قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
لقد ورد في القرآن الكريم في ذكر ليلة القدر بأنها خير من ألف شهر، فليلة القدر هنا ثلاثة معانٍ، أولا: هناك ليلة القدر التي تحل في رمضان،ثانيا: زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا كان ليلة القدر، أي حين بُعث النبي – صلى الله عليه وسلم – في زمن انتتشار ظلام الجهل والإلحاد الشديد ونزل معه الملائكة لأن النبي لا يأتي وحده بل يكون كمَلَك ويصحبه جيش مئات الألوف بل ملايين الملائكة. فينصرف الملائكة إلى مهماتهم ويجذبون قلوب الناس إلى الحسنة.
ثالثا: المراد من ليلة القدر هو الوقت الأصفى للإنسان، علما أن كل الأوقات لا تكون سواسية، إذ كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في بعض الأحيان يقول لعائشة: أريحينا يا عائشة، وفي بعض الأحيان الأخرى كان ينصرف إلى الدعاء كليا (…) فكلما يتقرب الإنسان إلى الله يتيسر له هذا الوقت.
(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 31-8-1901م)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
يجب أن يكون معلوما أيضا أنه عندما يأتي مصلح عند فساد الزمان ينتشر عند ظهوره نور من السماء، بمعنى أن نورا ينزل إلى الأرض بنزوله فيهبط على قلوب مستعدة. عندها ترغب الدنيا إلى طرق الحسنة والسعادة من تلقائها بشرط استعدادها. ويتوجه كل قلب إلى التحقيق والتدقيق، وفي كل طبيعة سليمة تنشأ حركة لطلب الحق نتيجة أسباب مجهولة. فباختصار، تهبّ ريح توجِّه القلوب المهيأة إلى الآخرة، وتُوقظ القوى الراقدة، ويبدو وكأن الزمن يتحرك إلى انقلاب عظيم. فهذه العلامات كلها تشهد أن ذلك المصلح قد بُعث في الدنيا. ثم تعمل القوى الغيبية عملها في القلوب المهيأة بقدر عظمة ذلك المصلح. فيستفيق كل ذي فطرة سعيدة ولا يدرك من أيقظه. وكل ذي جبلّة صحيحة يجد في نفسه تغيّرا ولا يدري كيف حدث هذا التغيّر.
باختصار، تبدأ في القلوب حركة نوعا ما، ويزعم قليلو العلم أنها نشأت من تلقائها، ولكن الحق أنها أنوار تنزل خفية مع الرسول أو المجدد. فقد ثبت هذا الأمر بكل جلاء من القرآن الكريم والأحاديث كما يقول الله جلّ شأنه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
مع أن ليلة القدر ليلة مباركة بحسب معتقد المسلمين الظاهري، ولكن الحقيقة التي كشفها الله تعالى لي هي أنه بالإضافة إلى تلك المعاني المسلّم بها عند القوم فإن المراد من ليلة القدر زمنٌ أيضا تنتشر فيه الظلمة في الدنيا ويسودها الظلام في كل حدب وصوب. عندها تقتضي تلك الظلمة بطبيعتها أن ينزل من السماء نور. فعندها ينزل اللهُ تعالى إلى الأرض ملائكته النورانيين وروح القدس كما يناسب شأن الملائكة. عندئذ تتعلق روح القدس بذلك المجدد والمصلح الذي يُؤمَر بالدعوة إلى الحق مشرَّفا بخلعة الاجتباء والاصطفاء، أما الملائكة فيتعلقون بجميع الناس السعداء والرشيدين والمستعدين، ويجذبونهم إلى الحسنة ويوفقّونهم للصالحات. عندها تنتشر في الدنيا طرق السلام والسعادة. ويبقى الحال على هذا المنوال إلى أن يصل الدينُ الكمالَ المقدَّر له.
لا بد من الانتباه هنا أن الله تعالى يقول في هذه السورة المباركة بكلمات صريحة وواضحة أنه حينما يأتي مصلح من الله تعالى ينزل إلى الأرض حتما الملائكة الذين ينشِّطون القلوب، فبنزولهم تنشأ في القلوب الحركة والتموّج والجذب إلى البرّ وسبيل الحق. لذا فإن الظن أن هذه الحركة وهذا التموُّج ينشأ تلقائيا بغير ظهور المصلح يعارض كلام الله المقدس ويناقض نواميس الطبيعية القديمة. ولا يتفوه بمثل هذا الكلام إلا الذين يجهلون أسرار الله كليا ويتبعون ظنونهم التي لا أصل لها. بل الحق أنها علامات خاصة بظهور المصلح السماوي، وهي كمثل الذرات حول تلك الشمس، ولكن اكتشاف هذه الحقيقة ليس بوسع كل شخص. ولا يمكن لنظرة شخص مادي ذي وجهين أن تكشف هذا النور. وإن الحقائق الدينية إنما هي مدعاة للضحك في نظره، وإن المعارف الإلهية غباوة لديه.
