Skip to content Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع أو في صفحتنا على الفيسبوك ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع أو في صفحة الفيسبوك ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )

ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام

هدف بعثة الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام

لقد عُقدت صباح 1905/12/26م جلسة الإخوة الحاشدة في صالة كبيرة في الفرع الجديد من دار الضيافة للتفكير في إصلاح شؤون مدرسة تعليم الإسلام.” وألقى كثير من الإخوة كلماتهم حول مواضيع مختلفة. وقال أحدهم في أثناء كلمته:

الفرق الوحيد بين جماعة المسيح الموعود عليه السلام والمسلمين الآخرين، على حدِّ علمي هو أنهم يعتقدون بصعود المسيح ابن مريم إلى السماء حيا بينما نحن نوقن بأنه قد مات، وليس هناك شيء آخر محلَ نزاع بيننا وبينهم من حيث المبدأ. فلما كان هذا الكلام لا يوضح الهدف الحقيقي من وراء تأسيس هذه الجماعة بل كان الأمر يبدو مشتبها فيه وضعيفا؛ كان ضروريا أن يقوِّمه عليه السلام. ولكن لما كان الوقت ضيقا رأى عليه السلام مناسبا أن يخطب بإيجاز عن الغرض الحقيقي من بعثته بعد صلاتَي الظهر والعصر في 27 ديسمبر/ كانون الأول، وكانت صحته يومذاك معتلة ولكنه مع ذلك ألقى الخطاب التالي بفضل الله تعالى ورحمته.

قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام :

أنا متأسف لأني معتل الصحة اليوم فلا أستطيع أن أتحدث طويلا ولكن أرى ضروريا أن أقول شيئا بإيجاز نظرا إلى أمر هام. لقد سمعتُ البارحة أن أحد الإخوة قال بأن الخلاف الوحيد بيننا وبين المسلمين الذين يعارضوننا هو موت المسيح عليه السلام وحياته وإلا فكلنا سواسية وأن معارضينا أيضا على الحق عمليا، أي أنهم يقومون بكافة أعمال المسلمين مثل الصلاة والصوم وغيرها، ولكن وقع خطأ في قضية موت عيسى عليه السلام فقط فأسس الله تعالى هذه الجماعة لإزالة هذا الخطأ. فليكن معلوما أن هذا ليس صحيحا. لا شك أن هذا الخطأ قد نشأ في المسلمين بأسلوب سيِّئ للغاية، ولكن إذا كان أحد يظن أن مجيئي إلى الدنيا يهدف إلى إزالة هذا الخطأ فحسب وليس في المسلمين خطأ آخر يجدر بالإصلاح بل هم على صراط مستقيم فهذه الفكرة خاطئة. وأرى أن وفاة المسيح أو حياته ليست بأمر ليؤسس الله تعالى من أجله جماعة كبيرة كهذه ويرسل إلى الدنيا شخصا معينا، وأن يُظهر هذا الخطأ بطريقة تؤدي إلى تعظيمه كثيرا وكأن الظلام عم العالم كله، وصارت الأرض ملعونة! الخطأ بشأن موت1 المسيح لم ينشأ اليوم، بل نشأ بعد فترة وجيزة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. لقد ظل أولياء الله الخواص والصلحاء وأهل الله أيضا يأتون ومع ذلك بقي الناس على هذا الخطأ. فلو كان المقصود إزالة هذا الخطأ فقط لأزاله الله تعالى منذ ذلك الوقت، ولكن ذلك لم يحدث وبقي الخطأ على حاله إلى أن جاء عصرنا. ولو اقتصر الأمر على ذلك فقط في هذا العصر أيضا لما أقام الله تعالى جماعة جديدة من أجله لأن وفاة المسيح لم تكن بالأمر الذي لم يقبله أحد من قبل. بل إن معظم الخواص الذين كشف الله تعالى عليهم الحقيقة ظلوا يعتقدون بذلك. والحق أن هناك أمرا آخر أسس الله هذه الجماعة من أجله. لا شك أن إزالة الخطأ عن موت المسيح أيضا من الأهداف العظام لهذه الجماعة ولكن الله لم يبعثني لهذا الهدف وحده فقط بل الحق أنه قد نشأت أمور أخرى كثيرة بحيث لو لم يؤسس الله تعالى جماعة لإصلاحها ولم يبعث أحدا لدُمرت الدنيا كلها، ولانمحى اسم الإسلام واندثرت آثاره.

ويمكن أن نطرح السؤال نفسه بطريقة أخرى: ما هو الهدف من بعثتي؟

إن وفاة عيسى وحياة الإسلام هدفان متلازمان بشدة متناهية. وإن قضية وفاة المسيح صارت ضرورية لحياة الإسلام في العصر الراهن، لأن الفتنة الناتجة عن حياة المسيح قد تفاقمت إلى حد كبير. القول في مسألة حياة المسيح: أليس الله قادرا على أن يرفعه إلى السماء حيا؟ يدل على عدم معرفة قدرة الله و2 . نحن نؤمن بذلك أكثر من غيرنا ونوقن: “أَنَّ اَلله عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِّيرٌ، ونؤمن أيضا بأنه قادر على أن يفعل ما يشاء، ولكنه منزَّه عن الأمور التي تعارض صفاته الكاملة، ويعادي أمورا تخالف دينه. إن قضية حياة عيسى عليه السلامكانت في الأوائل بمنزلة خطأ فحسب، أما اليوم فقد تحول هذا الخطأ إلى أفعى تريد ابتلاع الإسلام. ففي أوائل الأيام ما كان هناك أ ي خطر من ضرره وكان بمنزلة خطأ فحسب. ولكن منذ أن قويت شوكة المسيحية واتخذ المسيحيون حياة المسيح دليلا كبيرا وقويا على ألوهيته، فقد أصبح هذا الخطأ خطرًا مهددًا. إذ يقول هؤلاء بكل شدة وتكرار: إن لم يكن المسيح إلًها فكيف صعد وجلس على العرش إذن؟ وإذا كان بإمكان بشر أن يصعد إلى السماء حيًّا فلماذا لم يصعد إليها أحد من البشر منذ آدم إلى اليوم؟ فبتقديم مثل هذه الأدلة يريدون أن يؤِّلهوا عيسى عليه السلام، وقد ألهوه فعلا وأضلوا عددا كبيرا من الناس في العالم، وقد صار كثير من المسلمين الذين يربو عددهم على ثلاثة ملايين كما يقال، عرضة لهذه الفتنة بسبب عدِّهم هذا الخطأ اعتقادا صحيحا. ولكن إذا كان ذلك صحيحا، ولو صعد عيسى عليه السلام إلى السماء حيا في الحقيقة، كما يزعم المسيحيون ويؤيدهم المسلمون بسبب خطئهم وعدم علمهم لكان ذلك يوم مأتٍم للإسلام لأن الإسلام جاء إلى العالم ليتولد عند الناس إيمان ويقين بوجود الله تعالى وينتشر توحيده. إنه لدينٌ ليس فيه ضعف من أي نوع. إنه يعُد الله تعالى واحدا لا شريك له، ولو أقِّرَّ بهذه الخصوصية لغير الله لكان في ذلك إساءة إليه سبحانه وتعالى لا يجيزها الإسلام. ولكن المسيحيين أضلوا الدنيا بتقديمهم خصوصية المسيح هذه، وقد وافقهم المسلمون دون تأمل وتدبر ولم يكترثوا بضرر أصاب الإسلامَ بسبب ذلك. يجب ألا ينخدع أحد بما يقوله الناس عادة: أليس الله بقادر على أن يرفع المسيح إلى السماء حيا؟ لا شك أنه قادر، ولكنه لا يجيز أمورا منشؤها الشرك، فتُشرك أحدا بالبارئ تعالى. ومن الواضح أن تخصيص شخص معين بخصوصية من بعض الأوجه هو مبدأ الشرك بعينه. والواضح تماما أن التسليم بخصوصية في المسيح عليه السلام أنه حي إلى الآن على عكس البشر كافة ويختلف من حيث الخواص البشرية، لأمرٌ هيأ للمسيحيين فرصة ليقدموه دليلا على ألوهيته. لو اعترض مسيحي على المسلمين: أخبِّروني هل حُصلت هذه المزية الفريدة لأحد آخر في هذا العصر؟ فلن يكون لديهم جواب على ذلك، لأنهم يوقنون بأن جميع الأنبياء قد ماتوا ولكن وفاة المسيح لا تثبت بحسب زعم المسلمين الذين يعارضوننا. ولأنهم يستنتجون من التوفيمعنى الرفع إلى السماء حيا فلا بد أن يستنبطوا من: “فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِیأيضا: عندما رفعتَني إلى السماء حيا، بينما لا تُثبت آية أنه سيموت أيضا في وقت من الأوقات. قولوا الآن ماذا عسى أن تكون نتيجة ذلك؟ هداهم الله ليُدركوا خطأهم. أقول صدقا وحقا بأن الذين لا يتركون هذا المعتقد بعد اكتشاف ضعفه وشناعته مع كونهم مسلمين فهم أعداء الإسلام وكحيَّة في كُمِّه. اعلموا أن القرآن الكريم ذكر موت المسيح مرارا وأثبت أنه مات كبقية الأنبياء والناس أجمعين. لم تكن فيه مزية لا توجد في غيره من الأنبياء والناس بوجه عام. وصحيح تماما أن معنى التوفيهو الموت فقط. لا يثبت من أي قاموس أن معنى التوفي هو أيضا الرفع إلى السماء بالجسد. إن حسن اللغة يكمن في سعتها. لا توجد في العالم لغة تخص شخصا واحدا فقط دون غيره. غير أن هذه الخصوصية خاصة بالله تعالى حتما لأنه واحد لا شريك له. قدِّموا لنا قاموسا من قواميس اللغة ذكُر فيه أن معنى التوفيبحق عيسى عليه السلام بوجه خاص هو الرفع إلى السماء حيا بالجسد، وأنه إذا استُخدمت الكلمة نفسها بحق أي إنسان غيره في العالم كله كان معناها الموت. أروني ذكر هذه الخصوصية في أ ي معجم من معاجم اللغة. وإن لم تفعلوا، لأنها ليست موجودة أصلا، فاتقوا الله لأن ذلك هو مبدأ الشرك بعينه. ونتيجة هذا الخطأ صار المسلمون مدينين للمسيحيين. فإذا قال المسيحيون: ما دمتم تعترفون بحياة المسيح وبأنه موجود في السماء وتؤمنون بمجيئه أيضا حَكَمًا، فقولوا الآن، أي شك بقي في ألوهيته؟! وخاصة حين لا يثبت أنه سيموت. إنها لطامة كبرى أن يطرح مسيحي سؤالا دون أن يكون له جواب.

