Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

معاني سورة الطارق

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

إن الله تبارك وتعالى قال في كتابه المحكم: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}، فلما كانت الملائكة حافظين لنفوس النجوم والشمس والقمر والأفلاك والعرش وكل ما في الأرض، لزم أن لا يفارقوا ما يحفظونه طرفة عين، فانظر كيف ظهر من هذا الأمرُ الحقُّ، وبطل ما زعم الزاعمون من نزولهم وصعودهم بأجسامهم الأصلية. فلا مفر إلى سبيل من قبولِ دقيقةِ المعرفةِ التي كتبناها. أعني أن الملائكة لا ينزلون بنزول حقيقي، ولا يرون وعثاء السفر، بل إذا أراد الله إراءتهم في الناسوت فيخلق لهم وجودا تمثليا في الأرض، فتراهم العين التي تسرح في روضات الكشف. ولو لم يكن كذلك للزم أن يرى الملائكةَ الناسُ كلهم عند نزولهم إلى الأرض لقبضِ الأرواح وغيرها من المهمات، وللزم أن يرى مَلَكَ الموت مثلاً كلُّ من تُوُفِّيَ أحدٌ من أقاربه وممن يؤاخيه ومن عشيرته وعقبه وقومه وأصدقائه أمام عينه، فإن جسم الملائكة جسم كأجسام أخرى، فلا وَجْهَ لعدم رؤيتهم مع نزولهم بأجسامهم الأصلية. وأنت تعلم أن خَلقًا كثيرا يموتون أمام أعيننا فلا نرى عند نزعهم وغمرةِ موتهم الملائكةَ التي تَوفَّتْهم، وما نسمع ما يسألون الموتى وما يكلّمونهم.

 

(المصدر : كتاب حمامة البشرى)

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

إذا طُرح سؤال: أين جاء في القرآن الكريم صراحةً أو إشارة أن روح القدس يبقى مع المقربين دائما ولا يهجرهم؟ فجوابه أن القرآن الكريم زاخر بهذه التصريحات والإشارات، بل يعد كلَّ مؤمن بصحبة روح القدس. فمن جملة الآيات التي تصرِّح بذلك آيات سورة الطارق وهي: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}. الآية الأخيرة منها أيْ: {كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} التي معناها أن على كل نفسٍ ملاكٌ حافظ عليها، تدل دلالة صريحة على أنه كما أن هناك ملاكا موكَّلا على وجود الإنسان الظاهري لا ينفصل عنه كذلك هناك ملاكٌ موكَّل بحفظ باطنه أيضا فيحفظه من الشيطان ويحميه من ظلمة الضلال، وهو روح القدس الذي لا يسمح بتسلُّط الشيطان على عباد الله الخواص. وهذا ما تشير إليه أيضا الآية: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}.
انظروا الآن، كيف تبين هذه الآية بصراحة تامة أن مَلاكا من ملائكة الله يبقى مع الإنسان دائما وفي كل حين بُغية حفظه، ولا يفارقه لحظة واحدة. هل يمكن أن يخطر بالبال في هذا المقام أن يكون هناك ملاكٌ موكَّل برقابة الإنسان الظاهرية دائما ولم يوكل لرقابتة الباطنية الدائمة؟ بل يستطيع أن يفهم أكثر الناس تعصبا أيضا أن حفظ الباطن والروح أهم من حفظ الجسد لأن ضرر آفة الجسد يقتصر على هذا العالَم فقط أما آفة الروح والنفس فتُلقي بالمرء في جهنم أبدية. فالله الرحيم الكريم الذي يرحم جسد الإنسان الذي يوجد اليوم وسيصبح ترابا غدا أنّى لنا أن نزعم أنه لا يرحم روح الإنسان؟ فثابت من هذا النص القطعي واليقيني أن روح القدس أو قولوا إن شئتم ملاك الرقابة الداخلية يبقى مع الإنسان الصالح دائما كما يكون معه لحفظه الباطني.
هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم بهذا المعنى يثبت منها أن هناك ملائكة موكّلين لتربية الإنسان وحفظه الظاهري والباطني ولتسجيل أعماله ويبقون معه على الدوام. فمن جملة تلك الآيات قول الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} ، {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} ، {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} . أيْ أن لله حافظين يرسلهم إليهم فيحفظونهم من كل جانب، ظاهريا وباطنيا أيضا.
وفي هذا المقام أورد صاحب “معالم” حديثا يفيد أن لكل عبد ملاكا موكَّلا يبقى معه دائما ويحفظه في أثناء نومه ويقظته من الشياطين وبلايا أخرى. وبهذا المعنى أورد حديثا آخر برواية كعب الأحبار. وقد أورد ابن جرير في تأييد هذه الآية حديثا: “إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم”. وقد جاء في هذا المقام عن عكرمة حديث مفاده أن الملائكة يكونون مع الإنسان دائما لحفظه من كل شرّ، وعندما ينزل القدر المبرم يهجرونه. ونُقل عن مجاهد أنه ما من إنسان لم يوكل لحفظه الدائم ملاكٌ.

 

(…………………)

 ثم تابع حضرته   فقال :

 

