قال محرر جريدة الحَكَم : بتاريخ 31 أغسطس 1901م جاء إلى قاديان بابو غلام مصطفى رئيس البلدية في مدينة وزير آباد، فألقى الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني الكلمة التالية تبليغا للدعوة
لا تعارضوا كلاما جديدا فور سماعه
قال الإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد قادياني :
الحق أنه ما لم يفكر الإنسان بالحيادية ولم ينتبه إلى كافة الجوانب ولم يسمع بإصغاء لا يمكنه أن يترك الأفكار القديمة، لذا عليه ألا يستعد لمعارضة كل كلام جديد فور سماعه، بل عليه أن يفكر أولا جيدا في كل الجوانب ويتأمل فيها في العزلة بالعدل والأمانة وفوق كل ذلك بخشية الله. ما أريد قوله الآن ليس أمرا بسيطا ولا يليق بأن يمرّ به المرء مرور الكرام بل هو أمر عظيم، وليس من صُنعي أنا بل هو كلام الله لذا فإن الذي يتشجع ويتجاسر على تكذيبه لا يكذبني بل يكذّب آيات الله ويتجاسر على تكذيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فلا أحزن على تكذيبه بل أشفق عليه حتما لأنه يثير غضب الله بحمقه.
ظهور مجدد على رأس كل قرن
كل واحد من المسلمين يعرف، وقد لا يجهل أحد أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال بأن الله يرسل على رأس كل قرن مجددا يجدد من الدين جزءا حلّت به آفة. وهذه السلسلة لإرسال المجددين تطابق وعد الله تعالى الذي قطعه في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 10) فبحسب هذا الوعد وبحسب نبوءة النبي – صلى الله عليه وسلم – التي أدلى بها نتيجة وحي من الله كان ضروريا أن يُبعث على رأس هذا القرن أيضا الذي مضى منه 19 عام مجدداً لإصلاح الدين وتجديد الملة. وقبل أن يعلن المبعوث الإلهي ذلك حائزا على الإلهام والوحي الإلهي كان ضروريا للطبائع السعيدة والمهيأة أن تبحث عند حلول رأس القرن عن رجل سماوي بكل اضطراب وحرقة وأن تصغي بكل شدة لسماع صوت الذي يزِفّ إليهم بشارة بأنه جاء بحسب وعد الله تعالى.
مجدد القرن الربع عشر
صحيح تماما أن أنظار أكابر الأمة كانت مركّزة على القرن الرابع عشر وكانت الكشوف والرؤى كلها تشير إلى أن الموعود القادم على رأس هذا القرن سيكون عظيم الشأن وقد سمِّي في الأحاديث مسيحا موعودا ومهديا. ولكني أقول بأنه عندما جاء هذا الوقت وجاء الذي كان مجيئه مقدرا سمعت صوته قلة قليلة من الناس. باختصار، ليس غريبا ولا جديدا أن يأتي على رأس كل قرن مجدد. فكان ضروريا بحسب هذا الوعد أن يأتي مجدد على رأس هذا القرن أيضا الذي مضى منه 19 عاما. ويجب الإمعان من ناحية ثانية أيضا، هل كان الإسلام في هذا العصر عرضة لآفات ومصائب اقتضت مجيء مبعوث من الله؟ فعندما نتأمل في هذا الموضوع يتبين لنا بكل وضوح أنه قد حلّت بالإسلام في العصر الراهن مصائب من نوعين: داخلية وخارجية.
حالة الإسلام الداخلية
لقد آلت حالة الإسلام الداخلية إلى أنه قد حلّت البدعات الكثيرة والشرك محل التوحيد الخالص، وناب بعض التقاليد مناب الأعمال الصالحة، وبلغت عبادة القبور درجة حتى صارت شريعة مستقلة بحد ذاتها. إنني أستغرب دائما إذ يقول الناس لي بأنني ادّعيتُ النبوة مع أنهم لم يفقهوا ما أقول، ولا يفكّرون بأنفسهم بأن الذين اختلقوا شريعة جديدة هم الذين ادّعوا النبوة. فليُخبِرني أحد هل أوجدتُ أنا الأورادَ والمجاهدات التي يُعلِّمها أصحاب الزوايا لمريديهم، أم أعمل بشريعة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسنته وأرى زيادة نقطة أو حرف واحد عليها كفرا؟
لقد تطرقت آلاف أنواع البدعات إلى كل فرقة وحزب، وتلاشت وانعدمت اليوم التقوى والطهارة التي كانت هي غاية الإسلام الحقيقية والتي من أجلها تحمَّل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخطر المصائب التي لا يمكن لقلب احتمالها سوى قلب نبي. افحصوا في السجون مَن هم أكثر عددا فيها. لقد كثر الزنا والخمر وإتلاف الحقوق وغيرها من الجرائم لدرجة قد ظُنّ وكأنما الله ليس موجودا أصلا. لو بحثنا بالتفصيل المفاسد والمثالب السائدة في طبقات القوم المختلفة لصار كتاب ضخمٌ. كل عاقل متدبر يستطيع أن يصل إلى نتيجة صحيحة ويقينية بالتأمل في حالة مختلف الناس في القوم أن التقوى التي كانت غاية القرآن الكريم المتوخاة وهى المدعاة الحقيقية للإكرام ووسيلة النبل والنباهة ليست موجودة اليوم. لقد ضعفت وفسدت الحالة العملية بشدة بينما كان ضروريا أن تكون حسنة لأنها كانت الفارقة بين المسلمين وغيرهم.
الآفات الخارجية، معارضة الإسلام من قِبل المسيحية
ثم انظروا إلى الجزء الخارجي ترون أن كل دين من الأديان الموجودة يريد أن يقضي على الإسلام، وخاصة المسيحية التي تعاديه بشدة متناهية. إن مساعي المبلغين المسيحيين والقسس مركَّزة على أمر وحيد ألا وهو القضاء على الإسلام بأية وسيلة ممكنة وبقدر ما كان ممكنا، وأن يمحوا التوحيد الذي أقامه الإسلام وقد ضحّى من أجله أرواحا كثيرة وليُقنعوا العالم بألوهية يسوع ويجعلونهم يوقنون بكفارته التي تؤدي إلى حياة التحرر والإباحية، وبذلك يقضون على الهدف المقدس أي التقوى والنزاهة وطهارة العمل التي هي غاية الإسلام. لقد اختار القساوسة شتى الطرق لإحقاق أهدافهم هذه. وأقول بأسف شديد أنهم جعلوا أكثر من مئة ألف مسلم يرتدون عن دينهم، وجعلوا كثيرين آخرين شبه مرتدين. وهناك عدد هائل من ذوي طبائع ملحدة وهم متأثرون بالمسيحية في أسلوب معيشتهم وسلوكهم. هناك فئة من الشباب وغيرهم الذين وُلدوا في بيوت المسلمين وتربّوا في الكليات ولكنهم يقدّرون الفلسفة والعلوم الطبيعية بدلا من كلام الله ويقدمونها عليه ويرونها ضرورية. كان الإسلام بحسب زعمهم ملائما لصحاري العرب فحسب. عندما أسمع هذا الكلام وأرى هذه الظروف وأسمع عنها -لا أقول عن الآخرين- يُصدم قلبي بشدة بأن الإسلام الآن عرضة لهذه المصائب. وقد آلت حالة أولاد المسلمين إلى أنهم يرون أن الإسلام ينافي طبائعهم أصلا.
النوع الثالث من الناس هم الذين لم يخرجوا من حدود الله، ولا يحلّون الحرام ولكن يحبون موضات اللباس وقد وضعوا إحدى قدميهم في النصرانية. يُفهم من ذلك بكل صراحة أن تلك هي البدعات والتقاليد الشركية الداخلية وهذه هي الآفات الخارجية، ولا سيما الضرر الذي ألحقه الدين الصليبي. كان الإسلام دينا إذا ارتد منه شخص واحد قامت القيامة أما الآن فقد آلت الحالة إلى أن المرتدين لا يكادون يُحصَون.