(المصدر : كتاب شهادة القرآن)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
هناك ليلة القدر التي تحل في الهزيع الأخير من الليل، حيث يتجلى الله تعالى ويقول مادًّا يده: هل مِن أحد يدعو ويستغفر حتى أجيب دعاءه؟ ولكن له معنى آخر أيضا الذي ينكره المشايخ ويخالفونه لسوء الحظ، وهو أننا أنزلنا القرآن في ليلة حالكة الظلام كانت تدعو مصلحا عظيما. لقد خلق الله تعالى الإنسان للعبادة كما يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 57). فلما خلق الإنسان للعبادة فلا يمكن أن يبقى في الظلام، ففي هذا الزمن تقتضي طبيعته تلقائيا أن يأتي مصلح. إذًا فالآية: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} دليل آخر على زمن كان بحاجة إلى بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم -.
(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 31-7-1906م)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
نحن نقبل ليلة القدر بالمعنيين، الأول كما هو معروف بوجه عام أن الله يجيب الدعوات أكثر في بعض الليالي. والمعنى الثاني هو الزمن المظلم الذي ينتشر فيه الظلام بوجه عام ولا يبقى للدين الحق أيّ أثر. والذين يبحثون عن الإله الحق في هذا الزمن ويطيعونه هم الذين يستحقون تقديرا كبيرا. مَثلهم كمثل مَلك له جيش كبير ولكن الجنود كلهم يفرون عند مواجهة العدو ولا يبقى إلا واحد أو اثنين منهم، فينتصر الملك بواسطتهما فقط. يمكنكم أن تقدّروا الآن كم سيستحق هذا الجندي أو الجنديان من التقدير والاحترام في نظر الملك. فترى الإلحاد منتشرا على نطاق واسع في العصر الراهن، هناك مَن ينكر الله بقوله وهناك من ينكره بعمله، ومن كان عابدا حقيقيا لله في هذا العصر يكون جديرا بالتقدير العظيم.
إن زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا كان ليلة القدر إذ لم تكن حينذاك للظلمة أية حدود، فكان اليهود قد ضلوا من ناحية، ومن ناحية أخرى ضل المسيحيون، كانت عبادة الأوثان والنار منتشرة في الهند. باختصار، كان الفساد سائدا في العالم كله. هذا الوقت الذي كان الظلام قد بلغ منتهاه اقتضى أن ينزل من السماء نور. فالنور الذي نزل حينها كان شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – المباركُ.
من المعلوم بوجه عام أنه عندما يبلغ الظلام منتهاه يجذب النورَ تلقائيا كما أنه عندما تحل الليلة 29 من ليالي القمر تكون مظلمة تماما، فيكون ذلك الوقت موعد طلوع هلال جديد. فقد سمى الله تعالى هذا العصر أيضا ليلة القدر كما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. كذلك عندما يبلغ نور هذا العصر منتهاه يبدأ بالزوال بعد ذلك رويدا رويدا كما ترون القمر. هكذا سيكون إلى يوم القيامة أن النور ينال الغلبة في عصر ثم يغلب الظلام.
(المصدر : جريدة البدر، بتاريخ 8-1-1904م)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
لقد جرت سنة الله أنه كلما نزل من السماء رسول أو نبي أو محدَّث لإصلاح خلق الله ينزل معه ملائكةٌ حتما يلقون الهداية في القلوب المتحمسة ويرغِّبونهم في الحسنة ويستمر نزولهم ما لم تنمحِ ظلمة الكفر والضلال وينبلج صبح الإيمان والحق كما يقول جلّ شأنه: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فإن الملائكة وروح القدس تنزل من السماء حين ينزل إلى الأرض رجل عظيم لابسا خلعة الخلافة ومشرَّفا بمكالمة الله. ويوهب هذا الخليفةُ الروحَ القدسَ بوجه خاص، وتتنزّل الملائكة التي معه على القلوب السليمة من أهل الدنيا كلهم. فحيثما وُجد أشخاص متميزون من هذه الناحية نزل عليهم ذلك النور ويغطِّي العالم كله. وتنشأ في القلوب أفكار حسنة تلقائيا بتأثير الملائكة الطيب ويُحبَّب إليهم التوحيد، وتُنفخ في القلوب الصادقة روح حب الصدق والبحث عن الحق ويُرزَق الضعفاء قوةً، وتهب رياحٌ تدعم هدف ذلك المصلح وتخدم غايته. وينجذب الناس إلى الصلاح تلقائيا بجذب يد من الغيب، فتحدث في الأقوام حركة. عندها يظن عديمو الفهم من الناس أن أفكار الناس ميّالة إلى الصدق تلقائيا ولكنه في الحقيقة عمل الملائكة التي تنزلُ من السماء مع خليفة الله ويرزقون الناس قوى خارقة لفهم الحق وقبوله. إنهم يوقظون الرقودَ ويعيدون السكران إلى الصواب ويفتحون آذان الصم وينفخون روح الحياة في الأموات، ويخرجونهم من القبور. عندها يبدأ الناس بفتح عيونهم دفعة واحدة وتنكشف على قلوبهم أمور كانت خافية من قبل. والحق أن هؤلاء الملائكة ليسوا منفصلين عن خليفة الله بل هم نور وجهه وعلامات جليّة لعزيمته ويجذبون إلى أنفسهم كل ذي طبيعة ملائمة بقوتهم المغناطيسية سواء أكان قريبا جسديا أو بعيدا، وسواء أكان من المعارف أو من الأغيار تماما وإن كان يجهل حتى الاسم.