فباختصار، لقد بلغ الآن التأثير السيِّئ لهذا الخطأ هذا المبلغ. صحيح أن موت المسيح لم يكن قضية عظيمة لتكون هناك حاجة إلى بعثة مبعوث عظيم من أجلها. ولكنني أرى أن حالة المسلمين قد تردت كثيرا وتركوا التدبر في القرآن الكريم وساءت حالتهم العملية أيضا. لو كانت حالتهم العملية على ما يرام وتأملوا في القرآن الكريم ومعانيه لما استنبطوا مثل هذه المعاني قط. وقد استنبطوا من عندهم معانَي على هذا المنوال؛ وإلا فإن كلمة التوفيلم تكن غريبة أو جديدة بل تقول جميع القواميس العربية أيا كان مؤلفها بأن معناها هو الموت. فلماذا إذن اخترعوا من عند أنفسهم معنى الرفع إلى السماء بالجسد؟ لو استنتجوا منها المعنى نفسه بحق النبي صلى الله عليه وسلم لما تأسفنا لأن الكلمة نفسها قد وردت في القرآن الكريم بحقه أيضا، كما يقول تعالى: “وَإِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ” (يونس: 46). قولوا الآن، إذا كانت هذه الكلمة تعني الرفع إلى السماء مع الجسد أليس من حقنا أن نستنبط المعنى نفسه بحق النبي صلى الله عليه وسلم أيضا؟ ما السبب في أنه إذا استُخدمت هذه الكلمة بحق نبي هو أدنّ درجة من النبي صلى الله عليه وسلم بآلاف المرات يخترعون لها معنى من عند أنفسهم ويرفعونه إلى السماء وعندما تُستخدم الكلمة نفسها بحق سيد الأولين والآخرين لا يستنبطون منها معنى سوى الموت؟ مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي حي وحياته ثابتة بأسلوب لا تثبت به حياة غيره قط. لذا نقول بكل تحد وقوة بأنه إذا كان هناك نبي حي فهو نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم فقط.لقد ألف كثير من المرموقين كتبا عن حياة النبيوعندنا أدلة دامغة على حياته صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أحد مواجهتها. من جملتها أن النبي الحي هو ذلك الذي تكون فيوضه وبركاته جارية إلى الأبد. ونرى أن الله تعالى لم يضيع المسلمين قط منذ زمنه صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. فقد بعث على رأس كل قرن رجلا أنجز مهمة الإصلاح بحسب مقتضى العصر حتى بعثني على رأس القرن الحالي لأثبت حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وثابت من القرآن الكريم أن الله حافظ على دينه صلى الله عليه وسلم دائما وسيحفظه في المستقبل أيضا كما يقول: “إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ” (الحجر: 9) إن عبارة: “إِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَتدل بجلاء على أنه سيأتي على رأس كل قرن دائما رجال ليستعيدوا المتاع المفقود ويذكروا به الناس. من المعلوم من حيث المبدأ أنه عندما ينصرم قرن ينقرض الجيل السابق أيضا ويموت العلماء وحفاظ القرآن وأولياء الله والأبدال الذين كانوا في ذلك الجيل. وبذلك تمس الحاجة إلى أن يولَد لإحياء الملة رجل آخر لأنه لو لم يؤسس الله تعالى نظاما جديدا في القرن الجديد لإبقاء الإسلام خضِّرا نضرا لمات هذا الدين، لذا يبعث الله على رأس كل قرن رجلا ينقذ الإسلام من الهلاك ويهبه حياة جديدة وينقذ العالم من الأخطاء والبدعات وأصناف الغفلة والكسل التي تنشأ فيهم. إن هذه الخصوصية توجد في النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وتشكل على حياته دليلا قويا لا يمكن لأحد مواجهته. وكذلك إن سلسلة بركاته وفيوضه أيضا ليست مقطوعة ولا ممنوعة. وتستفيد الأمة من بركاته هو في كل زمان، وتتعلم منه وتحب الله تعالى كما يقول: “قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ” (آل عمران: 31) إذن، فالمعلوم أن حب الله تعالى عز وجل لا يترك هذه الأمة محرومة في أي قرن. وهذا الأمر وحده يشكل برهانا ساطعا على حياة النبي صلى الله عليه وسلم. ومقابل ذلك لا تثبت حياة عيسى عليه السلام. وقد حدثت في حياته فتنة لم تحدث في حياة أي نبي آخر لذلك سأله اُلله تعالى: “ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ” (المائدة: 117) والجماعة التي أعدها عيسى كانت ضعيفة وغير جديرة بالثقة، وهذا ما يعترف به المسيحيون أيضا. ثابت من الإنجيل أن التلاميذ ال 12 الذين كانوا نموذجا لقوته القدسية وتأثيره بوجه خاصكان أحدهم يُدعى يهوذا الإسخريوطي الذي باع سيده ومرشده مقابل ثلاثين درهما. أما الآخر الذي يحتل مقام الصدارة بين الجميع وكان يُسمَّى تلميذا رشيدا وكانت في يده مفاتيح الجنة فقد لعنه أمامه ثلاث مرات. فإذا كان هذا هو تأثير المسيح وفيضه في حياته فيمكنكم أن تقدروا ماذا عسى أن يكون قد بقي منه الآن بعد مرور 1900 عام؟ أما الجماعة التي أعدها النبي صلى الله عليه وسلم مقابلهم فكانت مخلصة ووفية بحيث ضحُّوا من أجله بنفوسهم وأرواحهم، وهجروا أوطانهم وأعزاءهم وأقاربهم، ولم يبالوا بأي شيء مقابله صلى الله عليه وسلم. ما أعظم هذا التأثير وما أقواه! وقد اعترف به المعاندون أيضا، ولم تنقطع سلسلته إلى الآن بل لا تزال جارية. وذلك التأثير وتلك البركات لا تزال موجودة في تعليم القرآن الكريم. هناك مثال آخر جدير بالذكر عن التأثير وهو أنه لا يمكن العثور على الإنجيل قط. والمسيحيون أنفسهم يواجهون صعوبات في العثور على الإنجيل الحقيقي، وبأية لغة كان وأين هو؟ بينما حظي القرآن الكريم بالحماية دائما، ولا يمكن أن يُحرَّف فيه حرف ولا نقطة. وقد حظي القرآن بحماية دائمة بحيث يوجد آلاف بل مئات الآلاف من حفاظه في كل بلد وكل قوم وهم متفقون عليه، فيحفظون القرآن الكريم ويُسمعونه دائما. قولوا الآن، أليست هذه من بركات النبي صلى الله عليه وسلم؟ أَوَليست هذه البركات بركات حية؟ وهل تثبت بها حياته صلى الله عليه وسلم أم لا؟ باختصار، إن حياته صلى الله عليه وسلم ثابتة من مبدأ حماية القرآن الكريم ومن منطلق حديث بعثة المجدد على رأسكل قرن لتجديد الدين وكذلك من خلال بركاته وتأثيراته الجارية إلى الآن. الجدير بالإمعان هنا هو ماذا أفادت عقيدة حياة عيسى عليه السلام العالَم؟ هل حدث الإصلاح الأخلاقي والعملي أم نشأ الفساد؟ كلما أمعنتم النظر في هذا الموضوع تراءت لكم مثالب هذه العقيدة أكثر فأكثر. الحق والحق أقول بأن الإسلام تضرر بهذا الاعتقاد كثيرا. لقد بلغ عدد النصارى 400 مليون تقريبًا الذين تركوا الإله الحق واتخذوا الإنسان الضعيف إلها. أما ما نفعت به المسيحيةُ العالَم فهو واضح تمام الوضوح. لقد اعترف المسيحيون بأنفسهم أن هناك مساوئ كثيرة انتشرت في العالم بسبب المسيحية لأن الذي يعلَّم أن ذنوبه قد وُضعت في ميزان غيره يتشجع على الذنوب أكثر من ذي قبل. والمعلوم أن الذنب سمٌّ زعاف للإنسان قد نشرته المسيحية. وفي هذه الحالة يزداد ضرر هذا المعتقد أكثر من ذي قبل.