والهدف من القَسم هو البيان أنه ما من نفس إلا وعليها حافظٌ، بمعنى أن على كل نفس من نفوس المخلوقات ملاكا موكَّلا يراقبها ويبقى معها دائما. لقد أورد الله تعالى هذه الآية بحصرها في كلمة “كلّ”، فثبت من ذلك بوضوح تام أن كلّ ما يمكن أن يُطلَق عليه اسم “نفس” يحفظه الملائكة. فبحسب هذه الآية لا بد من الاعتقاد عن نفوس الكواكب أيضا أن جميع الكواكب بما فيها الشمس والقمر وزحل والمشتري تحفظها الملائكة. بمعنى أن لكل من الشمس والقمر وغيرهما ملاك موكَّل يحفظها ويدير أعمالها على أحسن وجه.
هنا تنشأ عدة اعتراضات على الآية نفسها ودحضها واجب علينا. فمن جملتها أنه ما دام لا يحظى بروح القدس إلا المقربون الذين يصلون إلى مرتبة البقاء واللقاء فكيف يمكن أن يكون هناك حافظا على كل واحد؟ فجوابه أن نزول روح القدس بوجه كامل يكون على المقربين فقط، ولكن يحظى غيرهم أيضا بتأييده إجمالا بحسب مراتب حبهم وإخلاصهم. ليس المراد من بياني المذكور إلا أن كيفية التجلّي الأعلى لروح القدس هي أنه حينما ينزل حب الله تعالى على حب الإنسان في مرتبة البقاء واللقاء يتولد هذا التجلّي الأعلى لروح القدس بالتقاء هذين الحبينِ، بحيث تكون التجليات الأخرى مقابله كالمعدوم. ولكن هذا لا يعني أنه ليس للتجليات الأخرى وجود قط. إن الله لا يضيع حبا خالصا وإن كان مثقال ذرة. إن حبه – عز وجل – ينزل على حب الإنسان، وبالقدر نفسه يتولد بريق روح القدس. إن من سنة الله المستمرة أن حب الله يظل ينزل بقدر الحبّ من الجانب الآخر. وعندما يجري بحر حب الإنسان ينزل منه – عز وجل – بحر آخر. وحين يلتقي البحران ينشأ فيهما نور عظيم الشأن يسمَّى في مصطلحنا روح القدس. ولكن كما نرى أنه لو وُضعت بضع غرامات من السكر في عشرين كيلو غراما من الماء لن نشعر بأيّ طعم للسكر وسيبقى الماء دون مذاق. ولكن لا يصح القول بأن السكر لم يوُضع فيه، كذلك لا يمكن القول بأن الماء حلو المذاق. فهذا هو حال روح القدس أنه ينزل على الناقصين بصورة ناقصة، ولكن لا شك في نزوله على أية حال، لأن الإنسان الأدنى أيضا يتوجه إلى الحسنات بتأثير روح القدس فقط. ففي بعض الأحيان يرى الفاسق والفاجر أيضا رؤيا صادقة. وهذا كله بتأثير روح القدس كما هو ثابت من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. ولكن هذه العلاقة ليست شيئا يُذكر بل هي كالمعدوم مقابل علاقته العظيمة مع المقدسين والمقربين.
ومن جملة الاعتراضات سؤال: ما دام روح القدس موكَّلا لمنع الإنسان من السيئات فلماذا تصدر منه الذنوب ولماذا يرتكب الإنسان الكفرَ والفسق والفجور؟ فجوابه: لقد قيّض الله تعالى داعيَينِ روحانيينِ لابتلاء الناس. أحدهما داعي الخير الذي اسمه روح القدس، والثاني هو داعي الشر واسمه إبليس والشيطان. وكِلاهما يدعوان إما إلى الخير أو إلى الشر، ولكنهما لا يُكرهان على شيء كما أُشير في الآية: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (الشمس: 9) أيْ أن الله تعالى يُلهم السيئة والحسنة أيضا. إن وسيلة إلهام السيئة هو الشيطان الذي يلقي في القلب أفكارا سيئة، ووسيلة إلهام الحسنة هو روح القدس الذي يلقي في القلوب أفكارا حسنة. ولأن الله تعالى هو علة العلل لذا نسب – عز وجل – كِلا الإلهامين إلى نفسه لأنه هو الذي يدبِّر كل ذلك، وإلا ما حقيقة الشيطان حتى يوسوس في قلب أحد، وما حقيقة روح القدس ليهدي أحدا إلى سبل التقوى.
إن معارضينا من الآريا الهندوس والبراهمو والمسيحيين يعترضون على تعليم القرآن الكريم لقصر نظرهم ويقولون بأن تعليمه يُثبت أن الله تعالى قد ألحق الشيطان بالإنسان قصدا وكأنه – سبحانه وتعالى – بنفسه ينوي إضلال خلق الله. ولكن هذا خطأ معاندينا المستعجلين. عليهم أن يعلموا أنه ليس من تعليم القرآن الكريم أن الشيطان يستطيع أن يُكره أحدا على الضلال، وليس من تعليمه أن الشيطان وحده موكَّل بالدعوة إلى السيئات فقط. بل التعليم هو أن الإنسان قد أُعطي لِمَّة الملاك ولِمَّة إبليس على حد سواء بُغية الابتلاء والامتحان، أيْ داعي الخير وداعي الشر ليُبتلى الإنسانُ فيستحق الثواب أو العقاب. ولو خُلقت له أسباب من نوع واحد كأنْ تجذبه الأسباب الخارجية والداخلية إلى الحسنات فقط، أو إذا أُعطي فطرة لا يستطيع بسببها أن يعمل شيئا سوى الأعمال الصالحة لما كان هناك سبب لينال المرء مرتبة قربٍ قط نتيجة كسبه الأعمال الصالحة لأنه حائز على جميع الأسباب والقوى لكسب الأعمال الصالحة فقط. كذلك إذا كانت فطرته مسلوبة الرغبة في السيئة منذ البداية فبأي حقٍّ سينال الثواب على اجتنابه السيئة؟ فمثلاً إذا كان أحد عنّينا منذ البداية ولا رغبة لديه في النساء، ثم لو بيّن في مجلسٍ بأني كنتُ في صحبة فتيات جميلات في وقت كذا وكذا ولكني صالح تقي ولم أنظر إليهن بنظر الشهوة ولو مرة واحدة بل خشيت الله. فلا شك أن جميع الناس سيضحكون على بيانه هذا وسيقولون ساخرين: يا أيها الغبي متى كانت فيك تلك القدرة حتى تعتز بوضع حدٍّ لها أو تتوقع ثوابًا؟
فليكن واضحا أن السالك في حالته الابتدائية أو المتوسطة يتوقع الثواب نتيجة العواطف المعاكسة. أما في منازل السلوك التي هي من مقتضى فطرته، بمعنى أنه لا يستطيع أن يرتكب سيئة، فلا يستحق فيها الثواب أيضا. فمثلا لا نملك مثل العقرب أو الحية سمًّا نستطيع أن نضرّ به أحدا كما تضرّ الحية أو العقرب؛ فلا نستحق أيّ ثواب عند الله على ترك سيئة من هذا القبيل.
فثبت من هذا التحقيق أن العواطف المعاكسة التي تنشأ في الإنسان وتجذبه إلى السيئة هي التي تجعله مستحقا للثواب في الحقيقة لأن الإنسان حين يهجر العواطف المعاكسة خشية لله، يستحق المديح عنده – سبحانه وتعالى – دون شك ويُرضي ربه. والذي يبلغ المقام الأخير حيث لا تبقى فيه العواطف وكأن شيطانه قد أسلم ولكن يبقى الثواب لأنه قد اجتاز مقامات الابتلاء بكل شجاعة وبسالة. كما أن الصالح الذي يكسب أعمالا صالحة في شبابه ينال ثوابها في شيخوخته أيضا.
ومن جملة الاعتراضات اعتراض: ما حاجة الله لاستخدام الملائكة؟ هل مُلكه أيضا يحتاج إلى العاملين مثل حكومات الناس؟ وهل هو أيضا بحاجة إلى الجنود كحاجة الإنسان إليهم؟
أما الجواب: فليتضح أن الله ليس بحاجة إلى أيّ شيء، لا إلى الملائكة ولا إلى الشمس أو القمر أو النجوم، ولكنه أراد ذلك لتظهر قدراته بواسطة الأسباب، ولكي تنتشر الحكمةُ والعلم في الناس بهذا الأسلوب. لولا توسط الأسباب لما وُجد في الدنيا علم الأفلاك ولا علم النجوم ولا علم الطبيعة ولا علم الطب ولا علم النباتات. فبفضل هذه الأسباب جاءت العلوم إلى حيّز الوجود.
ولو تفكّرتم لوجدتم أنه إذا كان الاعتراض على استخدام الملائكة فسينشأ الاعتراض نفسه على استخدام الشمس والقمر والكواكب والنباتات والجمادات والعناصر أيضا. والذي يملك نصيبا من المعرفة يدرك أن كل ذرة تعمل بحسب مشيئة الله تعالى. وكل قطرة ماء تدخلنا لا يمكن أن تؤثر في أبداننا إيجابا أو سلبا إلا بإذن الله تعالى. إذًا، جميع الذرات والكواكب وغيرها من الأشياء هي ملائكة نوعا ما في الحقيقة ومسخَّرة للخدمة ليل نهار. بعضها مسخرة لخدمة جسم الإنسان وبعضها لخدمة الروح. والله الحكيم الذي أحبّ توسُّط أسباب كثيرة لتربية الإنسان الجسدية وخلق من عنده كثيرا من المؤثرات المادية كي تؤثر في جسد الإنسان بشتى الطرق، قد أحبّ الله الواحد نفسه – الذي لا شريك له وتتسم أعماله بالوحدة والاعتدال – أن تتم تربية الإنسان الروحانية أيضا بالأسلوب والنمط نفسه الذي اختير لتربية الجسد لكي يدل كِلا النظامينِ، الظاهري والباطني، والروحاني والمادي، بناء على انسجامهما ووحدتهما، على خالق واحد مدبّر بإرادته.
فلهذا السبب وكِّل الملائكة وسائط على تربية الإنسان المادية بل على التربية الروحانية أيضا. ولكن كل هذه الوسائط مسيَّرة وفي يد الله تعالى كأداة تديرها يده – سبحانه وتعالى – المقدسة. فلا تملك الوسائط إرادة ولا تصرفا. كما أن الهواء يدخل فينا بأمر الله ويخرج بأمره ويؤثر بإذنه، كذلك الحال تماما في الملائكة فهم: {يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
لقد اعترض البانديت “ديا نند” على نظام الملائكة، ولكن ليته اطّلع على نظام الله المادي والروحاني ليعترف بكمالات تعليم الإسلام – بدلا من الاعتراض عليه – فما أجملها وما أصدقها من صورة قانون الطبيعة التي توجد فيه!
ومن جملة الاعتراضات اعتراض: يبدو من بعض الإشارات في القرآن الكريم وكذلك من الأحاديث الشريفة أن جبريل انقطع نزوله في بعض الأيام، بمعنى أنه قد حدث في أيام بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن جبريل لم ينزل عليه إلى عدة أيام أحيانا. فإذا كان جبريل قرينه – صلى الله عليه وسلم – دائما وفي كل حين، وكان تأثير روح القدس جاريا وساريا في شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – على الدوام فما معنى هذا الانقطاع؟
أما الجواب: فليكن واضحا أن الاعتقاد بأن روح القدس يهجر الأنبياء أحيانا ويصعد إلى السماء خطأ بحت تمكّن من بعض القلوب بسبب سوء فهم معنى النزول والصعود. فلا يخفينّ على أحد أنه ليس معنى النزول قط أن ملاكا يترك مقامه ومقرّه في السماء وينزل إلى الأرض. هذا المعنى يعارض نصوص القرآن والحديث الصريحة. فقد جاء في “فتح البيان” حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: “قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ما في السماء موضع قدم إلا عليه مَلَك ساجد أو قائم وذلك قول الملائكة: وما منا إلا له مقام معلوم.” أي لكلّ واحد منا مقام معلوم وثابت لا يصعد فوقه قدمًا ولا ينزل تحته قدما.
فانظروا الآن كيف يتبين من هذا الحديث بوضوح تام أن الملائكة لا يتركون مقاماتهم. ولا يحدث قط أن يتراءى في السماء موضع قدم خاليا. ولكن من المؤسف حقا أن الشيخ البطالوي والشيخ الدهلوي لا يزالان في العصر الراهن أيضا الذي راجت فيه العلوم الحسِّيّة والطبيعية يعتقدان أن السماء تبقى في بعض الأحيان خالية وخربة وقفراء إلى مدى آلاف الأميال فلا يكون فيها ملاك واحد فضلا عن خلوّها بقدر قدم واحدة، لأن الملاك ذا أجنحة ممرَّدة بست مئة لؤلؤة الذي يبلغ طوله من المشرق إلى المغرب، أي جبريل، حين ينزل إلى الأرض بكل كيانه فلا بد أن تخلو السماء بنزول ملَك جسيم مثله مسافة آلاف الأميال. يسمي نفسه شيخ الكل ولا يفهم الأحاديث النبوية، يا للأسف، ويا للخجل!!
على أية حال، كما بيّنتُ قبل قليل، يجب على المرء أن يحتفظ في ذاكرته بكل حذر أن خلوّ المقربين من تأثير روح القدس ليس ممكنا ولا للحظة واحدة لأن روح القدس هو روح حياتهم الجديدة فأنّى لهم أن ينفصلوا عن روحهم؟ الانفصال الذي ذُكر في الأحاديث الشريفة وبعض الإشارات في القرآن الكريم ليس المراد منه إلا نوع من التجلّي الذي تأخّر ظهوره في بعض الأحيان بحسب مقتضى حكمة الله تعالى. والمراد من النزول في مصطلح القرآن الكريم في أكثر الأحيان هو هذا النوع من التجلي حصرا.

