Skip to content Skip to footer

يرجى الاشتراك في الموقع أو في صفحتنا على الفيسبوك ليصلكم جديد الموقع

يرجى الاشتراك في الموقع أو في صفحة الفيسبوك ليصلكم جديد الموقع

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام

الموقع الرسمي للإمام المهدي ( المسيح الموعود )
ميرزا غلام أحمد قادياني عليه السلام

عقيدة الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد القادياني (المسيح الموعود)

قال الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني (المسيح الموعود من الله تعالى)   : 

“لا كتاب لنا إلا القرآن الكريم، ولا رسول لنا إلا محمد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ولا دين لنا إلا الإسلام، ونؤمن بأن نبينا – صلى الله عليه وسلم – هو خاتم الأنبياء، وأن القرآنَ الكريم هو خاتم الكتب …. وينبغي أن تتذكروا أننا لا نقبل أي ادعاء آخر سوى أننا خدام الإسلام، ومن نسب إلينا أننا ادعينا غير ذلك فقد افترى علينا افتراء مبينا. إنما ننال فيوض البركات بواسطة نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم – ونتلقى فيوض المعارف بواسطة القرآن الكريم … إن جهودنا كلها عابثة ومرفوضة وقابلة للمؤاخذة إن لم نكن خدام الإسلام.”

( المصدر: مكتوبات أحمدية)

وقال الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني (المسيح الموعود)    بتاريخ 19 من مايو عام 1908م أي قبيل وفاته عليه السلام بأسبوع واحد فقط:

أنا لم أدَّع الرسالة قط بالمعنى الذي يذكره المشايخ ويُغوون الناس. إن دعواي بكوني ملهما ومنذِرا، وتابعا لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم هو منذ البداية. لم يحدث اليوم أمرٌ جديد. فقد تلقيت الإلهام “جري الله في حلل الأنبياء” قبل 24 عاما.

(المصدر: جريدة بدر؛ بتاريخ 1908/5/24م)

وقال الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني (المسيح الموعود)   بتاريخ 23 من مايو 1908م :

لم أزل أُخبر الناس بواسطة كتبي وها إني أكشف لهم الآن أيضًا أنني أُتَّهَم باطلاً بأني قد ادعيتُ النبوة بحيث لا علاقة لي بالإسلام .. أي كأني أعدّ نفسي نبيًّا مستقلا بحيث لا أرى من حاجة لاتّباع القرآن الكريم، وأتخذ لي شهادةً مستقلّةً، وقبلةً مستقلّة، وأنسَخ شرع الإسلام، وأخرج عن طاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – والاقتداء به. إنها لتهمة باطلة تمامًا. وإن دعوى النبوة كهذه كفر عندي. وليس اليوم، بل لم أزل أسجل في كل كتاب لي دومًا أنني لا أدعي بمثل هذه النبوة أبدًا، وأنها تهمة باطلة تُوجَّه إليَّ. والأساس الذي أدّعي النبوة بناء عليه إنما هو أنني أتشرف بكلام الله تعالى. إنه يحاورني ويكلّمني بكثرة، ويجيب على أسئلتي، ويُظهرني على كثير من أنباء الغيب، ويكشف لي أسرار المستقبل بحيث إنه لا يكشفها لأحد ما لم يكن محظوظًا بقرب خاص من عنده. وبسبب كثرة هذه الأمور فقد سماني نبيًّا. وإنني نبي وفق حكم الله تعالى. ولو أنني أنكرت ذلك لكنت عاصيًا. وما دام الله هو الذي سماني نبيًّا فكيف يمكن أن أنكر ذلك؟ ولسوف أبقى ثابتًا على هذا الموقف إلى أن أرحل من هذه الدنيا. غير أنني لست بنبيٍ بحيث أنفصل عن الإسلام أو أنسخ حكمًا من أحكامه. كلا، بل إن رقبتي تحت نِير القرآن الكريم، وليس لأحد أن ينسخ حتى نقطة أو حركة من القرآن الكريم. فإني أُدعى نبيا من منطلق أن معنى النبي في العربية والعبرية هو الذي ينبئ بكثرة بتلقي الإلهام من الله تعالى. وهذا المعنى لا يتحقق بدون الكثرة، كما لا يُعَد غنيا مَن يملك فلسا واحدا. فقد أعطاني الله علم الغيب بكثرة بواسطة كلامه، وأظهر على يدي آلاف الآيات ولا يزال يُظهرها.وأقول، ليس مدحا لنفسي بل بناء على فضل الله تعالى ووعده بأنه إذا كانت الدنيا كلها في جانب وأنا في جانب وقدِّم أمر يُمتحَن به عباد الله لوهبني الله الغلبة في هذه المواجهة، وأيدني من كل ناحية، ورزقني الفوز في كل مجال.
فبناء على ذلك سماني الله تعالى نبيا لأني أُكرمتُ في هذا الزمن بمكالمة الله وتعالى وأُطلعت حصرا على كثرة الغيب. فما دام بعض الناس يرون رؤى ويتلقى البعض الإلهام أيضا ويُطلعون على الغيب بشيء من الشوائب ولكن يكون ذلك الإلهام قليل المقدار جدا وتقل فيه كمية الأخبار الغيبية أيضا، ومع القلة يكون مكدّرا ملوّثا بالأفكار النفسانية، ففي هذه الحالة يقتضي العقل السليم ألا يُعدّ مثل الناس العاديين مَن يكون وحيه وعلمه بالغيب نزيها عن التكدّر والنقصان، يجب بل يجب أن يُدعى باسم خاص وأن يُجعل بينه وبين غيره علامة فارقة. لذا فقد سماني الله تعالى نبيا ليعطيني مرتبة ممتازة فقط وقد أُعطيت لقب عزة ليتبين الفرق بيني وبين غيري، فأنا نبي بهذا المعنى، وفرد من الأمة أيضا لكي تتحق نبوءة سيدنا ومولانا – صلى الله عليه وسلم – القائلة بأن المسيح سيكون من الأمة ونبيا أيضا، وإلا فعيسى الذي تنتاب الناس أمانٍ زائفة آمال باطلة عن مجيئه الثاني كيف يمكن أن يكون من الأمة؟ هل سينزل من السماء ويُسلِم مباشرة؟ أو لم يبقَ نبينا الأكرم – صلى الله عليه وسلم – خاتم الأنبياء؟ والسلام على من اتبع الهدى.
الراقم، العبد المتواضع المفتقر إلى الله الأحد غلام أحمد عفا الله عنه، في 1908/5/23م من مدينة لاهور.

(المصدر: اعلان 296 ، رسالة الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني المهمة إلى محرر جريدة “أخبار عام” بلاهور لتوضيح ادعاء النبوة)

قال الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني (المسيح الموعود)   :

يعتقد المسلمون والمسيحيون بشيء من الاختلاف أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام قد رُفع إلى السماء بجسده المادي، وسينـزل من السماء في وقت من الأوقات. ولقد سبق أن بيّنتُ خطأ هذا الاعتقاد في هذا الكتيب، وبيّنت أيضا أن المراد من النـزول ليس نزول المسيح ابن مريم في الحقيقة، بل قد أُنبئ على سبيل المجاز والاستعارة بمجيء مثيل المسيح وأنا مصداقه وفق إعلام من الله وإلهامه.

(المصدر : كتاب توضيح المرام)

قال الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني (المسيح الموعود)   :

إن آيات نبينا صلى الله عليه وسلم ومعجزاته على نوعين، أحدهما ما ظهر على يده صلى الله عليه وسلم أو بقوله أو فعله أو بدعائه ويقدَّر عدد هذه المعجزات بثلاثة آلاف تقريبًا. أما النوع الثاني من المعجزات فهي التي تظهر بواسطة أُمته على الدوام، وقد بلغ عدد هذه الآيات مئات الألوف، ولم يخلُ قرن من مثل هذه الآيات؛ ففي هذا العصر يُظهر الله سبحانه وتعالى هذه الآيات على يد هذا العبد المتواضع، وإننا لنعلم يقينا من الآيات التي لم تنقطع في أي زمن أن أعظم أنبياء الله وأحبهم إليه هو سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، لأن أمم بقية الأنبياء واقعةٌ في ظلام وليس عندهم غير القصص الماضية والأساطير، أما هذه الأمة فتنال من الله دومًا آيات متجدِّدة، لهذا يوجد في هذه الأمة معظم العارفين الذين يؤمنون بالله سبحانه وتعالى وكأنهم يرونه. أما الأمم الأخرى فلا تتمتع بمثل هذا اليقين بالله تعالى، لهذا إن أرواحنا تشهد على أن الدين الصادق والصحيح هو الإسلام وحده. نحن لم نلاحظ من عيسى عليه السلام شيئًا، فلو لم يشهد القرآن الكريم لما كان لنا ولا لأي باحث أن يعدّه نبيًا صادقًا، لأنه حين لا تبقى في أي دين سوى قصص وأساطير فلا يَثبت صدق مؤسسه أو مقتداه على وجه الحقيقة بناء على تلك القصص فقط. والسبب في ذلك أن القصص التي مضت عليها مئات السنين من المحتمل أن تكون كاذبة، بل كفة هذا الاحتمال تبدو راجحة، لأن الكذب في العالم كثير. فكيف يمكن التسليم بتلك القصص بأنها أحداث واقعية؟ لكن معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم لا تصطبغ بصبغة القصص فقط بل نحن نتمتع بتلك الآيات نتيجة اتباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم، فببركة المعاينة والمشاهدة نصل إلى حق اليقين. فما أعظم شأنَ ذلك النبي الكامل والمقدّس الذي نبوتُه تُري الطالبين إثباتًا متجدِّدًا دومًا! فنحن ببركة الآيات المتتالية نرتقي إلى المراتب العالية بسبب هذا الكمال وكأننا نتمكّن من رؤية الله سبحانه وتعالى بأم أعيننا، فهذا ما يسمى دينًا، وهذا ما يُسمى نبيًا صادقًا يلاحظ ربيع صدقه دومًا، وفي كل عصر. فلا يليق بالعقلاء الثقة بمجرد القصص التي يحتمل فيها أنواع الإضافات والنقص. لقد اتخذ مئات الناس آلهة في هذا العالم، والمئات يُعَدون أصحاب كرامات بناء على الأساطير، إلا أن صاحب الكرامات على وجه الحقيقة هو ذلك الذي لا يجفُّ نهر كراماته في أي زمن، فذلك الإنسان هو سيدنا ومولانا النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لقد بعث الله سبحانه وتعالى في كل زمن مَن أظهر معجزات ذلك الكامل والمقدس، وقد بعثني أنا مسيحًا موعودًا في هذا الزمن. انظروا، إن الآيات تظهر من السماء وتظهر أنواع الخوارق ولكل طالب حق أن يرى الآيات بالمكوث عندنا سواء كان مسيحيًّا أو يهوديًّا أو آرِيًّا، فكل هذه البركات لنبينا صلى الله عليه وسلم.

إن محمدا إمام العالـمَينِ وسراجهما وإن محمدًا منوِّر الأرض والزمان ، لا أستطيع أن أصفه بالإله خوفًا من الله إلا أن وجودَه واللهِ مُظهرُ الله سبحانه وتعالى للعالمين.” (ترجمة بيتين فارسيين)

ولقد سبق أن بيّنت مرارًا أن الله سبحانه وتعالى قد بعثني باسم المسيح الموعود لإصلاح الناس على رأس القرن الرابع عشر، وأعطاني الآيات السماوية، وأرى من المناسب أن أسجِّل في هذا الكتاب شيئًا من سوانحي لعل أحد طلاب الحق يستفيد بالتأمل فيها. ومن المصادفة الحسنة أن شخصًا يدعى الحاج محمد إسماعيل خانْ، زعيم دتا ولي، قد طلب مني في رسالة مؤخرًا أن أكتب له عن حياتي بإيجاز ليسجِّلها في كتابه المؤلف حديثًا وأبيِّن ضمنها دعواي مع الأدلة، فأرى من المناسب أن أسجِّل تلك الرسالة هنا للفائدة العامة.

( المصدر: كتاب البراءة )

الاسم والأصل

** كلمة ميرزا ليست اسماً انما لقب يعطى لمن يصل نسبه الى الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام المهدي (المسيح الموعود من الله تعالى) ميرزا غلام أحمد قادياني   :

اسمي غلام أحمد واسم والدي غلام مرتضى واسم جدي عطا محمد واسم جد والدي غل محمد، وكما قيل إن قومي ينتسبون إلى “برلاس” المغولي ويتبيَّن من وثائق آبائي القديمة التي ما زالت محفوظة إلى الآن أنهم أتوا إلى هذا البلد من “سمرقند” وكان معهم قرابة مائتي شخص من أتباعهم وأهليهم وخدَمِهم، وكانوا قد دخلوا هذه البلاد بصفة زعماء محترمين، وحطّوا رحالهم في هذه البلدة الواقعة على بُعد خمسين ميلًا تقريبًا من لاهور إلى جهةِ الشمال الشرقي، التي كانت يومذاك أرض قفر، فعمروها وسمّوها “إسلام بور” فاشتهرت فيما بعد باسم “إسلام بور قاضي ماجهي”، ونسي الناس رويدًا رويدًا اسم “إسلام بور”، وبدلًا من “قاضي ماجهي” بقي اسم “قاضي” ثم تحول أخيرًا إلى “قادي” ومنه تحول إلى قاديان. وسبب تسميتها بـ “قاضي ماجهي” أن هذه المنطقة – التي طولها ستون ميلًا تقريبًا – كانت تسمى في ذلك الزمن بـ”ماجْهـ”، ولعل السبب في ذلك أنها منطقة تكثر فيها الجواميس، و”ماجهـ” في اللغة الهندية هو الجاموس. فلما كان آبائي قد نالوا الحكم على هذه المنطقة بالإضافة إلى قرى العقار، فقد اشتهروا بلقب “القاضي”. لا أعرف لماذا ولأي سبب أتى آبائي من سمرقند إلى هذا البلد، إلا أن الوثائق القديمة تفيد بأنهم في ذلك البلد أيضًا كانوا كِرام القوم ومن الزعماء ومن العائلات الحاكمة، ولعلهم قد اضطروا للهجرة من هناك لخصومة قومية أو تفرقة ما، وبعد الوصول إلى هنا قد أُعطوا من قِبل المـَلك كثيرًا من القرى عقارًا لهم، فقد تأسّست لهم ولاية مستقلة في هذه المنطقة. 

لقد علمت قبل 17 أو 18 عامًا من خلال الإلهامات الإلهية المتواترة أن آبائي هم فارسيو الأصل، وكنت قد سجّلت تلك الإلهامات كلها في الجزء الثاني من البراهين الأحمدية، ومنها إلهام بحقي: “خذوا التوحيد التوحيد يا أبناء الفارس“. والوحي الثاني بحقي هو: “لو كان الإيمان معلقًا بالثريا لناله رجل من فارس” أي لو كان الإيمان معلقًا بالثريا لناله من هناك هذا الرجل الذي هو من أصل فارسي. وهناك وحي ثالث بحقي: “إن الذين كفروا ردّ عليهم رجل من فارس شكر الله سعيه.” أي أن هذا الرجل الفارسي الأصل قد ردّ على ديانة الكافرين، والله تعالى يشكر جهده. كل هذه الإلهامات تبين أن آباءنا الأولين من الفُرس. والحق ما أظهره الله.

 

إن شجرة نسبنا كما يلي: اسمي غلام أحمد ابن مرزا غلام مرتضى المحترم ابن مرزا عطاء محمد المحترم ابن مرزا غل محمد المحترم ابن مرزا فيض محمد المحترم ابن مرزا محمد قائم المحترم ابن مرزا محمد أسلم المحترم ابن مرزا محمد دلاور المحترم ابن مرزا إله دين المحترم ابن مرزا جعفر بيك المحترم ابن مرزا محمد بيك المحترم ابن مرزا عبد الباقي المحترم ابن مرزا محمد سلطان المحترم ابن ميرزا هادي بيك المحترم وهو الجد الأعلى.

( المصدر : كتاب البراءة )

قال الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني  (المسيح الموعود)   :

بالنسبة إلى عائلتي فقد كتبت أكثر من مرة أنها عائلة ملكية، امتزج فيها دم بني فارس وبني فاطمة رضي الله عنها. أو يمكن القول بتعبير آخر – كما اشتُهر بشكل عام – إنها مكوَّنة من عائلة مغولية وعائلة السادات، غير أنني أوقن وأؤمن أن عائلتنا تنحدر من بني فارس وبني فاطمة رضي الله عنها؛ لأن هذا ما أكده لي تواتر الإلهام الإلهي وشهد عليه.

(المصدر : كتاب ترياق القلوب )

أحوال العائلة

 

قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد قادياني   :

في أوائل عهد السيخ كان والد جدي “ميرزا غل محمد” زعيمًا مشهورًا ذائع الصيت في هذه المنطقة، وكان عنده 85 قرية، وانفلت من سيطرته عدد لا بأس به من تلك القرى نتيجة الهجمات المتواترة للسيخ، مع ذلك كان كريمًا وجوّادا فوهب بعضًا من هذا القدر القليل من القرى لبعض الزعماء المسلمين المشتتين، وهي ما زالت تحت سيطرتهم. باختصار، كان زعيمًا مستقلًا في منطقته في زمن التفرُّق وحُكم الطوائف. وكان قرابة 500 شخص يأكل على مائدته دومًا، أي أحيانًا أقل من هذا العدد وأحيانًا أكثر، وكان يقيم عنده مئة من العلماء والصلحاء وحفاظ القرآن الكريم وكان قد حدَّد لهم مِنَحًا شهرية، وكان يكثر في مجلسه ذكرُ ما قال الله وقال الرسول… ومن العجيب أن عددًا من كراماته قد اشتهرت لدرجة يشهد لها فوج كبير من أعداء الدين أيضًا. باختصار، كان بالإضافة إلى الولاية والإمارة مشهورًا جدًا بأمانته وتقواه وهمته وعزمه القوي، وتأييده للدين، ومواساته للمسلمين وكان جميع الحاضرين في مجلسه أتقياء وصلحاء يكنّون الغيرة للإسلام ويجتنبون الفسق والفجور، وكانوا شجعان وذوي هيبة، فقد سمعت كثيرًا من والدي المرحوم أن أحد وزراء الدولة المغولية اسمه “غياث الدولة” زار قاديان في تلك الأيام وحين لاحظ حسن إدارة المرحوم ميرزا غل محمد، وتيقظه وفطنته وعلو همته وعزيمته وثباته ورجاحة عقله وفهمه وحماسه لنصرة الإسلام وتقواه وطهارته والوقار الذي يتّسم به مجلسه؛ ولما وجد مجلسه بلاطًا صغيرًا مليئًا بأناس ثابتين ومتفرِّسين وعقلاء وصالحين وشجعان، اغرورقت عيناه وقال: لو كنت أعلم أن رجلاً من العائلة المغولية المتحلّي بهذه الصفات الضرورية لإدارة أمور السلطنة يسكن في هذه البرية لسعيتُ – إنقاذًا للمملكة الإسلامية- أن يعتلي هو العرش في دلهي في أيام الكسل وعدم الجدارة وسوء الإدارة للملوك الجغتائيين.
لعله لا يخلو من الفائدة أن أذكر هنا بأن جد والدي أي “ميرزا غل محمد” توفي بمرض (الفُواق) الحازوقة المصحوبة بأعراض أخرى، وكان الأطباء باتفاقهم قد وصفوا له عند غلبة المرض استخدام خمر لبضعة أيام علاجًا له من أجل شفائه من هذا المرض، إلا أنهم لم يكونوا يتجرأون على أن يقولوا ذلك أمامه، وأخيرا قال له أحدهم بكلمات لطيفة فردّ له: إذا كان الله قد قدّر لي الشفاء فهناك أدوية أخرى كثيرة من خلقه سبحانه وتعالى، أما هذا الشيء النجس فلا أريد استخدامه، وأرضى بما قدر الله لي وقضى، وأخيرًا توفي بعد بضعة أيام بسبب هذا المرض. صحيح أن الموت كان قد قُدِّر له إلا أن طريقته المبنية على التقوى أصبحت تذكارًا للأبد أنه فضَّل الموت على شرب الخمر. ومعلوم أن الإنسان يبذل بكل ما في وسعه من المساعي، لدرء الموت عن نفسه، لكنه رأى الموت أفضل من ارتكاب المعصية. فالأسف كل الأسف على أوضاع بعض الولاة والأمراء والزعماء، الذين يرتكبون المعاصي بكل سرور فيشربون الخمر كالماء في الحياة المادية -التي هي أيام معدودات- غير مبالين نهائيا بربهم وأوامره وقاطعين جميع العلاقات عن الله، وبذلك يجعلون حياتهم نجسة جدا وخبيثة ويحرمون أنفسهم من عمرهم الطبعي، ويموتون عاجلا مصابين بأعراض خطيرة، ويتركون للأجيال القادمة أسوة خبيثة جدا.
وملخّص القول، لما توفي والد جدي خلَفَه نجلُه الرشيد أي جدي مرزا عطاء محمد1 وفي زمنه غلب السيخ بحكمة الله ومصلحته في القتال. لقد سعى جدي سعيه لحماية ولايته إلا أنه خاب وأخفق إذ لم يكن قضاء الله وقدره يوافق مشيئته فلم يتكلّل أي سعي له بالنجاح، وظل السيخ يبسطون سيطرتهم يومًا بعد يوم على قرى ولايتنا حتى ما بقي عند جدي إلا قرية قاديان، وكانت قاديان في ذلك اليوم على شاكلة الحصن؛ إذ كان فيها أربعة أبراجٍ كبيرة يسكنها أفراد الجيش وفيها عدد من المدافع، وكان السور الخارجي يبلغ ارتفاعه إلى ما يقارب عشرين قدمًا، وعرضه يتسع لجريِ ثلاث عربات بحذاء بعضها. واتفق أن دخل قاديانَ حزبٌ من فرع السيخ “رام غرهي” ثم استولوا عليها، فأصيب أجدادي بدمار كبير حيث أُسِروا على شاكلة بني إسرائيل ونُهبت أموالهم وأمتعتهم كلها، وهُدم عدد من مساجدهم وبيوتهم الفارهة، وقُطعت بساتينهم بدافع الجهل والتعصب، وحُوِّلت بعض مساجدهم إلى “دهرم ساله” أي معبدًا للسيخ، ولا زال أحد هذه المساجد تحت سيطرة السيخ إلى الآن. في ذلك اليوم أُحرقت لأجدادي مكتبة أيضًا تضم خمسمائة مخطوطة قديمة للقرآن الكريم وأشعلت فيها النار بمنتهى الإساءة. وأخيرًا أمر السيخ أجدادي بالخروج منها لغايةٍ ما، فنُفي جميع الرجال والنساء في العربات فلجأوا إلى إحدى الولايات في البنجاب، وبعد مدة قصيرة سُمّم جدي بمكيدة أولئك الأعداء، ثم في أواخر عهد سلطة “رنجيت سنغ” عاد والدي المحترم مرزا غلام مرتضى إلى قاديان فأعيدت إليه خمس قرى من قرى والده لأن رنجيت سنغ كان قد شكل حكومة قوية بعد سيطرته على معظم الولايات الصغيرة، فبذلك صارت جميع قُرانا أيضًا تحت سيطرة رنجيت سنغ الذي امتدت سلطته من لاهور إلى بيشاور من جهة ومن الجهة الأخرى إلى لدهيانة. باختصار قد تم القضاء على ولايتنا القديمة وبقيت بحوزتنا خمس قرى فقط في نهاية المطاف، ومع ذلك كان والدي المحترم مرزا غلام مرتضى زعيمًا مشهورًا في تلك المنطقة نظرًا لانتمائه لعائلة عريقة، وكان يُدعى دومًا في بلاط الحاكم العام ضمن الزعماء الحائزين على الكرسي. لقد اشترى من جيبه الخاص خمسين فرسًا ووهبها مع فرسانها للحكومة الإنجليزية في عام 1857م، كما وعد الحكومة بتقديم مثل هذه المساعدة في المستقبل أيضًا كلما اقتضت الحاجة إليها، وكان قد تلقّى رسائل الإعجاب الرائعة من حكام الحكومة الإنجليزية في عصره. ولقد ذكره السير ليبل غريفن في كتابه “تاريخ أمراء البنجاب”. باختصار، كان حائزًا على إعجاب كبير لدى الحكام، وكان بعض الحكام مثل المفوَّض ونائب المفوَّض يأتون إلى بيته بين فينة وأخرى ويلتقون به تقديرًا له.
هذا هو بيان أحوال عائلتي بإيجاز، ولا أرى أي سبب للإطالة أكثر.