ضرورة تجلٍّ خاص من الله
ليتأمل العاقل في هذه الأمور كلها معا ويفكر لوجه الله أليست هناك حاجة لتجلي الله الخاص؟ ألم يأنِ أن يتحقَّق وعد الحماية الإلهية: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9)؟ فإن لم تكن هناك حاجة الآن إلى نصرته وتجليه – عز وجل – فليخبرني أحد متى سيأتي ذلك الوقت؟ فكّروا وتدبروا أن الأحداث تُثبت من ناحية أن هذه الضرورات قد أطلّت برأسها ليتجلّى الله تعالى بتجليه الخاص وينصر دينه بالحقائق العملية والتأييدات السماوية، ومن ناحية أخرى صدّق القرن على أنه لا بد أن يأتي مجدد بحسب وعد الله تعالى على لسان حبيبه أفضل الرسل وخاتم الأنبياء – صلى الله عليه وسلم – بأنه سيُبعث مبعوث على رأس كل قرن لتجديد الدين. لقد مضت من القرن 19 عاما ولكن لم يُبعث أحد على الرغم من نشوء كل هذه الضرورات. ففكّروا لوجه الله بالله عليكم ماذا يبقى من الإسلام في هذه الحالة؟ ألا يثبت ذلك إخلاف وعد: “إنا له لحافظون”؟ ألا تبطل نبوءة النبي – صلى الله عليه وسلم – عن بعثة المجددين؟ ألا يثبت أن مصائب كذا وكذا حلّت بالإسلام ومع ذلك ما هاجت غيرة الله؟
جاء الإمام المهدي والمسيح الموعود بحسب النبوءة والبشارات
اتركوا ادعائي جانبا وأجيبوا على الأمور المذكورة بالتأمل والتدبر. لو كذّبتموني لاضطرتم لترك الإسلام، ولكني أقول صدقا وحقا أن الله حمى دينه بحسب الوعود القرآنية وتحققت نبوءة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأن الله تعالى بعثني بحسب وعده وبشارة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تماما وثبت أن: صدق الله ورسوله. ومن كذّبه فهو ظالم. (المصدر: جريدة الحَكَم : بتاريخ 10-1-1903م)
الله الذي بعثني
أدّعي أنني أُرسلت في هذا القرن لتجديد الدين، وأقول بكل قوة بأن الله تعالى بعثني وقد مضى على ذلك أكثر من 22 عاما. وإن تأييدي إلى هذه المدة الطويلة حجة الله عليكم لأني ادعيتُ بناء على القرآن والحديث أني مجدد وأُرسلت لإصلاح الفسادات. والذين سيكذّبونني الآن لن يكذبوني بل سيكذّبون الله ورسوله. لا يحق لهم تكذيبي ما لم يقدموا مصلحا آخر لأن الزمن والوقت يوحي بأنه لا بد أن يأتي مصلح لأن المفاسد نشأت في كل مكان، ويقول القرآن أن مجددا يأتي لحفاظة القرآن الكريم عند حلول الآفات من هذا القبيل، ويقول الحديث أن مجددا يُبعث على رأس كل قرن. إذًا، الحاجات موجودة وأضف إلى ذلك وعود حماية الدين وتجديده. فهناك سبيلان اثنان فقط لتكذيب القادم بحسب هذه الوعود والحاجات، إما أن يقدَّم مصلح أو تُكذَّب تلك الوعود.
ضرروة حماية الدين
هناك أناس يقولون بأنه لا حاجة للحماية لكنهم مخطئون جدا. إن الذي يزرع حديقة أفلا يجب عليه أو أفلا يريد أن يسعى بكل ما في وسعه لحمايتها وإنقاذها من الأعداء؟ تعرفون كيف يوضع السياج حول الحديقة لحمايتها وكيف تُصنع مواد مختلفة كل يوم لصيانة البنايات من الحريق، وتُركَّب الأسلاك لحمايتها من البرق. فكل هذه الأمور تدل على نزعة طبيعية في الناس للحماية. أفلا يجوز لله أن يحفظ دينه؟ لا شك أنه يحفظه وقد حفظه عند كل بلاء. والآن أيضا عندما ظهرت الحاجة للعيان أرسلني الله للغرض نفسه. صحيح أنه كان من الممكن أن يكون أمر الحفظ مشكوكا فيه أو لكان إنكاره ممكنا إذا لم تؤيده الظروف والحاجات. ولكن قد نُشرت بلايين الكتب ضد الإسلام، أما النشرات والمجلات الصغيرة التي ينشرها القساوسة كل يوم وكل أسبوع وكل شهر فلا تُعدّ ولا تحصى. فلو جُمعت كل هذه الشتائم التي نشرها المتنصرون في بلادنا ضد سيد المعصومين – صلى الله عليه وسلم – وأزواجه المطهرات لامتلأت بتلك الكتب غرفٌ كثيرة، وإذا وُضعت في طابور مع بعض لطال الطابور إلى عدة أميال. الكتابات التي نشرها المدعو “عماد الدين” و”صفدر علي” و”شائق” وغيرهم لا تخفى على أحد. لقد اعترف بعض العادلين من المسيحيين أيضا بخطورة كتب عماد الدين. فكانت هناك جريدة تصدر في مدينة لكهناؤ باسم “شمس الأخبار” نُشر فيها رأي حول بعض كتبه أنه إذا تفجرت في الهند مفسدة مرة أخرى سيكون سببها كتاباته. ويقول هؤلاء الناس: أيّ ضرر أصاب الإسلام؟ لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام إلا الذين إما ليست لهم أدنى علاقة بالإسلام أو مواساة تجاهه أو الذين نشأوا في ظلمة الحجرات ولا يعلمون عن العالم الخارجي شيئا. فإذا كان مثل هؤلاء الناس موجودين فلا نبالي بهم. أما الذين يملكون نور القلب ويحبون الإسلام ولهم علاقة معه ويعرفون أحوال الزمان فهم مضطرون للاعتراف بأن الوقت وقت مصلح عظيم الشأن.
شهادات على كوني مبعوثا من الله
باختصار، هناك شهادات كثيرة على أنني مبعوث من الله. أولا: الشهادة الداخلية، وثانيا: الشهادة الخارجية، وثالثا: حديث صحيح عن بعثة مجدد على رأس القرن. رابعا: وعدٌ بـ {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9)
والآن أقدم الشهادة الخامسة والقوية وهي وعد الاستخلاف في سورة النور. يقول الله تعالى فيها: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (النور:55) الخلفاء الذين سيكونون في الأمة المحمدية بحسب هذه الآية سيكونون مثل الخلفاء السابقين. كذلك عُدّ النبي – صلى الله عليه وسلم – في القرآن الكريم مثيلا لموسى – عليه السلام – كما قال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} (المزمل: 15). فهو – صلى الله عليه وسلم – مثيل لموسى بحسب نبوءة وردت في الكتاب المقدس، سِفر التثنية أيضا. كما ورد حرف “كما” لبيان هذه المماثلة كذلك جاء “كما” في سورة النور أيضا. فتبين من ذلك أن هناك مشابهة ومماثلة تامة بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية. وقد انتهت سلسلة الخلفاء في أمة موسى على عيسى – عليه السلام – إذ قد جاء في القرن الرابع عشر بعد موسى – عليه السلام -. فمن الضروري لتحقيق هذه المماثلة على الأقل أن يُبعث في القرن الرابع عشر خليفة بالقوة والصفات نفسها ويكون مثيلا للمسيح ويأتي بصفاته وعلى شاكلته. فلو لم يُظهر الله تعالى شهادات أخرى على هذا الأمر لكان من مقتضى هذه المماثلة بالطبع أن يُبعث في أمته – صلى الله عليه وسلم – بروزُ عيسى في القرن الرابع عشر وإلا سيثبت ضعفٌ ونقص في مماثلته، والعياذ بالله. ولكن الله تعالى لم يصدّق فقط تلك المماثلة وأيدها بل أثبت أيضا أن مثيل موسى أفضل منه ومن جميع الأنبياء عليهم السلام.
الغرض من بعثة المسيح الموعود
كما لم يأت المسيح الناصري – عليه السلام – بشريعة خاصة به بل جاء ليتمم التوراة، كذلك لم يأت المسيح في الأمة المحمدية أيضا بشريعة خاصة به بل جاء لإحياء القرآن الكريم وللإكمال الذي هو إكمال نشر الهداية.
ليكن معلوما عن نشر الهداية أن إتمام النعمة وإكمال الدين على النبي – صلى الله عليه وسلم – كان من وجهين: أولا، إكمال الهداية، وثانيا: إكمال نشر الهداية. فقد أُكملت الهداية من كل الوجوه ببعثته – صلى الله عليه وسلم – الأولى، وأُكمل نشر الهداية ببعثته الثانية لأن الآية: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} في سورة الجمعة تُرشد بإعداد قوم آخرين ببركته – صلى الله عليه وسلم – وتعليمه. فيتبين منها بصراحة أن للنبي – صلى الله عليه وسلم – بعثة أخرى أي بصورة البروز وهي البعثة الحالية. فهذا العصر هو عصر إكمال نشر الهداية. لذلك قد اكتملت كافة وسائل النشر وأسبابه. إن كثرة المطابع وظهور أمور جديدة كل يوم وإجراء مكاتب البريد ونظام البرقية، والقطار والطائرات ونشر الجرائد قد جعلت العالَم كله في حكم مدينة واحدة. إذًا، كل هذه الترقيات الحاصلة إنما هي ترقيات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحقيقة لأن الجزء الثاني لهدايته الكاملة أي إكمال نشر الهداية في طور التحقق. وهذا يطابق قول المسيح الناصري – عليه السلام -: لقد جئت لأتمم الناموس. وأقول بأن من مهماتي أيضا أن أكمل نشر الهداية. إذًا، هذه مماثلتي مع عيسى – عليه السلام -.