 

(…………………)

 ثم تابع حضرته   فقال :

 

ومن جملة الاعتراضات: لماذا أقسم الله تعالى بغير الله في كلامه مثل: “والطارق” مع أنه يقول بنفسه بأن القسم باسم غير الله لا يجوز، لا باسم الإنسان ولا بالسماء ولا بالنجم ولا بغيره؟ فماذا كانت حاجة الله تعالى هنا للقسم بالنجوم والسماء بوجه خاص؟
والحق أنهما اعتراضان يرتبط أحدهما بالآخر وبسبب ارتباطهما أرى من المناسب أن أرد عليهما في مكان واحد.
فأولا وقبل كل شيء يجب الانتباه جيدا عن القَسم بأن قياس قَسم الله جلّ شأنه على قَسم الإنسان قياس مع الفارق. والسبب وراء منع الله تعالى من القَسم بغيره هو أن الإنسان حين يقسم يكون الهدف من ورائه أن يجعل الشيء الذي يقسم به ينوب مناب شاهد عيانٍ يستطيع أن يصدّق أو يكذّب بيانه بناء على علمه الشخصي لأنه لو فكّرتم في الموضوع لعلمتم أن المفهوم الحقيقي للقَسم هو الشهادة بعينها. عندما يعجز الإنسان عن تقديم الشهود العاديين يحتاج إلى القَسم ليستفيد منه كما يستفاد من شهادة شاهد عيان. ولكن القول أو الاعتقاد أن غير الله حاضر ويرى ويشهد دائما أو قادر على التصديق أو التكذيب وعلى غيره من الأمور فهو كفرٌ بواح. لذا فإن التعليم الذي جاء للإنسان في جميع كتب الله هو ألا يُقسم الإنسان بغير الله قط.
فمن الواضح أن قياس قَسم الله على قَسم الإنسان لا يصح بحال من الأحوال لأن الله تعالى لا يواجه صعوبة كما يواجهها الإنسان فيضطر للقَسم. لذا فإن قَسم الله تعالى من نوع مختلف تماما ويليق بشأنه – سبحانه وتعالى – ويطابق سننه في الكون. والهدف منه ليقدّم بديهيات القدرة كشاهد لحل أسرار الشريعة الدقيقةِ. ولأن لهذا الهدف صلة مع القَسم وهي كما أن الحالف عندما يقسم بالله مثلا فهو يقصد من ذلك أن الله تعالى شاهد على أمري هذا. كذلك إن بعضا من أفعال الله البيّنة شاهدة على بعض أفعاله الكامنة؛ لذا قدم – عز وجل – في القرآن الكريم أفعاله البديهية مرارا بصورة القَسم إثباتا لأفعاله النظرية، ولا يسعنا القول بأنه أقسم بغير نفسه لأنه – عز وجل – في الحقيقة يقسم بأعماله هو وليس بغيره، علما أنه لا مغايرة بينه وبين أعماله. فمثلا ليس المراد من قَسمه بالسماء أو النجم أنه قَسم بغير نفسه بل إنما هو بنية تقديم الحكمة وما صنعته يداه في السماء والنجوم شهادةً لإفهام بعض أفعاله الخفية. فالحق أن أقسام الله من هذا النوع المذكورة في القرآن الكريم مليئة بأسرار المعرفة الكثيرة. وكما قلت قبل قليل إنه ليس الهدف من وراء بيان هذه الأسرار بأسلوب القَسم إلا أن القَسم نوع من الشهادة التي تنوب مناب شاهد عيان. كذلك إن بعض أفعال الله شاهدة على بعض أفعاله الأخرى. فيقدم الله تعالى شهادة بديهيات سننه في الكون في حُلّة القسم لحلّ بعض دقائق شريعته لتشهد سننه في الكون – وهي شهادة الله الفعلية – على قوله، ولكي يكون التوافق بين قوله وفعله مدعاة لمزيد من المعرفة والسكينة واليقين للسالك.
ومن أسلوب الله جلّ شأنه الشائع في القرآن الكريم أنه يقدم مرارا وتكرارا أفعاله المبنية على القدرة التي توجد في المخلوقات بالنظام والترتيب لحل الأقوال الشرعية ليوجّه الناس إلى أن هذه الشريعة وهذا التعليم إنما هو من الله الأحد الذي أفعاله تطابق كليّا أقواله هذه، لأن التطابق بين الأقوال والأفعال يدل بكل وضوح على أن هذه الأفعال والأقوال إنما هي للذات نفسه.
والآن أكتب على سبيل المثال تفسيرا لبعض الأقسام التي وردت في القرآن الكريم. فمنها مثلا: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}؛ الهدف والمقصود الحقيقي من هذه الآيات هو أن لكل نَفس هناك ملائكة موكَّلين ليَحْفَظُوها روحانيا فيرافقونها في كل حين وآن ويحفظون من كان يطلب الحفظ. ولكن هذا البيان دقيق ونظري.
ولما كان وجود الملائكة غير مرئي فكيف يمكن أن يتسنّى اليقين بحفظهم؟ لهذا السبب فقد قدّم الله تعالى الحكيم قانونه في الطبيعة الملحوظ في الأجرام السماوية كشاهد في لباس القَسم. وهو أن قانون الله تعالى في الطبيعة ملحوظ بوضوح وصراحة أن السماء والكواكب والشمس والقمر وكل ما في قطبه من الهواء وغيره مسخّر لخدمة الإنسان الجسدية وينقذه من أنواع الخسائر والمعاناة الجسدية، ويُعِدّ جسدَه وكل ما تحتاج قواه الجسدية. وخاصة النجوم المتلألئة التي تطلّ برأسها ليلا فإن كثيرا من أولئك الذين يضربون في الصحاري والبراري ليلا ويمخرون في البحار يستفيدون منها كثيرا. فيحفظ كل نجم ثاقب حياة الإنسان بإرشاده في الليلة الليلاء. ولولا هذه الحَفَظَة التي تقوم بالحفظ في أوقاتها المحددة لما استطاع الإنسان أن يعيش طرفة عين.
يجب الرد بعد التأمل جيدا هل يمكننا أن نعيش دون هذه الحفَظَة كلهم إذ يجهّز لنا أحدُهم الحرارة المطلوبة، ويُنضج الغلال والفواكه، ويُنزل غيره مياها لشربنا، ويهيئ لنا آخر ضوءا، ويدبر غيره بقاء سلسلة نفَسنا جارية، ويساعد آخر في قوة السمع ويؤثر غيره تأثيرا إيجابيا على قوتنا الغريزية. فمن هنا يمكن للإنسان أن يدرك أن الله الذي خلق هذه الأجرام والعناصر وغيرها التي تُعَدّ بالآلاف لتسوية أجسادنا وبقائها وسخّرها للخدمة ليل نهار بل في كل لحظة هل يمكن أن يغفل عن حفظنا الروحاني؟ وكيف يمكننا الظن أن ذلك الرحيم والكريم خلق لحماية أجسادنا أسبابا إلى هذا الحد بحيث سخّر لخدمتنا عالَما كاملا ولكن لم يفعل شيئا لحمايتنا الروحانية؟
لو فكّرنا بالعدل والإنصاف لوجدنا في ذلك دليلا محكما على أنه لا بد أن يكون ذلك الحكيم القدير قد دبّر بلا أدنى شك لحفظنا الروحاني أيضا تدبيرا يشبه تدبير الحفظ الجسدي. فهذا التدبير هو توكيل الملائكة على الحفظ.
لذلك أقسم الله تعالى بالسماء والنجوم ليبيِّن مسألةً خفية ونظرية، أيْ مسألة حفظ الملائكة من خلال مسألة بديهية أيْ حفظ النجوم وغيرها. وليضع أمام المتدبرين – من أجل الإيمان بوجود الملائكة – نظامه الظاهري أيْ النظام الجسدي ليفهم العقلُ السليمُ نظاما روحانيا بالنظر إلى مثال النظام الجسدي.