لا أقول بأن الناس في العصر الراهن وحدهم مسؤولون عن الاعتقاد بحياة المسيح. كلا، بل أخطأ في هذا بعض من القدامى أيضا ولكنهم مع هذا الخطأ نالوا ثوابا لأنه قد ورد عن المجتهد: “قد يخطئ ويصيب، ويثاب في كلتا الحالتين. الحق أن المشيئة الإلهية اقتضت أن تبقى هذه القضية خافية، فظلوا في غفلة منها وبقيت الحقيقة خافية عليهم مثل أصحاب الكهف، كما تلقيتُ إلهاما: “أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا.”كذلك إن قضية حياة المسيح أيضا سرٌّ عجيب. مع أن الله تعالى يبين وفاة المسيح بكل صراحة، ويثبت الأمر نفسه من الأحاديث، والآية التي قُرئت عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كاستدلال أيضا تُثبت الأمر نفسه، ولكن الله تعالى قد أخفاه مع كونه مكشوفا إلى هذا الحد وأبقاه خافيا للموعود المقبل، فحين جاء هذا الموعود أماط اللثام عن هذا السر.إنها لحكمةُ الله أنه يخفي سرًّا حين يشاء ويظهره حين يشاء.كذلك فقد أخفى هذا السر أيضا إلى أجله المسمى. أما الآن، حين جاء الموعود الذيكان مفتاح هذا السر بيده فكشفه للعيان. وإذا كان أحد لا يريد أن يقبل الآن ويتعنت فكأنه يحارب الله.

إذن، فإن مسألة وفاة المسيح قد اتخذت الآن منحى بحيث لم يعد فيها خفاء قط بل صارت واضحة من جميع الجوانب والنواحي. إن وفاة المسيح ثابتة من القرآن الكريم،كما تؤكد على وفاته الأحاديثُ .كما أن حادث معراج النبي صلى الله عليه وسلم صدق موته عليه السلام، وشهد النبي صلى الله عليه وسلم شهادة عيان لأنه رأى ليلة المعراج عيسى مع يحيى عليهما السلام. ثم الآية: “قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّی هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرࣰا رَّسُولࣰا” (الإسراء: 93) تمنع صعوده إلى السماء حيا لأنه حين طلب الكفار منه صلى الله عليه وسلم معجزة الصعود إلى السماء رد الله تعالى عليهم قائلا: “قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّی هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرࣰا رَّسُولࣰاأي سبحان ربي أن يخلف الميعاد بعد أن قدَّر للإنسان مرة أن يولَد في هذه الدنيا ويموت فيها كما يقول: “قَالَ فِیهَا تَحۡیَوۡنَ وَفِیهَا تَمُوتُونَ” (الأعراف: 25) أما أنا فبشر وترافقني مقتضيات البشرية التي لا يمكن أن تصعدني إلى السماء. والحق أن هذا ما قصده الكفار من هذا السؤال لأنهم كانوا قد سمعوا من قبل بأن الإنسان يحيا ويموت في هذه الدنيا؛ فحين وجدوا فرصة مواتية طرحوا هذا السؤال. وقد رُد عليهم بما أدى إلى خيبة آمالهم ومكايدهم. فالقضية مفروغ منها أن المسيح عليه السلام قد مات. غير أنها آية معجزة أن الله تعالى ترك هؤلاء الناس في غفلة وجعل المتيقظين سكارى.

واعلموا أيضا أن الذين لم يجدوا هذا العصر هم معذورون، ولم تتم الحجة عليهم. وما فهموه حينها بناء على اجتهادهم ينالون عليه أجرا وثوابا عند الله. ولكن لم يعد الوقت الآن كما كان بل رفع الله الآن ذلك الحجاب وأظهر السر المخفي. وترون الأضرار الفادحة والمخيفة لهذه القضية أن الإسلام اليوم في ضعف وانحطاط، وقد حملت المسيحية سلاح حياة المسيح نفسه للهجوم على الإسلام، وبسببه أصبحت ذرية المسلمين صيدا لها. أقول صدقا وحقا بأنهم يغوون الناس بسرد مثل هذه المسائل لهم. ويردون الناس عن الإسلام في المدارس والكليات بسردهم تلك الخواص التي يخترعها لهم المسلمون نتيجة جهلهم. أما الآن فقد أراد الله تعالى تنبيه المسلمين3.

فقد أراد الآن أن ينتبه المسلمون لأن التأكيد على وفاة المسيح هام جدا لتقدم الإسلام، وألا يعتقد الناس أن المسيح صعد إلى السماء حيًّا. ولكنني أقول بأسف شديد بأن معارضيَّ لا يفقهون هذا السر لشقاوتهم ويصرخون ويشغبون عبثا. ليت هؤلاء الحمقى يدركون أننا لو ركزنا جميعا على وفاة المسيح فلن تقوم للدين المسيحي قائمة. أقول على بصيرة بأن حياة الإسلام تكمن في هذا الموت. اسألوا المسيحيين أنفسهم ما الذي يبقى من دينهم إذا ثبت بأن المسيح ليس حيا بل هو ميتٌ ؟ إنهم يقولون بأنفسهم بأن هذه هي المسألة الوحيدة التي تستأصل شأفة دينهم. ولكن المسلمين باعتقادهم بحياة المسيح يقوونهم ويضرون الإسلام. ينطبق عليهم القول:  “يجلس على غصن الشجرة ويقطع جذعها. السلاح الذي كان في أيدي المسيحيين ضد الإسلام قد حمله المسلمون4 وأطلقوه على أنفسهم لقلة فهمهم وضعف عقلهم، الأمر الذي ألحق بالإسلام ضررا إلى هذا الحدولكن من دواعي السرور أن الله تعالى نبههم عليه في وقت مناسب وأعطاهم لكسر الصليب سلاحا لا نظير له، وأسس هذه الجماعة لتأييده واستعماله. فالقدر الذي أضعف به سلاحُ موت المسيح الدينَ الصليبَّي بفضل الله وتأييده وحدَّ من سرعته لم يعد خافيا الآن. يفهم المسيحيون ومؤيدوهم جيدا أنه إذا كانت هناك فرقة أو جماعة تقدر على القضاء عليهم فهي هذه الجماعة دون غيرها. لذلك إنهم يستعدون لمواجهة صاحب أي دين ولكن لا يتصدون لهذه الجماعة. عندما دعونا الأسقف للمبارزة وحضته على ذلك أيضا بعضُ الجرائد الإنجليزية كثيرا لكنه مع ذلك لم يبرز في الميدان. والسبب في ذلك أننا أُعطينا لاستئصال المسيحية أسلحةً ما أُعطِّيها غيرنا. والسلاح الأول من ضمنها هو موت المسيح نفسه. الموت ليس هو المطلوب بحد ذاته، بل إنما نركز عليه لأنه كان سلاح المسيحيين الذي كان يضر بالإسلام. فأراد الله تعالى أن يصلح هذا الخطأ، وقد أُصلح بكل قوة وشدة.

