (الحجر:9)، لقد أقام الله الإسلام في العالم ونشر تعليم القرآن الكريم وتولى حفظه وتعهد بذلك بنفسه. معلوم أن الإنسان يسقي الشجرة التي غرسها بانتظام حتى لا تذبل، فهل الله أقل شأنا من الإنسان ومقصر حتى لا يبالي بغراسه؟ تذكروا أن الطرق التي أحرز بها الإسلام التقدم سابقا سيتقدم بسلوك الطرق نفسها الآن أيضا. إن المنطق العقيم آفة، يختل به إيمان الإنسان البسيط. وإن الفلسفات المادية مختلفة تماما عن الفلسفات الروحانية.
أيها السادة، هذه هي الأمور التي بُعثت لإصلاحها، وأعلم أن من هذا المجلس سينهض أناس لم يحدث فيهم أي تغير، أو لم يؤثر كلامي هذا ذرة في أفكارهم، لكن تذكروا أن الذي يواجهني فإنما يواجه من بعثني. معلوم أن الموظف الحكومي البسيط جدًّا إذا أهين ولم تنفَّذ الرسالة التي ينقلها، فإن الحكومة تعاقب المسيء أو الممتنع عن الاستجابة وتستجوبه؛ فكيف تبقى الإساءة إلى المرسل من الله وعدمُ المبالاة بقوله دون جزاء؟ إنني أؤكد لكم أن جماعتي إذا لم تكن من الله فسوف تفسد وتخيب سواء عارضها أحد أم لا. لأن الله سبحانه وتعالى هو نفسه قد قال “قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى” (طه:61)، وقال ” وَمَنْ أَظْلَمُ مَِّمنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا” (الَأنعام:21). فالذي يختلق من عنده شيئا ليلا ويقصه على الناس نهارا ويقول لهم إن الله قال لي كذا، أنى له أن يزدهر ويثمر. لقد قال الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم “وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الَْأقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِيِن* ثَُّم لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِيَن” (الحاقة:44-46) فإذا كان قد صدر هذا الكلام بحق الإنسان العظيم، فالإنسان العادي الذي هو أدنى درجة كانت تكفيه سكيٌن صغيرة فقط، ولكان الحكم قد صدر ضده منذ زمن.

(المصدر : جريدة الحَكَم؛  بتاريخ 1908/7/14 م)

ملاحظات : 

1- مصدر هذه المقالة هو جريدة الحكم بتاريخ 14-7-1908م  وما بين القوسين ( ) في هذه المقالة هو زيادات وردت في جريدة بدر بتاريخ 25-6-1908م

2- إن جريدة بدر نشرت هذه الخطبة بعنوان “البلاغ المبين” في 1908/6/25 وقبل الخطاب كتب محرر جريدة بدر الملحوظة التالية:
“لن أنسى طول الحياة المشهدَ الخلاب في يوم 1908/5/17، حيث كان المسيح المعطر بيد الله سبحانه وتعالى يلقي خطابا في الزعماء الكرام وعلية القوم من لاهور في الساعة الحادية عشرة. كان الخطاب بحر المعرفة الهائج وغيمة العرفان ينزل عليهم كغيث الرحمة، كان رسالة أخيرة أوصلها عز الخلافة من ربه القادر والقوي مالك الملكوت وسلطان الجبروت في دار الخلافة. في الساعة الثانية عشرة سأل حضرته عليه السلام الحضورَ: موعد الطعام يكاد ينقضي، وإذا أردتم يمكن أن أنهي الخطاب. لكن الجميع قالوا نحن نتناول هذا الطعام المادي كل يوم، نحن بحاجة إلى الغذاء الروحاني، فواصل الخطاب حتى الساعة الواحدة. جزى الله الخواجة كمال الدين محامي المحكمة العليا على مساعيه الجميلة، حيث هيأ هذه المناسبة لأصدقائه للتبرك من صحبة حضرته عليه السلام والاستماع إلى كلماته الطيبة في صورة الدعوة.

هذا الموقع هو موقع علمي لا يتبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمىى الطائفة القاديانية ولا يتبع أي فرقه من الفرق المنتسبه للإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025. All Rights Reserved.

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025.

All Rights Reserved.

E-mail
Password
Confirm Password