 

وقال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   عن معنى قول الله تعالى {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} :


 لا شك أن الملائكة يحفظون من الآفات المادية أيضا ولكن حفظها الحقيقي هو من حيث الروحانية. فمثلا إذا كان أحد واقفا تحت جدار يريد أن ينقضّ فلن يحمله الملاك على يديه ويُبعده عنه، بل إذا كانت نجاته من الجدار مقدرة عند الله فسيلهم الملاك قلبه ليبتعد من ذلك المكان فورا. أما حماية النجوم والعناصر فهي مادية.

 

(المصدر: كتاب مرآة كمالات الاسلام)

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :


والقول الجامع المهيمن الذي يهدي إلى الحق، ويحكم بيننا وبين قومنا آيةٌ جليلة من سورة “الطارق” تُذكّر سِرًّا غفل منه أهلُ الهوى. أعني قوله تعالى: {والسماءِ ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدًا وأكيد كيدًا}. فاعلموا أيها الأعزّة أن هذه الآية بحر مَوّاجٌ من تلك الأسرار، ما أحاطتها فكر من الأفكار، وما مسّتها مُدرِكةُ الورى. وفَهّمني ربي أسرار هذه الآية واختصّني بها، وتفصيله أن الله تعالى أشار في هذه الآية إلى أن السماء مجموعة مؤثرات والأرض مجموعةُ متأثرات، وينزل الأمرُ من السماء إلى الأرض، فتلقَّتْه الأرضُ بالقبول ولا تأبى. وفي هذا إشارةٌ إلى أن كل ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم والملائكة وأرواح المقدسين من الرسل والنبيين والصديقين وغيرهم من المؤمنين. يلقي أثره على ما في الأرض بمناسباتٍ قَضَتْ حكمةُ القُدس رعايتَها. فالسماء تتوجَه إلى الأرض بأقسامٍ غير متناهية من النزول والرجع، والأرض تتقبلها بالانصداع والإيواء بأقسامٍ لا تعدّ ولا تُحصى. فمن أقسام نتائج هذا الرجع والصدع أشياء تحدث في طبقات الأرض كالفضة والذهب والحديد وجواهرات نفيسة وأشياء أخرى. ومن أقسامه الزروع والأشجار والنباتات والثمار والعيون والأنهار وكل ما تتصدع عنه الثرى. ومن أقسامه جمال وحميرٌ وأفراس وكل دابةٍ تدب على الأرض وكل طير يطير في الهواء. ومن أقسامه الإنسان الذي خلق في أحسنِ تقويم وفُضّل على كل من دبّ ومشى. ومن أقسامه الوحي والنبوة والرسالة والعقل والفطانة والشرافة والنجابة والسفاهة والجهل والحمق والرذالة وترك الحياء. ومن أقسامه نزول أرواح الأنبياء والرسل نزولا انعكاسيًّا على كل من يناسب فطرتهم ويشابه جوهرهم وخلقتهم في الخلق والصدق والصفاء.
ومن ههنا ظهر أن تأثيرات النجوم ثابتة متحققة منصوصةٌ، ولا يشك فيها إلا الجاهل الغبي البليد الذي لا ينظر في القرآن ويجادل كالأعمى. وهذا الرجع والصدع جارٍ في السماوات والأرض من يومٍ خلقهما الله وقال {ائتِيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين}. فمالت السماء إلى الأرض كالذكر إلى الأُنثى، ولأجل ذلك اختار الرب الكريم لفظ الرجع للسماء، ولفظ الصدع للأرض، إشارة إلى أنهما تجتمعان دائما كاجتماع الذكور والإناث، ولا تأبى إحداهما من الأخرى ولا تطغى. فتأثيرات السماء تنزل ثم تنزل، والأرض تقبلها ثم تقبل، ولا تنقطع هذه السلسلة الدوريّة طرفةَ عين، ولولا ذلك لفسدت الأرض وما فيها.
وقال الله تعالى في أوّل هذه الآية: {إنه على رجعه لقادر}، وقال بعد ذلك: {والسمآء ذات الرجع}، فما أدراك أنه في جمع ذكر الرجعين إلى ما أومى؟ فاعلم أنه أشار إلى أن عَود الإنسان بالبعث بعد الموت في قدرة الله تعالى، كما أنه يعيد أرواح المقدسين بإعادات انعكاسية من السماء التي هي ذات الرجع، إلى الأرض التي هي ذات الصدع ومولد كل من يحيا. وهذه نكتة عظيمة لطيفة. 

 

(المصدر : كتاب مرآة كمالات الاسلام)

وقال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

قال الله تعالى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} المراد من السماء هنا هو كرة الزمهرير التي ينزل منها الماء. وقد أقسم الله في هذه الآية بكرة الزمهرير التي تُنزِّل المطر. و”الرجع” تعني المطر. وملخص الآية أن الله تعالى يقول بأني أُشهد السماء التي ينزل منها الماء للدلالة على ظاهرة الوحي أي أن حالتكم الروحانية أيضا بحاجة إلى ماء ينزل من السماء فقط كما ينزل ماؤكم المادي أيضا من السماء. ولولا ذلك الماء لجفّت مياه عقولكم أيضا. إن العقل أيضا ينال الطراوة والنور من ذلك الماء السماوي أي من وحي الله تعالى.
فلباب القول: إن الخدمة التي تقوم بها السماء أي إنزال الماء إنما هي ظل صفة الله الأولى كما يقول تعالى بأن بداية كل شيء من الماء، كما يولَد الإنسان أيضا من الماء. وبحسب الفيدا إن إله الماء هو السماء التي تُسمَّى “إندر” في مصطلحه. ولكن من الخطأ الفهم أن “إندر” هذا شيء يُعتدُّ به في حد ذاته. بل الحق أن القوة العظمى الخفية التي اسمها “الله” هو الذي يعمل فيها.

 

وقال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

الجوّ أو القطب العلوي الذي تجتمع فيه السحب وينزل منه الماء يسمَّى “السماء” في مصطلح القرآن الكريم، ويسمَّى في الهندية “آكاش”.