بالإضافة إلى ذلك الحق، هناك هدف آخر وهو إزالة الأخطاء والبدعات أيضا التي تطرقت إلى الإسلام.

من قلة التدبر القولُ أنه لا فرق بين هذه الجماعة والمسلمين الآخرين. فإن لم تتغير معتقدات المسلمين المعاصرين وكان كلا الفريقين مثل بعضهما؛ فهل أسس الله هذه الجماعة عبثا؟! إن هذا التفكير يمثل إساءة كبيرة لهذه الجماعة وتجاسرا ووقاحة بحق الله. لقد أوضح الله تعالى مرارا وتكرارا أن ظلمة حالكة سادت العالم عمليا وعقديا أيضا. والتوحيد الذي جاء لإقامته عدد كبير من الأنبياء والرسل إلى الدنيا وسعوا واجتهدوا من أجله بكل ما في وسعهم قد غطته اليوم غشاوة سوداء وتورط الناس في أنواع الشرك. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بألا تحبوا الدنيا، ولكن حب الدنيا قد استولى اليوم على كل قلب، وترى كل شخص غارقا في حبها. وإذا طُلب منهم أن يحركوا ساكنا في سبيل الدين يترددون كثيرا ويقدمون ألف عذر ومبرر. يُعدُّ كل نوع من السيئات والأعمال الشنيعة مسموحا به ويُركَّز على أصناف المنهيات علنا، وقد صار الدين كيتيم وبلا حيلة. فلو لم يؤيَّد الإسلام ولم يُنصَر في هذا الوقت الحرج فأي وقت يُنتظَر لنصرته؟! لم يبق الآن من الإسلام إلا اسمه. ولو لم يُحفَظ الدين في هذا الوقت أيضا فأي شك كان في انقراضه؟! الحق والحق أقول إنه من قلة الفهم أنْ يقال: ما الفرق بيننا وبين المسلمين الآخرين؟

لو اقتصر الأمر على شيء واحد فقط لماكانت هناك حاجة إلى تحمل هذا القدر من العناء، ولم تكن هناك حاجة إلى إنشاء جماعة. أعلم جيدا أن الله تعالى قد بين مرارا وتكرارا أنه قد سادت ظلمة شديدة الحلكة بحيث لا يُرى منها شيءٌ. التوحيد الذي كنا نفتخر به وكان الإسلام يعتز به بقي على الألسن فقط، وقد تضاءل كثيرا عدد الذين يعتقدون بالتوحيد عمليا وعقديا. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بألا تحبوا الدنيا ولكنك ترى كل قلب غارقا فيها وصار الإسلام كغريب ويتيم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم بصراحة تامة: “حب الدنيا رأس كل خطيئة.” ما أطهره من كلام وما أصدقه! ولكن انظروا اليوم ترون كل شخص واقعا في هذه الخطيئة. لقد أدرك معارضونا من الآريين والمسيحيين حقيقة دينهم جيدا ومع ذلك يريدون أن يتمسكوا به. يعلم المسيحيون جيدا أن أصول دينهم وفروعه ليست على ما يرام وأن تأليه إنسان ليس بفعل سليم. لقد تطورت الفلسفة والعلوم الطبيعية وغيرها في هذا العصر، وأدرك الناس جيدا أن المسيح لم يكن إلا إنسانا ضعيفا وعاجزا ولم يملك أية قدرة اقتدارية. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يدرس المرء هذه العلوم ويجرب بنفسه ويطلع على نقاط ضعف المسيح وعجزه ومع ذلك يعتقد بأنه إله. كلا، هذا لا يمكن. لقد بدأ الشرك من امرأة أي من حوَّاء التي عملت بأمر الشيطان معرضة عن أمر الله تعالى. والنساء هن مؤيدات لهذا الشرك العظيم أيضا أي المسيحية. الحق أن المسيحية دينٌ تدفعه فطرة الإنسان بعيدا ولا يمكن أن تقبله بحال من الأحوال. لولا الانهماك في المادية لأسلمت فئة كبيرة من المسيحيين إلى يومنا هذا. لقد كان بعض الناس مسلمين سرا بين المسيحيين وكتموا إسلامهم ولكن أوصوا عند الاحتضار وأعلنوا إسلامهم. كان هؤلاء يحتلون مناصب مرموقة. وقد كتموا إسلامهم في حياتهم لحب الدنيا ولكن اضطروا إلى إعلانه في نهاية المطاف. أرى أن الإسلام قد وجد طريقه إلى تلك القلوب ويتقدم باستمرار ولكن حب الدنيا قد حجب الناس جميعا. فلباب الكلام أن حب الدنيا هو الذي أدى إلى فُرقة المسلمين الداخلية، لأنهم لو آثروا رضا الله فقط لأدركوا بكل سهولة أن مبادئ الجماعة من كذا وكذا أكثر جلاء ولقبلوها واتَّحدُوا. أما الآن، حين يطل هذا الفساد برأسه بسبب حب الدنيا فكيف يمكن عدُّ أناس مثلهم مسلمين وهم لا يتأسون بأسوة النبي صلى الله عليه وسلم؟ لقد قال الله تعالى: “قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ” (آل عمران: 31) أما الآن فقد قُدِّم حب الدنيا على حب الله واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. هل هذا هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم؟!

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم شخصا ماديا؟! هل كان يأكل الربا؟! أو كان يتهاون في أداء الفرائض أو العمل بأوامر الله تعالى؟! هل كان فيه صلى الله عليه وسلم شيء من النفاق أو المداهنة والعياذ بالله؟! هل كان يؤثر الدنيا على الدين؟! فكروا وتأملوا.

المراد من الاتباع هو أن تتأسوا بأسوته صلى الله عليه وسلم، ثم انظروا كيف يُنعم الله تعالى عليكم بكثرة. لقد تأسى الصحابة بتلك الأسوة، فانظروا أين كانوا وإلى أين أوصلهم الله تعالى! لقد نبذوا الدنيا وراء ظهورهم كليًّا وتخلوا عن حبها تماما، وقضوا على أمانيهم. والآن لكم أن تقارنوا حالتكم مع حالتهم، وانظروا هل تحذون حذوهم؟ الأسفكل الأسف أن الناس في هذا العصر لا يفقهون ماذا يريد الله منهم. لقد خلفت رأس كل خطيئةأولادا كثيرين؛ فمثلا إذا حضر أحد المحكمة لا يخجل قط من الإدلاء بشهادة زور مقابل بضعة مليمات. هل للمحامين أن يقولوا حالفين بأنهم يقدمون الشهود الصادقين كلهم؟ لقد تدهورت اليوم حالة الدنيا كثيرا، حيثما تنظرون تجدون شهودا كاذبين يُدلون بشهادات كاذبة. إن رفع القضايا الزائفة أمر سهل وبسيط! ولا يتورعون عن تلفيق الوثائق. كلما قالوا عن أمر شيئا تحاشوا صدق المقال. فليسأل أحدٌ أولئك الذين لا يدركون حاجةً إلى هذه الجماعة، هل هذا كان الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟ لقد سمى الله تعالى الكذبَ رجسًا وأكد على اجتنابه فقال: “اجْتَنِّبُوا الرِّجْسَ مِّنَ الَأوْثَانِّ وَاجْتَنِّبُوا قَ.وْلَ الزُّورِّأي عد الكذب مثل عبادة الأوثان. فكما يُخضِّع شخص غبي رأسه أمام حجر تاركا عبادة الله كذلك يتخذ الكذب وثنا لتحقيق مرامه تاركا الصدق والحق. لذلك عدَّ الله تعالى الكذبَ مثل عبادة الأوثان وذكر العلاقة بينهما. فكما يتحرى عابد الأوثان النجاة عند الوثن كذلك يتخذ الكاذب وثنا من عنده ويظن أنه سينال النجاة بواسطته. كم تردت الحالة! بحيث إذا قيل لهم: لماذا تعبدون هذا الوثن؟ اتركُوا هذه النجاسة، قالوا:كيف نتركه، إذ لا تقوم لنا بدونه قائمة. أي شقاوة أكبر إذ يحسبون الكذب مدار حياتهم؟! ولكني أقول وأؤكد لكم أن الصدق هو الذي ينتصر في نهاية المطاف، وفيه الخير والفتح.