المماثلة بين المسيح الموسوي والمسيح المحمدي
إضافة إلى ذلك إن الآفات التي نشأت في زمن عيسى – عليه السلام – توجد مثلها الآن أيضا. كانت حالة اليهود الداخلية متدهورة، ويشهد التاريخ على أنهم كانوا قد نبذوا أحكام التوراة وراء ظهورهم وبدلا منها كانوا يركّزون على التلمود ومرويات الصلحاء. وهذا ما آلت إليه حالة المسلمين أيضا الآن إذ أهملوا كتاب الله ويركّزون على المرويات والقصص بدلا منه. إضافة إلى ذلك هناك مماثلة من حيث السلطنة أيضا. في ذلك العصر كانت السلطنة الرومية مستتبّة، أما الآن فهناك سلطنة إنجليزية وعدلها وإنصافها معروفان بوجه عام. لقد قلتُ من قبل أيضا بأن المسيح جاء في القرن الرابع عشر والآن أيضا نحن في القرن الرابع عشر.إضافة إلى كل ذلك هناك سرٌّ آخر يُكمل المماثلة وهو أن المسيح الناصري – عليه السلام – كان يركّز على التعليم الأخلاقي وجاء لإصلاح فكرة حروب موسى ولم يرفع السيف بنفسه، كذلك قدِّر للمسيح الموعود أيضا أن يقيم محاسن الإسلام بواسطة صدق التعليم العمليّ، ويرفع اعتراضا يوجَّه إلى الإسلام أنه نُشر بقوة السيف. هذا الاعتراض سيُرفع كليا في زمن المسيح الموعود لأنه سيُظهر صدق الإسلام في العالم بواسطة بركاته وفيوضه الحية، وبذلك سيَثبت أن الإسلام كما هو مؤثر ومفيد في عصر التقدم الحالي من حيث تعليمه الطاهر فقط وبركاته وثمراته كذلك وُجد مفيدا ومؤثرا دائما وفي كل عصر لأنه دين حيٌّ. لذا عندما أنبأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن المسيح الموعود القادم قال أيضا: “يضع الحرب” أي سيلغي الحروب. اِجمعوا الآن هذه الشهادات كلها وأخبروني أليست هناك حاجة أن ينزل الآن رجل سماوي؟ عندما اعتُرف بأن مجيء المجدد على رأس كل قرن ضروري فلا بد أن يأتي مجدد في هذا القرن. فما دام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثيل موسى كان ضروريا من منطلق هذه المماثلة أن يكون مجدد هذا القرن هو المسيح الموعود لأن المسيح الناصري جاء في القرن الرابع عشر بعد موسى، وها نحن في القرن الرابع عشر أيضا.
علاقة العدد “الرابع عشر” بالتعبير الروحاني
للعدد “الرابع عشر” علاقة قوية إذ إن القمر في الليلة الرابعة عشر يكون كاملا. وإلى ذلك أشار الله تعالى في الآية: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} (آل عمران: 123) أي قد تجلّى بدرٌ حين انتصر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أعدائه وكانت جماعته عندئذ قليلة العدد، وهناك بدرٌ آخر الآن. وفي كلمة “بدر” إشارة إلى القرن الرابع عشر، ويواجه الإسلام الآن أيضا حالة “أذلة”. فقد بعثني الله تعالى بحسب تلك الوعود كلها.
علامة الموعود المقبل
لقد ورد في الأحاديث أيضا أن الدنيا في زمن الموعود المقبل ستُملأ ظلما وزورا. ليس المراد من الظلم والزور أن الحكومة حينئذ تكون ظالمة، والذين يظنون ذلك مخطئون جدا. لا بد أن تكون الحكومة عادلة في زمن المسيح المقبل وأن يسود الأمن. ونحمد الله تعالى على أنه أعطانا حكومة لا نظير لها في أية حكومة في العصر الراهن من حيث عدلها وحبها الأمنَ. كانت حكومة الروم في زمن المسيح الناصري معروفة بعدلها وإنصافها ولكن حكومتنا أفضل من الحكومة الرومية بكثير وأكثر منها عدلا لدرجة أن القسيس هنري مارتن كلارك رفع ضدي قضية، ومع أن بعضا من قصيري الفكر أظهروا شكوكهم لأن القضية كانت مرفوعة من قِبل قسيس محترم إلا أن الكابتن دوغلاس -ذلك القاضي العادل الذي كان في تلك الأيام نائب المفوض في مدينة غورداسبور- استنبط الحقائق وعلم أن القضية نتيجةُ مكيدة بعض الناس الأسافل. إن كابتن دوغلاس الذي يعمل الآن نائباً للمفوض في دلهي سيُعرف بعدله العديم المثال دائما. وهذا مثل موظف واحد في الحكومة، غير أن هناك آلاف الأمثال بل مئات الآلاف من هذا القبيل. فقد جاء في الأحاديث أن الموعود سيأتي حين يكون العالم مليئا ظلما وزورا. والمراد من ذلك أن الشرك والزور سيكون حينها على أوجه. فانظروا الآن كيف تُعبد الأوثان ويُعبد الصليب ويُعبد الأموات، وقد أُهمل المعبود الصادق والحقيقي.
(المصدر: جريدة الحَكَم: بتاريخ 17-1-1903م)
ضرورة مصلح
الآن يجب على العاقل أن يتدبر في هذه الأمور كلها معا ويتأمل هل ما أقوله جدير بالرفض بإلقاء نظرة عابرة عليه، أو يستحق التأمل والتفكير الرصين؟ هل ادّعيتُ على رأس القرن أم لا؟ لو لم آت لكان من واجب كل عاقل وورع أن يبحث عن القادم لأن رأس القرن قد أتى وأوشكت عشرون عاما على الانتهاء لذا كان الأمر يستحق التأمل أكثر. كان الفساد الحالي يدعو بأعلى صوته أنه يجب أن يأتي شخص للإصلاح. وقد نشرت المسيحية تحررا وحرية لا حدود لهما. ونضطر للقول نظرا إلى تأثيرهما الذي وقع على أولاد المسلمين بأنهم ليسوا أولاد المسلمين أصلا.
كاسر الصليب هو اسم ثانٍ للمسيح الموعود
اتركوا الأمور الأخرى كلها جانبا وفكروا ماذا سيُسمّى الشخص الذي سيأتي لإصلاح هذه الفتنة الصليبية؟ إن هذه الفتنة تسمِّي مصلحَها كاسر الصليب بالطبع. وهذا اسم آخر للمسيح الموعود، وقد بيّن القرآن الكريم والأحاديث هذا الموضوع بأساليب مختلفة وبشّرت بالموعود القادم، ويجب استعياب هذا الأمر جيدا لأن الإنسان عندما يفهم شيئا بصورة ناقصة فكأنه لم يفهم شيئا، أما إذا فهم أمرا بعد التدبر والتأمل الكامل تعذّر على أحد إضلاله. لذا أقول لكم أن تفكروا جيدا لحل هذا السؤال ولا تزعموا الموضوع بسيطا وعاديا بل الأمر يتعلق بالدين، والجنة والنار.
نتيجة تكذيب المسيح الموعود وإنكاره
إن إنكاري لا يقتصر على إنكاري فقط بل هو إنكار الله والرسول – صلى الله عليه وسلم – لأن الذي يكذبني فإنه يحسب الله كاذبا، والعياذ بالله، قبل تكذيبي حين يزعم أن المفاسد الداخلية والخارجية قد تجاوزت الحدود ولكن الله تعالى لم يفعل لإصلاحها شيئا على الرغم من وعده: {إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر: 9)، وحين يؤمن هذا المكذب ظاهريا بأن الله تعالى وعد في آية الاستخلاف أنه سيقيم سلسلة الخلفاء في الأمة المحمدية أيضا مثل الأمة الموسوية ولكنه – عز وجل – لم يحقق وعده، والعياذ بالله، إذ لا يوجد في الأمة خليفة حاليا. وليس ذلك فحسب بل سيضطر للقول أيضا بأن جعْل القرآن الكريم النبي َّ – صلى الله عليه وسلم – مثيل موسى أيضا ليس صحيحا، والعياذ بالله، لأنه كان ضروريا لتحقق المماثلة والمشابهة التامة بين السلسلتين أن يُبعث في هذا القرن الرابع عشر من هذا الأمة مسيحٌ كما بُعث في أمة موسى في القرن الرابع عشر، وكذلك سيضطر لتكذيب آية قرآنية: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} (الجمعة:3) تخبر بظهور بروز أحمدي. كذلك هناك آيات قرآنية كثيرة يستلزم تكذيبها. بل أقول بكل تحدّ بأنه لا بد مِن ترك القرآن كله بدءا من “الحمد” إلى “والناس”. ففكّروا هل تكذيبي أمر هَيْن ولَيْنٌ؟ لا أقول ذلك من تلقاء نفسي بل أقول حلفا بالله حقاً أن الذي يتركني ويكذّبني فإنه يكذّب القرآن كله ويترك الله بعمله وإن لم يفعل ذلك بلسانه.ولقد أشير إلى ذلك في أحد إلهاماتي أيضا وهو: “أنت مني وأنا منك”. لا شك أن تكذيبي يستلزم تكذيب الله، وإن إقرار صدقي يعني تصديق وجود الله وتقوية الإيمان به – عز وجل -. ثم إن تكذيبي لا يقتصر على تكذيبي فقط بل هو تكذيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. فمن يتجاسر على تكذيبي وإنكاري عليه أن يفكر أولا ويستفتيه ليعلم مَن يكذّبه؟ أما تكذيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلأن وعد بعثة مجدد على رأس كل قرن ثبت بطلانه والعياذ بالله. ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: “إمامكم منكم” وكان باطلا أيضا، والعياذ بالله. ثم بشّر بمجيء المسيح عند فتنة الصليب ولكنها أيضا ثبت بطلانها، والعياذ بالله لأن الفتنة ظهرت ولم يأت الإمام المقبل. فعندما يقبل أحد هذه الأمور عمليا هل سيُعَدّ مكذّب النبي – صلى الله عليه وسلم – أم لا؟
أقول بكل وضوح مرة أخرى أن تكذيبي ليس بأمر يسير بل لا بد لمكفّري أن يصبح كافرا بنفسه أولا. لن يلبث أن يزعمني ملحدا وضالا إلا وسيضطر لقبول ضلاله وسواد وجهه أولا. وقبل أن يزعمني تارك القرآن لا بد له أن يترك القرآن والحديث، وفي هذه الحالة هو الذي سيتركهما أما أنا فمصدِّق القرآن والحديث ومصداقهما. لست ضالا بل أنا مهدِيٌّ، لست كافرا بل مصداق حقيقي لـ “أنا أول المؤمنين”. وكشف الله علي أن ما أقوله حق وصدق.