( المصدر: كتاب البراءة )

السوانح الشخصية

 

قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد قادياني   :

أما سوانحي الشخصية فهي أني وُلدت1 في أواخر أيام السيخ في 1839 أو 1840 وكنت في عام 1857 في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمري، ولم تكن قد نبتت اللحية والشوارب. لقد وُلدت توءما، فالطفلة التي وُلدت معي قد ماتت بعد بضعة أيام وأرى أن الله سبحانه وتعالى بذلك قد فصل عني نهائيا مادة الأنوثة.

لقد واجه والدي قبل ولادتي مصائب كبيرة، وذات مرة اضطر لقطع مسافات شاسعة في الهند مشيًا على الأقدام، أما في أيام ولادتي فقد تبدَّل زمن ضيقه بالفرج والسعة، فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أني لم ألق نصيبًا من زمن مصائبه، كما لم أنلْ شيئًا من ولاية وسلطة أجدادي، بل على شاكلة المسيح عليه السلام الذي كان أميرا بالاسم فقط لكونه من سلالة داود، وكان قد أضاع جميع أسباب الحكومة والسلطة.. كذلك يجوز لي القول فقط باللسان بأني من سلالة الزعماء وأصحاب السلطة، ولعل ذلك لتتحقق هذه المماثلة أيضا مع المسيح عليه السلام. وصحيح أني لا أستطيع القول بأني لا أملك حيث أسند رأسي، إلا أنني أعلم أن صفحة حكومة أجدادي وسلطتهم قد طُويت، وقد انتهت تلك السلسلة في وقتي نهائيا. وقد حدث ذلك لكي يقيم الله سلسلة جديدة، كما أنّ هناك وحيا منه سبحانه في البراهين الأحمدية: “سبحان الله تبارك وتعالى زاد مجدك ينقطع آباؤك ويُبدأ منك” أي زادك مجدا مقارنة بعائلتك. وكذلك بشَّرني قائلا: “وإني أباركك ببركاتٍ عظيمة حتى إن الملوك سيتبرّكون بثيابك“.
وأقول عودا إلى الموضوع السابق بأن دراستي في الطفولة بدأت على هذا النحو.. أني عندما بلغت السادسة أو السابعة من عمري وُظِّف معلمٌ فارسي لتعليمي؛ فعلمني قراءة القرآن الكريم وعددًا من الكتب الفارسية، وكان اسم ذلك الصالح فضل إلهي. فلما أصبحتُ ابن عشر سنين تقريبًا عُيِّن لتربيتي أستاذ في اللغة العربية واسمه فضل أحمد. وأعتقد أنه لما كانت دراستي هذه بذرة ابتدائية لفضل الله سبحانه وتعالى لذلك كان “فضل” هو الاسم الأول للأستاذَين المذكورَين. فالمولوي فضل أحمد الذي كان متديِّنًا وشيخًا جليلًا، ظل يدرِّسني بجهد واهتمام كبيرَين، ودرست على يده بعض كتب الصرف وبعض قواعد النحو. وبعد ذلك حين بلغ عمري 17 أو 18 عامًا تعلمت بضع سنين على يد شيخ آخر يدعى “غل علي شاه”، كان والدي قد وظفه وعيّنه لتدريسي في قاديان. ولقد تلقّيت منه العلوم المتداولة آنذاك من النحو والمنطق والطب قدرَ ما أراد الله سبحانه وتعالى، كما درست بعض كتب الطب من والدي أيضًا إذ كان خبيرًا في الطب وكان طبيبًا حاذقًا. وكنت يومذاك منكبًّا على قراءة الكتب وكأنني لم أكن في هذا العالم. كان والدي يوصيني مرة بعد أخرى بالتقليل من مطالعة الكتب، لأنه كان يخشى بدافع اللطف المتناهي أن تختل صحتي، كما كان يقصد من ذلك أن أبتعد عن هذا الأمر وأشاركه في همومه وغمومه. وهذا ما حدث أخيرًا، لأن والدي كان يرفع القضايا في المحاكم الإنجليزية لاستعادة بعض القرى لآبائه، وجعلني أنا أيضًا أشترك في هذه القضايا، وظللت لمدة طويلة مشغولًا في هذه الأعمال، ويؤسفني جدًّا أن كثيرًا من وقتي الغالي ضاع في هذه النزاعات السخيفة. وبالإضافة إلى ذلك شغَّلني والدي في الإشراف على أمور الأراضي الزراعية في حين أنه لم يكن يلائم طبعي مما كان يعرضني دومًا لسخط والدي. صحيح أن مواساته ولطفه كان عليَّ كبيرًا، لكنه كان يريد أن يجعلني مهتمًا بالدنيا كسائر أهل الدنيا، بينما كان طبعي ينفر من ذلك نفورًا كبيرًا.
ذات مرة كان المفوَّض قادمًا إلى قاديان في زيارة فطلب مني والدي مرارًا أن أخرج لاستقباله إلى مسافة ميلين أو ثلاثة أميال فهو واجب. لكن طبعي كره ذلك كما كنت مريضًا أيضًا فلم أقدر على الخروج معه، فهذا الأمر أيضًا جلب عليَّ سخطه. كان والدي يريد أن أنهمك في الأمور المادية كل حين وآن، الأمر الذي لم يكن يتأتى مني بحال من الأحوال؛ ومع ذلك أعتقد أنني- لحسن النية ولنيل ثواب الطاعة فقط لا لكسب الدنيا أبدًا- قد محوت نفسي في الامتثال لأوامر والدي، وكنت أنصرف إلى الدعاء له أيضًا، وكان يراني بيقين مطلق أني بارٌّ بالوالدين، وكان أحيانًا يقول:  “إني لمجرد الرأفة ألفِتُ انتباه ابني هذا إلى الأمور الدنيوية وإلا فأنا أعلم بأن ما يشغل باله – أي الدين- هو الطريق الصحيح وهو الحق، أما نحن فنضيع أعمارنا عبثًا.”
كذلك قضيت -أثناء أيام تربيته لي- بضعةَ أعوام من عمري في الوظيفة الإنجليزية مع كراهتي الطبعية لها، وأخيرًا لما كان يشق عليه بعدي عنه قدّمت الاستقالة بأمر منه وكان ذلك عين مرادي، وتخليت عن هذه الوظيفة المنافية لطبعي، وحضرت إلى والدي المحترم. ولقد علمت من خلال هذه التجربة أن معظم الموظفين يعيشون حياة قذرة. لعل قليلا منهم يتمسكون بالصلاة والصيام كاملة ويتمكنون من مقاومة المتع غير الشرعية التي تعترضهم دوما ابتلاءً، كنت دوما أستغرب حين أنظر إلى وجوههم، ووجدت معظمهم تتوقف رغباتهم القلبية عند الحصول على المال والمتاع سواء كان بالوسائل الشرعية أو بطريق الحرام. وكانت مساعي الكثيرين منهم مبذولة ليل نهار من أجل إحراز الرقي والازدهار في هذه الحياة الدنيا القصيرة. ولقد وجدت القليلين جدا من بين الموظفين من يتحلون – مستذكرين عظمة الله – بأخلاق فاضلة من الحلم والكرم والعفة والتواضع والانكسار ومواساة الخلق، ويتصفون بصفات الطهارة الباطنية وأكل الحلال وصدق المقال والورع. بل على عكس ذلك وجدتُ الكثيرين إخوان الشيطان في التكبر وسوء السلوك وعدم الاهتمام بالدين وارتكاب أنواع الأخلاق الرذيلة. فلما كانت حكمة الله تكمن في أن تحصل لي تجربة مع كل نوع من الناس فقد اضُطرت للعيش في كل صحبة، ولقد قضيت تلك الأيام بكراهية شديدة وكرب كما قال الرومي صاحب المثنوي ما تعريبه:
“لقد بكيت في كل جمع، فقد رافقت السعداء أحيانا ورافقت البؤساء أحيانا أخرى، فقد زعم كل إنسان أنه صديقي لكن أحدًا لم يسع لإدراك أسراري” (ترجمة بيتين فارسيين)

على أية حال، لما حضرت مرة أخرى إلى والدي انشغلت من جديد في أمور الزراعة والاعتناء بالأرض، إلا أني كنت أقضي معظم أوقاتي في تدبُّر القرآن وقراءة التفاسير والأحاديث، وكنت أحيانًا أقرأ تلك الكتب على مسامع والدي أيضًا، وكان والدي بسبب فشله وعدم تحقق آماله يبقى حزينًا ومهمومًا في أغلب الأحيان، كان قد أنفق قرابة سبعين ألف روبية على متابعة القضايا وكانت الحصيلة الإخفاق والفشل فقط، لأن قرى آبائنا كانت قد انفلتت من أيدينا منذ مدة، وكانت استعادتها أُمنية زائفة، وبسبب فشله هذا كان والدي المرحوم يقضي حياته في دوامة عميقة من الهمّ والحزن والاضطراب. أما أنا فباطِّلاعي على هذه الأوضاع وجدت فرصة لإحداث تغيُّر طاهر، لأن الحياة المريرة لوالدي كانت تعلِّمني درسًا في الحياة العفيفة الخالية من الشوائب المادية. وصحيح أن بعض القرى من ملك والدي المحترم كانت ما زالت في قبضته وكان يتلقّى من الحكومة الإنجليزية منحة سنوية أيضًا، كما كان له راتب تقاعدي من أيام الوظيفة الحكومية، إلا أن ذلك كله لم يكن يساوي شيئًا يذكر بالمقارنة مع ما قد تمتع به في السابق، ولذلك كان عُرضة للهمّ والحزن دومًا، وكان يقول لي مرارًا إنه لو بذل من أجل الدين الجهود التي بذلها لكسب الدنيا الدنية لعُدّ اليوم قطب العصر أو غوثه، وكان كثيرًا ما يردِّد بيتًا من الشعر ما معناه: لقد مضى عمري كله ولم يبق منه إلا أيام قليلة، فالأفضل لي أن أقضيها متذكرًا أحدًا (أي الله تعالى) صباح مساء.
ولاحظت كثيرًا أنه كان يقرأ بخشوع شعرًا من نظمه هو ومعناه: يا من هو سند كل عديم الحيلة آمل أنني لن أعود من عتباتك خالي اليدين.
وأحيانًا كان يردِّد بخشوع بيته التالي ومعناه:  أقول قسمًا بدموع العاشقين وبغبار أقدام بعضهم أن قلبي يتمرّغ في الدماء من أجل أحد (أي الله تعالى).
لقد ازداد تحسُّره – يومًا بعد يوم في أواخر عمره – على الذهاب إلى الله سبحانه وتعالى صفر اليدين، فكان كثيرًا ما يقول بأسف شديد بأنه قد أضاع عمره عبثًا من أجل أعمال الدنيا التافهة. وذات مرة قصَّ والدي رؤياه عليَّ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قادمًا إلى بيته بمنتهى الجلال والهيبة على شاكلة ملك عظيم فأسرَع والدي إلى استقباله وعندما اقترب منه خطر بباله أن يقدِّم له هدية وعندما أدخل يده في جيبه وجد فيه روبية واحدة فقط ولما أمعن فيها النظر وجدها زائفة فاغرورقت عيناه من ذلك ثم استيقظ، فأولها أن مَثَل حُب الله ورسوله مع حب الدنيا كمثل العملة الزائفة، وكان يقول بأن والده أيضًا قضى أواخر حياته ببؤس إذ مضت الفترة الأخيرة من عمره في مصيبة وحزن وهمّ، لأنه حيثما توجَّه كان يخفق ويفشل في أي عمل يبدأ به، وكان يردِّد شعرًا من نظم والده أي والد جدي، الذي نسيت شطرًا منه، ومعنى الشطر الثاني: كلما قمتُ بتدبير ضحك عليّ القدر.
وقد ازدادت كثيرًا همومه هذه وآلامه في الشيخوخة، وبهذه الفكرة كان والدي قد بنى مسجدًا وسط هذه البلدة قبل ستة أشهر تقريبًا وهو مسجد جامع هنا، وأوصى أن يكون قبره في زاوية من المسجد لكي يسمع اسم الله عز وجل ولعل ذلك يتسبّب في المغفرة. وفي اليوم الذي اكتمل فيه بناء المسجد من كل وجه –ولعله لم تبق إلا بضع بلاطات كانت ستوضع على الأرضية لإكماله – توفي والدي بعد أن تعرَّض لمرض الزحار لبضعة أيام ودُفن في الزاوية نفسها من المسجد التي كان قد حدّدها واقفًا فيها أيام صحته، اللهم ارحمه وأدخله الجنة، آمين. وكان عمره 80 أو 85 عامًا تقريبًا.
إن تحسّره على ما أضاعه من وقت ثمين من أجل الدنيا ما زال يؤثِّر في قلبي تأثيرًا مؤلمـًا، وإنني أعلم أن هذه الحسرة نفسها سيأخذها معه كل طالب للدنيا؛ فليفهم كل فهيم. لعل عمري كان 34 عاما أو 35 عاما حين توفي والدي المحترم. وقد كشف الله عليَّ في الرؤيا أن وفاة والدي وشيكة، وكنت يومذاك في لاهور، فهرعت إلى قاديان فورًا، فوجدته مصابًا بمرض الزحار، إلا أنه لم يخطر ببالي أنه سيموت في اليوم التالي من وصولي إليه ولاسيما أن المرض كان قد خفَّ، وكان يجلس بمنتهى الصبر والثبات. في اليوم التالي كنا جميع الأقارب عنده ظهرًا وكان الحرُّ شديدًا إذ طلب مني والدي المحترم لطفًا منه أن أستريح وذلك لأننا كنا في شهر حزيران وكان الحر شديدًا فصعدت للاستراحة إلى غرفة في الطابق العلوي وبدأ أحد الخدام يمسِّد قدمي، فأصابني نُعاس، وتلقّيت وحيًا من الله: “والسماء والطارق” أي أقسم بالسماء مبدأ القضاء والقدر، وأقسم بالحادث الذي سيظهر هذا المساء بعد غروب الشمس، وفهمت أن هذا الوحي بمنزلة التعزية من الله، والحادث هو أن والدي سيتوفى اليوم حصرًا بعد غروب الشمس. فسبحان الله ما أعظم شأنه إذ قدَّم التعازي على وفاة مَن توفي متحسرًا على ضياع عمره. وسيستغرب أغلبية الناس ما معنى تعزية الله، وليكن معلومًا أن الله جل شأنه حين ينظر إلى أحد برحمة يتصرّف معه كالصديق، فبهذا المعنى حصرًا ورد في الحديث أن الله يضحك.
ملخص القول الآن، أني حين تلقّيت الوحي المذكور من الله جل شأنه عن وفاة والدي المرحوم، خطر ببالي بمقتضى البشرية أن بعض موارد الدخل ترتبط بحياة والدي ولا نعرف لأية ابتلاءات سنتعرّض بعد وفاته، وبينما أنا أفكر في هذا إذ تلقّيت فورًا هذا الوحي الثاني: “أليس الله بكاف عبده“؟ فأكسبني هذا الوحي سكينة وطمأنينة غريبة، وانغرز في قلبي كالوتد الحديدي، فوالله الذي نفسي بيده أنه قد حقّق وحيه المبشر هذا بطريقة لم أكن حتى أتصورها، فقد كفلني بطريقة لم يتكفّل بها أحدًا أبوه، وقد نزلت عليَّ مننه المتواترة التي يتعذَّر عليَّ إحصاؤها. لقد توفي والدي في اليوم نفسه بعد غروب الشمس، فكان أول يوم رأيت فيه من خلال الوحي الإلهي آية رحمة لا أظنها تنقطع يومًا في حياتي، لقد طلبت حفر كلمات هذا الوحي في الأيام نفسها على فصِّ خاتم ما زلت أحتفظ به عندي باهتمام بالغ. باختصار قضيت قرابة أربعين عامًا من حياتي بكنف والدي العطوف. رحل والدي من هذا العالم وفي الزمن نفسه بدأت سلسلة المكالمات الإلهية معي بكل قوة. لا أستطيع أن أذكر عملاً لي كان جديرًا بأن تتوجّه إليَّ هذه العناية الإلهية، وإنما أشعر في نفسي أن قلبي منجذب بطبعه إلى الله سبحانه وتعالى بوفاء جذبًا لا يمكن لشيء أن يحول دونه، فهي عنايته سبحانه وتعالى وحده، أما أنا فلم أقم بالرياضات الشاقة قطُّ، كما لم أخُض في المجاهدات الشاقة على شاكلة بعض الصوفية المعاصرين، ولم أنعزل في إحدى الزوايا مدةً، ولم أرتكب خلاف السنة أي عمل يدلُّ على الرهبانية ويعارض كلام الله سبحانه وتعالى؛ بل ظللت على الدوام متبرئًا من هؤلاء الزهّاد المعروفين والمبتدعة الذين يغرقون في أنواع البدع، إلا أنه في أيام حياة والدي بل حين اقتربت وفاته اتفق لي أن رأيت مرة في المنام شخصًا من أهل الله متقدِّمًا في السنّ، جميل المظهر، فقال لي ما مفاده: إن من سنة أهل بيت النبوة الصيامَ لبعض الأيام من أجل الأنوار السماوية، وأشار إليَّ أن أتأسّى بسنة أهل البيت هذه. فرأيت من المناسب أن ألتزم بالصيام لفترة من الزمان.وللتو خطر ببالي أن الأفضل أن أقوم بذلك سرًّا. فكنت أطلب طعامي من البيت إلى غرفة الضيوف وأوزعه سرًّا على الأيتام الذين كنت قد أكّدت عليهم سلفًا ليحضروا في الوقت المحدَّد. وهكذا كنت أصوم طول النهار، ولم يعرف عن هذا الصيام إلا الله. وبعد أسبوعين أو ثلاثة رأيت أنني لم أتعرّض لأي نوع من الأذى بسبب الصيام الذي آكل فيه مرة واحدة فحسب، لذلك عليَّ أن أقلِّل من قدر هذه الوجبة الوحيدة أيضًا، فطفقت أقلِّل من طعامي منذ ذلك اليوم حتى كنت أكتفي برغيف واحد فقط في اليوم والليلة، وبقيت أقلله حتى صار طعامي يعادل بضعة عشرات الغرامات خلال اليوم والليلة. لقد استمر بي الحال على هذا المنوال لمدة ثمانية أو تسعة شهور، وعلى ضآلة الطعام الذي كنت أتناوله الذي لم يكن ليصبر عليه ابن الشهرين أو الثلاثة أيضًا إلا أن الله تعالى قد حفظني من كل سوء ومكروه. ومن العجائب التي حظيت بها من خلال هذا النوع من الصيام تلك المكاشفات اللطيفة التي كُشفت عليَّ؛ فقد قابلت العديد من الأنبياء الكرام، وكذلك بعض كبار الأولياء والصلحاء المسلمين الذين خلوا من قبل. وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحالة اليقظة التامّة وهو في رفقة الحسنَين وعليّ وفاطمة رضي الله عنهم. ولم يكن ما رأيته في رؤيا وإنما كان في حالة من اليقظة.فعلى هذا المنوال قابلتُ عديدا من المقدسين الذين يطول ذكرهم.
وبالإضافة إلى ذلك رأيت الأنوار الروحانية على وجه التمثيل كأعمدة لها ألوان مختلفة كالأخضر والأحمر، وكانت من الجمال وقوة التأثير ما يعجز الإنسان عن وصفه. وكانت تلك الأعمدة النورانية المتصاعدة نحو السماء التي كان بعضها ناصع البياض وبعضها أخضر وأخرى حمراء كلها كانت تتصل بقلبي اتصالا خاصا يبعث السرور في القلب، حتى كنت أشعر عند مشاهدتها في قلبي بنشوة خاصة لا سبيل لمقارنة لذَّتها مع أي شيء آخر. وكنت أتصور أن تلك الأعمدة الروحانية هي تعبير عن الحب المتبادل بين الله والإنسان، ويعني ذلك أن نورا قد تصاعد من القلب ونورا آخر قد نزل من فوق وحين التقيا أخذا شكلَ عمود نوراني. إن هذه الأمور الروحانية مما لا يمكن لأهل الدنيا أن يدركوها، لأنها بعيدة عن عيونهم، ولكن هناك مَن مَنَّ الله عليه في الدنيا بإدراك هذه الأمور.
ومن العجائب التي ظهرت عليَّ في فترة الصيام تلك ضروب من المكاشفات. واستفدت من خلال هذه التجربة أيضًا أنني تبيّنت أني أقدر، إذا اقتضى الحال،على تحمُّل الجوع لفترة طويلة من الزمن. وخطر ببالي أكثر من مرة بأنه إذا أُجبر شخصٌ ضخمٌ مصارعٌ قويٌ ليتحمَّل الجوع معي، فإنه سوف يموت قبل أن أضطر لتناول شيءٍ من الطعام. وتأكد لي من خلال هذه التجربة أن الإنسان يستطيع أن يتقدَّم في تحمُّل الجوع إلى حدّ بعيد، وإنني على يقين أن مَن كان جسمه لا يتحمَّل المشقة والشدة بل يخلد إلى حياة التنعُّم والراحة فلا يسمو إلى المراتب الروحانية. ولكني لا أنصح كل واحد أن يقوم بمثل هذا الصيام، كما لم أقم به أنا أيضًا بناء على اختياري. لقد رأيت بعض الدراويش الأغبياء الذين قاموا بمجاهدات شاقة حتى أصيبوا بالجنون في نهاية المطاف نتيجة “يبوسة الدماغ” وقضوا بقية أعمارهم في الجنون أو أصيبوا بأمراض أخرى مثل السل وغيره. إن قوى الناس الدماغية ليست سواسية، فالناس الذين قواهم الفطرية ضعيفة لا تناسبهم المجاهدة الجسدية من أي نوع، ويصابون بمرض خطير سريعا. وخير للإنسان ألا يوقع نفسه في المجاهدات الشديدة باختيار نفسه بل ينبغي أن يظل متمسِّكًا بدين العجائز. وإن المجاهدات التي يقوم بها معظم الزهاد الجهلة في هذه الأيام ليست عاقبتها محمودة لذلك ينبغي اجتنابها. اعلموا أنني لم أتحمّل هذه المشقة الجسدية إلى فترة ثمانية أو تسعة شهور -حيث ذقت الجوع والعطش- إلا بأمر من الله الذي تلقيته بواسطة الكشف الصريح، ولم أعُد إلى تكرارها إلا نادرًا. فكل ذلك حدث لكن نصيبًا من المشقة الروحانية كان ما زال باقيًا، فقد وجدتها في هذه الأيام من إساءة مشايخ القوم وبذاءتهم وتكفيرهم وإهانتهم، وكذلك من سباب الجهلة الآخرين وإيذائهم، وهذا القدر الذي وجدتُه لا أرى أن أحدًا وجده خلال ثلاثة عشر قرنًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا نادرًا، فقد أُعدَّت ضدي فتاوى التكفير وبموجبها عُددت أسوأ من جميع المشركين والنصارى والملحدين، وأَطلق عليَّ سفهاءُ القوم في جرائدهم ومجلاتهم من الشتائم ما يتعذّر نظيرُه في سوانح غيري، فأنا أشكر الله سبحانه وتعالى أنه تم امتحاني بكلا النوعين من المشقة.
ثم حين انتهى القرن الثالث عشر وكاد القرن الرابع عشر يبدأ أخبرني الله سبحانه وتعالى في الوحي: إنك مجدد هذا القرن. وتلقّيت من الله وحيًا: “الرحمن علم القرآن لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم ولتستبين سبيل المجرمين. قل إني أمرت وأنا أول المؤمنين“؛ أي قد علَّمَك الله القرآن وكشف عليك معانيه الصحيحة، وذلك لكي تنذر من العاقبة السيئة أولئك الذين وقعوا في الغفلة المتراكمة عبر الأجيال وعدم تنبّههم على الأخطاء ولكي تستبين سبيل المجرمين الذين لا يريدون قبول الطريق القويم حتى بعد بلوغ الهداية، فقل لهم إني مأمور من الله وأول المؤمنين. وهذا الوحي قد نُشر في البراهين الأحمدية الذي ألّفته في تلك الأيام ونشرته أي قبل 18 عامًا من اليوم. سيتبيَّن لكل من يُمعن النظر في الإلهامات الواردة في هذا الكتاب أنه لماذا ولأي هدف وُكلت إليَّ هذه المهمة، أفلم تكن حاجة الزمن المعاصرة ورأس القرن يتطلب بعثة شخص لتأييد الدين وتجديده في زمن غربة الإسلام حيث كثرت البدعات ونزل مطر الهجمات الخارجية بغزارة؟
هنا يجدر بالذكر القول بأن معظم علماء هذا البلد كانوا يصدقون دعواي بأني مجدد إلى زمن البراهين الأحمدية. وعلى أقل تقدير لم يكن المتعصبون المتعنّتون يعترضون على إلهاماتي نتيجة حسن ظنهم بي، وكان معظمهم يقولون بمنتهى السرور: إن الله بارك في القرن الرابع عشر إذ أرسل من عنده مجددًا، وبعضهم كتبوا التعليق على البراهين الأحمدية بمنتهى الإخلاص وأثنوا فيه عليَّ ثناء بقدر ما يستطيع الإنسانُ الثناء على صالحٍ من الكمّل وطاهر الطوية وواصِل إلى الله ومواسي الإسلام. مع أن ذلك المولوي كان على علم بأن البراهين الأحمدية يتضمن أيضًا إلهامات سماني الله فيها عيسى والمسيح الموعود. باختصار، لم أتلقّ معارضة كبيرة من المشايخ ما لم تصدر مني دعوى المسيح الموعود صراحة، وإنما كنت مشهورًا في الناس بكوني مجدد القرن الرابع عشر، بل كان معظمهم مصدقيَّ ومطيعي، لكنني حين أعلنت دعواي بأني أنا المسيح، ظهر ضجيج غريب في المشايخ، وأكثرهم خدعوا العامة بأنواع الخيانة وبعضهم أعدُّوا استفتاء بتكفيري، وببذل جهود مضنية طلبوا من مئات سطحيِّي العقول وقصيري الفهم أن يوقعوا عليه، إلا أنهم حققوا ما كان قد ورد في الآثار النبوية سلفًا: “أن ذلك الإمام الموعود سوف يُكفَّر”، لأن هذه النصوص المقدسة أيضًا كان لا بد أن تتحقق. واللافت أنّ دعوى المسيح الموعود لم تكن تتضمن أمرًا جديدًا لم يرِدْ في البراهين الأحمدية قبل 18 من ذلك سلفًا، ومع ذلك أثار هؤلاء المشايخ السفهاء ضجة كبيرة عند صدور هذه الدعوى، وأخيرًا قد أدت إثارتهم للفتن إلى أن حصل عداء في كل بيت حيث انضمت جماعة من المسلمين إليَّ واتبعتْ جماعةٌ المشايخَ المعوجّين، وبقيت جماعةٌ لم توافقني ولم تعارضني. وصحيح أن جماعتي لم تنتشر في العالم بكثرة لكن أتباعنا قد انتشروا من بيشاور إلى مومباي وكلكوتا وحيدر آباد دكن وإلى بعض البلدان العربية. فقد انتشرت هذه الفئة وازدهرت أولًا في البنجاب والآن ألاحظ أنها تتقدم في معظم مناطق الهند، إن جماعتنا تضم الخواص أكثر من العامة، فهي تضم كثيرًا من أصحاب المناصب الحكومية الإنجليزية المرموقة فمنهم من يشغل منصب نائب المحاسب ومنهم من يشغل منصب المفوض الإضافي ورئيس المديرية وكذلك مناصب مرموقة أخرى، وكذلك عدد من زعماء البنجاب وأصحاب العقارات والتجار ومعظمهم حائزون على شهادات البكالوريا والبكالوريوس والماجستير وكبار التجار. باختصار قد انضم إلى هذه الجماعة أصحاب العقل والعلم والعزة والعظمة، أو الحائزون على مناصب كبيرة في الحكومة الإنجليزية، أو كانوا أولاد الزعماء وأصحاب العقارات الضخمة وكبار المزارعين والولاة، أو كانوا سلالة الأقطاب والأغواث في الهند الذين يعدّ مئاتُ الناس آباءَهم وأجدادَهم من الأولياء من الدرجة الأولى وأقطاب العصر ولا يزالون. فغاية القول؛ قد خيَّب الله سبحانه وتعالى بفضله وقدرته مكائد المشايخ، وبذلك قد مكّن ولا يزال يمكِّن جماعتنا من التقدم والازدهار الخارقَين. إن الذين هم في الحقيقة ورِعون وأتقياء ومواسو بني البشر ويبذلون قصارى جهدهم قلبًا وقالبًا لتقدُّم الدين، والذين يرسِّخون عظمة الله في قلوبهم وهم أولو العقل والفهم وأولو العزم ومحبو الله ورسوله بصدق يوجدون بكثرة في هذه الجماعة، وإنني أرى أن الله سبحانه وتعالى قد أراد أن يزيد هذه الجماعة ويبارك فيها ويضم إليها السعداء من أنحاء العالم.