 

(المصدر : كتاب نسيم الدعوة)

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

قال تعالى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}، أي أُقسم بالسماء التي ينزل منها المطر، وأُقسم بالأرض التي تُخرِج أنواع النبات نتيجة المطر. إن هذا القرآن كلام الله ووحيه، وإنه يحكم بين الحق والباطل، وما هو بعبث لا نفع فيه، أي لم يأت في غير أوانه، بل هو كمطرٍ ينزل في موسمه.
فالله تعالى قد قدّم هنا قانونَه الطبيعي الجليّ كلَّ الجلاء شهادةً على صدق القرآن الكريم الذي هو كلامه. بمعنى أنه من الملاحَظ المشاهَد دائما في القانون الطبْعي أن السماء تمطر عند الضرورة، وأن خضرة الأرض متوقفة على نزول مطر السماء، فلو أمسكت السماء مطرها لنضبت الآبار شيئًا فشيئا. فثبت أن وجود الماء في الأرض موقوف في الواقع على غيث السماء، لذلك نجد أن مياه الآبار الأرضية ترتفع كلما أمطرت السماء. لماذا ترتفع يا ترى؟ إنما سبب ذلك أن ماء السماء هو الذي يرفع مستوى ماء الأرض كأنه يجذبه إلى أعلى. هذه العلاقة نفسها موجودة بين الوحي الرباني والعقل البشري.
إن وحي الله هو الماء السماوي، والعقل هو الماء الأرضي، وهذا الماء يربو ويزداد دائما بالماء السماوي أي الوحي. وحينما ينقطع الماء السماوي يجف الماءُ الأرضي أيضا بالتدريج. ألا يكفيكم برهانًا على ذلك أنه عندما يمضي زمن طويل ولا يُبعَث في الأرض مَن يتلقى الوحيَ فإن عقول العقلاء تفسد وتخبث جدا، تمامًا كما تجف مياه الأرض وتفسد؟ ولكي تفهموا ما أقول يكفيكم أن تُلقوا نظرةً عابرة على ما كانت عليه الأحوال في العالم كلِّه في العصر الذي سبق بعثةَ نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – إذ كانت قد مضت عندئذ ستة قرون على بعث المسيح – عليه السلام -؛ ولم يُبعث في تلك الفترة أحد من الرسل، ولذلك كانت أحوال العالم بأسره سيئةً. إن تاريخ الأمم كلها يدل بصراحة على أن الأفكار الباطلة كانت قد عمت الآفاقَ جميعها قبل ظهور الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
لماذا حدث كل ذلك وما السبب وراءه يا تُرى؟ إنما سببه أن الوحي الرباني كان منقطعا منذ زمن مديد، وكانت مملكة السماء في يد العقل الأجوف وحده. وهل هناك أحد يجهل ما أدى إليه العقل البشري الناقص من مفاسد وبلايا؟ فانظروا كيف جفت تماما مياه العقول كلها عندما لم يمطر ماء الوحي لمدة طويلة!
ففي هذه الأقسام القرآنية يعرض الله هذا القانون الطبيعي نفسه ويطلب منا أن نُجيل النظر لنرى: أليس من النواميس الإلهية المحكمة الدائمة أنه جعل خضرةَ الأرض متوقِّفة تماما على ماء السماء؟ إذن فهذه السنة الإلهية الجلية شاهدةٌ على السنة الإلهية الخفية سُنةِ الوحي والإلهام. فيجب إذن أن تستفيدوا من شهادة هذا الشاهد، وألا تتخذوا العقل وحده هاديًا، فإنه ماء لا يمكنه البقاء بدون ماء السماء. فكما أنه من خواص الماء السماوي أنه يرفع مَاء الآبار كلها بحسب القانون الطبيعي سواء وقع هذا الماء فيها مباشرة أم لم يقع، كذلك يحدث حين يظهر في الأرض نبي من أنبياء الله فسواء اتبعه عاقل أم لم يتبعه فإن العقول في عصره تزداد من تلقاء نفسها صقلاً وجلاءً لم يُعهد فيها من قبل. يشرع الناس تلقائيا في البحث عن الحق، وتنبعث من الغيب حركةٌ في قواهم الفكرية. وكل هذا الرقي العقلي والحماس القلبي إنما يحدثان بسبب القدوم الميمون لذلك الإنسان المحظوظ بالوحي، فقد رُفعت به مياه الأرض على وجه الخصوص. فإذا شاهدتم أن كل امرئ قد هب يهتم بالأمور الدينية والبحث فيها، وأن المياه الأرضية في فوران، فانهضوا وانتبهوا، واعلموا يقينًا أن المطر قد نزل من السماء غزيرا، وأن قلبًا قد صار مهبطًا لوابل الوحي. 

 

(المصدر : كتاب فلسفة تعاليم الإسلام )

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   عن معنى قوله تعالى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ } :


أي أُشهد السماء التي ينزل منها المطر، وأشهد الأرض التي تنشق وتُنبت الغلال، إن هذا الكلام أي القرآن الكريم يحكم بين الحق والباطل وليس دون جدوى، بمعنى أن الحاجة إلى هذا الكلام ثابتة كثبوت المطر في النظام المادي. لولا المطر لجفت الآبار والأنهار أيضا في نهاية المطاف ولما بقي الماء للشرب ولا الغلال للأكل لأن كل بركة تنزل من السماء فقط. فبهذا الدليل أثبت الله تعالى أنه كما أن هناك حاجة للماء والغلال دائما كذلك هناك حاجة دائمة إلى كلام الله ومعجزاته التي تُطمئن القلوب لأن القصص القديمة فقط لا تبعث على الاطمئنان.
فعلى الآريين أن يدركوا جيدا أن العطش الروحاني لا يزول بمجرد لَعْق أوراق الفيدا ولا يتسنى الاطمئنان الذي يتأتّى بمعجزات الله المتجددة. ولقد أقسم الله تعالى في الآية المذكورة آنفا ولكن يجب أن يكون معلوما أن أقسام الله ليست كمثل أقسام الناس بل قد جرت عادة الله على أنه – عز وجل – يقسم في القرآن الكريم ويقدم النظام المادي لتصديق النظام الروحاني. والحق أن القَسَم قد أُحِلّ محلّ الشهادة. فقد أشير في هذا المقام في كلام الله بواسطة القَسَم بأمور مادية إلى أنها تشهد على صدق الأمور الروحانية التي بُيِّنت بعدالقَسَم. فكلما تجدون في القرآن الكريم قسمًا على هذا النحو فقد أُريدَ منه دائما أن الله تعالى يذكر أمورا مادية أولا ويقدمها شاهدة على أمور روحانية يوردها فيما بعد. 

 

(المصدر : كتاب ينبوع المعرفة )

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

يعترض الآريون والمسيحيون عادة ويقولون: لماذا أُقسم في القرآن الكريم؟ ثم يضيفون إليها من عندهم أشياء ويقدّمونها بصورة اعتراضات غريبة مع أنهم إن استخدموا قليلا من حسن النية والفهم لتبين أن الاعتراض من هذا القبيل ليس إلا سخف ولا جدوى منه لأنه لا بد من الانتباه بالنسبة إلى الأحلاف ماذا يهدف إليه الحالف من ورائها؟ وإذا فكّر المرء في فلسفتها حُلّ هذا السؤال تلقائيا ولما اضطر المرء لمواجهة معاناة أكثر من ذلك. يُلاحَظ بوجه عام أن القَسم ينوب مناب الشاهد. ومن المسلّم به أن المحكمة عندما تحكم بناء على شهادة هل تقصد من ذلك أنها تحكم على الباطل أو تعدّ حلف حالف شاهدا صادقا؟ هذا ما يلاحَظ كل يوم.
إن الاعتراض بالجهل أو العناد شيء وقول شيء بوضع الحقيقة في الاعتبار شيء آخر. فما دام الأسلوب الشائع والمتَّبع بوجه عام هو أن القَسم ينوب مناب الشاهد كم هو الأمر بسيط أنه يجب أن تُقاس أقسام القرآن أيضا بحسب هذا المبدأ ليُعلم ما هو المراد منها.
كلما أقسم الله تعالى كان المراد منه أنه جعل الأمور البديهة شاهدة لإثبات الأمور النظرية كما يقول: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}. هذا أيضا محل القسم، ولكن الجاهل عن حقائق القرآن الكريم يعترض نتيجة جهله ويقول: انظروا قد أُقسم بالأرض أو بالسماء، ولكنه لا يعلم كم تكمن تحت هذا القَسم من معارف عظيمة.
الواقع أن الله تعالى يريد أن يقدم شهادة أدلة الوحي الإلهي وصدق القرآن الكريم، وقد قدّمها بهذا الأسلوب. 