فباختصار، إن الحركة إلى الحسنة التي تنشأ في ذلك الزمن، وألوان الحماس الذي يتولد لقبول الحق سواء أكان في الآسيويين أو في سكان أوروبا أو أميركا إنما يظهر بحثٍّ من الملائكة الذين ينزلون مع خليفة الله. هذه هي سنة الله التي لن تجدوا فيها تبديلا أبدا.
(………)
ثم تابع حضرته فقال :
يقول الله تعالى في سورة القدر بل يبشر المؤمنين أن كلامه ونبيَّه قد أُنزلا من السماء في ليلة القدر. وكل مجدد ومصلح يأتي من الله إنما ينزل في ليلة القدر. وما أدراكم ما ليلة القدر؟ ليلة القدر اسم آخر لزمن مظلم بلغ فيه الظلام منتهاه. فيقتضي ذلك الزمن بالطبع أن ينزل فيه نور لدحْرِ ذلك الظلام. فقد سمِّي هذا الزمان ليلة القدر على سبيل المجاز. إنه ليس ليلا على وجه الحقيقة بل هو زمنٌ يشبه الليل لظلمته. عندما يمضي -على وفاة نبي أو نائبه الروحاني- ألف شهر الذي ينذر باقتراب عمر المرء من نهايته ويُهدد بوداع حواسه يسدل هذا الليل أستاره. عندها تُبذر سرًّا بأمر من السماء بذرة مجيء مصلح أو مصلحين كثيرين فيُعَدّون في الخفاء ليظهروا على رأس قرن جديد. فإلى هذا الأمر يشير الله جلّ شأنه في قوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي أن الذي يرى نور ليلة القدر هذه ويتشرّف بصحبة مصلح الوقت خيرٌ من شيخ بلغَ ثمانين حولا ولم يشهدْ هذا الوقت المنير. وإذا وجد من هذا الوقت ساعة واحدة كانت أفضل من ألف شهر مضت قبلها. ولكن ما هو وجه الأفضلية؟ لأن في تلك الليلة تنزل من السماء ملائكة الله وروح القدس مع ذلك المصلح بإذن الرب الجليل. ولا تنزل عبثا بل تنزل على القلوب المهيأة وتفتح عليها سبل السلام. فتظل عاكفة على فتح السبل كلها ورفع الحجب كلها حتى تزول ظلمة الغفلة وينبلج صبح الهداية.
(المصدر : كتاب فتح الاسلام)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
النقطة الدقيقة الأخرى التي نطَّلع عليها بالتدبر في سورة “القَدْر” هي أن الله تعالى قد قال في هذه السورة بجلاء وبكلمات صريحة بأنه كلما يأتي مصلح سماوي إلى الدنيا، ينزل معه الملائكة من السماء، ويجذبون إلى الحق أناسا مهيَّئين. وبهذا نستفيد فائدة جديدة من مضمون آيات سورة “القدر” أنه إذا نشأت في قوى الناس -في زمن الضلال والغفلة الشديدة- حركة عفوية وخارقة للعادة للتحري والبحث في أمور الدين من تلقاء أنفسهم، لكانت هذه إشارة إلى أن مصلحا سماويا قد جاء، لأن نشوء هذه الحركة دون نزول روح القدس مستحيل. وإن تلك الحركة تكون على قسمين بحسب مواهب الطبائع واستعدادها؛ أي الحركة التامة والحركة الناقصة. إن الحركة التامة هي تلك التي تهب الروح نزاهة، وتنشِّط العقل والفهم إلى حد كبير، وتوجههما إلى الحق. أما الحركة الناقصة فهي أن يتنشط العقل والفهم إلى حد ما بتحريض من روح القدس، ولكنهما لا يتوجهان إلى الحق بسبب عدم سلامة المواهب والاستعداد، بل تنطبق عليهما آية: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا}. أي أن الحركة في فهْم هذا الشخص وعقله تؤدي إلى تدهور حالته أكثر من ذي قبل، وذلك مثلما حدث في أزمنة جميع الأنبياء؛ إذ أنه كلما نزل الملائكة، نشأت مع نزولهم حركة عامة في الطبائع بوجه عام، وبتحريض باطني من الملائكة. فيُجذَب أبناء الصدق إلى هؤلاء الصادقين، أما الذين هم ذرية الشيطان فهم أيضا يستفيقون من رقود الغفلة ويتوجهون أيضا إلى أمور الدين، ولكن لا يستطيعون التوجُّه إلى الحق بسبب النقصان في مواهبهم واستعدادهم.
