الهدف الحقيقي للإنسان هو الدين
إن حالة الدنيا في العصر الراهن غريبة حقا. يمكنكم أن تلقوا نظرة فاحصة، فانظروا في المدن والأسواق ترَوا أن مئات الآلاف بل الملايين من الناس يتخبطون ويتيهون هنا وهناك من أجل الدنيا فقط، وقليل ما هم الذين يسيرون في سبيل الدين مع أن الله تعالى قد علم دعاء: “صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ” أي أرنا يا ربنا ووفّقنا للسير على صراط نصبح بالسير عليه من حزب المنعم عليهم.
يجب أن يكون الهدف الحقيقي للإنسان هو الدين، لذلك أقول إن الذين يأتون إلى هنا من أجل الدين يجب أن يمكثوا لبضعة أيام لعلهم يسمعون كلمة مفيدة. تكون مساعي بعض الناس وجهودهم لكسب الدنيا فقط فينالون معاشا تقاعديا كبيرا ومع ذلك لا يكادون ينتهون ويبقون في البحث والتحري سرا لينالوا لقبا ما، ولكن عندما يرون تفلُّت هذا المال والمتاع من يدهم وتكاد المنية تصيبهم عندها يتحسرون ويندمون ويقولون في أنفسهم: أهذه كانت الدنيا التي كنا نتوه ونتخبط من أجلها وكنا غارقين في همها وغمها في كل حين وآن؟ فيتألمون ويحزنون بشدة وتزهق نفوسهم وهم في هذه الحال.
ثم قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد عليه السلام : عندما يكثر شيء لا تبقى له أهمية. ما من شيء أهم للإنسان من الماء والغلال. فكل شيء مثل النار والهواء والتراب ضروري، ولكن الإنسان لا يقدرها حق التقدير بسبب كثرتها. ولكن إذا كان الإنسان في فلاة وكان عنده ملايين الروبيات مثلا ويعوزه الماء، يستعد لدفع ملايين الروبيات مقابل غرفة واحدة من الماء ويموت في الأخير بحسرة كبيرة. ما حقيقة الثروة الدنيوية التي يركض المرء وراءها كالمجانين؟ فإذا أصاب الإنسانَ مرض بسيط أنفق المال دون هوادة ومع ذلك لا ينال الراحة لحظة واحدة. فما دام الحال على هذا المنوال فما أشنع الغفلةُ التي لا تجعل المرء يتوجه إلى المالك الحقيقي الذي خلق الكونَ كله، وكل ذرة منه تحت تصرفه.
صحبة الصادقين
يتحرى الناس الحقيقةَ ولكنها لا تُنال بالتسرع. عندما تذوب روح الإنسان وتخر على عتبات الله وتحسبه وحده مقصودها ومطلوبها يُفتح لها باب الحقيقة، ولكن كل ذلك يتوقف على فضل الله تعالى، ويتسنى نتيجة صحبة الصادقين.
عاقبة السعي وراء الدنيا
كم يتذكر الناس مِّن حسابات دنيوية بكل جهد، ولكن لا يحسبون للعمر حسابا ولا ينتبهون كم بقي لهم من العمر وأنه لا يمكن الثقة به. يغرق الناس في هم الدنيا وغمِّها لدرجة أنهم لا ينتبهون إلى عاقبتهم، ولا يشبعون منها كما لا يشبع المصاب بالحكة من حك جسده وإنْ نزف جسدُه دما، ويلعق دمه بنفسه مثل الكلب ولا يدري أنه لا حقيقة للحياة الدنيوية. لذلك علم الله تعالى المسلميَن دعاء: “غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ” أي الذين هم ديدان الأرض ينكرون الرسل والأنبياء من أجل هذه الدنيا، ثم يحل بهم العذاب في الدنيا نفسها، فأنقِّذنا يا ربنا من أن نكون منهم. هذا موقف خطير جدا. انظروا كم ظهرت أسباب الموت الجديدةُ للعيان؟ لقد ظهرت أمراض كثيرة وهي حديثة تماما، وقد بدأت سلسلة الطاعون، حتى خلت بيوت بعد بيوت من أهلها، وحل بالعالم دمار شامل.
(المصدر: جريدة الحَكَم؛ بتاريخ: 1907/11/10م.)