اُطلبوا الحكم من الله تعالى
الذي يوقن بالله تعالى ,يؤمن بالقرآن ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – حقا يكفيه حجة أن يسكت بعد سماعه من لسان، ولكن لا علاج لمن كان متجاسرا ووقحا فسيفهِّمه الله بنفسه. لذا أريد أن تفكّروا في ذلك لوجه الله وتوصوا أصدقاءكم أيضا ألا يتسرّعوا في أمري بل يجب أن يفكروا بحسن النية والحيادية ثم ليدعوا الله في صلواتهم أن يكشف عليهم الحق. وأنا واثق من أنه إذا توجّه الإنسان إلى الله تعالى لإظهار الحق منزِّها نفسه عن العناد والتعنت لن يمضي يوم واحد في التعبد إلا وسينكشف الحق عليه. ولكن قليلا ما هم الذين يطلبون الحكم من الله بهذه الشروط بل يتسببون في سلب إيمانهم نتيجة إنكارهم ولي الله بسب قلة فهمهم أو نتيجة عنادهم وتعنتهم لأنه إن لم يبق إيمانهم بولي اضطروا لإنكار النبي أيضا لأن الولي بمنزلة الوتد للنبوة، والمعلوم أن إنكار النبي يستلزم إنكار الله، وبذلك يُسلب الإيمان كله.
ضرورة مصلح
يجب على المرء أن يفكر جيدا الآن، أليست الفتنة المسيحية هي التي تضل مئات آلاف الناس كونها مصداق لـ {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (الأنبياء: 96) وقد اختارت شتى الطرق لانتشارها؟ لقد حان الأوان للرد على سؤال: بِمَ سمَّى رسول الله مصلح هذه الفتنة؟ إن قوة الصليب تزداد يوما إثر يوم وتقام معسكراته في كل مكان. تقام مراكز مختلفة وتنتشر في بلاد وأقطار نائية في العالم. فلو لا دليل آخر لاضطررنا مع ذلك للاعتراف طبعا أن هناك حاجة لمصلح يُخمد نار هذه الفتنة. ولكن نشكر الله تعالى على أنه لم يجعل أمرنا مقتصرا على ضرورات محسوسة ومشهودة فقط بل أعطى سلفا لهذا العصر إظهارا لعظمة رسوله – صلى الله عليه وسلم – واحترامه نبوءات كثيرة توحي بجلاء أن رجلا سيأتي في هذا العصر واسمه “المسيح الموعود وكاسر الصليب”. فبحسب هذا الترتيب يضطر كل ذي فطرة سليمة أنه لا مندوحة من مجيء رجل سماوي ويجب أن يكون اسمه هو كاسر الصليب حصرا.
حقيقة كسر الصليب
ولكن الأمر الجدير بالانتباه هو أنه ما معنى القول بأن مهمة المسيح الموعود هي كسر الصليب؟ هل سيكسر صلبانا خشبية؟ وماذا ستكون الفائدة من ذلك؟ من الواضح أنه إذا اكتفى بكسر الصلبان الخشبية فهذا ليس بعمل ذي شأن ولا فائدة ملحوظة منه. وإذا كسر صليبا خشبيا لصنع المسيحيون بدلا منه صلبانا ذهبية وفضية ومن معادن أخرى. وما الضرر من ذلك؟ والمعلوم أن أبا بكر – رضي الله عنه – ويزيد وصلاح الدين كسروا صلبانا كثيرة، فهل صاروا بذلك مسيحا موعود؟ كلا، ثم كلا.
فتبين أنه ليس المراد من ذلك قط أن يشتغل المسيح الموعود في كسر الصلبان الخشبية بل في ذلك تكمن حقيقة تؤيدها كلمة أخرى وردت في الأحاديث وهي: “يضع الحرب” أي أن المسيح الموعود سيُلغي الحروب. فليخبرني الآن أحد أن مهمة المسيح الموعود من ناحية هي أن يلغي الحروب كليا ويقول بأن القتال من أجل الدين حرام ومن ناحية ثانية يثبت أيضا بجلاء أن ذلك الزمن سيكون زمن الأمن والسلام وتكون السلطنة عادلة وهذا يقوي الفكرة أن الحروب تُحرم في تلك الأيام. إذًا، لن تكون هناك حروب ومهمة المسيح الموعود هي كسر الصليب، فكِّروا الآن هل تؤيد هذه الأمور بكل صراحة أم لا ادّعائي أنه ليس المراد من كسر الصلبان هو كسر صلبان خشبية أو نحاسية وغيرها التي يعلِّقها المسيحيون في أعناقهم شركا منهم، بل هذه الكلمة تشير إلى حقيقة أخرى جئتُ بها. لقد أعلنتُ بكل وضوح أن الجهاد (العدواني) حرام الآن لأنه كما كلِّف المسيح الموعود بتلك المهمة كذلك هو مكلَّف بـ “يضع الحرب” أيضا. كان من واجبي نظرا إلى هذه المهمة أن أفتي بحرمة الجهاد (العدواني). فأقول إن رفع السيف أو الأسلحة الآن باسم الدين إثم كبير. إنني أتأسف بشدة على هؤلاء الوحوش الساكنين على التخوم الذين يقومون بين حين وآخر بالعمليات باسم الجهاد بُغية ملء بطونهم، وبذلك يشوهون سمعة الإسلام ويخلّون بالأمن فيجب ألا يتعاطف مسلم صادق مع هؤلاء الوحوش. فما معنى يكسر الصليب إذًا؟ يجب أن تسمعوا جيدا أن زمن بعثة المسيح الموعود هو زمن غلبة الصليب وسيأتي لكسر الصليب. فالمعنى واضح تماما أن الهدف من مجيء المسيح الموعود هو إبطال الدين المسيحي كليا، فسيُبطل مذهب عبادة الصليب بالحجج والبراهين التي تقويها التأييدات السماوية والخوارق ويتبين بطلانه على العالم كله. وستعترف مئات آلاف الأرواح أن الديانة المسيحية لا يمكن أن تكون رحمة للبشرية. لذلك جُلّ تركيزي موجَّه إلى كسر الصليب.
هل بقي شكٌّ في كسره؟ بل إن اعتقاد موت المسيح وحده قد كسر الصليب قِطَعاً لأنه عندما ثبت أن المسيح لم يمت على الصليب بل مات ميتة طبيعية في كشمير فليُخبرني عاقل ماذا بقي من الصليب؟ لو لم يُظلِم العناد والتعنتُ قلب أحد كليا ولم يجعل عقله غير جدير بالحُكم، لاضطر المسيحي أيضا للإقرار أن لحمة المسيحية وسداها كلها يتمزق بهذه المسألة وحدها.