 

(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 24-3-1903م)

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

إن الاعتراض على هذا النوع من القَسم ليس إلا عمل ذي فطرة خبيثة أو طبع نجس لأن فيه حقائق عظيمة. يريد الله تعالى أن يكشف – بواسطة شهادة السنن الكونية بوجه عام – عن حقيقة كلام الله ونزول الوحي. من معاني “السماء” السحاب أيضا الذي ينزل منه المطر. وبين السماء والأرض علاقة مثل العلاقة بين الذكر والأنثى. توجد في الأرض آبار ولكنها مع ذلك تكون محتاجة للماء السماوي. وإن لم ينزل الماء من السماء تموت الأرض، وحياتها تقتصر على الماء النازل من السماء لذلك قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (الحديد: 18).
لقد لوحظ أيضا أنه عندما يتأخر نزول الماء من السماء ويحدث شح المطر يجف ماء الآبار أيضا وينخفض منسوبها رويدا رويدا، وعندما يحل موسم الأمطار وتهطل الأمطار بكثرة يتدفق ماء الآبار أيضا ويبدأ منسوب الماء بالصعود لأن في الماء السماوي قوة الجذب. هنا يجب أن يفكر أتباع مذهب البرهمو أنه إذا انقطع نزول الماء من السماء سوف تجف الآبار كلها. كذلك نؤمن أن الله تعالى أعطى كل إنسان نور القلب، وأودع دماغه عقلا يتمكن بسببه أن يميز بين الخير والشر. وإن لم ينزل نور النبوة من السماء وانقطعت سلسلته عن العقول الذهنية أيضا يعمّ الظلام القلب، ولا يبقى نافعا قط لأن هذه العقول تستنير من نور النبوة فقط. فكما تخرج النباتات من الأرض بعد نزول المطر تنبت كل بذرة كذلك عند نزول نور النبوة يتولد الصفاء في العقول الدماغية والذهنية، والجلاءُ في نور الفراسة. مع أن ذلك يكون على قدر المراتب ويستفيد منه كل شخص بقدر مواهبه. كل هذا يحدث ببركة نور النبوة سواء شعر به المرء أم لا.
باختصار، لقد أُثبتت في هذا القَسم ضرورةُ نزول الوحي بواسطة الظاهرة الشائعة كما أن ماء الآبار يجف وتموت الأرض رويدا رويدا نتيجة عدم نزول الماء من السماء فالقانون نفسه يعمل في نزول الوحي.
الرَجْع يعني الماءَ، مع أن الماء يوجد في الأرض أيضا ولكن السماء سمِّيت “ذات الرجع”، وفي ذلك ذُكرت فلسفة أن الماء الحقيقي هو الذي ينزل من السماء. فقد قال قائل ما معناه: لا خلاف في لطافة طبيعة الغيث، ومع ذلك تنبت في الحديقة الأزهارُ والورودُ وتنبت في الأرض القاحلة الكلأ والأعشاب. الحالة التي تسود عند نزول المطر تعمّ الحالة نفسها عند نزول الوحي. فيكون هناك نوعان من الطبائع، المستعدة والبليدة. إن أصحاب الطبائع المستعدة يفقهون فورا ويرافقون الصادق، أما أصحاب الطبائع البليدة فلا يفقهون بل ينهضون للمعارضة. عندما نزل الوحي في مكة المعظمة وبدأ كلام الله ينزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – كان هناك شخصان في أرض واحدة وهما أبو بكر – رضي الله عنه – وأبو جهل. لم يطلب أبو بكر أية آية بل قال: “آمنّا” بمجرد سماعه الإعلان وصاحب النبي – صلى الله عليه وسلم – فورا، أما أبو جهل فقد رأى آية تلو آية ولم يمتنع عن التكذيب حتى هلك بغضب الله ذليلا مهانا.
إذًا، إن وحي الله يُخرج كل الطبائع للعيان ويميز بين الخبيثة والطيبة. وذلك الزمن يُعدّ فصل الربيع ولا يمكن أن تمتنع بذرة الخضرة من النبات، ولكن لا بد أن يخرج ما كان موجودا أصلا. فالصلحاء والسعداء يظهرون للعيان في مكانهم والخبثاءُ في مكانهم وإن كانوا مختلطين من قبل كما تكون حبات القمح والطفيليات مختلطة ولكنها عندما تنبت من الأرض تظهر للعيان على حدة. الزارع يحمي القمح ويتلف الطفيليات. فقد قدم الله تعالى لإثبات نزول الوحي هذه الظاهرة التي يقدمها الجاهل كاعتراض لجهله وغباوته مع أنها قد أُودعت فلسفة عظيمة لذلك قال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}، ثم قال: {إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} وقال ذلك عن كلام الله. وكان ذلك أمرا نظريا فقدم لتصديقه أمر بديهيا كما أنه عندما تكون هناك حاجة للمطر عند شحه كذلك يحتاج الناس الآن ماء روحانيا، وقد ماتت الأرض تماما وحلّ زمن: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}؛ إذ قد فسدت البراري والبحار. المراد من البر المشركون ومن البحر أهل الكتاب. ويمكن أن يكون المراد هو الجهال والعلماء أيضا.
فلباب الكلام أنه قد تطرق الفساد في كل فئة من فئات الناس. من أية زاوية نظرتم ترون حالة العالم متغيرة. لم تبق الروحانية ولا تتراءى تأثيراتها، وكل صغير وكبير مصاب بالضعف الأخلاقي والعملي. قد انمحت آثار عبادة الله ومعرفته. لذا من الضروري في هذه الظروف أن ينزل الماء السماوي ونور النبوة وينير القلوب السليمة. اُشكروا الله أنه تعالى قد أنزل بمحض فضله هذا النور في هذا الوقت ولكن قليل ما هم الذين يستفيدون منه. 

 

(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 31-3-1903م)