إذًا، إن الملائكة الذين ينزلون مع المصلح الرباني يقع تأثيرهم في كل شخص، فيتأثر الصالحون بالتأثير الطيب، ويتأثر الطالحون بالتأثير السيئ؛ كما يقول بيت بالفارسية، تعريبه:
“لا خلاف في طبيعة المطر، ولكن بنزوله تنبت في الحدائق الأزهار والورود، وفي الأراضي القاحلة الكلأ والعشب”.
فالآية: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا} تشير إلى ذلك التأثير ذي الأنواع المختلفة، كما قلت من قبل.
من الجدير بالاهتمام أيضا أن زمن نزول كل نبي يكون في زمن ليلة القدر، حيث ينزل بأمر الله، هو والكتاب الذي يُعطاه، وتنزل الملائكة لنصرته أيضا. ولكن أعظم ليلة قدر هي تلك التي أُعطيها نبينا الأكرم – صلى الله عليه وسلم -. الحق أن زمن ليلة القدر هذه ممتد من زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى يوم القيامة. وكل حركة أو نشاط يحدث في قلوب الناس أو في قواهم العقلية منذ زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى يومنا هذا، إنما هو من تأثيرات ليلة القدر هذه. والفرق الوحيد هو أن الحركة في قوى سليمي الطبيعة تكون كاملة ومستقيمة، أما قوى الأشقياء العقلية فتتحرك بزيغٍ وبصورة غير مستقيمة. والزمن الذي يولَد فيه نائب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الدنيا، تتنشط تلك الحركات بسرعة هائلة. بل تبدأ الحركة والنشاط في القوى الإنسانية سِرًّا إلى حد ما، وذلك منذ الزمن الذي يُخلق فيه ذلك النائب في رحم أمه، وتنشأ حركة في قوى الناس على قدر كفاءاتهم، ثم تتنشط هذه الحركة كثيرا عندما يُعطَى ذلك النائب صلاحيات النيابة.
فليلة القدر التي قُدِّرت عند نزول نائب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هي في الحقيقة فرعٌ، أو قولوا إن شئتم ظِلٌ لليلة القدر التي أُعطِيها النبي – صلى الله عليه وسلم -. ولقد أعلى اللهُ تعالى شأنَ ليلة القدر هذه كثيرا، إذ وردت بحقها الآية الكريمة: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} . أي في زمن ليلة القدر هذه الذي سيمتد إلى يوم القيامة، ستُنشر في الدنيا أمور الحكمة والمعرفة كلُّها، وتُنشر أيضا أنواع علوم غريبة ومعارف نادرة وصناعات عجيبة على صحيفة العالم. وستُبرَز المؤهلات الكامنة في القوى البشرية بحسب الإمكانيات المختلفة لبسطتهم في العلم والعقل وبقدر كفاءاتهم للتقدم. ولكن كل ذلك سيظل مستمرًّا نتيجة الحركات القوية في الزمن الذي يولَد فيه في الدنيا نائب الرسول – صلى الله عليه وسلم -. والحق أن هذه الآية قد فُصِّلت في سورة “الزَّلزَلة” بمزيد من الشرح، لأنه بإنزال سورة القدر قبل سورة الزلزلة، أُشيرَ إلى أنه قد جرت سنة الله في أن كلام الله ينزل في ليلة القدر دائما، وأن نبيّه ينزل في الدنيا في ليلة القدر، وفيها أيضًا تنزّل الملائكة، والتي بسببها ينشأ في الناس حماس للحسنات، فيظلون عاكفين على جذب القلوب المتحمسة إلى الحق؛ بدءًا من ليلة الضلال الحالكة الظلام، وإلى انبلاج صبح الصدق والحق.
(…………..)
ثم تابع حضرته فقال :
كذلك فتح الله عليّ نقطة أخرى من المعارف القرآنية أن المراد من: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ليس فقط أنها ليلة مباركة نزل فيها القرآن، بل إلى جانب هذا المعنى -الذي هو صحيح طبعا- هناك معانٍ أخرى في باطن هذه الآية، وقد بيّنتها في كتيب “فتح الإسلام”.
(…………..)