(المصدر: جريدة الحكم، بتاريخ 24-1-1903م)
إن بعثة المسيح الموعود كانت مقدرة عند غلبة الصليب
فمن الواضح تماما أن الله تعالى سيرسل المسيح الموعود في وقت غلبة الصليب. والمراد منها أن الفتنة الصليبية تكون قد تفاقمت كثيرا وستُستخدَم المكايد كلها لنشرها وتوسيع نطاقها، ويُنشر في العالم الظلمُ والزورُ الذي يمكن أن يُطلَق عليه الشرك وعبادة الأموات بتعبير آخر. ومَن يُرسله الله تعالى في هذا الوقت تكون مهمته تنزيه العالم من ذلك الظلم والزور وإنقاذ العالم من لعنة عبادة الأموات والصليب، وبذلك سيكسر الصليب. هذا يبدو تناقضا في بادئ الرأي إذ قد ورد ضمن مهماته “يضع الحرب” أيضا أنه لن يحارب بينما هناك حاجة للحروب لكسر الصليب. ولكن هذا التناقض يتراءى لأصحاب النظر السطحي الذين لم يفهموا الغاية من مجيء المسيح الموعود وبعثته قط مع أن كلمة “يضع الحرب” بحد ذاتها توحي بحقيقة كسر الصليب أنه ليس المراد منه، كما قلت آنفا، كسر صلبان خشبية أو مصنوعة من أشياء أخرى بل المراد هو هزيمة الملة الصليبية. وهزيمة الملة ستكون بالبينة والبراهين كما قال الله تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ} (الأنفال: 42)
باختصار، إن معارضينا الذين يبالغون في المعارضة إذا فكّروا بهدوء وتأملوا في هذه الأمور موقنين بأنهم سيمثلون أمام الله يوما ما لما وجدوا بُدّا من اتّباعي. فكان عليهم أن يروا أن رأس القرن قد أتى بل أوشكت 19 عاما على النهاية فلا بد أن يأتي مجدد القرن وإلا لاستلزم تكذيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
فتنة المسيحية العظيمةُ
ولو نظروا إلى فتنة النصارى لرأوا أن الإسلام لم يواجه آفة أو فتنة أكبر منها قط بل لم تنشأ فتنة خطيرة مثلها منذ بدء سلسلة النبوة. فمن ناحية تهاجم الفلسفةُ الدين و من ناحية أخرى تهاجمه العلومُ الطبيعية. فكل من لديهم خبرة في أيّ من مجالات العلم أو الفن يريد أن يهاجمه في مجاله. يقوم الرجال والنساء بالوعظ ويسعون لإبعاد الناس من الإسلام بشتى الطرق ويرغِّبونهم في المسيحية. إذا ذهبتم إلى المستشفيات مثلا ترون تبليغ المسيحية حتما إلى جانب الدواء. ويحدث كثيرا من الأحيان أن أُدخِل بعض النساء أو الأطفال المستشفى ولم يُعثَر عليهم ما لم أظهروهم كالنصارى. إنهم يبلّغون دعوتهم كالرهبان. باختصار، ما من سبيل لخلق الوساوس إلا وقد اختاره هذا القوم. لو كان معارضونا مطّلعين على هذه الفتنة لاضطروا للإقرار أنه لا بد وأن يأتي أحد من الله لإصلاح هذه الفتنة والدفاع عن الإسلام، ولو انتبهوا إلى عدم المبالاة بالقرآن الكريم وإهماله لقالوا أنه يجب أن يأتي في هذا الوقت محافظه بحسب وعد الله تعالى: {إنا له لحافظون} (الحجر:9) ثم لو نظروا إلى المماثلة بين سلسلة الخلافة الموسوية وسلسلة الخلافة المحمدية لاضطروا للاعتراف أنه لا بد من مجيء خاتم الخلفاء الآن في القرن الرابع عشر.
فعلى هذا النحو كانت هناك أمور كثيرة -ناهيك عن أمر واحد- من شأنها أن تكون مدعاة لهداية هؤلاء الناس وإرشادهم ولكنهم لم يمعنوا النظر فيها لعنادهم وتعنتهم واختاروا طريق المعارضة. لا يسع أن ينكر ما أقدمه إلا الذي لم يخرج من بيته بل تربّى في الحجرات فقط. والذي يقول أن الفتنة لم تحدث فهو ليس عنيدا فقط بل هو سيء الأدب الذي ليس في قلبه أدنى احترام للنبي – صلى الله عليه وسلم – وهو جاهل محض. أما العاقل والملمّ بالدين فيعرف جيدا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يستخف بهذه الفتنة قط كما هي ليست بخفيفة أصلا. أنا أركّز على هذا الأمر مرارا وتكرارا ليطّلع الناس عليه. لو اطلعنا على جرائدهم مثلا لوجدنا أن كل واحدة منها تصدر بعدد مئة ألف تقريبا، وأن وسائل النشر والتبليغ التي ظهرت الآن لم تكن موجودة من قبل. أرونا مجلة واحدة صدرت ضد الإسلام من قبل. أما المجلات والجرائد والكتب التي أُلفت ضد الإسلام في القرن الحالي لو جُمعت في مكان واحد لبلغت كومتها إلى عدة أميال بل لا أبالغ إن قلتُ أن هذه الكومة قد تكون أعلى من قمة أعلى الجبال في العالم. ولو رُصفت على الأرض لطال الطابور إلى عدة أميال. الإسلام محاط في براثن الأعداء مثل شهداء كربلاء. ومما يؤسف له أن معارضينا يقولون على الرغم من ذلك أنه لا حاجة لمجيء أحد. لا نريد أن نخوض في النقاش من أجل المجادلة لأنه ليس إلا مضيعة الوقت. أما إذا كان أحد باحثا عن الحق فيأتينا ويمكث عندنا فأنا جاهز لِطَمأَنَته وإقناعه من كل الوجوه. ولكن من المؤسف حقا أن الناس من هذا القبيل غير موجودين، بل معارضونا يريدون أن يبُتُّوا في الأمر خلال دقائق معدودة، ولكنه بمنزلة مقامرة دينية ولا يمكن أن يستبين الحق به. عليكم أن تفكّروا بأنفسكم كم تبذل المسيحية من القوة والجهود لجعل الإسلام مغلوبا.إن خطابا ألقاه أسقف كالكوتا في لندن مؤخرا يتبين منه بكل وضوح أنه لا يمكن لأحد أن يكون ناصحا أمينا ومخلصا للحكومة الإنجليزية ما لم يكن مسيحيا. ألا يُستنبط من هذه الخطابات والنقاشات كم يبذلون جهودهم لتنصير الناس، وماذا تكنّ صدورهم؟ إنهم يريدون بكل وضوح ألا يبقى هناك مسلم. لقد اعترف المبشرون المسيحيون أيضا أنه ما من دين يعرقل سبيلهم مثل الإسلام. ولكن اعلموا أن الله غيور لدينه وقال صدقا وحقا: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9) لقد حفظ – سبحانه وتعالى – ذِكره بحسب وعده هذا وبعثني وجعلني مجدد القرن الرابع عشر بحسب وعد النبي – صلى الله عليه وسلم – القائل بأن مجددا يأتي على رأس كل قرن، وسماني كاسر الصليب أيضا. وإن كنت على خطأ في ذلك لكان نظام النبوة كله باطلا أصلا ولكانت وعود الله كلها باطلة، والأغرب من كل ذلك أن الله يكون ناصر الكاذبين، والعياذ بالله لأني أنال التأييدات منه – سبحانه وتعالى – ونصرته تحالفني.
حقيقة نزول المسيح والدجال والأفكارُ السائدةُ عنهما
يعترض المرء على سبيل الوسوسة أن المسيح سينزل من السماء وستكون بيده حِربة وسيقتل الدجال الذي تكون بيده قوى الألوهية كلها وترافقه جبال الخبز، سينزل من السماء بنفسه ولكن لن ينزل من منارة دمشق بغير السُلَّم، وسيحيي الدجالُ الناسَ وما إلى ذلك من أمور كثيرة اخترعوها عن نزول المسيح. يقولون عن الدجال أنه سيكون أعور ولكن الدجال لن يقول عن ذلك إلا أنه أعور لأنه واحد لا شريك له وينظر الجميعَ بعين واحدة. فلو تأمل المرء في هذه الأمور لتبين له تلقائيا ما يقولونه. ما قدّمته ليست بأمور مزعومة بل هي أمور يقينية تدعمها نصوص القرآن والحديث وترافقها التأييدات الإلهية. والذي لا يفهم اليوم سيفهم في نهاية المطاف، وليس لأحد أن يطفئ نور الله.
الاستعارات في النبوءات
اعلموا أن الناس يخطئون خطأ كبيرا في استنباط المعاني من الكلمات. تارة تأتي الكلمات بمعناها الظاهري وتارة أخرى على سبيل الاستعارة كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لزوجاته: “أسرعكنّ لحوقا بي أطولكن يدا” فبدأن يقسنَ أيديهن ولم يمنعهن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. ثم عندما ماتت السيدة زينب تبيّن أن المراد من “أطولكن يدا” كان أكثرهن جُودا وسخاء. كذلك وردت في كلام الله تعالى آيات لو أُخذ معناها الحرفي لما فُهم المراد منها كقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} (الإسراء: 72) ولكم أن تسألوا الحافظ عبد المنان الذي يسكن في مدينتكم وزير آباد وهو عدوٌّ لدود لجماعتنا هل معنى ذلك أنه سيُحشر في الآخرة أيضا أعمى كما هو في الدنيا؟ أو لا يؤخَذ معناها الحرفي بل يُراد منها معنى آخر؟ فلن يسعه إلا القول بأنه ليس معناها أن كل ضرير يقوم يوم القيامة أيضا ضريرا بل المراد هو المعرفة والبصيرة.