( المصدر: كتاب البراءة )

عن دعوى المسيح الموعود

 

قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد قادياني   :

هنا لا يخلو من الفائدة القولُ بأن دعواي بأني أنا المسيح الموعود دعوى كان يترقبها المسلمون من جميع الفرق، وكان كلٌّ ينتظر تحقق هذه البشارات إثر قراءة النبوءات المتواترة في الأحاديث النبوية، كان كثير من أهل الكشوف قد أنبأوا بتلقي الوحي من الله أن المسيح الموعود سيُبعث على رأس القرن الرابع عشر، وهذه النبوءة وإن كانت مذكورة في القرآن الكريم إجمالًا فقط، إلا أنها من منطلق الأحاديث قد بلغت تواترًا يتعذّر كذبُه عند العقل، إذا كان التواتر شيئًا يُعتدّ به فيمكن أن نقول بأنه لا تتمتع أي نبوءة من النبوءات الإسلامية التي تفوَّه بها النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدرجة من التواتر مثلما نراها في هذه النبوءة. إن المطّلع على تاريخ الإسلام يعرف جيدًا أن أي نبوءة من النبوءات الإسلامية لا تفوق هذه النبوءة تواترًا، لدرجة قد كتب العلماء أن الذي أنكر هذه النبوءة فيُخشى أن يكون كافرًا، لأن إنكار المتواترات إنكار الإسلام نفسه. لكن من المؤسف أن المشايخ المعاصرين في زمن الفيج الأعوج قد انخدعوا في فهم هذه النبوءة فهمًا صحيحًا رغم بلوغها هذه الدرجة من التواتر، وجمعوا في عقيدتهم تناقضات مخجلة بسبب سوء الفهم الشديد؛ أي من ناحية يؤمنون بالقرآن الكريم ويسلِّمون بالأحاديث الصحيحة ومن ثم لا يجدون بدًا من التسليم بأن عيسى عليه السلام في الحقيقة قد توفي، ومن ناحية أخرى يعتقدون أيضًا بأن عيسى نفسه سينزل في أي ساعة من الزمن الأخير، وهو ما زال حيًّا في السماء ولم يمت. ثم من ناحية يصفون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم النبيين ومن ناحية أخرى يؤمنون بأن نبيًّا سيأتي بعده أي عيسى النبي. كما يعتقدون من ناحية بأن المسيح الموعود سيأتي في زمن الدجال وأن الدجال سيستولي على الكرة الأرضية كلها ما عدا الحرمين الشريفين، ومن ناحية أخرى لا يجدون مندوحة من الاعتقاد بموجب الحديث الصحيح المرفوع المتصل في صحيح البخاري بأن المسيح الموعود سوف يأتي عند غلبة الصليب، أي في زمن يكون فيه الدين المسيحي منتشرًا في العالم بكل قوة، وأن قوة المسيحية وثروتها تكون أكثر من جميع القوات والثروات. ثم من ناحية يعتقدون بأن المسيح سيكون في زمنه حاكمًا وإمامًا ومهديًّا، ومن ناحية أخرى يعتقدون بأن المسيح ليس مهديًّا وإمامًا بل سيكون المهدي شخصًا آخر من بني فاطمة. باختصار قد جعلوا الناس -بجمع تناقضات عدة من هذا القبيل- يشكّون ويتذبذبون في صحة هذا الحديث، لأن الأمر الجامع لكثير من التناقضات لا يمكن أن يكون صحيحًا، فأنى لأهل العقل أن يقبلوه وكيف يمكن أن يدوسوا جوهر عقلهم تحت الأقدام ويسيروا على هذا الطريق المعوجّ؟ لهذا السبب أنكر وجودَ هذه النبوءة- رغم ما تتمتع به من أقوى درجات التواتر- المثقفون المعاصرون الذين يجعلون الطبيعة وسنن الكون والنظام العقلي معيارًا لاختبار صحة الأحداث من عدمها. فلو فُسرت فعلًا هذه النبوءة تفسيرًا يضم في طياته هذا الكم الهائل من التناقضات، لعجز العقل الإنساني عن التوفيق بين هذه التناقضات وأخيرًا سيرى التخلُّص من هذا الاضطراب في إنكار هذه النبوءة. فلهذا السبب قد أنكر المولعون بالطبيعة والعقل هذه النبوءة العظيمة رغم تمتُّعها بالتواتر العظيم، لكن المؤسف أنهم تسَّرعوا جدًا في الإنكار أيضًا، لأن أي عاقل لا يسعه إنكار الأخبار المتواترة. فمن المستحيل أن تشوب شائبةُ الكذب الخبرَ الذي بلغ التواتر، فكان طريق الإنصاف وحب الحق أن لا يردّوا الخبر المتواتر، بل كان حريًّا بهم أن يرفضوا معاني المشايخ الجهلة التي استلزمت أنواع التناقضات، وجمعوا في كلامهم عدة تناقضات. وفي الحقيقة إن من ذنب المشايخ قليلي الفهم أن قدَّموا لنبوءة سهلة وواضحة معاني تجمع بين طياتها تناقضات عدة، وألقَوا الباحثين في الحيرة والاضطراب. والآن قد أتاح الله لكل باحث محب للعدل -بكشف معانيها الحقيقية والصحيحة المنـزّهة من كل التناقضات والسخف تمامًا- الفرصةَ بأن يؤمن بهذا الخبر المتواتر وينصرف إلى البحث عن مصداقه، ولا يكون من المكذِّبين بإنكاره نبوءة الله الصريحة.
وتفصيل هذا البيان أن الله سبحانه وتعالى قد كشف معقولية هذه النبوءة بأن بعثني على رأس القرن الرابع عشر في هذا الزمن، وأظهر أن مجيء المسيح مرة أخرى كان مقدرًا على شاكلة البعثة الثانية للنبي إيليا المذكورة في سفر النبي ملاخي، لأن سِفر ملاخي يضم صراحة أن المسيح الموعود الذي ينتظره اليهود لن يأتي في العالم ما لم يعد النبي إيليا إلى العالم، فلو كانت في معارضينا بذرة السعادة والبحث عن الحق، لانتفعوا جدًا من نبوءة النبي ملاخي هذه التي اتفق عليها اليهود والنصارى كلاهما، لأنه لا نجد بدًا من الإقرار في ضوء النص الظاهر لسفر ملاخي أن إيليا إلى اليوم لم ينزل إلى الدنيا، مع أن تسعة عشر قرنًا تقريبًا مضت على بعثة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في العالم، فكما يُستشفُّ من كلمات ملاخي الظاهرة التي تمسَّك بها علماء اليهود إلى اليوم بكل قوة، أن من الضروري أن ينـزل إيليا نفسُه في الدنيا قبل بعثة المسيح، ففي هذه الحالة لا يتحقق صدق نبوة عيسى عليه السلام ولا يعدُّ نبيًا صادقًا في أي حال من الأحوال إلا إذا أوَّلنا عودة النبي إيليا، أي أن نعتبر أن المراد من بعثة إيليا بعثة مثيله، وهو يوحنا، أي يحيى بن زكريا. كما قام بهذا التأويل نفسه عيسى عليه السلام نفسُه عند مطالبة اليهود، ويتضح من هذا التأويل الصادر من فم نبي أن بعثة المسيح الثانية تماثل بعثة إيليا الثانية. وإنّ إشاحةَ الوجه عن التأويل الذي قد ثبت عن نبي، وجمْعَ التناقضات في العقيدة بالتمسك بحرفية النص، لَمِن عمل الذين أوتوا حظًا قليلًا من العقل والفهم، فالنبوءات تغلب عليها سمة المجاز والاستعارة، وليس ثمةَ حمقٌ أكبر من أن تُحمل أيّ كلمة من النبوءة على الظاهر على الرغم من التناقضات العديدة المترتِّبة على الحمل على الظاهر، فبهذه العادة هلك اليهود.
كانت هناك نبوءة مماثلة أخرى بحق المسيح؛ أي سيكون مَلكًا وسوف يقاتل الكفار. فقد تعثَّر بها اليهود أيضًا، لأن المسيح لم يحظَ بالملكوت الظاهر، لذلك يقول اليهود إلى هذا اليوم إن النبوءات عن المسيح لم تتحقق أي كلمة منها إلى هذا اليوم، والحجةُ نفسها كان اليهود قدَّموها أمام المسيح وقالوا له بإصرار مرارًا أنه لا بد من عودة إيليا قبل ظهور المسيح الصادق، لا أن يظهر أي مثيل له، لأنه قد ورد في سفر النبي ملاخي أن إيليا نفسه سيعود، ولم يرد فيه أن مثيلًا له سيأتي. إلا أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ردّ عليهم قائلًا: إن المراد من بعثة النبي إيليا بعثة مثيل له سيأتي على طبعه وسيرته، وبيَّن لهم أن ذلك المثيل هو يوحنا بن زكريا.. أي يحيى. وكان قد أوّل كونه ملكًا بأن سلطته سماوية لا أرضية، وكان اليهود عدّوا هذا التأويلات تكلفات ركيكة جدًا ومستبعدة جدًا، وإلى الآن يعدّونها هكذا. لأنهم كانوا يتمسَّكون بظاهر النصوص، وفي الظاهر كان يبدو أن اليهود على حق، لأنهم كانوا يقدمون نصوصًا صريحة من الكتب المقدسة بينما كان عيسى ابن مريم عليه السلام يلجأ إلى التأويل، وكان يبدو ركيكًا وضعيفًا.
فلو أخذ المشايخ المعاصرون درسًا من ذكر البعثة الثانية لإيليا وفسروا بعثة المسيح من السماء ثانية كما فسر المسيحُ عيسى ابن مريم عليه السلام نفسُه بعثة إيليا الثانية، لكانوا سعداء جدًّا. ليْتهم تدبّروا أن المعنى الذي يبينه هذا الراقم للنزول ليس جديدًا، بل هو نفسه الذي تفوّه به عيسى ابن مريم عليه السلام سلفًا، لأن قضية نزول المسيح بن مريم تماثل تمامًا قضية نزول إيليا النبي.فإذا كانت أمنية اليهود لم تتحقق إلى اليوم أن ينزل النبي إيليا من السماء ولذلك أنكروا عيسى ابن مريم عليه السلام فأنى لأمنية هؤلاء المشايخ أن تتحقق بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام نفسه من السماء؟ فالعاقل من يتلقّى العبرة من تعثُّر غيره، فاليهود الذين حُرموا من الإيمان بعيسى ابن مريم عليه السلام يبررون إلى اليوم أن نبوءة النبي ملاخي كانت قد قرئت عليهم بتركيز أنه لن يأتي المسيح الذي وُعدوا به ما لم يأت النبيُ إيليا إلى العالم مرة أخرى. وكان قد كُتب أن ذلك المسيح سوف ينزل على صورة ملك، فلم تتحقق كلتا هاتين النبوءتين في شخص عيسى ابن مريم عليه السلام ولهذا يحتج اليهود إلى الآن أنه كيف يسَعُهم الإيمان بيسوع بن مريم إذ لم ينزل قبله النبيُ إيليا ولم يظهر هو نفسُه في صورة ملِك. ويبدو اليهود على حق في الظاهر، لأن هذا ما تفيده النصوص الصريحة من كتبهم أن النبي إيليا سيبعث من جديد قبل بعثة المسيح وأخيرًا سيأتي المسيح مَلكًا.
باختصار كانت هذه القضية قد حكمت في قضية نزول المسيح الموعود والعلامات الأخرى، وكان أسلوب نزول النبي إيليا يمثل نظيرًا مقنعًا للمنصفين بخصوص نزول المسيح، إلا أن التعصب يعمي الإنسان. والأغرب من ذلك أنه قد ورد في صحيح البخاري بجلاء “إمامكم منكم” أي سيكون المسيح الموعود من هذه الأمة نفسها، وكذلك كان قد ورد في صحيح مسلم “فأمَّكم منكم“، أي سيكون المسيح منكم.. أي رجلا من الأمة ويكون إمامكم. ألم تكن هذه الأمور مقنعة؟ ألم يكن يُقنعهم أن القرآن الكريم بيّن وفاة عيسى ابن مريم عليه السلام؟ أما الأحاديث فقد أشارت بتصريح عمره 120 عامًا إلى أنه توفي حتمًا في سنة 120م. كما ذكر معنى التوفي أنه مات، وأفصحت آية “فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي” بجلاء أن عيسى ابن مريم عليه السلام قد توفي في الحقيقة. فليس هنالك أي مسلم يصدّق اليهود في النـزاع الذي نشأ من قبل بينهم وبين النصارى بخصوص نزول النبي إيليا، فالمعنى الذي بيَّنه نبي للبعثة الثانية إلى العالم هو المعنى نفسه الذي نسلِّم به بخصوص نبوءة نزول المسيح. أما المعنى الذي يبيِّنه المشايخ المعارضون فليس عندهم أي سند وتأييد لذلك.
الآن من الجدير بالتأمل أننا نقدم عقيدة يوجد لها نظير في الكتب السابقة ويصدّقها القرآن الكريم، أما المعارضون فيقدِّمون بخصوص نبوءة نزول المسيح عقيدةً ليس لها أي نظير في سلسلة الأنبياء السابقين كلهم، ويكذِّبها القرآن الكريم أيضًا. ثم عندما يعجز المشايخ في هذا النقاش يتهموننا افتراءً كأننا ادعينا النبوة، وكأننا نرفض وجود المعجزات والملائكة. وليكن معلومًا أن كل هذا وذاك افتراء. إنا نؤمن بأن سيدنا ومولانا محمدا المصطفى صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، ونحن نؤمن بالملائكة والمعجزات وجميع عقائد أهل السنة وإنما الفرق هو أن معارضينا ينتظرون بجهلهم نزول عيسى ابن مريم عليه السلام على وجه الحقيقة، ونحن نؤمن بنـزوله بروزًا كما هو مذهب جميع المتصوفين، ونؤمن بأن النبوءة بنزول المسيح قد تحققت.