ثم تابع حضرته فقال :
كشف الله تعالى عليّ أن معنى ليلة القدر الذي بيّنه العلماء من قبل صحيح تماما ومسلّمٌ به، وإلى جانب ذلك هناك معنى آخر أيضا بيّنتُه، ولا منافاة بينهما قط. والمعلوم أن للقرآن الكريم ظهرا وبطنًا، وتكمن فيه مئات المعارف. فإذا بيَّنتُ هذا المعنى لليلة القدر بتفهيم من الله، فكيف ظُنَّ أنني أرفض المعاني المذكورة من قبل. ألا يُسمَّى زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – خير القرون؟ ألم تكن العبادات في ذلك الزمن أكثر ثوابا؟ أَلم يكن الملائكة ينزلون في ذلك الزمن لنصرة الدين؟ ألم يكن الروح الأمين ينزل فيه؟ فلا شك أن كافة آثار ليلة القدر وأنوارها وبركاتها كانت موجودة في ذلك الزمن، غير أن نوعا من الظلمة أيضا كان موجودا، فكانت تلك الأنوار والملائكة والروح الأمين وأنواع عدة من النور تنزل لإزالتها. وإضافة إلى ذلك إذا سمِّي، بإلهام من الله، زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – المقدسُ أيضا ليلةَ القدر، فأي عيب في ذلك؟ أيجوز تسمية مَن يسلِّم بمعنًى من معاني القرآن الكريم ملحدا، ثم يبيّن نقطة دقيقة أخرى إضافة إلى ذلك؟ لا شك أن أصحاب هذه الأفكار يعادون القرآن الكريم وينكرون إعجازه.
(المصدر : كتاب إزالة الأوهام)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} .. فمع أن هذه الليلة هي ليلة عظيمة بحسب معناها المتداول، ولكن يبدو من إشارات القرآن الكريم أن حالة الدنيا المظلمة أيضا في حكم ليلة القدر من حيث ميزاتها الخافية، وأن للصدق والصبر والزهد والعبادة في هذه الحالة المظلمة قدرا عظيما عند الله تعالى. وإنها لتلك الحالة من الظلمة التي بلغت أوجها في زمن بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – واقتضت نورا عظيما. فبالنظر إلى تلك الحالة المظلمة وترحما على العباد الذين يعيشون فيها أو وترحما على العباد في ذلك الحين هاجت صفة الرحمانية، فتوجهت البركات السماوية إلى الأرض. فصارت تلك الحالة المظلمة مباركة للدنيا فنالت حظا من الرحمة العظيمة فجاء لهداية الدنيا الإنسان الكامل وسيد الرسل الذي لم ولن يولَد مثله أبدا، وجاء للدنيا بكتاب منير لم تر عين مثله. فكان تجليا لكمال رحمانية الله – عز وجل – إذ أنزل في وقت الظلمة والظلام نورا عظيما اسمه الفرقان الذي يفرِّق بين الحق والباطل، والذي أحقّ الحق وأفنى الباطل، ونزل على الأرض حين كانت الأرض قد ماتت ميتة روحانية، وظهر فساد كبير في البر والبحر، فقد حقّق بنزوله مهمة عظيمة أشار الله تعالى إليها قائلاً: {اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (الحديد: 18)؛ أي كانت الأرض قد ماتت، والآن سيحييها الله من جديد.
(المصدر : كتاب البراهين الأحمدية)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
معنى هذه السورة الحقيقي -الذي يشمل حقيقة كبيرة كما كتبتُ من قبل- هو بيان قانون عام عن الزمن الذي يُرسل فيه كتاب أو رسول إلى الدنيا. فذلك القانون هو أنه حين يسود القلوبَ ظلامٌ غليظ عندما تتَّجه القلوب كلها إلى الدنيا دفعة واحدة، ويتطرق الخلل والفساد إلى جميع معتقداتهم وأعمالهم وأفعالهم وأخلاقهم وآدابهم ونيّاتهم وهممهم وبالا على توجُّههم إلى الدنيا، ويتلاشى حب الله من القلوب نهائيا ويتفشى هذا الوباء بوجه عام حتى يعمّ الظلام الدهرَ كله كالليلة الليلاء؛ ففي هذا الوقت، أي حين يبلغ الظلام أوجه، تتوجه الرحمة الإلهية إلى تخليص الناس منه، فيبين – عز وجل – في كلامه الأساليب التي تقتضيها الحكمة لإصلاحهم. فهذا ما أشار إليه الله تعالى في الآية المذكورة آنفا حين قال بأننا أنزلنا القرآن الكريم في ليلة كان من الضروري فيها بيان كيفية الصراط المستقيم وبيان حدود الشريعة وذلك لإصلاح العباد وخيرهم. أيْ حين كانت ظلمة الضلال قد بلغت ذروتها مثل الليلة الحالكة الظلام تماما، توجّهت رحمة الله -بُغية إزالة ذلك الظلام الحالك- إلى إنزال نور باهر يقدر على إزالته. فقد أعطى اللهُ تعالى عبادَه نورا عظيما بإنزاله القرآن الكريم الذي يزيل ظلمة الشكوك والشبهات وينشر النور.