فلما كان ثابتا أن في الكلمات استعارات أيضا وخاصة في النبوءات فأي عقل في حمل الكلمات الواردة في النبوءات عن نزول المسيح على ظاهرها؟ إن هؤلاء الناس يتّبعون ظواهر الأمور في معارضتي ويسيئون الظن ولكن يجب أن يتذكروا: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} و أن {بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. فإن كانوا يسيؤون الظن ويحملون الكلام محمل المعنى الحرفي فلا نجاة للعميان على أية حال. لا أفهم لماذا يصرون بغير حق على ما ليس عندهم دليل قطعي عليه. إن هؤلاء يجهلون لغة كتب الله جهلا تاما، ولو كانوا مطّلعين عليها لعلموا كم تُستخدَم الاستعارات في النبوءات. عندما رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه يلبس سوارين من ذهب كان المراد منهما نبيَّين كاذبينِ، وعندما أُري ذبح البقرات كان المراد منها استشهاد الصحابة – رضي الله عنهم -. وهذا ليس بأمر خاص بل هذا هو قانون الله تعالى العام في الرؤى والنبوءات. انظروا مثلا إلى رؤيا يوسف – عليه السلام – المذكورة في القرآن الكريم، هل كان المراد منها الشمس والقمر والنجوم بعينها؟ كذلك عندما أُري عزيز مصرَ بقرات في منامه هل كان المراد منها البقرات بعينها أو أُريدَ بها شيء آخر؟ ليس هناك مثال واحد أو اثنان في هذا المجال بل هناك آلاف الشهادات من هذا القبيل ولكن الغريب في الموضوع أن الناس ينسونها في موضوع نزول المسيح ويصرون على الكلمات الظاهرية. إن أساس الاختلاف في هذا الموضوع يكون أمران اثنان عادة وهما حمل الكلمات على الظاهر بترك الاستعارة، وحملها على الاستعارة حين أُريد بها الظاهر. إن لم يكن هناك مجاز واستعارات في النبوءات لتعذّر كثيرا إثبات نبوة كل نبي.
الاستعارات في العهد القديم والجديد وابتلاء اليهود
لقد واجه اليهود هذه الآفة والمصيبة بالتحديد لأنه كان مكتوبا عن المسيح الناصري – عليه السلام – أن إيليا سيأتي قبله. فقد وردت هذه النبوءة في كتاب النبي ملاخي بكل صراحة. فكان اليهود ينتظرون بحسب تلك النبوءة أن يأتي إيليا من السماء ولكن جاء المسيح ولم ينزل إيلياء من السماء ففزعوا .
(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 31-1-1903م)
هذه ليست أمور سخيفة بل هذا هو القانون الجاري منذ بدء سلسلة النبوة. تأتي الابتلاءات حتما للتمييز بين الضعفاء والأقوياء، والتفريق بين المؤمنين والمنافقين لذلك قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (العنْكبوت: 2) هذا لا يحدث أبدا. إن سلسلة الابتلاء والاختبار جارية في العالم. ما دام نظيرها موجودا في العالم المادي فكيف لا يكون في العالم الروحاني. لا تنكشف الحقيقة دون الابتلاء. يجب ألا ينخدع الإنسان من كلمة الابتلاء أنه ما حاجة الله إلى الابتلاء والامتحان وهو عالم الغيب ويعلم السر والخفي؟ ألا يعلم شيئا دون الابتلاء والامتحان؟ إن هذا الكلام لا يمثّل خطأ فقط بل يؤدي بالمرء إلى الكفر لأنه يستلزم إنكار صفات الله العظيمة. الهدف الحقيقي من الامتحان هو أن تتحقق الحقائق الخفية، ولتنكشف على الشخص قيد الامتحان حقيقة إيمانه فيعلم مدى صدقه وإخلاصه ووفائه لله تعالى، وليطّلع الآخرون أيضا على ميزاته. فمن الباطل أن يقول أحد أن امتحان الله يوحي أنه لا يعلم بل الحق أنه – عز وجل – يعلم كل ذرة. ولكن من الضروري أن يحل بالإنسان ابتلاءات لإظهار كيفية إيمانه، ويُسحق في رحى الامتحان. ولنِعم ما قال شاعر في بيت شعرٍ ما تعريبه: إن حلول الابتلاءات والامتحانات ضروري، وبدونها لا تنكشف الحقائق. إن ابتلاء مجيء المسيح كان ابتلاء كبيرا لليهود. كلما يُبعث أحد من الله تعالى لا بد أن يأتي بالابتلاءات. توجد في التوراة نبوءة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – تتحدث عن مثيل موسى ولكن ألا يقول القائلون: لماذا لم يخبر الله تعالى بذكر اسمه كاملا ولماذا لم يخبر بالتفاصيل أنه سيولد في بيت عبد الله من بطن آمنة، وأنه سيكون من السلسلة الإسماعيلية ولماذا استخدم كلمة “من إخوتك”؟ الحق أنه لو أُخبر بهذه الصراحة لما بقي الإيمان إيمانا. فمثلا إذا رأى أحد هلالا فور طلوعه وأخبر به الآخرين يمكن أن يُعدّ ذا نظر حاد. ولكن إذا رأى أحد بدرا وأعلن ذلك ألن يضحك الناس عليه؟ هذا ما يحدث عند معرفة رسل الله وأنبيائه. فالذين يعرفونهم بقرائن قوية يؤمنون بهم ويُعَدّون أول المؤمنين وينالون درجات ومراتب عليا ولكن عندما ينكشف صدقهم كالشمس ويحرزون تقدما ملحوظا، فالذين يؤمنون بهم حينذاك يسمّون عامة الناس.
فما دام هناك قانون الله واحدا عن سلسلة النبوة جاريا منذ القِدم، وهذه هي سنته مع المبعوثين منه فأنّى لي أن أكون استثناء منها؟ إن لم يكن في قلوبهم عناد وتعنت فليصغوا لما أقول وليتبعوني ثم لينظروا هل يتركهم الله في الظلام أو يأتي بهم إلى النور؟ إنني واثق من أن الذي يتبعني بالصبر وصدق القلب لن يُهلَك بل ينال نصيبا من الحياة التي لن تفنى أبدا. إن الذين معي والذين هم موجودون الآن هل يمكن لواحد منهم أن يقول بأنه لم ير آية؟ لم يُر الله آية واحدة بل أرى مئات الآيات، ولكن حصر الإيمان على الآيات مدعاة للعثار. فمن كان قلبه نقيا ويخشى الله أقدم له حكم عيسى – عليه السلام – عن العودة وليفهّمني هل ما قاله المسيح ردّا على سؤال اليهود -أن مجيء إيليا ضروري قبل المسيح- صحيح أم لا؟ كان اليهود يقدّمون كتابهم أن ما ذُكر في صحيفة النبي ملاخي هو عودة إيليا ولم يُذكر مجيء مثيل إيليا. يقول المسيح أن الذي كان قادما هو يوحنا فاقبلوه إن شئتم. والآن قدموا هذه القضية أمام أيّ عادل ثم انظروا لصالح مَن سيحكم؟ سوف يحكم بحق اليهود حتما. ولكن المؤمن الذي يؤمن بالله تعالى ويعلم كيفية مجيء رسل الله سيوقن بأن ما قاله المسيح وعمل به هو الصحيح والصواب. هل ما يحدث الآن في حالتي هو الأمر نفسه أم غيره؟ لو كان عندهم شيء من خشية الله لارتعبت قلوبهم عند تجاسرهم على تكذيبهم ادّعائي. إنه لمقام أسف وحسرة إذ لا يملك هؤلاء الناس إيمانا مثلما ملكه رجل من آل فرعون الذي قال بأنه إذا كان كاذبا سيهلك تلقائيا. لو اتّقَوا الله بشأني لاكتفوا بهذا القول ولترقّبوا هل الله ينصرني نصرة بعد نصرة ويؤيدني تأييدا بعد تأييد أم يقضي على جماعتي؟
مرتبة الحديث مقابل القرآن الكريم والسنّة
لقد تركوا القرآن الكريم أيضا لمعارضتي. أنا أقدم القرآن الكريم وهم يقدمون مقابله الأحاديث، ولكن يجب أن يكون معلوما أن الأحاديث ليست على درجة القرآن الكريم ولا نستطيع أن نُحِلّها محل القرآن الكريم. الأحاديث تأتي في الدرجة الثالثة. ومن المعترف به بالإجماع أنها تفيد الظن: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (النجم: 28).