( المصدر: كتاب البراءة )

الأدلة على دعوى المسيح الموعود

 

قال الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد قادياني   :

أما الأدلة على دعواي بأني أنا المسيح الموعود فليكن معلومًا أنه قد ثبت من الآثار الصحيحة أن اسم ذلك المجدد الذي سوف يُبعث على رأس القرن للقضاء على عقيدة عبادة عيسى عليه السلام عند ظهور فتنة المسيحية هو المسيح. وبعد ذلك ظن العامة لسوء فهمهم الأحاديث أن عيسى عليه السلام نفسه سينزل من السماء ليكون مجدد القرن وسيُبعث على رأس القرن. وأغلب العلماء أقاموا رأيهم على أن ذلك القرن سيكون الرابع عشر، لكنهم أخطأوا في هذا الظن، ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان قصدُه أن المجدّد الذي سينصر الإسلام دفاعًا عن الإسلام ضد الهجمات المسيحية سيكون اسمه مسيحًا نظرًا لإصلاحه للمسيحية، لكن هؤلاء ظنوا أن المسيح نفسه سينـزل من السماء في زمن ما، مع أنه خطأ فادح. فلم يكن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم الفصيحِ والفياض بالحِكم هذا القولُ غير المناسب والعشوائي وغير المعقول أبدًا، وهو أنّه سيُبعث من جديد إلى دار الآلام ودار الفتن النبيُّ الذي قضى حياته ونُوديَ إلى الله بحسب سنة الله تعالى وإلى نعيم الآخرة. وأن النبوة التي خُتمت وذلك الكتاب الذي هو خاتم الكتب يبقى محرومًا من فضيلة الختمية. بل كان قد تنبأ في استعارة لطيفة ودقيقة أنه سيأتي زمن يبلغ فيه النصارى التعصبَ المتناهي في عبادتهم للمخلوق واتباع أفكار الصليب الباطلة، ويصبحون مسيحًا دجالًا من جراء دجلهم وتحريفهم الكامل، عندها سيخلق الله برحمته مسيحًا سماويًا لإصلاحهم يكسر صلبانهم بأدلة مقنعة.
لم يكن من شأن أهل العقل والتدبر أن يواجهوا أي مشكلة في فهم هذه النبوءة، لأن كلمات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المقدسة كانت واضحة وبينة لدرجة كانت تهدي بنفسها إلى أن النبوءة لا تهدف إلى بيان عودة النبي الإسرائيلي في هذا العالم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال مرارًا أنه لن يأتي بعده نبي. وكان الحديث “لا نبي بعدي” مشهورًا لدرجة لم يكن يعترض على صحته أحدٌ، وكان القرآن الكريم الذي كل كلمة فيه قطعية، يصدِّق أيضًا بآيته “وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ” (الأحزاب:40)، أن النبوة في الحقيقة قد ختمت على نبينا صلى الله عليه وسلم، فكيف كان يمكن أن يأتي أي نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى الحقيقي للنبوة؟ فبهذا المعنى يختل نظام الإسلام كله، أما القول “بأن عيسى عليه السلام سيأتي معزولًا عن نبوته” فوقاحة نكراء وإساءة بالغة! إذ هل من الممكن أن يُحرم النبي المقبول والمقرب إلى الله مثل عيسى عليه السلام من نبوته؟ ثم أي طريق لمجيء عيسى عليه السلام إلى العالم من جديد؟ باختصار إن الله سبحانه وتعالى بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم خاتمَ النبيين وقول النبي نفسه في الأحاديث أنه “لا نبي بعدي” قد حكم أنه لا يمكن أن يأتي بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أيُ نبي بالمعنى الحقيقي للنبوة، ثم إيضاحًا لهذا الأمر أكثر قد قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا بأن المسيح الموعود سيكون من هذه الأمة حصرًا. فحديث “إمامكم منكم” من صحيح البخاري و”أمّكم منكم” من صحيح مسلم الواردان في عين محل ذكر المسيح الموعود يصرِّحان بجلاء أن ذلك المسيح الموعود سيكون من هذه الأمة حصرًا.
ثم إن الحكم الآخر الذي أصدره القرآن الكريم والحديث في هذا الخصوص هو أن القرآن الكريم قال بكلمات صريحة أن عيسى عليه السلام قد توفي، فانظروا بأي جلاء تفصح آيةُ “فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي” عن وفاة عيسى عليه السلام. أما صحيح البخاري فقد أثبت من قول ابن عباس رضي الله عنه والحديث النبوي أيضًا أن التوفي هنا يعني الإماتة. ومن غير المعقول القول: “بأن لفظ “توفيتني” الواردة بصيغة الماضي يفيد هنا الاستقبال، أي “لم يمت بعد” بل سيموت في الزمن الأخير”. لأن مدلول الآية أن عيسى عليه السلام سيقول لله سبحانه وتعالى يوم القيامة إن أمته لم تفسد في حياته بل قد فسدت بعد وفاته، فإذا افترضنا جدلًا أن عيسى عليه السلام لم يمت إلى الآن، فهذا يستلزم الإقرار بأن النصارى أيضًا لم يفسدوا إلى الآن، لأن الآية تخبر صراحة أن فساد النصارى حصل بعد. وفاته وليس هناك إلحاد أكبر من إنكار مثل هذا النص الصريح.
فلمّا ثبت من كلمات القرآن الكريم الصريحةِ موتُ عيسى عليه السلام فقط، كما قد سمَّى الله سبحانه وتعالى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم خاتم النبيين3، والحديث يصدِّق كلا هذين الأمرين، بالإضافة إلى إنباء الحديث النبوي أن المسيح القادم سيكون من هذه الأمة، أيًا كان عِرقُه؛ وقد ورد في الحديث أن ملامح المسيح عليه السلام السابق مختلفة عن ملامح المسيح الموعود، فإن هذا الاختلاف في الملامح أيضًا يفيد بأن ذلك المسيح السابق عليه السلام كان يختلف عن المسيح القادم. انظروا صحيح البخاري. فهنا ينشأ التساؤل طبعًا أنه مع وجود هذه النصوص الصريحة الدالة على وفاة عيسى ابن مريم عليه السلام وكون المسيح الموعود من هذه الأمة كيف حصل الإجماع على أن عيسى عليه السلام سوف ينزل في الزمن الأخير من السماء؟ فجواب ذلك أن الذي يدَّعي الإجماع على هذا الأمر فهو غبي جدًا أو خوّان أو كذاب. ذلك لأن الصحابة لم يكونوا بحاجة إلى تفاصيل هذه النبوءة، إذ كانوا بلا شك يؤمنون بموجب آية “فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي” أن عيسى عليه السلام قد توفي، فلذلك حين شعر أبو بكر رضي الله عنه عند وفاة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن بعض الناس يشكّون في وفاته صلى الله عليه وسلم صرّح بكل قوة بأنه ما من نبي ما زال حيًا، بل قد ماتوا كلُهم، وقرأ آية: “قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ” (آل عمران:144)، فلم ينكر أحد بيانه هذا، وبالإضافة إلى ذلك فإن العَالمَ الكبير في الحديث والقرآنِ الإمام مالك وهو التقي أيضًا؛ قد قال بأن عيسى ابن مريم عليه السلام قد توفي. وكذلك الإمام ابن حزم، الذي جلالة شأنه غنية عن البيان، كان يؤمن بأن المسيح قد مات، وكذلك الإمام البخاري الذي كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله يعتقد بوفاة المسيح، وكذلك المحدث الفاضل والمفسر ابن تيمية وابنُ قيم اللذان كان كل واحد منهما إمام عصره يؤمنان بوفاة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وكذلك قال رئيس المتصوفين الشيخ محيي الدين بن عربي بكلمات صريحة في تفسيره بأن عيسى عليه السلام قد توفي، ومثل ذلك ظل كبار العلماء والمحدثين والمفسرين والأئمة يشهدون في كل عصر، وكذلك كبار الفرقة المعتزلة أيضًا على أن المسيح قد مات. وبعد كل هذا وذاك كم من الافتراء أن يوصف ذهابُ عيسى عليه السلام إلى السماء حيًّا والعودة منها بالعقيدة الإجماعية؟ كلا بل هي أفكار العامة في زمن تفشَّت فيه آلاف البدع في الدين، وكان هذا الزمن المتوسط، قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالفيج الأعوج وقد قال في حق أفراد الفيج الأعوج “ليسوا مني ولست منهم“.. أي ليست لهؤلاء أي علاقة بي ولا لي أي علاقة بهم. إن هؤلاء – نتيجة اعتناق عقيدة ذهاب عيسى عليه السلام إلى السماء حيًّا ووجوده هناك حيًّا منذ 19 قرنًا بجسمه المادي وعودته في زمن ما في المستقبل- قد خالفوا القرآن الكريم في أربعة مواضع. أولًا: إن القرآن الكريم يصرح بكلمات واضحة بوفاة عيسى عليه السلام كما مرَّ بيانه. أما هؤلاء فيؤمنون بأنه حي. ثانيًا: يقول القرآن الكريم بكلمات واضحة وصريحة بأنه لا يستطيع أي إنسان العيشَ في أي مكان غير الأرض، كما ورد: “فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ” (الأعراف:25)، بينما يقول هؤلاء: “كلا بل يمكن أن يعيش الإنسان خارج هذه الأرض وكرة الهواء، كما يحيا عيسى عليه السلام في السماء منذ ما يقارب 19 قرنًا” مع أنه لا أحد من البشر قد عاش على الأرض مدة 19 قرنًا منذ البدء إلى يومنا هذا رغم كونها مستقرًا ومع توفّر وسائل الحياة فيها. كما أنّ اعتقادَ العيشِ في السماء لمدة 19 قرنًا الذي يتمسك به معارضونا بإصرار بغير حق يخالف نصوصَ القرآن الكريم الصريحة مع أن الإنسان بحسب البيان القرآني لا يستطيع العيش هناك ولو قليلا؟. ثالثًا: يقول القرآن الكريم بجلاء بأن صعود أي إنسان إلى السماء ينافي سنة الله، حيث قال: “قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا” (الإسراء: 93)، بينما يُصعد معارضونا المسيحَ عيسى ابن مريم عليه السلام إلى السماء بجسمه المادي. رابعًا: يقول القرآن الكريم بوضوح إن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، بينما يقرر معارضونا بأن عيسى ابن مريم عليه السلام خاتم الأنبياء ويقولون إن المراد مما ورد في صحيح مسلم وغيره أن المسيح القادم سيكون نبي الله نبوّة حقيقيةً. فكيف يُعدّ نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء إذا جاء المسيح إلى العالم بنبوته؟ وأنى لعيسى ابن مريم عليه السلام أن يُحرَم من لوازم النبوة وهو نبي؟

