معاني سورة الغاشية

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   عن معنى قوله تعالى {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} :

إن فهم ادّعائي هو مفتاح لفهم النبوة والقرآن الكريم، فمن فهم ادّعائي سوف يُطلَع على حقيقة النبوة ويُعطى فهمَ القرآن الكريم، والذي لا يفهم ادّعائي لا يمكن أن يتسنى لهم يقين كامل بالقرآن الكريم والنبوة.
لقد وردت في القرآن الكريم آية: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} وهي مفيدة جدا لحل مسألة النبوة والإمامة. للبعير قرابة ألف اسم في العربية، وقد اختير من بينها اسم “الإبل” هنا. فما السر في ذلك، إذ كان ممكنا أن يقال: “إلى الجَمل” أيضا؟
يبدو أن الجَمل يُطلق على بعير واحد والإبلُ اسم الجمع. ولما كان الله تعالى يريد أن يُري هنا الحالة التمدنية والإجمالية، وإن بيان هذه الحال ما كان ممكنا باستخدام كلمة “الجمل” التي تُطلق على بعير واحد لذا اختار الله تعالى كلمة “إبل”. لقد أُودعت الإبلُ قدرة على الاتباع ومطاوعة بعضها بعضا. ترون كيف تمشي الإبل في طوابير طويلة وراء بعضها بعضا بأسلوب معين وبسرعة معينة. والبعير الذي يجري أمامها وكمقتداها يكون أكثرها خبرة وأعرفها طريقا ثم تتبعه بقية الإبل وراء بعضها بعضا في طابور واحد وبسرعة واحدة، ولا تنشأ في قلب أي واحد منها رغبة في المشي متوازيا مثل الحيوانات الأخرى مثل الأحصنة. فإن قضية اتباع الإمام مسلَّم بها في طبيعة الإبل لذلك أشار الله تعالى إلى هذه الوحدة فقال: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ} أي عندما الإبل تمشي في طابور واحد، كذلك من الضروري أن يكون هناك إمام واحد من أجل الحفاظ على الوحدة والتمدن.
ويجدر بالانتباه أيضا أن هذا الطابور يتكوّن عند السفر، فما لم يكن هناك إمام لقطع سفر في الدنيا يضل الإنسان مرارا حتى يهلك.
والمعلوم أيضا أن الإبل أكثر الدواب حملا للأثقال وأكثرها مشيا، ومنها يتعلّم المرء درس الصبر والجَلَد. ومن ميزات الإبل أيضا أنها تجمع الماء في أثناء الأسفار الطويلة لعدة أيام، ولا تغفل. فعلى المؤمن أيضا أن يكون دائما الاستعداد لسفره وأن يكون حذرا دائما، وخير الزاد التقوى.
يتبين من كلمة “اُنظر” أن هذا النظر ليس كنظر الأطفال بل يتعلّم الإنسان منه درس الاتباع أي كما أشير من خلال الإبل إلى حالة التمدن والوحدة، وكما في الإبل ميزة اتّباع الإمام كذلك يجب على الإنسان أيضا أن يتخذ من اتباع الإمام شعارا له لأن الإبل خادمة للإنسان وتوجد فيها هذه الميزة. وفي: “كيف خُلقت” إشارة إلى تلك الفوائد الشاملة التي يُستفاد من الوحدة الملحوظة في الإبل.

 

(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 24-11-1900م)