وليكن معلوما في هذا المقام أن ليلة القدر الباطنية لا تتنافى بشيء مع ليلة القدر الظاهرية المعروفة عند العوام. بل جرت سنة الله على أنه يفعل كل شيء بحكمة ويُضفي على الحقيقة الباطنية صورةً ظاهريةً تنسجم معها تماما. ولأن الحقيقة الباطنية لليلة القدر هي مرحلة كمال الضلال حين تتوجه أفضال الله تعالى لإصلاح العالم، لذا جعل – سبحانه وتعالى – لإحقاق الانسجام- المرحلة الأخيرة من هذا الزمن المليء بالضلال البالغ منتهاه ليلةً خارجيةً؛ فكانت هذه الليلة حين وجد الله تعالى الدنيا في ضلال كامل اقتضى إنزال كلامه المقدس على نبيه. فمن هذه الناحية كانت في طيات هذه الليلة بركات عظيمة، أو قولوا إن شئتم بأنها قد خُلقت منذ القِدم بحسب هذه المشيئة القديمة، ثم بقي ذلك القبول وتلك البركة في تلك الليلة المقدّرة إلى الأبد.
ثم قال تعالى بأنه في تلك المرحلة من الظلام التي كانت تشبه الليلة الليلاء التي نزل نور الكلام الإلهي لتنويرها، جُعلت ليلة واحدة فيها خيرٌ من ألف شهر بسبب نزول القرآن. ولو تدبّرنا من منطلق العقل أيضا لتبين أن زمن الضلال أقرب من أيِّ زمن آخر قربا وثوابا من حيث العبادة والطاعة، فكان أفضل من الأزمنة الأخرى، وإن العبادات فيه أقرب إلى القبول بسبب المشقة والصعوبة فيها، وإن العابدين فيه أحق برحمة الله؛ لأن مرتبة العابدين والمؤمنين الصادقين إنما تتحقق عند الله في مثل هذا الوقت حين يستولي على العالم كلّه حبُ الدنيا وتكون الحياة مهددة بالخطر نتيجة الالتزام بالصدق. ومن الواضح تماما أنه حين تكتئب القلوب وتموت، تبدو جيفة الدنيا هي المحببة لدى الجميع، وتهبّ الريح السامّة للموت الروحاني من كل حدب وصوب، ويتلاشى حب الله من القلوب نهائيا، وتُحدِق بالمرء أخطارٌ ذات أنواع عدة لدى توجهه إلى الله وكونه عبدا وفِيًّا له – عز وجل -، ولا يوجد في هذا السبيل صديق ولا رفيق في الطريق، بل تتراءى لمن يتمنى السلوك على هذا الطريق مصائب تؤدي به إلى الموت ويعدُّ ذليلا مهانا في أعين الناس، فإن الصمود في ظل هذه الظروف والتوجّهُ إلى الحبيب الحقيقي وترك صحبة الأقارب والأصدقاء والمعارف غير المستقيمين، وقبول الفقر والمسكنة ومصائب العزلة وعدم المبالاة بالإيذاء والذلة والموت؛ إنما هو عمل لا يسع أحدا إنجازه إلا أولو العزم من المرسَلين والأنبياء والصديقين الذين تهطل عليهم أمطار أفضال الله تعالى، والذين يُجذَبون إلى حبيبهم الحقيقي دون أن يكون لهم في ذلك خيار. والحق أن الصمود والصبر وعبادة الله – عز وجل – في مثل هذا الوقت تجلب لصاحبها من الأجر والثواب ما لا يُنال في أيّ وقت آخر قط.
فمن هذا المنطلق وبسبب شدة الضلال، وُضع أساس ليلة القدر في زمن كان الثبوت فيه على الحسنة عمل بطولي عظيم. ففي هذا الوقت ينكشف قدر الأبطال وعظمتهم، وتبلغ ذلة الجبناء مبلغ الثبوت. فهذا هو الزمن المظلم -بل الحالك الظلام- الذي يظهر بكل صورة مهيبة كالليلة الليلاء. وفي هذا الزمن الثائر كأنه وقت الابتلاء الكبير؛ لا يُنقَذ من الهلاك إلا الذين تظللهم أفضال الله تعالى بوجه خاص. فبناء على هذه الأسباب جعل الله تعالى ليلة القدر كجزء من هذا الزمن الذي بلغ فيه الضلال غايته، ثم بيّن كيفية البركات السماوية التي يُتدارك بها ذلك الضلال، وقال: إن من سنّة أرحم الراحمين هي أنه عندما يبلغ الضلال أوج كماله ويصل خط الظلام إلى منتهاه المسمى ليلة القدر باطنيا، يتوجه الله تعالى إلى العالَم المظلم في تلك الليلة التي ظلمتها تشبه ظلمة باطنيةً، وتتنزل الملائكة وروح القدس على الأرض بإذنه – سبحانه وتعالى – الخاص، ويُبعث نبي الله تعالى لإصلاح الخلق. فينال ذلك النبي نورا سماويا ويُخرج خلق الله من الظلمة. ويظل ذلك النور يزداد ما لم يبلغ كماله. وبحسب هذا القانون نفسه أيضًا؛ يُخلَق الأولياء الذين يُبعثون للإرشاد وهداية الخلق لأنهم ورثة الأنبياء، ويوفَّقون للتأسي بأسوتهم.