باختصار إن هؤلاء باتخاذ هذه العقيدة قد عارَضوا القرآن الكريم على أربعة أوجه، ثم إذا سُئلوا البرهان على صعود عيسى ابن مريم عليه السلام إلى السماء بجسمه المادي فلا يقدرون على تقديم أي آية ولا حديث، وإنما يخدعون العامة بإضافة كلمة السماء من عندهم إلى كلمة النـزول. لكن لا يغيبنَّ عن البال أن كلمة السماء لا توجد في أي حديث مرفوع متصل. ومعلوم أن كلمة نزول تُستخدم في اللغة العربية بحق المسافر، إذ يسمى المسافر نزيلا. ففي بلادنا أيضًا هناك تعبير أن الناس يسألون واردَ المدينة حديثًا بدافع الاحترام “أين نزلتَ؟” فلا يختلج ببال أحد من الناس أن ذلك المسافر قد نزل من السماء. إذا بحثتم في كتب الحديث لجميع الفِرق الإسلامية فلن تعثروا على أي حديث موضوع أيضًا يفيد بأن عيسى ابن مريم عليه السلام قد صعد إلى السماء بجسمه المادي وأنه سينزل إلى الأرض في زمن ما، ودونك وجود حديث صحيح. فإذا قدَّم لنا أحد مثل هذا الحديث، فأنا على استعداد أن أدفع له 20000 روبية غرامةً، بالإضافة إلى التوبة وحرق جميع كتبي، فليطمئنوا كما يريدون.
فالمؤسف أن المشايخ البسطاء قد واجهوا المعضلة لمجرد الاطّلاع على كلمة النـزول في الأحاديث، إذ يأمُلون عبثًا عودته من السماء، وسيكون ذلك اليوم يومَ التفرُّج حين يكون الملائكة على يمينه ويساره، ينـزلون من السماء حاملين إياه. فالأسف كل الأسف على أن هؤلاء يقرأون الكتب لكن مغمضي العيون، فالملائكة تلازم كلَّ إنسان وهي تُظِلُّ بأجنحتها طلبةَ العلم حسب الحديث النبوي، فإذا حملوا المسيح فأي ندرة في ذلك؟ فقد ثبت من القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى حاملُ كل إنسان، حيث ورد “حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ” (الإسراء: 70)، فهل يتراءى اللهُ لأحد؟ كل هذا مجاز، أما الفرقة الغبية فتريد أن تحمله على وجه الحقيقة، وبذلك يُتيحون فرصة الاعتراض للمعارضين بغير حق. فهؤلاء السفهاء لا يعرفون أنه إذا كانت الأحاديث تقصد أن المسيح الذي صعد إلى السماء سيعود نفسُه فإنّ استخدام كلمة “نزول” ستكون في غير محلها. فالفصحاء العرب حين يقصدون عودة أحد يستخدمون بحقه كلمة الرجوع لا النـزول، فكيف يمكن نسبة كلمة غير فصيحة في غير المحل إلى أفصح الفصحاء وأكثر الناس معرفةً محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو سيد الفصحاء؟
هناك وسوسة كبيرة قد أصابت هؤلاء المشايخ قليلي الفهم أنهم حين يقرأون في القرآن الكريم آية “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُم” وآية “بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ” ، يعتقدون بسفههم المتناهي أن نفي القتل والصلب وكلمة الرفع تدلُّ على أن عيسى عليه السلام نجا من أيدي اليهود وصعد إلى السماء بجسمه المادي. فكأن الله سبحانه وتعالى لم يجد مكانًا على الأرض لإخفائه غير السماء. قد كفى غارٌ موحش عامر بالثعابين لحماية نبينا صلى الله عليه وسلم من أيدي الكفار، بينما لم يكن أعداء المسيح ليتركوه سالمـًا على الأرض مهما دبَّر الله لحمايته عليها! فعجز أخيرًا وقرر رفْعه إلى السماء مضطرًا لحمايته من مكايد اليهود! مع أنه لم يرد في القرآن ذكرُ الرفع إلى السماء، بل قد ذكر الرفع إلى الله فحسب، الذي يتمتع به كل مؤمن.
لا يفكر هؤلاء أنه لو كانت القصة التي يذكرونها صحيحةً فما الذي قصد الله من ذكرها؟ وما سبب نزول هذه الآيات، وأي قضية ونزاع كان بين اليهود والنصارى عن صعود المسيح إلى السماء بالجسم المادي، التي أراد القرآن الكريم أن يسوِّيها في هذه الآيات؟ فالجلي أن هدفًا عظيمًا من أهداف القرآن الكريم هو أن يسوِّي الخلاف بين اليهود والنصارى بالحق والسداد، فلا يغيبنَّ عن البال أن الاختلاف الدائر بين اليهود والنصارى الذي ما زال قائمًا هو في الرفع الروحاني لعيسى ابن مريم عليه السلام. فكان اليهود استنتجوا من صَلْب المسيح أنه لم يُرفَع روحانيًّا، وهو ملعون والعياذ بالله، لأن كل مؤمن في دينهم يرفع إلى الله بعد الموت أما الذي يُقتل صلبًا فلا يتم رفعُه إلى الله، أي يكون ملعونًا. فكانت حجة اليهود تتلخَّص في أنه لما كان المسيح قد صُلب فلم يتم رفعُه روحانيًّا، ومن ثم هو ملعون، أما النصارى الأشقياء فهم أيضًا عدّوا عيسى عليه السلام محرومًا من الرفع لثلاثة أيام. الآن يقصد القرآن الكريم من ذكر ذلك أن يشهد على رفع عيسى عليه السلام روحانيا؛ فقد نفى الله سبحانه وتعالى صلبه بقوله “مَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ” (النساء:157)، ثم بيَّن نتيجة ذلك في قوله “بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ” (النساء:158) وبذلك حَكم في القضية.
فانظروا الآن إنصافًا ما علاقة الرفع الجسماني هنا؟ فمئات الآلاف من اليهود ما زالوا أحياء إلى الآن فاسألوا علماءهم وفضلاءهم هل يستنتجون مِن صلب عيسى عليه السلام أنه لم يُرفَع روحانيًا أم أنه لم يرفع ماديًّا! وكذلك يقول اليهود بأن المسيح الصادق لن يأتي ما لم ينزل النبي إيليا مرة أخرى إلى العالم بحسب نبوءة النبي ملاخي، ثم إذا كان الله سبحانه وتعالى بكمال حكمته التي لا تنكشف على الناس قد ألقى اليهود في هذا الامتحان إذ لم ينزل من السماء النبيُ إيليا الذي كانوا ينتظرونه وأعلن عيسى ابن مريم عليه السلام أنه المسيح، فقد وجد اليهود هذه الدعوى خلافًا للنصوص الصريحة، وقالوا إذا كان هذا الرجل صادقًا فالتوراة باطلة والعياذ بالله. ويستحيل بطلان الكتب الإلهية، فكان هذا هو السبب الرئيس للإنكار. ولهذا السبب أصبح اليهود ألدّ أعداء المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وسموه كافرًا ومرتدًا ودجالًا وملحدًا وأفتى جميع العلماء بكفره، وكان فيهم الزاهدون والرهبان والربانيون أيضًا، فاتفقوا كلُهم على كفره لأنهم زعموا أن هذا الرجل يترك ظاهر النصوص. وكان سبب هذه الفتنة كلها أن المسيح أوَّلَ عودة إيليا من جديد “أن يأتي شخص على طبعه وسيرته، وهو يوحنا.. أي يحيى بن زكريا”، لكن هذا التأويل لم يُعجب اليهودَ، فسمَّوه ملحدًا، كما كتبت آنفًا، لأنه يصرف النصوص عن ظاهرها. لكن لما كان عيسى ابن مريم عليه السلام نبيًا صادقًا من الله في الحقيقة وكان تأويله أيضًا صحيحًا عند الله رغم كونه بعيدًا عن القياس في الظاهر، لذا قد خطر ببال بعض الناس أن هذا الرجل إذا كان كاذبًا فلماذا تتجلى فيه أنوارُ الصدق ولماذا تصدر منه الخوارق مثل الرسل الصادقين؟ فكان مشايخ اليهود لدفْع هذه الفكرة منصرفين كل حين وآن إلى أن يجعلوا العامة واثقين بأي طريقة ممكنة أن هذا الرجل والعياذ بالله كاذب وملعون، فخطر ببالهم أخيرًا أنه لو صلبوه لثبت على كل واحد بجلاء أن هذا الرجل لعينٌ والعياذ بالله ومحروم من الرفع الذي يتمتع به الصالحون إلى الله، وسوف يثبت به كذبُه، لأنه كان قد ورد في التوراة أن الذي عُلق على خشبة فهو ملعون، أي لا يُرفع إلى الله، فقد نفَّذوا هذه الفكرة في الحقيقة على زعمهم أي صلبوه. وقد اشتبه هذا الأمر على النصارى أيضًا حيث زعموا هم أيضًا أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في الحقيقة قد صُلب، فاضطُروا بموجبها لاتخاذ عقيدة أخرى أي أنه صار ملعونًا أيضًا، إلا أنهم لإخفاء اللعنة وإزالة وصمتها اقترحوا أن يتخذوه ابنَ إله، ابنًا تحمَّل لعنات مذنبي العالم كلهم، وصار ملعونًا بدلًا من أن يكون الآخرون ملعونين، ومات ميتة الملعونين أي مات على الصليب. لأنه كانت في بني إسرائيل عادة منذ القدم أنهم كانوا يعدمون المجرمين ومجرمي القتل بالصلب حصرًا، ولهذا السبب كان الميِّت على الصليب يُعَدّ ملعونًا، إلا أن النصارى انخدعوا جدًا، حيث وصفوا مقتداهم ومرشدهم ونبيهم بالملعون، فسوف يواجهون أشد الخجل عندما يتدبَّرون أن مفهوم اللعنة لغةً يقتضي أن يكون الشخصُ الملعون مرتدًّا عن الله في الحقيقة؛ لأن اللعْن فعْلٌ إلهي، ويظهر بعد ظهور فعل الإنسان بحيث يقطع الإنسان جميع العلاقات عن الله عن عمد إلحادًا، ويتبرأ من الله ويكون اللهُ بريئًا منه، فحين تبرَّأ الله سبحانه وتعالى أيضًا من هذا الرجل وطرده من عتباته وعاداه ففي هذه الحالة يُسمى ذلك المردود ملعونًا. ويكون من الضروري أن يكون الملعون عدوَّ الله ويكون الله أيضًا عدوَّه، ويكون الملعون محرومًا تمامًا من معرفة الله تعالى ويكون أعمى وضالًا، ولا تبقى في قلبه ذرة من الحب الإلهي، ولهذا أُطلق اسم اللعين في اللغة على الشيطان.
فالبديهي أن عيسى ابن مريم عليه السلام منـزَّه عن هذا الاتهام تمامًا بأن يوصف ملعونًا ومحرومًا من الرفع إلى الله والعياذ بالله، لكن النصارى بحمقهم واليهود بشرّهم وصفوه بالملعون. وإن اللعنة كما كتبنا سابقًا نقيض الرفع، مما يستلزم أنه لم يذهب إلى الله بعد الموت، والعياذ بالله، بل ذهب إلى جهنم لأن الملعون أي الذي لا يُرفع إلى الله يتوجَّه إلى جهنم. فهذه العقيدة قد اتفق عليها اليهود والنصارى والمسلمون ولهذا اضطُر النصارى لاعتناق عقيدةِ أنّ عيسى عليه السلام بقي في جهنم ثلاثة أيام بعد الموت. باختصار قد أساءت كلتا الأمتين إساءة بالغة إلى نبي صادق لذا قد أراد الله سبحانه وتعالى أن يبرِّئ عيسى عليه السلام من الاتهام. فأولًا قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم إن المسيح بن مريم كان نبيًا صادقًا في الحقيقة وكان وجيهًا ومن المقربين إلى الله، ثم فنَّد شبهة اليهود والنصارى بأنه صار ملعونًا بسبب الصلب، وقال: “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ” (انساء:157) كما قال: “بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ” (النساء:158) أيضًا، وبذلك رفع عنه تهمة اللعنة وعدم الرفع الموجهة إليه منذ 600 عام من قبل اليهود والنصارى. فإنما سبب نزول هذه الآيات أن اليهود والنصارى في ذلك الزمن كانوا يعدّون المسيح ملعونًا، وكان من الضروري جدًا أن يُفضح أولئك الأشرار والحمقى في خطئهم ويبرَّأ المسيحُ من اتهامهم. ولهذه الضرورة حكم القرآن الكريم أن المسيح لم يُصلب. وحين ثبت عدم صلبه بطل الاعتراض أصلًا أنه لم يُرفع إلى الله بل كان ملعونًا والعياذ بالله. كلا بل شرَّفه الله بخلعة الرفع كالصلحاء الآخرين، وفي هذا الحكم كذَّب الله سبحانه وتعالى اليهودَ والنصارى في اعتقادهم بكون عيسى عليه السلام ملعونًا وغيرَ مرفوع إلى الله.
الآن يتبيَّن من هذا البحث كله أن تبرئةَ عيسى عليه السلام وصدقَه وعدم كذبه لم يكن يتوقَّف على رفْعه المادي، ولم يكن عدم رفعه ماديًا يستلزم كذبه ولعنته. لأنه إذا كان صدق المرء وقربه إلى الله يتطلّب الرفْعَ المادي فتقتضي عقيدة هؤلاء المشايخ السذّج أن يكون عيسى عليه السلام وحده مقربًا إلى الله، ويكون سائر الأنبياء الذين لم يرفعوا إلى الله بأجسامهم المادية محرومين من القرب الإلهي والعياذ بالله! فلما لم يكن الرفع المادي ذا قيمة ولم يكن صدقُ النبيّ وقربُه إلى الله يتطلَّب منه الذهاب إلى السماء ماديًّا، فمتى كان ممكنًا أن تُبدأ في كلام الله الحكيم هذه القضيةُ السخيفة والباطلة التي لا علاقة لها بالموضوع، مع أن اليهود لم يكونوا يهدفون إلى إثارة النقاشات في الرفع المادي للمسيح، وكانت هذه النقاشات عقيمة عندهم وغير مجدية، وإنما كان هدفهم المتوخى الذي من أجله ظهر في قومهم حماسٌ مُعادٍ وما زال يوجد فيهم هذا الحماس، أن يستنتجوا من صلبه أنه لم يُرفع روحانيًا، ولهذا السبب قد صلبوه على حد زعمهم. وقد ورد في التوراة صراحة أن الذي عُلق على الخشبة أي صُلب، يكون ملعونًا أي لا يتمتع بالقرب الإلهي أو لا يتمتع بتعبير آخر بالرفع إلى الله، بل يُلقى به في أسفل السافلين. فكلمة الصليب هذه، ونتيجتُها اللعنةُ، تصرخ بشدة أن الغاية المتوخّاة لليهود يومذاك كانت إثبات لعْن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام نتيجة الصلب، وإثبات عدم رفْعه إلى الله بسبب اللعنة، فكان الله يُبطل الاتهام الكاذب الذي أُلصق به. إلا أنه لو ذُكر في التوراة أن المصلوب لا يرفع ماديًا لكان من المحتمل أن يوصل الله المسيحَ إلى السماء ماديًا ولا يترك أي شبهة. أما الآن فلا علاقة لهذه الفكرة بأصل القضية، ولا ترتبط بالحكم فيها، وإن الله سبحانه وتعالى منـزَّه من أن يخوض في نقاش سخيف وباطل وعديم العلاقة. إن تعاليم الله سبحانه وتعالى تهدي إلى سبل النجاة والقرب الإلهي وتذبّ وترفع عن الأنبياء التُّهم التي تشكِّك في كونهم مقربين وناجين، لكن الصعود إلى السماء بهذا الجسم المادي لا علاقة له بالنجاة والقرب الإلهي، وإلا نُضطر للقول بأن سائر الأنبياء غيرَ المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام كانوا محرومين من النجاة والقرب الإلهي والعياذ بالله. وهذه الفكرة كفرٌ بواح.
إن المشايخ المعاصرين لا يفكرون أن قضية الرفع وعدمِه بأسرها بدأت من قضية الصليب، أي قد وصفت التوراة الميِّتين على الصليب محرومين من الرفع الروحاني، وإذا فسرنا التوراة بأن الميِّت على الصليب يبقى محرومًا من الرفع المادي فما الحرج إذا حُرم من هذا الرفع الأنبياءُ وجميع المؤمنين أيضًا، غير أنه إذا افترضنا أن الرفع المادي شرط للنجاة فلا بد من التسليم بأن جميع الأنبياء غير المسيح محرومون من النجاة، أما إذا لم تكن أي علاقة للرفع المادي بالنجاة والإيمان والسعادة ومراتب القرب كما هو الحق، فكم من الضلال والغواية أن يصرف المرء كلمة الرفع الواردة في القرآن الكريم عن هدفها ومرادِها متجاهلًا غاية نزولها ويعتقد من تلقاء نفسه بأن المراد منها الرفعُ المادي؟ فقد ورد في القرآن الكريم أيضًا أن الله أراد أن يرفع بلعام، إلا أنه أخلد إلى الأرض؛ فهل ستقولون هنا أيضًا أن الله سبحانه وتعالى كان يريد أن يرفع بلعام أيضًا ماديًّا إلى السماء؟! فليتذكَّر كل واحد، وينبغي أن لا يختار طريق الإلحاد أنّ المراد من الرفع في كل مكان الرفع الروحاني فحسب.
بعض السفهاء يذكرون قصة مختلقة من عندهم، ويقولون إن في القرآن الكريم آية “وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا” (مريم: 57) أيضًا، ثم يقولون إن هذا الإنسان الذي رفعه الله سبحانه وتعالى إلى السماء بجسمه إدريس. وليكن معلومًا أن هذه القصة أيضًا خطأ المشايخ قليلي الفهم، مثل قصة المسيح عليه السلام. والحقيقة أن المراد من الرفع هنا أيضًا الرفع الروحاني، فجميع المؤمنين والرسل والأنبياء يُرفعون روحانيًّا بعد الموت، أما الكافر فلا يتمتع بالرفع الروحاني، فإلى ذلك تشير آية “لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ” (الأعراف:40)، فلو كان إدريس عليه السلام قد صعد إلى السماء بجسمه المادي فبموجب النص الصريح لآية “فِيهَا تَحْيَوْنَ“(الأعراف: 25) يتعذّر عيشُه في السماء كما تعذَّر عيش المسيح عليه السلام في السماء، ذلك لأن الله قد حكم نهائيًا أن لا أحد يمكن أن يعيش في السماء، بل إن مكان الحياة لجميع البشر هو الأرض فحسب.  وبالإضافة إلى ذلك فإن الجزء الثاني للآية أي “فِيهَا تَمُوتُونَ“، قد قال بجلاء بأنكم ستموتون على الأرض حتمًا، فهذا يستلزم اعتقاد معارضينا بأن إدريس عليه السلام أيضًا سوف ينزل من السماء في يوم من الأيام، مع أن أحدًا لا يعتقد ذلك في العالم، ومن الطريف أن قبر إدريس موجود في الأرض كما يوجد قبر عيسى عليه السلام.
بعض المشايخ يقولون، متضايقين من هذه الأدلة القوية: لنفترض أن عيسى عليه السلام قد توفي، لكن أليس الله بقادر على أن يحييه من جديد في الزمن الأخير؟ لكننا نقول إنه لو سلَّمنا بافتراض متعذِّر بأن عيسى عليه السلام سيعود حيًّا، فينبغي أن نُخبَر من أي حديث أو أثر لأحد الصحابة، أيَّ قبر سينشق فيخرج منه عيسى حيًّا، بغض النظر عن امتناع عودة أي ميت إلى العالم امتناعًا قاطعًا وفق القرآن الكريم، كما تمنع آيةُ “فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ” (الزمر: 42) مجيء أي روح مرة أخرى. فالأسف أن معارضينا عبثًا يتمسَّكون بعقيدة باطلة.
لقد ألحق هؤلاء أضرارًا فادحة بالدين باعتناق هذه العقائد السخيفة الباطلة، وهيأوا للأعداء فرصة الاعتراض، فإحدى الفِرق الإسلامية التي تعشق الطبيعة وسنن الكون- بسبب الخطابات السخيفة جدًا لهؤلاء- تُنكر نبوءات بعثة المسيح الثانية، التي تتمتع بأسمى درجة التواتر في التاريخ الإسلامي. لأن هؤلاء المتعلمين علومًا حديثة حين استمعوا إلى خطابات هؤلاء بأنه “في الزمن الأخير سيَظهر دجال يكون طول حماره 300 ذراع تقريبًا، وذلك الدجال سيكون قادرًا على إنزال المطر وإطلاع الشمس وإحياء الموتى وستكون معه الجنةُ والنار، وستكون له السيطرة على جميع مخلوقات الله من الأنهار والرياح والنار والتراب والقمر والشمس وغيرها من المخلوقات وسيكون أعور العين والثانية طافية. وإن عباد الله سيموتون في زمنه نتيجة إمساك المطر والضيق، ولن يُستجاب لهم بينما سيكون عبَدته في عيش رغيد، بحيث يُنزل الدجال المطر في زروعهم في الموعد. ثم ينزل المسيح من السماء بهيبة كبيرة، بحيث يكون الملكان على يمينه ويساره ويموت الكفار حيثما يصل نفَسه، إلا أنه لن يتمكَّن من إماتة الدجال بنفَسه، بل سوف يقتله أخيرًا بجهد مضنٍ ومشقة كبيرة بحربة”؛ فقد قلق من كل هذه الخطابات هؤلاء المثقفون، وكان هناك فعلا محلٌ للقلق، لأنه إذا كان الدجال -كما ذُكر- حائزًا على القدرة والسلطة الخارقة، فالسؤال ينشأ هنا أنه إذا كان عبدة المخلوق قد تورطوا بغير حق في عبادة المخلوق دون أن يلاحظوا في آلهتم أي قدرة إلهية؛ إذ بلغ عددهم مئات الملايين، فكيف يمكن إحصاء عدد عَبَدة الشخص الذي سيُري قدرات إلهية في الحقيقة؟! وكيف لا يُعذَر الذين لاحظوا فيه الألوهية الكاملة؟ انظروا؛ إن المسيح ابن مريم لم يتمكّن من خلق فأرة، ومع ذلك يعبده قرابة أربع مائة مليون إنسان، أما الشخص الذي يكون بيده نظامُ قدرة الله بأكمله فكم يمكن أن يثير الفتنة في العالم؟ ويستبعد تمامًا من سنة الله الكريم والرحيم وعادتِه أن يورِّط الناس في مثل هذه الفتنة القاضية على الإيمان. فبذلك، والعياذ بالله، يتلاشى توحيد القرآن الكريم كله، ويختل تعليم الفرقان كله. فكيف يمكن أن يفهم أهل العقل والبصيرة كنه دجال من هذا النوع؟ وكذلك عيشُ المسيح ابن مريم المنافي لنصوص كتاب الله الصريحة منذ مئات السنين ونزولُه في حشد عظيم في حزب الملائكة وقتلُه جميعَ الكفار بنفَسه ورؤية الناس هذا المشهد المناقض للإيمان بالغيب، في الحقيقة أمر كان من شأن المؤمنين بالطبيعة وسننِ الكون أن ينكروه، لأنه لا يوجد لمثل هذه المعجزات نظير في التاريخ ويكذِّبها القرآنُ الكريم كما هو واضح من آية “قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي” (الإسراء: 93).
فكل هذا الذنب في رقبة المشايخ المعاصرين، الذين بإلباسهم الدجال لباسَ الألوهية الكاملة وإنزالهم المسيح من السماء بأسلوب لا نظير له في سلسلة المعجزات بأسرها وسنن الكون، قد ألقَوا الباحثين في منتهى الدهشة والحيرة، فرفض أولئك المساكينُ أخيرًا هاتين النبوءتين أصلًا، مع أن هاتين النبوءتين كلتيهما تتمتعان بتواتر لا يوجد في أي نبوءة أخرى في كتب التاريخ الإسلامي والأحاديث وآثار الصحابة. ولا يسعُ أيَّ عاقل إنكارُ الأخبار المتواترة. فلو كان هؤلاء المشايخ الأغبياء فسروا هذه النبوءات تفسيرًا صحيحًا لما تعرَّضت هذه الفرقة الجديرة بالرحمة لهذه الآفة. فلم يكن يُتوقع من هؤلاء العقلاء قط – إن اطّلعوا على تفسير صحيح وقريب إلى القياس- أن يردّوا النبوءة السامية التي اتفق عليها جميع الفرق الإسلامية؛ وليس ذلك فحسب بل يشهد عليها إنجيل النصارى أيضًا. لأن هذه هي المعاني الصحيحة لكلمة الدجال التي تتبين من كلمة الدجل نفسها، أي أن يظهر بائع الشعير في زي بائع الحنطة بمنتهى الخداع. وهذا المعنى المراد في النبوءة، ولا أحد من محبي العقل يتردّد في قبوله، ونظرًا لهذا الدجل قد ورد نوعان من صفات الدجال المعهود، أحدهما أنه سيدَّعي النبوة والثاني أنه سيدعي الألوهية. فلو حُمل هذان الأمران على محمل الحقيقة لاستحال التوفيق بينهما، لأن دعوى النبوة تستلزم أن يكون المدعي مؤمنًا بالله، بينما تستلزم دعوى الألوهية أن يكون المدعي نفسه إلهًا، ولا يكون مؤمنًا بأي إله غيره. فكيف يمكن أن يصدر هذان الادعاءان من شخص واحد؟
فالحقيقة أن الدجال ليس اسمَ شخص واحد؛ ففي اللغة العربية يُطلق اسم الدجال على جماعة تتظاهر بالتمسك بالأمانة والدين، ولا تكون في الحقيقة أمينة ولا متدينة بل يكون في كل أمرها خداعٌ واحتيال. فهذه الصفة توجد في جماعة النصارى التي تُسمى القساوسة. أما الفريق الذي تُهمُّه السيطرة على أنواع الآلات والصنائع وأفعال إلألوهية- وهم الفلاسفة الأوروبيون– فهم أيضًا دجالون إذ يخدعون عباد الله بأفعالهم وادعاءاتهم، وكأن لهم دخلًا في صنع الله. وجماعة القساوسة تدعي النبوة بحيث أضاعوا الإنجيل السماوي الحقيقي، وينشرون في العالم الإنجيل المحرّف مغشوش المضمون بصفته ترجمة مزعومة للإنجيل. أما إذا طُلب منهم الإنجيل الأصلي الذي كان إلهامًا نزل على عيسى عليه السلام خلال ثلاث سنوات، وقال عنه: “لا أقول من عندي شيئًا إلا ما قال الله لي”؛ فلا يقدرون على أن يُخبروا أين غاب ذلك الكتاب؟ أما هذه الترجمات التي يقدّمونها فلا شك أن هذه الأناجيل من صنعهم ولا يقدرون على إثبات صحتها إطلاقا. فالإساءة والتجاسر الذي به ينشرون هذه الترجمات التي لا أصل لها، هو بتعبير آخر ادّعاء النبوة لأنهم أخذوا منصب النبوة بأيديهم مكرًا، بحيث يكتبون ما يريدون بحجة الترجمة وينسبونه إلى الله. فطريقهم هذا يشبه ادّعاء النبوة ومعظم عامة النصارى واقعون في هذا الفخ. وهذا الدجل هو منصب القساوسة.
أما الشق الثاني للدجال: الذين أفعالهم تشبه دعوى الألوهية، فهم كما بينت آنفًا حزب الفلاسفة الأوروبيين ومخترعي الأجهزة والأدوات، الذين أوصلوا مساعيهم منتهاها لإيجاد العلل والوسائل. وبسبب النجاحات الكثيرة توصَّلوا أخيرًا إلى الادعاء الفاسد بأن قدرة الله والإيمان به ليس بشيء، ويتبع هذا الحزبَ معظمُ المسيحيين الخواص من أوروبا. فهم ليلَ نهار يسعون جاهدين ليتمكّنوا من القدرة على إنزال المطر متى شاءوا وأن يخلقوا لمن يشاءون ومتى يشاءون ذكورًا أو إناثًا ويجعلوا من يشاءون عقيمًا، فما من شك أن هذا الطريق بتعبير آخر ادعاء الألوهية.
الخلاصةُ أنه لا يسع أيَّ عاقل إنكارُ هذا التفسيرِ لادعاء الدجالِ الألوهيةَ والنبوة. ومن المؤكَّد أن القساوسة قد تدخَّلوا بغير حق في أمانة النبوة التي هي الإلهام والوحي الإلهي، بحيث مدّوا أيديهم إلى منصب النبوة كمدَّعٍ، وكل ترجمة ينشرها هؤلاء باسم الإنجيل كأنها إنجيل جديد يقدمونه من عندهم. فلو كانوا يخافون الله لنشروا النسخة الأصلية للإنجيل أيضًا مع جميع الترجمات التي صدرت، على شاكلة المسلمين. لكنهم أخفوا الأصل ونشروا الترجمات التي هي اختراع أيديهم، فلا شك أنّ اختراع المرء كلامًا من عنده ثم نِسبته إلى الله نوعٌ من دعوى النبوة.