أَذكر أنني أرسلت ذات مرة مقالا إلى أمرتسر وأرفقت به رسالة أيضا إلى جريدة اسمها وكيل هنديصدرها رليا رام.” فاعتبر إرسالي الرسالة بهذه الطريقة منافيا لقانون البريد ورفعوا ضدي قضية في المحكمة. قال لي المحامون بأنه لا سبيل للخلاص سوى إنكار إرسال الرسالة، كأنه لا خلاص بغير الكذب. ولكنني ما أحببت ذلك بل قلتُ : إذا عوقبت نتيجة قول الصدق فليكن ولكني لن أكذب. رُفعت القضية إلى المحكمة أخيرا وحضر مسؤول مكاتب البريد كمدعٍ. وعندما سئلتُ عن الرسالة قلتُ بكل صراحة بأن الرسالة رسالتي ولكني أرفقتها مع الطرد حاسبا إياها جزءا من المقال. ففهم القاضي الأمر ووهبه الله تعالى البصيرة. لقد أصر مسؤول مكاتب البريد على الموضوع كثيرا ولكن القاضي لم يسمع له وسمح لي بالانصراف5. أنّى لي أن أقبل أنه لا سبيل إلا بالكذب ولا تجري الأمور على ما يرام دونه؟! الكلام من هذا القبيل خرافات بحتة. الحق أنه لا مندوحة عن الصدق. كلما أذكر هذا الحادث أتلذذ به إذ اخترتُ كنف الله فحماني حماية صارت آية. “مَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُ” (الطلاق: 3).

اعلموا يقينا بأنه لا شيء نحسٌ مثل الكذب. يقول الناس الماديون عادة بأن الصادقين يُسجَنون. ولكن كيف أقبل ذلك؟ إذ قد رُفعت علي سبع قضايا ولم أضطر إلى كتابة كلمة واحدة كاذبة بفضل الله تعالى. وليخبِّرني أحد هل جعلني الله أتعرض لهزيمة في واحدة منها؟ إن الله تعالى يؤيد الصادق وينصره من عنده. هل يمكن أن يعاقب الله عز وجل صادقا؟ لو حدث ذلك لما تشجع أحد في العالم على قول الصدق، ولارتفع الإيمان بالله ولمات الصادقون وهم أحياء. الحق أن بعض الناس عندما يعاقَبون عند صدق المقال لا يكون سببه عائدا إلى قولهم الصدق بل يكون ناتجا عن بعض سيئاتهم الأخرى الخفية أو عن كذب آخر لأن الله تعالى يعلم سلسلة سيئاتهم وشرورهم، أي تكون لهم أخطاء أخرى كثيرة فيعاقَبون على خطأ منها. إن معلمي السيد غُل علي شاه كان من سكان بطاله، وكان يعلم برتاب سنغ، ابن شير سنغأيضا. فذكر أن شير سنغ ضرب طباخه ذات مرة بشدة لمجرد كثرة الملح أو الفلفل في الطعام، ولما كان المعلم رجلا بسيطا فقال له بأنك ارتكبت اليوم ظلما عظيما. قال شير سنغ:” المعلِّم لا يعلم أنه قد سبق لهذا الشخص أن هضم مائة خروف لي. كذلك فإن سيئات المرء تكون مكدسة سلفا فيُبطَش به بمناسبة أخرى ويعاقَب6. والذي يختار الصدق لا يمكن أن يهان ويُخزَى قط لأنه يكون في حماية الله، ولا حصن حصيٌن مثل حماية الله. ولكن العمل الناقص لا ينفع. هل لأحد أن يقول بأن شرب قطرة ماء واحدة يكفي عند شدة العطش؟! أو يمكن أن يشبع أحد بأكل حبة أو لقمة واحدة عند شدة الجوع؟ كلا، لن يشبع قط ما لم يأكل أو يشرب ما فيه الكفاية. كذلك ما لم تبلغ الأعمال كمالها لا تؤتي ثمارا ولا تسفر عن نتائج مطلوبة. الأعمال الناقصة لا ترضي الله تعالى ولا تكون مباركة. لقد وعد الله تعالى أن تكسبوا الأعمال بحسب مرضاتي، عندها سوف أبارك فيها.

زبدة الكلام أن الناس الماديين ينسجون من عند أنفسهم أفكارا أنه لا مندوحة لنا من الكذب والزيف. يقول أحدهم مثلا: صدق فلان في القضية فسُجن لأربعة أعوام. ولكني أكرر وأقول: هذه الأمور كلها مبنية على الأوهام وتنشأ نتيجة عدم المعرفة. “حاوِّل أن تبلغ من الكمال ذروته لتكون محببا عند الناس جميعا“.

فهذه كلها نتائج النقص، أما الكمال فلا يؤتي ثمارا مثلها. إذا رتق أحد فتقا واحدًا في عباءته الغليظة التقليدية فلن يصبح خياطا ولن يستلزم ذلك أنه قادر على خياطة لباس الحرير الفاخر أيضا بإتقان. ولو أُعطي مثل هذه الأقمشة للخياطة لكانت النتيجة أنه سيُفسدها كليا. إذن، فالحسنة المختلطة بالأوساخ لا تنفع ولا أهمية لها عند الله تعالى، ولكن الناس يعتزون بها ويريدون النجاة بواسطتها.

إن الله تعالى لا يضيع أدنّ حسنة وإن كانت مثقال ذرة إن وُجد الإخلاص. لقد قال تعالى بنفسه: “فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ، فلماذا إذن لا يحظى المرء بالثمار مع كسْبه الحسنات إلى هذا الحد؟ السبب هو أنه لا يوجد فيها إخلاص. الإخلاص شرط في الأعمال كما يقول تعالى: “مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَۚوهذا النوع من الإخلاص يوجد في الأبدال7. فإن أناسا أمثالهم يصبحون أبدالا ولا يبقون على صلة مع هذا العالم. وتكون كل أعمالهم مبنية على الإخلاص واللياقة. أما أهل الدنيا فحالتهم أنهم يبتغون المدح والثناء على الصدقات أيضا. وإذا دفع أحد تبرعا في مشروع حسن توقع من ذلك أن يُحمَد في الجرائد وأن يثني عليه الناس. فما علاقة مثل هذه الحسنة بالله تعالى؟ هناك كثير من الناس الذين يوزعون عند زواجهم الطعام على القرية كلها ولكن ليس لله بل للرياء وكسب المديح. ولو لم يكن فيه رياء وكان فعلهم هذا لمجرد الشفقة على خلق الله وخالصة لله، لصاروا أولياء الله. ولكن عندما لا تكون له علاقة مع الله فلا ينشأ فيه تأثير طيب ومبارك.