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

 لقد تبين لي بعد تأمل وتدبر عميق أنه حيثما اعترض قصيرو الفكر على القرآن الكريم يوجد في المقام نفسه كنز الحقائق والمعارف السَّنِيَّة التي لم يطّلعوا عليها لأنهم يعادون الحق ولا يقرأون القرآن الكريم إلا بنية الطعن فيه. اعلموا أن للقرآن الكريم جزءين بل ثلاثة أجزاء. فالجزء منه يفهمه أبسط الناس أي الأميون أيضا. والجزء الثاني هو الذي ينكشف على الناس من الدرجة الوسطى الذين ليسوا أميين كليا ولكن لا يملكون مؤهلات علمية كبيرة أيضا. والجزء الثالث هو للذين يحظون بعلوم من الدرجة العليا ويُدعَون فلاسفة. هذه ميزة القرآن الكريم وحده أنه يعلّم الناس من الأنواع الثلاثة على السواء. فهناك أمر واحد يُعلَّم به من كان يحتل الدرجة الوسطى والدرجة العليا أيضا. هذا الشرف يعود إلى القرآن الكريم وحده أن كل طبقة من الناس يستفيضون منه على قدر مؤهلاتهم ودرجاتهم.
فالاعتراض الذي يوجَّه إلى قََسَم القرآن الكريم، جوابه أن القَسَم يُعدّ شاهدا ثانيا في حالة فقدان أحد الشاهدَينِ. من المسلَّم به قانونا وشرعا وعُرفا أنه يتم الاكتفاء على القسم في حال غياب الشاهد وينوب القسم منابه. هكذا جرت سنة الله في القرآن الكريم أنه يقدم البديهيات كشاهد لإثبات النظريات. فليكن واضحا أن الله تعالى قد اختار في القرآن الكريم أسلوبا أنه يقدم الأمور البديهية لإثبات الأمور النظرية وهذا التقديم يكون بصبغة القسم. لا يغيبنّ عن البال أن قياس أقسام الله على أقسام الناس قياس مع الفارق. والسبب وراء منع اللهِ الناسَ من القسم بغير الله هو أنه عندما يُقسم الإنسان يكون مراده أن ما يُقسم به يعدّه بمنزلة شاهد عيان يستطيع أن يصدّق أو يكذّب بيانه بناء على علمه الخاص، لأنه إذا فكّرنا جيدا لتبين أن مفهوم القسم الحقيقي كما بينّا آنفا هو الشهادة حصرا. عندما يعجز الإنسان عن تقديم الشهود العاديين يحتاج إلى القَسم ليستفيد منه كما يُستفاد من شهادةِ شاهدِ عيانٍ. ولكن الاعتقاد أن أحدا غير الله أيضا حاضر وموجود في كل مكان ودائما أو هو قادر على التصديق أو التكذيب أو على المعاقبة أو على أمر آخر كفرٌ صريح لذلك نصح الله تعالى الناس في كتبه كلها ألا يقسموا بغير الله.
فتبين من هذا البيان بكل صراحة أن قسم الله تعالى يحمل في طياته شأنا وأسلوبا آخر، والهدف وراء ذلك ليقدم بديهيات سنن الكون كشاهد لحل أسرار الشريعة الدقيقة وكشفها. ولما كان لهذا الهدف علاقة مع القَسم وهي أن الحالف عندما يحلف بالله يكون مراده أن الله يشهد على فعله هذا، كذلك وبالأسلوب نفسه تماما تشهد بعض أفعال الله الواضحة على أسراره وأفعاله الخفية لذلك قدّم في عدة أماكن من القرآن الكريم أفعاله البديهية دليلا على أفعاله النظرية.
ومن الجهل والغباوة تماما القول بأن الله تعالى أقسم بغير الله لأن الحق أنه تعالى يُقسم بأفعاله هو دون غيره، وأن أفعاله ليست غيرُه. مثلا إن قَسمه بالسماء أو النجم لا يعني أنه أقسم بغير الله بل المراد منه أنه يقدم شهادة كل ما يوجد في السماء أو النجوم من صنعة يديه وحكمته لإفهام بعض أفعاله الخفية.
فباختصار، إن أقسام الله تعالى تحمل في طياتها أسرار المعرفة اللامتناهية التي يراها أهل البصيرة فقط. إذًا فيقدم الله تعالى في لباس القَسم شهادة سننه الكونية لحل بعض دقائق شريعته ليكون كتاب الله الفعلي، (السنن الكونية) شاهدا على كتابه القولي (القرآن الكريم)، وليتحقق التطابق في قوله وفعله ويكون مدعاة لمزيد من المعرفة والسكينة واليقين للباحث عن الحق. وهذا الأسلوب شائع في القرآن الكريم، فمثلا يُتم الله تعالى الحجة على منكري الإلهام كما يلي:
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ}، أي أُقسم بالسماء التي ينزل منها المطر، و”الرجع” تعني المطر أيضا. إن نظام المطر أيضا نظام دائم مثل النظام الشمسي. إن نظام الليل والنهار والكسوف والخسوف نظام مستقل. كذلك للأمراض أيضا نظام، فبناء على هذا النظام يمكن للطبيب أن يقول بأن يوما كذا وكذا يكون يوما مأساويا. فهذه هي أنظمة مختلفة لأن قانون الله الجاري في الطبيعة يحمل في طياته ترتيبا ونظاما كاملا وليس هناك فعل من أفعاله يخرج عن نطاق النظام والدقة.
كما يريد الله تعالى أن يخشاه الناس كذلك يريد أن يتولد فيهم نور العلوم وبه يجتازوا منازل المعرفة لأن الاطلاع على العلوم الحقة يخلق من ناحية خشية صادقة ومن ناحية أخرى تؤدي العلومُ نفسها إلى عبادة الله. ولكن هناك بعض الأشقياء أيضا الذين يبتعدون عن الله تعالى بانهماكهم في هذه العلوم وتنتابهم الشكوك في وجود الله، وهناك بعض آخرون يعتقدون بالقضاء والقدر وينبذون العلوم نهائيا. ولكن القرآن الكريم أعطى كِلا التعليمين وبوجه أكمل. يريد القرآن الكريم أن يُطلع على العلوم الحقة ويوجه الناس إليها لأنها تؤدي إلى نشوء خشية الله. وكلما يتقدم المرء في معرفة الله تتولد فيه عظمة الله وحبه. ويعلّم الله تعالى الإنسان العيش بحسب القضاء والقدر لتتولد فيه صفة التوكل على الله وليطّلع على حقيقة الرضا برضا الله وينال السكينة والاطمئنان الصادق الذي هو الهدف والغرض الحقيقي من النجاة.
إن مَثل القَسم الذي ضربته من القرآن الكريم قبل قليل أي: “والسماء ذات الرجع”، قد استخدم الله تعالى فيه كلمة “الرَجْع”. إن كلمة “السماء” تُستخدم بمعنى الفضاء والجو والمطر والعلوّ. والرجع يُطلق على ما يرجع متكررا وفي وقت مناسب. فما دام المطر ينزل في موسم الأمطار مرارا لذلك سمِّي “الرجع”، كذلك المطر السماوي أيضا ينزل في وقته.

 {الأرض ذات الصدع}، أي أقسم بالأرض التي تتصدع في تلك الأوقات وتُخرج الخضرة.
إن أصل المطر هو الأرض. وماء الأرض الذي يصعد إلى الأعلى بصورة البخارات يصل إلى كرة الزمهرير ويعود مطرًا. ولما كان الماء في هذه الحالة ينزل من السماء لذا يسمّى ماء سماويا. ثم لضرورة المطر هناك وقت آخر محدَّد حين يحتاج إليه المزارعون، وإذا نزل الماء بعد بذر البذور فورا ما بقي هناك شيء. ثم تمس إليه الحاجة بعد ذلك لنمو المزرعة. باختصار، إن الحاجة إلى المطر وفائدته ومشهد نزوله من السماء أمر بديهي يعرفه زارع عادي ذو عقل بسيط أيضا. وإضافة إلى ذلك لا بد من الانتباه أيضا إلى أنه إن لم ينزل المطر من السماء تجف المياة الجوفية أيضا رويدا رويدا، فتجف آبار كثيرة في أيام شح المطر ولا تبقى المياه في معظمها إلا قليلا جدا. ولكن عندما ينزل المطر من السماء تهيج وتموج المياه الجوفية أيضا. أقصد من بيان هذا المثل في هذا المقام أن الله تعالى جعل هذه الأحلاف شاهدة على أمر آخر لأن المزراعين البسطاء أيضا يعرفون هذه الأمور. والأمر الذي أثبته الله تعالى بواسطتها هي: {إنه قول فصلٌ وما هو بالهزل} أي أنه كلام الله تعالى حتما وهو قول فصلٌ وجاء بالحق والحكمة عند ضرورة حقة تماما ولم يأت لغوا. انظروا الآن أنه حين نزل القرآن الكريم ألم يكن من مقتضى النظام الروحاني أن ينزل كلام الله تعالى وأن يأتي رجل من السماء ليعيد هذا المتاع المفقود؟
اقرأوا تاريخ زمن بعثة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ستعلمون ماذا كانت حالة الدنيا. كانت عبادة الله قد تلاشت من العالم، وانمحت آثار التوحيد، وقد حلت محل الله جلّ شأنه عبادة الباطل والآلهة الباطلة. كان غطاء الجهل والظلام الخطير سائدا العالم كله. لم يكن على وجه الأرض بلد أو بقعة أرض يُعبد فيها الله الواحد والحي القيوم. إن قوم النصارى – عبدة الأموات- كانوا مأخوذين في دوامة التثليث، وسكان الهند الذين يدّعون بغير حق تعليم التوحيد في الفيدات كانوا يعبدون ثلاثمئة وثلاثين مليونا من الآلهة زائفة. إذًا، إن الحالة السائدة آنذاك التي رسمها الله تعالى في القرآن الكريم قائلا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} كانت سائدة في الحقيقة، ولا يسع لسان الإنسان أو قلمه أن يعبّر عن هذه الحالة بأفضل من ذلك.
ثم انظروا، كما هو قانون الله العام أن فضله تعالى ينزل في نهاية المطاف عند شح الأمطار ويؤدي الغيثُ المغيث إلى الخضرة كذلك تماما كان ضروريا في ذلك الوقت أن ينزل كلام الله تعالى من السماء. أي قد أرى الله تعالى نظام المطر المادي وبذلك أرشد إلى نظام المطر الروحاني. مَن يسعه أن ينكر أن المطر ينزل بحسب ضرورتنا، فالمراد من ذلك أنه كما وضع الله تعالى ذلك النظام كذلك حدد المواعيد للأمطار الأخرى أيضا. انتبهوا الآن، ألم يكن هذا الذكر للمطر الروحاني؟ كم كانت النزاعات شائعة بينكم؟ كانت الأعمال سيئة والإيمان كذلك، وكانت الدنيا موشكة على أن تسقط في هوة الهلاك فكيف كان ممكنا ألا يُنزِل الله غيث رحمته؟ إن الذي وضع نظاما خاصا لحماية الجسم الفاني أنّى كان له أن يضرب النظام الروحاني عُرض الحائط؟ لذا فقد قدّم نظام المطر كشاهد بصورة القَسم لأن أمر النبوة أمر روحاني ونظري، ولأن كفار العرب ما كانوا ليستوعبوا هذا النظام لذا فهّمهم بتقديمه النظام الأول. في ذلك سرّ لم يفهمه الجاهلون بل اعترضوا لجهلهم وعداوتهم للحق.