هناك ثلاثة مصادر حقيقية أي القرآن والسنة والأحاديث. القرآن الكريم وحي الله المقدس الذي نزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والسنة هي الأسوة الحسنة أي كما عمل النبي – صلى الله عليه وسلم – بحسب الوحي. كانت مهمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يبلّغ الناس القرآن والسنّة. لذلك كان العمل بشعائر الإسلام جاريا باستمرار ما لم تُجمع الأحاديث أيضا. والخطأ الذي يرتكبه هؤلاء الناس الآن هو أنهم يحسبون الأحاديث والسنة شيئا واحدا مع أنهما ليسا كذلك. فما لم نختبر الأحاديث على محك القرآن والسنة لا يمكننا أن نُحِلها أيّ محل. ولكن مذهبنا هو أنه مهما كان الحديث ضعيفا بحسب أصول علم الحديث فهو جدير بالعمل ما لم يخالف القرآن أو السنة. أما معارضونا فيقولون بأن هذا ليس صحيحا بل يجب قبول ما صح من الأحاديث بحسب مبادئ نقد المحدثين مهما كان يعارض القرآن والسنة. فليفكر العاقلون الآن بتقوى الله مَن يحالفه الحق؟ أهؤلاء أم إيايَ؟ أنا أقدم كلام الله وأسوة رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم -، أما هؤلاء فيقدمون الأقوال والأفكار المزعومة للذين لم يدّعوا قط أنهم أسسوا أصول نقد الأحاديث بناء على وحي الله وإلهامه.
إذا كان هناك لاختبار صحة الأحاديث سوى القرآن والسنة معيار آخر وضعه الناس بحسب فهمهم وعقلهم فأسأل لماذا لا تُقبل صحة الأحاديث التي يقدمها أهل السنة والشيعة؟ ولماذا يدحض فريق فريقا آخر؟ لا يجيبنا على هذا السؤال أحد. وفوق ذلك كله هناك أمر آخر وهو أن الشيخ محمد حسين أقرّ في مجلته “إشاعة السنة” أن أهل الكشوف ليسوا متقيدين لإثبات صحة الأحاديث بمبادئ وضعها المحدثون لتمحيص الأحاديث بل يمكنهم أن يضعِّفوا حديثا صحيحا أحيانا، أو يصحِّحوا حديثا ضعيفا لأنهم يعلمون ذلك من الله تعالى أو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مباشرة. فإذا كان الأمر كذلك ألا يحق للمسيح الموعود الذي سيأتي حَكَما عدلا أن يصحح الأحاديث على هذا النحو؟ ألن ينال البركة من الله تعالى أو سيكون محروما من بركة النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ وإن لم يكن الأمر كذلك فأخبِروني ما معنى كونه حَكَما؟ وما الفائدة من ذلك؟
لذا إذا شرع الناس في خلط الأحاديث يجب ألا تنسوا فصل القرآن والسنة منها. كان في محافظتنا موظف اسمه “الحافظ هداية علي”، وقابلته مرارا، فقال ذات مرة: كنت أقرأ كتبا ورد فيها ذكر مجيء المسيح والمهدي، وقد أدخل الناس فيها آلاف الآيات من عند أنفسهم ولأن كل تلك الآيات لن تحقق أبدا لذا أخاف أنه سيحدث النزاع حينذاك. إن هؤلاء لا يكادون يؤمنون ما لم تتحقق كل تلك الآيات، وهي لن تتحقق في آن معا. والحقيقة أن فراسته كانت صحيحة فما حدث الآن على صعيد الواقع هو الإنكار.
المجاز والاستعارات في النبوءات
القول الحق الذي بيّنتُه مرارا هو أن جزءا كبيرا من النبوءات يحتوي على المجازات والاستعارات وجزء منها يتحقق بصورة ظاهرية أيضا. ولقد جرى هذا القانون منذ القِدم ولا نستطيع رفضه سواء أقبِل أحد أم أبى. وإذا كنتم تنتظرون تحقق جميع الأحاديث التي يقدمها أهل السنة والشيعة وكذلك الفِرق الأخرى فاعلموا إذًا أنه لن يأتي مسيح ولا مهدي.
عندما جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت حاجة مجيئه أشد من حاجة مجيئي ولكن هل آمن به الجميع حينذاك؟ وهل تحققت جميع الآيات التي ذُكرت بحقه في التوراة والإنجيل؟ فكّروا بالله عليكم وأجيبوا. فإذا تحققت كل المرويات الموجودة في اليهود كابرا عن كابر وكذلك كل العلامات المذكورة في كتبهم فلماذا أنكروها؟ الحق أن جميع العلامات لا تتحقق أبدا لأن هناك أشياء كثيرة يخترعها الناس من عندهم، وهناك علامات كثيرة أخرى لها معنى آخر. فلما أُنكر الصالحون كلهم بعُذر أن العلامات لم تتحقق ثم أُنكِرتُ أنا في هذا الوقت فقد حذا المنكرون في ذلك حذو السابقين. لا أستطيع أن أمنع أحدا من الإنكار ولكني أقول بأن عليهم أن يردوا بعد أن يسمعوا أدلّتي وإلا فإن الكلام الفارغ ينافي التقوى.
اختبِروا ادعائي على منهاج النبوة
اختبِروا ادعائي على منهاج النبوة ثم انظروا من يحالفه الحقُ. المبادئ والاقتراحات المزعومة لا تفيد شيئا، ولا أصدّق نفسي بالأمور المزعومة بل أعرض ادعائي على منهاج النبوة، فلماذا إذًا لا يُفحص صدقه بحسب المبدأ نفسه؟
إني موقن بأن الذين يسمعون كلامي بقلوب منشرحة سيستفيدون ويؤمنون ولكن الذين في قلوبهم العناد والتعنت لن ينفعهم كلامي شيئا، وإن مثلهم كمثل الذي يرى الشيء شيئين، ولا يكاد يقبل أنه شيء واحد مهما قدمتم له من الأدلة. يُروى أن سيدا قال لخادمه أن يأتي من الغرفة بمرآة فدخل الخادم الغرفة وعاد وقال: هناك مرآتان في الداخل أيتهما أحضرها؟ قال السيد: ليست هناك مرآتان بل هناك مرآة واحدة. قال الخادم المصاب بالحَوَل: فهل أنا كاذب؟ قال السيد: حسنا، اكسِرْ إحداهما. فلما كسرها تبين له خطؤُه. فماذا أردّ على المصابين بالحَوَل الذين يقاومونني.
(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 13-2-1903م)
باختصار، نرى أن ما يقدّمونه مرارا وتكرارا إنما هو مجموعة الأحاديث ظنية الثبوت عندهم أيضا، ولا يدرون أنه سيأتي زمان حين يضحك الناس على ما عندهم من الغث والسمين.
يحق لكل باحث عن الحق أن يطلب مني دليلا على ادّعائي، ولن أقدم له إلا ما قدّمه الأنبياء، إذ هناك نصوص من القرآن والحديث والأدلة العقلية أي حاجة العصر التي تقتضي مصلحا، ثم الآيات التي أظهرها الله تعالى على يدي. لقد أعددتُ قائمة تضم ما يقارب مئة وخمسين آية ويشهد عليها ملايين الناس، كما أن تقديم الأمور السخيفة ليس من شيمة السعداء.
لذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن المسيح الموعود سيأتي حَكَما فاقبَلوا حُكمه. والذين في قلوبهم الخبثُ والشر ولا يريدون أن يقبلوا يقدمون اعتراضات وحججا واهية ولكن عليهم أن يتذكروا أن الله تعالى سيُظهر صدقي في الأخير بصولات قوية صول بعد صول.
إنني موقن بأني لو افتريتُ لأهلكني الله فورا، ولكن كل ما أقوم به إنما هو من صنع الله وقد جئتُ من عنده، وإن تكذيبي هو تكذيبه لذا سوف يُظهر الله صدقي بنفسه.
نتيجة حمل النبوءات على الظاهر
الذين يريدون أن يحملوا المجازات والاستعارة محمل الظاهر لعدم فهمهم حقيقة النبوءات يضطرون للإنكار في آخر الأمر. فكما واجهه اليهود مشكلة كذلك يواجهها النصارى الآن، ويزعم معظمهم عن عودته أن المراد منها هي الكنيسة. لا تتحقق جميع الآيات بحسب زعم عامة الناس أبدا، وإذا تحققت لما حدث الإنكار والاختلاف في عصور الأنبياء أصلا. اسألوا اليهود هل يؤمنون بأن جميع الآيات تحققت عند مجيء المسيح الناصري؟ كلا. اعلموا أن قدر الله وسنته في هذا الأمر هي ما أقدمه أنا: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 62)
لا يمكن أن تكون أفكار البشر وتأويلاته وتخميناته صحيحة وقاطعة ويقينية تماما بل تتضمن إمكانية الخطأ. إذا تبنّى المرء رأيا قاطعا في أمر قبل وقوعه لا يمكننا أن نحكم بقطعيته. ولكن عندما يأتي موعدها المناسب تزول الحجب كلها. لذلك سمِّي القادم حَكَما، وهذا الأمر يوحي بجلاء أن اختلافا عاما سيكون سائدا حينذاك لذلك سمِّي حَكَما. فالقول الحق هو الذي قاله الحَكَم.