اعلموا جيدا أنه من كان لله كان اُلله له، ولا يمكن لأحد أن يخدع اَلله تعالى. إذا كان أحد يفكر أنه يستطيع أن يخدع الله بالرياء والزيف فهذا حمق وغباوة محضة منه، بل هو المخدوع بنفسه. إن زينة الدنيا وحبها أصل السيئات كلها، فيعمى الإنسان فيها ويخرج عن حدود الإنسانية ولا يدري ماذا يفعل وماذا كان يتحتم عليه فعله. ما دام الإنسان الذكي لا ينخدع بحيلة أحد فكيف يمكن أن ينخدع اُلله إذن؟ ولكن أصل هذه الأعمال السيئة هو حب الدنيا، فالذنب الأكبر الذي أدى إلى دمار المسلمين، وتراهم متورطين فيه جميعا، هو حب الدنيا فقط. فهذا هو أكبر هِّمهم وغمِّهم، قياما وقعودا ونياما ومستيقظين بل في كل لحظة من الليل والنهار ولا ينتبهون إلى وقت يوضَعون فيه في القبر. لو خافوا اَلله وكان لديهم أدنى هم وغم من أجل الدين لاستفادوا كثيرا. يقول السعدي: ليت خشي الوزيرُ الله سبحانه وتعالى

كيف يبدي الموظفون نشاطا ملحوظا في عملهم من أجل وظيفة بسيطة ولكن عندما تحين الصلاة يفت في عضدهم بالنظر إلى برودة الماء فقط. لماذا تحدث مثل هذه الأمور؟ لأنه ليست في القلوب عظمة الله. إذا كان في القلوب شيء من عظمته، والتنبه إلى الموت، واليقيُن، لزال الكسل والغفلة كلها. لذا يجب أن ترسخوا عظمة الله في القلوب وتخافوه دائما، إن بطشه شديد. صحيح أنه يعفو ويصفح ولكن عندما يبطش بأحد يبطش بشدة حتى: “لا يََخافُ عُقْبَاهَاأي عندها لا يبالي الله تعالى كيف ستكون حالة الذين يعقبونه. وعلى النقيض من ذلك إن الذين يخافون الله ويرسخون عظمته في قلوبهم يُكرمهم الله تعالى ويصير جُنَّة لهم. لقد جاء في الحديث: “من كان لله كان الله له.” ولكن من المؤسف حقا أن الذين ينتبهون إلى ذلك أيضا ويريدون أن يأتوا إلى الله يود معظمهم أن تظهر نتائج أعمالهم للعيان فورا. إنهم لا يدرون ما مدى الحاجة إلى الصبر والجلَد والمثابرة في أمور الدين! والأغرب من ذلك أن الدنيا التي يكادون يموتون من أجلها ساعين في سبيلها ليل نهار ينتظرون إلى سنوات طويلة لتتحقق أمور تتعلق بها. كم من الزمن ينتظر الزارع بعد زرعه البذرة! ولكن عندما يأتي الأمر إلى الدين يقولون: اجعلونا أولياء الله بنفخة واحدة، ويودون أن يصلوا إلى العرش في أول يوم، مع أنهم لم يتجشموا في هذا السبيل جهدا ولم يتحملوا عناء ولم يتعرضوا لابتلاء.

تذكروا جيدا أن هذه ليست سنة الله ولا قانونه، بل التقدم هنا يحدث تدريجيا. والله تعالى لا يفرح بالكلام فقط أن نقول بأننا مسلمون أو مؤمنون. يقول الله تعالى: “أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ” (العنكبوت: 2) إنه لمما ينافي سنة الله أن يُجعل أحدٌ ولي الله بنفخة واحدة. لو جرت سنة الله على هذا المنوال لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وجعل أصحابه المضحين من أجله أولياء الله بنفخة واحدة، ولما عرضهم للابتلاء لتُقطع أعناقهم، ولما قال الله تعالى عنهم: “مِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا” (الاحزاب: 23).

فما دام الحصول على الدنيا أيضا مستحيلا بغير تكبد المشاكل والعناء والجهد، فما أغبى ذلك الذي يحسب الدين شيئا سهل المنال دون عناء! صحيح أن الدين سهل ويُسر، ولكن كل نعمة تتطلب مشقةً، ومع ذلك لم يفرض الإسلام أية مشقة. خذوا الهندوس مثلا، كم يتجشم رهبانهم من المشقة والعناء حتى تضعف ظهور بعضهم! ومنهم من يطيل الأظافر، وكذلك الرهبانيةُ في المسيحية. ولكن الإسلام لم يتبَّن هذه الأعمال، بل علم: “قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَاأيْ من زكى نفسه فقد نجا، فمن جنَّب نفسه كل نوع من البدعة والفسق والفجور والأهواء النفسانية لوجه الله وترك كافة الملذات النفسانية وآثر المعاناة في سبيل الله فقد نجا. فالذي يؤثر الله تعالى ويترك الدنيا وتصنُّعها8 فهو ناجٍ في الحقيقة.

ثم يقول تعالى: “قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” (الشمس : 10) أي: مَن لوث نفسه وهوى إلى الأرض فقد خاب. يبدو كأن تعليم الإسلام كله يتلخص في هذه الآية وحدها التي يتبين منها كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى الله تعالى. صحيح ومتحقق تماما أنه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى الله تعالى ما لم يتخل عن استخدام قواه البشرية بسوء. إذا كنتم تريدون أن تتخلصوا من أرجاس الدنيا وتلاقوا الله فاتركوا هذه الملذات، وإلا: تريد الله، وتهوى الدنيا الدنيئة أيضا، هذا محض خيال ومحال وجنون“.

السيئة ليست في فطرة الإنسان وليس هناك شيء سيِّئ أصلا، ولكن استعماله الخاطئ يجعله سيئا. خذوا الرياء مثلا، هو أيضا ليس سيئا بحد ذاته. فإذا عمل أحد عملا لوجه الله فقط وليتشجع الآخرون أيضا على تلك الحسنةكان هذا الرياء أيضا حسنة. الرياء قسمان، أحدهما للدنيا. فمثلا إذا كان أحد يؤم الصلاة وفي هذه الأثناء جاء شخص كبير أطال الصلاة من أجله ولإراءته. ففي مثل هذه المناسبات يتأثر بهم بعض الناس كثيرا فيعتز المرائي بذلك كثيرا. فهذا أيضا نوع من الرياء الذي لا يقوم به صاحبه في كل حين وآن بل في وقت ما، كما يأكل المرء طعاما عند الجوع أو يشرب ماء عند العطش فقط. ولكن الذي يؤدي صلاتهعلى النقيض منهلوجه الله كما هو حقها فهذا ليس رياء بل هو وسيلة للحصول على رضا الله تعالى. فباختصار، للرياء أيضا محل ومناسبة، ولكن الإنسان حيوان لا ينتبه إلى عيوب تقع في غير محلها. فمثلا يعتبر أحد نفسه ورعًا وتقيًّا جدا، وإذا كان ماشيا وحده في الطريق ورأى صرة من الجواهر الثمينة يخطر بباله: لا بأس، لا يراني أحد. وإذا لم يتهافت عليها في هذه الحالة وأدرك أنها مِّلك غيره، والنقود اللقيطة في الطريق هي مِّلك أحد على أية حال فهو تقي وورع في الحقيقة. وإلا ليس ذلك إلا ادعاء فحسب وستتبين حقيقته عندئذ وسيتلقف الصرة والنقود. كذلك الذي يُظَن أنه لا يُرائي سيثبت عدم ريائه إذا وجد فرصة مواتية ومع ذلك لم يُراءِّ. ولكن كما قلتُ قبل قليل بأن بعض العادات تتحول في بعض المناسبات المعينة إلى حسنة. فمثلا يؤدي المرء صلاته بالجماعة، وهذا أيضا نوع من الرياء. فإذا كان الهدف من ذلك هو إراءة الناس فقط فهو رياء بلا شك، ولكن إذا كان المقصود هو طاعة الله ورسوله فهي نعمة عظيمة. فصلُّوا في المساجد وفي بيوتكم أيضا. كذلك إذا كانت التبرعات تُجمع من أجل الإسلام في مكان ما، ويرى شخص أن الناس ساكتون صامتون ولا ينتبهون إلى الموضوع فيتبرع قبل غيره ليتشجع الآخرون، فهذا أيضا رياء في الظاهر ولكنه مدعاة للثواب. فيقول الله تعالى في القرآن الكريم: “لَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًا” (لقمان: 18) ومن ناحية ثانية يثبت من الحديث أن شخصا كان يمشي مرحا مختالا في الحرب، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن الله تعالى لا يحب هذا العمل ولكنه يحبه في هذه المناسبة. إذن: گرحفظمراتبنہكنی زندیقی۔ أي: “لو لم تراعِّ المراتب والمناسبة لكنتَ زنديقا.”