 

(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 10-6-1901م)

 

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :


يعترض البعض ويقولون بأن القرآن الكريم يقول بدوران السماء فيقول: “والسماء ذات الرجع”، مع أن الأطفال الصغار أيضا يعرفون أن الأرض هي التي تدور. إذًا، يوجهون عشرات الاعتراضات من هذا القبيل ويواجه المرء مشكلة في الإجابة ما لم يكن لديه إلمام بهذه العلوم. يجب أن يكون معلوما أن دوران الأرض والسماء أمور ظنية لا يسعنا أن نعدّها من اليقينيات. كان الناس إلى زمن معين يقولون بدوران السماء ثم قالوا بدوران الأرض. إنهم متمرسون في الطب أكثر من أيّ مجال آخر ولكن انظروا مع ذلك أن هناك اكتشافات جديدة تحدث كل يوم، فمثلا كانوا يقولون فيما سبق عن المصاب بالسكري بأنه يجب ألا يأكل الحلويات، وتقول التحقيقات الحديثة أنه لا بأس في ذلك وإنْ أكل البرتقال أو شرب الشاي. فكل هذه الأمور ظنية.
أرى من المناسب في هذا المقام أن أبين معنى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} لأنه قد تطرق الحديث إلى ذلك على أية حال. فليكن معلوما أنه ليس معنى السماء، السماءُ المعروفة فقط بل تعني المطر أيضا. ففي الآية قد أُقسم بالمطر الذي يرجع إلى الأرض. فلا تستطيع الأرض التي تنبت منها النباتات أو السماء وحدهما أن تُنجزا شيئا. لقد قدّم الله تعالى هذه الآية كمثال على ضرورة الوحي بأنه مهما ملكت الأرض ميزات عالية وفطرة قادرة على النمو ولكنها لا تستطيع النمو ولا تثمر فطرتها ما لم يهطل المطر من السماء. يقول شاعر فارسي ما تعريبه: لا خلاف في لطافة طبيعة الغيث، ومع ذلك تنبت في الحديقة الأزهار والورود وتنبت في الأرض القاحلة الكلأ والأعشاب.
لكي تنبت في الأرض ثمار وأزهار جيدة في الأرض هناك حاجة للمطر وبدونه لا يتم شيء. فيقدم الله هذه الظاهرة الفطرية لإثباث ضرورة الوحي ويلفت الأنظار إلى أنه إن لم ينزل المطر يُخشى القحط لدرجة تجف رويدا رويدا المياه الجوفية في الآبار والينابيع. فلما كانت هناك حاجة إلى الماء السماوي لسد الحاجات المادية أفليست هناك حاجة للمطر الروحاني لسد الحاجات الروحانية الأبدية؟ وهو الوحي الإلهي. فكما أنه إن لم ينزل المطر يحدث القحط وتجف الآبار والينابيع كذلك إن لم يأت الأنبياء والرسل لما وُجد الفلاسفة أيضا لأن القوى العقلية إنما تنمو نتيجة الوحي الإلهي فقط، والعقول الأرضية تنمو نتيجته.
ففي الآية: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}، قدّم الله تعالى أدلة عقلية وفطرية على ضرورة الوحي، وكلُّ من فهمها سيقول عفويا بأن هناك ضرورة للوحي دون شك، وهذه السنة جارية منذ آدم وكل شخص قد استفاد منه على قدر مواهبه وطبيعته. أما الذين كانوا جهالا وناقصين أو الذين كان فيهم الكبر والتمرد فقد حُرموا ولم يأخذوا أدنى نصيب منه. هذا هو القول الحق والصدق. واعلموا يقينا أن هناك حاجة ماسة للماء السماوي لأن القوة على العمل لا يمكن أن تنشأ بغير هذا المطر. 

 

(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 17-1-1906م)

 

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :


نرى في النظام المادي أن المزراع يحتاج إلى الماء السماوى على الرغم من بذله كل نوع من الجهد والمشقة، وإن لم ينزل الماء السماوي على مزرعته إلى جانب جهده ومشقته لهلكت المزرعة ولذهب جهده أدراج الرياح. والحال نفسه بالنسبة إلى الأمور الروحانية. لا ينفع الإنسانَ إيمان جاف ما لم ينزل المطر الروحاني ويغسل أوساخه الباطنية ويطهّره بآيات قوية. فإلى ذلك يشير القرآن الكريم قائلا: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}. يقول الناس بجهلهم: ما حاجة الله للقَسم؟ ولكنهم يواجهون الندم في نهاية المطاف بسبب تسرعهم. الحقيقة أن القَسم يقوم مقام الشهادة.
نرى في الحكومة الدنيوية أيضا أن في بعض الأحيان تُحصر الأحكام في القضايا في القَسم وحده، كذلك أقسم الله أيضا بالمطر السماوي وقدم هذا الأمر كشهادة في النظام الروحاني على غرار النظام المادي أي كما تتوقف خضرة الأرض والزروع على المطر السماوي، وإذا انقطع المطر السماوي لن تبقى الخضرة في الأرض وتموت الأرض وتجف مياه الآبار أيضا وينقلب العالم رأسا على عقب ويهلك ويموت الناس جوعا وعطشا بسبب القحط، ويؤثر ذلك على الناس والحيوانات والدواب والطيور وغيرها أيضا كذلك تماما هناك سلسلة روحانية أيضا.
اعلموا أن الإيمان الجاف دون المطر السماوي – الذي ينزل بصورة المكالمة والمخاطبة – لا يؤدي إلى النجاة الحقيقية أو السعادة الحقيقية قط. والذين يزعمون أنهم قادرون على نوال النجاة بغير المطر الروحاني والمبعوث من الله وليسوا بحاجة إلى مزكٍّ ومبعوث من الله ويملكون كل شيء ينبغي عليهم أن يخلقوا الماء أيضا بأنفسهم، فما حاجتهم إلى المطر السماوي؟ واضحٌ للعيان ماذا تعتمد عليه الأشياء المادية، فافهموا من ذلك أن كل ذلك ضروري وحتمي ولا مندوحة منه للحياة الروحانية أيضا. 

 

(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 14-7-1908م)

 

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

قال الله تعالى : {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}، أي أن هذا الكتاب يحكم في كافة النزاعات التي قد تطل برأسها بخصوص علم المعاد، فهو ليس كتابا بلا جدوى. 

 

(المصدر : كتاب البراهين الأحمدية)

 

قال الامام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام احمد   :

 

اعلموا أن القرآن الكريم قد أحسن إحسانا عظيما إلى الكتب السابقة والأنبياء السابقين، إذ أفضى صبغة علمية على تعاليمها التي كانت من قبل بصورة قصص وحكايات فقط. أقول صدقا وحقا إنه لن ينجو أحد من تلك القصص والحكايات ما لم يقرأ القرآن الكريم إذ ورد في حقه وحده: {إنه لقولٌ فَصْلٌ وما هو بالهَزْل}. 

 

(المصدر : جريدة الحكم، بتاريخ 24-4-1902م)

 

هذا الموقع هو موقع علمي لا يتبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمىى الطائفة القاديانية ولا يتبع أي فرقه من الفرق المنتسبه للإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025. All Rights Reserved.

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025.

All Rights Reserved.

E-mail
Password
Confirm Password