قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد عن معنى قوله تعالى {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} :
من الغريب جدا أن الآيات المتعلقة بالزمن الأخير قد تحققت كلها ومع ذلك لا يتنبه الناس. إن الله غني ولا يبالي بالذين لا يتوجهون إليه. إنهم يتحملون مشاكل عظيمة من أجل أمور بسيطة في الدنيا ولا يجتهدون عشر معشارها من أجل تحقيق الدين بل يقدمون أعذارا واهية. وكما أنهم يشتغلون في أمور الدنيا الأخرى كذلك عليهم أن يبحثوا في هذا النبأ العظيم أيضا الذي عليه تتوقف سعادة الحياة الأخروية.
(المصدر : جريدة البدر، بتاريخ 16-1-1908م)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد عن معنى قوله تعالى {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} :
إن تأويل الروح بعيسى في هذا المقام دجلٌ وافتراء، بل جاء في كتب التفسير أنه جبرائيل – عليه السلام -، أو ملَكٌ آخر على اختلاف الروايات كما لا يخفى على الناظرين. ثم منطوق الآية يبدي بالتصريح ويحكم بالتنقيح أن هذه الواقعة متعلقة بالقيامة ولها كالعلامة، فإن الله تعالى ذكر هذه القصة في ذكر قصة الجنة ونعمائها العامة، ثم صرح بتصريح آخر وقال: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ}، ولفظ {اليوم الحق} في القرآن بمعنى القيامة، ويعلمه كلُّ خبير أمين. فانظر كيف بيّن أنها واقعة من وقائع يوم الدين، ثم انظرْ كيف يفترون الذين في قلوبهم مرض ولا يخافون الله وما كانوا متقين.
فالحاصل أن الآية لا تؤيد زعم هذا الواشي بل تمزّقه، وبها يقع القول عليه وتجعله الآية من الكاذبين. فإنه يقول إن عيسى إله وابن إله، ويقول إن الروح هو الله وعينه، والآية تبدي أن هذا مَيْنُه، وتبدي أن الروح الذي ذُكر ههنا هو عبد عاجز تحت حكم الله وقدره، وما كان له خِيَرَةٌ في أمره، وإن هو إلا من الطائعين، وما كان له أن يشفع مِن غير إذن الله، لأن الله – عز وجل – قال في هذه الآية: {يَومَ يقُومُ الرُّوحُ والملائكةُ صَفًّا لا يتكلّمُون إلا مَن أَذِنَ له الرحمنُ وقالَ صَوابًا} وأُشير في آية: {عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّك مَقَامًا مَحمُودًا}، إلى أنه تعالى لا يعطي هذا المقام المحمود إلا نبيَّه وصفيَّه محمدًا المصطفى خير الرسل وخاتم النبيين. وأُلقِيَ في روعي أن المراد من لفظ الروح في آية {يَومَ يَقُومُ الرُّوحُ} جماعةُ الرسل والنبيين والمحدَّثين أجمعين الذين يُلقَى الروح عليهم ويُجعَلون مكلَّمين.
وأما ذِكرهم بلفظ الروح لا بلفظ الأرواح، فاعلم أنه قد يُذكَر الواحد في القرآن ويراد منه الجمع وبالعكس، سنّةٌ قد جرتْ في كتاب مبين. وذكرهم الله بلفظ الروح الذي يدل على الانقطاع من الجسم ليشير إلى أنهم في عيشتهم الدنيوية كانوا قد فنوا بكل قواهم في مرضاة الله، وخرجوا من أنفسهم كما يخرج الأرواح من الأبدان، وما بقي لهم النفس وأهواؤها، وكانوا لا ينطقون من الهوى بل بوحيٍ يوحى، فكأنهم صاروا روح القدس فقط لا نفسَ معه ولا أعراضَها.
ثم اعلم أن الأنبياء كنفس واحدة، لا يقال إنهم أرواح بل يقال إنهم روح، وذلك لشدة اتحادهم الروحانية وتناسُب جوهرهم الإيمانية، وبما أنهم فنوا من أنفسهم وحركاتهم وسكناتهم وأهوائهم وجذباتهم، وما بقي فيهم إلا روح القدس، ووصلوا الله متبتّلين منقطعين، فأراد الله أن يبين في هذه الآية مقامَ تجرُّدِهم ومراتبَ تقدُّسهم وتطهُّرهم من أدناس الجسم والنفس، فسماهم روحًا إظهارًا لجلالة شأنهم وطهارة جنانهم، وأنهم سيُلقَّبون بهذا اللقب في يوم القيامة ليُرِيَ اللهُ خَلْقَه مقام انقطاعهم، وليميز بين الخبيثين والطيبين. ولَعَمْر اللهِ إن هذا هو الحق، فتدبَّروا في كتاب الله ولا تنكروا مستعجلين.
(المصدر : كتاب نور الحق – الجزء الأول)