وكذلك يَثبت دعواهم الألوهية بتصرفات فلاسفتهم؛ إذ يريدون أن يتدخّلوا في سرِّ الخلق الإلهي لكي يحرزوا السيطرة على جميع أفعال الألوهية. ومن الطبيعي أن الإنسان إذا أراد التدخل في نظام الله البري والبحري والأرضي والسماوي وأراد التحكُّم في نظام العالم عبر البحوث العلمية والتوصُّل إلى كنه كل شيء، فكلما حقّق نجاحات في البحوث الفلسفية والتحقيق والفحص والاختبار وأنجز أفعال النظام الإلهي حسبما يريد؛ ولَّدت هذه النجاحات فيه سمات التكبُّر الذي هو من خصائص كبرياء الله سبحانه وتعالى. وبسكرة التكبُّر تستولي على نفسه الرذيلةِ سماتُ الأنانية بحيث يمكن أن يُقال لها بتعبير آخر ادعاء الألوهية، ولا سيما إذا أحرز هذا الفيلسوف المتكبِّر بقدرته العملية إمكانية إحداث عاصفة مثلًا أو طوفانًا، أو إنزال مطر. فهذه النجاحات تقتضي أن يُلاحظ في نفسه علامة الألوهية، وينظر إلى الله جل شأنه باحتقار، ومن ثم تقلُّ عظمةُ الله سبحانه وتعالى في قلب هذا الإنسان بين حين وآخر، ويستقر في قلبه أن الناس ربما اعتقدوا بوجود الله لعدم إدراكهم سلسلةَ العلل والمعلول، فهو نتيجة شؤم تلك النجاحات التي يحرزها في الماء والهواء والأنهار والبحار والنباتات والحيوانات والجمادات وأنواعِ الإنجازات وصنوف الاختراعات وأجرام الفلك والنظام الشمسي عن طريق الفلسفة الجديدة والكيمياء وغيرها من العلوم، ويكتشف أحوال الشمس والقمر والنجوم بواسطة المناظير، لا يتمكن من معرفة النظام الطبيعي لهذه الأشياء فحسب بل هو يظهر بعض الأعمال عمليًّا مثل الله. ففي مثل هذه الحالة ينشأ الأمر الطبيعي الملازم بأن يخطر ببال ذلك ناقصِ العقل أنّ هذه الأشياء كلها التي كان الناس يطلبونها لجهلهم من الله بالدعاء، سخفٌ وباطل، بل الحقيقة أن الإنسان بحكمته العملية يستطيع أن يخلق كل هذه الأمور، وهذا بتعبير آخر ادّعاء الألوهية بلا شك، الذي قد رسخ في قلوب الأوروبيين في العصر الراهن. دع عنك هؤلاء، فالملايين الآخرون ينظرون إليهم بسبب بحوثهم وإنجازاتهم العلمية المثيرة للعجب واختراعاتهم الغريبة وحِكَمهم العملية بعظمة وكأنهم يُثبتون أنهم حائزون على جزء من الألوهية. فمما رأيناه بأم أعيننا أنه قد ذُكر شيء من عظمة الله وقدرته أمام هندوسي حائز على منصب مرموق فقال بمنتهى الغيظ والغضب: “إن الناس حين يعجزون عن إدراك كنه الأشياء يبدأون ببيان قدرة الله، فقد أرى الإنجليزُ الألوهيةَ بحيث أزالوا الحجاب عن القدرات. وإن البحوث العلمية تمكِّن الإنسان من مرتبة الألوهية تدريجًا”. فهذا الهندوسي وصف الإنجليز بالآلهة، وإنما سبب ذلك أن صنائعهم الغريبة بدتْ له عظيمة لدرجة رأى وجود الله غيرَ ضروري. وأرى أن هذا التأثير متفشٍّ في المسلمين ولا سيما المتعلمين العلوم الحديثة؛ فقد ترسَّخت في قلوبهم عظمةُ الفلاسفة الأوروبيين لدرجة لو ذُكر أمام أيٍّ منهم كذبًا على سبيل المثال: “أنه اكتُشِف في بلد أوروبي ما اكتشاف حديث؛ إذ يزرعون نواة المانجو، ثم يُنبتوها وينمونها في اليوم نفسه باستخدام بعض الموادّ، فتُثمر في مساء ذلك اليوم نفسه، وتكون ثمرتها صالحة للأكل حتى المساء”؛ فقد لا يُنكر ذلك أيٌّ من المتعلمين هذه العلوم الحديثة. فكثير من السفهاء يقولون إنه لا مستحيل على الأوروبيين، ومن المحتمل أن يصِلوا في زمن في المستقبل إلى السماء أيضًا بحكمتهم العملية. فمن طبْع الإنسان أنه بعد ملاحظة بعض التجارب من أحد يؤمن بقدرته وقوته لدرجة يبالغ فيها، فهذا هو شأن أغلبية سكان هذا البلد. فمثلًا إذا صرَّح عدد من الثقات مثلًا بدافع المزاح عند زعيم هندي نبيل مشهور مثل السير سيد أحمد خان بألقابه بأن الأوروبيين خلقوا مادة تجذب النبات، وإن وُضعت مقابل شجرة فسوف تُستأصَل الشجرة من أصولها فورًا لتندفع إليها متحركة، فلن ينكر ذلك أي إنكار، أما إذا ذُكرت أمامه معجزةُ نبينا صلى الله عليه وسلم أن بعض الأشجار اندفعت إليه متحركة مرارًا نتيجة إشارة منه، فسوف يرفض السيد المحترم هذه المعجزةَ حتمًا، وسوف ينصرف فورًا بفكره إلى أن يعدّ الحديث موضوعًا بشكل أو آخر.
الجدير بالتأمل ما آلت إليه حالةُ هذا الزمن إذ أنهم لا يعظِّمون الله ورسوله كما يعظِّمون الكفار. وإنما أقصد من خطابي هذا أن الدجال في الحقيقة هم الذين يُقال لهم القساوسة والفلاسفة الأوروبيون. فهؤلاء هم فكَّا الدجال المعهود الذي يلتهم بهما إيمانَ الناس كالثعبان. إذ يقع الحمقى والسفهاء أولًا في فخ القساوسة، وإذا سلِم أحد من براثنهم كراهةً لأفكارهم الرذيلة والكاذبة، وقَعَ في فخ الفلاسفة الأوروبيين حتمًا. أرى أن العامة عُرضة للخطر من دجل القساوسة أكثر، أما الخواص فيُخشى عليهم من دجلِ الفلاسفة أكثر.
فاعلموا الآن يقينًا أن هذا هو الدجال حصرًا، الذي أنبأ بظهوره نبيُنا صلى الله عليه وسلم في الزمن الأخير، فمن المستحيل أن تنشأ في أحدٍ قدراتُ الألوهية على وجه الحقيقة. فالقرآن الكريم كله من أوله إلى آخره يعارض هذه الفكرة، فإنما المراد من ألوهية الدجال هذه الأمورُ فقط وعجائبه التي تظهر في العصر الراهن على أيدي الفلاسفة الأوروبيين؛ فهذا كان قصد النبوءة وقد تحقّق. إن كلمة الدجال نفسها تُفصح أن الدجال لن يحوز أي قدرة حقيقية وإنما سيملك الدجل فقط، فإذا كان هناك أي سعيد فليقبل هذا. إن الفتنة التي ظهرت من القساوسة والفلاسفة الأوروبيين لم يسبق لها نظير من آدم إلى هذا اليوم، أليس من الحق أن هذه الفتنة ألحقتْ أضرارًا فادحة بإيمان الناس، إذ قد فتر حبُ الله من قلوب ملايين البشر، لقد أحاطت هذه الفتنة ببعض القلوب تمامًا، وأثَّرت في البعض شيئًا، فتدبّروا يا عباد الله فهذا هو الحق.
أرى أن الله سبحانه وتعالى قد أتاح فرصة رائعة للذين يريدون أن يتبعوا الطبيعة وصحيفة القدرة، لأن يقبلوا دعواي لأنهم ليسوا مصابين بالمشاكل التي يواجهها معارضونا الآخرون، لأنهم يعرفون جيدًا أن عيسى عليه السلام قد توفي، بالإضافة إلى ذلك لا يجدون بدًّا من الإيمان أن النبوءة بظهور المسيح الموعود في الأحاديث لمن المتواترات التي لا ينكرها أيُ عاقل. ففي هذه الحالة لا يجدون بدًّا من الإيمان حتمًا أن المسيح القادم من هذه الأمة حصرًا، إلا أن من حقهم أن يسألوا كيف يصدِّقون هذه الدعوى بالمسيح الموعود وما هو الدليل على أنك أنت ذلك المسيح الموعود. وجواب ذلك أن الله قد جمع في شخصي وفي زمني وفي بلدي هذا الزمنَ والبلدةَ التي يثبت من القرآن الكريم والأحاديث أن المسيح الموعود يظهر فيها، كما جمع في شخصي الأفعال المتميزة التي عُدَّت الغايةَ المنشودة من بعثة المسيح الموعود، والحوادث الأرضية والسماوية التي عُدّت علاماتٍ لظهور المسيح الموعود، والعلوم والمعارف التي عُدَّت ميزة المسيح الموعود؛ ، ثم للطمأنينة أكثر حالفتني التأييدات السماوية.
“لما كنت مأمورا للقوم المسيحي فقد سماني ابن مريم لحكمة، السماء تمطر الآيات والأرض تقول الوقت فقد هبَّ هاذان الشاهدان لتصديقي”. (ترجمة بيتين فارسيين)
وتفصيل ذلك أنه يثبت من النص القرآني أن نبينا صلى الله عليه وسلم مثيل موسى، وأن سلسلة خلافته تماثل تمامًا سلسلة خلافة موسى، وكما كان موسى عليه السلام قد وُعد بأنه عندما تصل سلسلة النبوة الإسرائيلية في الزمن الأخير منتهاها وتفترق بنو إسرائيل على فرق كثيرة، ويُكذِّب بعضها بعضًا، حتى تكفِّر بعضها، فعندئذ سيُرسل الله خليفة حامي الدين الموسوي أي عيسى عليه السلام وسوف يجمع عنده خراف بني إسرائيل ويجمع الذئب والخراف في مكان واحد، ويرفع الخلافات الداخلية بصفته حَكمًا لجميع الأمم، ويرفع البغض والحقد.
وهذا الوعد نفسه قد ورد في القرآن الكريم وأشير إليه في آية “وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ” (الجمعة:3)، والأحاديث تفصِّل ذلك كثيرًا بأن هذه الأمة أيضًا ستفترق على فرق كثيرة، مثل اليهود، تكذّب وتكفِّر بعضها، وكلهم سيتقدَّمون في العناد والبغض حتى ينزل المسيح الموعود حكمًا في العالم، وعندما يأتي حكمًا سيرفع البغض والشحناء، وفي زمنه سيجتمع الخراف والذئب في مكان واحد. فجميع المطّلعين على التاريخ يعرفون أن عيسى عليه السلام جاء في وقت كانت الشعوب الإسرائيلية قد افترقت كثيرًا وكانت تكذِّب وتكفَّر بعضها، وكذلك جاء هذا العبد المتواضع في زمن قد بلغت فيه الخلافات الداخلية منتهاها، وبدأت كل فرقة تكفِّر الأخرى. وفي زمن الفرقة هذا كانت الأمة المحمدية بحاجة إلى حكَم فبعثني الله يبحانه وتعالى حَكمًا.
ومن المصادفة الغريبة التي تشير إليها نصوص القرآن الكريم والحديث أنه كما ظهر عيسى عليه السلام بعد ثلاثة عشر قرنًا من موسى عليه السلام في القرن الرابع عشر، كذلك بُعث هذا العبد المتواضع من الله في القرن الرابع عشر، يبدو أن كبار أهل الكشوف من هذا المنطلق ذهبوا إلى أن المسيح الموعود سيبعث حصرًا في القرن الرابع عشر حصرًا. وإن الله سبحانه وتعالى بتسميتي “غلام أحمد قادياني” قد أشار إلى هذا الأمر حصرًا، لأن في هذا الاسم أُكمل عدد 1300. فالخصلاصة أن في القرآن الكريم والحديث إثباتًا كافيًا على أن المسيح الموعود القادم سيظهر في القرن الرابع عشر، وأنه سيظهر في زمن افتراق مذاهب الإسلام وغلبة العناد المتبادل.
بالإضافة إلى كل هذه الأمور هناك علامة عظيمة للمسيح الموعود قد وردت في الأحاديث الصحيحة هي أنه سيُبعث في زمن يكون فيه الدين الصليبي منتشرًا في العالم بحماس عظيم، كما يدلُّ على ذلك حديث “يكسر الصليب” الوارد في صحيح البخاري، فقد بُعث هذا العبد المتواضع في هذا الزمن نفسه.
والعلامة الثانية التي تشير إليها الأحاديث أنه سيُبعث في البلاد الشرقية، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن عنوان الدجال في المشرق، كما يتبين من حديث “وأومأ إلى المشرق“، فهذا الحديث يتضمّن إشارة جليَّة إلى أن المسيح الموعود سيولد في المشرق، لأنه إذا كان مستقَرُّ الدجال ومكانُه المشرقَ فمن الضروري أن يظهر من المشرق المسيحُ الذي سيبعث للقضاء على أعمال الدجال، ومن المعلوم أن بلدنا الهند يقع ولا سيما منطقة البنجاب منه، إلى الجانب الشرقي من مكة المعظمة، والأغرب من ذلك أن الحديث عن دمشق الوارد في مسلم قد أشار إلى الشرق لظهور المسيح الموعود بذكر المنارة الشرقية.
وكذلك قد ورد في الأحاديث أيضًا أن ذلك المهدي الموعود سيكون من سكان بلدة اسمها كدعه أو كديه، والآن يمكن أن يدرك كل عاقل أن كلمة “كدحه” هذه اختصار لكلمة قاديان في الحقيقة، وإن ما ورد في بعض الروايات “أن المراد من كدعه هذه اسم قرية من قرى اليمن” فليست هذه الكلمات من نص الحديث، بل هو اجتهاد أحد، فلعل أحدهم حين وجد قرية مشابهة في اليمن خطر بباله أن هذه القرية هي نفسها. لكن من الجلي أنه لا يوجد الآن أي قرية عامرة في اليمن بهذا الاسم، ولم يدَّع أحد فيها، أما قاديان فموجودة وفيها من يدّعي أنه المسيح والمهدي.
وكذلك قد وردت الغاية المتوخّاة من بعثة المسيح الموعود في الأحاديث النبوية أنه سيقضي على دجل الأمة المسيحية ويمزق أفكارهم الصليبية، فقد حقق الله سبحانه وتعالى هذه المهمة على يديَّ بحيث استأصلتُ الدين المسيحي من جذوره، فقد أثبتُّ بتلقي البصيرة الكاملة من الله أن الميتة اللعينة التي تُنسب إلى المسيح عليه السلام والعياذ بالله التي تتوقّف عليها النجاةُ الصليبية كلها لا يمكن أن تُنسب إلى عيسى عليه السلام في أي حال. وأن مفهوم اللعنة لا ينطبق على أي صالح، فجماعة القساوسةقد أُفحمت من هذا السؤال جديد الطراز الذي يمزِّق في الحقيقة دينهم إربًا لدرجة أن جميع مَن اطّلعوا على هذا البحث قد فهموا أن هذا التحقيق السامي قد كسر الدين الصليبي. ولقد عرفت من رسائل بعض القساوسة أنهم فزعوا جدًا من هذا البحث الحاسم، وأدركوا أن الدين الصليبي سينهدم به حتمًا على أصوله، وإن انهدامه سيكون مهولا جدًّا، فهم في الحقيقة يصدُق عليهم المثلُ القائل “يرجى بُرء من جرحَه السنانُ ولا يرجى برء من مزقه البرهان”.
وكذلك قد أثبتُّ بتلقِّي العلم من الله أن رفع المسيح بجسمه المادي كذب تمامًا، إذ يبدو بإمعان النظر في التواريخ المسيحية أن النصارى اعتقدوا لمدة طويلة بأن عيسى عليه السلام قد مات في الحقيقة وأنه رفع روحانيًا. ثم عندما لم يستطيعوا إثبات الرفع الروحاني أمام اليهود لأن الروح لا تُرى اختلقوا أن فلانًا رأى يسوع ذاهبًا إلى السماء، ثم رسخ في القلوب بسبب الرؤية أن يسوع قد صعد إلى السماء بجسمه المادي، والهدف الحقيقي من الرفع إلى السماء أن يبرِّئوا يسوع من تهمة اليهود بأنه والعياذ بالله ملعون، ولم يُرفع إلى الله. لكن الذين أصعدوا جسمَ يسوع إلى السماء هروبًا من هذا الاعتراض لم يفكِّروا أن اللعنة التي كان اليهود يركِّزون عليها ليس المراد منها أن جسم أحد لا يذهب إلى السماء بعد الصلب، وإنما كان القصد أن روح الملعون لا تُرفع إلى الله، فلم يكن اليهود يؤمنون بأن جسم الملعون لا يُرفع إلى السماء، كما لم يكونوا يعتقدون أن غير الملعونين يذهبون إلى السماء بجسمهم، فالثابت من التوراة أن موسى عليه السلام أخَذ عظام يوسف عليه السلام إلى كنعان بعد أربعة قرون من وفاته. فلو كانت تلك العظام قد صعدت إلى السماء لما تم العثور عليها في الأرض، كذلك قد ثبت من التوراة أن الإنسان بعد وفاته سيُدفن في التراب، لأنه قد خُلق من التراب. باختصار لا أحد يعترض على أن جميع الأنبياء دُفنوا في الأرض حصرًا بعد الوفاة، وواضح أن جميع الأنبياء كانوا مقرَّبين إلى الله ولم يكونوا ملعونين. ثم إذا كانت من علامة الملعون أنه لا يُرفع إلى السماء بجسمه المادي فسيكون جميع الأنبياء ملعونين والعياذ بالله، وهذه الفكرة باطلة صراحة، وإذا كان الملعون لا يذهب إلى السماء بجسمه فلا بد من التسليم بأن غير الملعونين حتمًا يذهبون إلى السماء بأجسامهم وهو باطل صراحة. فلا بد من الإيمان قطعًا أن المراد من الملعون شخصٌ لا تجد روحه مكانًا بالقرب من الله ولا تُرفع إلى الله.
ولقد كتبتُ آنفًا أن الذي يعلَّق على الخشبة – أي يُصلب – ملعونٌ بحسب التوراة، ومن هنا كان اليهود قد استنتجوا أن عيسى عليه السلام ملعون والعياذ بالله، ومن هذا البحث ثبت أن اللعنة لا علاقة لها بالجسم، كما لم يسلَّم بأن الذي لم يُلعن، يذهب جسمُه إلى السماء. فإنما كان اعتراض اليهود على المسيح عليه السلام أنهم كانوا يصفونه محرومًا من رحمة الله وقربه -الذي فازت به أرواحُ إبراهيم وإسرائيل ويعقوب وغيرهم من الأنبياء- لكونه ملعونًا. وإن تقديم الفكرة بأنّ المسيح عليه السلام قد صعد إلى السماء بجسمه في هذا الموضع، ثم الاستنتاج من ذلك أنه كان إلهًا لَأمر ليس له أي علاقة باعتراض اليهود. ويبدو أن بعد مرور ذلك الزمن اختُرع الادعاء بأنه صعد إلى السماء بقصد دحْض اعتراض اليهود المتعلِّق باللعنة، وإلى ذلك الزمن كان النصارى يعتقدون بأن روح المسيح رُفعت إلى الله لأن الروح فقط تذهب إلى الله لا الجسمُ. ثم شوهت الفكرة في زمن لاحق ونشأت الفكرة أن المسيح بجسمه قد صعد إلى السماء وهو إله، مع أن الهدف المتوخى كان إنقاذ المسيح من نتيجة الصليب، وكان يتوقّف على الرفع الروحاني، وكانت الغاية من الرفع الروحاني الكشفَ أنه كان طاهرًا من وصمة اللعنة. إلا أنه بحسب مدلول التوراة لا يتطهَّر من وصمة اللعنة إلا من رُفعت روحُه إلى الله لا مَن رفع جسمه إلى السماء. إن النصارى يمكن أن يدركوا بسهولة أن المسيح بحسب قولهم قد ثبت عليه الاتهام أنه كان ملعونًا بسبب موته على الصليب، وكان المراد من تلك اللعنة اللعنةُ الأبدية، فكان أول اعتراض بموجب هذه العقيدة لماذا حُصِرت في ثلاثة أيام اللعنة الأبدية، التي تعني كون المرءِ مردودًا من رحمة الله وعدوَ الله ومتبرِّئًا من الله وشيطاني السيرة، كما هو مفهوم اللعنة في اللغة؟ فهل التوراة قصدت ثلاثة أيام فقط؟ أو اللعنةَ الأبدية؟ فبهذه العقيدة المختلَقة تبطُل التوراة ومن المستحيل أن يكون كتاب الله باطلًا.
بالإضافة إلى ذلك كانت التوراة تقصد أن الذي يموت على الصليب فلا ترفع روحُه إلى الله، بل تذهب إلى جهنم، وهذا هو الجزء المذكور أخيرًا في عقائد النصارى. ولذلك هم يعتقدون أن عيسى عليه السلام بقي في جهنم ثلاثة أيام ملعونا والعياذ بالله، وحين انتهت أيام اللعنة رُفع إلى الله بالجسم الذي كان عُلِّق على الصليب اللعين ولم يتطهَّر بواسطة عقوبة جهنم. فالنصارى أنفسهم يؤمنون بأن أيام اللعنة اقتضت أن تدخل روح يسوع جهنم، ثم في أيام التطهُّر من اللعنة اقتضت أن تُرفع روحه إلى الله. الآن بما أنهم قد أقرُّوا بأن روح يسوع كانت قد دخلت جهنم أيام اللعنة فلا بد لهم من الإقرار بأن الذي رُفع إلى الله كان روحه فقط، ولم يكن معها الجسم الذي كان قد تنجَّس بسبب الصليب اللعين! والعياذ بالله! لأنه إذا كان الجسم في أيام اللعنة موجودًا في القبر ودخلت جهنمَ روحُه فقط لتذوق نتيجة اللعنة فكيف رُفع الجسم إلى الإله الذي هو بحسب قولهم روحٌ فقط؟ مع أن دخول الجسم في جهنم كان ضروريًا، لأنه وإن كانت اللعنة نزلت على قلب يسوع، إلا أن الجسم أيضًا كان شريكًا مع القلب، خاصةً أن جهنم النصارى هي تنّور مادي وليس فيه أي عذاب روحاني. باختصار قد ثبت من هذا البحث كله أن النصارى حين وصفوا أن يسوع قد رُفع بجسمه قد ملأوا عقيدتهم بالأخطاء والتناقضات، وإنما الحقيقة أن روحه فقط قد رفعت إلى الله، وذلك أيضًا بعد مدة طويلة من تعليقه على الصليب.
كما ثبت من هذا التحقيق أيضًا أنَّ عدّ رفْع المسيح إلى الله برهانًا على ألوهيته إنما هو سخف محض وحمق، وإنما الحق أن اليهود حين انتهوا من صَلب المسيح على حد زعمهم بدأوا يضايقون النصارى كل يوم بقولهم أن يسوع كان ملعونًا والعياذ بالله وبعيدًا عن الله ومهجورًا منه لذا قد صُلب. وصحيح أن يسوع كان قد نجا حيًّا لكنه لم يكن من الحكمة أن يواجه اليهودَ الظالمين. لذا قد تخلَّص النصارى بقولهم أمام فلان أو فلانة: إن يسوع قد رُفع إلى السماء بعد أيام اللعنة، إلا أنه إما مكيدة مزوَّرة تمامًا أو كانت وسوسة امرأة مصابة بالمانخوليا، لأنه إذا كان الله يريد إيصال يسوع مع جسمه إلى السماء وبذلك يطهِّره من وصمة اللعنة أمام أعين الناس فكان من الضروري أن يرفع يسوع بجسمه إلى السماء أمام عشرة أو عشرين من زعماء اليهود ورؤساء الكهنة والمشايخ، لتُقام عليهم الحجة، لا أن تشاهده امرأةٌ مجهولة الهوية من النصارى. أو يشاهده مسيحي آخر على المنوال نفسه فيسخر الناس من بيانه ويعدّوه مصداق المثل: “إن الشيوخ الصالحين لا يطيرون وإنما أتباعهم ومريدوهم يُطيِّرونهم”. فأي فائدة تحققت أخيرًا من هذا الصعود السخيف الذي ليس عليه أي إثبات؟ ويتبين كذب النصارى أنفسهم بهذا القول، لأنهم ما داموا لا يؤمنون بأنه دخل جهنم بجسمه. فما أوضح المسألةَ أنه لما كانت الروح فقط ذهبت إلى جهنم بسبب اللعنة، فالروح نفسها كان يجب أن تصعد إلى الله طاهرةً ولم يكن للجسم أي دخْل. وكان الجسم نجسًا أيضًا بتأثير اللعنة، ولكن لا يغيبن عن البال أنّا لا نقبل أن عيسى عليه السلام، والعياذ بالله، صار ملعونًا في زمن من الأزمان وأنه قد تبرأ من الله وعاداه وأحب سبيل الشيطان، إلا أنه إذا كان قد صُلب فعلًا فلا بد من التسليم بذلك كله. أما الآن فإن نقاشنا منحصر في أنه بالبحث الجديد الذي تيسَّر لنا من الله لكسر الصليب قد ثبت أمران بمنتهى الجلاء، أولهما أن المسيح لم يُرفع قط بجسمه، وليس هناك أي إثبات لهذا الرفع ولم تكن له أي حاجة، وإنما رُفعت روحه بعد مائة وعشرين عامًا وشهد على ذلك القرآنُ الكريم، أما في أيام الصليب فلم تُرفع حتى روحُه بل قد عاش بعد ذلك 87 عامًا أكثر، ومن خطأ المشايخ أنهم يؤمنون بأن عيسى عليه السلام رُفع بجسمه عند الصليب فورًا، مع أنهم يُقرّون من ناحية أخرى أن عيسى عليه السلام عاش مائة وعشرين عامًا، فليسألْهم أحد أن تاريخ اليهود والنصارى المتواتر الذي تشهد عليه الكتب اليونانية والرومانية أيضًا قد ثبت منها قطعًا أن عيسى عليه السلام قد عُلِّق على الصليب بعمر يقارب 33 عامًا وهذا ما يُفهم من نصوص الأناجيل الأربعة، فبأي حساب رُفع بعمر يناهز 120 عامًا؟ مع أن الرواية القائلة بأنه عاش 120 عامًا صحيحة عند المحدثين ورواتها ثقات، وإن تحديد العمر بـ 120 أيضًا يدلُّ على أنه مات بعد هذه المدة.
باختصار، إن صَلب المسيح كان يمنع رفْعه الروحاني فقط على شاكلة الصلحاء والصادقين الآخرين بحسب التوراة، وعلى ذلك كان اليهود يعترضون مرارًا وتكرارًا. فتمسَّك النصارى بالجانب أن المسيح عليه السلام كان في الحقيقة قد مات على الصليب. واختلاقُهم بأنه صعد إلى السماء بجسمه بعد ثلاثة أيام ناجيًا من الصليب أمام بعض النصارى، لغوٌ جدًا وعذر واهٍ سخيف. لأنهم حين سلَّموا بحسب التوراة بأن يسوع في الحقيقة قد صُلب وحلَّت عليه اللعنة، فلا شك أن التوراة تمنعه من الصعود إلى السماء وإلا تَبطل التوراة نفسها، فكيف نسلِّم بأن حكم التوراة باللعنة كان أبديًا بحق الآخرين أما يسوع فكان بحقه محدودًا بثلاثة أيام فقط، فالتوراة تخلو من أي تمييز من هذا القبيل، بل المراد من تلك اللعنةِ اللعنةُ الأبدية غير المفارِقة. إذا كان كتاب موسى التوراة يذكرُ ثلاثة أيام فليُرِنا السادةُ النصارى ذلك الموضع. نحن نشهد بصفتنا حَكما فقط بأن يسوع إذا كان قد مات على الصليب فعلًا فإن اليهود في هذه الحالة على حق بلا شك10 في عدِّه جهنميًّا ومحطَ اللعنة الأبدية. فالتوراة تخلو حتى من حرف واحد يؤيِّد النصارى في عقيدتهم بأنه لُعن لثلاثة أيام، فبعد التسليم بالصلب لم يبق للنصارى أي مهرب، وإن حجتهم بعد الإقرار بالصلب بأن فلانًا أو فلانة رأتْه صاعدًا إلى السماء سخيفةٌ جدًا وباطلة تمامًا ولغو. ليتَه صعد أمام كتبة اليهود وفقهائهم، ولو كانوا رأوا ذلك لاستنتجوا حتمًا أن التوراة ليست من الله، أما الآن فقد دعم النصارى أنفسُهم موقف اليهود لأنهم حين سلَّموا بأن يسوع قد مات على الصليب فلا بد أن يؤمنوا بأنه تعرَّض للعنة الأبدية. أما القول بأن اللعنة الأبدية لا يمكن أن تُصيب يسوعَ فادّعاء جديد، لم يبرهن عليه النصارى من التوراة حتى الآن. إن النصارى يواجهون مشكلة عويصة في الحقيقة، لأنه إذا سلمنا جدلًا بلا دليل أن الآخرين تحل عليهم اللعنةُ الأبدية بسبب الصليب إلا أنها أصابت يسوعَ ثلاثة أيام فقط فهذا أيضًا يكذِّب النصارى، لأن اللعنة لغةً كلمةٌ تتعلق بالقلب، ويُطلق اسم اللعين على أحد حين تتسرّب إليه جميع خصال الشيطان وهو يصير مردودًا وعدوَّ الله. فهل يمكن أن تُنسب هذه الصفات إلى عيسى عليه السلام لحظة واحدة؟ فكيف حلّت اللعنة الناتجة عن الصلب على يسوع؟ وإن لم تحلّ فلا يمكن وصْفُ يسوع بالمصلوب، فقد صدق حين قال “سأبقى في القبر ثلاثة أيام مثلما بقي يونس” (انجيل متّى 12 : 40) وكان يعرف جيدًا أن يونس لم يمت في بطن الحوت ولا يمكن أن يبطل المثال الذي نطق به.
باختصار قد ثبت من كل هذه التحقيقات أن مسألة ذهاب يسوع إلى السماء بجسمه فقط باطلةٌ قد اخترعها النصارى. وما دام النصارى يعتقدون بأن يسوع لم يذهب إلى جهنم بالجسم بل كانت روحه فقط ذهبت- نعوذ بالله من ذلك- فكيف صعد إلى السماء الجسمُ الذي لم يكن قد تطهَّر بعد من اللعنة بتحمُّل عقوبة جهنم؟ وكم من الإجحاف أن تدخل جهنمَ الروحُ فقط ويتوجه إلى الله الروحُ والجسم كلاهما، أليس من عقائد النصارى أن جهنم تنُّور مادي فقط فيه أحجار كبيرة من الكبريت فلم لم يحرق في ذلك التنُّور الجسمُ الذي ألقيت عليه لعنات العالم بأسره؟ إذا كان الأب قد راعى ابنه تاركًا العدل بإبقائه ثلاثة أيام فقط بدلًا من اللعنة الأبدية، وأرسل إلى جهنم الروحَ فقط بدلًا من الجسم أيضًا فليتَ هذه المراعاة صدرت بحق المخلوق، لأنه إذا كان الانحراف عن جادة العدل جائزًا فلمَ لا يجوز تجاه الآخرين؟
كل هذه أخطاء قد أطلعني عليها  الله سبحانه وتعالى، لأحذر الضالين ولكي أُخرج الذين يعيشون في الظلام إلى النور. لم أكشف على النصارى أخطاءهم بالأدلة العقلية فقط، بل قد أقمتُ عليهم الحجة من خلال الآيات السماوية أيضًا، وكذلك أقمتُ الحجة على المسلمين الذين كانوا يتمسَّكون بالأفكار نفسها، وكانوا ينتظرون الدجال والمسيح الوهميَّين اللذين يفرض قبولُهما تجديدَ الشرك الذي استأصله القرآنُ الكريم، وتنْفَلِتُ من أيديهم مسألةُ ختم النبوة. فلقد أرسلني الله سبحانه وتعالى لكي أُصلح هذا الوضع الخطير ولكي أهدي الناس إلى طريق التوحيد الخالص، وقد أَخبرت بكل شيء. كما بُعثت لأقوّي الإيمان وأثبت للناس وجود الله سبحانه وتعالى لأن الأوضاع الإيمانية في كل أمة قد ضعفت جدًا، ويُعدّ عالم الآخرة مجرد حكاية، وكل إنسان يفصح بعمله أنه لا يوقن بالله والعالم الآخر كما يوقن بالدنيا وجاهها ومرتبتها واعتماده على الوسائل المادية. يدّعون باللسان الكثيرَ لكن القلوب يستولي عليها حبُّ الدنيا. كان المسيح عليه السلام وجد اليهود على الحالة نفسها، وأنه كما أن الضعف يصيب الإيمان كانت أخلاق اليهود أيضًا قد ساءت جدًا، وحبُّ الله كان قد فتر؛ فالأوضاع نفسها سائدة الآن في زمني أيضًا، فقد أُرسِلتُ ليعود زمنُ الصدق والإيمان من جديد وتنشأ التقوى في القلوب. فإحراز هذه الأعمال هي الغاية المنشودة من بعثتي، لقد أُخبرت أن السماء ستدنو من جديد من الأرض بعد أن كانت قد ابتعدت عنها كثيرًا، فأنا مجدِّد هذه الأمور حصرًا، ولهذه الأعمال فقط قد أُرسِلتُ. ومن جملة الأمور التي تُعد الغاية المنشودة من بعثتي تقوية إيمان المسلمين ومنحهم اليقين المتجدِّد بالله وكتابِه ورسوله، ولقد تحقّقت تقوية الإيمان على يدي على وجهين، أولًا بيان محاسن تعليم القرآن الكريم، وإظهار معارفه وأنواره وبركاته وحقائقه الإعجازية التي تُثبت بأنه من الله، ويمكن أن يشهد المطّلعون على كتبي أنها زاخرة بأسرار القرآن الكريم العجيبة ونكاته، وهذه السلسلة جارية بانتظام. وليس من شك في أنه كلما زاد علمُ المسلمين بالقرآن الكريم تقوّى إيمانهم. والطريقة الثانية التي أعطيت لتقوية إيمان المسلمين هي التأييدات السماوية وإجابة الأدعية وظهور الآيات، فالآيات التي ظهرت إلى الآن كثيرةٌ لدرجة لا يسع أيَّ منصف إنكارُها. كان النصارى الأغبياء في زمن ما ينكرون ظهور أي معجزة أو نبوءة على يدي نبينا صلى الله عليه وسلم، واليوم جاء زمن لا يستطيع جميع القساوسة أن يواجهونا، فالآيات تنزل من السماء وتتحقق النبوءات والخوارق المذهلة، وما أسعد الإنسان الذي استفاد الآن من هذه البركات والأنوار ولم يتعثَّر!
وإن الأحداث الأرضية والسماوية التي هي علامات ظهور المسيح الموعود قد ظهرت كلُها في زمني، فقد مضت مدة على حدوث الخسوف والكسوف في رمضان، وقد طلع المذنَّب أيضًا وحدثت الزلازل أيضًا وظهر الطاعون أيضًا وانتشر الدين المسيحي في العالم بكل قوة ونشاط، وقد كُفِّرتُ بشدة حسبما كان قد كُتب في الآثار من قبل. باختصار قد ظهرت جميع العلامات وظهرت العلوم والمعارف التي تهدي القلوب إلى الحق.