يجب أن يكون معلوما الآن أن الله تعالى قد بيّن في القرآن الكريم بكلمات قوية جدا أن المدّ والجزر حاصل في حالة الدنيا منذ القِدم. وهذا ما أشار – عز وجل – إليه في الآية الكريمة: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} .. أيْ أنه – عز وجل – يخلق الهدايةَ عند غلبة الضلال، والضلالَ عند غلبة الهداية. وحقيقة هذا المد والجزر هي أنه تتولد في قلوب الناس بأمر من الله تعالى حالة من الانقباض والعُنجهية أحيانا؛ فيحبون زينة الدنيا وتعكف جُلُّ هممهم على تسوية أمور دنياهم والحصول على ملذاتها ورفاهيتها. تلك هي مرحلة الظلام، وليلتها البالغة منتهاها تسمّى ليلة القدر. وليلة القدر هذه تحلّ دائما، ولكنها حلّت بوجه أكمل حين حان أوان بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – لأن الضلال الذي كان سائدا حينها وبصورة كاملة، لم ولن ينتشر مثله إلى يوم القيامة.
فباختصار، حين تبلغ هذه الظلمة نقطتها النهائية المقدرة لها؛ تتوجه الرحمة الإلهية إلى تنوير العالم، ويُرسَل أحد من أصحاب النور لإصلاح الدنيا. وحين يأتي تنجذب إليه الأرواح النَشِطة تلقائيا. من المستحيل تماما ألا تتجه الفراشة إلى السراج المضيء، كذلك لا يمكن قط ألا تتجه الفطرة السليمة بحسن الاعتقاد إلى صاحب النور بعد ظهوره.
إن الادّعاء الأساسي الذي بينه الله تعالى في هذه الآيات يتلخّص في أن حالة الزمن كانت قد آلت عند بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى حالة اقتضت طلوع شمس الصدق. فمن هذا المنطلق بيّن الله تعالى في القرآن الكريم مهمة رسوله مرارا؛ وهي أنه وجد العصر في ظلمة حالكة، فأراد أن يُخرج أهله منها.
(المصدر : كتاب البراهين الأحمدية)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
الملائكة ينـزلون إلى الأرض مع قرارهم وثباتهم في مقامات معلومة، وهذا سرٌ من أسرار قدرته، ولولا الأسرار لما عُرف الرب القهّار. ومقامات الملائكة في السماوات ثابتة لا ريب فيها كما قال الله تعالى حكاية عنهم: “وَمَا مِنَّا إلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ”. وما نرى في القرآن آية تشير إلى أنهم يتركون مقاماتهم في وقت من الأوقات، بل القرآن يُشير إلى أنهم لا يتركون مقاماتهم التي ثبّتهم الله عليها، ومع ذلك ينـزلون إلى الأرض ويُدركون أهلها بإذن الله تعالى.
(………..)
ثم تابع حضرته فقال :
وقد ثبت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يؤيد قولنا هذا من عدم نزول الملائكة، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملَكٌ ساجد أو قائم، وذلك قول الملائكة: “وَمَا مِنَّا إلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ”.
فاعلم.. رحمك الله.. أن هذا دليل قطعي على أن الملائكة لا يتركون مقاماتهم، وإلا فكيف يصح أن يُقال إنه لا يوجد في السماء موضع قدم إلا عليه ملَكٌ؟ وكيف تبقى هذه الصورة عند نزول الملائكة إلى الأرض؟ ألا تعتقدون أن لجَبْرَئِيل جسما يملأ المشرق والمغرب؟ فإذا نزل جبرائيل بذلك الجسم العظيم إلى الأرض وبقيت السماء خالية منه، ففَكِّرْ في مقدارٍ خالٍ وتذكَّرْ حديثَ “موضع قدم”، وكن من المتندمين.
ثم إذا فكرت في سورة ليلة القدر فيكون لك ندامة وحسرة أزيد من هذا، فإن الله يقول في هذه السورة أن الملائكة والروح ينزلون في تلك الليلة بإذن ربهم، ويمكثون في الأرض إلى مطلع الفجر، فإذا نزلت الملائكة كلهم في تلك الليلة إلى الأرض فلزم بناءً على اعتقادك أن تبقى السماء كلها خالية بعد نزولهم ، وأنت تعلم أن الرشد قد تبيّن من الغي، ولن تستطيع أن تُخرج لنا حديثًا دالاًّ على أن السماء تبقى خالية بعد نزول الملائكة إلى الأرض.