يقول نواب صديق حسن خان بأن الحَكَم القادم سيتمسك بالقرآن لأن الأحاديث مسّتها أيدي الناس ولكن كلام الله لا يتبدّل ولا ودخل فيه ليد إنسان. عندما أقدم كلام الله الذي نزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو المعجزة الأزلية والأبدية يقدّمون مقابله أقوالا، أليس هذا مما يثير العجب والأسف؟
أسألك أنت لأنك تبدو لي فطينا وفهيما بفضل الله: هل الأحاديث تحتل مكانة يحتلها القرآن الكريم؟ إذا كان الأمر كذلك فلا بد من الإقرار أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يؤدّ واجبه، والعياذ بالله، لأنه اهتم بالقرآن الكريم ولم يهتم بالأحاديث ولم يُملِ الأحاديث على أحد قط. هل لمسلم أن يقبل أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يؤد واجب نبوته؟ هذا القول لا يليق بمسلم بل يمكن أن يقوله أكبر الملحدين. ثم فكّروا هل أمر النبي بتدوين الأحاديث أمامه أم بجمع القرآن الكريم؟ من الواضح أنه ترك وراءه القرآن الكريم فقط لأن القرآن هو الذي كان يتضمن تعليما. صحيح تماما أنه – صلى الله عليه وسلم – جعل سنّته تمشي جنبا إلى جنب مع القرآن الكريم. الحق أن الأنبياء يأتون بأمرين اثنين، أي الكتاب والسنة. أما الحديث فهو شيء آخر ومنفصل عنهما تماما، وهما ليسا محتاجينِ للحديث. غير أننا نعتقد أنه يجب العمل بأدنى الأحاديث درجة أيضا إن لم يخالف القرآن والسنَّة، حتى وإن كان موضوعا عند المحدثين. نحن نحترم الحديث إلى هذه الدرجة ولكن لا نجعله قاضيا أو حَكَما على القرآن. لم يقل النبي – صلى الله عليه وسلم -: إني تارك الحديث بينكم بل قال: تارك كتاب الله. وقال عمر – رضي الله عنه – أيضا: حسبنا كتاب الله ولم يقل: حسبنا الحديث.
حُكم كتاب الله
افتحوا كتاب الله فإنه يحكم. اقرأوا السورة الأولى أي سورة الفاتحة التي لا تصلح الصلاة بدونها وانظروا ما هو التعليم فيها؟ يقول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.
من الواضح أن فيه دعاء لاجتناب صراط المغضوب عليهم والضالين. المراد من المغضوب عليهم هم اليهود بالاتفاق والمراد من الضالين هم النصارى. فإذا لم تكن الفتنة والفساد حادثا في هذه الأمة فماذا كان الهدف من تعليم هذا الدعاء؟ الفتنة الكبرى كانت فتنة “الدجال”. ولكن لم يقل الله تعالى: “ولا الدجال”. ألم يعلم الله عن هذه الفتنة؟ الحق أن هذا الدعاء يضم في طياته نبوءة أنه سيأتي على الأمة زمان تحذو فيه حذو اليهود بشدة. واليهود قوم أنكروا المسيح – عليه السلام -، فأمر الله تعالى هنا أنِ ادعوا لاجتناب السير على خطى اليهود. والمراد من ذلك يجب ألا تصيروا أنتم أيضا يهودا أي لا تنكروا المسيح. أما الدعاء الذي علّم به لاجتناب صراط الضالين أي النصارى فيتبين منه أن الفتنة الصليبية ستكون خطيرة آنذاك وستكون هي أصل الفتن وأم الفتن كلها، لأنه إذا كانت هذا الفتنة منفصلة لذُكر اسمها أيضا. اذهبوا الآن إلى الكنائس كلها وانظروا هل هذه الفتنة خطيرة أم لا. اقرأوا القرآن بتدبر وفكِّروا ألم يعدْ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9)
وفي آية الاستخلاف وُعد بخاتم الخلفاء، فانظروا إلى كل هذه الأمور بنظرة جماعية بحسبما يلي:
أولا: لقد اعترف القرآن الكريم بكون النبي – صلى الله عليه وسلم – مثيل موسى بحسب نبوءة التوراة، فكان ضروريا من منطلق هذه المماثلة أن تقوم سلسلة الخلافة بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا كما قامت سلسلة خلفاء موسى. وإن لم يكن هناك دليل آخر على ذلك فإن هذه المماثلة تقتضي بالطبع أن تكون هناك سلسلة الخلفاء.
ثانيا: لقد وعد الله تعالى بصراحة بإقامة سلسلة الخلافة في آية الاستخلاف وعدّها مماثلة لسلسلة الخلافة السابقة كما قال: {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (النور: 55) فبحسب وعد الاستخلاف وهذه المماثلة كان ضروريا أن يكون المسيح هو خاتم الخلفاء في الأمة المحمدية كما كان المسيح خاتم الخلفاء في سلسلة خلافة موسى.
ثالثا: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إمامكم منكم”.
رابعا: قال – صلى الله عليه وسلم – أيضا أن مجددا يُرسل على رأس كل قرن لتجديد الدين، فلا بد أن يأتي مجدد لهذا القرن ومهمة المجدد هي إصلاح المفاسد السائدة. فأكبر فساد وفتنة في العصر الراهن هي فتنة النصارى وكان ضروريا أن يكون مجدد هذا القرن كاسر الصليب الذي اسمه الثاني هو المسيح الموعود.
خامسا: يجب من حيث المماثلة مع الخلافة الموسوية أيضا أن يأتي خاتم الخلفاء في الأمة المحمدية في القرن الرابع عشر لأن المسيح الناصري جاء في القرن الرابع عشر بعد موسى – عليه السلام -.
سادسا: لقد تحققت كثير من العلامات المحددة للمسيح الموعود مثل وقوع الكسوف والخسوف في رمضان الذي وقع مرتين، وانقطاع الحج، وطلوع المذنَّب، وتفشي الطاعون، اكتشاف القطار، وتعطيل القلاص وغيرها.
سابعا: يثبت من الدعاء في سورة الفاتحة أيضا أن القادم سيكون من هذه الأمة. إذًا، ليس هناك دليل واحد أو اثنان بل هناك مئات الأدلة على أن القادم يجب أن يكون من هذه الأمة وهذا هو وقت ظهوره. وأقول بإلهام من الله ووحيه أن ذلك القادم هو أنا. فليطلب مني من يشاء دليلا على منهاج النبوة الذي حدده الله تعالى منذ القِدم.
آية الصدق
انظروا إلى آيات الصدق التي ظهرت تأييدا لي. إنني لأتأسف كثيرا عندما أنظر إلى هؤلاء المعارضين أنه عندما تحققت الأمور التي كانوا يقدمونها كآية من قبل شرعوا في الاعتراض على صحتها. فمثلا يقولون الآن عن نبوءة الكسوف والخسوف أن هذا الحديث ليس صحيحا. فليسألهم أحد أنه ما دام الله قد أثبت صحته فهل سيصبح كاذبا بقولهم؟ من المؤسف حقا أنهم لا يستحيون من القول بأنهم لا يكذّبون به المسيحَ الموعود بل يكذّبون رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
لا يصدّقني الكسوف والخسوف وحده بل هناك آلاف الأدلة والشواهد على تأييدي بل لا ضير إن لم يكن هناك دليل واحد ولكن ذلك سيُثبت أن النبوءة كانت كاذبة. من المؤسف حقا أن هؤلاء الناس يريدون أن يُبطلوا لمعارضتي نبوءة سيد الصادقين. أقدم هذه النبوءة بكل قوة وشدة فهي آية صدق سيدنا – صلى الله عليه وسلم -.
إن هذا الحديث الذي تسيؤون به الظن قد أبلغ الواقعُ صدقه مبلغ اليقين وإن إنكاره ليس إلا الإلحاد واللعنة. هل يقول المحدثون في حال الأحاديث الموضوعة بأنهم قد قبضوا على مفتريها؟ كلا، بل يقولون أن ذاكرة فلان لم تكن جيدة أو هناك كلام في صدقه، وقد قبلوا مبدأ أنه إذا كان الحديث ضعيفا أيضا وتحققت النبوءة الكامنة فيه ثبتت صحته. فكيف لأحد أن يتجرأ على القول بحسب هذا المعيار أن الحديث قيد البحث ليس صحيحا.
اعلموا أن القادم يُمتحَن على محك النصوص الصريحة وهي تؤيده، ثم ترافقه النظائر لأن العقل لا يقبل شيئا بدون النظائر، وفوق كل ذلك تحالفه التأييدات الإلهية. فإذا كان أحد يشك في ذلك فليأتني ويطلب الدليل على صدقي بحسب منهاج النبوة. إن كنتُ كاذبا سأهرب، ولكن هذا لن يحدث لأن الله تعالى قال لي قبل 19 عاما: “ينصرك الله في مواطن”. امتحنوني كما امتُحن الأنبياء والرسل. أقول بكل تحدٍّ بأنكم ستجدونني صادقا بحسب هذا المعيار. لقد بيّنتُ هذه الأمور بإيجاز ففكروا فيها وادعو الله تعالى القادر وسيفتح لكم سبيلا. إن تأييده ونصرته تحالف الصادق فقط.
(المصدر: جريدة الحكم، بتاريخ 21-2-1903م)