لقد كتبتُ سلفًا أن دعوى أي مبعوث من الله لا تَثبت على الوجه الأتم والأكمل بحسب القرآن الكريم إلا إذا ظهر إثباته من ثلاثة أوجه، أولها أن تشهد على صحتها النصوصُ الصريحة أي لا تخالف تلك الدعوى كتابَ الله. وثانيها أن تؤيده وتصدِّقه الدلائلُ العقلية، وثالثها أن تصدق الآياتُ السماوية ذلك المدعيَ. فدعواي متحققة من أوجه الاستدلال الثلاثة هذه كلها. فمن النصوص الحديثية التي توصل طالب الحق إلى البصيرة الكاملة وتهب الطمأنينة الكاملة بحق دعواي، اختلاف ملامح المسيح الموعود والمسيح الإسرائيلي، فالحديث الوارد في صحيح البخاري عن المسيح الموعود يفيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في الكشف يطوف بالكعبة. وقد ورد عن ملامحه أنه ” مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ”، وهو رَجِلُ الشَّعَرِ، ثم ذكر ملامح المسيح عليه السلام النبي الإسرائيلي أنه أحمر اللون وجعد الشعر.
فقد التزم البخاري في صحيحه في كل مكان في وصفه ملامح المسيح القادم أنه من أُدم الرجال وشعره رَجل. أما عن عيسى فقد ورد في ملامحه في كل مكان أنه أحمر اللون وجعد الشعر. مما يتبين منه أن النبي صلى الله عليه وسلم وصَف المسيح الموعود القادم وصفًا مختلفًا عن المسيح الناصري، وقال بحقه “إمامكم منكم” ووصف عيسى عليه السلام بإنسان مختلف عنه، وانطلاقًا من بعض المماثلاث أطلق على كليهما اسم عيسى ابن مريم.
ثمة أمر آخر جدير بالتأمل وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حيثما ذكر المسيح الموعود لم يكتف بوصف ملامحه بأن لونه حنطيّ وشعره رَجل، بل قد ذكر معه الدجال أيضًا هنا وهناك، بينما حين ذكر عيسى عليه السلام الإسرائيلي فلم يذكر معه الدجال، ومن هنا أيضًا يتبين أن اسم عيسى ابن مريم في نظر النبي صلى الله عليه وسلم أُطلِق على رجلين، أحدهما من سوف يظهر حنطي اللون سبط الشعر، الذي معه الدجال، والثاني أحمر اللون جعد الشعر وهو من بني إسرائيل ولم يذكر معه الدجال. ومما يجدر بالانتباه أيضًا أن عيسى عليه السلام كان من الشام ولا يقال لأهل الشام أُدم أي حنطيين أبدًا، بل يقال للهنود أُدُم أي حنطيون، ومن هذا الدليل أيضًا يتبيّن أن المسيح الموعود القادم لن يكون شاميًّا بل سيكون هنديًّا.
هنا لا يغيبن عن البال أيضًا أنه يتبيَّن من تاريخ النصارى أيضًا أن عيسى عليه السلام لم يكن حنطيّ اللون بل كان أحمر اللون كعامة أهل الشام، بينما ملامح المسيح القادم ليست كأهل الشام قط كما هو واضح من كلمات الحديث.
ومن جملة الدلائل على صدق دعواي وصحتها من نصوص الحديثِ، الحديثُ عن بعثة المجددين في أبي داود والمستدرك؛ أي سيُبعث على رأس كل مائة سنة مجدِّد لهذه الأمة بحسب الضرورات المعاصرة. وإن جملة “يجدِّد لها” الموجودة في الحديث تصرِّح بوضوح أنه على رأس كل قرن سيبعث مجدد يُصلح المفاسد المعاصرة، والآن إذا نظر أي منصف بإمعان ما هي المفاسد الخطرة التي ظهرت على رأس القرن الرابع عشر، التي للقضاء عليها يجب أن يتصف المجدد بكفاءات، فيتبيّن بجلاء أن الفتنة العظيمة التي هلك بها مئات الألوف من الناس فتنةُ القساوسة، فلن يرفض أي عاقل ومواسٍ للإسلام أنه ينبغي أن تكون أكبر مهمة لمجدد هذا القرن أن يكسر الصليب ويدحض حجج النصارى. فلما تعيَّن أن مهمة مجدِّد القرن الرابع عشر هي كسر الصليب فلا بد من التسليم بأنه هو المسيح الموعود، لأن علامة المسيح الموعود أيضًا المذكورة في الأحاديث أنه “سيكون مجدِّد ذلك القرن ويكسر الصليب”. باختصار إذا تأمل المشايخ المعاصرون بأمانة متمسِّكين بالدين فلن يجدوا بدًّا من الإقرار بأن مهمة مجدد القرن الرابع عشر هي كسر الصليب. فلما كانت هذه المهمة تخص المسيح الموعود فالنتيجة الطبيعية هي أن مجدِّد القرن الرابع عشر يجب أن يكون المسيح الموعود. وصحيح أن الفسق والفجور مثل شرب الخمر والزنا وغيرهما أيضًا متفشية في القرن الرابع عشر، غير أنه يتبيّن بإمعان النظر أن سبب كل هذه الأمور هو التعاليم التي تفيد أن الإيمان بدم إنسان يُخلّص من السؤال عن جميع الآثام، ولهذا فإن أوروبا سبّاقة في ارتكاب الجرائم، ثم تزايدت الإباحة والتحرر في كل قوم بصفة عامة نتيجة مجاورة هؤلاء. ولئن هلك الناس بأمراض والْتهمهم الوباء فلا يخطر ببال أحدهم أن كل هذا العذاب عقاب الأعمال؛ فما سبب ذلك؟ ألا إنما السبب أن حب الله قد فتر وخفّت عظمة ذي الجلال من القلوب. باختصار كما شجعت الإباحة المترتبة على الكفارة الشعوبَ الأوروبية على تعاطي الخمور وارتكاب أنواع الفسق والفجور كذلك قد أثَّرث مشاهدُ هذه الأعمال في الشعوب الأخرى أيضًا. فأي شك في أن الفسق والفجور أيضًا مرض معدٍ. فصحيح أن المرأة النجيبة لن ترتكب الفاحشة صراحة نتيجة صحبة المومسات ليلَ نهار إلا أن قلبها بمشاهدة الأوضاع السيئة سيفسد حتمًا. باختصار، إن عقيدة الموت الصليبي هي حصرا أصلُ كل أنواع الخلاعة والإباحة، وليس هناك أي شك في أن هذه العقيدة تنتشر في هذه البلاد على وجهٍ خطِرٍ جدًا، وقد بلغ مئاتِ الألوف عددُ هؤلاء الذين فقدوا مغزى الإيمان بوقوعهم في شراك القساوسة أو ارتدوا سرًّا ويتجولون في زي الباحثين عن الحق. لذا قد أرادت غيرة الله ورحمتُه أن تنقذ الناس من تأثير العقيدة الصليبية السامِّ، وتفضح الدجالية التي اتُخذ بها الإنسان إلهًا. فلما كانت هذه الآفة قد بلغت ذروتها عند بدء القرن الرابع عشر، لذا أراد الله بفضله وعنايته أن يكون مجدد القرن الرابع عشر كاسرَ الصليب، لأن المجدّد يكون بمنزلة الطبيب، ومِن واجب الطبيب أن ينتبه إلى علاج المرض الذي قد تفاقم، فإذا كان صحيحًا أن مهمة المسيح الموعود كسرُ الصليب فالصحيح أيضًا أن مجدِّد القرن الرابع عشر الذي عُهدت إليه مهمةُ كسر الصليب هو المسيح الموعود.
وهنا ينشأ السؤال طبعًا أنه كيف وبأي الوسائل ينبغي أن يكسر المسيح الموعود الصليب؟ أبالحرب والمعارك كما يعتقد المشايخ المعارضون أم بطريقة أخرى؟ فجوابه أن المشايخ (رحمهم الله) على خطأ في هذه العقيدة. فليس من مهمة المسيح الموعود عليه السلام أن يخوض الحروب والمعارك، بل إن مهمته أن يقمع هذه الفتنة بالحجج العقلية والآيات السماوية والدعاء. فقد زوَّده الله بهذه الأسلحة الثلاثة ووضع في ثلاثتها قوة إعجازية لا يباريه أحد فيها أبدًا، وأخيرًا سيكسر الصليب بحيث يفقد الصليبُ العظمةَ والجلال في نظر كل باحث. وتدريجيًّا تُفتح الأبواب الواسعة لقبول التوحيد، بعضها في حياتنا وبعضها بعدنا، فالإسلام في البداية أيضًا تقدَّم تدريجًا وفي النهاية أيضًا سيعود إلى حالته الأولى تدريجًا.
بعض المشايخ السفهاء يقولون: “أي صليب كسرتَه إلى الآن؟” فليعلموا أن (1) الآيات قد ظهرت (2) والنبوءات صدرت، (3) وأُفحم القساوسة، ولو تمسَّكوا بالحياء لما بقي لهم مجال للاعتراض (4) وإن التعليم السامي للقرآن الكريم الذي بينتُه قد نكَّس رؤوس الناس في كبار المؤتمرات وكسَر مبادئ الدين المسيحي بحيث لم يتيسَّر مثله في الماضي لأحد،  فليقرأ العقلاء المقال الذي قُرئ في المؤتمر الأعظم للأديان نيابة عني وقد صدر في صورة كتاب ضمن خطب جميع الأمم، لكي يتعرَّفوا إلى ما يتضمنه من المعارف القرآنية والنكات الفرقانية التي سُلِّم بأنها معجزة. وإن لم يكن ما أقوله صحيحًا فليقدِّم المشايخ نيابة عن القساوسة أي شبهة أو اعتراض لهم لم نفنده بالبراهين القاطعة، ولْيثبتوا أن أحدًا قبلنا أيضًا فنَّدها بأسلوب بحثيّ. فليستحِ هؤلاء من الله، إلامَ ولأي مدى سوف يحاربون الحق؟
من جملة النصوص الحديثية قد ورد دليل لزمن المسيح الموعود أن الأرض ستكون ممتلئة ظلمًا وجورًا قبل ظهوره، وسوف يملأها المهديُ المعهود عدلًا وإنصافًا وسيكون نيِّر الجبين وأشم الأنف، كذا في المشكاة رواه أبو داود والحاكم أيضًا. فالواضح الآن أن الأرض في العصر الراهن قد ملئت من كل أنواع الظلم.. أي المعصية والإفراط والتفريط والفسق والفجور، وإن جميع ظلمات الأرض تتدفق بقوة، وإن الدنيا وأماني الدنيا مستولية على غالبية القلوب لدرجة لم يبق فيها أي مكان لله سبحانه وتعالى؛ لم تبق التقوى في الألسنة ولا في العيون ولا في الآذان، وإن سيل الثوائر النفسانية يجري بقوة، والحالات الإيمانية والعملية غير سليمة، البصيرة الأخلاقية مفقودة، والفِراسة مختفية. قد صار الحب الإلهي والأنس والذوق والزهد والتواضع والتقوى والخوف والخشوع والصدق والصلاح الذي علَّمه القرآنُ الكريم كالمعدوم. إن عَبدة المخلوق مشغولون في نشر الشرك، والفسَّاق قد فتحوا محلات الفسق هنا وهناك، وصار الإيمان ادّعاء محصورًا في الألسنة إلا قليل من العباد، فهذا الزمن في الحقيقة يوافق ما ورد في الحديث، أي قد اجتمع فيه كل أنواع الإثم والفاحشة وكل نوع من العقائد الباطلة، ونُصبت راية الشرك الذي هو ظلم عظيم بكل قوة وحماس. وهذا الحديث يبين بمنتهى الوضوح أن المهدي سيأتي لإصلاح الظلم السائد والجور في ذلك العصر. أما ما ورد عن جبينه النيِّر2 وأنفه الأشمّ فهذه العلامة لا تنحصر في الملامح الظاهرة، لأن الآلاف يتشاركون في هذه الملامح الظاهرة بل المراد منه بالإضافة إلى العلامة الظاهرة الحقيقةُ الباطنية أيضًا، وهي أن الله سيُلقي في جبينه نورَ الصدق الذي يجذب القلوب إليه، وستكون في أنفه علامة الكبرياء، وهي تشبه شمم الأنوف. وذلك الكبرياء أن التدبير الإلهي سيُلقي في القلوب هيبته وعظمته. وصحيح أن هاتين العلامتين تكونان في كلٍّ من عباده الخواص، لكن مدلول الحديث أن المهدي سيتمتع بهاتين العلامتين بمنتهى القوة والوضوح، وإن نور جبينه سيجذب الناس إليه بكثرة، حتى يظن قليلو العلم أنه ساحر، وكذلك سيقع رعبُه على المعارضين بشدة، وأما علامة الكبرياء الذي مظهرها الأَنْفَ فستتحقق بمنتهى الجلال. فسوف يُري بسبب سمو طبعه واستغنائه ولن يتذلل أمام الأشرار، بل الأشرار سوف يُبدون له التذلل في نهاية المطاف.
هنا لا يغيبن عن البال أنه قد أشير إلى هاتين العلامتين في الوحي الإلهي في البراهين الأحمدية قبل 18 عامًا، كما هناك إلهام: “ألقيت عليك محبة مني“؛ أي قد ألقيتُ فيك آيةَ الحب الجاذب، بحيث كل من سينظر إليك دون تعصب سيحبك وينجذب إليك. وثانيا هناك إلهام: “نُصِرتَ بالرعب“؛ أي فيك علامة الرعب. والمفكرون والمطلعون على الأوضاع الراهنة يعرفون جيدا أن كلتا هاتين العلامتين متحققة في هذا العبد الإلهي، بحيث إن غالبية أصحاب القلوب الطيبة ينجذبون، ويزداد الرعب على المعارضين يومًا بعد يوم، فتخيب آمالهم وبعضهم يتوبون.
ومن جملة النصوص الحديثية دليل أورده مسلم وهو: “لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ“، هذا الحديث يدل صراحة على أن زمنًا سيأتي على الإسلام يُصاب فيه الدينُ والعلم والإيمان بالضعف، وينتشر الظلم والجور في الأرض، عندئذ سيولَد رجل فارسي الأصل، يستعيد الإيمان إلى الأرض. وقد ثبت من الحديث السابق آنفًا أن الذي ستتم على يديه إزالةُ كل أنواع الظلم والفسق هو نفسه المهدي الموعود، ويثبت من حديث “لا مهدي إلا عيسى” أنه هو المسيح الموعود أيضًا. والآن تبين من هذا الحديث أن ذلك المسيح الموعود سيكون فارسي الأصل، فالمتدبِّر يكتسب بصيرة كبيرة في هذا المكان ويستنتج من جميع الأحاديث بعد رفْع كل أنواع التناقض فيها أن الإنسان الذي سيعيد الإيمان والدين والعلم من السماء من جديد أي سوف يُكسب العالم يقينًا صادقًا بالله من جديد من خلال أنواع الآيات ويقوي الإيمان ويصحح العقائد ويفهِّم حقائق القرآن الكريم ومعارفه؛ سيكون فارسيَّ الأصل وسيكون نفسُه المسيحَ الموعود، وقد ثبت من حديث البخاري وأبي داود أنه سيأتي في زمن تكون فيه شوكة سلطنة النصارى متعاظمة ومزدهرة، وستكون معظم البلاد تحت سيطرتهم. وقد ورد في صحيحَي البخاري ومسلم أيضًا أنه لن يتسلَّح ولن يخوض المعارك، بل سوف يُهلك الملل الأخرى بالحجج السماوية أي بالآيات والبراهين العقلية، وأن حربته ستكون سماوية لا أرضية. فاشكروا على أن وعْد الله هذا تحقّق في زمنكم وفي بلدكم، فماذا عسى أن ينفع الإيمانُ أولئك الذين سيأتون بعد النور الكامل، فقد أُشير في الحديث إلى الفارسي الأصل نفسه الذي أشار إليه الإلهامُ الإلهي في البراهين الأحمدية قبل 18 عامًا من اليوم، وهو: “إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا. فتح الولي فتح. وقربّناه نجيًّا. أشجع الناس. ولو كان الإيمان معلقًا بالثريا لناله، أنار الله برهانه. يا أحمد فاضت الرحمة على شفتيك… إني رافعك إلَّي وألقيت عليك محبة مني. (أي سوف يحبك الناس نتيجة الجذب الروحاني وينجذبون إليك) خذوا التوحيد التوحيد يا أبناء الفارس. وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم. واتل عليهم ما أوحي إليك من ربك ولا تصعّر لخلق الله ولا تسأم من الناس. (أي يوشك أن يتوافدوا إليك أفواجًا بكثرة فقابلْهم بالخُلُق والتحمُّل) أصحاب الصفة (أي سيكون منهم فريق يبقون حاضرين عندك معظم الوقت)  وما أدراك ما أصحاب الصفة. (أي شأنهم عظيم) ترى أعينهم تفيض من الدمع. يصلون عليك. (أي عندما يسمعون كلمات الحكمة والمعارف والحقائق، أو يشاهدون الآيات أو يتحقق لهم الانشراح واليقين فسوف يصلّون عليك بحماس الحب والتودّد، ويدعون لك قائلين:) ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان وداعيًا إلى الله وسراجًا منيرًا. أَملو.” (انظركتاب البراهين الأحمدية) . ففي هذه الإلهامات أفصح الله لي بجلاء أن مهمتك البارزة هي النداء للإيمان وقد ثبت من الحديث أن الحاجة التي ستمس إلى ذلك الفارسي الأصل هي أن يجدد إيمان الناس، وسوف توهب له القدرة على أن يستعيد الإيمان لو كان في زمن يرتفع فيه الإيمان من الأرض إلى السماء تمامًا، وقد أشير في هذه الأحاديث إلى أن الحالة الإيمانية للناس في أوائل عهده ستكون منحطة جدًا، وسيأتي لكي يرسِّخ الإيمان في القلوب من جديد بقوة وطاقة من خلال الآيات، فلن تبقى الأصنام ولا الصليب إذ سوف تختفي عظمتُه من قلوب أولي الألباب، وسيظهر لهم بطلان هذه الأمور كلها، وسيتجّلى وجه الله الحق من جديد. لكن ذلك لا يعني أن المسيح الموعود سيخوض معارك مع أهل الدنيا أو يحتاج إلى أسلحة مادية كلا بل سوف يُميل الله القلوب إلى الإسلام بآياته الجليلة العظيمة وبمعارفه الطيبة جدًا وبأدلة قوية جدًا، وسيبقى أولئك المنكرون فقط الذين مُسخت قلوبهم. سوف يُجري الله هواء كنسيم الربيع وستنزل روحانية من السماء وتنتشر بسرعة في شتى البلاد والأمصار وكما يظهر لمعان البرق في الشرق والغرب كذلك يكون عند ظهور الروحانية، وعندئذ سيُنَوَّر الذين لا يُبصرون، ويفهم الذين لا يفهمون وينتشر الحق بأمن وسلام.
هذا هو مغزى ولب النبوءات الواردة عن المسيح الموعود، فقد صرَّحت الأحاديث بوضوح أن سيفه هو أنفاسُه الطيبة أي كلمات حكيمة، فبتلك الأنفاس ستَهلك الملل الباطلة، وحيثما يصل نظرُه أي أن الأديان التي سيلفت انتباهَه إليها سيمزِّقها ويصرف القلوب إلى الحق. لن يضر أهل أيِّ دين، بل سوف يُظهر بطلان الباطل بالرفق واللطف، عندئذ سينشأ في القلوب نورٌ بصفة عامة وسوف يفهمون أن عقائدهم هذه لم تكن صحيحة في الحقيقة. فإذا لاحظتم أن القلوب تتحرك لفهم الإله الجليل العظيم المبارك الذي قدَّمه القرآن الكريم بأنه إله حق، أي الإله الذي يتصف بجميع الصفات ولا يخجل المؤمن به أبدًا، عندئذ اعلموا أن الوقت وشيك لتحقّق كل هذه الأمور. وكما تلاحظون في فصل الربيع أن خشب الأشجار اليابس القبيح المنظر يخضرّ وينمو ويورق ثم يُزهر وأخيرًا تمتلئ الأشجار بالثمار، فاعلموا أن في هذه الأيام أيضًا سيتحقق على هذا النحو. وفي أصحاب الصُّفة الذين مُدحوا في الإلهام الإلهي إشارة إلى أنه لن يتقدم على درب اليقين والحب والمعرفة أكثر إلا الذين يصاحبونني معظم الأوقات، وإن الله سيحبهم ولن يتعثَّروا، بل سيتقدمون، وتمتلئ قلوبهم خشوعًا. باختصار، إن الخواص عند ربهم أولئك الذين يتمتعون بالقرب والجوار والمجالسة.
وكذلك قد أُخبر في الأحاديث بتواتر أن المسيح الموعود سيأتي في زمن قوة النصارى وازدهارهم، وسيكون في زمنه القطار والبرقية وتُشق القنوات وتخرق الجبال، وبسبب القطار ستتعطل الجمال. (انظر كتاب منتخب كنـز العمال، مجلد 6 الصفحة 60، على هامش مسند أحمد بعد أبواب المهدي وعيسى وغيرها، وإن لم يتوفر هذا الكتاب فاقرأوا كُتيِّب أربعين حديثًا لأخي المكرَّم المولوي محمد أحسن الذي سيصدر قريبًا). لقد كتب الشيخ ابن العربي كشْفه في كتابه فصوص الحكم أنه خاتم الولاية وسيولد توءمًا وستولَد معه طفلةٌ وسيكون صينيَّ الأصل أي سيكون أجدادُه قد سكنوا بلاد الصين، فقد حقّق الله بإرادته كل هذه الأمور، فقد كتبتُ أني خُلقت توءمًا ووُلدتْ معي طفلةٌ وأن أجدادي كانوا يعيشون في سمرقند التي لها علاقة بالصين.
وأخيرا يجدر أن أذكر ما ألَّفتُه من كتبٍ ونشرتها حتى الآن، وهي: البراهين الأحمدية، كحل لعيون الآريا، شحنه حق، فتح الإسلام، توضيح المرام، إزالة الأوهام، الحكم السماوي، الآية السماوية، مرآة كمالات الإسلام، تحفة بغداد، إتمام الحجة، سر الخلافة، أنوار الإسلام، كرامات الصادقين، حمامة البشرى، بركات الدعاء، نور الحق، ضياء الحق، نور القرآن، القول الحق، الديانة الآرية، عاقبة آتهم، شهادة القرآن، السراج المنير، حجة الله، التحفة القيصرية، الرد على أربعة أسئلة لسراج الدين المسيحي، كتيب الاستفتاء، فلسفة تعاليم الإسلام، مناظرة الحرب المقدَّسة، الخطب في المناظرات الأخرى، إعلانات وغيرها. 