فلباب القول إن خُلقا معينا يجعل الإنسان مؤمنا بمناسبة ويجعله الخلق نفسه كافرا بمناسبة أخرى. لقد قلت من قبل بأنه ليس هناك خُلق سيِّئ بحد ذاته بل الاستخدام السيِّئ يجعله كذلك. لقد ورد عن غيظ عمر رضي الله عنه بأن أحدا سأله عن ذلك وقال بأنك كنت سريع الغضب وشديده قبل الإسلام؟ قال: الغضب ما زال الآن كما كان، ولكنه كان يظهر في غير محله سابقا أما الآن فيظهر في محله. إذن، الإسلام يعلم استخدام القوى جميعا في محلها المناسب. فلا تحاولوا أن تزول قواكم بل تعلَّموا استعمالها الصحيح. فباطلة أفكارُ ومعتقدات الذين يقولون بأن تعليمنا هو أنه إذا لطمكم أحد على الخد فأديروا له الخد الآخر. من الممكن أن يكون هذا التعليم مثل قانون خاص بمكان أو زمان في ذلك العصر، ولكن لا يمكن أن يكون للأبد ولا يمكن العمل به على الدوام لأن الإنسان كشجرة متفرعة الأغصان؛ فلو رُكِّز الاهتمام على غصن واحد لدُمرت الأغصان الأخرى وبادتْ. العيب في تعليم المسيحية هذا واضح تمام الوضوح. كيف يمكن تنمية قوى الإنسان وتربيتها بهذا التعليم؟ لو كان العفو هو الأمثل دائما فلماذا أُعطِّي الإنسان قوة الانتقام أصلا؟ ثم لماذا لا يُعمل بتعليم العفو هذا؟ ومقابل ذلك إن التعليم الكامل هو ما أعطاه القرآن الكريم، ووصلنا بواسطة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وهو: “وَجَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ سَیِّئَةࣲ سَیِّئَةࣱ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ” (الشورى: 40). يتبين من ذلك بصراحة تامة أن القرآن الكريم لا يريد ألا يتصدى الإنسان للشر أبدا وألا ينتقم قط وفي أي حال، بل تقتضي مشيئة الله تعالى أن يراعي المرء المحل المناسب دائما ويرى إذا ما كانت المناسبة تقتضي العفو والصفح عن الخطأ أم تتطلب العقوبة. إذا اقتضت جريدة الحَكَمةُ المعاقبةَ فليعاقَب المخطئ بقدر ما يستحقه. وإذا كان العفو هو مقتضى الحال فلينبذ فكرة المعاقبة. هذه هي المزية التي يتحلى بها هذا التعليم بأنه يراعي كل الجوانب والنواحي. فإذا تُرك كل شرير ووقح على حاله عملا بتعليم الإنجيل لسادت الدنيا الفوضى والظلم. لذا عليكم أن تهتموا دائما بهذا الأمر ولا تظنوا أن قواكم كلها ميتة، بل اسعَوا جاهدين أن تُستخدَم في محلها المناسب دائما. أقول على بصيرة بأن هذا التعليم قد صور القوى الإنسانية كلها. ولكن الأسف على الذين يسمعون كلام المسيحيين المعسول ويُعجَبون به ويتركون النعمة العظمى أي الإسلام. الصادق لا يكون لطيفا وحُلوًا للآخرين في كل الأحوال بل هو كأم لا تطعم طفلها الحلوى دائما بل تعطيه دواء مرًّا أيضا بحسب مقتضى الحال. والحال نفسه ينطبق على المصلح الصادق. وهذا هو التعليم المبارك من كل الجوانب والنواحي. إن الله تعالى صادق. المسيحيون يؤمنون أيضا بإلهنا فيضطرون إلى الإيمان بجميع صفات الله التي نؤمن بها نحن. يطرح القس فندرفي كتابه سؤالا: إذا كانت هناك جزيرة لم تبلغها دعوة المسيحية فماذا يمكن أن يُسأل عنه يوم القيامة القاطنون فيها؟ ثم يجيب عليه بنفسه بأنهم لن يُسألوا هل آمنتم بيسوع وكفارته أم لا؟ بل سيُسألون: هل تؤمنون بإله واحد لا شريك له وذي صفات يبينها الإسلام؟

إن إله الإسلام هو الإله الذي يضطر إلى الإيمان به بطبيعته كل من يسكن في الفلوات أيضا. إن ضمير كل شخص ونور قلبه يشهد له ليؤمن بإله الإسلام.

لقد نسي المسلمون المعاصرون حقيقة الإسلام هذه، والتعليم الحقيقي الذي فصلتُه. ومهمتي هي إقامة التعليم نفسه مرة أخرى. وهذا هو الهدف العظيم الذي جئت من أجله.

إضافة إلى ما بينته آنفا هناك أخطاء علمية وعقدية أخرى أيضا في طور الانتشار في المسلمين، ومهمتي هي إزالتها. فمثلا يعتقد هؤلاء الناس أن عيسى وأمه بريئان من مس الشيطان أما غيرهما جميعا فليسوا كذلك، والعياذ بالله. هذا خطأ صريح بل كفرٌ، وفيه إساءة كبيرة للنبي صلى الله عليه وسلم. الذين يخترعون مثل هذه المعتقدات من عند أنفسهم وبذلك يجلبون سمعة سيئة للإسلام ليست فيهم شائبة من الغيرة، وهم بعيدون عن الإسلام كل البُعد. حقيقة القضية هي كالتالي: يثبت من القرآن الكريم أن الولادة نوعان. أحدهما بمس روح القدس والآخر بمس الشيطان. إن أولاد جميع الصلحاء والأتقياء يولَدون بمس روح القدس. أما الأولاد الذين يولَدون نتيجة السيئة فبمس الشيطان. فقد وُلد جميع الأنبياء بمس روح القدس. ولكن لأن اليهود اعترضوا على عيسى عليه السلام وقالوا بأنه ولد زنا، والعياذ بالله، ووُلد نتيجة علاقة مريم غير الشرعية مع جندي اسمه بنداراونتيجة مس الشيطان لذا فقد شهد الله تعالى بحقه ليزيل عنه هذه التهمة الشنيعة وقال بأن ولادته كانت بمس روح القدس. ولكن لما لم يُوجه اعتراض من هذا القبيل إلى نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم والأنبياء الآخرين فلم تكن هناك حاجة إلى بيان هذا الأمر بحقهم. كان أبوَا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وآمنةيحظيان بالاحترام والإجلال منذ البداية، ولم تخطر مثل هذه الفكرة ببال أحد قط. أما الذي يواجه قضية ما، فتكون هناك حاجة إلى شهادة لبراءته، ولكن الذي لم يواجه قضية فلا حاجة إلى شهادةٍ لإثبات براءته.

كذلك هناك خطأ آخر رائج بين المسلمين وهو عن المعراج. نؤمن بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عُرج به. ولكن اعتقاد بعض الناس أن المعراج كان حُلما عاديا فقط ليس صحيحا، كذلك الذين يعتقدون أنه صلى الله عليه وسلم صعد إلى السماء بجسده المادي أيضا فهذا الاعتقاد أيضا خاطئ. بل الحقيقة والمعتقد الصائب هو أن المعراج كان كشفا وبوجود نوراني. كان ذلك وجودا ولكنه كان نورانيا، وكانت يقظة ولكن كانت يقظة كشفية ونورانية لا يفقهها الناس من هذه الدنيا إلا الذين طرأت عليهم تلك الحالة. وإلا فقد طلب اليهود معجزة الصعود إلى السماء بالجسد المادي وفي اليقظة الظاهرية فقيل في القرآن الكريم في الجواب: “قُلْ سُبْحَانَ رَّبي هَلْ كُنْتُ إِّلا بَشَرًا رَسُولا” (الإسراء: 93) أي أن الناس لا يطيرون إلى السماء هكذا. هذه هي سنة الله الجارية منذ القِّدم.