(………..)
ثم تابع حضرته فقال :
الحق أن للملَك لَمَّةً بقلب بني آدم وللشياطين لَمَّة، فإذا أراد الله أن يبعث مصلحا من رسول أو نبي أو محدَّث فيقوّي لَمَّةَ الملَك ويجعل استعداداتِ الناس قريبةً لقبول الحق، ويعطيهم عقلا وفهما وهمّة وقُوّةَ تحمُّلِ المصائب ونورَ فهمِ القرآن ما كانت لهم قبل ظهور ذلك المصلح، فتُصفَّى الأذهان، وتتقوى العقول، وتعلو الهمم، ويجد كل أحد كأنه أُوقظَ من نومه، وكأن نورًا ينزل من غيب على قلبه، وكأن معلّمًا قام بباطنه، ويكون الناس كأن الله بدّل مزاجهم وطبيعتهم، وشحّذ أذهانهم وأفكارهم. فإذا ظهرت واجتمعت هذه العلامات كلها فتدل بدلالة قطعية على أن المجدد الأعظم قد ظهر، والنور النازل قد نزل، وإلى هذا أشار سبحانه في سورة القدر وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وما أدراك ما ليلةُ القدر* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}. وأنت تعلم أن الملائكة والروح لا ينزلون إلا بالحق، وتعالى الله عن أن يُرسلهم عبثًا وباطلاً. فإرسال الروح ههنا إشارة إلى بعث نبي أو مرسَل أو محدَّث يُلقى ذلك الروح عليه، وإرسال الملائكة إشارة إلى نزول ملائكة يجذبون الناس إلى الحق والهداية والثبات والاستقامة، كما قال الله تعالى في مقام آخر: {إِذْ يوحي ربك إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} أي هاتوا قلوبَهم وحَبِّبوا إليهم الإيمانَ والثبات والاستقامة، فهذا فعل الملائكة إذا نزلوا.
ففي سورة القدر إشارة إلى أن الله تعالى قد وعد لهذه الأمة أنه لا يضيّعهم أبدا، بل إذا ما ضلوا وسقطوا في ظلمات يأتي عليهم ليلة القدر، وينزل الروح إلى الأرض، يعني يلقيه الله على من يشاء من عباده ويبعثه مجددا، وينزل مع الروح ملائكةٌ يجذبون قلوب الناس إلى الحق والهداية، فلا تنقطع هذه السلسلة إلى يوم القيامة.
(المصدر : كتاب حمامة البشرى)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
حينما يأتي نبي أو رسول بأمر من السماء ينزل ببركته نور من السماء بحسب قدرات الناس ويلاحَظ انتشار الروحانية. فيتقدم كل شخص في مجال الرؤى، أما الذين لديهم قدرة على الإلهام فيتلقون الإلهام، وتُشحَذ العقول في أمور الروحانية. وكما تستفيد كل قطعة أرض إلى حد ما من نزول المطر كذلك تماما يحدث عندما يحل فصل الربيع لدى بعثة الرسول. فيكون الرسول هو السبب لكافة البركات. وكلَّ ما يتلقى الناس من رؤى أو إلهامات فإن الرسول هو السبب الحقيقي وراء فتح أبوابها عليهم، لأنه بمجيئه يحدث التغير في الدنيا وينزل من السماء نور عام يستفيد منه كل شخص حسب قدرته، ويصير هذا النور سببا للرؤى والإلهام. ولكن الجاهل يظن أن ذلك قد حصل بسبب تدبيره هو، ولكن الحق أن ذلك الينبوع من الإلهام والرؤى يُفجَّر للدنيا ببركة ذلك النبي، ويكون زمنه زمن ليلة القدر التي تنزل فيها الملائكةُ كما يقول الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}. فهذه سنة الله منذ أن خَلق الدنيا.
(المصدر : كتاب حقيقة الوحي)
قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد :
عندما يأتي المبعوث مأمورا من الله تعالى ينزل معه ملائكة بعدد لا يُعَدّ ولا يحصى، ويخلقون في القلوب أفكارا حسنة وطيبة -كما كان الشياطين يخلقونها من قبل- وكل ذلك يُنسب إلى المبعوث لأن بمجيئه تنشأ هذه النشاطات. كذلك قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وما أدراك ما ليلةُ القدر}، فيكون مقدرا عند الله أن ينزل الملائكة في زمن المبعوث. فهل يمكن أن يتم ذلك دون النصرة الإلهية؟ هل من المعقول أن ينهض شخص واحد من تلقائه وينجح في كسر الصليب؟ بل يمكن أن يتحقق كل ذلك إذا أنهضه الله تعالى.
(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 24-4-1903م)