( المصدر: كتاب البراءة )

وفاة ميرزا غلام أحمد القادياني

 

توفي الإمام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد قادياني   في السادس والعشرين من شهر مايو عام 1908م.

قبل وفاته   عندما سمع أذان الفجر سأل :هل طلع الفجر؟” ثم بعدما تلقي الجواب نوى صلاة الفجر فصلى

وكانت الكلمات التي نطق بها  الإمام المهدي ميرزا غلام أحمد قادياني (المسيح الموعود)   قبيل الانتقال إلى الرفيق الأعلى هي : “يا حبيبي، يا حبيبي، يا إلهي الحبيب، يا ربي الحبيب

(المصدر: جريدة الحَكَم، بتاريخ 28-5-1911)

لعل البعض يتسائل : كيف مات ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام ؟

قبيل وفاة الامام المهدي (المسيح الموعود) ميرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام كان قد وصل إلى لاهور في صحبة السيدة زوجته وبعـض أفـراد عائلتـه وصـحابته، ونـزل في بيـت واحـد مـن فـضلاء أفـراد جماعتـه هنـاك. وكـان عليه السلام يعـاني مـن مـرض الدوسـنطاريا الـذي كـان يعـاوده مـن حـين لآخـر، وفي يـوم 23 مـن ربيـع الثـاني 1326هـ الموافـق -5-25 1908 ،عـاوده المـرض، وقـد جمـع صـلاتي المغـرب والعـشاء، وتنـاول قلـيلا مـن الطعـام. ثم أحـس بالرغبـة في قـضاء حاجته، فذهب إلى بيت الخلاء، ثم عاد إلى غرفته لينال قسطا من الراحة. ونام بعض الوقت، ونام أهله، ولكنه استيقظ مرة أو مرتين أثناء الليـل لقـضاء حاجتـه. وعنـد الـساعة الحاديـة عـشرة في تلـك الليلــة، اســتيقظ مـــرة أخــرى وقــد شــعر بــضعف شــديد فــأيقظ زوجتــه، وبعــد قليــل ازداد شــعوره بالضعف، فاستأذنته زوجتـه أن تـدعو حـضرة المولـوي نـو ر الـدين الـذي كـان طبيبـا حاذقـا وكـان أيضا من أقرب وأحب صحابته إليه، فوافـق حـضرته علـى اسـتدعائه واسـتدعاء ابنـه ميرزا محمـود أحمد، وكان حينئذ في التاسعة عشرة من عمره. وقد جاء الصحابي نور الدين، كمـا جـاء الـدكتور محمـد حـسين والـدكتور يعقـوب بيـك، وقال لهم عليه السلام إنه يعاني من الدوسنطاريا وسألهم أن يقترحوا لـه دواء، ثم أضـاف قـائلا: في الحقيقـة إن الـدواء موجـود في الـسماء، فعلـيكم بالـدواء والـدعاء. وقـد قـام الأطبـاء بمعالجتـه، ولكـن الـضعف كــان يــزداد، وشــعر بالجفــاف في لــسانه وحلقــه، وكــان عليه السلام يــردد بــين حــين وآخــر: “يــا إلهــي يــا حبيبي” ولعل هذا يذكرنا بما قاله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه، إذ ورد في صـحيح البخـاري بـأن أم المـؤمنين عائـشة رضـي االله عنهـا قالـت: كـان رأس النـبي علـى فخـذي، فغـشي عليـه، ثم أفـاق فأشـخص بـصره إلى سـقف البيـت ثم قـال: “اللهـم الرفيـق الأعلـى” (كتـاب المغـازي، باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم).

كان صحابة المسيح الموعود عليه السلام وجميـع الحاضـرين في حالـة مـن القلـق والاضـطراب، وكـان الـبعض يقوم بخدمتـه والـبعض الآخـر يـؤدون صـلاة التهجـد، وقـد كتـب ابنـه مـيرزا بـشير أحمـد يقول: “… حينما رأيت وجه والـدي في صـباح ذلـك اليـوم انتـابني قلق واستولى علي شـعور بـأن هذا ليس إلا مرض الموت” وفي حـوالي الـساعة الخامـسة صـباحا وصـل نـواب محمـد علـي، وهـو زوج ابنتـه الامام الامام المهدي عليه السلام ومـن أبـرز صحابته، ولما دخل سلّم على الإمام المهدي عليه السلام فـرد عليه السلام، ثم سـأل: هـل حـان ّ
ّ وقـت صـلاة الفجـر؟ قيـل: نعـم. فـضرب بكفيه على الفراش وتيمم ثم أخذ يصلي الفجر.ولكنه غشي عليه أثناء الصلاة، وبعد قليل أفاق فسأل ثانية: هل حان وقت صلاة الفجر؟ قيل: نعم.فنوى لصلاة الفجر ثانية، وراح يــؤدي الــصلاة حــتى فــرغ منهــا، ثم غــشي عليــه وهــو يــردد هــذه الكلمات: “يا إلهي يا حبيبي “.
في الساعة الثامنة صباحا سأله أحد الأطباء الذين كانوا يتولون علاجـه عمـا إذا كـان يـشعر بـألم أو أذى في أي جزء من أجزاء جسده الشريف، ولكنه لم يستطع أن يجيبـه لـشدة الـضعف، وأشـار إلى الحاضرين طالبا ورقة وقلما، وكتب أنه يشعر بضعف شديد ولذلك فإنه لا يرد . وفي الـساعة التاسعة صباحا تدهورت حالته وكانت أنفاسه الشريفة طويلة، وقـد بـات واضـحا للحاضـرين أنـه في اللحظـات الأخـيرة مـن حياتـه. وفي الــساعة الحاديـة عـشرة قبيـل ظهــر ذلـك اليـوم، فاضـت روحــه الطـاهرة للقـاء حبيبهـا، وانتقـل إلى الرفيـق الأعلـى في جنـة الخلـد، وإنا لله وإنا إليه راجعون . وبـذلك انقضت أيام عمره المبارك الذي بلغ فيه الخامسة والسبعين ونصف العام .
هذه هي تفاصيل مراحل مرضه الذي توفي فيه، وقد نقلتها هنا بالتفصيل والترتيب، وتؤكـد لنـا هـذه الحقـائق الموثّقـة علـى أنـ الامام المهدي ميرزا غلام أحمد عليه السلام قـضى حاجته للمـرة الأخـيرة في الـساعة الحاديـة عـشر لـيلا، وبعـدها لازم فراشه حتى الساعة الحادية عشرة من اليوم التالي، وطوال هذه المدة بقي علـى فراشـه، وصـلى صـلاة الفجر على فراشه، وجاد بأنفاسه الشريفة على فراشه، أمام الكثيرين من الحضور في ذلك اليوم.
ونحن نتحدى كل أولئك الكذابين والمفترين المضللين أن يأتوا بشهادة واحدة لشاهد عيان أن حضرته قــد تــو في في المرحــاض، فــإن لم يــستطيعوا. ولــن يــستطيعوا. فليتقــوا االله ربهم وليخشوا يوما تشخص فيه الأبصار. إنهم بهذا الافك الـذي يخترعونـه، وبهذا التزوير الذي يفترونه، إنما يماثلون تماما أولئك المستشرقين الغربيين الذين هـم أعـداء الإسـلام، والـذين راحـوا يـصفون كيـف توفي خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه كـان يتـألم في مرضـه الـذي تـوفي فيـه حـتى أنـه كـان يقـول: “إن للمـوت لـسكرات”، وكيـف أنـه كـان لا يقـوى علـى المـسير حـتى أنـه كـان يخـط بقدميـه علـى الأرض وهـو يتحامل على كتفي رجلين من صحابته، وكيف أنه لم يقـو علـى أداء الـصلاة فـأمر أن يـؤم أبـو بكـر المصلين، وكيف أنه كان يفقد الـوعي وهـو في النـزع الأخـير، وكيـف أنـه كـان يكابـد الآلام الـشديدة حـتى أن ابنتـه فاطمـة رضـي االله عنهـا راحـت تبكـي بجـواره. والآن يـسير أعـداء الامام المهدي ميرزا غلام أحمد عليه السلام علـى نفـس الـنهج الـذي سـار عليـه أعـداء الإسـلام من قبل فهذه هي سنة الله مع جميع المرسلين كما قال تعالى :”وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا” لهذا نحن نرى أن جميع الشبهات والأكاذيب التي يروجها أعداء  ميرزا غلام احمد القادياني عليه السلام هي في حد ذاتها آية على صدقه عليه السلام لأن مدعي النبوة الكاذبين قد تكفل الله بوأد دعوتهم في مهدها فلا يكون لهم بعد وفاتهم من يكترث بهم. انما رسل الله الصادقين هم فقط من يكون لهم أعداء بأمر الله كما قال تعالى : “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:112- 113]. أي أن الحكمة من وجود أعداء الأنبياء -الذين يسعوا جاهدين لصد الناس عن اتباع ما أنزل الله-  هي ابتلاء للذين لا يؤمنون بالآخرة إيمانا يقينيا يجعلهم ينيبوا الى الله ويسألوه سبحانه وتعالى أن يرشدهم إلى سبيل الهدى ويتضرعون إليه سبحانه وتعالى خوفا من أن يحاسبهم الله على تكذيب رسول أرسله إليهم. فمثل هذه الابتلاءات في الايمان هي لتمحيص الايمان في القلوب كما قال تعالى : “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ” (العنكبوت:2-3)

E-mail
Password
Confirm Password