هناك خطأ آخر سائد في معظم المسلمين أنهم يقدمون الأحاديث على القرآن الكريم، مع أن هذا الاعتقاد خاطئ تماما. القرآن الكريم يحتل مرتبة اليقين أما الحديث فمرتبته ظنية. الحديث ليس قاضيا على القرآن بل القرآن هو القاضي عليه، غير أن الحديث شارح للقرآن الكريم فيجب أن ننزِّله منزله اللائق. الإيمان بالحديث ضروري ولكن إذا لم يعارض القرآن الكريم بل وافقه. وإذا عارض القرآن فهو ليس حديثا بل هو قول مردود. ولكن الحديث ضروري لفهم القرآن الكريم. إن أوامر الله تعالى التي نزلت في القرآن الكريم وضحها النبي صلى الله عليه وسلم بعمله، وأمر بالعمل بها وكان قدوة فيها. لولا هذه القدوة لما فُهم الإسلام. ولكن مع ذلك كله فإن الأصل هو القرآن الكريم.

إن بعض أهل الكشف يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أحاديث لا يعلمها الآخرون أو يأخذون منه صلى الله عليه وسلم تصديق الأحاديث المتداولة.

باختصار، هناك أمور كثيرة من هذا القبيل التي توجد في هؤلاء الناس تُسخِّط اَلله تعالى وهي تعارض الإسلام تماما. لذا فالله تعالى لا يراهم مسلمين الآن ما لم يعودوا إلى الصراط المستقيم متخلين عن المعتقدات الخاطئة. ولهذا الغرض بعثني الله تعالى لأزيل هذه الأخطاء كلها وأقيم الإسلام الحقيقي في الدنيا من جديد.

هذا هو الفرق بيننا وبين هؤلاء الناس. لم تعد حالتهم ثابتة على الإسلام الحقيقي بل أصبحوا مثل حديقة خربة لا جدوى منها. قلوبهم نجسة، فيريد الله تعالى أن يُنشئ قوما جديدا يكون نموذج الإسلام الحقيقي بسلوكه مسلك الصدق والحق9.

1يبدو أن موت المسيحورد بسهو الناسخ، والصحيح: “حياة المسيح.” (المرتب)

2 يبدو أن كلمة ما سقطت هنا بسهو الناسخ. (الناشر)

3جريدة الحَكَم؛ مجلد 10، رقم 6، ص3-2، عدد: 1906/2/17م

4جاء في جريدة بدر: “من الغريب أن المسيحيين يستخدمون هذا السلاح لقطع أعناق المسلمين، والمسلمون ينهضون لنصرتهم لتُقطع رقابهم.” (بدر؛ مجلد 2، رقم 4، ص 3، عدد: 1906/1/26م)

5لقد ذكُر هذا الحادث في حاشية جريدة بدر بتفصيل أكثر وهو كما يلي:

لقد مضى 27 أو 28 عاما تقريبا أو أكثر بقليل على إرسالي مقالا للطباعة في تأييد الإسلام ولمواجهة الآريين إلى مطبعة شخص مسيحي اسمه رليا رام، وكان محاميا يسكن في أمرتسروكان يُصدر جريدة أيضا، فأرسلتُ المقال للطبع في طرد مفتوح الجانبين ووضعت فيها رسالة أيضا. ولما كانت الرسالة تحتوي على كلمات تؤيد الإسلام وتشير إلى بطلان أديان أخرى بالإضافة إلى التأكيد على طباعة المقال، استشاط ذلك المسيحي غضبا بسبب الاختلاف في الدين ووجد فرصة مواتية للهجوم كالأعداء، وهي أن وضع الرسالة المنفصلة ضمن الطرد البريدي كان جريمة من حيث القانون ولكني لم أعرف ذلك. وعقوبة جريمة مثلها بحسب قوانين البريد هي غرامة قدرها خمس مائة روبية أو السجن إلى ستة أشهر. فأخبر هذا المسيحي المسؤولين في دائرة البريد كالواشين ورفع قضية علي. ولكن قبل أن أعرف عن القضية شيئا كشف الله تعالى علي في الرؤيا بأن المحامي رليا رامأرسل إلي حية لتلدغني، ولكني قليتُها كما يُقلى السمك وأعدتُها إليه. وأَعلمُ أنه كانت في ذلك إشارة إلى أن الأسلوب الذي حكمت به المحكمة في القضية في نهاية المطاف هو مثال يمكن أن يفيد المحامين. على أية حال، طُلب مني المثول في مركز محافظة غورداسبور، وقال جميع المحامين الذين شاورتُهم في الموضوع بأنه لا منجى دون الكذب. واقترحوا بأن أفيد بأني لم أضع الرسالة في الطرد بل يمكن أن يكون رليا رام قد وضعها فيه، وطمأنوني أنه بهذه الإفادة سوف يُبت في الأمر بناء على الشهادة وسوف تُبرأ ساحتك بتقديم بعض الشهود الكاذبين، وإلا فإن وضع القضية صعب جدا ولا سبيل للخلاص إلا كذب المقال. فقلت للجميع بأني لا أريد أن أترك الصدق بحال من الأحوال، وليحدث ما يحدث. ثم مثلتُ في محكمةِّ حاكمٍ إنجليزي في اليوم نفسه أو في اليوم التالي، كذلك مثُل مقابلي مسؤول كبير في دائرة البريد كمدع حكومي وكتب القاضي إفادتي بيده. وأول ما سألني كان: هل وضعت أنت تلك الرسالة في طردك؟ وهل هذه الرسالة وهذا الطرد منك؟ قلتُ دون أدنّ توقف: نعم، هذه رسالتي وطردي أنا، وأنا الذي وضعت الرسالة في الطرد وأرسلتهما. ولكني لم أفعل ذلك بسوء النية لإلحاق خسارة بضريبة الحكومة بل لم أر مضمون الرسالة مختلفا عن مضمون المقال إذ لم يكن فيها أمر شخصي. فبسماع هذا الكلام أمال الله تعالى قلب الحاكم الإنجليزي لصالحي. وقد صرخ ضدي المسؤول في دائرة البريد كثيرا وأثار ضجة كبيرة وألقى خطابات طويلا بالإنجليزية لم أفهم منها شيئا إلا أن الحاكم الإنجليزي ظل يرفض كلامه بعدكل خطاب قائلا بالإنجليزية: No .No, وحين أخرج المدعي كل ما كان في جعبته وجُل أدلته توجه الحاكم إلى كتابة جريدة الحَكَم ولم يكتب إلا سطرا أو سطرا ونصف بالكاد حتى قال لي: حسنا، تستطيع أن تنصرف. عندها خرجتُ من المحكمة وشكرتُ الله تعالى المحسن الحقيقي الذي أكرمني بالفتح مقابل المسؤول الإنجليزي. وإنني أعلم يقينا أن الله تعالى نجاني من ذلك البلاء ببركة الصدق فقط. وكنت قد رأيت في الرؤيا من قبل بأن شخصا حرك يده لإزالة قبَّعتي. فقلتُ له: ما الذي أنت فاعلُه؟ عندها ترك القبعة على رأسي وقال، لا بأس، لا بأس. (جريدة بدر؛ مجلد 2، رقم 5، ص 3، عدد: 1906/2/2م)

6ورد في جريدة بدر: يرتكب الإنسان سيئة بمناسبة ويؤخذ بسببها في مناسبة أخرى. (بدر؛ مجلد 2، رقم 6، ص 3، عدد: 1906/2/9م)

7جريدة الحَكَم؛ مجلد 10، ص5-4، عدد: 1906/5/17م.

8جاء في جريدة بدر: من آثر الدين فقد وصل إلى الله. يجب تسوية النفس بالتراب، وتقديم الله على كل شيء. هذا هو ملخص الدين. على الإنسان أن يتخلى عن كل نوع من السلوك غير السوي، عندها يصل إلى الله تعالى. (مجلد2، رقم6، ص3، عدد: 1906/2/9م)

9جريدة الحَكَم؛ مجلد 10، رقم 21، ص 4-3، عدد: /6/17 1906م

هذا الموقع هو موقع علمي لا يتبع الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمىى الطائفة القاديانية ولا يتبع أي فرقه من الفرق المنتسبه للإمام المهدي والمسيح الموعود ميرزا غلام أحمد القادياني

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025. All Rights Reserved.

 MirzaGhulamAhmed.net © 2025.

All Rights Reserved.

E-mail
Password
Confirm Password